القرآن ومن الاحاديث عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يخالفونهم فيها ويزعمون أن ذلك(1) كان كله باطلا، أفترى أنهم يكذبون على رسول الله(صلى الله عليه وآله) متعمدين ويفسرون القرآن بآرائهم؟ قال: فأقبل علي(عليه السلام) وقال: قد سألت فافهم الجواب، إن في أيدي الناس حقا وباطلا، وصدقا وكذبا، وناسخا ومنسوخا، وخاصا وعاما، و محكما ومتشابها، وحفظا ووهما(2)، وقد كذب على رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) على عهده حتى قام خطيبا فقال: " أيها الناس قد كثرت علي الكذابة(3)، فمن كذب علي متعمدا فليتبوء مقعده من النار(4) " ثم كذب عليه من بعده، وإنما أتاك بالحديث أربعة ليس لهم خامس: رجل منافق مظهر للايمان، متصنع للاسلام باللسان،
___________________________________
(1) في بعض النسخ " ومن الاحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنتم تخالفونهم فيها وتزعمون أن ذلك ".
وفى خصال الصدوق هكذاأيضا.
(2) قوله " حقا وباطلا وصدقا وكذبا " ذكر الصدق والكذب بعد الحق والباطل من قبيل ذكر الخاص بعد العام، لان الصدق والكذب من خواص الخبر، والحق والباطل يصدقان على الافعال أيضا، وقيل: الحق والباطل هنا من خواص الرأى والاعتقاد، والصدق والكذب من خواص النقل والرواية.
وقوله " محكما ومتشابها " المحكم في اللغة هو المضبوط المتقن، ويطلق في الاصطلاح على ما اتضح معناه، وعلى ما كان محفوظا من النسخ أو التخصيص أو منهما معا، وعلى ما كان نظمه مستقيما خاليا عن الخلل، وما لا يحتمل من التأويل الاوجها واحدا، ويقابله بكل من هذه المعانى المتشابه.
وقوله " وهما " بفتح الهاء - مصدر قولك: وهمت - بالكسر - أى غلطت وسهوت، وقد روى " وهما " بالتسكين - مصدر وهمت - بالفتح - اذا ذهب وهمك إلى شئ وأنت تريد غيره، والمعنى متقارب - كما قاله في البحار.
(3) بكسر الكاف وتخفيف الذال مصدر كذب يكذب أى كثرت على كذبة الكذابين.
(4) قوله " فليتبوء " بصيغة الامر ومعناه الخبر كقوله تعالى: " من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا ".
(*)
لايتأثم(1) ولا يتحرج أن يكذب على رسول الله(صلى الله عليه وآله) متعمدا، فلو علم الناس(2) أنه منافق كاذب ما قبلوا منه، ولم يصدقوه، ولكنهم قالوا: هذا قد صحب رسول الله(صلى الله عليه وآله) وقد رآه وسمع منه [وأخذوا عنه، وهم لا يعرفون حاله](3) وقد أخبرك الله عن المنافقين بما أخبرك(4) ووصفهم بما وصفهم، فقال عزوجل: " وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم "(5) ثم بقوا بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) و تقربوا إلى أئمة الضلال والدعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان حتى ولو هم الاعمال وحملوهم على رقاب الناس(6) وأكلوا بهم الدنيا، وإنما الناس مع الملوك
___________________________________
(1) " متصنع الاسلام " أى متكلف له ومتدلس به غير متصف به في نفس الامر.
وقوله " لا يتأثم " أى لا يكف نفسه عن موجب الاثم، أو لا يعد نفسه آثما بالكذب عليه صلوات الله عليه، وكذا قوله: " لايتحرج " من الحرج بمعنى الضيق أى لا يتجنب الاثم.
(2) في بعض النسخ " فلو علم المسلمون " والمتن موافق للكافى والخصال.
(3) ما بين القوسين كان في بعض النسخ دون بعض ولكنه موجود في الخصال والكافى، وقوله " وهم لا يعرفون حال" ذلك لكون ظاهره ظاهرا حسنا، وكلامه كلاما مزيفا وذلك يوجب اغترار الناس به وتصديقهم له فيما أخبر به أو نقل عن غيره.
(4) كذا في نهج البلاغة أيضا، وفى الخصال والكافى " وقد أخبره الله عن المنافقين بما أخبره ".
(5) المنافقين: 3.
ويرشد عليه السلام بذلك إلى أنه سبحانه خاطب نبيه صلى الله عليه وآله بقوله " واذا رأيتهم تعجبك اجسامهم " لصباحتهم وحسن منظرهم، " وان يقولوا تسمع لقولهم " أى تصغى اليهم لذلاقة ألسنتهم.
(6) أى أن أئمة الضلال بسبب وضع الاخبار اعطوا هؤلاء المفترين الوضاعين الولايات وسلطوهم على رقاب الناس، وقصد المنافقون بجعلهم الاخبار التقرب إلى الامراء لينالوا من دنياهم، وقد افتعل في ايام خلافة بنى امية لاسيما زمان معاوية بن أبى سفيان حديث كثير على هذا الوجه جدا جلها في المناقب أعنى مناقب الخلفاء وولائجهم، وبعضها في الطعن على أهل الحق الذين تحزبوا عن أهل الباطل ولجاؤا إلى الحصن الحصين امير المؤمنين على عليه السلام.
ومن مفتعلاتهم ما رواه أبوهريرة الدوسى أو رووا عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " لو لم ابعث فيكم لبعث عمر، أيد الله عمر بملكين يوفقانه ويسد دانه، فاذا أخطأ صرفاه حتى يكون صوابا " وذكره السيوطى في الموضوعات.
وعنه أيضا قال: " خرج النبى صلى الله عليه وآله متكئا على على بن أبى طالب فاستقبله أبوبكر وعمر فقال صلى الله عليه وآله يا على أتحب هذين الشيخين؟ قال: نعم يا رسول الله، قال: حبهما تدخل الجنة " رواه الخطيب في تاريخه وعده السيوطى من الموضوعات.
ونقل ابونعيم في الحلية مسندا عن أبى هريرة مرفوعا عن النبى صلى الله عليه وآله " ما من مولود الا وقد ذر عليه من تراب حفرته [فاذا دنا أجله قبضه الله من التربة التى منها خلق وفيها يدفن] وخلقت أنا وأبوبكر وعمر من طينة واحدة وندفن فيها في بقعة واحدة " قال أبوعاصم ما نجد فضيلة لابى بكر وعمر مثل هذه لان طينتهما من طينة رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه دفنا " وذكره السيوطى أيضا في الموضوعات.
ونص الطبرى في تاريخه وغيره أن عمر بن الخطاب استعمل أبا هريرة على البحرين واليمامة.
ثم عزله بعد عامين لخيانته، واستنقذ منه ما اختلسه من أموال المسلمين وقال له: انى استعملتك على البحرين وأنت بلا نعلين، ثم بلغنى أنك ابتعت أفراسا بألف دينار وستمائة دينار، وضربه بالدرة حتى أدماه.
فرجع إلى حاله الاول وبقى إلى زمان خلافة عثمان فانضم اليه وأخذ يفتعل الاحاديث في فضله لينال من دنياه فقال قال رسول الله صلى الله عليه وآله " ان لكل نبى رفيقا في الجنة ورفيقى فيها عثمان " ذكره الترمذى في صحيحهوقال الذهبى في ميزانه ببطلانه.
وقال أيضا قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " لكل نبى خليل في امته وان خليلى عثمان بن عفان " ذكره السيوطى في الجامع الصغير.وقال الذهبى في الميزان ببطلانه.إلى غير ذلك من أمثاله.
ومن ذلك ما رواه أبوالعباس الزورقى في كتاب شجرة العقل عن عبدالله بن الحضرمى - عامل عثمان بن عفان على مكة - أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعمر " لو لم ابعث لبعثت " وقد ذكره السيوطى في الموضوعات.
وروى أن سمرة بن جندب أعطاه معاوية بن أبى سفيان من بيت المال أربعمائة ألف درهم على أن يخطب في أهل الشام بان قوله تعالى: " ومن الناس من يعجبك قوله في الحيوة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام - الاية " انها نزلت في على بن أبى طالب [عليه السلام] وأن قوله تعالى " ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله " نزل في ابن ملجم أشقى مراد، فقيل: فعل ذلك.
واستخلفه زياد على البصرة فقتل فيها ثمانية آلاف من الناس، كما نص عليه الطبرى وغيره.
وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه الذى كان من اعلام المحدثين في تاريخه نحو ما تقدم ثم قال ان اكثر الاحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في ايام بنى امية تقربا اليهم بما يظنون انهم يرغمون بها انف بنى هاشم.
كخبر زيد بن ثابت عنه صلى الله عليه وآله قال: أتانى جبرئيل فذكرنى فسألته عن فضل عمر فقال: يا محمد لو جلست احدثك عن فضائل عمر وماله عند الله جلست معك اكثر مما جلس نوح في قومه ".
وذلك قليل من كثير فان اردت ان تقف على اكثر من ذلك فراجع اللئالى المصنوعة في الاحاديث الموضوعة للسيوطى باب مناقب الخلفاء.
والدنيا إلا من عصم الله عزوجل، فهذا أحد الاربعة.
ورجل سمع من رسول الله(صلى الله عليه وآله) شيئا ولم يحفظه على وجهه فوهم فيه ولم
يتعمد كذبا فهو في يديه ويقول به ويعمل به ويرويه ويقول: أنا سمعته من رسول الله:(صلى الله عليه وآله)، فلو علم المسلمون أنه وهم يه لم يقبلوا منه، ولو علم هو أنه وهم لرفضه.
ورجل ثالث سمع من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) شيئا أمر به، ثم نهى عنه، وهو لا يعلم أو سمعه ينهى عن شئ، ثم أمر به، وهو لا يعلم، فحفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ، ولو علم انه منسوخ لرفضه، ولو علم الناس إذا سمعوا منه أنه منسوخ لرفضوه(1).
ورجل رابع لم يكذب على الله ولا على رسوله بغضا للكذب وخوفا من الله عزوجل، وتعظيما لرسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) ولم يسه(2)، بل حفظ الحديث على وجهه، فجاء به كما سمعه لم يزد فيه ولم ينقص منه، وحفظ الناسخ والمنسوخ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ، وإن أمر رسول الله(صلى الله عليه وآله) ونهيه مثل القرآن ناسخ ومنسوخ(3)،
___________________________________
(1) المنسوخ ما رفع حكمه الشرعى بدليل شرعى متأخر عنه وانما النسخ يكون في الاحاديث الواردة عن النبى صلى الله عليه وآله فحسب دون اوصيائه اذ لا معنى لنسخ حكم من الاحكام بعده عليه السلام.
(2) في بعض النسخ " ولم يتوهم ".
(3) خبر ثان لان، او بدل من " مثل " - وجرهما على البدلية من القرآن ممكن وقيام البدل مقام المبدل منه غير لازم عند كثير من المحققين كما ذكره شيخنا البهائى قدس سره.
(*)
وعام وخاص، ومحكم ومتشابه، قد كان يكون من رسول الله(صلى الله عليه وآله) الكلام له وجهان: كلام عام وكلام خاص(1) مثل القرآن [قال الله عزوجل في كتابه " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهيكم عنه فانتهوا "](2) يسمعه من لا يعرف [ولم يدر](3) ما عنى الله عزوجل، ولا ما عنى به رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وليس كل أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان يسأله عن الشئ فيفهم، وكان منهم من يسأله ولا يستفهم حتى أنهم كانوا ليحبون أن يجئ الاعرابي أوالطاري(4) فيسأل رسول الله(صلى الله عليه وآله) حتى يسمعوا، وقد كنت أنا أدخل على رسول الله(صلى الله عليه وآله) كل يوم دخلة وكل ليلة دخلة(5) فيخليني فيها [خلوة أدور معه حيث دار] وقد علم أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنه لم يكن يصنع ذلك بأحد من الناس غيري، [فربما كان [ذلك] في بيتي، يأتيني رسول الله(صلى الله عليه وآله) أكثر من ذلك في بيتي، وكنت إذا دخلت عليه بعض منازله أخلاني، وأقام عني نساءه، وفلا يبقى عنده غيري، وإذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم تقم عني فاطمة ولا أحد من ابني] وكنت إذا ابتدأت أجابني وإذا سكت عنه وفنيت مسائلي ابتدأني ودعا الله أن يحفظني ويفهمني، فما نسيت شيئا قط مذ دعالي، وإني قلت لرسول الله(صلى الله عليه وآله): يا نبى الله إنك منذ دعوت الله لي بما دعوت لم أنس مما علمتني شيئا وما تمليه علي فلم تأمرني بكتبه أتتخوف علي النسيان؟ فقال: يا أخي لست اتخوف
___________________________________
(1) في بعض النسخ " وجهان عام وخاص " وقوله " قد كان يكون " اسم كان ضمير الشأن و " يكون " تامة وهى مع اسمها الخبر، و " له وجهان " نعت للكلام لانه في حكم النكرة او حال منه.
(2) الحشر: 7.
(3) كذا وفى الخصال والكافى " فيشتبه على من لا يعرف ولم يدر ".
(4) الطارى هو الغريب الذى أتاه عن قريب من غير انس به وبكلامه، وانما كانوا يحبون قدومهما اما لاستفهامهم وعدم استعظامهم اياه او لانه صلى الله عليه وآله كان يتكلم على وفق عقولهم فيوضحه حتى يفهم غيرهم(قاله العلامة المجلسى ره).
(5) الدخلة: المرة من الدخول، واخلاه وبه ومعه: اجتمع معه في خلوة.
(*)
عليك(1) النسيان ولا الجهل، وقد أخبرني الله عزوجل أنه قد استجاب لي فيك وفي شر كائك الذين يكونون من بعدك، وإنما تكتبه لهم، قلت: يا رسول الله و من شركائي؟ قال: الذين قرنهم الله بنفسه وبي، فقال: " يا أيها الذين آمنوا اطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولى الامر منكم " فإن خفتم تنازعا في شئ فارجعوه إلى الله وإلى الرسول وإلى اولى الامر منكم(2)، فقلت: يا نبى الله و من هم؟ قال: الاوصياء إلى أن يردوا علي حوضي، كلهم هاد مهتد، لايضرهم خذلان من خذلهم، هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه ولا يفارقهم، بهم تنصر امتى ويمطرون، ويدفع عنهم بعظائم دعواتهم(3)، قلت: يا رسول الله سمهم لي، فقال: ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسن - ثم ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسين -، ثم ابن له على اسمك يا علي، ثم ابن له محمد بن علي، ثم أقبل على الحسين وقال: سيولد محمد بن علي في حياتك فأقرئه مني السلام، ثم تكمله اثني عشر إماما، قلت: يا نبي الله سمهم لي، فسماهم رجلا رجلا.
منهم والله يا أخا بني هلال مهدي هذه الامة(4) الذي يملا الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ".
11 - وبإسناده، عن عبدالرزاق، قال: حدثنا معمر بن راشد، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس أن عليا(عليه السلام) قال لطلحة في حديث طويل عند ذكر تفاخر المهاجرين والانصار بمناقبهم وفضائلهم: " يا طلحة أليس قد شهدت رسول الله(صلى الله عليه وآله) حين دعانا بالكتف ليكتب فيها مالا تضل الامة بعده ولا تختلف، فقال صاحبك ما قال " إن رسول الله يهجر " فغضب رسول الله(صلى الله عليه وآله) وتركها؟ قال:
___________________________________
(1) في الخصال والكافى " لست اخاف عليك ".
(2) كذا، وهذا مضمون مأخوذ من الاية لالفظها.
(3) في بعض النسخ " بمستجابات دعواتهم ".
(4) في بعض النسخ " مهدى امة محمد ".
(*)
بلى قد شهدته، قال: فإنكم لما خرجتم أخبرني رسول الله(صلى الله عليه وآله) بالذى أراد أن يكتب فيها ويشهد عليه العامة، وأن جبرئيل أخبره بأن الله تعالى قد علم أن الامة ستختلف وتفترق، ثم دعا بصحيفة فأملى علي ما أراد أن يكتب في الكتف، وأشهد على ذلك ثلاثة رهط: سلمان الفارسي وأباذر والمقداد، وسمى من يكون من أئمة الهدى الذين أمر المؤمنين بطاعتهم إلى يوم القيامة، فسماني أولهم، ثم ابنى هذا حسن، ثم ابني هذا حسين، ثم تسعة من ولد ابني هذا حسين، كذلك يا أباذر وأنت يا مقداد؟، قالا: نشهد بذلك على رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فقال طلحة: والله لقد سمعت من رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول لابي ذر: " ماأقلت الغبراء، ولا أظلت الخضراء ذا لهجة أصدق ولا أبر من أبى ذر "(1) أشهد أنهما لم يشهدا إلا بالحق، وأنت أصدق وأبر عندي منهما ".
12 - وبإسناده، عن عبدالرزاق بن همام، عن معمر بن راشد، عن أبان ابن أبي عياش، عن سليم بن قيس قال: قال علي بن أبي طالب(عليه السلام): " مررت يوما برجل - سماه لي - فقال: " ما مثل محمد إلا كمثل نخلة نبتت في كباة "(2) فأتيت رسول الله(صلى الله عليه وآله) فذكرت ذلك له، فغضب رسول الله(صلى الله عليه وآله) وخرج مغضبا وأتى المنبر ففرغت الانصار إلى السلاح(3) لما رأوا من غضب رسول الله(صلى الله عليه وآله)، قال: فما بال أقوام يعيروني بقرابتي وقد سمعوني أقول فيهم ما أقول من تفضيل الله تعالى إياهم وما اختصهم
___________________________________
(1) اقل الشئ يقله واستقله: اذا رفعه وحمله.
والغبراء: الارض، والخضراء: السماء وفى بعض النسخ " على ذى لهجة ".
(2) الكباة: المزبلة والكناسة والتراب الذى يكنس من البيت، قال الزمخشرى في فائقه: الكبا: الكناسة وجمعه اكباء، وساق الكلام إلى أن قال: ومنه الحديث: ان اناسا من الانصار قالوا له: انا نسمع من قومك: " انما مثل محمد كمثل نخلة نبتت في كبا " وهى بالكسر والقصر: الكناسة.
(3) فرغ اليه اذا عمد وقصد، ويمكن أن يكون بالزاى المعجمة والعين كما في بعض النسخ وهو أنسب، وفزع اليه أى استغاث واستنصر به وألجأ اليه.
(*)
به من إذهاب الرجس عنهم وتطهير الله إياهم؟ وقد سمعوا ما قلته في فضل أهل بيتي ووصيي وما أكرمه الله به وخصه وفضله من سبقه إلى الاسلام وبلائه فيه، و قرابته مني، وأنه مني بمنزلة هارون من موسى، ثم يمر به فزعم أن مثلي في أهل بيتي كمثل نخلة نبتت في أصل حش؟(1) ألا إن الله خلق خلقه وفرقهم فرقتين فجعلني في خير الفرقتين، وفرق الفرقة ثلاث شعب، فجعلني في خيرها شعبا وخيرها قبيلة، ثم جعلهم بيوتا، فجعلني في خيرها بيتا حتى خلصت في أهل بيتي وعترتي وبني أبي(2) أنا وأخي علي بن أبي طالب، نظر الله [سبحانه] إلى أهل الارض نظرة واختارني منهم، ثم نظر نظرة فاختار عليا أخي ووزيري ووارثي، ووصيي وخليفتي في امتي، وولي كل مؤمن بعدي، من والاه فقد والى الله، ومن عاداه فقد عادى الله(3)، ومن أحبه أحبه الله، ومن أبغضه أبغضه الله، لا يحبه إلا كل مؤمن ولا يبغضه إلا كل كافر، هو زر الارض بعدي وسكها(4) وهو كلمة التقوى، و عروة الله الوثقى " يريدون أن يطفئوا نورالله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره " يريد أعداء الله أن يطفئوا نور أخى ويأبى الله إلا أن يتم نوره، أيها الناس ليبلغ مقالتي شاهد كم غائبكم، اللهم أشهد عليهم، ثم إن الله نظر نظرة ثالثة فاختار أهل
___________________________________
(1) الحش - بالتثليث -: البستان وقيل النخل، ويكنى به عن المخرج لما كان من عادتهم أن يقضوا حاجتهم في البساتين.
(2) يعنى به جده عبدالمطلب.
(3) في بعض النسخ " من والاه والاه الله، ومن عاداه عاداه الله ".
(4) قال في النهاية: في حديث أبى ذر قال يصف عليا: " وانه لعالم الارض وزرها الذى تسكن اليه ".
أى قوامها، وأصله من زر القلب، وهو عظيم صغير يكون قوام القلب به، وأخرج الهروى هذا الحديث عن سلمان - انتهى.
أقول: زر الارض - بتقديم المعجمة المكسورة على المهملة المشددة - و " العالم " بكسر اللام فاعل من العلم.
وفى خبر آخر عن أبى جعفر عليه السلام رواه الشيخ - رحمه الله - في الغيبة " يا على أنت رز الارض " بتقديم المهملة على المعجمة وقال عليه السلام: " أعنى أوتادها وجبالها " ولعل النسخة مصحفة والاصل " زر الارض " كما هنا.والسك أن تشدد الباب بالحديد.
(*)
بيتي من بعدي، وهم خيار أمتي: أحد عشر إماما بعد أخي واحدا بعد واحد كلما هلك واحد قام واحد، مثلهم في أمتى(1) كمثل نجوم السماء، كلما غاب نجم طلع نجم، إنهم أئمة هداة مهديون لا يضرهم كيد من كادهم، ولا خذلان من خذلهم، بل يضر الله بذلك من كادهم وخذلهم، هم حجج الله في أرضه، وشهداؤه على خلقه(2)، من أطاعهم أطاع الله، ومن عصاهم عصى الله، هم مع القرآن والقرآن معهم لا يفارقهم ولا يفارقونه حتى يردوا علي حوضي، وأول الائمة أخي علي خيرهم ثم ابني حسن، ثم ابني حسين، ثم تسعة من ولد الحسين - وذكر الحديث بطوله ".
13 - أخبرنا عبدالواحد بن عبدالله بن يونس الموصلي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن رباح الزهري، قال: حدثنا أحمد بن علي الحميري، قال: حدثنا الحسن ابن أيوب(3)، عن عبدالكريم بن عمرو الخثعمي، عن المفضل بن عمر، قال: " قلت لابي عبدالله(عليه السلام): ما معنى قول الله عزوجل: " بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا(4) "؟ قال لي: إن الله خلق السنة اثني عشر شهرا، وجعل الليل اثنتي عشرة ساعة، وجعل النهار اثنتي عشرة ساعة(5)، ومنا اثني عشر محدثا، وكان أمير المؤمنين(عليه السلام) من تلك الساعات ".
___________________________________
(1) في بعض النسخ وفى البحار " في أهل بيتى ".
(2) في بعض النسخ " هم حجج الله على خلقه في أرضه وشهداؤه عليهم ".
(3) هو الحسن بن أيوب بن أبى عقيلة الذى ذكره الشيخ في الفهرست وقال: له كتاب النوادر رويناه بالاسناد - الذى ذكره - عن حميد، عن أحمد بن على الحموى الصيدى عن الحسن بن أيوب.وكأن " الحموى " تصحيف الحميرى.
(4) الفرقان: 11.
(5) فان مجموع ساعات الليل والنهار أربع وعشرون ساعة ففى اول الربيع واول الخريف يكون كل واحد من الليل والنهار اثنتى عشرة ساعة، وهذا هو المعدل لهما وملاكهما حكما في الامكنة التى يكون اختلافهما فيها كثيرا كالقطبين.وفى قوله عليه السلام " وجعل " اشعار بذلك حيث لم يقل " وخلق "، والاستدلال بالنظام.
(*)