عربي
Tuesday 5th of November 2024
0
نفر 0

المُناظرة الثانية والسبعون /مناظرة أبي جعفر العلوي البصري مع أحد الفقهاء في إيراده لكلام الجويني (1)في الصحابة بكتاب كتبه أحد الزيدية-3

وهذا المغيرة بن شعبة وهو من الصحابة، ادُّعي عليه الزنا، وشهد عليه قوم بذلك(50)، فلم ينكر ذلك عمر، ولا قال : هذا محال وباطل لاَنّ هذا صحابي من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله لا يجوز عليه الزنا، وهلاّ أنكر عمر على الشهود وقال لهم : ويحكم هلاّ تغافلتم عنه لمّا رأيتموه يفعل ذلك، فإن الله تعالى قد أوجب الاِمساك عن مساوىء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وأوجب الستر عليهم ! وهلا تركتموه لرسول الله صلى الله عليه وآله في قوله « دعوا لي أصحابي » ، ما رأينا عمر إلاّ قد انتصب لسماع الدعوى، وإقامة الشهادة، وأقبل يقول للمغيرة : يا مغيرة، ذهب رُبعك ، يا مغيرة ، ذهب نصفك، يا مغيرة ذهب ثلاثة أرباعك، حتى اضطرب الرابع، فجلد الثلاثة. وهلاّ قال المغيرة لعمر : كيف تسمع فيّ قول هؤلاء، وليسوا من الصحابة، وأنا من الصحابة، ورسول الله صلى الله عليه وآله قال : « أصحابي كالنجوم، بأيِّهم اقتديتم اهتديتم »(51)! ما رأيناه قال ذلك، بل استسلم لحكم الله تعالى . وها هنا من هو أمثل من المغيرة وأفضل، قدامة بن مظعون، لمّا شرب الخمر في أيّام عمر، فأقام عليه الحدّ، وهو رجل من علِّية الصحابة ومن أهل بدر، والمشهود لهم بالجنة، فلم يردّ عمر الشهادة، ولا درأ عنه الحدَّ لعلّةِ أنّه بدريٌّ، ولا قال : قد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله ذكر مساوىء الصحابة ، وقد ضرب عمر أيضاً ابنه حدّاً فمات(52)، وكان ممّن عاصر رسول الله صلى الله عليه وآله ولم تمنعه معاصرته له من إقامة الحدّ عليه.
وهذا علي عليه السلام يقول : ما حدّثني أحدٌ بحديث عن رسول
الله صلى الله عليه وآله إلاّ استحلفتهُ عليه(53)؛ أليس هذا اتّهاماً لهم بالكذب ! وما استثنى أحداً من المسلمين إلا أبا بكر على ما ورد في الخبر، وقد صرّح غير مرة بتكذيب أبي هريرة، وقال : لا أحد أكذب من هذا الدَّوسي على رسول الله صلى الله عليه وآله وقال أبو بكر في مرضه الذي مات فيه : وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة ولو كان أعلن عليٌ الحرب(54)فندم، والندم لا يكون إلاّ عن ذنب .
ثمّ ينبغي للعاقل أن يفكّر في تأخّر علي عليه السلام عن بيعة أبي بكر ستّة أشهر إلى أن ماتت فاطمة، فإن كان مصيباً فأبو بكر على الخطأ في انتصابه في الخلافة، وإن كان أبو بكر مصيباً فعليّ على الخطأ في تأخره عن البيعة وحضور المسجد.
ثمّ قال أبو بكر في مرض موته أيضاً للصحابة : فلمّا استخلفت عليكم خيركم في نفسي ـ يعني عمر ـ فكلُّكم وَرِمَ لذلك أنفُه ، يريد أن يكون الاَمر له، لمّا رأيتم الدنيا قد جاءت، أما و
الله لتتخذُنَّ ستائر الدِّيباج ، ونضائد الحرير(55)،
أليس هذا طعناً في الصحابة، وتصريحاً بأنّه قد نسبهم إلى الحسد لعمر، لما نصّ عليه بالعهد ! ولقد قال له طلحة لمّا ذكر عمر الاَمر : ماذا تقول لربّك إذا سألك عن عباده، وقد ولَّيت عليهم فظاً غليظاً ! فقال أبو بكر : أجلسوني ، ب
الله تخوِّفني ! إذا سألني قلت : ولّيت عليهم خير أهلك(56)، ثمّ شتمه بكلام كثير منقول؛ فهل قول طلحة إلاّ طعنٌ في عمر، وهل قول أبي بكر إلاّ طعن في طلحة !
ثمّ الذي كان بين أُبي بن كعب وعبد
الله بن مسعود من السُّباب حتى نفى كلّ واحد منهما الآخر عن أبيه، وكلمةُ أُبي بن كعب مشهورة منقولة : ما زالت هذه الاُمّة مكبوبة على وجهها منذ فقدوا نبيّهم ، وقوله : ألا هلك أهل العقيدة، والله ما آسى عليهم إنّما آسى على من يضلّون من الناس .
ثمّ قول عبد الرحمن بن عوف : ما كنت أرى أن أعيش حتى يقول لي عثمان : يا منافق؛ وقوله : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما ولَّيت عثمان شِسع نعلي : وقوله : اللهم إن عثمان قد أبى أن يقيم كتابك فافعل به وافعل.
وقال عثمان لعلي عليه السلام في كلام دار بينهما : أبو بكر وعمر خير منك؛ فقال عليّ : كذبت، أنا خيرٌ منك ومنهما، عبدت
الله قبلهما، وعبدته بعدهما(57).
وروى سُفيان بن عُيينة عن عمرو بن دينار، قال : كنت عند عروة بن الزبير، فتذاكرنا كم أقام النبيُّ بمكّة بعد الوحي ؟ فقال عروة : أقام عشراً، فقلت : كان ابن عبّاس يقول : ثلاث عشرة، فقال : كذب ابن عبّاس .
وقال ابن عبّاس : المُتعة حلال؛ فقال له جُبير بن مطعم : كان عمر ينهى عنها، فقال : يا عُديَّ نفسه، من هاهنا ضللتم، أُحدِّثكم عن رسول
الله صلى الله عليه وآله وتحدّثني عن عمر !
وجاء في الخبر عن علي عليه السلام ، لولا ما فعل عمر بن الخطاب في المتعة ما زنى إلاّ شقيّ(58)؛ وقيل : ما زنى إلاّ شفّاً ، أي قليلاً .
فأمّا سبّ بعضهم بعضاً وقدح بعضهم في بعض في المسائل الفقهيّة فأكثر من أن يُحصى، مثل قول ابن عبّاس وهو يردّ على زيد مذهبه القول في الفرائض : إن شاء ـ أو قال : من شاء ـ باهلته إن الذي أحصى رمل عالج عدداً أعدل من أن يجعل في مال نصفاً ونصفاً وثلثاً، هذان النصفان قد ذهبا بالمال، فأين موضع الثلث!
ومثل قول أُبي بن كعب في القرآن : لقد قرأت القرآن وزيدٌ هذا غلام ذو ذُؤابتين يلعب بين صبيان اليهود في المكتب.
وقال علي عليه السلام في أُمّهات الاَولاد وهو على المنبر : كان رأيي ورأي عمر ألا يُبعن، وأنا أرى الآن بيعهنّ، فقام إليه عبيدة السلماني، فقال : رأيك في الجماعة أحبُّ إلينا من رأيك في الفُرقة، وكان أبو بكر يرى التسوية في قسم الغنائم، وخالفه عمر وأنكر فعله.
وأنكرت عائشة على أبي سلمة بن عبد الرحمن خلافه على ابن عبّاس في عِدّة المتوفَّى عنها زوجها وهي حامل؛ وقالت : فرّوج يصقع مع الدِّيَكة .
وأنكرت الصحابة على ابن عبّاس قوله في الصّرف، وسفهوا رأيه حتى قيل : إنّه تاب من ذلك عند موته، واختلفوا في حدِّ شارب الخمر حتى خطّأ بعضهم بعضاً.
وروى بعض الصحابة عن النبي صلى
الله عليه وآله أنّه قال : الشؤم في ثلاثة : المرأة والدار، والفرس(59)، فأنكرت عائشة ذلك ، وكذبت الراوي وقالت : إنّه إنّما قال صلى الله عليه وآله ذلك حكايةً عن غيره(60).
وروى بعض الصحابة عنه صلى
الله عليه وآله أنّه قال : التاجر فاجرٌ، فأنكرت عائشة ذلك، وكذّبت الراوي وقالت : إنّما قاله عليه السلام في تاجر دلّس .
وأنكر قومٌ من الاَنصار رواية أبي بكر : « الاَئمّة من قريش »(61)ونسبوه إلى افتعال هذه الكلمة .
وكان أبو بكر يقضي بالقضاء فينقضه عليه أصاغر الصحابة كبلال وصُهيب ونحوهما ، قد روي ذلك في عِدّة قضايا.
وقيل لابن عبّاس : إنّ عبد
الله بن الزبير يزعم أنّ موسى صاحب الخضر ليس موسى بني إسرائيل؛ فقال : كذب عدوُّ الله ! أخبرني أُبي بن كعب، قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وذكر كذا ؛ بكلامٍ يدلّ على أنّ موسى صاحب الخضر هو موسى بني إسرائيل .
وباع معاوية أواني ذهب وفضة بأكثر من وزنها، فقال له أبو الدرداء : سمعت رسول
الله صلى الله عليه وآله ينهى عن ذلك، فقال معاوية : أمّا أنا فلا أرى به بأساً؛ فقال أبو الدرداء : مَنْ عذيري مِن معاوية ! أخبره عن الرسول صلى الله عليه وآله وهو يخبرني عن رأيه ! والله لا أُساكنك بأرضٍ أبداً.
وطعن ابن عبّاس في أبي هريرة، عن رسول
الله صلى الله عليه وآله : « إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخلنّ يده في الاِناء حتى يتوضّأ » ، وقال : فما نصنع بالمِهراس(62)!
وقال علي عليه السلام لعمر وقد أفتاه الصحابة في مسألة وأجمعوا عليها : إن كانوا راقبوك فقد غشُّوك ، وإن كان هذا جهد رأيهم فقد أخطأوا .
وقال ابن عبّاس : ألا يتّقي
الله زيد بن ثابت، يجعل ابن الابن ابناً، ولا يجعل أب الاَب أباً !
وقالت عائشة: أخبروا زيد بن أرقم أنّه قد أحبط جهاده مع رسول
الله صلى الله عليه وآله.
وأنكرت الصحابة على أبي موسى قوله : إنّ النوم لا ينقض الوضوء، ونسبته إلى الغفلة وقلّة التحصيل، وكذلك أنكرت على أبي طلحة الاَنصاري قوله : إن أكل البَرَد لا يفطِّر، وهزِئت به ونسبته إلى الجهل .
وسمع عمرُ ، عبد
الله بن مسعود وأُبي بن كعب يختلفان في صلاة الرجل في الثوب الواحد، فصعد المنبر وقال : إذا اختلف اثنان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فعن أيّ فتياكم يصدر المسلمون ؟ لا أسمع رجلين يختلفان بعد مقامي هذا إلاّ فعلت وصنعت .
وقال جرير بن كليب : رأيت عمر ينهى عن المتعة ، وعلي عليه السلام يأمر بها ، فقلت : إنّ بينكما لشرّاً، فقال علي عليه السلام : ليس بيننا إلاّ الخير، ولكن خيرنا أتْبعنا لهذا الدين .
قال هذا المتكلّم : وكيف يصحُّ أن يقول رسول
الله صلى الله عليه وآله : « أصحابي كالنجوم بأيِّهم اقتديتم اهتديتم »(63)؛ لا شبهة أنّ هذا يوجب أن يكون أهل الشام في صفِّين على هدى، وأن يكون أهل العراق أيضاً على هدى ؛ وأن يكون قاتل عمّار بن ياسر مهتدياً؛ وقد صحّ الخبر الصحيح أنّه قال له : « تقتلك الفئة الباغية »(64)، وقال في القرآن : ( فَقاتلوا التي تَبغي حتى تفيءَ إلى أَمرِ الله )(65)؛ فدلّ على أنّها ما دامت موصوفة بالمقام على البغي، مُفارقة لاَمر الله ، ومن يفارق أمر الله لا يكون مهتدياً.
وكان يجب أن يكون بسر بن أرطأة الذي ذبح ولَدي عبيد
الله بن عبّاس الصغيرين(66) مُهتدياً، لاَنّ بُسراً من الصحابة أيضاً، وكان يجب أن يكون عمرو بن العاص ومعاوية اللذان كانا يلعنان عليّاً أدبار الصلاة وولديه مهتديين؛ وقد كان في الصحابة من يزني ومن يشرب الخمر كأبي محجن الثقفي، ومن يرتدّ عن الاِسلام كطليحة ابن خويلد، فيجب أن يكون كلّ من اقتدى بهؤلاء في أفعالهم مُهتدياً.
قال : وإنّما هذا من موضوعات متعصِّبة الاَمويّة ، فإن لهم من ينصرهم بلسانه، وبوضعه الاَحاديث إذا عجز عن نصرهم بالسيف .
وكذا القول في الحديث الآخر، وهو قوله : « القرن الذي أنا فيه » ، وممّا يدلّ على بطلانه أنّ القرن الذي جاء بعده بخمسين سنة شرُّ قرون الدنيا ، وهو أحد القرون التي ذكرها في النص، وكان ذلك القرن هو القرن الذي قتل فيه الحسين، وأوقع بالمدينة، وحوصرت مكّة، ونُقضت الكعبة، وشربت خلفاؤه والقائمون مقامه والمنتصبون في منصب النبوّة الخمور، وارتكبوا الفُجور، كما جرى ليزيد بن معاوية وليزيد بن عاتكة وللوليد بن يزيد، وأُريقت الدِّماء الحرام، وقتل المسلمون، وسبي الحريم، واستعبد أبناء المهاجرين والاَنصار، ونُقش على أيديهم كما يُنقش على أيدي الرُّوم، وذلك في خلافة عبدالملك وإمرة الحجّاج . وإذا تأمّلت كتب التواريخ وجدت الخمسين الثانية شرّاً كلّها لا خير فيها، ولا في رؤسائها وأمرائها، والناس برؤسائهم وأمرائهم، والقرن خمسون سنةً، فكيف يصحّ هذا الخبر.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

البداء والإرادة المُناظرة الخامسة
المعتزلة
الاستعاذة بالله طريق النجاة من الشيطان
المُناظرة الثالثة والستّون /مناظرة الشيخ المفيد ...
اللغة والكلام وأثرهما في المدارس اللسانية
في معنى المولى
موقف القرآن من مسألة : (الحتمية) و (استقلال ...
اصل في معرفة ذوات المعصومين (ع ) وحياتهم بالاجمال ...
حقدت على الشيعة في البداية وكتب الشيخ المفيد سبب ...
حقيقة الشفاعة وأقسامها

 
user comment