المُناظرة السادسة والسبعون
مناظرة الدكتور التيجاني مع بعض أهل السنة في أمر بعض الصحابة
قال الدكتور التيجاني : كنت يوماً في العاصمة التونسية(1)داخل مسجد عظيم من مساجدها، وبعد أداء فريضة الصلاة جلس الاِمام وسط حلقة من المصلّين وبدأ درسه بالتنديد والتكفير لاَولئك الذين يشتمون أصحاب النبي صلى الله عليه وآله واسترسل في حديثه قائلاً :
إيّاكم من الذين يتكلّمون في أعراض الصحابة بدعوى البحث العلمي والوصول لمعرفة الحق، فأولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، إنهم يريدون تشكيك الناس في دينهم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « إذا وصل بكم الحديث إلى أصحابي فأمسكوا، فوالله لو أنفقتم مثل أحدٍ ذهباً لما بلغتم معشار أحدهم »(2) .
وقاطعه أحد المستبصرين كان يصحبني قائلاً : هذا الحديث غير صحيح وهو مكذوب على رسول الله !
وثارت ثائرة الاِمام وبعض الحاضرين والتفتوا إلينا منكرين مشمئزين، فتداركت الموقف متلطّفاً مع الاِمام وقلت له : يا سيدي الشيخ الجليل، ما هو ذنب المسلم الذي يقرأ في القرآن قوله : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إلاّ رَسولٌ قَد خَلَت من قَبلِهِ الرُّسُلُ أفإن ماتَ أو قُتِل انقَلبتُم على أَعقابِكُم، وَمَن يَنقَلِب على عَقِبَيهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيئاً وَسَيجزي اللهُ الشاكِرين )(3).
وما هو ذنب المسلم الذي يقرأ في صحيح البخاري(4)وفي صحيح مسلم(5) قول رسول الله صلى الله عليه وآله لاَصحابه : « سيؤخذ بكم يوم القيامة إلى ذات الشمال، فأقول : إلى أين ؟ فيُقال : إلى النار والله، فأقول : يا ربّ هؤلاء أصحابي، فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا من بعدك إنّهم لم يزالوا مرتدين منذ فارقتهم، فأقول : سحقاً سحقاً لمن بدّل بعدي، ولا أرى يخلصُ منهم إلاّ مثل همل النعم »(6).
وكان الجميع يستمعون إليّ في صمت رهيب، وسألني بعضهم : إن كنت واثقاً من وجود هذا الحديث في صحيح البخاري ؟
وأجبتهم : نعم كوثوقي بأن الله واحد لا شريك له، ومحمداً عبدهُ ورسوله .
ولمّا عرف الاِمام تأثيري في الحاضرين من خلال حفظي للاَحاديث التي رويتها قال في هدوء : نحن قرأنا على مشايخنا رحمهم الله تعالى بأنّ الفتنة نائمة فلعن الله من أيقظها .
فقلت : يا سيدي الفتنة عمرها ما نامت، ولكنّا نحن النائمون، والذي يستيقظ منّا ويفتح عينيه ليعرف الحق تتهمونه بأنّه أيقظ الفتنة، وعلى كل حال فإنّ المسلمين مطالبون باتّباع كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وآله، لا بما يقوله مشايخنا الذين يترضّون على معاوية ويزيد وابن العاص .
وقاطعني الاِمام قائلاً : وهل أنت لا تترضّى عن سيدنا معاوية ، كاتب الوحي ؟
قلت : هذا موضوع يطول شرحه، وإذا أردت معرفة رأيي في ذلك، فأنا أهديك كتابي « ثمّ اهتديت »(7)لعلّه يوقظك من نومك ويفتح عينيك على بعض الحقائق وتقبّل الاِمام كلامي وهديّتي بشيء من التردّد، ولكنّه وبعد شهر واحد كتب إليّ رسالة لطيفة يحمد الله فيها أن هداه إلى صراطه المستقيم وأظهر ولاءً وتعلّقاً بأهل البيت عليهم السلام وطلبتُ منه نشر رسالته في الطبعة الثالثة لما فيها من معاني الود وصفاء الرّوح التي متى ما عرفت الحق تعلّقت به وهي تعبّر عن حقيقة أكثر أهل السنّة الذين يميلون إلى الحق بمجرد رفع الستار.
ولكنّه طلب منّي كتم الرسالة وعدم نشرها، لاَنّه لا بدّ له من الوقت الكافي حتى يُقنع المجموعة التي تصلي خلفه، وهو يحبذ أن تكون دعوته سلمية بدون هرج ومرج حسب تعبيره(8).
____________
مناظرة الدكتور التيجاني مع بعضهم علماء العامة في بعض المفتريات على الشيعة
قال الدكتور التيجاني في رسالته التي أرسلها إلى السيد أبي الحسن الندوي العالم الهندي ـ معتذراً له عن عدم زيارته له في الهند ـ :
سيدي العزيز قدمتُ إلى الهند في زيارة قصيرة ، وكان أملي أن التقي بحضرتكم لما أسمعه عنكم ، ولما أعلمه بأنّكم المشار إليه بين أهل السنّة والجماعة عندكم ، ولكن عاقني عن ذلك بُعدُ المسافة وضيق الوقت ، واكتفيت بزيارة مدينة بومباي وبونة وجبل بور وبعض المدن الاَخرى في كوجراتي، وتألمت كثيراً لما شاهدته في الهند من عداوة وبغضاء بين أهل السنة والجماعة وإخوانهم المسلمين من الشيعة .
وقد كنت أسمع بأنهم يتحاربون ويتقاتلون أحياناً ، وتُسفك دماء بريئة من الطرفين بإسم الإسلام ، ولم أكن أصدق، معتقداً بأنّه مبالغة في التشويه، ولكنّ ما شاهدته وما سمعته خلال زيارتي يبعث حقّاً على الحيرة والاستغراب ، وأيقنتُ بأنّ هناك نوايا خسيسة ومؤامرات خطيرة تُحاك ضد الاِسلام والمسلمين، للقضاء عليهم جميعاً سنّة وشيعة ، ومّما زاد يقيني وضوحاً وعلمي رسوخاً تلك المقابلة التي دارت بيني وبين مجموعة من علماء أهل السنّة يتقدّمهم الشيخ عزيز الرحمن مفتي الجماعة الاِسلامية ، وكان اللقاء في مسجدهم بـ « بومباي » وبدعوة منهم .
وما أن حللتُ بينهم حتّى بدأ الازدراء والتهكّم والسبُّ واللّعنُ لشيعة آل البيت عليهم السلام وقد أرادوا بذلك استفزازي وإثارتي ، لعلمهم مُسبقاً بأنّي قد ألّفتُ كتاباً يدعو للتّمسك بمذهب أهل البيت ـ سلام الله عليهم ـ ولكنّي فهمتُ قصدهم، وتمالكتُ أعصابي وابتسمتُ لهم قائلاً: أنا ضيف عندكم وأنتم الذين دعوتموني فجئتكم مُسرعاً مُلبّياً، فهل دعوتموني لتسبّوني وتشتموني، وهل هذه هي الاَخلاق التي علّمكم إيّاها الاِسلام ؟؟
فأجابوني بكل صلافة ، بأني لم أكن يوماً في حياتي مسلماً لاَنني شيعي، والشيعة ليسوا من الاِسلام في شيء ، وأقسموا على ذلك.
قلتُ: اتّقوا الله يا إخوتي ، فربّنا واحد ونبيّنا واحد وكتابنا واحد وقبلتنا واحدة، والشيعة يوحّدون الله ويعملون بالاِسلام اقتداءاً بالنبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام ، وهم يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة ، ويحجّون بيت الله الحرام، فكيف يجوز لكم تكفيرهم؟؟
أجابوني: أنتم لا تؤمنون بالقرآن، أنتم منافقون تعملون بالتقية ، وإمامكم قال: التقية ديني ودين آبائي(1)، وأنتم فرقة يهودية أسّسها عبد الله بن سبأ اليهودي(2) .
قلتُ لهم مبتسماً : دعونا من الشيعة، وتكلّموا معيى أنا شخصياً ، فقد كنتُ مالكياً مثلكم ، واقتنعتُ بعد بحث طويل بأن أهل البيت عليهم السلام هم أحق وأولى بالاتباع، فهل عندكم حجّة تجادلوني بها، أو تسألوني ما هو دليلي وحجّتي عسى أن نفهم بعضنا بعضاً؟
قالوا : أهل البيت هم نساء النبي صلى الله عليه وآله وأنتَ لا تعرف من القرآن شيئاً
قلت: فإنّ صحيح البخاري وصحيح مسلم يُفيدان غير ما ذكرتم!
قالوا : كل ما في البخاري ومسلم ، وكتب السنة الاَخرى من حجج تحتجّون بها هي من وضع الشيعة دسّوها في كتبنا.
أجبتهم ضاحكاً : إذا كان الشيعة وصلوا للدّس في كتبكم وفي صحاحكم فلا عبرة ولا قيمة لها ولا لمذهبكم القائم عليها!!
فسكتوا وأفحموا ، ولكنّ أحدهم عَمَدَ إلى التهريج والاِثارة من جديد فقال: من لا يؤمن بخلافة الخلفاء الراشدين سيدنا أبي بكر وسيدنا عمر وسيدنا عثمان وسيدنا علي عليه السلام وسيدنا معاوية وسيدنا يزيد فليس بمسلم !
ودهشت لهذا الكلام ، الذي ما سمعتُ مثله في حياتي ، وهو تكفير من لا يعتقد بخلافة معاوية وابنه يزيد، وقلتُ في نفسي : معقول أن يترضّى المسلمون على أبي بكر وعمر وعثمان فهذا أمرٌ طبيعي ، أما على يزيد فلم أسمع ذلك إلاّ في الهند، والتفتُّ إليهم جميعاً أسألهم : أتوافقون هذا على رأيه! فأجابوا كلّهم : نعم.
وعند ذلك عرفتُ بان لا فائدة في مواصلة الكلام، وفهمتُ بأنهم إنّما يريدون إثارتي حتّى ينتقموا منّي، وربّما يقتلوني بدعوى سبّ الصحابة فمن يدري؟
ورأيت في أعينهم شرّاً ، وطلبتُ من مرافقي الذي جاء بي إليهم أن يُخرجني فوراً، فأخرجني وهو يتحسّر ويعتذر إليَّ على ما وقع ، وهذا الشخص البريء الذي كان يرمي من وراء هذا اللقاء أن يتعرّف على الحقيقة هو الشاب المهذّب شرف الدين صاحب المكتبة والمطبعة الاِسلامية في « بومباي » فهو شاهد على كل ما دار بيننا من هذه المحاورة المذكورة ، ولم يُخفِ استياءه من هؤلاء الذين كان يعتقد بأنهم من أكبر العلماء(1).
____________
(1) تقدمت تخريجاته .
(2) هذه الفرية .. ألصقها أعداء الشيعة فيهم ليخرجوهم عن الاِسلام ويُكرّهوا الناس فيهم !! ومما لا مرية فيه أنهم يعلمون جزماً براءة الشيعة من هذه الدعوى الكاذبة المزيفة ، والتي لا أساس لها إلاّ كراهيتهم لهذا المبدأ القويم الذي أسس مبادئه النبي الكريم صلى الله عليه وآله ، وهو الذي دعى إليه وشيّد أركانه ، وإن شئت فأقرأ ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله فيهم ، ومن ذلك قوله لاَمير المؤمنين :
1 ـ إنك ستقدم على الله أنت وشيعتك راضين مرضيين . (مجمع الزوائد : ج 9 ص 131 ، النهاية لابن الاَثير ج 4 ص 106) .
2 ـ أنت أول داخل الجنة من أمّتي ، وأن شيعتك على منابر من نور مسرورون مبيضة وجوههم حولي ، أشفع لهم فيكونون غداً في الجنة جيراني (مجمع الزوائد : ج 9 ص 131 ، كفاية الطالب : ص 135) .
3 ـ يا علي ، إن الله قد غفر لك ولذريتك ولولدك ولاَهلك ولشيعتك ولمحبّي شيعتك (الصواعق : 161 ، 232 ، 235) .
4 ـ أنت وشيعتك في الجنة (تاريخ بغداد : ج 12 ص 289) .
5 ـ إذا كان يوم القيامة دُعي الناس بأسمائهم ، وأسماء اُمّهاتهم ستراً من الله عليهم إلاّ هذا ـ يعني علياً عليه السلام ـ وشيعته فإنّهم يُدعون بأسمائهم وأسماء آبائهم لصحة ولادتهم (مروج الذهب : ج 2 ص 428 دار الاَندلس ، وج 3 ص 6 ط السعادة بمصر) .
وإن أردت المزيد في ذلك فراجع ما رواه المفسرون في قوله تعالى : (إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات اُولئك هم خير البرية) فقد رووا قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : هم أنت وشيعتك . (راجع : الدر المنثور في تفسير الآية الكريمة) .
فبعد هذا كلّه هل تجد مسوغاً لاَحد أن يتفوه بالزور والباطل في حقّ من امتدحهم النبي صلى الله عليه وآله وبشرهم بموالاتهم أمير المؤمنين عليه السلام ، ودعاهم للتمسّك به والاعتصام بحبل ولائه ، إذن ما هو ذنبهم بعدما قامت عندهم الحجة البالغة التي تأخذ بإعناقهم حتى يتفوه عليهم كلّ أفّاكٍ أثيم بالقول الباطل والبهتان ؟ كأن لم يكن عندهم شغلٌ شاغل في الحياة الدنيا إلاّ أن التعرض للفرقة الناجية بالسوء والقدح فيهم .
وهنا أترك للقارىء الكريم أن يقرأ مقالة الحق التي جاءت على لسان واحد من ناصريه وهو العلامة الاَميني عليه الرحمة في رده على ابن حزم الذي كال التهم إلى الشيعة الاِمامية بلا تثبت فيما كتبه عنهم ! قال عليه الرحمة :
نعم ذنبهم الوحيد الذي لا يغفر عند ابن حزم أنّهم يوالون علياً أمير المؤمنين عليه السلام وأولاده الاَئمّة الاَمناء صلوات الله عليهم إقتداءً بالكتاب والسنة ، ومن جزاء ذلك يستبيح صاحب الفصل من أعراضهم ما لا يُستباح من مسلم ، والله هو الحكم الفاصل .
وأما ما حسبه من أن مبدء التشيع كان إجابةً ممّن خذله الله لدعوة من كاد الاِسلام ، وهو يريد عبدالله بن سبأ الذي قتله أمير المؤمنين عليه السلام إحراقاً بالنار على مقالته الاِلحادية وتبعته شيعته على لعنه والبراءة منه .
فمتى كان هذا الرجس من الحزب العلوي حتى تأخذ الشيعة منه مبدءَها القديم ؟! وهل تجد شيعياً في غضون أجيالها وأدوارها ينتمي إلى هذا المخذول ويمتُّ به ؟! لكن الرجل أبى إلاّ أن يقذفهم بكل مائنة وشائنة ، ولو استشف الحقيقة لعلم بحق اليقين أن ملقي هذه البذرة ـ التشيع ـ هو مشروع الإسلام صلى الله عليه وآله يوم كان يُسمى علياً عليه السلام بشيعته ويضيفهم اليه ويطريهم ويدعوا أمته الى موالاته واتباعه .
ولتفاهة هذه الكلمة لا نسهب في رده ونقتصر على كلمة ذهبية للاستاذ محمد كرد علي في خطط الشام : ج6 ص246 قال : أما ما ذهب إليه بعض الكتاب من أن أصل مذهب التشيع من بدعة عبدالله بن سبأالمعروف بأبن السوداء فهو وهم !! وقلة علم بتحقيق مذهبهم ! ومن علم منزلة هذا الرجل عند الشيعة وبرائتهم منه ومن أقواله وأعماله وكلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف بينهم في ذلك ، علم مبلغ هذا القول من الصواب .
الغدير : ج3 ص94 ـ 95 ، ولتقف أيضاً على المزيد من حقيقة هذا الإفتراء راجع : ج8 ص380 ـ 382 ، وج9ص218 ـ 222 .
(3) كتاب : فاسألوا أهل الذكر للدكتور التيجاني : ص11 ـ 13 .