عربي
Wednesday 1st of May 2024
0
نفر 0

المُناظرة الثالثة والستّون /مناظرة الشيخ المفيد مع بعضهم في الدليل على وجود الإمام المهدي عليه السلام

المُناظرة الثالثة والستّون 

مناظرة الشيخ المفيد مع بعضهم في الدليل على وجود الإمام المهدي عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على محمد وآله وسلّم تسليماً .
سأل سائل الشيخ المفيد رحمه
الله فقال : ما الدليل على وجود الاِمام صاحب الغيبة عليه السلام ، فقد اختلف الناس في وجوده اختلافاً ظاهراً ؟
فقال له الشيخ : الدليل على ذلك إنّا وجدنا الشيعة الاِمامية فرقة قد طبقت الاَرض شرقاً وغرباً ، مختلفي الآراء والهمم ، متباعدي الديار لا يتعارفون ، متدينين بتحريم الكذب ، عالمين بقبحه ، ينقلون نقلاً متواتراً عن أئمتهم عليهم السلام عن أمير المؤمنين صلوات
الله عليه : إنّ الثاني عشر يغيب غيبة يرتاب فيها المبطلون(1) ويحكون أنّ الغيبة تقع على ما هي عليه ، فليس تخلوا هذه الاَخبار أن تكون صدقاً أو كذباً ، فإن كانت صدقاً فقد صحّ ما نقول ، وإن كانت كذباً استحال ذلك ، لاَنّه لو جاز على الاِمامية وهم على ما هم عليه ، لجاز على سائر المسلمين في نقلهم معجزات النبي صلى الله عليه وآله مثل ذلك ، ولجاز على سائر الاُمم والفرق مثله ، حتى لا يصحّ خبر في الدنيا ، وكان ذلك إبطال الشرائع كلها .
قال السائل : فلعل قوماً تواطئوا في الاَصل فوضعوا هذه الاَخبار ونقلتها الشيعة وتدينت بها ، وهي غير عالمة بالاَصل كيف كان .
قال له الشيخ رضي
الله عنه : أوّل ما في هذا إنّه طعن في جميع الاَخبار ، لاَنّ قائلاً لو قال للمسلمين في نقلهم لمعجزات النبي صلى الله عليه وآله : لعلها في الاَصل موضوعة ، ولعل قوماً تواطئوا عليها فنقلها من لا يعلم حالها في الاَصل ، وهذا طريق إلى إبطال الشرائع ، وأيضاً فلو كان الاَمر على ما ذكره السائل لظهر وانتشر على ألسن المخالفين ـ مع طلبهم لعيوبهم وطلب الحيلة في كسر مذاهبهم ـ وكان ذلك أظهر وأشهر مما يخفى ، وفي عدم العلم بذلك ما يدل على بطلان هذه المعارضة .
قال : فأرنا طرق هذه الاَخبار ، وما وجهها ووجه دلالتها ؟
قال : الاَول ما في هذا الخبر الذي روته العامّة والخاصة ، وهو خبر كميل ابن زياد قال : دخلت على أمير المؤمنين صلوات
الله عليه وهو ينكث في الاَرض فقلت له : يا مولاي مالك تنكث الاَرض أرغبة فيها ؟
فقال : و
الله ما رغبت فيها ساعة قط ، ولكني أفكر في التاسع من ولد الحسين عليه السلام ، هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملأت ظلماً وجوراً ، تكون له غيبة يرتاب فيها المبطلون ، يا كميل بن زياد ، لا بدّ لله في أرضه من حجة، إما ظاهر مشهور شخصه ، وإما باطن مغمور لكيلا تبطل حجج الله (2) . والخبر طويل وإنما اقتصرنا على موضع الدلالة .
وما روى عن الباقر عليه السلام : إن الشيعة قالت له يوماً : أنت صاحبنا الذي يقوم بالسيف؟
قال : لست بصاحبكم ، انظروا من خفيت ولادته فيقول قوم : ولد ، ويقول قوم : ما ولد ، فهو صاحبكم(3).
وما روي عن الصادق عليه السلام إنه قال : كيف بكم إذا التفتم يميناً فلم تروا أحداً ، والتفتم شمالاً فلم تروا أحداً ، واستولت أقوام بني عبد المطلب ، ورجع عن هذا الاَمر كثير ممّن يعتقده ، يمسي أحدكم مؤمناً ويصبح كافراً ، ف
الله الله في أديانكم هناك فانتظروا الفرج .
وما روي عن موسى بن جعفر عليهما السلام ، إنه قال : أذا توالت ثلاثة أسماء محمد وعلي والحسن فالرابع هو القائم صلوات
الله عليه وعليهم(4).
ولو ذهبنا إلى ما روي في هذا المعنى لطال به الشرح ، وهذا السيد ابن محمد الحميري يقول في قصيدة له قبل الغيبة بخمسين ومائة سنة :

وكذا روينا عن وصي محمد

*

وما كان فيما قالـه بالمتكذب

بأن ولـي‌الاَمر يُفقد لا يُرى

*

ستيراً كفعل الخائف‌المترقـب

فيقسم أمـوال الفقيـد كأنما

*

تغيبه تحت الصفيح المنصـب

فيمكث حيناً ثمّ ينبــع‌نبعة

*

كنبعة درى من الاَرض يوهب

له غيبة لا بد من أن يغيبها

*

فصلّى عليه الله من متغيّب(5)

فانظروا رحمكم الله قول السيد هذا القول وهو (الغَيبة) كيف وقع له أن يقوله لولا أن سمعه من أئمته ، وأئمته سمعوه من النبي صلى الله عليه وآله ، وإلاّ فهل يجوز لقائل أن يقول قولاً فيقع كما قال ما يخرم منه حرف ؟ ! عصمنا الله وإياكم من الهوى ، وبه نستعين ، وعليه نتوكّل(6).
قال السائل : فقد كان يجب أن ينقل هذه الاَخبار مع الشيعة غيرهم .
فقال له : هذا غير لازم ولا واجب ، ولو وجب وجب أن لا يصحّ خبر لا ينقله المؤالف والمخالف وبطلت الاَخبار كلها .
فقال السائل : فإذا كان الاِمام عليه السلام غائباً طول هذه المدة لا يُنتفع به ، فما الفرق بين جوده وعدمه(7).
قال له : إن
الله سبحانه إذا نصب دليلاً وحجة على سائر خلقه فأخافه الظالمون كانت الحجة على من أخافه لا على الله سبحانه ، ولو أعدمه الله كانت الحجة على الله لا على الظالمين ، وهذا الفرق بين جوده وعدمه .
قال السائل : ألا رفعه
الله إلى السماء فإذا آن قيامه أنزله ؟
فقال له : ليس هو حجة على أهل السماء ، إنّما هو حجة على أهل الاَرض، والحجة لا تكون إلا بين المحجوجين به ، وأيضاً فقد كان هذا لا يمتنع في العقل لولا الاَخبار الواردة أن الاَرض لا تخلو من حجة ، فلهذا لم يجز كونه في السماء وأوجبنا كونه في الاَرض وب
الله التوفيق .
فقام إنسان من المعتزلة وقال للشيخ المفيد : كيف يجوز ذلك منك وأنت نظار منهم قائل بالعدل والتوحيد ، وقائل بأحكام العقول ، تعتقد إمامة رجل ما صحت ولادته دون إمامته ، ولا وجوده دون عدمه ، وقد تطاولت السنون حتى أن المعتقد منكم يقول إن له عند ولد خمساً وأربعين ومائة سنة(8)، فهل يجوز هذا في عقل أو سمع ؟
قال له الشيخ : قد قلت فافهم ، اعلم : إن الدلالة عندنا قامت على أن الاَرض لا تخلو من حجة.(9)
قال السائل : مسلّم لك ذلك ثمّ آيش ؟
قال له الشيخ : ثمّ إن الحجة على صفات ، ومن لا يكون عليها لم تكن فيه .
قال له السائل : هذا عندي ، ولم أر في ولد العباس ، ولا في ولد عليّ ، ولا في قريش قاطبة من هو بتلك الصفات ، فعلمت بدليل العقل أن الحجة غيرهم ، ولو غاب ألف سنة ، وهذا كلام جيد في معناه إذا تفكرت فيه ، لاَنّه إذا قامت الدلالة بإن الاَرض لا تخلو من حجة ، وإن الحجة لا يكون إلاّ معصوماً من الخطأ والزلل، لا يجوز عليه ما يجوز على الاُمّة ، وكانت المنازعة فيه لا في الغيبة ، فإذا سلّم ذلك كانت الحجة لازمة في الغيبة(10).


____________

(1) راجع : اصول الكافي : ج 1 ص 338 ح 7 ، كمال الدين وتمام النعمة للصدوق : ج 1 ص288 ح 1 وص 302 ح9وص 303 ح 14 ـ 16 ، عيون أخبار الرضا للصدوق : ج 2 ص 69 ح 36 ، بحار الاَنوار : ج 51 ص 146 ح 14 وص 160 ح 6 (بما مضمون الخبر).
(2) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق : ج 1 ص 289 ح 1 ، الاَصول من الكافي : ج 1 ص 338 ح7 (ب في الغيبة) ، كتاب الغيبة للطوسي : ص 104 و 204 ، وفي الاَخيرين : عن الاَصبغ بن نباتة بدلاً من كميل بن زياد .
(3) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق : ج 1 ص 325 ح 2 ، كتاب الغيبة للنعماني : ص 179 ح126 ( وفيهما عن أبي عبد
الله عليه السلام ) .
(4) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق : ج 1 ص 334 ح 3 .
(5) راجع : الغدير للاَميني : ج 2 ص 246 ـ 247 ، ديوان السيد الحميري لشاكر هادي: ص116 ـ 117 رقم القصيدة : 20 .
(6) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق : ج 1 ص 34 ـ 35 ، الغدير للاَميني : ج 2 ص 246 ـ 247 .
(7) روي عن الاَعمش عن الصادق عليه السلام قال : لم تخلو الاَرض منذ خلق
الله آدم من حجة لله فيها ظاهر مشهور أو غائب مستور ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة لله فيها ولو لم يعبد الله ، قال سليمان : فقلت للصادق عليه السلام : فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ قال : كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب . (بحار الاَنوار : ج 52 ص 92 ح 6 وراجع: ح 7 و 8) .
(8) الذى يبدو أن هذه المناظرة وقعت في سنة 400 هـ .
(9) راجع : بحار الاَنوار : ج 23 ص 37 ح 65 وح 67 .
(10) مصنفات الشيخ المفيد عليه الرحمة المجلد السابع (ص 11 ـ 16) (الرسالة الثانية).

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

موقف ابن تيمية من مناقب علي بن أبي طالب عليه ...
الإمامة في القرآن الكريم
الذبح أو النحر في منى
في أن عليا لم يندم على التحكيم
مراتب الاِیمان
آیة الولایة
ظروف ولادته كانت عسيرة جداً حيث كان الطاغية ...
الأخوة في القرآن الكريم
ما معنى الحديث القائل "الحسود لا يسود"؟ هل هو ...
الشيعة الإمامية (ألاثني عشرية )

 
user comment