احداث كانت وراها قريش
الاولـى : مـحـاولـة اغتيال النبي (ص ) في حنين وقد تقدم في البحث الخامس اعتراف بعض زعما قريش بها الثانية : محاولة اغتيال النبي (ص ) في العقبة في طريق رجوعه من تبوك , وقدكانت محاولة متقنة , نـفـذتـهـا مجموعة منافقة بلغت نحو عشرين شخصا , وقد عرفواان النبي (ص ) سيمر ليلا من طريق الجبل بينما يمر الجيش من طريق حول الجبل ,وكانت خطتهم ان يكمنوا فوق الطريق الذي سـيمر فيه الرسول (ص ) , حتى اذاوصل الى المضيق القوا عليه ما استطاعوا من صخور لتنحدر بـقـوة وتقتله , ثم يفرون ويضيعون انفسهم في جيش المسلمين , ويبكون على الرسول , وياخذون خلافته وقد تركهم اللّه تعالى ينفذون خطتهم , حتى اذا بدؤوا بدحرجة الصخور , جاجبرئيل واضا الجبل عـلـيهم , فرآهم الرسول (ص ) وناداهم باسمائهم , واراهم لمرافقيه المؤمنين : حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر , واشهدهما عليهم , فسارع المنافقون ونزلوا من الجهة الثانية من الجبل , وضيعوا انفسهم في المسلمين اما لماذا لم يعلن الرسول اسماهم ؟ فـلا جـواب الا انـهم من قريش , ومن المعروفين فيها واعلان اسمائهم يعني معاقبتهم , ومعاقبتهم تـعـنـي خطر ارتداد قريش عن الاسلام , وامكان اقناعها بعض قبائل العرب بالارتداد , بحجة ان محمدا اعطى كل شي من بعده لبني هاشم , ولم يعط لقريش والعرب شيئا وهـذا يـعني السمعة السيئة للاسلام , وان نبيه (ص ) بعد ان آمن به اصحابه اختلف معهم , وقاتلهم وقاتلوه ويعني الحاجة من جديد الى بدر واحد والخندق وفتح مكة ولن تكون نتائج هذه الدورة للاسلام افضل من الدورة الاولى فـالحل الالهي هو : السكوت عنهم ماداموا يعلنون قبول الاسلام , ونبوة الرسول (ص ) , وينكرون فعلتهم .
ومن الملاحظ ان روايات مؤامرة العقبة ذكرت اسما قرشية معروفة , وقد ضعفهارواة قريش طبعا , لكن اكثرهم وثقوا ابن جميع وغيره من الرواة الذين نقلوا عن حذيفة بن اليمان اسما هؤلا الزعما المشاركين فيها كما انهم رووا عن حذيفة وعمار روايات فاضحة لبعض الصحابة الذين كانوايسالونهما عن انفسهم : هـل رايـاهـم فـي الجبل ليلة العقبة ؟ المؤامرة ورووا انـهـم كـانـوا يـعرفون الشخص انه من المنافقين ام لا , عندما يموت فان صلى حذيفة على جـنـازتـه فهو مؤمن , وان لم يصل على جنازته فهو منافق وروواان حذيفة لم يصل على جنازة اي زعيم من قريش مات في حياته الثالثة : قصة سورة التحريم , التي تنص على ان النبي (ص ) اسر بحديث خطيرالى بعض ازواجه , واكد عليها ان لا تقوله لاحد , ولا بد ان اللّه تعالى امره بذلك لحكم ومصالح يعلمها سبحانه فخالفت ( ام الـمـؤمـنـيـن ) حكم اللّه تعالى , وافشت سر زوجها رسول اللّه (ص ) , وعملت مع صاحبتها لـمصلحة ( قريش ) ضد مصلحة زوجها الرسول فاطلع اللّه تعالى نبيه على مؤامرتهما , فاخبرهما بـمـا فـعلتا , ونزل القرآن بكشف سرهما وسر من ورائهما , وهددهما وضرب لهما مثلا بامراتي نوح ولوط , اللتين خانتاهما , فدخلتا النار اما رواة الخلافة القرشية فيقولون ان المسالة كانت عائلية , تتعلق بغيرة النسا من بعضهن , وببعض الاخطا الفنية الخفيفة لهن مع النبي (ص ) انـهـم يـريـدونك ان تغمض عينيك عن آيات اللّه تعالى في سورة التحريم , التي تتحدث عن خطر عظيم على الرسول (ص ) والرسالة , وتحشد اعظم جيش جرارلمواجهة الموقف فتقول ( ان تتوبا الـى اللّه فـقد صغت قلوبكما , وان تظاهرا عليه ,فان اللّه هو مولاه , وجبريل , وصالح المؤمنين , والملائكة بعد ذلك ظهير).
فلمن صغت قلوبهما , ولمصلحة من تعاونتا على الرسول (ص ) ؟ وما هي القضية الشخصية التي تحتاج معالجتها الى هذا الجيش الالهي الجرار ,الذي لا يستنفره اللّه تعالى الا لحالات الطوارئ القصوى ؟ امـا ابن عباس الذي يصفونه بحبر الامة , فكان يقرا الاية ( زاغت قلوبكما )وبذلك تكون اثنتان من امهات المؤمنين احتاجتا الى تجديد اسلامهما الرابعة : حادثة هجر النبي (ص ) لنسائه شهرا , وشيوع خبر طلاقه لهن وذهابه بعيدا عنهن وعن المسجد , الى بيت مارية القبطية الذي كان في طرف المدينة اوخارجها.
فقد صورت الروايات القرشية هذه الحادثة على انها حادثة شخصية شخصية بزعمهم وشغلت النبي (ص ) والوحي والمسلمين وادعـوا ان سـبـبـهـا كثرة طلبات نسائه المعيشية منه (ص ) , واكدوا انه لا ربطللحادثة بقضايا الاسلام المالئة للساحة السياسية آنذاك , والشاغلة لزعما قريش خاصة .
الـخامسة : تصعيد عمل قريش ضد علي بن ابي طالب (ع ) لاسقاط شخصيته ,وغضب النبي (ص ) وشدته عليهم في دفاعه عن علي , وتركيزه لشخصيته ولهذاالموضوع مفردات عديدة في حروب الـنـبـي وسلمه وسفره وحضره (ص ) , ونلاحظانها كثرت في السنة الاخيرة من حياته (ص ) , وغضب بسببها مرارا , وخطب اكثرمن مرة , مبينا فضل علي (ع ) وفسق او كفر من يؤذيه ولـو لـم يكن من ذلك الا قصة بريدة الاسلمي الكاسحة , التي روتها مصادرالسنيين بطرق عديدة , واسـانـيد صحيحة عالية , وكشفت عن وجود شبكة عمل منظم ترسل الرسائل وتضع الخطط ضد عـلي (ع ) , وسجلت ادانة النبي (ص )الغاضبة لهم , وتصريحه بان عليا وليكم من بعدي , وحكمه بالنفاق على كل من ينتقدعلياوكل من لا يحب عليا , ولا يطيعه وهي حادثة تكفي دليلا على ظلم زعما قريش وحسدهم لعلي (ع ) الخ الـسـادسـة : منع تدوين سنة النبي (ص ) في حياته اما القرآن فقد كان عامة الناس يكتبونه من حين نـزولـه , وكـان النبي (ص ) يامر بوضع ما ينزل منه جديدا بين منبره والحائط , وكان يوجد هناك ورق ودواة , لمن يريد ان يكتبه .
وكان علي (ع ) يكتب القرآن , وحديث النبي (ص ) الذي يامره بكتابته .
وكـان آخـرون يكتبون حديث النبي (ص ) , ومنهم شبان قرشيون يعرفون الكتابة مثل عبد اللّه بن عمرو بن العاص .
وقـد احـست قريش بان ذلك يعني تدوين مقولات النبي (ص ) العظيمة في حق عترته وبني هاشم , ومـقـولاته في ذم عدد كبير من فراعنة قريش وشخصياتها فعملت على منع كتابة سنة النبي (ص ) فـي حـياته , في حين ان بعض زعمائها كان يكتب احاديث اليهود , ويحضر درسهم في كل سبت وقد وثقنا ذلك في كتاب تدوين القرآن .
وقد روت مصادر السنيين ان عبد اللّه بن عمرو شكى الى النبي (ص ) ان ( قريشا) نهته عن كتابة حديثه , لان احاديثه التي فيها غضب عليها ليست حجة شرعا قال ابو داود في سننه : 2 / 176:.
عـن عبد اللّه بن عمرو قال : كنت اكتب كل شي اسمعه من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم , اريد حـفظه , فنهتني قريش ( ؟ ) وقالوا : اتكتب كل شي تسمعه ؟ بـشـر يـتكلم في الغضب والرضا ؟ وسـلـم , فاوما باصبعه الى فيه فقال :اكتب , فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه الا حق احمد في مسنده : 2 / 192 ,و215 , والحاكم في المستدرك : 1 / 105 و : 3 / 528 , وصححه .
الـسـابـعة : محاولة اغتيال النبي (ص ) في طريق عودته من حجة الوداع عند عقبة هرشى , وقد كـشـف الوحي المؤامرة , وكانت شبيهة الى حد كبير بمؤامرة اغتياله (ص ) في العقبة , في طريق رجوعه من مؤتة الثامنة : تصعيد قريش انتقادها لاعمال النبي (ص ) لتركيز مكانة عترته (ع )واسرته بني هاشم في الامـة , واعـتراض عدد منهم عليه بصراحة ووقاحة ,ومطالبتهم بان يجعل الخلافة لقريش تدور في قبائلها , او يشرك مع علي غيره من قبائل قريش , وقد رفض النبي (ص ) كل مطالبهم , لانه لا يملك شيئا مع اللّه تعالى ,ولم يعط شيئا من عنده حتى يمنعه , وانما هو عبد ورسول مبلغ وقـد تـقـدم نـص تنزيه الانبيا للشريف المرتضى / 167 , وفيه (جاه قوم من قريش فقالوا له : يا رسـول اللّه (ص ) ان الـناس قريبو عهد بالاسلام , لا يرضون ان تكون النبوة فيك والامامة في ابن عمك علي بن ابي طالب فلو عدلت به الى غيره لكان اولى .
فقال لهم النبي (ص ) : ما فعلت ذلك برايي فاتخير فيه , لكن اللّه تعالى امرني به وفرضه علي .
فـقـالـوا له : فاذا لم تفعل ذلك مخافة الخلاف على ربك , فاشرك معه في الخلافة رجلا من قريش تركن الناس اليه , ليتم لك امرك , ولا يخالف الناس عليك .
الـتاسعة : ان النبي (ص ) عندما كان مريضا شكل جيشا بقيادة اسامة بن زيد ,وجعل تحت امرته كل زعـمـا قـريـش غير بني هاشم , وعقد اللوا لاسامة بن زيد ,وامره ان يسير الى مؤتة في الاردن لمحاربة الروم اراد بذلك ان يرسخ قدرة الدولة الاسلامية وياخذ بثار شهدا مؤتة , واراد ان يفرغ المدينة من المعارضين لعلي (ع )قبيل وفاته (ص ) فـخـرج اسـامـة بـمن معه وعسكر خارج المدينة , ولكن زعما قريش احبطوا خطة النبي (ص ) بـتـتثاقلهم عن الانضمام الى جيش اسامة , وتاخيرهم من استطاعوا عنه ,ثم طعنوا في تامير النبي (ص ) لاسامة الافريقي الشاب , بحجة صغر سنه , وواصلواتسويفهم الوقت , والذهاب الى معسكر اسـامـة ثم الرجوع الى المدينة حتى صعدالنبي (ص ) المنبر وشدد على انفاذ جيش اسامة , وابلغ المسلمين صدور اللعنة من ربه عز وجل ومنه (ص ) على كل من تخلف عن جيش اسامة الـعـاشـرة : تـصـعيد قريش فعاليتها في مواجهة النبي (ص ) , وقرارها الخطيربمواجهته (ص ) مباشرة اذا اراد ان يستخلف عليا واهل بيته من بعده رسميا وبـالـفـعل فقد قام بمهمة المواجهة زعيم قريش الجديد عمر بن الخطاب , وذلك عندما جمع النبي (ص ) زعـمـا قـريش والانصار في مرض وفاته , واخبرهم انه قرران يكتب لامته كتابا لن تضل بعده ابدا , فعرفوا انه يريد ان يثبت ولاية علي واهل بيته (ع ) على الامة بصورة مكتوبة , فواجهه عـمـر بصراحة : لا نريد كتابك وامانك من الضلال , ولا سنتك ولا عترتك , وحسبنا كتاب اللّه وحتى تفسيره من حقنا نحن لا من حقك , وحق عترتك وايده القرشيون الحاضرون ومن اثروا عليه من الانصار , وصاحوا في محضرنبيهم (ص ) : القول ما قاله عمر وانقسم المودعون لنبيهم في آخر ايامه , وتشادوا بالكلام فوق راسه (ص ) له قلما وقرطاسا يكتب لكم امانا من الضلال واكثرهم يصيح :القول ما قاله عمر , لا تقربوا له شيئا , ولا تدعوه يكتب ولـعل جبرئيل حينذاك كان عند النبي (ص ) فقد كثر نزوله عليه في الايام الاخيرة , فتشاور معه واخـبـره ان الـحـجـة قـد تمت , والاصرار على الكتاب يعني دفع قريش نحو الردة , والحل هو الاعراض عنهم , واكمال تبليغهم بطردهم فـطـردهـم الـنبي (ص ) وقال لهم : قوموا فما ينبغي عند نبي تنازع تدعوني اليه وحـديـث ايـتـونـي بدواة وقرطاس حديث معروف , وقد سمى ابن عباس تلك الحادثة ( رزية يوم الخميس ) , وقد رواها البخاري في ست مواضع من صحيحه الـحادية عشر
ان وكـل واحـدة من هذه الحوادث تصلح ان تكون موضوعا لرسالة دكتوراه ولكنااردنا منها التمهيد لتفسير آية ( سال سائل ) في مطلع سورة المعارج .
واذا اردت ان تعرف الابطال الحقيقيين لهذه الحوادث , والادمغة المخططة لهافابحث عن قريش واذا اردت ان تفهم اكثر وتتعمق اكثر , فابحث عن علاقة قريش باليهود كيف عصم اللّه تعالى رسوله (ص ) من ان ترتد قريش في حياته , وتعلن كفرها بنبوته ولكنه لم يعصمه من اذاها ومؤامراتها فذلك هو طريق الانبيا (ع ) وتكاليفه لاتغيير فيها
استنفار قريش بعد الغدير
ان قـدرتـه تـعالى لا يمتنع منها شي ولكنه اراد للامور ان تجري باسبابها , وللامة ان تجري عليها سنن الامم الماضية , فتمتحن باطاعة نبيها من بعده , اومعصيته .
وهذا يستوجب ان تبقى لها القدرة على معصيته اما على الردة في حياته وفي وجهه فلا.
ان قـدرتـها تصل الى حد قولها لنبيها (ص ) : لا نريد وصيتك ولا سنتك ولا عترتك , حسبنا كتاب اللّه لكن ما بعدها ذلك خط احمر هكذا اراد اللّه تعالى لـقد تحققت عصمة النبي (ص ) من قريش في منعطفات كثيرة في حجة الوداع في مكة , وعرفات , وفـي ثلاث خطب في منى , خاصة خطبة مسجد الخيف وماتنفست قريش الصعدا الا برحيله (ص ) دون ان يطالبها بالبيعة لعلي ولـكن اللّه تعالى لم يكتف بذلك , حتى امر نبيه (ص ) ان يوقف المسلمين في طريق عودتهم في حر الـظهيرة , في صحرا ليس فيها كلا لخيولهم وجمالهم , ولاسوق ليشتروا منه علوفة وطعاما , الا دوحة من بضع اشجار على قليل من ماوذلك بعد مسير ثلاثة ايام , ولم يصبر عليهم حتى يصلوا الى مـديـنـة الـجحفة التي لم يبق عنها الا ميلان او اقل , بل كان اول القافلة وصل الى مشارفها , فبعث اليهم وارجعهم الى صحرا الغدير كـل ذلـك لـكي يصعد الرسول (ص ) المنبر في غير وقت صلاة , ليرفع بيد ابن عمه وصهره علي (ع ) ويـقـول لـهـم : هـذا وليكم من بعدي , ثم من بعده ولداه الحسن والحسين , ثم تسعة من ذرية الحسين هنا تجلت آية العصمة من الناس مجسمة للعيان فقد كمم اللّه تعالى افواه قريش عن المعارضة , وفتح افواههم للموافقة , فقالوا جميعا : نشهد انك بلغت عن ربك وانك نعم الرسول سمعنا واطعنا وتهافتوا مع المهنئين الى خيمة علي وكبروا مع المكبرين عندما نزلت آية (اليوم اكملت لكم دينكم ) ثـم اصغوا جميعا الى قصيدة حسان بن ثابت في وصف ندا النبي (ص ) ,وابلاغه عن ربه ولاية علي (ع ) من بعده .
واسـتـمرت التهنئة من بعد صلاة العصر الى ماشا اللّه ومن بعد صلاة المغرب والعشا تتابع عدد من الـمهنئين في العتمة , حتى طلع قمر ليلة التاسع عشر من ذي الحجة فقد بات النبي (ص ) في غدير الامامة , وتحرك الى المدينة بعد صلاة فجره وقيل بقي فيه يومان امـا كيف سلب اللّه تعالى قريشا القدرة على تخريب مراسم الغدير وكيف كف السنتها وهي السليطة بالاعتراض الجريئة على الانبيا ؟ وكيف جعلها تفكر بان تمرر هذا اليوم لمحمد (ص ) يفعل لبني هاشم وعلي مايشا ؟ عز وجل , وقدرته المطلقة المطلقة هـذا هـو الاسـلـوب الاول الـذي عصم اللّه به رسوله من ارتداد قريش , ولا بد ان ماخفي عنا من الطافه تعالى اعظم .
امـا الاسلوب الثاني فكان لغة العذاب السماوي , التي تفهمها قريش جيدا , كماكان يفهمها اليهود في زمان انبيائهم