المُناظرة الثالثة والسبعون
مناظرة الشيخ محمد الاشتهاردي مع أحد علماء الشافعية في أمر بعض الصحابة
قال الشيخ محمد الاشتهاردي : أذكر التقيت مرةً بأحد علماء الشافعية، وكان ضليعاً في فهم الآيات القرآنية والاَحاديث الشريفة، فبدأ اعتراضه على الشيعة بهذا السؤال:
إن الشيعة يطعنون ويسبّون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهذا خلاف ما نص به القرآن الكريم، لاَن بنص القرآن الكريم أن الله سبحانه راضٍ عنهم، فالذي يقع مورد رضى الله لا يجوز لعنه وسبّه، والآية التي نزلت بهذا الشأن هي الآية 18 من سورة الفتح حيث يقول الله سبحانه ( لقد رضيَ الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم، فأنزل الله السَّكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً ).
نزلت هذه الآية الشريفة في شهر ذي الحجة من السنة السادسة من الهجرة عندما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله أن يخرج من المدينة إلى مكة معتمراً مع ألفي وأربعمائة من المسلمين فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير و...
ولما بلغ بعسفان قرب مكة، علمت قريش بمسيرة النبي صلى الله عليه وآله فخرجوا ليمنعوا رسول الله صلى الله عليه وآله والمسلمين من الدخول إلى مكة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله أن يسلكوا طريقاً يوصلهم إلى الحديبية لاحتواءها على الماء والاَشجار ويهبطوا فيها، وكانت الحديبية تبعد عن مكة عشرون كيلومتراً ، وليعلم ما يكون أمره مع قريش.
ثم أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله عثماناً إلى مكة وأشراف قريش فيذاكرهم حول مجيء النبي صلى الله عليه وآله ، وبعد فترة بلغ أن عثمان قد قتل، قال صلى الله عليه وآله : لا نبرح حتى نناجز القوم، ودعا الناس إلى البيعة ، فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة.(1) وبايع رسول الله صلى الله عليه وآله المسلمين، أن يدافعوا عن الاِسلام إلى آخر لحظة، ولم يمضي وقتٌ حتى رجع عثمان سالماً، وأرعبت هذه البيعة قريشاً فأرسلوا سهيل بن عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وقالوا له: أئت محمداً فصالحه، فكان صلح الحديبية، وقالوا: أنك ترجع عنا عامك هذا فلا تدخل علينا مكة(2).
فعندها نزلت الآية 181 من سورة الفتح، ورضى الله عن الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وآله، إذاً فالاَصحاب الذين رضي الله عنهم لا يجوز الطعن فيهم!!
فقلت: أولاً: إن هذه الآية المباركة تنحصر بالذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وآله، ولا تشمل الآخرين.
ثانياً: إن هذه الآية لا تشمل المنافقين الذين حضروا البيعة أمثال: عبدالله بن اُبي، وأوس بن خولي و... لاَن جملة « رضى الله عن المؤمنين » أخرجتهم عن كونهم مؤمنين.
ثالثاً: الآية المذكورة تشير إلى الذين كانوا في زمن البيعة ورضي الله عنهم، وليس معناها أن الله رضي عنهم إلى الابد.
وبهذا الدليل نقرأ في الآية العاشرة من هذه السورة المباركة: ( فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً )، فدلت الآية على احتمال أن ينكث بعض الصحابة الحاضرين للبيعة بيعتهم، كما حصل بعد ذلك من قبل بعضهم ، فعليه إنّ آية الرضوان لا تدل على الرضا الاَبدي عن الذين بايعوا رسول الله صلى الله عنه وآله، بل يحتمل أمران، فريق يُبقي بيعته، وفريق ينكث بيعته.(3)
____________
مناظرة السيد علي البطحائي مع بعضهم في مسألة عدالة الصحابة
قال السيد علي البطحائي : ذهبت مع عدد من الاَصدقاء إلى الجامعة الاِسلامية بالمدينة المنورة وأهدينا لعلمائها عدةً من كتب الشيعة ، واتصلنا بعميد الجامعة الشيخ عبدالعزيز بن باز ثم بعد السلام وإهداء التحيات قال الشيخ: صحابة الرسول صلى الله عليه وآله كلهم عدول وجاهدوا في سبيل الله.
قلت: على ما تقول ، لا يبقى مورد لثلث القرآن ، لاَن الآيات الراجعة إلى المنافقين كثيرة، إن صحابة الرسول صلى الله عليه وآله مثل سائر الناس ، فيهم الطيب وغير الطيب والعادل والفاسق.
ثم ذهب الشيخ ، وجاء عدد من العلماء والمدرسين من الجامعة الاِسلامية للبحث والمناظرة، فسألت عن واحد منهم ـ إسمه الشيخ عبدالله ـ ما تقولون في هذه الرواية الواردة في صحيح البخاري في المجلد الاَول وفي المجلد التاسع عن ابن عباس لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وآله وجعه ، قال : ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لاتضلوا بعده، قال عمر : ان النبي صلى الله عليه وآله غلبه الوجع ، وعندنا كتاب الله حسبنا ، وكثر اللغط فقال الرسول صلى الله عليه وآله : قوموا عني لا ينبغي عند نبي تنازع ، فخرج ابن عباس يقول : إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين كتابته.(1)
قلت للعلماء: أي شيء يريد أن يكتب نبي الرحمة، وما معنى قول عمر : إن النبي صلى الله عليه وآله غلبه الوجع، هل معناه أن الرسول صلى الله عليه وآله ليست له مشاعر ولا يفهم شيئاً، وإذا كان كذلك ، هل تطيب نفس إنسان أن يقول في شخص الرسول الاَعظم الذي يقول القرآن في حقه: ( وما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى )(2)أنه غلبه الوجع وليست له مشاعر.
قال الشيخ عبدالله ـ واحد من المدرّسين في الجامعة الاِسلامية ـ : أن معنى قول عمر أن الرسول صلى الله عليه وآله في شدة المرض لا تزاحموه حتى يصحو ويكتب الوصية.
قلت: هذا المعنى ينافي كلمة (فاختلفوا) في الرواية ، وكلمة (وكثر اللغط) وقول الرسول صلى الله عليه وآله : (قوموا عني ولا ينبغي عند نبي تنازع) ، لاَن الظاهر أنه وقع النزاع في محضر الرسول وإذا كان معنى قوله : إن النبي صلى الله عليه وآله في شدة المرض لاتزاحموه ما كان يقع التنازع والقيل والقال والاختلاف في محضر الرسول، وأيضاً فما معنى قول ابن عباس رضي الله عنه : ان الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين كتابته ، وما معنى تأسف ابن عباس إلا من جهة حيلولة عمر بين الرسول والكتابة.
ثم قلت للشيخ عبدالله: أنا وأنت جئنا من لندن ؟! لا نعرف معاني اللغة العربية فلنذهب عند الحمالين والبقالين من أهل المدينة نسأل معنى الرواية منهم.
قال: بحمد الله أنت عالم ديني تعرف كل شيء، ثم قال لي: أنت أكملت إيمانك من أصول الكافي؟
قلت: أنا أكملت إيماني من صحيح البخاري من أمثال هذه الرواية، مضافاً إلى أن الرسول صلى الله عليه وآله طلب منهم الاِتيان بكتاب يكتب لهم ، لا أن الناس طلبوا منه صلى الله عليه وآله الكتابة(3) .
____________
مناظرة في حديث « أصحابي كالنجوم »
الاَستاذ الشيعي: نحن نعتقد، أنّ الامامة والخلافة هي نيابة عن النبي صلى الله عليه وآله في زعامة ورئاسة الدين والدنيا، لاَن خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله والقائم بمقامه لابد أن يسعى نحو ترسيخ ونشر أحكام الاِسلام وصيانته للشريعة المقدسة، والقضاء على شتى أنواع الفتن والمفاسد، وإقامة حدود الله، ولا يليق هذا المقام الشريف لكل أحد ، سوى الذين يمتلكون القيم الاِسلامية العالية، من التقوى، والجهاد والعلم والهجرة والزهد، والسيرة الحسنة، والحنكة السياسية ، والعدالة والشجاعة، وسعة الصدر، وعلو الهمة، والاَخلاق الفاضلة، وهذه الفضائل لا يمتلكها سوى أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، وبشهادة التاريخ والروايات المستفيضة من علماء الفريقين.
الاَستاذ السنّي: قال رسول الله صلى الله عليه وآله « أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم »(1) . إذن بأي فرد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله اقتدينا فقد اهتدينا.
الاَستاذ الشيعي: مع غض النظر عن سند هذا الحديث، فهو مجعول وساقط عن الاعتبار ، لوجود عدّة أدلة قاطعة وأن النبي صلى الله عليه وآله لم ينطق به، ولم يتفوه به.
الاَستاذ السنّي: بأيّ دليل؟
الاَستاذ الشيعي: أدلة نفي هذا الحديث كثيرة. منها:
1 ـ عندما يضل المسافرون في الليل جادتهم الاَصلية، فهناك ملايين من النجوم من السماء، ولو اختاروا أياً منها حسب أهوائهم لما اهتدوا أبداً، بل إن النجوم التي تهدي إلى جادة الصواب هي نجوم خاصة ، ومعروفة تتميز عن بقيةالنجوم، وعلى ضوئها يعثر المسافرون في الليل على مرادهم وطريقهم.
2 ـ هذا الحديث يتناقض مع عشرات الاَحاديث، مثل حديث الثقلين، وحديث الخلفاء الاَثني عشر من قريش، وحديث « عليكم بالاَئمة من أهل بيتي »،وحديث « أهل بيتي كالنجوم »، وحديث السفينة: « مثل أهل بيتي كسفينة نوح... »، وحديث « النجوم أمان لاَهل الاَرض من الغرقِ وأهل بيتي أمان لاُمتي من الاختلاف »(2).
فضلاً عن أنّ الحديث المذكور أعلاه قد نقلته طائفة خاصة من المسلمين، أما الاَحاديث المخالفة له فقد نقلتها جميع طوائف المسلمين.
3 ـ الحوادث الواقعة بعد رحلة رسول الله صلى الله عليه وآله بين الاَصحاب واختلافهم، لا تتلائم مع الحديث المذكور، لاِن ارتداد بعض الاَصحاب، وطعن بعضهم البعض كطعن أكثر الصحابة في خلافة عثمان الذي انتهى إلى قتله.
كما أن هذا الحديث لا يتلائم مع لعن بعض الصحابة بعضاً، كأمر معاوية بسب علي عليه السلام(3) ، وكذلك لا يتلائم مع قتال الصحابة بعضهم بعضاً ، كما حارب طلحة والزبير أميرالمؤمنين علي عليه السلام في حرب الجمل، ومعاوية في صفين، وكما لا يتلائم بصدور بعض الذنوب الكبيرةمن الصحابة مثل الزنا وشرب الخمر والسرقة حيث أقيمت حدود على بعضهم، أمثال (الوليد بن عقبة، والمغيرة بن شعبة...).
وعلى سبيل المثال: إن علياً عليه السلام ومعاوية كانا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وقاتل بعضهم بعضاً، ولعن بعضهم بعضاً، فكيف يمكن مع اعتبار الحديث المذكور، إذا اقتدينا بإيهما اهتدينا؟
وهل الاقتداء بـ« بُسر بن أرطأة » الذي كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله ، والذي سفك دماء الآلاف من الابرياء من المسلمين، سبب الهداية؟،وهل الاقتداء بالمنافقين الذين عاصروا رسول الله صلى الله عليه وآله مع كثرتهم في المدينة سبب الهداية؟ وهل الاقتداء بمروان بن الحكم الذي قتل طلحة سبب الهداية؟ وهل الاقتداء بالحكم أبي مروان الذي كان من الاَصحاب، وكان يستهزء بالنبي صلى الله عليه وآله سبب الهداية؟
فالعمل بالحديث المذكور المختلق « أصحابي كالنجوم » مع مانلمسه من الواقع الخارجي، ويحكيه التاريخ لنا أمر مضحك وغريب!!
الاَستاذ السنّي: المقصود من الاَصحاب، الاَصحاب الحقيقيين المخلصين للنبي صلى الله عليه وآله، لا المنافقين والكاذبين.
الاَستاذ الشيعي: إن كنت تقصد أمثال: سلمان وأبو ذر،ومقداد، وعمار دون سواهم، مع اعتبارك غيرهم،بقي الاَشكال والاَختلاف بيننا مستحكماً، والاَفضل التمسك بتلك الاَحاديث التي تخلو من الاِشكال، والواضحة كحديث الثقلين، وحديث السفينة، الواردة في إمامة وولاية أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام .
وعلى هذا الاَساس جاء في الروايات: أنه عندما قصد سلمان المدائن التقى بالاَشعث وجرير، وكانا يجهلانه،لكن سرعان ما عرَّف نفسه، قائلاً: « أنا سلمان، من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله »، ثم قال: « إعلما، إنما صاحبه من دخل معه الجنّة »(4)، وبعبارة أوضح: إن الصحابي هو الذي يسير على نهج النبي صلى الله عليه وآله إلى آخر لحظة من حياته الاِيمانية، ولا يستبدله بمنهج آخر،ولا ينحرف عن الاَحكام الاِلهية قط(5).
____________