عربي
Saturday 2nd of November 2024
0
نفر 0

النبوة معنى وضرورة

المعنى اللغوي للنبي هو الإنباء يعني الإخبار عن الله عز وجل.

أما المعنى الاصطلاحي: فالنبي هو الذي يخبر الناس عن الله تعالى أوامره ونواهيه فهو أمين الله يهديهم للخير والصلاح بتنفيذ أوامره سبحانه و الابتعاد عن نواهيه، فهو الرابط بين الخالق والمخلوق وهو الوسيلة الموصلة للإنسان إلى رضا الله الخالق الكريم و بمعنى آخر هو البوابة الإلهية على الأرض من خلالها يستطيع أن يرتقي إلى درجات القربة منه:

(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم). [سورة النساء: الآية 59].

فعلى هذا نرى أن الذي يريد أن يدخل في رحاب الله ويكون من المقربين لديه عليه أن يطيع الله من خلال تطبيقه لرسالة النبي المرسل وأوامره. فالرسالة السماوية هي اللوائح القانونية الإلهية التي تشمل الحياة بكل معانيها والنبي المرسل هو الذي ينقل هذه اللوائح القانونية للبشر بعد أن يكون الانموذج التام في تطبيق تلك اللوائح القانونية على نفسه وأسرته ومجتمعه فقد قال سبحانه:

(لقد كان لكم في رسول الله أُسوة حسنة). [سورة الأحزاب: الآية 21].

وهذا النبي المرسل مختار من قبل الله عز وجل لتأدية هذا الدور الكبير والخطير في الحياة فالمسألة إذن تعينيّة من قبل الله سبحانه لمواصفات ومؤهلات خاصة يمتاز بها الرسول المنتخب لا يعلمها إلا هو العزيز القدير فقد قال عز وجل:

(رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل). [سورة النساء: الآية: 165].

و(ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين). [سورة الأحزاب الآية: 40].

و(يا داود إنّا جعلناك خليفة في الأرض). [سورة ص: الآية 26].

و(وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). [سورة الأنبياء: الآية: 107].

فمسألة الرسالة مسألة غيبية بحتة وتعيين النبي المرسل مسألة غيبية أيضاً فهو سبحانه يصطفي من عباده ويختار ضمن المقاييس الخاصة به فالله يختاره أميناً نقياً زاكياً صادقاً وكل هذه الصفات الإيجابية المعروفة الظاهرة أمام الجميع وهنالك صفات إيجابية باطنية يمتاز بها الرسول تبقى في الأُطر الغيبية التي لا يعرفها إلا الله وعلى ضوئها يتم تعيين النبي المرسل وتنزل الرسالة عليه ليبلّغها بأمانة وإخلاص.

(وما ينطق عن الهوى ,إن هو إلا وحي يوحى). [سورة النجم: الآيتان 3،4].

و(ما أرسلناك إلا مبشراً ونذيراً). [سورة الفرقان: الآية 56].

ما هي ضرورة النبي:

أما ضرورة النبي (صلى الله عليه وآله) فنتحدث عنها فيما يلي:

(أ) الضرورة العقلية.

(ب) الضرورة التكوينية.

(ج) الضرورة الشرعية.

(د) الضرورة النفسية.

(هـ) اللطف الإلهي.

فضرورات بعثة النبي للبشرية كمنقذ وموجّه ضرورات عديدة فالنبي (صلى الله عليه وآله) هو حلقة الوصل الطبيعية والشرعية بين الخالق والخلق بين الرب والمربوب فلندرس أهم هذه الضرورات التي سجلناها قبل قليل:


(أ) الضرورة العقلية:

إن الإنسان خلق بفطرته - وفي داخله - قوتان متصارعتان الخير والشر.

(ونفسٍ وما سواها ،فألهمها فجورها وتقواها). [سورة الشمس: الآيتان 8،7].

وهذا كما نُعبّر عنه بالجهاز العقلي الكاشف والداعي للخير من جانب ومن جانب آخر الأهواء والشهوات الداعية للشر واللهاث المادي فأمام إغراءات الدنيا وشهواتها يتضاءل دور العقل فينسى الإنسان الفطرة السليمة والعقل النيّر فيمشي خلف شهواته وإغراءات الدنيا بينما تبرز حاجة العقل البشري إلى القوة الغيبية المبدعة التي طالما تنادي بيقظة العقل وإثارة دفائنه وتنبهه بالذكرى.

(فذكر إنما أنت مذكّر). [سورة الغاشية: الآية 21].

(سيذّكر من يخشى). [سورة الأعلى: الآية 10].

فكلما ابتعد الإنسان عن رؤى عقله أو بمعنى آخر إن أعماله السيئة حجبت دور العقل كلما نادى الرسول ونادت الرسالة الإلهية بالعودة إلى دور العقل والتفكير في سبيل النجاة ضمن البرامج الشرعية وفسح المجال أمام الشهوات لتحقق بالطرق المشروعة لإنقاذ الإنسان من عقد الكبت والانعزال وهنا تتحقق العدالة الإلهية بأوسع معانيها حيث نلاحظ جانب الفجور لدى الإنسان له من يثيره ويستهويه ويجلبه ويحرّكه نحو الشر ويلمّع له النتائج ذلك الشيطان والدنيا واللذات والغرائز الفطرية فمن الطبيعي أن تشملنا العدالة الإلهية حيث يضع العدل الإلهي من يذكر الإنسان ومن ينبهه ويجلبه ويهذبه ذلك الرسول وتلك الرسالة بل كان كل الرسل والرسالات التي بعثت تؤدي هذا الهدف الرئيسي.

فإذن النبي المرسل والرسالة السماوية ضرورة عقلية فلا بد من الرسول ومن الرسالة لتتحقق العدالة الإلهية والتوازن الطبيعي ما بين قوى الشر وقوى الخير المتصارعة في ذات الإنسان وعمق المجتمع البشري ولا بد من الانتصار للعقل الإنساني فهو بحاجة ماسة إلى دعم غيبي لينتصر على قوى الشر كما أن لقوى الشر من يثيرها وينتصر لها من الأهواء والشيطان والدنيا، والآن وبعد تحقق الموازنة وإتمام الحجج الباطنية والظاهرية يترك الإنسان إما شاكراً وإما كفوراً كما يقول القرآن:

(إن هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً). [سورة الإنسان: الآية 3].

وأما من يدّعي قدرة العقل على التوجيه والهداية للإنسان من دون دور للأنبياء والرسالات فهو بعيد عن الدقة حيث نلاحظ عبر التاريخ أن المصلحين مهما بلغوا من القدرة العقلية ما استطاعوا تحقيق التوجيه والهداية بالشكل المطلوب لأن عقولنا مهما بلغت فهي قاصرة عن الإحاطة بأسرار الكون والغيب وحتى أنها قاصرة من معرفة المكاسب والمصالح بالشكل التام فنقرأ بالتاريخ أن عقل الإنسان اخترع له ربّاً من حجر أو من تمرٍ فأكله حينما جاع وقسم الآلهة إلى إله السماء وإله الأرض وإله الزرع وإله الحرب..ويروون عن الآلهة كيف تفعل المنكرات وما شابه كلها تصورات ونظريات ساذجة للعقل الإنساني سرعان ما تتغير , بل كثير من النظريات حتى العلمية الحديثة منها ما يفنّد بعضها بعضاً فمثلاً في الطبابة تتبدل وتتغير من زمن لزمن وكثير من الأسرار في الطبيعة والكون يكتشفها العقل بعد مرور فترة زمنية بالإضافة إلى أن الله عز وجل لا يفعل شيئاً هباءً ولغواً - والعياذ بالله - بل إنه يعلم علم اليقين أن هذا المخلوق (الإنسان) لا يستطيع أن يدير نفسه بنفسه مع منحة القدرة العقلية الكبيرة لذلك أرسل الرسل وأنزل الكتب لتنظيم حياة الإنسان ووضع الضوابط اللازمة في حياته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ولو أن الله تعالى كان يعلم بعلمه الغيبي أن الإنسان يستطيع أن يستغني عن الرسالة والرسول بالاعتماد على عقله وما زوّده من امكانيات ذاتية لتركه لشأنه بينما نحن نلمس الحاجة الماسة للمنهج السماوي الذي عرّفه إلينا سبحانه وتعالى فهو خالقنا وهو العالم باحتياجاتنا, وعقولنا كذلك بحاجة ماسة إلى منهجية السماء الثابتة لرسم قوانين الدنيا من العلاقات الاجتماعية كالزواج والإرث والمعاملات الأخرى لكي يتحقق رضا الله بتطبيق قوانينه الشرعية وكذلك تبيان المفاهيم الإسلامية بالشكل العلمي كالعدالة والمعاد والجنة والنار والثواب والعقاب. عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال للزنديق الذي سأله من أين أثبت الأنبياء والرسل؟ قال: (إنّا لمّا أثبتنا أن لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنّا وعن جميع ما خلق وكان ذلك الصانع حكيماً متعالياً لم يجز أن يشاهده خلقه ولا يلامسوه فيباشرهم ويباشروه ويحاجّهم ويحاجّوه ثبت أنه له سفراء في خلقه يعبرون عنه إلى خلقه وعباده ويدلّونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه والمعبرون عنه جلّ وعز وهم الأنبياء (عليهم السلام) وصفوته من خلقه حكماء مؤيدين بالحكمة مبعوثين بها غير مشاركين للناس على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب - في شيءٍ من أحوالهم - مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة. وفي رواية أخرى في علل فضل بن شاذان عن مولانا الرضا (عليه السلام): (فإنْ قال فلِمَ وجب عليهم معرفة الرسل والإقرار بهم والإذعان لهم بالطاعة قيل لأنه لمّا لم يكن في خلقهم وقواهم ما يكملوا لمصالحهم وكان الصانع متعالياً عن أن يُرى وكان ضعفهم وعجزهم عن إدراكه ظاهراً لم يكن بدٌ من رسول بينه وبينهم، معصوم يؤدي إليهم أمره ونهيه وأدبه ويقفهم على ما يكون به إحراز منافعهم ودفع مضارهم إذ لم يكن في خلقهم ما يعرفون به ما يحتاجون إليه منافعهم ومضارهم...)(1).

ولا بد من الإشارة إلى ادعاءٍ يدعيه البعض بأن التطور العلمي كفيل بتنظيم حياة الإنسان والمجتمع فالعلم والتكنولوجيا وأدوات العلم الأخرى كل ذلك يجعلنا نستغني عن النبي المرسل ورسالات السماء وخاصة نحن أمام قوائم جبارة من الاكتشافات والاختراعات العلمية المتعددة التي ذللت صعوبات الحياة وحطمت كبرياء الطبيعة القاسية وتستطيع هذه الأدوات العلمية أن توصل الإنسان والمجتمع إلى السعادة في الحياة كما نلاحظ سعادة الإنسان مع الصناعات المتطورة وخاصة في مجال الخدمات من وسائل النقل والكهرباء والهاتف والتلفاز وغيرها. وهذه الفكرة يثيرها البعض من أنصاف المثقفين على رؤوس الشبيبة والأشبال لأغراض معروفة وبالفعل لأنهم عرفوا شيئاً وغابت عنهم أشياء.. وصحيح أن العلم خدم ويخدم البشرية جمعاء خدمةً لاتنكر فقرّب المجتمع البشري من بعضه البعض وأضاء ليله وجعله كالنهار وذلّل صعوبات الهندسة والطب والخدمات ولكن بقيت أمام العلم والعلماء أسرار ضخمة وألغاز كثيرة يصعب على العلماء فكّها ومعرفة رموزها إضافة لأسرار الغيب والنفس الإنسانية وما وراء الطبيعة حيث يقف العلم والعلماء موقف الطفل الحائر أمامها لا يمتلك مفتاح الأبواب الموصدة بل لايستطيع معرفة موقع الأبواب حتى يقف عندها ليطرق الباب أو ينتظر أمام الباب طويلاً عسى من مخبر أو أمر طارئ يستطيع تفسيره ليملي فراغه ويقف العلم والعلماء موقف التلميذ الصغير أمام أسرار الطبيعة الهائلة والنفس والميتافيزيق هذا الكلام بشهادة رجال العلم أنفسهم يقول الكسيس كاريل في كتابه المعروف (الإنسان ذلك المجهول) (...فنحن نؤكد أن جميع المتخصصين في عملهم يعتقدون بأن ما ظفروا به لحد الآن ضئيل جداً ولا أهمية له بأزاء المسائل التي لابد أن نعرفها فيما بعد.. والواقع إن الإنسان مجموعة واحدة معقدة مبهمة ليست قابلة للتفكيك ولا يمكن معرفتها بسهولة ولا تتوفر لحد الآن الأساليب التي يمكن استخدامها في دراسته جزءاً جزءاً وبصورة مجموعة واحدة ودراسة علاقاته بالبيئة المحيطة به... وعلى هذا فإن الإنسان الذي يعرفه المتخصصون في كل فرع من هذه العلوم ليس واقعياً أيضاً وإنما هو شبح يصنعه ويعرضه في ذلك العالم)(2).

ويقول وليم جيمس في كتابه (إرادة الاعتقاد): (إن علمنا ليس إلا نقطة ولكن جهلنا بحر زاخر) ويقول الكسيس كاريل: (إن علمنا عن ذاتنا لايزال في حالة بدائية) ويقول غوستاف لوبون في كتابه (الآراء والمعتقدات): (إن العلماء تبدو عليهم السذاجة كما تبدو على الجهلة الآدميين).

ويقول الدكتور أبرسولد: (وعندنا تزايد علمي ومعرفتي من الأشياء من الذرة إلى الأجرام السماوية ومن الميكروب الدقيق إلى الإنسان تبيّن لي أن هنالك كثيراً من الأشياء لم تستطع العلوم حتى اليوم أن تجد لها تفسيراً وتكشف عن أسرارها النقاب)(3).

مع كل هذا التطور العلمي وشهادة العلماء بأن العالم لا يزال مجهولاًَ أمامنا فكيف نعطي لهذا العلم أمر تقرير المصير وبناء الروح والقانون والعدالة فالعلم لا يزال بسيطاً ويبقى كذلك كيف نربط أنفسنا بعجلته الحائرة؟ وفي الحال نرى أن العلم يخدم البشرية حيث تتفجر طاقات الإنسان العقلية في استخدام بعض أسرار الطبيعة أما الجوانب الغيبية فالعلم لا يستطيع أن يفهمها أو يدركها بل يعلن عجزه التام عن فهمها. فعلى ذلك تتحقق لدنيا ضرورة الرسالة والرسول عقلياً لتوضيح هذا الأمر المستصعب في سن القوانين وتنظيم علاقة الإنسان بأسرته ومجتمعه وبنفسه وبربه وبالكون كذلك وهذا ما يعجز عنه العلم وكل وسائل التكنولوجيا المتطورة فمن هنا يُقال أن الإنسان بحاجة إلى صياغتين صياغة ذاتية لنفسه كي ينمو على الفضائل والاستقامة وصياغة خارجية يقوم بها الإنسان لتوفير الخدمات وتذليل الصعاب فالصياغة الأولى أي البناء النفسي لاينجح إلا عبر مناهج السماء وقوانين الرسالة السماوية.

(لئن اجتمعت الجن والإنس على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً). [سورة الإسراء: الآية 88].

وأما الصياغة الثانية فتعتمد على طاقاته الفكرية وتطوره الحضاري.

(يامعشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان). [سورة الرحمن: الآية 33].

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ثقافة الحب الحاضر الغائب في مجتمعنا
إثبات الأشاعرة لرؤيته تعالى في الآخرة
من هم آكلة لحم الخنزير وما هو مصيرهم في الكتاب ...
المُناظرة الثاني والخمسون /مناظرة السيد محمد ...
قاعدة التسليط
البَضْعة الزكيّة
محبة الرسول واله صلى الله عليه وآله
سؤال القبرفي کلام امير المؤمنين
إبراهيم عليه السلام أول الموحدين
مما يهوِّن هول المحشر

 
user comment