عربي
Saturday 2nd of November 2024
0
نفر 0

التكاليف الشرعية هي تناسب العدل الإلهي؟

الشبهة الرابعة: التكاليف الشرعية هي تناسب العدل الإلهي؟

حينما نتتبع الأحكام الشرعية نلاحظ بعض الأحيان نوعاً من القساوة والشدة والتكليف فوق الطاقة الإنسانية - حسب الرؤية الظاهرية - مثال ذلك الفتاة حينما تنهي التاسعة من عمرها يوجب عليها فرض الصلاة والصوم والواجبات الشرعية الأخرى في حين تراها في هذا العمر صغيرةً لا تتحمل حرّ الصيف في صيام شهر رمضان ومثال آخر نشاهد القسوة ظاهرة في القصاص والحدود التي تقام على الجُناة. فقطع يد السارق وجلد الزاني.. وما شابه...

كيف يمكن أن نستوعب هذه الشبهة ونوجهها إسلامياً؟ وتبدو لي أن هذه الشبهة التي يتشدق بها بعض المصلحين الغربيين والمستشرقين بالذات ودعاة السماح أولئك الذين لبسوا ملابس القديسين وحقوق الإنسان وأعلنوا دفاعهم عن كرامة وشرف الإنسان أنها انعكست - هذه الشبهة - في لا شعور مجتمعنا واصبح البعض يردد كلماتهم بأن الإنسان يخطئ فلماذا هذه الصرامة المؤذية؟ ولماذا إراقة الدماء لخطأ معين؟

والإجابة على هذا النوع من الشبهات تحتاج إلى حديث طويل ولكن نحاول أن نتحدث بالأساسيات دون الهوامش مراعاة لظروف وطبيعة هذه الرسالة وقبل الخوض في الإجابة لابد من كلمة صغيرة تفتح لنا المجال ألا وهي أننا نؤمن بأن الله سبحانه قد خلقنا وأودع فينا الغرائز والشهوات: (ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكّاها، وقد خاب من دساها..). [سورة الشمس، الآيات 7-10].

فالخالق المبدع المدبر يعلم خفايا النفس وكيف تستقيم وتهتدي وكيف ترتدع عن المنكر والمحرمات وهو الذي يعلم الأسلوب المناسب لردع الإنسان عن ارتكاب الجرائم والآثام وتكرارها لغرض تطويقها والتخلص منها بشكل جدي وقطعي لضمان الصلاح النفسي والاجتماعي فهذا الإيمان يجعلنا - طبيعياً - نقول أن الله عز وجل بتقديره الحكيم سن القوانين وحدّد موعد بلوغ الفتاة وسنّ الحدود والقصاص عن حكمة دقيقة لغرض التربية الصالحة وردع النفس الأمارة بالسوء عن المنكرات.

ومن ثم نقول إن الله ما أراد بالشريعة الإسلامية إلا الخير والمعروف والصلاح (إن الله يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) فالنبي (صلى الله عليه وآله) بعث بالشريعة السمحاء فقد قال (صلى الله عليه وآله): (إن الله عفوّ يحب العفو)(25).

فالتكاليف الشرعية ليست بحاجة إلى بذل قصارى جهد الإنسان وإنما تشكل جزءاً من وقته وجزءاً من ماله وفي فترات الجهاد قد تكلف نفسه وهذه التربية الهادفة لبناء صرح الدين في المجتمع تنفعه على المستوى الشخصي والاجتماعي أيضا فهو بحاجة إلى مثل هذه التربية الهادفة والصارمة لكي يستطيع خوض الحياة الاعتيادية بنجاح فليتحمل الإنسان من التعب والجهد والجوع والعطش والسفر إلى بيت الله الحرام والبذل المالي في الزكاة والخمس والحج. ليُمرّن نفسياً وتربوياً لتحمل الصعاب بأنواعها في الحياة ومن ثم يتهيأ للدور الأكبر لو أرادت منه العقيدة تضحيات أكثر.

أما القصاص والحدود فذلك أمر يحقق عين العدالة فلو تسامحنا عن القصاص لبقي الحق مهدوراً وهذا عين الظلم فالحدود والتعزيرات تقام مع توفر الشروط الموضوعية الإسلامية لتحقق هدفين هدف التوبيخ الشديد للجاني وللناس بشكل عام لغرض الاعتبار فإنهم يرتدعون أمام العقوبة الصارمة وهدف أخذ الثأر بالشكل المشروع من الجاني لتهدئة المجني عليه ولفض النزاع بالشكل العادل بدلاً من ترك المسألة جانباً لتتفاقم الأزمة في النفس كعقد نفسية مستعصية الحل لتنفجر في ظلم اجتماعي كبير في المستقبل.

وإضافة لذلك فإن هنالك مجال للتصالح والتنازل في بعض المرافعات المشروحة في كتب الفقه الإسلامي. مما يجعلنا نقول إن هذه التعاليم مناسبة جداً للعدل الإلهي حيث أنها لصالح الإنسان أولاً ثم البشرية ثانياً.

الشبهة الخامسة: لماذا خلقنا الله سبحانه؟

قال تعالى: (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين). [سورة الأنبياء، الآية 16].

وقال في آية أخرى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون). [سورة الذاريات، الآية 56].

و(الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً). [سورة الملك، الآية 2].

فإذن إن لخلق الإنسان والحيوان والكواكب والنجوم والبحار والهواء أهداف وليست المسألة عبثيّة فالله خلقنا لكي يعرف وتعرف قدرته ومن ثم ليمتحننا في الحياة الدنيا ويجزينا بالآخرة على ضوء ما نفعله في الدنيا. يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (... ما خلقهم ليجلب منهم نفعة ولا ليدفع بهم مضرة بل خلقهم لينفعهم ويوصلهم إلى نعيم الأبد).

وفي حديث آخر قال (عليه السلام): (خلقهم لإظهار حكمته ونفاذ علمه وإمضاء تدبيره).

فالإنسان مخلوق الإلهي متميّز وفّر له الله عز وجل طاقات كبيرة لتسخير قوانين الطبيعة لصالحه ولعمارة الكون بعمله وعبادته لله تعالى.

الشبهة السادسة: العذاب والبلاء والنكبات على المؤمنين والطيبين - غالباً - لماذا؟

قال سبحانه: (الم، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين). [سورة العنكبوت، الآيات 1-3].

للعذاب والابتلاء في الدنيا أكثر من هدف ومن الأهداف الرئيسية اكتشاف المؤمن الصابر على البلاء فالفتنة والامتحان العسير والابتلاء كل ذلك يكشف الجوهر الذاتي للإنسان ويميزه على المظهر ففي الرواية: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، سجنه قياساً بالآخرة حيث الجنة والأرزاق فمحل السجن أي الدنيا محل الابتلاء والاختبار. ومن الأهداف نيل الأجر والثواب في الآخرة - وكما فسّرنا سابقاً - أن الدنيا والآخرة وجهان للحياة العامة الواحدة فالآخرة امتداد للدنيا والدنيا مزرعة الآخرة.

أما منطوق الشبهة بأن العذاب على المؤمنين - غالباً - فهو غير دقيق وإن كان كذلك فهو للاختبار كما قلنا والمؤمن كما يصفه الإمام علي (عليه السلام): (وقور عند الهزاهز، ثبوت عند المكاره، صبور عند البلاء، شكور عند الرضا... الناس منه في راحة ونفسه منه في تعب)(26).

الشبهة السابعة: الدعاء على الظالمين لماذا لا يستجاب دائماً؟ 

الدعاء وسيلة للتعبير عما يجري في داخل النفس وطموحاتها والقرار النهائي بيد الله عز وجل فمن المشهور في الحديث القدسي: (الظالم سيفي انتقم به وانتقم منه) وورد في الحديث (كيفما تكونوا يولّ عليكم) وفي الرواية: إن تركتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يولى عليكم شراركم فتدعون فلا يستجاب لكم.

إذن للدعاء مفاتيحه المشروعة وأرضيته المطلوبة فإن اكتفى المجتمع بالدعاء اللفظي دون العمل الصالح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فمن الطبيعي ألاّ يستجاب دعاء الداعي أو أن هنالك ظروف موضوعية بالمجتمع يرى الله سبحانه من الصالح بقاء الظالم على ظلمه إلى إشعار آخر. أما الداعين العاملين فيدعون ربهم من باب:

(وقال ربكم ادعوني استجب لكم). [سورة غافر، الآية 60].

لهم أجرهم في نجاح أعمالهم وقبول دعواتهم ولكن للظروف الموضوعية القائمة تؤجل الاستجابة ولربما لصالح المجتمع المؤمن ذاته ونحن لا نعرف ذلك.

وهذا الحديث يجرنا إلى أن الأعمال الصالحة من غير المسلمين المؤمنين هل تلقى أثراً حسناً عند الله ما دام أن دعاء المؤمنين غير الآمرين بالمعروف لا يلقى أثراً مناسباً.

والحقيقة أن القرار النهائي بالقبول وعدمه بيد الله سبحانه والملاحظ أن الأعمال الصالحة من البر والإحسان الصادرة من المؤمنين بالله والحساب والعقاب تصعد إلى درجة القبول عند الله بشرط النية المخلصة ولو كانت النية قلقة الإخلاص فنسبة القبول بيد الله تعالى حسب نسبة القلق التي لا يضبطها سواه (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) كما قال القرآن الكريم في سورة غافر، الآية 19.

أما أعمال البر والإحسان كإنشاء المستشفيات وبناء الجسور للخدمات العامة لجميع الناس هذه الأعمال الصادرة من غير المؤمنين فالأمر يعود إلى الله المدبر المقدر حيث يميّز نياتهم فإن كانت النية لوجه الله الكريم فإنها تساهم في تخفيف عذابهم وإسعادهم في الدنيا بالذات والمهم في المسألة أنها تربط بالنية القلبية وهم يفدون على الحي الكريم فإن كان عدم الإيمان صادر من تعصب وعناد أو كان من قصور لا تقصير فالمسألة فيها تمييز ومميزها حساب الله الدقيق:

(يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم). [سورة الشعراء، الآيتان 88-89].

وهكذا تنسحب المسألة على المخترعين الذين أفادوا البشرية بخدماتهم والآية الكريمة تقول:

(يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات). [سورة المجادلة، الآية 11].

فللمؤمن درجة وللمؤمن العالم درجات كما يذهب العلامة الطباطبائي في ميزانه فربما يجزي الله ذلك العالم غير المؤمن الذي خدم البشرية بعلمه جزاءً حسناً في الدنيا فيهيّئ له أسباب المعيشة الدنيوية بعيدة عن المنغصات.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

إبراهيم عليه السلام أول الموحدين
مما يهوِّن هول المحشر
مفهوم الإنتظار
نظرة متطورة الى الاقتصاد عند الطهطاوي
ما يصح السجود عليه
من التراث الفقهي للإمام الباقر(عليه السلام)
عشيرة سال سائل بعذاب واقع
وحدة كلمة الأمة
لا يحبني الا مؤمن ولا يبغضني الا منافق
المُناظرة التاسعة والاربعون /مناظرة السيد محمد ...

 
user comment