عربي
Tuesday 5th of November 2024
0
نفر 0

المُناظرة الخامسة والاربعون /مناظرة الامام الرضا عليه السلام مع المأمون العباسي في عصمة الانبياء عليهم السلام

عن علي بن محمد بن الجهم قال : حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى عليهما السلام فقال له المأمون : يا بن رسول الله أليس من قولك: إن الاَنبياء معصومون ؟
قال : بلى .
قال : فما معنى قول
الله عزّ وجلّ : ( وعصى آدم ربه فغوى ) (1) .
فقال عليه السلام : إنَّ
الله تبارك وتعالى قال لآدم : ( اسكُن أنتَ وَزَوجُكَ الجَنَّة وكُلا مِنهَا رَغَداً حيثُ شِئتُما وَلا تَقرَبا هذهِ الشَجَرَة ـ وأشار لهما إلى شجرة الحنطة ـ فَتَكونَا مِن الظالمين ) (2) ولم يقل لهما : لا تأكلا من هذه الشجرة ولا مما كان من جنسها فلم يقربا تلك الشجرة ولم يأكلا منها وإنّما أكلا من غيرها ، لمّا أن وسوس لهما الشيطان وقال : ( مَا نَهاكُما رَبّكُما عن هذهِ الشَجَرةِ ) (3) وإنّما ينهاكما أن تقربا غيرها ولم ينهكما عن الاَكل منها ( إلا أن تكُونا مَلكَينِ أو تكُونا من الخالدين ، وقاسمهُما إنّي لكُما لَمِنَ الناصحين ) (4) ولم يكن آدم وحواء شاهدا قبل ذلك من يحلف بالله كاذباً ( فَدَلاّهُما بغرُورٍ ) (5) فأكلا منها ثقة بيمينه بالله وكان ذلك من آدم قبل النبوة ولم يكن ذلك بذنب كبير استحق به دخول النار وإنّما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز على الاَنبياء قبل نزول الوحي عليهم فلما اجتباه الله تعالى وجعله نبياً كان معصوماً لا يذنب صغيرة ولا كبيرة قال الله عزّ وجلّ : ( وَعَصى آدم رَبَّه فَغوى ، ثمَّ اجتباه رَبُّه فتابَ عليه وَهَدى ) (6) وقال عز وجل : ( إن اللهَ اصطفى آدمَ ونُوحاً وآلَ إبراهيمَ وآل عمرانَ على العالَمين ) (7) .
فقال له المأمون : فما معنى قول
الله عز وجل : ( فَلمَّا آتاهُما صالِحاً جَعلا له شُركاء فيما آتاهُما ) (8) ؟
فقال له الرضا عليه السلام : إن حواء ولدت لآدم خمسمائة بطن ذكراً وأنثى وإن آدم عليه السلام وحواء عاهدا
الله عز وجل ودعواه وقالا : ( لئن آتَيتَنا صالِحاً لنكوننَّ من الشاكرينَ ، فلمَّا آتاهما صالحاً ) (9) من النسل خلقاً سوياً برياً من الزمانة والتامة وكان ما آتاهما صنفين صنفاً ذكراناً وصنفاً إناثاً ، فجعل الصنفان لله تعالى ذكره شركاء فيما آتاهما ولم يشكراه كشكر أبويهما له عز وجل ، قال الله تبارك وتعالى: ( فَتَعالى اللهُ عمّا يُشرِكون ) (10) .
فقال المأمون : أشهد أنك ابن رسول
الله حقّاً فأخبرني عن قول الله عز وجل في حقِّ إبراهيم عليه السلام : ( فَلَمَّا جَنَّ عليهِ الليلُ رأى كَوكباً قال هذا رَبّي ) (11)
فقال الرضا عليه السلام : إن إبراهيم عليه السلام وقع إلى ثلاثة أصناف صنف يعبد الزهرة وصنف يعبد القمر وصنف يعبد الشمس وذلك حين خرج من السرب الذي أخفي فيه (
فَلَمَّا جَنَّ عليهِ الليلُ ) فرأى الزهرة، قال : ( هذا رَبّي ) على الاِنكار والاستخبار ( فلمَّا أَفَلَ ) الكوكب ( قال لا أُحِبُّ الآفِلين ) (12) لاَنّ الاَُفول من صفات المحدَث لا من صفات القدم ( فَلمّا رأى القمرَ بازِغاً قالَ هذا رَبّي ) (13) على الاِنكار والاستخبار ( فلمّا اَفَلَ قال لئن لم يهدِني رَبّي لاَكوننَّ مِنَ القومِ الضَّالِّين ) (14) يقول : لو لم يهدني ربي لكنت من القوم الضالين فلما أصبح و ( رأى الشمسَ بازغةً قالَ هذا رَبّي هذا أكبر ) من الزهرة والقمر على الاِنكار والاستخبار لا على الاِخبار والاِقرار ( فَلمَّا أَفَلت ) قال للاَصناف الثلاثة من عبدة الزهرة والقمر والشمس : ( يا قَوم اِنّي بَريءٌ مما تُشركون ، إنّي وجَّهتُ وجهي لِلذي فَطَرَ السماواتِ والاَرض حنيفاً وما أنا من المُشرِكين ) (15) وإنّما أراد إبراهيم عليه السلام بما قال أن يبيّن لهم بطلان دينهم ويثبت عندهم أن العبادة لا تحقّ لمن كان بصفة الزهرة والقمر والشمس وإنّما تحقّ العبادة لخالقها وخالق السماوات والاَرض ، وكان ما احتجَّ به على قومه مما ألهمه الله تعالى وآتاه كما قال الله عز وجل : ( وتِلكَ حُجّتُنا آتيناها إبراهيم على قومهِ ) (16) .
فقال المأمون : لله درّك يا بن رسول
الله فأخبرني عن قول إبراهيم عليه السلام : ( رَبِّ أَرني كيفَ تُحيي المَوتى قال أوَ لَم تُؤمِن قال بلى ولكن ليَطمئِن قلبي ) (17) .
قال الرضا عليه السلام : إن
الله تبارك وتعالى كان أوحى إلى إبراهيم عليه السلام إنّي مُتخذ من عبادي خليلاً إن سألني إحياء الموتى أجبته ، فوقع في نفس إبراهيم أنه ذلك الخليل فقال : ( رَبِّ أَرني كيفَ تُحيي المَوتى قال أوَ لَم تُؤمِن قال بلى ولكن ليَطمئِن قلبي ) على الخلّة ( قال فَخُذ أَربَعةً من الطّيرِ فصُرهُنَّ إلَيكَ ثُمَّ اجعَل على كُلِّ جبلٍ منهُن جزءً ثُمَّ ادعُهُن يأتينَك سعياً واعلم أَنَّ اللهَ عزيزٌ حكيم ) (18) فأخذ إبراهيم عليه السلام نسراً وطاووساً وبطاً وديكاً ، فقطعهن وخلطهن ثمّ جعل على كل جبل من الجبال التي حوله وكانت عشرة منهن جزء وجعل مناقيرهن بين أصابعه ثم دعاهن بأسمائهن ووضع عنده حبّاً وماءً فتطايرت تلك الاَجزاء بعضها إلى بعض حتى استوت الاَبدان ، وجاء كل بدن حتى انضم إلى رقبته ورأسه فخلى إبراهيم عليه السلام عن مناقيرهن فطرن ثمّ وقعن فشربن من ذلك الماء والتقطن من ذلك الحبّ، وقلن : يا نبي الله أحييتنا أحياك الله ، فقال إبراهيم : بل الله يحيي ويميت وهو على كلِّ شيء قدير.
قال المأمون : بارك
الله فيك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز وجل : ( فَوَكَزَهُ موسى فَقَضى عليهِ قالَ هذا مِن عمل الشَّيطان ) (19) .
قال الرضا عليه السلام : إن موسى دخل مدينة من مدائن فرعون على حين غفلة من أهلها وذلك بين المغرب والعشاء (
فَوَجدَ فيها رجُلين يَقتتِلان هذا من شيعتِه وهذا مِن عَدوِه فاستَغاثَهُ الذي من شيعَتِهِ على الذي من عَدوهِ ) (20) فقضى موسى على العدو ، وبحكم الله تعالى ذكره فوكزه فمات ( قالَ هذا مِن عَمَلِ الشَّيطان ) يعني الاقتتال الذي كان وقع بين الرجلين لا ما فعل موسى عليه السلام من قتله ، إنه ـ يعني الشيطان ـ عدو مضل مبين .
فقال المأمون : فما معنى قول موسى : (
ربّ إنّي ظَلَمتُ نَفسي فاغفر لي ) (21) .
قال : يقول : إنّي وضعت نفسي غير موضعها بدخولي هذه المدينة فاغفر لي أي استرني من أعدائك لئلا يظفروا بي فيقتلونني (
فَغَفَرَ لهُ إنَّه هُوَ الغفُورُ الرَّحيم ) (22) قال موسى عليه السلام : ( رَبّ بِما أنعمتَ عَليَّ ) من القوة حتى قتلت رجلاً بوكزة ( فَلَن أكونَ ظهيراً للمُجرمين ) (23) بل أجاهد في سبيلك بهذه القوة حتى رضى فأصبح موسى عليه السلام في المدينة خائفاً يترقب فإذا الذي استنصره بالاَمس يستصرخه على آخر قال له موسى إنّك لغويٌ مبين قتلت رجلاً بالاَمس وتقاتل هذا اليوم لاَودبنّك وأراد أن يبطش به ( فَلَمّا أن أراد أن يبطشَ بالذي هوَ عَدوٌّ لهما ) وهو من شيعته ( قال يا موسى أتُريدُ أن تَقتُلَني كَما قَتَلتَ نَفساً بالاَمسِ إن تُريدُ إلاّ أن تَكون جبّاراً في الاَرض وما تُريد أن تكونَ مِنَ المُصلحين ) (24) .
قال المأمون : جزاك
الله عن أنبيائه خيراً يا أبا الحسن فما معنى قول موسى لفرعون : ( فَعَلتُها إذاً وأنا من الضّالّين ) (25) .
قال الرضا عليه السلام : إن فرعون قال لموسى لما أتاه : (
وفَعَلتَ فعلتَكَ التي فَعَلت وأَنتَ مِنَ الكافرين ) (26) ، قال موسى : ( فَعَلتُها إذاً وأَنا من الضالين) عن الطريق بوقوعي إلى مدينة من مدائنك ( فَفَررتُ مِنكُم لَما خِفتُكم فَوَهَبَ لي رَبّي حُكماً وجَعَلَني مِنَ المُرسَلين ) (27) وقد قال الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وآله : ( ألَم يَجِدكَ يتيماً فآوى ) (28) يقول : ألم يجدك وحيداً فآوى إليك الناس ( وَوَجَدكَ ضالاً ) (29) يعني عند قومك فهدى ، أي هداهم إلى معرفتك ( وَوَجدكَ عائِلاً فأَغنى ) (30) يقول : أغناك بأن جعل دعاءك مستجاباً.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

البداء والإرادة المُناظرة الخامسة
المعتزلة
الاستعاذة بالله طريق النجاة من الشيطان
المُناظرة الثالثة والستّون /مناظرة الشيخ المفيد ...
اللغة والكلام وأثرهما في المدارس اللسانية
في معنى المولى
موقف القرآن من مسألة : (الحتمية) و (استقلال ...
اصل في معرفة ذوات المعصومين (ع ) وحياتهم بالاجمال ...
حقدت على الشيعة في البداية وكتب الشيخ المفيد سبب ...
حقيقة الشفاعة وأقسامها

 
user comment