عربي
Monday 23rd of December 2024
0
نفر 0

المُناظرة الثانية والسبعون /مناظرة أبي جعفر العلوي البصري مع أحد الفقهاء في إيراده لكلام الجويني (1)في الصحابة بكتاب كتبه أحد الزيدية-2

فإن قلتم : إنّ بيت فاطمة عليها السلام إنّما دُخِل، وسترها إنّما كُشِف، حِفظاً لنظام الاِسلام، وكيلا ينتشر الاَمر ويخرج قوم من المسلمين أعناقهم من ربقة الطاعة ولزوم الجماعة.
قيل لكم : وكذلك ستر عائشة إنّما كشف، وهودجها إنّما هُتِك ، لاَنها نشرت حبل الطاعة، وشقت عصا المسلمين، وأراقت دماء المسلمين من قبل وصول علي بن أبي طالب عليه السلام إلى البصرة، وجرى لها مع عثمان بن حُنيف وحكيم بن جبلة ومن كان معهما من المسلمين الصالحين من القتل وسفك الدماء ما تنطق به كتب التواريخ والسِّير(26) ، فإذا جاز دخول بيت فاطمة عليها السلام لاَمر لم يقع بعدُ جاز كشف ستر عائشة على ما قد وقع وتحقّق ، فكيف صار هتك ستر عائشة من الكبائر التي يجب معها التخليد في النار، والبراءة من فاعله، ومن أوكد عُرا الاِيمان، وصار كشف بيت فاطمة عليها السلام والدخول عليها منزلها وجمع حطب ببابها، وتهدّدها بالتحريق(27) من أوكد عُرا الدين، وأثبت دعائم الاِسلام؛ ومما أعزّ
الله به المسلمين وأطفأ به نار الفتنة؛ والحرمتان واحدة، والستران واحد، وما نحب أن نقول لكم: إن حرمة فاطمة أعظم، ومكانها أرفع، وصيانتها لاَجل رسول الله صلى الله عليه وآله أولى، فإنّها بضعة(28) منه، وجزء من لحمه ودمه، وليست كالزوجة الاَجنبية التي لا نسب بينها وبين الزوج، وإنّما هي وُصلة مستعارة، وعقد يجري مجرى إجارة المنفعة، وكما يملك رقّ الاَمة بالبيع والشراء، ولهذا قال الفرضيون : أسباب التوارث ثلاثة : سبب، ونسب، وولاء؛ فالنسب القرابة، والسبب النكاح، والولاء : ولاء العتق؛ فجعلوا النكاح خارجاً عن النسب؛ ولو كانت الزوجة ذات نسب لجعلوا الاَقسام الثلاثة قسمين.
وكيف تكون عائشة أو غيرها في منزلة فاطمة عليها السلام، وقد أجمع المسلمون كلّهم ـ من يحبّها ومن لا يحبّها منهم ـ أنّها سيّدة نساء العالمين(29).
قال : وكيف يلزمنا اليوم حفظ رسول
الله صلى الله عليه وآله في زوجته ، وحفظ أُمّ حبيبة في أخيها، ولم تلزم الصحابة أنفُسَها حفظ رسول الله صلى الله عليه وآله في أهل بيته عليه السلام ، ولا ألزمت الصحابة أنفسها حفظ رسول الله صلى الله عليه وآله في صهره وابن عمّه عثمان بن عفان، وقد قتلوهم ولعنوهم؛ ولقد كان كثير من الصحابة يَلعن عثمان وهو خليفة؛ منهم عائشة كانت تقول : اقتلوا نَعثلاً ، لعن الله نعثلاً(30)؛ ومنهم عبدالله بن مسعود؛ وقد لعن معاوية علي بن أبي طالب(31)وابنيه حسناً وحسيناً عليهم السلام وهم أحياء يرزقون بالعراق، وهو يلعنهم بالشام على المنابر، ويقنت عليهم في الصّلوات، وقد لعن أبوبكر وعمر سعد بن عبادة(32)وهو حيّ، وبرئا منه، وأخرجاه من المدينة إلى الشام، ولعن عمر خالد بن الوليد(33)لما قتل مالك بن نويرة، وما زال اللعن فاشياً في المسلمين إذا عرفوا من الاِنسان معصيةً تقتضي اللعن والبراءة .
قال : ولو كان هذا أمراً معتبراً وهو أن يحفظ زيدٌ لاَجل عمرو فلا يلعن، لوجب أن تحفظ الصحابة في أولادهم، فلا يلعنوا لاَجل آبائهم، فكان يجب أن يُحفظ سعد بن أبي وقّاص فلا يُلعن ابنه عمر بن سعد قاتل الحسين عليه السلام ، وأن يحفظ معاوية فلا يلعن يزيد صاحب وقعة الحرّة(34)وقاتل الحسين، ومخيف المسجد الحرام بمكّة، وأن يُحفظ عمر بن الخطاب في عبيد
الله ابنه قاتل الهرمزان، والمحارب عليّاً عليه السلام في صفِّين .
قال : على أنّه لو كان الاِمساك عن عداوة من عادى
الله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله من حفظ رسول الله صلى الله عليه وآله في أصحابه ورعاية عهده وعقده لم نُعادهم ولو ضُربت رِقابُنا بالسيوف، ولكن محبّة رسول الله صلى الله عليه وآله لاَصحابه ليست كمحبّة الجهّال الذين يضع أحدهم محبّته لصاحبه موضع العصبيّة، وإنّما أوجب رسول الله صلى الله عليه وآله محبّة أصحابه لطاعتهم لله ، فإذا عصوا الله وتركوا ما أوجب محبّتهم؛ فليس عند رسول الله صلى الله عليه وآله محاباة في ترك لزوم ما كان عليه من محبّتهم، ولا تغطرس في العدول عن التمسك بموالاتهم، فلقد كان صلى الله عليه وآله يحبُّ أن يعادي أعداء الله ولو كانوا عترته، كما يحبّ أن يوالي أولياء الله ولو كانوا أبعد الخلق نسباً منه.
والشاهد على ذلك إجماع الاَُمّة على أن
الله تعالى قد أوجب عداوة من ارتد بعد الاِسلام، وعداوة من نافق وإن كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ، وإنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ هو الذي أمر بذلك ودعا إليه وذلك أنّه صلى الله عليه وآله قد أوجب قطع يد السارق وضرب القاذف، وجلد البكر إذا زنى، وإن كان من المهاجرين أو الاَنصار؛ ألا ترى أنّه قال : لو سرقت فاطمة لقطعتُها(35)؛ فهذه ابنته ، الجارية مجرى نفسه، لم يُحابها في دين الله، ولا راقبها في حدود الله ، وقد جلد أصحاب الاِفك(36) ، ومنهم مسطح بن أثاثة، وكان من أهل بدر.
قال : وبعد ، فلو كان محلّ أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وآله محلّ من لا يعادى إذا عصى الله سبحانه ولا يذكر بالقبيح، بل يجب أن يُراقب لاَجل اسم الصُّحبة، ويغضى عن عيوبه وذنوبه، لكان كذلك صاحب موسى المسطور ثناؤه في القرآن لمّا اتّبع هواه، فانسلخ ممّا أُوتي من الآيات وغوى، قال سبحانه : ( وأُتلُ عَلَيْهِمْ نَبأ الذي آتيناه آياتِنا فانسَلخَ مِنها فَأَتبَعَهُ الشيطَانُ فَكَانَ مِنَ الغاوِينَ )(37) ، ولكان ينبغي أن يكون محل عبدة العجل من أصحاب موسى هذا المحلّ، لاَنّ هؤلاء كلّهم قد صحبوا رسولاً جليلاً من رسل الله سبحانه.
قال : ولو كانت الصحابة عند أنفسها بهذه المنزلة ؛ لعلمت ذلك من حال أنفسها، لاَنّهم أعرف بمحلهم من عوام أهل دهرنا، وإذا قدّرت أفعال بعضهم ببعض دلّتك على أن القصّة كانت على خلاف ما قد سبق إلى قلوب الناس اليوم؛ هذا علي وعمار وأبو الهيثم بن التيهان، وخزيمة بن ثابت، وجميع من كان مع علي عليه السلام من المهاجرين والاَنصار، لم يَروا أن يتغافلوا عن طلحة والزبير وعائشة ومن كان معهم وفي جانبهم ، لم يروا أن يمسكوا عن علي عليه السلام حتى قصدوا له كما يقصد للمتغلبين في زماننا.
وهذا معاوية وعمرو لم يريا عليَّاً بالعين التي يرى بها العامي صديقه أو جاره، ولم يقصِّرا دون ضرب وجهه بالسيف ولعنه ولعن أولاده وكل من كان حيّاً من أهله، وقتل أصحابه ، وقد لعنهما هو أيضاً في الصلوات المفروضات، ولعن معهما أبا الاَعور السلمي، وأبا موسى الاَشعري، وكلاهما من الصحابة، وهذا سعد بن أبي وقاص، ومحمد بن مسلمة، وأُسامة بن زيد، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل ، وعبد
الله بن عمر ، وحسان بن ثابت، وأنس بن مالك، لم يروا أن يقلِّدوا عليّاً عليه السلام في حرب طلحة، ولا طلحة في حرب علي، وطلحة والزبير بإجماع المسلمين أفضل من هؤلاء المعدودين، لاَنّهم زعموا أنّهم قد خافوا أن يكون عليٌّ قد غلط وزلّ في حربهما، وخافوا أن يكونا قد غلطا وزلاَّ في حرب علي عليه السلام .
وهذا عثمان قد نفى أبا ذرّ(38)إلى الربذة(39)كما يفعل بأهل الخَنا والرِّيب ، وهذا عمار وابن مسعود تلقيا عثمان بما تلقّياه به لمّا ظهر لهما ـ بزعمهما ـ منه ما وعظاه لاَجله ، ثمّ فعل بهما عثمان ما تناهى إليكم ، ثمّ فعل القوم بعثمان ما قد علمتم وعلم الناس كلّهم .
وهذا عمر يقول في قصّة الزبير بن العوّام لمّا استأذنه في الغزو : ها إنّي ممسك بباب هذا الشِّعب أن يتفرّق أصحاب محمد في الناس فيضلوهم، وزعم أنّه وأبو بكر كانا يقولان : إنّ عليّاً والعبّاس في قصّة الميراث زعما هما كاذبين ظالمين فاجرين؛ وما رأينا عليّاً والعبّاس اعتذرا ولا تنصّلا ، ولا نقل أحدٌ من أصحاب الحديث ذلك، ولا رأينا أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وآله أنكروا عليهما ما حكاه عمر عنهما، ونسبه إليهما، ولا أنكروا أيضاً على عمر قوله في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله : إنّهم يريدون إضلال الناس ويهمون به، ولا أنكروا على عثمان دوس بطن عمّار(40) ولا كسر ضلع ابن مسعود(41) ولا على عمار وابن مسعود ما تلقّيا به عثمان، كإنكار العامّة اليوم الخوض في حديث الصحابة، ولا اعتقدت الصحابة في أنفسها ما يعتقده العامّة فيها؛ اللهم إلا أن يزعموا أنّهم أعرف بحقّ القوم منهم ، وهذا عليٌّ وفاطمة والعبّاس ما زالوا على كلمة واحدة يكذِّبون الرواية : « نحن معاشر الاَنبياء لا نُورِّث »(42)، ويقولون ؛ إنّها مختلَقَة .
قالوا : وكيف كان النبي صلى
الله عليه وآله يُعرِّف هذا الحكم غيرنا ويكتمه عنّا ونحن الوَرثة؛ ونحن أولى الناس بأن يُؤدَّى هذا الحكم إليه، وهذا عمر بن الخطاب يشهد لاَهل الشورى أنّهم النفر الذين تُوفِّي رسول الله صلى الله عليه وآله وهو عنهم راضٍ، ثمّ يأمر بضرب أعناقهم(43) إن أخّروا فصل حال الاِمامة، هذا بعد أن ثلبهم، وقال في حقّهم ما لو سمعته العامّة اليوم من قائل لوضعت ثوبه في عنقه سحباً إلى السلطان، ثمّ شهدت عليه بالرَّفض واستحلت دمه، فإن كان الطعن على بعض الصحابة رفضاً فعمر بن الخطاب أرفض الناس وإمام الروافض كلّهم، ثمّ ما شاع واشتهر من قول عمر : كانت بيعة أبي بكر فلتة ، وقى الله شرّها ؛ فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه(44)؛ وهذا طعن في العقد، وقدح في البيعة الاَصلية .
ثمّ ما نقل عنه من ذكر أبي بكر في صلاته، وقوله عن عبد الرحمن ابنه : دُويبة سوء ولهو خيرٌ من أبيه، ثم عمر القائل في سعد بن عبادة، وهو رئيس الاَنصار وسيّدها : اقتلوا سعداً، قتل
الله سعداً(45) ، اقتلوه فإنّه منافق. وقد شتم أبا هريرة وطعن في روايته(46)، وشتم خالد بن الوليد(47)وطعن في دينه، وحكم بفسقه وبوجوب قتله، وخوَّن عمرو بن العاص(48)ومعاوية بن أبي سفيان ونسبهما إلى سرقة مال الفيء واقتطاعه، وكان سريعاً إلى المساءة، كثير الجبه والشتم والسبّ لكلّ أحد، وقلَّ أن يكون في الصحابة من سلِم من معرّة لسانه أو يده، ولذلك أبغضوه وملُّوا أيّامه مع كثرة الفتوح فيها، فهلاّ احترم عمر الصحابة كما تحترمهم العامّة ! إمّا أن يكون عمر مخطئاً، وإمّا أن تكون العامّة على الخطأ !
فإن قالوا : عمر ما شتم ولا ضرب، ولا أساء إلاّ إلى عاصٍ مستحقٍ لذلك، قيل لهم : فكأنّا نحن نقول : إنّا نريد أن نبرأ ونعادي من لا يستحق البراءة والمعاداة، كلاّ ما قلنا هذا ولا يقول هذا مسلم ولا عاقل.
وإنّما غرضنا الذي إليه نجري بكلامنا هذا أن نوضّح أنّ الصحابة قومٌ من الناس لهم ما للناس، وعليهم ما عليهم، مَن أساء منهم ذممناه، ومن أحسن منهم حمدناه، وليس لهم على غيرهم من المسلمين كبير فضل إلاّ بمشاهدة الرسول ومعاصرته لا غير، بل ربّما كانت ذنوبهم أفحش من ذنوب غيرهم، لاَنّهم شاهدوا الاَعلام والمعجزات، فقربت اعتقاداتهم من الضرورة، ونحن لم نشاهد ذلك، فكانت عقائدنا محض النظر والفكر، وبعرضيَّة الشُّبه والشكوك، فمعاصينا أخف لاَنّا أعذر.
ثمّ نعود إلى ما كنّا فيه فنقول : وهذه عائشة أُمّ المؤمنين؛ خرجت بقميص رسول
الله صلى الله عليه وآله فقالت للناس : هذا قميص رسول الله لم يبل ، وعثمان قد أبلى سنّته(49)؛ ثمّ تقول : اقتلوا نعثلاً ، قتل الله نعثلاً ، ثم لم ترض بذلك حتى قالت: أشهد أنّ عثمان جيفة على الصراط غداً . فمن الناس من يقول : روت في ذلك خبراً، ومن الناس من يقول : هو موقوف عليها؛ وبدون هذا لو قاله إنسان اليوم يكون عند العامّة زنديقاً. ثمّ قد حصر عثمان؛ حصرته أعيان الصحابة، فما كان أحد ينكر ذلك، ولا يعظمه ولا يسعى في إزالته، وإنّما أنكروا على ما أنكر على المحاصرين له ، وهو رجل كما علمتم من وجوه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ثمّ من أشرافهم، ثمّ هو أقرب إليه من أبي بكر وعمر، وهو مع ذلك إمام المسلمين، والمختار منهم للخلافة، وللاِمام حقّ على رعيّته عظيم، فإن كان القوم قد أصابوا فإذن ليست الصحابة في الموضع الذي وضعتها به العامّة، وإن كانوا ما أصابوا فهذا هو الذي نقول؛ من أنّ الخطأ جائزٌ على آحاد الصحابة؛ كما يجوز على آحادنا اليوم. ولسنا نقدح في الاِجماع، ولا ندعي إجماعاً حقيقياً على قتل عثمان، وإنّما نقول : إنّ كثيراً من المسلمين فعلوا ذلك والخصم يسلِّم أنّ ذلك كان خطأ ومعصية، فقد سلم أن الصحابي يجوز أن يخطىء ويعصي، وهو المطلوب .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ألاِیمان وعلامات المؤمن
المُناظرة الثالثة والسبعون /مناظرة الشيخ محمد ...
حقوق الإنسان في نظر أهل البيت ( عليهم السلام )
لماذا السجود على التربة ؟
الاَحاديث الواردة في بيان أهمية التقية :
تعظيمُ شعائر الله في أوليائه
العقل والروح مسيرة إحيائية واحدة
الامامة الابراهيمية في القرآن الكريم (القسم ...
الخمس... فريضة إلهيّة (1)
یوم دحو الارض

 
user comment