(1) المُناظرة السادسة والستّون
(2) مناظرة ابن طاووس (1)مع بعض أهل الخلاف في أمر بعض الصحابة والرجهة والمتعة وغيبة الإمام المهدي عليه السلام
يقول ابن طاووس ـ عليه الرحمة ـ : ولقد جمعني وبعض أهل الخلاف مجلس منفرد فقلت لهم : ما الذي تأخذون على الاِمامية ، عرّفوني به بغير تقيّة لاَذكر ما عندي ، وفيه غلقنا باب الموضع الذي كنّا ساكنيه ؟
فقالوا : نأخذ عليهم تعرضهم بالصحابة، ونأخذ عليهم القول بالرجعة ، والقول بالمتعة، ونأخذ عليهم حديث المهدي عليه السلام وأنّه حي مع تطاول زمان غيبته؟
فقلت لهم : أما ما ذكرتم من تعرض من أشرتم إليه بذم بعض الصحابة، فأنتم تعلمون أن كثيراً من الصحابة استحل بعضهم دماء بعض في حرب طلحة والزبير وعائشة لمولانا علي عليه السلام وفي حرب معاوية له أيضاً ، واستباحوا أعراض بعضهم لبعض حتى لعن بعضهم بعضاً على منابر الاِسلام ، فأولئك هم الذين طرقوا سبيل الناس للطعن عليهم ، وبهم اقتدى من ذمهم ونسب القبيح إليهم، فإن كان لهم عذر في الذي عملوه من استحلال الدماء وإباحة الاَعراض، فالذين اقتدوا بهم أعذر وأبعد من أن تنسبوهم إلى سوء التعصب والاِعراض ، فوافقوا على ذلك .
وقلت لهم : وأمّا حديث ما أخذتم عليه من القول بالرجعة ، فأنتم تروون أن النبي صلى الله عليه وآله قال : إنّه يجري في أُمّته ما جرى في الاَُمم السابقة(2)وهذا القرآن يتضمن ( أَلَمْ تَرَ إلى الَّذينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الموتِ فَقالَ لَهم اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أحياهُمْ )(3)فشهد جلّ جلاله أنه قد أحيا الموتى في الدنيا وهي رجعة ، فينبغي أن يكون في هذه الاَُمّة مثل ذلك ، فوافقوا على ذلك.
فقلت لهم : وأمّا أخذكم عليهم بالقول بالمتعة فأنتم أحوجتم الشيعة إلى صحّة الحكم بها ، لاَنّكم رويتم في صحاحكم عن جابر(4)بن عبدالله الاَنصاري، وعبدالله بن عباس(5)، وعبدالله بن مسعود(6)، وسلمة بن الاَكوع(7)، وعمران بن الحصين(8) وأنس بن مالك، وهم من أعيان الصحابة(9)أنّ النبي صلى الله عليه وآله مات ولم يحرِّمها ، فلمّا رأت الشيعة أن رجالكم وصحاح كتبكم قد صدقت رجالكم، ورواتهم أخذوا بالمجمع عليه وتركوا ما أنفردتم به ، فوافقوا على ذلك.
وقلت لهم : وأمّا ما أخذتم عليهم من طول غيبة المهدي عليه السلام فأنتم تعلمون، أنّه لو حضر رجل وقال : أنا أمشي على الماء ببغداد فإنّه يجتمع لمشاهدته، لعل من يقدر على ذلك منهم فإذا مشى على الماء وتعجب الناس منه فجاء آخر قبل أن يتفرقوا ، وقال أيضاً : أنا أمشي على الماء فإن التعجب منه يكون أقل من ذلك فمشى على الماء فإن بعض الحاضرين ربما يتفرقون ويقل تعجبهم ، فإذا جاء ثالث وقال : أنا أيضاً أمشي على الماء فربّما لا يقف للنظر إليه إلاّ قليل فإذا مشى على الماء سقط التعجب من ذلك ، فإن جاء رابع وذكر أنّه يمشي أيضاً على الماء فربّما لا يبقى أحد ينظر إليه ولا يتعجب منه وهذه حالة المهدي عليه السلام لاَنّكم رويتم أنّ إدريس عليه السلام حي(10)موجود في السماء منذ زمانه إلى الآن، ورويتم أن الخضر عليه السلام حي موجود منذ زمان موسى عليه السلام أو قبله إلى الآن(11)ورويتم أن عيسى حي موجود(12) في السماء وأنّه يرجع إلى الاَرض(13)مع المهدي عليه السلام فهذه ثلاثة نفر من البشر قد طالت أعمارهم ، وسقط التعجب بهم من طول أعمارهم ، فهلا كان لمحمد بن عبدالله ـ صلوات الله عليه وآله ـ أسوة بواحد منهم أن يكون من عترته آية لله جلّ جلاله في أُمّته بطول عمر واحد من ذريته فقد ذكرتم ورويتم في صفته: أنّه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت جوراً وظلماً(14)، ولو فكرتم لعرفتم أن تصديقكم وشهادتكم أنه يملأ الأرض بالعدل شرقاً وغرباً وبعداً وقرباً أعجب من طول بقائه ، وأقرب إلى أن يكون ملحوظاً بكرامات الله(15)جلّ جلاله لاَوليائه ، وقد شهدتم أيضاً له أن عيسى بن مريم النبي المعظم عليهما السلام يصلّي خلفه(16) مقتدياً به في صلواته وتبعاً له ومنصوراً به في حروبه وغزواته ، وهذا أيضاً أعظم مقاماً مما استبعدتموه من طول حياته فوافقوا على ذلك؛ وفي حكاية الكلام زيادة فاطلب من الطرائف وغيرها(17).
(3)
____________
(4) (1) هو : رضي الدين أبو القاسم علي بن السيد سعد الدين بن موسى بن جعفر بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي عبدالله محمد الطاووس بن إسحاق بن الحسن بن محمد ابن سليمان بن داود بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب عليهما السلام ، ولد في سنة 589 هـ بالحلّة ونشأ بها وترعرع، ثمّ هاجر إلى بغداد وأقام بها نحواً من خمس عشرة سنة ، وأسكنه المستنصر العباسي داراً في الجانب الشرقي من بغداد، ثمّ رجع إلى الحلّة، ثمّ انتقل إلى النجف ثم كربلاء ثمّ عاد إلى بغداد ، ولي نقابة الطالبيين وبقي فيها إلى أن توفّي سنة 664 هـ ، نشأ وسط أسرة علمية عريقة، وتتلمذ على أيدي علماء أعلام منهم: الشيخ ورّام والشيخ نجيب الدين محمد بن نما وغيرهم الكثير، وروى عنه الكثير منهم : الاَربلي صاحب كشف الغمّة، وسديد الدين والد العلاّمة الحلّي وغيرهم، ترك ثروة ضخمة من التآليف القيمة منها : أسرار الصلاة، الاِقبال، التحصين، كشف المحجّة إلى ثمرة المهجة، اليقين .
انظر ترجمته في : مقدّمة اليقين وجمال الاَسبوع، أمل الآمل : ج2 ص205 ترجمة رقم : 622 ، معجم رجال الحديث للسيد الخوئي قدس سره : ج12 ص188 ترجمة رقم : 8532، سفينة البحار : ج2 ص96 .
(2) إشارة إلى حديث النبي صلى الله عليه وآله المروي عنه : يكون في هذه الاَُمّة كل ما كان في الاَُمم السالفة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة . والمروي عنه أيضاً : لم يجر في بني إسرئيل شيء إلاّ ويكون في أُمّتي مثله حتى المسخ والخسف والقذف . وقد تقدّمت تخريجاته فيما سبق .
(3) سورة البقرة : الآية 243 .
(4) راجع : كنز العمّال : ج16 ص520 ح45719 وح 45720 ، وروي عن جابر من طريق قال : كنا نستمتع بالقبضة من التمر، والدقيق، على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأبي بكر، حتى نهى عمر بن الخطاب، لاَجل عمرو بن حريث لما استمتع . صحيح مسلم : النكاح ب نكاح المتعة: ج2 ص 1023 ح16 ، فتح الباري للعسقلاني : ج 9 ص 141 ، نهج الحقّ وكشف الصدق : ص283 .
(5) راجع : صحيح البخاري : ج 6 ص 66 ، كنز العمّال : ج16 ص521 ح45725 ، الدر المنثور للسيوطي : ج2 ص483 ـ 484 .
(6) راجع : كنز العمّال : ج16 ص527 ح45748 ، الدر المنثور للسيوطي: ج2 ص485.
(7) فتح الباري للعسقلاني : ج 9 ص 141 ، صحيح مسلم : ج 2 ص 1022 ح 13 و 14 ، كنز العمال : ج 16 ص 526 ح 45740 و 45741 .
(8) وروي عن عمران بن حصين، قال : نزلت متعة النساء في كتاب الله تعالى ، وعملنا مع النبي صلى الله عليه وآله ولم ينزل القرآن بحرمتها، ولم ينه عنها حتى مات .
راجع : صحيح البخاري : ج 2 ص 176 و ج 6 ص 33 ، مسند أحمد بن حنبل : ج4 ص436 ، التفسير الكبير للرازي : ج10 ص49 ـ 50 ، نهج الحق وكشف الصدق: ص283.
(9) وهناك الكثير من الصحابة والتابعين (وسوف يأتي ذكرهم تفصيلاً في هامش مناظرة ابن عباس مع الزبير) من يرى حلية المتعة راجع : المحلى لابن حزم : ج9 ص519 ، الجامع لاَحكام القرآن للطبري : ج 5 ص 133 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 12 ص254 ، الغدير للاَميني : ج6 ص220 ـ 222 ، النص والاجتهاد للسيد شرف الدين : ص212 ـ 218، المتعة وأثرها في الاِصلاح الاجتماعي : ص44 و64.
(10) راجع : قصص الاَنبياء عليهم السلام ، لابن كثير : ج1 ص101 ـ 102 ، أخبار الدول للقرماني: ص22.
(11) راجع : قصص الاَنبياء عليهم السلام ، لابن كثير : ج 2 ص 200 ، أخبار الدول للقرماني:ص44.
(12) راجع : قصص الاَنبياء عليهم السلام ، لابن كثير : ج2 ص436 و 442 ، أخبار الدول للقرماني : ص76.
(13) راجع : صحيح البخاري : ج 4 ص 205 ، ب نزول عيسى بن مريم عليه السلام ، المصنّف لعبدالرزاق الصنعاني : ج11 ص400 ح20841 ، مسند أحمد : ج2 ص272 ، مصابيح السنة للبغوي : ج3 ص516 ح4261 ، فردوس الاَخبار للديلمي : ج3 ص342 ح4916، جامع الاَُصول لابن الاَثير : ج10 ص327 ح7831 ، معجم أحاديث الامام المهدي عليه السلام . ج1 ص518 ـ 537 .
(14) راجع : الكتاب المصنف لابن أبي شيبة : ج15 ص198 ح19494، جامع الاَصول لابن الاَثير : ج 10 ص 330 ح 7833 و 7834 و 7836 و 7837 ، ينابيع المودة : ص448 ، غاية المرام للبحراني : ص704 ح162 ، كنز العمّال : ج14 ص264 ح38665 وص 265 ح 38667 و ص 266 ح 38669 و ح 38670 و ص 267 ح 38675 و 38676، كشف الغمّة للاَربلي : ج2 ص468 ـ 476، معجم أحاديث الامام المهدي7: ج1 ص 104 .
(15) جاء في الكتاب المصنّف : ج 15 ص 199 ح 19499 عن النبي صلى الله عليه وآله أن المهدي لا يخرج حتى تُقتل النفس الزكية ، فإذا قُتلت النفس الزكية غضب عليهم مَن في السماء ومَن في الاَرض ، فأتى الناس المهدي ، فزفوه كما تُزف العروس إلى زوجها ليلة عرسها ، وهو يملأ الاَرض قسطاً وعدلاً ، وتخرج الاَرض نباتها ، وتمطرُ السماء مطرها ، وتنعم أُمتي في ولايته نعمةً لم تنعمها قط.
(16) راجع : الكتاب المصنف لابن أبي شيبة : ج15 ص198 ح19495 ، كنز العمّال : ج14 ص266 ح 38673 ، الجامع الصغير للسيوطي : ج 2 ص 546 ح 8262 ، كشف الغمّة للاَربلي : ج2 ص479 ـ 480، معجم أحاديث الاِمام المهدي عليه السلام: ج1 ص 528 .
(17) كشف المحجة لابن طاووس : ص54 ـ 56 .