اقـتنعت قريش بعد فتح مكة ان العمل العلني ضد محمد (ص ) محكوم بالفشل فركزت جهودها على العمل السياسي المتقن , والعمل السري الصامت , لابعادعترته عن الحكم , وجعله في قريش .
ولـكـن الـمـشكلة عندها ان النبي (ص ) يسير قدما في ترتيب الامر من بعده لعلي ومن بعده للحسن والـحـسين , اولاد بنته فاطمة وقريش لا تطيق عليا ولا احدا من بني هاشم لذلك قرر قادتها وفي مـقـدمتهم سهيل بن عمرو ان يقوموا بانشطة متعددة , منها محاولة جريئة مع النبي (ص ) فقد كتبوا الـيـه ثـم جـاؤوه وفـدا بـرئاسة سهيل بن عمرو , طالبين اليه ان يرد ( اليهم ) عددا من ابنائهم وعبيدهم , الذين تركوا.
مـكـة او مـزارعـهـم فـي الطائف , وهاجروا الى النبي (ص ) ليتفقهوا في الدين , كماتنص الاية القرآنية قـال سـهـيـل للنبي (ص ) نحن اليوم حلفاؤك , وقد انتهت الحرب بيننا وتصالحنا ,وانا الذي وقعت الصلح السابق معك في الحديبية وهـؤلا اولادنا وعبيدنا هربوا منا وجاؤوك , ولم ياتوك ليتفقهوا في الدين كمازعموا , ثم ان كانت هذه حجتهم فنحن نفقههم في الدين , فارجعهم الينا ومـعـنى هذا الطلب البسيط من زعيم قريش الجديد : ان قريشا حتى بعد فتح مكة واضطرارها الى خـلع سلاحها واسلامها تحت السيف تريد من النبي (ص )الاعتراف بانها وجود سياسي مستقل , في مقابل النبي (ص ) ودينه ودولته ـ روى الترمذي في : 5 / 298.
عـن ربعي بن حراش قال : اخبرنا علي بن ابي طالب بالرحبة فقال : لما كان يوم الحديبية خرج الينا نـاس مـن المشركين فيهم سهيل بن عمرو واناس من رؤساالمشركين , فقالوا يارسول اللّه : خرج الـيـك نـاس من ابنائنا واخواننا وارقائنا , وليس لهم فقه في الدين , وانما خرجوا فرارا من اموالنا وضياعنا , فارددهم الينا فان لم يكن لهم فقه في الدين سنفقههم .
فـقـال الـنـبي صلى اللّه عليه وسلم : يامعشر قريش لتنتهن او ليبعثن اللّه عليكم من يضرب رقابكم بالسيف على الدين , قد امتحن اللّه قلوبهم على الايمان فقال له ابو بكر : من هو يارسول اللّه ؟.
وقال عمر : من هو يارسول اللّه ؟.
قـال هو خاصف النعل , وكان اعطى عليا نعله يخصفها هذا حديث حسن صحيح غريب , لا نعرفه الا من هذا الوجه من حديث ربعي عن علي .
ـ وروى ابو داود : 1 / 611.
عن ربعي بن حراش عن علي بن ابي طالب قال : خرج عبدان الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم , يـعـني يوم الحديبية قبل الصلح , فكتب اليه مواليهم فقالوا : يامحمد واللّه ما خرجوا اليك رغبة في دينك , وانما خرجوا هربا من الرق فقال ناس : صدقوا يا رسول اللّه ردهم اليهم فـغـضـب رسـول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقال : ما اراكم تنتهون يا معشر قريش حتى يبعث اللّه عليكم من يضرب رقابكم على هذا وابى ان يردهم وقال : هم عتقا اللّه عز وجل انتهى .
ولا يغرك ذكر الحديبية في الحديث , فهذا من اساليب الرواة القرشيين في التزويرفالحادثة وقعت بعد فتح مكة , ولو كانت قبله لطالب سهيل النبي (ص ) بالوفا لهم بشرطهم , لانهم شرطوا على النبي (ص ) في صلح الحديبية ان يرد اليهم من ياتيه منهم , ولا يردون اليه من ياتيهم من المسلمين ولـو كانت قبل فتح مكة , لكانت مطالبة بشرطهم , وما استحقت هذا الغضب النبوي الشديد , وهو لا يغضب الا بحق , ولا يغضب الا لغضب اللّه تعالى , ولايرضى الا بما يرضي اللّه تعالى ولو كانت قبل فتح مكة وقبل ( دخول ) قريش في الاسلام لما قالوا في مطالبتهم باولادهم وعبيدهم المهاجرين ( سنفقههم ) فهذا لا يقوله الا الطلقا الذين يدعون الاسلام وفقه الاسلام كما ان بعض الروايات قد صرحت بان الحادثة كانت بعد فتح مكة ـ قال الحاكم في المستدرك : 2 / 138.
عـن ربـعـي بن حراش عن علي (رض ) قال : لما افتتح رسول اللّه (ص ) مكة , اتاه ناس من قريش فقالوا : يا محمد انا حلفاؤك وقومك , وانه لحق بك ارقاؤنا ليس لهم رغبة في الاسلام , وانما فروا من العمل فارددهم علينا فشاور ابا بكر في امرهم فقال : صدقوا يا رسول اللّه فقال لعمر ما ترى ؟ فقال مثل قول ابي بكر.
فـقـال رسـول اللّه (ص ) : يامعشر قريش ليبعثن اللّه عليكم رجلا منكم امتحن اللّه قلبه للايمان , فيضرب رقابكم على الدين فقال ابو بكر : انا هو يا رسول اللّه ؟.
قال : لا.
قال عمر : انا هو يا رسول اللّه ؟.
قـال : لا , ولـكنه خاصف النعل في المسجد , وقد كان القى نعله الى علي يخصفهاهذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه .
وروى نحوه في 4 / 298 , وصححه على شرط مسلم وفيه ( لما افتتح رسول اللّه (ص ) مكة اتاه نـاس مـن قـريـش يـا معشر قريش لتقيمن الصلاة ولتؤتن الزكاة او لابعثن عليكم رجلا فيضرب اعـنـاقكم على الدين , ثم قال : انا , او خاصف النعل , قال علي :وانا اخصف نعل رسول اللّه (ص ) ) انتهى ورواه في كنز العمال : 13 / 174 , وقال : ( ش وابن جرير, ك , ويحيى بن سعيد في ايضاح الاشكال ).
في هذه الحادثة الخطيرة حقائق مهمة وكبيرة :
الاولى : انهم جاؤوا الى النبي (ص ) الى المدينة وهذا يعني انهم بعد فتح مكة وخضوعهم واعلانهم الاسلام تحت السيف , وعتق النبي (ص ) لرقابهم , وما فعلوه في حرب حنين جاؤوا الى ( محمد ) في عاصمته يطالبونه بالاعتراف العملي باستقلالهم السياسي وهي وقاحة ما فوقها وقاحة (ص ) وقـالوا له (ص ) ( يا محمد ) كما رايت في صحيح الحاكم على شرط مسلم ابي داود : 1 / 611 ولكن رواية الترمذي جعلتها ( يارسول اللّه ) وقد مر مايدل على ان الحادثة كانت في المدينة ففي مسند احمد : 3 / 82.
عـن ابـي سعيد الخدري قال : كنا جلوسا ننتظر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ,فخرج علينا من بـعض بيوت نسائه , قال : فقمنا معه فانقطعت نعله , فتخلف عليهاعلي يخصفها , فمضى رسول صلى اللّه عليه وسلم ثمت ومضينا معه , ثم قام ينتظره وقمنا معه , فقال : ان منكم من يقاتل على تاويل هذا الـقرآن كما قاتلت على تنزيله قال فجئنا نبشره قال :وكانه قد سمعه انتهى وقال عنه في مجمع الزوائد : 9 / 133 ( رواه احمد ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة , وهو ثقة ) انتهى .
الـثـانـيـة : انـهـم اعـتبروا ان فتح مكة ( ودخولهم ) في الاسلام لا يعني خضوعهم للنبي (ص ) وذوبانهم في الامة الاسلامية , بل هو تحالف مع النبي (ص ) ضد اعدادولته من القبائل التي لم تدخل تـحـت سـيطرتها , والى حد ما ضد الروم والفرس فهوتحالف الند للند , وان كان تم بفتح مكة بقوة السيف وقـد عـمـلـوا بزعمهم بهذا التحالف , فحاربوا معه (ص ) في حنين , فعليه الان ان يعترف بكيانهم الـقـرشي المستقل ابنائهم وعبيدهم الثالثة : ان القرشيين الذين هاجروا مع النبي (ص ) ـ ماعدا بني هاشم ـ وافقوهم على ذلك بكر بن ابي قحافة التيمي , وعمر بن الخطاب العدوي يؤيدان مطلب قريش مئة بالمئة وتتفاوت الروايات هنا في التصريح في موافقة ابي بكر وعمر على مطلب قريش فبعضها كما رايت فـي روايـة الـحاكم الصحيحة ينص على ان ابا بكر قال ( صدقوا يارسول اللّه قوله : صدقوا يارسول اللّه ردهم اليهم وبـعضها لا تذكر تصديقهما لمطلب قريش وشهادتهما بانه حق , بل تقتصر على سؤالهما ان كانا هما الـلذين سيبعثهما اللّه ورسوله لتاديب قريش الـحـاكـم : 3 / 122 , وكـما في مجمع الزوائد : 9 / 134 و : 5 / 186 ,وقال ( رواه ابو يعلى ورجاله رجال الصحيح ).
وقـد غير بعض الرواة القرشيين ( الاذكيا ) اسم الشيخين الى (ناس ) ففي مستدرك الحاكم : 2 / 125 ( فقال ناس : صدقوا يا رسول اللّه ردهم اليهم فغضب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في كنز العمال : 10 / 473 وقال الهندي عن مصادره : ابو داودوابن جرير وصححه , ق ض ).
وبـعضهم حذفوا اسم ابي بكر وعمر كليا من الحادثة العمال : 11 / 613 , حيث رواه بعدة روايات عن احمد , وعن مصادر متعددة ,وليس فيه ذكر لابي بكر وعمر الرابعة : يتسال الباحث ما هي العلاقة التي كانت تربط ابا بكر وعمر بسهيل بن عمرو , ولماذا ايدا مطلب قريش المفضوح ؟ ويتسال : مادام النبي (ص ) فهم خطة القرشيين وغضب ورفض مطلبهم وهددهم بالحرب ثانية , بل وعدهم بها فلماذا استشار ابا بكر وعمر في الموضوع ؟ عـلـى اي حـال , ان اقل ما تدل عليه النصوص : ان زعامة قريش كانت متمثلة في ذلك الوقت بهؤلا الاربعة , الذين جمعتهم هذه الحادثة وهم :.
رسول اللّه محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب بن هاشم (ص ).
وسهيل بن عمرو العامري , زعيم المشركين بالامس وزعيم قريش اليوم .
وابـو بـكـر الـتـيمي وعمر العدوي , الممثلان لقبيلتين صغيرتين لا وزن لهما في قريش , ولكن لشخصيتيهما وزنا مهما لصحبتهما للنبي (ص ) وقد ايدا مطلب سهيل ولا بـد لـلـباحث ان يفترض علاقة واتفاقا مسبقا بين وفد قريش وبين الشيخين , بل يفهم من بعض الروايات ان سهيلا ووفد قريش نزلوا في المدينة في ضيافة عمر , ثم جا وابو بكر معهم الى النبي (ص ) لمساعدتهم على مطلبهم .
الخامسة : تضمن الموقف النبوي من الحادثة اربعة عناصر:.
الاول , الغضب النبوي من تفكير قريش الكافر ووقاحتها , وقد ذكرته الروايات ولم تصفه بالتفصيل .
الثاني , ياس النبي (ص ) من ان تصلح قريش ويحسن اسلامها , بل ياسه من ان .
تترك قريش تعقيد بني عمها اسحاق وفرعنتهم , وتخضع للحق , الا بقوة السيف فـفـي عدد من روايات الحادثة كما في الحاكم : 2 / 125 ( فقال : ما اراكم تنتهون يا معشرقريش حـتـى يبعث اللّه عليكم من يضرب رقابكم على هذا ) اي على الاسلام 611 , والـبيهقي في سننه : 9 / 229 , وكنز العمال : 10 / 473 ولن يسلموا الا تحت السيف الثالث , تهديدهم بسيف اللّه تعالى ورسوله (ص ) علي بن ابي طالب (ع ) الذي ترتعد منه فرائصهم , لانـهـم ذاقوا منه الامرين , فقد قتل مجموع المسلمين في حروبهم مع قريش نصف ابطالها , وقتل علي وحده نصفهم او اكثر ونـلاحظ هنا ان النبي (ص ) كنى عن ذلك الشخص الذي سيبعثه اللّه على قريش فيضرب اعناقهم على الدين , بانه انا او رجل مني ( مجمع الزوائد : 9 / 133 ) ثم سماه عندما ساله ابو بكر وعمر عـنـه فـقـال ( انا او خاصف النعل ـ كنز العمال : 7 / 326 وغرضه من التكنية ثم التسمية , ان لا تـتصور قريش ان المسالة بعيدة فتطمع في مشروعها الى علي بغزو مكة وقتل فراعنة قريش وغـرضه (ص ) من تعبير ( مني ) ان يبين مكانة علي (ع ) , وان تعلم قريش انه مؤمن وانه هاشمي من ذلك الفرع الذي مازالت تحسده , وتموت منه غيضا فـلو انه (ص ) قال لهم : ان عليا سيقاتل قريشا على تاويل القرآن بعد ربع قرن ,كما قاتلتها انا على تنزيله بالامس , لطمعت قريش وقالت : اذن عندنا فرصة ربع قرن من الزمان , ولكل حادث حديث بـل روى فـي مجمع الزوائد حديثا قال عنه : رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح : ان عليا (ع ) كـان يـعلن في زمان النبى (ص ) تهديده لقريش , ولكل من يفكر بالردة ,بانه سوف يقاتلهم الى آخر نفس , وهو عمل وقائي بتوجيه النبي (ص ) لمنع قريش ان تفكر بالردة / 134.
وعن ابن عباس ان عليا كان يقول في حياة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ان اللّه عز وجل يقول : افـان مـات او قتل انقلبتم على اعقابكم , واللّه لا ننقلب على اعقابنابعد اذ هدانا اللّه تعالى واللّه لئن مات او قتل لاقاتلن على ما قاتل عليه حتى اموت لاواللّه اني لاخوه , ووليه , وابن عمه , ووارثه , فمن احق به مني ؟ ـ وروى فـي نفس المكان حديثا آخر ينص على ان النبي (ص ) هدد قريشا بعلي (ع ) بعدفتح مكة مـبـاشـرة , قـال : وعن عبد الرحمن بن عوف قال : لما افتتح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مكة انصرف الى الطائف فحاصرها سبع عشرة او ثمان عشرة لم يفتتحها , ثم اوغل روحة او غدوة , ثم نزل ثم هجر فقال :.
يا ايها الناس اني فرط لكم واوصيكم بعترتى خيرا , وان موعدكم الحوض والذي نفسي بيده ليقيموا الـصـلاة , ولـيـؤتـوا الـزكاة , او لابعثن اليهم رجلا مني , او لنفسي ,فليضربن اعناق مقاتليهم , وليسبين ذراريهم .
قـال فراى الناس انه ابو بكر او عمر , واخذ بيد علي فقال : هذا هو رواه ابو يعلى وفيه طلحة بن جبر , وثقه ابن معين في رواية , وضعفه الجوزجاني , وبقية رجاله ثقات .
الـرابع : ان النبي (ص ) حكم بكفر اصحاب هذا الطلب , ولعمري ان مجرد طلبهم كاف لاثبات ذلك ويـؤكـده الـغضب النبوي وقوله (ص ) ( ما اراكم تنتهون يا معشرقريش ) وقوله بان اللّه سيبعث عـليهم رجلا يضرب اعناقهم على الدين , مما يدل على انهم ليسوا عليه بل لا يسكتون عنه الا تحت السيف ولـكـن الـفقها يريدون دليلا اكثر لمسا , وقد اعطاهم اياه النبي (ص ) فابى ان يردعليهم عبيدهم المملوكين , واخبرهم انه اعتقهم فصاروا عتقا اللّه تعالى فـلـو كـان هؤلا الطلقا مسلمين , وكانت ملكيتهم محترمة , فكيف يجوزللنبي (ص ) ان يعتدي على ملكيتهم , وهو اتقى الاتقيا , وهو القائل : لايحل مال امرئ مسلم الا بطيب نفسه والقائل : ان اموالكم ودماكم عليكم حرام الخ .
الـظـاهـر ان هـذه الـحـادثة كانت آخر محاولات قريش لانتزاع اعتراف النبي (ص )باستقلالها الـسـيـاسـي , ولو بصيغة التحالف معه (ص ) , او بصيغة الحكم الذاتي تحت لوا دولته قريش بعد هذه الحادثة ؟.
الذين يقرؤون التاريخ المكتوب بحبر الخلافة القرشية , والاسلام المفصل .
بـمـقـصات رواتها يقولون : من المؤكد ان قريشا تابت بعد هذه الحادثة , واسلم زعماؤها واتباعهم وحسن اسلامهم , وتصدقوا واعتقوا وحجوا , واكثروا من الصوم والحج والصلاة ولكن النبي (ص ) قال ( ما اراكم تنتهون يا معشر قريش ) انهم واصلوا العمل على كل الجبهات الممكنة نـعـم لـقـد رات قريش ان حديدة النبي (ص ) حامية , وان التفكير بالاستقلال السياسي عنه (ص ) تـفكير خاطئ , وان محمدا لا يقعقع له بالشنان , فهو من علياهاشم وذروة شجعانها , ومعه ابن عمه قـتـال قريش ومجندل ابطالها , ومعه الاوس والخزرج , الذين تجرؤوا لاول مرة في تاريخهم على حرب قريش .
لـقد تراجع عند قريش منطق الاستقلال السياسي عن محمد (ص ) , وتاكد عندهاالمنطق القائل ان دولـة محمد شملت كل المنطقة , وهي تتحفز لمقارعة الروم والفرس , وقد وعد محمد المسلمين بذلك وتطلعوا اليه فلا معنى لان تطالبه قريش بحكم مكة ومن اطاعها من قبائل العرب انه لا بد من التاقلم مع الوضع الجديد , والعمل الجاد بالسياسة وبالعنف المنظم ,لكي ترث قريش كل دولة محمد فمحمد من قريش , وقريش اولى بسلطان ابنها , ولا كلام للانصار اليمانية , ولالغيرهم من القبائل .
امـا مـسالة بني هاشم الذين يسميهم محمد (ص ) العترة والقربى , وتنزل عليه فيهم آيات القرآن , ويـصـدر فـيهم الاحاديث , ويجعل لهم خمس ميزانية الدولة فلابد من معالجة امرهم باي طريقة ممكنة نعم هذا ما وصلت اليه قريش التي اعتقها النبي (ص ) من القتل والرق وهذا ماجازته به في حياته (ص ) وقد ساعدها عليه من ساعدها من اصحابه
ـ قال الطبري في تاريخه : 3 / 426:.
عن الحسن البصري قال : كان عمر بن الخطاب قد حجر على اعلام قريش من المهاجرين الخروج في البلدان , الا باذن واجل , فشكوه , فبلغه , فقام فقال : الااني .
قـد سـننت الاسلام سن البعير , يبدا فيكون جذعا , ثم ثنيا ثم رباعيا ثم سديسا , ثم بازلا , الا فهل ينتظر بالبازل الا النقصان .
الا فان الاسلام قد بزل , الا وان قريشا يريدون ان يتخذوا مال اللّه مغويات دون عباده الا فاما وابن الـخطاب حي فلا , اني قائم دون شعب الحرة , آخذ بحلاقيم قريش وحجزها ان يتهافتوا في النار وانـي آخـذ بحلاقيم قريش عند باب الحرة ان يخرجوا على امة محمد فيكفروهم ) انتهى ونحوه في : 2 / 401.
وهذا الموقف من الخليفة عمر يتضمن عدة امور , نكتفي بالاشارة اليها:.
فـهـو اولا , كـلام زعيم لا يشك احد في ولائه لقريش , لانه حمل راية قريش واحقيتها بخلافة النبي (ص ) في مقابل الانصار وبني هاشم , وخاض صراعات شديدة , حتى خلص الخلافة من عترة النبي (ص ) وقدمها على طبق الى قبائل قريش وهـو ثـانيا , شهادة منه بحق المهاجرين القرشيين بانهم اناس مضلون , يجب ان يحبسوا في المدينة حتى لا يضلوا المسلمين ويخرجوهم من الاسلام واذا كان حال القرشيين المسلمين المهاجرين هذا , فما هو حال الطلقا ؟ وهـو ثـالـثـا , يتضمن تصورا لانتها الاسلام في مدة قليلة , وكان الاسلام دورة سياسية تمر على الجزيرة والمناطق التي امتد اليها , ثم تنتهي وقـد ثـبـت عن الخليفة عمر انه كان يرى انه سوف لا تمر سنين طويلة حتى تاخذالامم الاخرى مناطق المسلمين بما فيها مكة , ويهجرها اهلها وتخرب ولعله اقتنع بهذا الراي من كعب الاحبار وهو بحث خارج عن موضوعنا.
الفصـل الثانـي آيـة الامر بالتبليـغ
نص الاية مع سياقها.
خ وقـالـت الـيـهود يد اللّه مغلولة , غلت ايديهم ولعنوابما قالوا , بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشا , وليزيدن كثيرامنهم ما انزل اليك من ربك طغيانا وكفرا , والقينابينهم العداوة والبغضا الى يوم القيامة , كلما اوقدوا نارا للحرب اطفاها اللّه ويسعون في الارض فسادا , واللّه لا يحب المفسدين .
خ ولـو ان اهـل الـكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولادخلناهم جنات النعيم ولو انهم اقاموا الـتـوراة والانـجـيل وما انزل اليهم من ربهم لاكلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم منهم امة مقتصدة وكثير منهم سا ما يعملون .
خ يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك , وان لم تفعل فما بلغت رسالته , واللّه يعصمك من الناس , ان اللّه لا يهدي القوم الكافرين .
خ قل يا اهل الكتاب لستم على شي حتى تقيموا التوراة والانجيل وما انزل اليكم من ربكم , وليزيدن كثيرا منهم ما انزل اليك من ربك طغيانا وكفرا , فلا تاس على القوم الكافرين .
خ ان الـذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن باللّه واليوم الاخروعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
خ لـقـد اخذنا ميثاق بني اسرائيل وارسلنا اليهم رسلا , كلما جاهم رسول بما لاتهوى انفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون المائدة 64 ـ 70.
مكان الاية في القرآن .
اذا قلنا بحجية السياق القرآني , فلا بد ان ناخذ في تفسيرالاية امرين :.
الاول , انها من سورة المائدة التي هي آخر سورة نزلت من القرآن .
والثاني , انها وقعت في وسط آيات تتحدث عن اهل الكتاب .
والنتيجة : ان الاية تقول للنبي (ص ) : بلغ ولا تخف اهل الكتاب , فنحن متكفلون بعصمتك منهم , فلن يستطيعوا ان يضروك .
ولـكـن هذا التفسير لا يقبله علما المسلمين , لا السنة منهم ولا الشيعة , لانه (ص ) لم يبلغ اليهود والـنصارى في الشهرين اللذين عاشهما بعد الاية شيئا اضافيابارزا ولان خطرهم عليه عند نزولها كان قد زال , وقد خضعوا لحكمه .
وبذلك ينفتح البحث للسؤال عن مكان الاية , وهل ان هذا مكانها من الاصل ؟ ام انها وضعت هنا باجتهاد احد الصحابة ؟.
نـحـن لا نقبل القول بوقوع تحريف في كتاب اللّه تعالى , معاذ اللّه , لكن ورد ان الصحابة بعد النبي (ص ) قد اجتهدوا في وضع آيات في سور من القرآن والظاهران وضع هذه الاية هنا من اجتهاداتهم , او من المصادفات .
اخـتـلف المفسرون والفقها السنيون في سبب نزول الاية وفي تفسيرها , على اقوال عديدة , اهمها سبعة اقوال , احدها موافق لتفسير اهل البيت (ع ) , وستة مخالفة ونورد فيما يلي الاقوال المخالفة مع مناقشاتها:.
القول الاول .
انـهـا نـزلت في اول البعثة , حيث خاف النبي (ص ) على نفسه فامتنع عن تبليغ الاسلام , او تباطا فهدده اللّه تعالى وطمانه فقام النبي (ص ) بالتبليغ وهذا يعني ان الاية نزلت قبل 23 سنة من نزول سورة المائدة وقد ذكر الشافعي هذا التفسير بصيغة ( يقال ) مما يدل على انه غير مطمئن اليه قال في كتاب الام : 4 / 168:.
قـال الشافعي (ره ) : ويقال واللّه تعالى اعلم : ان اول ما انزل اللّه عليه : اقرا باسم ربك الذى خلق , ثـم انزل عليه بعدها ما لم يؤمر فيه بان يدعو اليه المشركين , فمرت لذلك مدة ثم يقال : اتاه جبريل (ع ) عـن اللّه عـز وجـل بـان يعلمهم نزول الوحي عليه ويدعوهم الى الايمان به فكبر ذلك عليه وخـاف الـتـكذيب وان يتناول , فنزل عليه : ياايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته واللّه يعصمك من الناس فقال يعصمك من قتلهم ان يقتلوك حين تبلغ ما انزل اليك ما امر به ,فـاسـتـهزا به قوم فنزل عليه : فاصدع بما تؤمر واعرض عن المشركين انا كفيناك المستهزئين انتهى .
ويكفي للرد على هذا القول :.
اولا , ان الايـة فـي سـورة المائدة , وقد عرفت انها آخر مانزل من القرآن او على الاقل من آخر مانزل , بينما يدعي هذا القول ان الاية من اوائل مانزل وثـانيا , ان الشافعي قد ضعف هذا الوجه , لانه نقله بصيغة يقال ويقال , ولم ينسبه الى النبي (ص ) , بل لم يتبناه .
وثـالثا , انه لا يمكن قبول هذه التهمة السيئة للنبي (ص ) بانه تلكا او امتنع عن تبليغ رسالات ربه , بـسـبـب خـوفه من التكذيب والاذى والقتل , حتى جاه التهديدالالهي بالعذاب , والتامين من الاذى , فتحرك وبلغ فـهـذا الـتصور لا يناسب شخصية المسلم العادي , فضلا عن النبي المعصوم (ص )الذي هو اعظم الناس ايمانا وشجاعة .
كما تعارضه الايات التي تصف حرصه (ص ) على تبليغ الرسالة , وهداية الناس اكثر مما فرض اللّه تعالى عليه .
روايات ( يقال ) التي ذكرها الشافعي
ـ قال السيوطي في الدر المنثور : 2 / 298.
اخـرج ابو الشيخ عن الحسن ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : ان اللّه بعثني برسالة فضقت بـهـا ذرعا , وعرفت ان الناس مكذبي فوعدني لابلغن اوليعذبني ,فانزل : يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك ( وكذا في اسباب النزول : 1 /438).
واخـرج ابـن جـرير عن ابن جريج قال : كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يهاب قريشافانزل اللّه : واللّه يعصمك من الناس , فاستلقى ثم قال : من شا فليخذلني , مرتين او ثلاثا.
واخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن ابي حاتم وابو الشيخ عن مجاهد قال : لمانزلت : بلغ ما انزل الـيك من ربك , قال : يا رب انما انا واحد كيف اصنع يجتمع علي الناس ؟ بلغت رسالته ـ ورواه الواحدي في اسباب النزول : 1 / 139 , والطبري في تفسيره : 6 / 198.
ـ وقال النيسابوري في الوسيط : 2 / 208 : وقال الانباري : كان النبي (ص ) يجاهر ببعض .
القرآن ايام كان بمكة , ويخفي بعضه اشفاقا على نفسه من شر المشركين اليه والى اصحابه انتهى .
ويكفي لرد هذه الروايات مضافا الى ان الاية جز من سورة المائدة التي نزلت قبيل وفاته (ص ) , انها روايات غير مسندة , بل هي قول للحسن البصري ومجاهدوابن جريح وامثالهم , لا اكثر وستعرف ان الحسن البصري يقصد رسالة معينة , وانه اخذ هذا التعبير من خطبة النبي (ص ) في يوم الغدير , وخاف ان يرويها على حقيقتها