عربي
Tuesday 30th of April 2024
0
نفر 0

المُناظرة الثانية والسبعون /مناظرة أبي جعفر العلوي البصري مع أحد الفقهاء في إيراده لكلام الجويني (1)في الصحابة بكتاب كتبه أحد الزيدية

المُناظرة الثانية والسبعون  

مناظرة أبي جعفر العلوي البصري مع أحد الفقهاء في إيراده لكلام الجويني (1)في الصحابة بكتاب كتبه أحد الزيدية
قال ابن أبي الحديد المعتزلي : وحضرت عند النقيب أبي جعفر يحيى بن محمد العلويّ البصري في سنة إحدى عشرة وستمائة ببغداد، وعنده جماعة ، وأحدُهم يقرأ في الاَغاني لاَبي الفرج، فمرّ ذكر المغيرة بن شعبة(2)وخاض القوم ، فذمّه بعضهم، وأثنى عليه بعضهم، وأمسك عنه آخرون .
فقال بعض فقهاء الشيعة ممن كان يشتغل بطرفٍ من علم الكلام على رأي الاَشعري : الواجب الكفّ والاِمساك عن الصحابة، وعمّا شجر بينهم، فقد قال أبو المعالي الجوينيّ : إنّ رسول
الله صلى الله عليه وآله نَهَى عن ذلك، وقال : « إيّاكم وما شَجَر بين صحابتي » ، وقال : « دَعُوا لي أصحابي، فلو أنفق أحدكم مِثل أُحد ذهباً لما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصفَيه »(3)؛ وقال : « أصحابي كالنجوم، بأيِّهم اقتديتم اهتديتم »(4)(5)، وقال : « خيرُكم القَرن الذي أنا فيه ثمّ الذي يليه، ثمّ الذي يليه، ثمَّ الذي يليه »(6). وقد ورد في القرآن الثَّناء على الصحابة وعلى التابعين؛ وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : « وما يُدريك لعلّ الله اطّلع على أهل بَدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم »(7)؛ وقد رُوي عن الحسن البصري أنّه ذكر عنده الجمل وصِفِّين، فقال : تلك دماءٌ طَهّر الله منها أسيافنا، فلا نلطِّخ بها ألسنتنا.
ثم إنّ تلك الاَحوال قد غابت عنّا وبعُدت أخبارها على حقائقها؛ فلا يليق بنا أن نخوضَ فيها؛ ولو كان واحدٌ من هؤلاء قد أخطأ لَوَجب أن يُحفظ رسول
الله صلى الله عليه وآله فيه، ومن المروءة أن يُحفظ رسولُ الله صلى الله عليه وآله في عائشة زوجته، وفي الزبير ابن عمّته، وفي طلحة الذي وقاه بيده .
ثمّ ما الذي ألزَمنا وأوجَب علينا أن نلعن أحداً من المسلمين أو نبرأ منه ! وأيُّ ثواب في اللعنة والبراءة ! إنّ
الله تعالى لا يقول يوم القيامة للمكلَّف : لِمَ لَمْ تَلعَن ؟ بل قد يقول له : لِمَ لَعنتَ ؟ ولو أنّ إنساناً عاش عمره كلّه لم يلعن إبليس لم يكن عاصياً ولا آثماً، وإذا جعل الاِنسان عوض اللعنة أستغفر الله كان خيراً له.
ثمّ كيف يجوز للعامّة أن تُدخِل أنفسها في أُمور الخاصّة، وأولئك قوم كانوا أُمراء هذه الاَُمّة وقادتها، ونحن اليوم في طبقة سافلةٍ جداً عنهم؛ فكيف يحسنُ بنا التعرض لذِكرهم ! أليس يقبح من الرعية أن تخوض في دقائق أُمور الملك وأحواله وشؤونه التي تجري بينه وبين أهله وبني عمِّه ونسائه وسراريِّه ! وقد كان رسول
الله صلى الله عليه وآله صهراً لمعاوية، وأخته أُمّ حبيبة تحته، فالاَدب أن تحفظ أُمُّ حبيبة وهي أُمّ المؤمنين في أخيها.
وكيف يجوز أن يُلعن من جعل
الله تعالى بينه وبين رسوله مودّة ! أليس المفسِّرون كلّهم قالوا : هذه الآية أُنزِلت في أبي سفيان وآله، وهي قوله تعالى : ( عَسَى اللهُ أن يَجعَلَ بَينَكُم وبينَ الذينَ عادَيْتُم مِنْهُمْ مَودَّة )(8)! فكان ذلك مُصاهرة رسول الله صلى الله عليه وآله أبا سفيان وتزويجه ابنته، على أن جميع ما تنقله الشيعة من الاختلاف بينهم والمشاجرة لم يَثبُت، وما كان القوم إلاّ كبَني أُمّ واحدة، ولم يتكدر باطن أحدٍ منهم على صاحبه قطّ ولا وقع بينهم اختلاف ولا نزاع .
فقال أبو جعفر رحمه الله : قد كنت منذ أيّام عَلَّقت بخطّي كلاماً وجدتهُ لبعض الزَّيدية في هذا المعنى نَقضاً ورداً على أبي المعالي الجُوينيّ فيما اختاره لنفسهِ من هذا الرأي ، وأنا أخرجُه إليكم لاَستغني بتأمّله عن الحديث على ما قاله هذا الفقيه، إنّي أجدُ ألماً يَمنعني من الاِطالة في الحديث؛ لا سيما إذا خرج مَخرج الجدل ومُقاومة الخصوم .
ثمَّ أخرج من بين كتبه كُراساً قرأناه في ذلك المجلس واستحسنه الحاضرون ، وأنا أذكر هاهنا خلاصته .
قال : لولا أنّ
الله تعالى أوجب معاداة أعدائه، كما أوجب موالاة أوليائه، وضيق على المسلمين تركها إذا دلّ العقل عليها، أو صحّ الخبر عنها بقوله سبحانه : ( لا تَجِدُ قَوماً يُؤمِنُونَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِر يُوَادُّون مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آبَاءَهُمْ أو أبنَاءَهُمْ أَو إِخوَانَهُمْ أَو عَشِيرَتَهُمْ )(9) وبقوله تعالى : ( وَلَو كانُوا يُؤمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَولِياء )(10)وبقوله سبحانه : ( لاَ تَتَوَلَّوا قَوماً غَضِبَ اللهُ عَلَيهِمْ )(11)ولاِجماع المسلمين على أنّ الله تعالى فرض عداوة أعدائه، وولاية أوليائه، وعلى أنّ البغض في الله واجب، والحبَّ في الله واجب ـ لما تعرّضنا لمعاداة أحدٍ من الناس في الدّين، ولا البراءة منه، ولكانت عداوتنا للقوم تكلّفاً.
ولو ظنَنّا أنّ
الله عزّ وجلّ يَعذرنا إذا قلنا : يا ربّ غاب أمرُهم عنّا، فلم يكن لخوضنا في أمرٍ قد غاب عنّا معنىً، لاعتمدنا على هذا العُذر، وواليناهم، ولكنّا نخاف أن يقول سبحانه لنا : إن كان أمرُهم قد غاب عن أبصاركم، فلم يغب عن قلوبكم وأسماعِكم؛ قد أتتْكم به الاَخبارُ الصحيحة التي بمثلها ألزَمتم أنفسكم الاِقرار بالنبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ وموالاة مَن صدّقه، ومعاداة من عصاه وجحده، وأُمرتم بتدبّر القرآن وما جاء به الرسول، فهلاّ حذِرتم من أن تكونوا من أهل هذه الآية غداً : ( رَبَّنا إِنَّا أَطَعنا سَادَتَنا وَكُبَرَاءَنا فَأَضَلُّونا السبيلا )(12)!
فأمّا لفظة اللعن فقد أمر
الله تعالى بها، وأوجبَها، ألا تَرى إلى قوله : ( أُولَئِكَ يَلعَنُهُم اللهُ وَيَلعَنُهُم اللاَّعِنُون )(13) فهو إخبارٌ معناه الاَمر، كقوله : ( وَالمُطَلَّقَاتُ يتربّصنَ بِأنفُسِهِنَّ ثلاثة قروءٍ )(14)؛ وقد لعن الله تعالى العاصين بقوله : ( لُعِن الذينَ كَفَروا مِنْ بني إسرائيل على لسان داود )(15) وقوله : ( إنّ الذينَ يُؤذُون الله ورَسولَه لَعَنهُم اللهُ في الدنيا والآخرة وأَعدّ لهم عذاباً مُهيناً )(16) وقوله : ( مَلْعُونين أينما ثُقِفوا أخذوا وقُتِّلوا تقتيلا )(17) وقال الله تعالى لاِبليس : ( وإن عَلَيْكَ لَعْنتي إلى يوم الدين )(18)وقال : ( إن الله لعنَ الكافرين وأعدّ لهم سعيراً )(19).
فأمّا قولُ من يقول : « أيُّ ثواب في اللّعن ! وإن
الله تعالى لا يقول للمكلّف لِمَ لمْ تلعن ؟ بل قد يقول له : لم لَعَنت ؟ وأنّه لو جعل مكان لَعَن الله فلاناً، اللهم اغفر لي لكان خيراً له، ولو أنّ إنساناً عاش عمره كلَّه لم يَلعن إبليس لم يؤاخذ بذلك » ؛ فكلام جاهلٍ لا يدري ما يقول؛ اللعن طاعة، ويستحق عليها الثواب إذا فُعلت على وجهها، وهو أن يلعن مستحقُّ اللعن لله وفي الله، لا في العصبيّة والهوى، ألا ترى أن الشرع قد وَرَد بها في نفي الولد، ونطق بها القرآن، وهو أن يقول الزوج في الخامسة : ( أنّ لَعنة الله عليهِ إن كان من الكاذبين )(20)فلو لم يكن الله تعالى يريد أن يتلفظ عباده بهذه اللفظة وأنه قد تعبّدهم بها، لما جعلها من معالم الشرع، ولما كرّرها في كثير من كتابه العزيز، ولما قال في حق القائل : ( وغَضِب اللهُ عليه ولعنه )(21) ، وليس المراد من قوله : « ولعنه » إلاّ الاَمر لنا بأن نلعنه، ولو لم يكن المرادُ بها ذلك لكان لنا أن نلعنه، لاَنّ الله تعالى لعنه، أفيلعن الله تعالى إنساناً ولا يكون لنا أن نلعنه ! هذا ما لا يسوغ في العقل؛ كما لا يجوز أن يمدح اللهُ إنساناً إلاّ ولنا أن نمدحه، ولا يذمّه إلاّ ولنا أن نذمَّه؛ وقال تعالى : ( هَل أُنَبِّئُكُم بِشرٍ من ذلك مَثوبةً عِندَ اللهِ مَنْ لَعَنَه اللهُ )(22)وقال : ( رَبَّنا آتِهم ضِعْفَين من العذابِ والْعَنهُم لَعناً كبيراً )(23)، وقال عزّ وجلّ : ( وَقَالت اليَهُودُ يَدُ اللهِ مَغلُولةٌ غُلَّت أَيدِيْهِم وَلُعِنُوا بما قَالُوا )(24).
وكيف يقول القائل : إنّ
الله تعالى لا يقول للمكلّف : لِمَ لم تلعن ؟ ألا يعلم هذا القائل أن الله تعالى أمر بولاية أوليائه، وأمر بعداوة أعدائه، فكما يسأل عن التولّي يَسأل عن التبرِّي ! ألا ترى أن اليهودي إذا أسلم يُطالب بأن يقال له : تلفَّظ بكلمة الشهادتين، ثم قل : برئتُ من كلِّ دين يخالف دين الاِسلام، فلابدّ من البراءة، لاَنّ بها يتمّ العمل ! ألم يسمع هذا القائل قول الشاعر :

تَوَدُّ عَدُوِّي ثم تزعُمُ أنّني * صديقُك ، إنّ الرّأي عنكَ لعازِبُ

فمودّة العدوّ خروجٌ عن ولاية الوليّ، وإذا بطلت المودّة لم يبق إلاّ البراءة؛ لاَنّه لا يجوز أن يكون الاِنسانُ في درجة متوسطة مع أعداء الله تعالى وعُصاته بألا يودّهم ولا يبرأ منهم بإجماع المسلمين على نَفي هذه الواسطة.
وأمّا قوله : لو جعل عِوض اللعنة أستغفر
الله لكان خيراً له، فإنّه لو استغفر من غير أن يلعن أو يعتقد وجوب اللعن لما نفعه استغفاره ولا قبل منه، لاَنّه يكون عاصياً لله تعالى، مخالفاً أمره في إمساكه عمّن أوجب الله تعالى عليه البراءة منه، وإظهار البراءة ، والمُصِرّ على بعض المعاصي لا تُقبل توبته واستغفاره عن البعض الآخر، وأمّا من يعيش عمره ولا يلعن إبليس، فإن كان لا يعتقد وجوب لعنه فهو كافر، وإن كان يعتقد وجوب لعنه ولا يلعنه فهو مخطىء؛ على أنّ الفرق بينه وبين ترك لَعنه رؤوس الضلال في هذه الاَُمّة كمعاوية والمغيرة وأمثالهما، أن أحداً من المسلمين لا يُورِث عنده الاِمساك عن لعن إبليس شبهة في أمر إبليس ، والاِمساك عن لعن هؤلاء وأضرابهم يثير شبهة عند كثير من المسلمين في أمرهم ، وتجنب ما يورث الشبهة في الدين واجب ، فلهذا لم يكن الاِمساك عن لعن إبليس نظيراً للاِمساك عن أمر هؤلاء.
قال : ثمّ يقال للمخالفين : أرأيتم لو قال قائلٌ : قد غاب عنّا أمر يزيد بن معاوية والحجّاج بن يوسف، فليس ينبغي أن نخوض في قصّتهما، ولا أن نلعنهما ونعاديهما ونبرأ منهما؛ هل كان هذا إلاّ كقولكم : قد غاب عنّا أمر معاوية والمغيرة ابن شعبة وأضرابِهما، فليس لخوضنا في قصّتهم معنى !
وبعد ، فكيف أدخلتم أيها العامّة والحشوية(25)وأهل الحديث أنفسكم في أمر عثمان وخُضتم فيه، وقد غاب عنكم ! وبرئتم من قتله، ولعنتموهم ! وكيف لم تحفظوا أبا بكر الصّديق في محمد ابنه فإنّكم لعنتموه وفسقتموه، ولا حفظتم عائشة أُمَّ المؤمنين في أخيها محمد المذكور، ومنعتمونا أن نخوض وندخل أنفسنا في أمر علي والحسن والحسين عليهم السلام ومعاوية الظالم له ولهما ، المتغلِّب على حقِّه وحقوقهما ! وكيف صار لعنُ ظالم عثمان من السنّة عندكم، ولعن ظالم علي والحسن والحسين عليهم السلام تكلّفاً ! وكيف أدخلت العامّة أنفسها في أمر عائشة وبرئت ممّن نظر إليها، ومن القائل لها : يا حُميراء، أو إنّما هي حميراء، ولعنته بكشفه سترها ، ومنعتنا نحن عن الحديث في أمر فاطمة عليها السلام وما جرى لها بعد وفاة أبيها صلى
الله عليه وآله.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الإمامة في القرآن الكريم
الذبح أو النحر في منى
في أن عليا لم يندم على التحكيم
مراتب الاِیمان
آیة الولایة
ظروف ولادته كانت عسيرة جداً حيث كان الطاغية ...
الأخوة في القرآن الكريم
ما معنى الحديث القائل "الحسود لا يسود"؟ هل هو ...
الشيعة الإمامية (ألاثني عشرية )
بابِ التوبةِ

 
user comment