الاساس الخامس : عقوبة المخالفين للوصية النبوية باهل بيته (ع )
وهـي عقوبة اخروية , تتناسب مع مسؤولية النبي (ص ) في التبليغ , والشهادة على الامة وقد جات شديدة قاطعة , بصيغة قرار من اللّه تعالى بلعن المخالفين لرسوله (ص ) في اهل بيته , وطردهم من الرحمة الالهية , وحكما بعدم قبول توبتهم نهائيا واستحقاقهم العذاب في النار.
وربما يزيد من شدتها , انها كانت آخر فقرة من خطبته (ص ) وقد تقدم نص هذه اللعنة النبوية في رواية تحف العقول من مصادرنا , وقد نصت .
مصادر السنيين على انها صدرت من النبي (ص ) في حجة الوداع .
ـ ففي سنن ابن ماجة : 2 / 905.
عن عمرو بن خارجة ان النبي صلى اللّه عليه وسلم خطبهم وهو على راحلته ,.
وان راحلته لتقصع بجرتها , وان لغامها ليسيل بين كتفي , قال ومن ادعى الى غير.
ابيه , او تولى غير مواليه , فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس اجمعين , لا يقبل منه .
صرف ولا عدل او قال : عدل ولا صرف .
ـ وفي سنن الترمذي : 3 / 293.
عن ابي امامة الباهلي قال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول في .
خطبته عام حجة الوداع ومن ادعى الى غير ابيه , او انتمى الى غير مواليه , فعليه لعنة اللّه التابعة الى يوم القيامة .
ـ وفي مسند احمد : 4 / 239.
عن عمرو بن خارجة قال : خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو بمنى على .
راحلته , واني لتحت جران ناقته , وهي تقصع بجرتها , ولعابها يسيل بين كتفي ,.
فقال : الا ومن ادعى الى غير مواليه رغبة عنهم , فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس اجمعين ورواه احـمـد : 4 / 187 بـلـفـظ : الا ومـن ادعـى الـى غير ابيه , او تولى غير مواليه فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس اجمعين , لا يقبل اللّه منه صرفا ولا عدلا او عدلا ولاصرفا انتهى ورواه بعدة روايـات فـي نـفـس الصفحة والتي قبلها , وفي ص 238 و 186 , ورواه الدارمي في سننه : 2 / 244 و344 , ومـجـمع الزوائد : 5 / 14 , عن ابي مسعود , ورواه البخاري في صحيحه : 2 / 221 , و : 4 / 67.
ولـعلك تسال : ماعلاقة هذه اللعنة المشددة المذكورة في خطب حجة الوداع وغيرها بوصية النبي (ص ) باهل بيته ؟ العبد الذي ينكر مالكه ويدعي انه عبدلشخص آخر , او ينكر ولاه وسيده الذي اعتقه , ويدعي ان ولاه لشخص آخر فهذا هو معنى ( من ادعى لغير ابيه او تولى غير مواليه ) والـجـواب : ان مقصود النبي (ص ) بالابوة في هذه الاحاديث الشريفة : ابوته هوالمعنوية للامة , وبالولا : ولايته وولاية اهل بيته عليها , وليس مراده الابوة النسبية وولا المالك لعبده والـدلـيـل عـلـى ذلك : لو ان ولدا هرب من ابيه , وسجل نفسه باسم والد آخر , ثم تاب من فعلته وصحح هويته , واستغفر اللّه تعالى فان الفقها جميعا يفتون بان توبته تقبل ولـو ان عـبدا مملوكا هرب من سيده ولجا الى شخص , وادعى انه سيده , وبعدمدة رجع الى سيده واستغفر اللّه تعالى فان الفقها يفتون بان توبته تقبل .
بينما الشخص الملعون في كلام النبي (ص ) مصبوب عليه الغضب الالهي الى الابد والملائكة والناس اجمعين , لا يقبل اللّه منه صرفا ولا عدلا )والصرف هو التوبة , والعدل الفدية , وقد فسرتهما الاحاديث الشريفة بذلك .
فـهـذه الـعـقوبة الالهية المذكورة في خطب حجة الوداع , انما تصح لحالات الخيانة العظمى , مثل الارتـداد وشـبـهه , ولا يعقل ان تكون لولد جاهل يدعو نفسه لغير ابيه ,او لعبد مملوك او مظلوم يدعو نفسه لغير سيده ويـؤيـد ذلـك ان بـعض رواياتها صرحت بكفر من يفعل ذلك , وخروجه من الاسلام الـبـيهقي : 8 / 26 , ومجمع الزوائد : 1 / 97 , وكنز العمال : 5 / 872 وفي كنز العمال : 10 / 324 ( من تولى غير مواليه فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه احمدعن جابر).
ـ وفي / 326 ( من تولى غير مواليه فليتبوا بيتا في النار ابن جرير عن عائشة )ـ وفي / 327 ( من تولى غير مواليه فقد كفر ابن جرير عن انس ).
ـ وفي : 16 / 255 ( ومن تولى غير مواليه فهو كافر بما انزل اللّه على رسوله ش ).
ولا نـحـتـاج الى تتبع هذه الاحاديث في مصادرها واسانيدها , لانها مؤيدات لحكم العقل القطعي بان مقصوده (ص ) لا يمكن ان يكون الاب النسبي , ومالك العبد.
ويؤيد ذلك ايضا : ان بعض رواياته كالتي مرت آنفا وغيرها من روايات احمد ,ليس فيها ذكر للولد والـوالـد , بل اقتصرت على ذكر العبد الذي هو اقل جرما من الولدومع ذلك زادت العقوبة واللعنة عليه , ولم تخففها ويـؤيد ذلك ايضا : ان هذه اللعنة وردت في بعض روايات الخطب الشريفة , بعدذكر ماميز به اللّه تعالى رسوله (ص ) واهل بيته (ع )من مالية خاصة هي الخمس ,وحرم عليهم الصدقات والزكوات ـ ففي مسند احمد : 4 / 186.
خـطـبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو على ناقته فقال : الا ان الصدقة لا تحل لي ولا لاهل بـيتي , واخذ وبرة من كاهل ناقته , فقال : ولا ما يساوي هذه , او ما يزن هذه لعن اللّه من ادعى الى غير ابيه , او تولى غير مواليه انتهى .
ورواه فـي كـنـز الـعـمال : 5 / 293 , وفي كنز العمال : 10 / 235 ( ومن تولى غير مواليه , فليتبوابيتا في النار ابن عساكر عن عائشة ) انتهى .
امـا فـي مـصادر اهل البيت (ع ) فالحديث ثابت عنه (ص ) في خطب حجة الوداع في المناسك وهو ايضا جز من حديث الغدير.
ـ ففي بحار الانوار : 37 / 123.
عـن امالي المفيد , عن علي بن احمد القلانسي , عن عبداللّه بن محمد , عن عبدالرحمان بن صالح , عـن مـوسى بن عمران , عن ابي اسحاق السبيعي , عن زيد بن ارقم قال : سمعت رسول اللّه (ص ) بـغـديـر خم يقول : ان الصدقة لا تحل لي ولا لاهل بيتي , لعن اللّه من ادعى الى غير ابيه , لعن من تولى الى غير مواليه , الولد لصاحب الفراش وللعاهر الحجر , وليس لوارث وصية .
الا وقد سمعتم مني , ورايتموني الا من كذب علي متعمدا فليتبوا مقعده من النار.
الا واني فرطكم على الحوض ومكاثر بكم الامم يوم القيامة , فلا تسودوا وجهي .
الا لاستنقذن رجالا من النار , وليستنقذن من يدي اقوام .
ان اللّه مولاي , وانا مولى كل مؤمن ومؤمنة .
الا من كنت مولاه فهذا علي مولاه انتهى .
وروى نحوه في / 186 , عن بشارة الاسلام .
ـ وقال ابن البطريق الشيعي في كتابه العمدة / 344.
وامـا الاخـبـار التي تكررت من الصحاح من قول النبى (ص ) : لعن اللّه من انتمى الى غير ابيه , او توالى غير مواليه , فهي من ادل على الحث على اتباع امير المؤمنين (ع ) والامر بولائه دون غيره , يـريـد بقوله : من تولى غير مواليه يعني نفسه (ص )وعليا (ع ) بعده , بدليل ماتقدم من الصحاح من غـير طريق , في فصل مفرد مستوفى , وهو قول النبي (ص ) : من كنت مولاه فعلي مولاه , ثم قال مؤكدا لذلك : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه , وانصر من نصره , واخذل من خذله .
فمن كان النبى (ص ) مولاه فعلي مولاه , ومن كان مؤمنا فعلي مولاه ايضا , بدليل ماتقدم من قول عمر بن الخطاب لعلي لما قال له النبي (ص ) : من كنت مولاه فعلي مولاه , فقال له عمر : بخ بخ لك يا علي , اصبحت مولى كل مؤمن و مؤمنة وفي رواية : مولاي ومولى كل مؤمنة ومؤمن .
وهـذه مـنـزلة لم تكن الا للّه سبحانه وتعالى , ثم جعلها اللّه لرسوله (ص ) ولعلي (ع ) بدليل قوله تعالى : انما وليكم اللّه ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكوة وهم راكعون .
وقـولـه (ص ) : مـن انتمى الى غير ابيه فالمراد به : من انتمى الى غير امير المؤمنين علي بن ابي طـالـب (ع ) فـي الولا , ماخوذ من قول النبي (ص ) لعلي (ع ) : انا وانت ابوا هذه الامة , فعلى عاق والديه لعنة اللّه انتهى .
كما ورد في مصادر الفريقين ان هذا الحديث جز مما كان مكتوبا في صحيفة صغيرة معلقة في ذؤابة سـيـف الـنبي (ص ) الذي ورثه لعلي (ع ) فقد رواه البخاري في صحيحه : 4 / 67 , ومسلم : 4 / 115 , و 216 , بعدة روايات , والترمذي : 3 / 297 ورواه غيرهم ايضا , واكثروا من روايته , لان الـراوي ادعـى فـيه على لسان علي (ع ) ان النبي (ص ) لم يورث اهل بيته شيئا من العلم , الا القرآن وتلك الصحيفة المعلقة في ذؤابة السيف وقد وجدنا ان النبي (ص ) اطلق هذه اللعنة في مناسبة رابعة , عندما كثر طلقاقريش في المدينة , وتصاعد عملهم مع المنافقين ضد اهل بيت النبي (ص ) وقالوا:.
( انـما مثل محمد في بني هاشم كمثل نخلة نبتت في كبا , اي مزبلة ) فبلغ ذلك النبي فغضب , وامر عليا ان يصعد المنبر ويجيبهم ـ فقد روى في بحار الانوار : 38 / 204.
عـن امـالـي الـمفيد , عن محمد بن عمر الجعابي , عن ابن عقدة , عن موسى بن يوسف القطان , عن مـحمد بن سليمان المقري , عن عبد الصمد بن علي النوفلي ,عن ابي اسحاق السبيعي , عن الاصبغ بن نباتة قال :.
لـمـا ضـرب ابـن ملجم لعنه اللّه امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع ) , غدونا نفرمن اصحابنا انا والـحـارث وسـويـد بن غفلة , وجماعة معنا , فقعدنا على الباب ,فسمعنا البكا فبكينا , فخرج الينا الـحسن بن علي فقال : يقول لكم اميرالمؤمنين :انصرفوا الى منازلكم , فانصرف القوم غيري فاشتد البكا من منزله فبكيت , وخرج الحسن وقال : الم اقل لكم : انصرفوا ؟ فقلت : لا واللّه ياابن رسول اللّه لا تتابعني نفسي ولا تحملني رجلي انصرف حتى ارى امير المؤمنين (ع ).
قـال : فـبـكيت , ودخل فلم يلبث ان خرج فقال لي : ادخل , فدخلت على اميرالمؤمنين (ع ) فاذا هو مـسـتند معصوب الراس بعمامة صفرا , قد نزف واصفروجهه , ما ادري وجهه اصفر او العمامة ؟ فاكببت عليه فقبلته وبكيت .
فقال لي : لا تبك يا اصبغ , فانها واللّه الجنة .
فقلت له : جعلت فداك اني اعلم واللّه انك تصير الى الجنة , وانما ابكي لفقداني اياك يا امير المؤمنين جعلت فداك حدثني بحديث سمعته من رسول اللّه , فاني اراك لا اسمع منك حديثا بعد يومي هذا ابدا , قال :.
نـعـم يـا اصبغ : دعاني رسول اللّه (ص ) يوما فقال لي : ياعلي انطلق حتى تاتي مسجدي , ثم تصعد منبري , ثم تدعو الناس اليك , فتحمد اللّه تعالى وتثني عليه وتصلي علي صلاة كثيرة , ثم تقول :.
ايـهـا الـنـاس انـي رسول رسول اللّه اليكم , وهو يقول لكم : ان لعنة اللّه ولعنة ملائكته المقربين وانـبـيـائه المرسلين ولعنتي على من انتمى الى غير ابيه او ادعى الى غيرمواليه , او ظلم اجيرا اجره .
فـاتـيت مسجده وصعدت منبره , فلما راتني قريش ومن كان في المسجد اقبلوانحوي فحمدت اللّه واثنيت عليه , وصليت على رسول اللّه (ص ) صلاة كثيرة , ثم قلت :.
ايـهـا الـناس اني رسول رسول اللّه اليكم , وهو يقول لكم : الا ان لعنة اللّه ولعنة ملائكته المقربين وانـبيائه المرسلين ولعنتي , على من انتمى الى غير ابيه , او ادعى الى غير مواليه , او ظلم اجيرا اجره .
قـال : فـلم يتكلم احد من القوم الا عمر بن الخطاب , فانه قال : قد ابلغت يا اباالحسن , ولكنك جئت بكلام غير مفسر , فقلت : ابلغ ذلك رسول اللّه (ص ).
فرجعت الى النبي (ص ) فاخبرته الخبر , فقال : ارجع الى مسجدي حتى تصعدمنبري , فاحمد اللّه واثن عليه وصل علي , ثم قل :.
ايها الناس , ما كنا لنجيئكم بشي الا وعندنا تاويله وتفسيره , الا واني انا ابوكم الاواني انا مولاكم , الا واني انا اجيركم انتهى .
وقـد وجـدنـا لهذا الحديث مناسبة خامسة ايضا , فقد روى فرات بن ابراهيم الكوفي في تفسيره / 392 قـال : حـدثـنا عبد السلام بن مالك قال : حدثنا محمد بن موسى بن احمد قال : حدثنا محمد بن الحارث الهاشمي قال : حدثنا الحكم بن سنان الباهلي ,عن ابن جريج , عن عطا بن ابي رباح قال : قلت لفاطمة بنت الحسين : اخبريني جعلت فداك بحديث احدث , واحتج به على الناس .
قـالت : نعم , اخبرني ابي ان النبي (ص ) كان نازلا بالمدينة , وان من اتاه من المهاجرين عرضوا ان يـفـرضوا لرسول اللّه (ص ) فريضة يستعين بها على من اتاه ,فاتوا رسول اللّه (ص ) وقالوا : قد راينا ما ينوبك من النوائب , وانا اتيناك لتفرض فريضة تستعين بها على من اتاك .
قال : فاطرق النبي (ص ) طويلا ثم رفع راسه فقال : اني لم اؤمر ان آخذ منكم على ما جئتم به شيئا , انطلقوا فاني لم اؤمر بشئ , وان امرت به اعلمتكم قال :فنزل جبرئيل (ع ) فقال : يامحمد ان ربك قد سمع مقالة قومك وما عرضوا.
عليك , وقد انزل اللّه عليهم فريضة : قل لا اسالكم عليه اجرا الا المودة في القربى .
قال فخرجوا وهم يقولون : ما اراد رسول اللّه الا ان تذل الاشيا , وتخضع الرقاب مادامت السماوات والارض لبني عبد الطلب .
قال : فبعث رسول اللّه (ص ) الى علي بن ابي طالب ان اصعد المنبر وادع الناس .
اليك ثم قل : ايها الناس من انتقص اجيرا اجره فليتبوا مقعده من النار , ومن ادعى .
الى غير مواليه فليتبوا مقعده من النار , ومن انتفى من والديه فليتبوا مقعده من النار.
قال : فقام رجل وقال : يا ابا الحسن ما لهن من تاويل ؟ فقال : اللّه ورسوله اعلم .
فاتى رسول اللّه (ص ) فاخبره , فقال رسول اللّه : ويل لقريش من تاويلهن , ثلاث مرات عـلـي انطلق فاخبرهم اني انا الاجير الذي اثبت اللّه مودته من السما , ثم انا وانت مولى المؤمنين , وانا وانت ابوا المؤمنين انتهى .
البحث الرابع حاجة الانبيا (ع ) في تبليغ رسالاتهم الى حماية الناس
ارتـكـب الـمـنظرون للخلافة القرشية من المحدثين والمفسرين , خطاين اساسيين في تفسير آية التبليغ , فشوهوا بذلك معناها:.
الخطا الاول , في مفهوم تبليغ الانبيا (ع ) ومنهم نبينا (ص ).
والخطا الثاني , محاولتهم اخفا واقع قريش بعد الفتح , وابعاد الاية عنها ,وان .
يصوروا للمسلمين ان قريشا المشركة منجم الفراعنة واتباعهم , قد تحولت بين .
عشية وضحاها , الى قبيلة مسلمة مؤمنة تقية , تقود الناس بالاسلام والهدى
مـفهوم التبليغ في القرآن مفهوم بسيط , فتبليغ الرسل يعني بيانهم الرسالة الالهية للناس ثم الناس بعد ذلك مختارون في ان يقبلوا , او يتولوا , وحسابهم على اللّه تعالى , وليس على انبيائه ومن هذا الاساس العميق تتفرع عدة مبادئ :.
اولا : ان النبي يحتاج الى ضمان حرية التعبير عن الراي , لكي يتمكن من ايصال رسالة ربه الى العباد وابلاغهم اياها وقد كان ذلك مطلب الانبيا (ع ) الاول من اممهم .
ثـانـيـا : مهمة الانبيا (ع ) هي التبليغ فقط ( الابلاغ ) حتى ان الجهاد لم يكن مفروضا على احد من الانبيا قبل ابراهيم (ع ) وقد فرضه اللّه تعالى عليه وعلى الانبيا من ذريته ( وكل الانبيا والاوصيا بعده من ذريته ) من اجل ازاحة العقبات المانعة من التبليغ , او رد اعتداات الكفار على الذين اختاروا الدين الالهي واقامة حياتهم على اساسه .
ثـالـثا : لا اكراه في الدين , فمن شا فليؤمن ومن شا فليكفر فينبغي ان يبقى قانون الهداية والاضلال فعالا , والقدرة على عمل الخير والشر متوفرة .
رابـعـا : الـهدف من الابلاغ هو اقامة الحجة للّه على عباده , واضحة كاملة تامة حتى لا يقولوا يوم القيامة : لم يقل النبي لنا , لم يبلغنا ذلك , لم نعرف ذلك , وكناعنه .
غـافـلـيـن فاقامة الحجة في الدين الالهي محور اصلي دائم في عمل الانبيا (ع ) سواعلى مستوى الكافرين , او على مستوى اممهم المؤمنين بهم .
فـالـمهم عند النبي (ع ) ان يوصل العقيدة والاحكام الى الناس ان يقول لهم ,ويبين لهم , ويوضح لهم ويفهمهم وبذلك يقيم الحجة لربه عز وجل وبذلك يؤدي ما عليه , ويسقط المسؤولية عن عاتقه .
امـا اسـتجابتهم او تكذيبهم واما عملهم وسلوكهم , فهو شانهم وليس النبي مسؤولا عنه , بل هو من اختصاص اللّه تعالى .
قال اللّه تعالى : قل فلله الحجة البالغة فلو شا لهداكم اجمعين الانعام ـ 149.
وادلـة هـذه الحقائق التي ذكرناها كثيرة , من آيات القرآن واحاديث السنة , نشيرمنها الى ماذكره اللّه تعالى من قول نوح (ع ) : ابلغكم رسالات ربي وانصح لكم ,واعلم من اللّه ما لا تعلمون الاعراف ـ 62.
وقول شعيب (ع ) : فتولى عنهم وقال يا قوم لقد ابلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين الاعراف ـ 93.
وقول هود (ع ) : فان تولوا فقد ابلغتكم ما ارسلت به اليكم ويستخلف ربي قوماغيركم ولا تضرونه شيئا ان ربي على كل شي حفيظ هود ـ 57.
وقوله تعالى عن مهمة جميع الرسل الذين بعثهم (ع ):.
فهل على الرسل الا البلاغ المبين النحل ـ 35.
قالوا ربنا يعلم انا اليكم لمرسلون وما علينا الا البلاغ المبين يس 16 ـ17.
ولايـتسع المجال لاستعراض مفاهيم التبليغ واحكامه في القرآن والحديث , فهي اجزا مشرقة من ( نـظـريـة مـتـكاملة ) نشير منها الى انه تعالى وصف دينه وقرآنه بانه بلاغ فقال : هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا انما هو اله واحد وليذكر اولوالالباب ابراهيم ـ 52.
وقال انه بلاغ يشمل الاجيال الاتية التي يبلغها الاسلام :.
قـل اي شي اكبر شهادة ؟ قل اللّه شهيد بيني وبينكم , واوحي الي هذا القرآن لانذركم به ومن بلغ الانعام ـ 19.
واثـنى تعالى على امانة انبيائه وشجاعتهم في تبليغ رسالاته , رغم مقاومة الناس واستهزائهم , فقال عز وجل : الذين يبلغون رسالات اللّه ويخشونه ولا يخشون احدا.
الا اللّه وكفى باللّه حسيبا الاحزاب ـ 39.
كـمـا وصـف سـبحانه عملية تلقي الوحي وتبليغه بانه من الاعمال الدقيقة الخطيرة التي تحتاج الى شخصيات من نوع خاص , وحراسة ربانية خاصة لهم ايضا ,فقال :.
عـالـم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا , الا من ارتضى من رسول فانه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا , ليعلم ان قد ابلغوا رسالات ربهم واحاط بما لديهم واحصى كل شي عددا الجن 26 ـ 28.
والـذي يـتصل بموضوعنا مباشرة هو تبليغ نبينا محمد (ص ) فقد قال تعالى عن مهمته ومسؤوليته : واطـيـعـوا اللّه واطـيعوا الرسول واحذروا , فان توليتم فاعلموا انماعلى رسولنا البلاغ المبين المائدة ـ 92.
قل اطيعوا اللّه واطيعوا الرسول فان تولوا فانما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وان تطيعوه تهتدوا وما على الرسول الا البلاغ المبين النور ـ 54.
فان اسلموا فقد اهتدوا وان تولوا فانما عليك البلاغ واللّه بصير بالعباد آل عمران ـ 20.
فان اعرضوا فما ارسلناك عليهم حفيظا ان عليك الا البلاغ الشورى ـ 48.
فقد ارسل اللّه نبينا (ص ) على اساس نظام الرسالة والتبليغ الالهي , الذي ارسل به .
جـميع الانبيا (ع ) وهو قاعدة : اقامة الحجة واتمامها على الناس , وعدم اجبارهم على العمل وهذا هو معنى ( فانما عليك البلاغ ) فقط , وفقط وهـذا هـو معنى قوله (ص ) : امرت ان اقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا اللّه , فاذاقالوها عصموا مني دماهم واموالهم .
فـالاجـبـار الـذي جا به النبي (ص ) هو اجبار اهل الكتاب على التعايش مع المسلمين , وليس على الـدخـول في الاسلام , واجبار المشركين الوثنيين على الدخول في الاطار العام للاسلام وما عداه متروك للامة , داخل هذا الاطار , يطيع منها من يطيع , ويعصي من يعصي , ويهتدي منها من يهتدي , ويضل من يضل والمحاسب هو اللّه تعالى .
ومـن الطبيعي اذن , ان تحتاج مهمة التبليغ الى حماية للنبي (ص ) حتى يؤديهاوالا فان قبائل قريش الذين يدركون خطر دعوته على نفوذهم وآلهتهم , سرعان ما.
يدبرون قتله , او تشويه سمعته وعزله , وحجب الناس عن سماع صوته .
ورغم ان الالطاف الالهية على انبيائه (ع ) كثيرة ومتنوعة , وما خفي عنامنها.
اعظم مما عرفناه , او ما يمكن ان يبلغه فهمنا لكن سنته سبحانه في الرسل ان يترك .
حمايتهم للاسباب (الطبيعية ) مضافا الى تلك الالطاف .
ولا يوجد دليل واحد على ماذكروه من ضمان اللّه تعالى عصمة نبيه (ص )من .
الجرح والقتل , وانواع الاذى التي قد يتعرض لها وقد تقدمت النصوص الدالة على .
استمرار حراسته (ص ) الى آخر حياته , ونضيف هنا ما رواه الجميع من انه (ص )كان .
يطلب من قبائل العرب تامين هذه الحماية حتى يبلغ رسالة ربه .
ـ ففي سيرة ابن هشام : 2 / 23 عن ربيعة بن عباد , قال :.
انـي لـغـلام شـاب مع ابي بمنى ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقف على منازل القبائل من العرب فـيقول : يا بني فلان اني رسول اللّه اليكم يامركم ان تعبدوا اللّه ولاتشركوا به شيئا , وان تخلعوا مـا تـعـبدون من دونه من هذه الانداد , وان تؤمنوا بي وتصدقوا بي وتمنعوني حتى ابين عن اللّه ما بعثني به انتهى ورواه الطبري في تاريخه :2 / 83 , وابن كثير في سيرته : 2 / 155.
ـ وقال اليعقوبي في تاريخه : 2 / 35:.
وكان رسول اللّه يعرض نفسه على قبائل العرب في كل موسم , ويكلم شريف كل قوم , لايسالهم الا ان يؤووه ويمنعوه , ويقول : لا اكره احدا منكم , انما اريد ان تمنعوني مما يراد بي من القتل , حتى ابلغ رسالات ربي , فلم يقبله احد , وكانوايقولون : قوم الرجل اعلم به كـذلـك نـصت المصادر على انه (ص ) طلب البيعة من الانصار , على حمايته وحماية اهل بيته مما يحمون انفسهم واهليهم ففي سيرة ابن هشام : 2 / 38:.
فتكلم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فتلا القرآن , ودعا الى اللّه , ورغب في الاسلام .
ثـم قال : ابايعكم على ان تمنعوني مما تمنعون منه نساكم وابناكم قال فاخذ البرابن معرور بيده , ثم قـال : نعم والذي بعثك بالحق نبيا لنمعنك مما نمنع منه ازرنا ,فبايعنا يا رسول اللّه , فنحن واللّه ابنا الحروب , واهل الحلقة ورثناها كابرا عن كابر.
ـ ورواه في تاريخ الطبري : 2 / 92 , واسد الغابة : 1 / 174 , وعيون الاثر : 1 / 217 ,وسيرة ابـن كـثـيـر : 2 / 198 , ورواه احـمـد : 3 / 461 , وقـال عنه في مجمع الزوائد : 6 / 44 : رواه احـمـد والـطبراني بنحوه , ورجال احمد رجال الصحيح غير ابن اسحق وقد صرح بالسماع ورواه في كنز العمال : 1 / 328 , و 8 / 29.
الـى هنا يتسق الموضوع فقد طلب النبي (ص ) الحماية لتبليغ رسالة ربه على سنة اللّه تعالى في من مـضـى مـن الانـبيا (ع ) وحصل عليها من الانصار , ونصره اللّه تعالى وهزم اعداه من المشركين والـيـهـود , وشـملت دولته شبه الجزيرة العربية واليمن والبحرين وساحل الخليج , وامتدت الى اطراف الشام , وصار جيش الاسلام يهدد.
الروم في الشام وفلسطين وها هو (ص ) في السنة العاشرة يودع المسلمين في حجة .
الوداع , ويتلقى سورة المائدة ويتلقى فيها آية تامره بالتبليغ وتطمئنه بالعصمة من الناس فما عدا مما بدا , حتى نزل الامر بالتبليغ في آخر التبليغ , وصار النبي (ص ) الان وهو قائد الدولة القوية , بحاجة الى حماية وعصمة من الناس ان الباحث ملزم هنا ان يستبعد حاجة النبي (ص ) الى الحماية المادية , لان اللّه تعالى اراد ان تجري بـالاسـباب الطبيعية , ووفرها على احسن وجه فلا بد ان تكون العصمة في الاية من نوع الحماية المعنوية .
والـبـاحث ملزم ثانيا , ان يفسر الامر بالتبليغ في الاية بانه تبليغ موضوع ثقيل على الناس وان يفسر الناس الذين يثقل عليهم ذلك بالمنافقين من المسلمين , لانه لم يبق امر ثقيل على الكفار الا وبلغه لهم , كما انه لم يبلغهم امرا بارزا بعد نزول الاية .
وبهذا لا يبقى معنى للعصمة النازلة من عند اللّه تعالى , الا العصمة من الطعن في نبوته , اذا بلغهم ان الحكم من بعده في اهل بيته (ص ).
فبذلك فقط يتسق معنى الاية ويكون معناها:.
يـايـها الرسول : انما انت رسول مبلغ , ولست مسؤولا عن النتيجة وما يحدث , بل هو من اختصاص ربك تعالى .
بـلـغ مـا انزل اليك من ربك : وامرك به جبرئيل في علي , وحاولت تبليغه مرات في حجة الوداع , فشوش المنافقون عليك .
وان لم تفعل فما بلغت رسالته : ولم تكمل اقامة الحجة لربك , لان ولاية عترتك ليست امرا شخصيا يـخصك , وان ظنه المنافقون كذلك , بل هي جز لا يتجزا من هذه الرسالة الخاتمة الموحدة , واذا انتفى الجز انتفى الكل .
واللّه يـعـصـمك من الناس : من طعن قريش بنبوتك بسبب هذا التبليغ , وان كان ثقيلا عليها فسوف يـمـنعها اللّه ان ترفض نبوتك بسببه وسوف تمر المسالة بسلام ولا يكون تشويش عليك في التبليغ ولا ردة وبذلك تكون بلغت عن ربك ,واتممت له الحجة على امتك ولكن عليا سوف يحتاج الى قتالها على تاويل القرآن كما قاتلتها انت على تنزيله ان اللّه لا يـهـدي القوم الكافرين : الذين يظلمون عترتك من بعدك , ويظلمون الامة بذلك , ويبدلون نعمة اللّه كفرا , ويحلون الامة دار البوار