أصل فى بيان الغرض من ايجاد الخلق
لايـجوز أن يفعل الحكيم شيئا لالغرض (111) له فيه , لا نه عبث وسفه . فغرضه لابدمن كونه نـفـعـا, لان اضرار البري ء من غير منفعة قبيح , ولا يجوز عوده اليه تعالى , لا نه غنى ومحتاج اليه الكائنات . فلو فرضت الحاجة فيه لزم منه الدور وهو باطل (112) لان فيه صيرورة العلة معلولا والـمـعـلـول عـلة (113) , وكون الشي ء الواحد موجوداومعدوما في حالة واحدة بشرط كون الـحـاجتين متماثلتين . فلابد من عودالنفع الى الغير,وذلك الغرض اما منقطع أودائم . والحمل على الـدوام لـه أولـى , لان الـعـلمأ اتفقوا على أ ن الغرض بايجاد الانسان , الاحسان الدائم . وأما هذا الفاني (114) فهو أنموذج لباقي (115) ثواب الجنان , وعقاب (116) النيران .
ولـذلك جعل ما يغتذي (117) به المكلف , في الكسب ليعلم (118) أن الفاني (119) لايعطى (120), وهذه والاجلال من غير شي ء جزافا؟ لـطـيفة (121) . وجعل ما يشرب من غيركسب , لاظهار قدرته , واختياره (122) بأ نه قادر على كل شي ء.
فصل (123)
فصل في دلالة الشرع عليه ثانيا
الدال على أن أفعاله تعالى معللة بأغراض صحيحة , أشيأ منها:
قوله تعالى : (ماخلقت هذا باطلا) (124) .
وقال (125) : (أفحسبتم أنما خلقنا كم عبثا) (126) .
وقال تعالى : (أيحسب الا نسان أن يترك سدى ) (127) .
(وما خلقنا السمأ والا رض وما بينهما لا عبين ) (128) .
(وما خلقناهما الا بالحق ولكن اكثرهم لا يعلمون ) (129) و (130) عـلى أ نه خلق (131) لامر عظيم وهو العبادة . وبرهانه قوله تعالى : (وماخلقت الجن والا نس الا ليعبدون ). (132) وفـي الزبور: (ما (133) خلقت الخلق للكثرة (134) ولا للمؤانسة , ولاليجروا الى منفعة , ولالـيـدفعوا عني مضرة , بل خلقتهم ليعبدون ). (135) وهذه (136) اللا م فيها للتعليل . ثم بين (137) الاشيأ المنتفع بها خلق الانسان (138) , فقال : (هوالذي خلق لكم ما في الا رض جميعا). (139) والدليل على أ نه (140) خلق الانسان للاحسان (141) الدائم أ نه قال : (خلقت عبادي كلهم حنفأ (142) ....
وقال [النبى (ص )]: كل مولود يولد على الفطرة , فأبواه يهودانه , وينصرانه ,ويمجسانه (143) ولـذلـك (144) قـلـنا: انه تعالى خلق العالمين مؤمنين بدليل أنه (145) من مات دون خمس عـشـرة سـنـة مـن الذكور أو دون عشر سنين من الاناث فهو من أهل الجنة , وان كان أبواهما كـافـريـن (146) فدخولهما (147) الجنة , بذلك الايمان الفطري الخلقي (148) اذا كان طينة الشخص طيبة . وان كان من (149) السفاح فلا يدخل الجنة , بل هو في النار وان مات صبيا أومات صالحا (150) , ولايعاقب فيها, بل هوبمنزلة الزبانية , أو كابراهيم (ع ) في نار نمرود, و ان كان فاسقا فيعاقب على ما استحقه .
وبـرهـانـه الخبر المجمع عليه من (151) قول النبي (152) (ص ): ولدالزنا لايدخل الجنة ولاولد ولده (153) .
وفـي الاخـبـار ردع لـلـمكلف عن الزنا, لان أحب الاشيأ الى العاقل ولده , فلايرضى (154) بدخوله النار. فربما لايميل الى الزنا رعاية لولده عن دخول النار.
فصل (155)
فصل ماروي عن داود (ع ) في ذلك
اشتهر بين الرواة أ ن داود(ع ) قال في بعض مناجاته : يا الهي قال الحق تعالى : كنت كنزا مخفيا فأحببت أن اعرف (156) .
ولاشك أ ن المعرفة سبب للمغفرة والوصول الى الجنة . ومع ذلك فيه اظهار العظمة عن ذاته .
فصل (157)
فصل الحاجة الى الامام بعد بيان علة الخلق
اذا ثـبـت أ ن الـخلق معلل بالمعرفة و العبادة , و أكثر العباد (158) جائزو (159) الخطأ و (160) أصحاب الارأ والوساوس : وكل واحد منهم على اعتقاد أ نه مصيب ,وليس قول أحد بأولى من قول آخر. فلابد من أحد موثوق به , معتمد عليه , معصوم من الزلل , حتى يقتبس (161) منه المعرفة والعبادة , وكيفيتهما, وزمانهما, ومكانهما,وحدودهما, وتعيين (162) من وجبتا عليه وذلـك الـمعصوم (163) ,لمايتبين (164) من قوله , اذ لااعتماد على قول مدعيها, لا نه ربما يـقـول كـذلـك ,أويظهر من نفسه العصمة , ترويجا لرياسته , فلابد أن ينصبه اللّه العالم بالظاهر والباطن .فينصب من هو كذلك . وهو النبى مادام حيا والوصى بعد موته أبدا.
والباطن . فينصب من هو كذلك . وهو النبى مادام حيا والوصى بعد موته أبدا
فصل الحاجة الى الامام باقية أبدا
وعلته (165) الحاجة , والحاجة (166) باقية أبدا, فينبغي أن لايخلوالمكلف من حجة , حتى قال الصادق (ع ): لو كان الناس اثنين (167) لكان أحدهماالامام (168) .
ونـحـن وجدنا أ ن اللّه تعالى قدم الحجة على الرعية , كما أ نه خلق آدم (ع ) خليفة قبل العالمين , فكيف يتصور وجود (169) المكلف الجائز الخطأ (170) ولامرشد (171) له ؟ ومن ذلك قوله تعالى : (ايحسب الانسان ان يترك سدى ). (172) ان قيل : [لم ] كان آدم حجة على ابليس ؟ قـلـنـا (173) اذ لـم يـجوز خلو (174) واحد من حجة فكيف يجوز خلو العالمين من حجة عليهم ؟ وأما معرفة الحجة بالمعجزة يظهرها على يده خارقة للعادة , بمعنى أ نه لايقدر عليها الجن والانس على وجه لايقدر (175) عليها غيراللّه : في جنسه , كاخراج الناقة من الصخرة (176) وتسبيح الحصى على يده .
أو وصـفه , كفلق البحر له (177) أو اظهار الطوفان و كلام الناقة والذئب معه وانشقاق القمر له أو اظهار كلام فصيح على يده , لايأتي بمثله أحد غيره .
وأما الوصى فان تعقب النبى فيكفيه وصايته به , و ان لم يتعقب لوقوع الوسائط يجب أيضاتعيين النبى له والمعجزة أيضا, ليعلم أ نه هو الذي وصى به النبى السالف .
اصل (178)
اصل سبب وجوب معرفة اللّه تعالى سؤال :
لم قلتم (179) (ان معرفته واجبة ) الجواب : قلنابها (180) لوجهين : أحدهما: انا وجدنا على أنفسنا نعمة ظاهرة , كالحواس وغيرها, وباطنة , كالقوى البدنية من الحياة والقدرة والشهوة , والنفرة , وغيرها وكان في جبلتنا ضرورة أ ن شكرالمنعم واجب وربما يستحق بـالـشـكـر الـزيـادة على ما وجب عليه (181) ولايمكن الشكر الا بعد المعرفة , حتى يشكره كـمـا (182) هو لائقه . وان علمنا أ نه فعلها فينا لضررنا أو لنفع يعود اليه فنحرز (183) منه .
الثاني : (184) أن دفع الضرر واجب عقلا, سواة كان (185) ظنيا أو قطعيا وأن ايجاده ايانا كان لناأوعلينا فـوقـعت التهمة أ ن هذا الرفع (186) هل للصلاح (187) لنا أو للفساد؟,فوجب علينا دفع هذا الخوف , ولايرتفع (188) الا بالمعرفة له .
اصل (189)
اصل [اثبات الصانع وتوحيده ووجه الحاجة الى النبى والامام ]
سؤال : ايجوز أن يرى الرب ؟ (190) ان ربك لايرى هذا, فقال : يا محمد (191) . ومثله (لا تـدركه الا بصار) (192) و(لن تراني ) (193) ودلالة (194) العقل . وذلك من حيث أ ن المرئى بالبصر لابد أن يكون في الجهة , امابالاستقلال , كالجسم والجرم والجوهر, أو بالتبع , كالعرض , وليس يقابل بواحد (195) منها, لان هذه الاشيأ مكيفات , و (196) ممكنات , ومـتـشـكـلات , ومـتـصـفـات ,ومـتـحيزات , وذوات المقدار, وموصوفات بالحركة والسكون , و (197) الاجـتـمـاع و (198) الافـتـراق , وواقـعـات في أزمان دون أخرى , ومتغيرات ومستحيلات من حال الى أخرى . فالتخصيص لكل واحدة منها بنوع ووجه خاص لابد أن يكون من غـيـرها.وذلك الغير تخصيصها (199) بحال وجودها محال . فلم يبق الا أن يكون في حال العدم .
وما يحدث بعدالعدم فهو حادث . وفاعل الحادثات لايكون مثله , بل يكون قديما,لا ن الحادث اذا لم يكن (200) يكون منه وجودالغير؟ وأصل الكائنات شي ء واحد بمعنى أ نها متماثلة في قبول الاعراض , والحصول المختلفة ,والتحيز, وقـبـول الابـعـاد الـثـلاثـة (201) . واذا اثـبـت الـتـماثل , فالاختلاف لابدأن يكون من الغير ولا (202) يحصل و[لا]يصح فيه ما (203) يصح (204) في غيره من الحدوث والزلل .
ووجدنا مع تماثل الجواهر التنويع , والتجنيس , فلابد له من فاعل مختار مريد لهذا النوع دون آخر.
وأيـضـا الـصـانـع لايـشـبـه الـصـنـع . فـكـل مـا تصورت في الكائنات ينبغي أن يكون الواجب بـخـلافه (205) ومن ذلك قول النبي (ص ): كل ما خطرت ببالك أو توهمت بخيالك فاللّه ـ جل شأنه ـ بخلاف ذلك .
وقال الصادق (ع ): التوحيد أن لاتتوهمه , والعدل أن لا تتهمة (206) .
فـالـحقيقة أ ن كل ما وقع في الخاطر فهو محدود متميز عن غيره , اذ همك أحاطبه (207) , وان لـم تحط (208) فلايحصل لك به علم . ولذلك قلنا: ان ذاته ,يعني (209) كنهه غير معلوم للبشر (210) , وهذه من لطائف أصول الكلام .
وأيضا (211) البصر آلة يدرك بهاالجسم وشبهه من الجزئيات الواقعة في الجهة بالاستقلال أو بـالتبع (212) , كالعرض . ومايرى بالبصر شرط صحة رؤيته (213) الجهة ضرورة , ولذلك من يقل (214) له : أبصر, يطلب (215) الجهة بالضرورة .وما في الجهة فهو المحدث , وليس اللّه تـعـالـى بـواحد مما في الجهات . واذا ثبت أ نه لايرى فلايصح عليه ما يصح على المرئيات من الـزوال والـفـنأ, والامكان , وقبول الاعراض ,وكونه في الجهة والمكان . فقوله تعالى : (الرحمن عـلـى الـعـرش اسـتـوى ) (216) رد عـلى المجوس حيث قالوا ب(يزدان و أهرمن ) وان (أهرمن ), يعني ابليس ـ عليه اللعنة (217) ـ غلب عليه تعالى (218) في الملك , فقال تعالى : اني على العرش لم يستول على ضد ولاند (219) في الملك , بل اني على عرش الدولة الملك .
وقوله : (وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة ) (220) من المتشابهات التي تحتاج الى التأويل , وهـو أن تقدر (221) (ناظرة الى ثواب ربها) (222) أو نقول : ان الرؤية هي عبارة عن الكشف التام والظهور, ولذلك قيل , ان المعارف في الاخرة ضرورية .
الصفات السلبية (224) فينبغي أن تنقلب (223) وأيـضـا فالخصم يقول : انه يرى في القيامة هنالك ثبوتية , وهو محال .