عربي
Wednesday 3rd of July 2024
0
نفر 0

الاتّجاه الإِلهي في أعماق-2

وسائر الإحساسات الثلاثة هي : حب الاستطاع والمعرفة ، وهذا الإحساس هو الذي حمل فكر البشر من أول يوم على التحقيق حول المسائل المجهولة ، ومعرفة عالم الوجود ومظاهره المتنوعة ، وفي ظل هذا التحقيق ظهرت الصناعات والعلوم ، إن الشدائد والأتعاب التي يتحملها مؤسسو العلوم والمحققون والكاشفون للكشف عن أسرار الطبيعية إنما تنشأ من هذا الإحساس .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 الإحساس الديني ( بالفارسية ) بترجمة مهندس بياني .

 

2 ـ الإِحساس بالإِحسان الذي هو مستند الفضائل والصفات الروحية السامية ، فكل إنسان يحس في عمق وجدانه وضميره جاذبية تجذبه إلى العدل وحب النوع والفداء ، إن هذا الإِحساس والجاذبية الأصلية تحدث نوعاً من الاتّجاه إلى السجايا الطاهرة والتبري والنفور والانزجار عن الأرجاس .

3 ـ الإِحساس بالجمال الذي هو سبب لتجلّي وظهور أنواع الفن والذوقيات ، وله أثر عميق في ظهور قسم عظيم من الحوادث الاجتماعية .

4 ـ الإِحساس الديني أو المفهوم المقدس للعبد الرابع ، وهذا الإِحساس هو نوع من الجاذبية إلى ماوراء الطبيعة ، وهو يضمن استقلال سائر المفاهيم الثلاثة وبكشف الإِحساس الديني انكسرت محاصرة الأبعاد الروحية في الثلاثة ، وثبت أن لجميع الاتجاهات الدينية جذوراً ذاتية ، ظهرت في أدوار كان أصحابها يعيشون في بطون الغابات وشعب الجبال .

لكسب المعرفة بمبدأ الوجود أساليب متعددة ، إن مفهوم « الله » إجابة صحيحة للحاجات العقلية وغير العقلية ( الفطرية ) ، فالعقل يتيقن بوجوده من طريق النظام والآيات يقيناً قاطعاً بيناً ، والفطرة ترتبط بالله عن طريق الحب والحاجات الفطرية ، حتى كأنك تقول : إنه يرى الله جهرة ! لا بالبصر بل بالبصيرة ، ولا حاجة في إدراك الله عن طريق القلب والحب إلى أي نوع من الاستدلال والبرهان .

إن العلم اليوم وإن كان يبحث عن التحقيق التجريبي للاستدلال ، إلاّ أن توحيد الله الذي يكون نتيجة مباشرة للبحث والاستدلال ، سواء كان بالدلائل العقلية والفلسفية أو العلوم التجريبية الحسية ، فهو توحيد استدلالي .

هناك علماء مثل (ديكارت) و(سن توما داكن) وصلوا إلى نتائج واضحة من معرفة مبدأ الوجود من نافذة العقل والبرهان والفكر العلمي وهناك

عرفاء مثل ( باسكال ) الفرنسي أدركوه عن طريق الشهود الباطني والفطرة ، وكان هو يقول : « للقلب دلائل للإِيمان بالله لا سبيل للعقل إلى تلك الدلائل »(1) .

وكان ( أنشتاين ) هكذا يفكر : « إن أجمل وأعمق الأحاسيس التي يمكن أن تعرض للإِنسان هو حسه العرفاني ، فهو الذي يبذر بذور جميع العلوم الواقعية في النفوس ، والذي لا يشعر بهذا الإِحساس ولا يستطيع أن يكون متحيراً مبهوتاً فهو كالميت »(2) .

و( شوبنهاور ) العالم الألماني يرى الاتجاه الديني في الإِنسان عميقاً جداً حتى أنه يجعله هو الفصل المنطقي المميز له عن سائر الحيوانات فيقول : « إن الإِنسان حيوان يعتقد بالميتافيزيقيا »(3) .

مع ما لحس حب الاستطاع والإِحسان والجمال من الأصالة والاستقلال والأثر في العلوم والأخلاق والفن ، فإن الحس الديني يهيّىء الأرضية لتحرك هذه الأحاسيس الثلاثة وفعاليتها ، ويساعدها في مجاريها ، وله الحظ الوافر في فتح أسرار عالم الطبيعة .

إن العالم في نظر المؤمن مصمم على أساس قوانين وأنظمة دقيقة ومحسوبة ، إن حس حب الاستطلاع ينحرك في ظل الإِيمان بالله المدبر الحكيم ، كي يبحث ويسعى في سبيل كشف قوانين وأسرار الطبيعة المبتنية على سلسلة من العلل والمعلولات .

( ويل ديورانت ) يقول : « كان ( هربرت اسبنسر ) يرى أن الكهنة هم العلماء الأول كما هم الأدباء الأول ، فهم الذين بدأوا العلم بالمشاهدات في المراصد الفلكية بهدف تعيين أيام الاحتفالات الدينية ، وكانت هذه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 سير الحكمة في أوربا : ج 2 ص 18 . ( بالفارسية ) .

2 الإِحساس الديني : ص 72 ( بالفارسية ) .

3 ميتافيزيك فليسين شاله : ص 11 ( بالفارسية ) .

 

المعلومات تخزن وتحفظ في المعابد ، وتنتقل من جيل إلى جيل آخر بعنوان التراث الديني »(1) .

إن دور الحس الديني في تسامي الإِنسانية السامية وتعديل الغرائز وتنمية شجرة الفضائل والأخلاق لا يقبل الجدل ، والذين يخطون في المسير الديني يرون تعديل غرائزهم واتصافهم بالصفات الراقية من أهم الوظائف الدينية .

إن الفكر الديني كان من أهم العوامل في تربية حس حب الجمال على طول التأريخ ، إذ لم يخلق الإِنسان القديم أكبر آثاره الفنية إلا لتعظيم آلهته ، إن معابد الصين العجيبة ، وأهرام مصر العظيمة وأصنام المكسيك الجميلة والفن المعماري الجميل ، والمحيّر في الشرق الإِسلامي كلها من آثار الإِحساس الديني .

يعتقد علماء النفس ، أن هناك علاقة بين البلوغ وثورة الإِحساسات الدينية ، وأن في هذا العهد من حياة الإِنسان يظهر اتجاه خاص إلى المسائل الدينية ، حتى في الأفراد الذين لم يعيروا أي أهمية لها .

ويرى ( استانلي ) أن : ( حد ظهور هذه الإِحساسات هو سن السادسة عشرة للشباب ، يمكن أن نحسب هذا الأمر صورة من صور توسعة شخصية الشباب ، إن هذه الإِحساسات تأذن للشباب أن يجد العلة الغائية من وجوده في ذات الله سبحانه )(2) .

ولا شك أن نداء الفطرة إنما يتجلى فيما إذا لم يجعل أمامه مانع بسده ، فإن الدعايات والتبليغات المخالفة تقلل من فعالية الفطرة والفكرة الصحيحة ، وإن كانت نتيجة هذه المكافحات للفطرة لا تصل إلى حدّ أن تستأصل جذور الاتجاهات الطبيعية في الإِنسان ، ولهذا إذا كان هناك سدّ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 تاريخ ويل ديورانت : ج 1 ص 121 ( بالفارسية ) .

2 البلوغ : ص 118 ( بالفارسية ) .

مانع فإن كُسِرَ بدأت الطبيعة الأصيلة فعاليتها ونشاطها بمحاولاتها الذاتية الخلاّقة المتجلّية .

نحن نعلم أنه قد مر إلى الآن أكثر من نصف قرن على الثورة الشيوعية في الاتحاد السوفياتي ، وعروق الدين بعد حية في أعماق طبقات واسعة من الناس في روسيا ، ولم يستطع القادة الزمنيون بكل ما كانت لهم من محاولات جادة في هذه المدة لمحو الدين والمذهب أن يفرغوا ضمائر الملايين من الإِحساس الديني .

وعلى هذا نقول : إن تواجد الأفكار المادية في العالم لا تضر بفطرية الاعتقاد بالله والمعاد ، ولا يمكن أن نحسب هذا الابتعاد والانفصال عن طريق الفطرة من مذهب خاص شاذ ، قبال هذه الأمم والمدارس الميتافيزيقية سواء اليوم أو الأدوار السابقة نقضاً لفطرية معرفة الله ، إذ ما من عام إلا وقد خصّ ، وفي كل شيء استثناء .

ويستفاد من التأريخ أن المذاهب المادي الفلسفي أسّس في القرن السادس والسابع قبل الميلاد ، وحماة المذهب المادي في ذلك العهد كانوا على الترتيب عبارة عن :

( طاليس ) من فلاسفة اليونان ، المولود عام 622 والمتوفى في 560 او 567 ق . م .

و( هراكليت ) : 535 ـ 475 ق . م .

و( دموكريت ) : 540 ق . م .

و( أبيكور ) : 346 ق . م .

وليست نسبة المادية إلى هؤلاء قطعية ، إذ كتب بعض العلماء مثل ( بانكون ) في كتابه : ( تأريخ الفلسفة ) بشأن ( طاليس ) يقول : « كان يرى أن التغيرات المادية إنما تتكون تحت تأثير من العوامل غير المادية » ، وكتب

بشأن « دموكريت » يقول : « دموكريت لم يكن مادياً ، بل كان يعتقد بوجود الأرواح » .

وبدأ المذهب المادي في القرن الثامن عشر ، بالتقدم بين العلماء التجريبيين ، وإن اختلف في بعضهم : هل هو مادي أو لا ؟ ، فمثلاً عد بعض المؤرخين ( جان جاك روسو ) من حماة المذهب المادي بينما يراه آخرون إليها ، ويمكن أن يكون نسب إلى المادّية لمخالفاته للكنيسة وأربابها .

نقل الدكتور ( فريد وجدي ) صاحب كتاب ( دائرة المعارف ) عن ( روسو ) أنه كان يقون بشأن مبدأ الوجود : « كلما أمعن النظر وأتأمل الحوادث التي تتجدد على أيديى قوى الطبيعة ، وما يتلوها من ردود فعل طبيعية وتأثير بعضها في الآخر ، يثبت عندي من طريق الانتقال من نتيجة إلى أخرى ، أنه لا بدّ في السبب الأول من الإِرادة والإِدراك والشعور ، وعلى هذا فإني أعتقد أن إرادته « الله » هي التي حركت الوجود وأحيت الأموات ، ولكن قل لي : أين هو ؟ وأقول : إنه موجود في السماوات التي يحرّكها والنجوم التي يضيئها ، وليس هو فيَّ أيضاً فحسب بل هو موجود حتى في ذلك الغنم الذي يرعى والطير والحجر الذي يسقط والورقة الخضراء التي يرقصها الهواء وفي كل مكان ، وعلى هذا فكم بعيدة عن العقل تلك النظريات التي تظن : أن هذا النظام نتيجة حركة عمياء وجدت في المادة صدفة ! ليقولوا ما شاؤوا ! ولكني أرى نظاماً مستمراً ، على الموجودات ولا أدرك الحكمة المودعة في هذا النظام : أنا لست ممن يستطيع أن يعتقد أن المادة العمياء ، تنتج موجودات أحياء ، وأن الضرورة العمياء تخلق كائنات شاعرة ، وأن فاقد العقل يخلق موجودات عاقلة حكيمة » ؟ ! .

 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الإسماعيلية
في هكذا ظروف ومريم العفيفة الباكر خافت على ...
مـن هو الذكـي...؟؟
استدراك خائب
ما فائدة البحث عن إمامة عليّ في هذه الأزمان؟
شرح قول الإمام وفيك انطوى العالم الأكبر
مراتب وأقسام التوحید
ما معنى الخط و النقطة و ما معنى "أنا النقطة تحت ...
اسلوب التفسير بالرأي
تجسم الأعمال

 
user comment