احجار من السما للناطقين باسم قريش
ورد في احاديث السنة والشيعة اسما عديدة لاشخاص اعترضوا على اعلان النبي (ص ) ولاية علي (ع ) في غدير خم .
ويفهم منها ان عددا منها تصحيفات لاسم شخص واحد , ولكن عددا آخرلايمكن ان يكون تصحيفا , بل يدل على تعدد الحادثة , خاصة ان العقاب السماوي في بعضها مختلف عن الاخر وهم :.
جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة العبدري .
والحارث بن النعمان الفهري .
والحرث بن النعمان الفهري .
وعمرو بن عتبة المخزومي .
والنضر بن الحارث الفهري .
والحارث بن عمرو الفهري .
والنعمان بن الحارث اليهودي .
والنعمان بن المنذر الفهري .
وعمرو بن الحارث الفهري .
ورجل من بني تيم .
ورجل اعرابي .
ورجل اعرابي من اهل نجد من ولد جعفر بن كلاب بن ربيعة .
وكـل هؤلا قرشيون الا الربيعي واليهودي اذا صحت روايتهما يـعـهد من الانصار اعتراض على الامتيازات التي اعطاها اللّه تعالى لعترة رسوله (ص ) منهم عدم الوفا لهم بعد وفاة الرسول (ص ).
وخلاصة الحادثة : ان احد هؤلا الاشخاص ـ او اكثر من واحد ـ اعترض على النبي (ص ) واتهمه بـان اعـلانه عليا (ع ) وليا على الامة , كان عملا من عنده وليس بامر اللّه تعالى النبي (ص ) له , بانه ما فعل ذلك الا بامرربه وذهـب الـمعترض من عند النبي (ص ) مغاضبا وهو يدعو اللّه تعالى ان يمطر اللّه عليه حجارة من الـسما ان كان هذا الامر من عنده فرماه اللّه بحجر من سجيل فاهلكه فاحرقته وهـذه الحادثة تعني ان اللّه تعالى استعمل التخويف مع قريش ايضا , ليعصم رسوله (ص ) من تكاليف حـركـة الـردة الـتـي قـد تقدم عليها وبذلك تعزز عند زعماقريش الاتجاه القائل بفشل المواجهة العسكرية مع النبي (ص ) , وضرورة الصبرحتى يتوفاه اللّه تعالى وفي هذا الحديث النبوي , والحادثة الربانية , مسائل وبحوث عديدة اهمها:.
المسالة الاولى : في ان مصادر السنيين روت هذا الحديث
لم تختص بروايته مصادرنا الشيعية بل روته مصادر السنيين ايضا , واقدم من رواه من ائمتهم : ابو عبيد الهروي في كتابه : غريب القرآن .
ـ قال في مناقب آل ابي طالب 2 / 240:.
ابـو عـبـيـد , والـثـعـلبي , والنقاش , وسفيان بن عينيه , والرازي , والقزويني ,والنيسابوري , والـطـبرسي , والطوسي في تفاسيرهم , انه لما بلغ رسول (ص ) بغديرخم ما بلغ , وشاع ذلك في الـبلاد , اتى الحارث بن النعمان الفهري وفي رواية ابي عبيد : جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة العبدري فقال :.
يـا مـحـمد والحج , والزكاة , فقبلنا منك , ثم لم ترض بذلك حتى رفعت بضبع ابن عمك ففضلته علينا وقلت : من كنت مولاه فعلي مولاه هذا من اللّه .
فولى جابر يريد راحلته وهو يقول : اللهم ان كان ما يقول محمد حقا فامطر عليناحجارة من السما او ائتـنـا بعذاب اليم فما وصل اليها حتى رماه اللّه بحجر , فسقطعلى هامته وخرج من دبره وقتله , وانزل اللّه تعالى : سال سائل بعذاب واقع الاية انتهى .
وقـد احـصـى علماؤنا كصاحب العبقات , وصاحب الغدير , وصاحب احقاق الحق , وصاحب نفحات الازهـار , وغـيـرهـم عددا من ائمة السنيين وعلمائهم الذين اوردوا هذا الحديث في مصنفاتهم , فزادت على الثلاثين نذكر منهم اثني عشر:.
1 ـ الحافظ ابو عبيد الهروي المتوفى بمكة 223 , في تفسيره (غريب القرآن ).
2 ـ ابو بكر النقاش الموصلي البغدادي المتوفى 351 , في تفسيره .
3 ـ ابو اسحاق الثعلبي النيسابوري المتوفى 427 , في تفسيره ( الكشف والبيان ).
4 ـ الحاكم ابو القاسم الحسكاني في كتاب ( ادا حق الموالاة ).
5 ـ ابو بكر يحيى القرطبي المتوفى 567 , في تفسيره .
6 ـ شمس الدين ابو المظفر سبط ابن الجوزي الحنفي المتوفى 654 في تذكرته .
7 ـ شـيخ الاسلام الحمويني المتوفى 722 , روى في فرائد السمطين في الباب الثالث عشر قال : اخبرني الشيخ عماد الدين الحافظ بن بدران بمدينة نابلس , فيمااجاز لي ان ارويه عنه اجازة , عن القاضي جمال الدين عبد القاسم بن عبد الصمدالانصاري اجازة , عن عبد الجبار بن محمد الحواري الـبـيـهقي اجازة , عن الامام ابي الحسن علي بن احمد الواحدي قال : قرات على شيخنا الاستاذ ابي اسحاق الثعلبي في تفسيره : ان سفيان بن عيينه سئل عن قوله عز وجل : سال سائل بعذاب واقع فيمن نزلت فقال .
8 ـ ابـو الـسـعود العمادي المتوفى 982 , قال في تفسيره 8 / 292 : قيل هو الحرث بن النعمان الفهري , وذلك انه لما بلغه قول رسول اللّه (ع ) في علي (رض ) : من كنت مولاه فعلي مولاه , قال .
9 ـ شمس الدين الشربيني القاهري الشافعي المتوفى 977 , قال : في تفسيره السراج المنير : 4 / 364 : اختلف في هذا الداعي فقال ابن عباس : هو النضر بن الحرث , وقيل : هو الحرث بن النعمان .
10 ـ الشيخ برهان الدين علي الحلبي الشافعي المتوفى 1044 , روى في السيرة الحلبية : 3 / 302 وقـال : لما شاع قوله صلى اللّه عليه وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه في ساير الامصار وطار في جميع الاقطار , بلغ الحرث بن النعمان الفهري الى آخر لفظ سبط ابن الجوزي .
11 ـ شـمـس الـدين الحفني الشافعي المتوفى 1181 , قال في شرح الجامع الصغيرللسيوطي : 2 / 387 في شرح قوله (ص ) : من كنت مولاه فعلي مولاه .
12 ـ ابـوعـبـد اللّه الـزرقـاني المالكي المتوفى 1122 , في شرح المواهب اللدنية , /13 انتهى وسياتي ذكر بقية مصادر الحديث في بحث اسانيده .
المسالة الثانية : هل ان سورة المعارج مكية او مدنية
يلاحظ القارئ ان الجو العام للسورة الشريفة الى آية 36 , اقرب الى جو السورالمدنية وتشريعات سـورة النور والمؤمنين , وان جو الايات 36 الى آخر السورة اقرب الى جو السور المكية , التي تؤكد على مسائل العقيدة والاخرة .
ولـذلـك لا يمكن معرفة مكان نزول السورة من آياتها , حسب ما ذكروه من خصائص للسور المكية والمدنية , وضوابط للتمييز بينها على ان هذه الخصائص والضوابط غير دقيقة ولا علمية واذا صـح لـنـا ان نكتفي بها , فلا بد ان نقول ان القسم الاخير من السورة من قوله تعالى ( فما للذين كـفـروا قـبـلك مهطعين ) الى آخرها , نزلت اولا في مكة , ثم نزل القسم الاول منها في المدينة , ووضع في اولها ولـكـن ذلـك ليس اكثر من ظن متعارض سوا في مصادرنا او مصادر السنيين , ولكن المفسرين السنيين رجحوا مكيتها وعدوها في المكي .
ولا يبعد ان ذلك هو المرحج حسب نصوص مصادرنا ايضا.
ـ فقد روى القاضي النعمان في شرح الاخبار 1 / 241.
عن الامام الصادق (ع ) انه قال : نزلت واللّه بمكة للكافرين بولاية علي (ع ) انتهى .
والظاهر ان مقصوده (ع ) : انها نزلت في مكة وكان مقدرا ان ياتي تاويلها في المدينة عند اعتراضهم على اعلان النبي (ص ) ولاية علي (ع ).
ـ وقال الكليني في الكافي 5 / 450:.
قال : سال ابو حنيفة ابا جعفر محمد بن النعمان صاحب الطاق , فقال له : يا اباجعفر ما تقول في المتعة , اتزعم انها حلال ؟.
قال : نعم .
قال : فما يمنعك ان تامر نساك ان يستمتعن ويكتسبن عليك ؟.
فـقـال لـه ابـو جـعـفر : ليس كل الصناعات يرغب فيها , وان كانت حلالا , وللناس اقدارومراتب يرفعون اقدارهم ولكن ماتقول يا ابا حنيفة في النبيذ , اتزعم انه حلال ؟فقال : نعم .
قال : فما يمنعك ان تقعد نساك في الحوانيت نباذات فيكتسبن عليك ؟.
فقال ابو حنيفة : واحدة بواحدة , وسهمك انفذ.
ثـم قال له : يا ابا جعفر ان الاية التي في سال سائل , تنطق بتحريم المتعة والرواية عن النبي (ص ) قد جات بنسخها؟.
فقال له ابو جعفر : يا ابا حنيفة ان سورة سال سائل مكية , وآية المتعة مدنية ,وروايتك شاذة ردية .
فقال له ابوحنيفة : وآية الميراث ايضا تنطق بنسخ المتعة ؟.
فقال ابو جعفر : قد ثبت النكاح بغير ميراث .
قال ابو حنيفة : من اين قلت ذاك ؟.
فقال ابو جعفر : لو ان رجلا من المسلمين تزوج امراة من اهل الكتاب , ثم توفي عنها ما تقول فيها؟.
قال : لا ترث منه .
قال : فقد ثبت النكاح بغير ميراث ثم افترقا انتهى .
وقول ابي حنيفة ان سورة سال سائل تنطق بتحريم المتعة , يقصد به قوله تعالى في السورة ( والذين هم لفروجهم حافظون الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم ).
فـاجابه مؤمن الطاق بان السورة مكية وآية ( فما استمعتم به منهن فتوهن اجورهن ) مدنية , فكيف ينسخ المتقدم المتاخر؟.
ولكن الجواب الاصح : ان المتمتع بها زوجة شرعية , فهي مشمولة لقوله تعالى .
( الا عـلـى ازواجهم ) وقد افتى عدد من علما السنيين بانه يجوز للرجل ان يتزوج امراة حتى لو كان ناويا ان يطلقها غدا , وهو نفس المتعة التي يشنعون بهاعلينا.
بل افتى ابو حنيفة نفسه بان الرجل لو استاجر امراة لخدمته وكنس منزله وغسل ثيابه , فقد جاز له مـقاربتها بدون عقد زواج , لا دائم ولا منقطع المتعة التي يقول بها الفقه الشيعي , لان عقدالزواج شرط فيها , والا كانت زنا.
والنتيجة ان المرجح ان تكون سورة المعارج مكية , ولكن ذلك لا يؤثر على صحة الحديث القائل بان الـعذاب الواقع هو العذاب النازل على المعترض على النبي (ص ) عندما اعلن ولاية علي (ع ) , لان ذلك يكون تاويلا لها , واخبارا من جبرئيل (ع ) بان هذه الحادثة هي من العذاب الواقع الموعود.
فقد تقدمت رواية شرح الاخبار في ذلك , وستاتي منه رواية فيها ( فاصابته الصاعقة فاحرقته النار , فـهـبـط جبرئيل وهو يقول : اقرا يامحمد : سال سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع ) وهي كالنص في ان جبرئيل (ع ) نزل على النبي (ص )بتطبيق الاية او تاويلها.
بل يظهر من احاديثنا ان ما حل بالعبدري والفهري ما هو جز صغير من ( العذاب الواقع ) الموعود , وان اكثره سينزل تمهيدا لظهور الامام المهدي (ع ) او نصرة له .
ـ وقد اوردنا في معجم احاديث الامام المهدي (ع ) : 5 / 458 عدة احاديث عن الامام الباقر والامام الصادق (ع ) في تفسير العذاب الواقع باحداث تكون عند ظهور الامام المهدي (ع ).
ـ منها ما رواه علي بن ابراهيم القمي في تفسيره : 2 / 385 قال :.
سـال سـائل بـعذاب واقع , قال : سئل ابو جعفر (ع ) عن معنى هذا , فقال : نارتخرج من المغرب , ومـلـك يسوقها من خلفها حتى تاتي دار بني سعد بن همام عندمسجدهم , فلا تدع دارا لبني امية الا احرقتها واهلها , ولا تدع دارا فيها وتر لال محمد الا احرقتها , وذلك المهدي (ع ).
ـ ومنها مارواه النعماني في كتاب الغيبة / 272 قال :.
حـدثـنـا مـحـمد بن همام قال : حدثنا جعفر بن محمد بن مالك قال : حدثنا محمدبن الحسين بن ابي الـخطاب , عن الحسن بن علي , عن صالح بن سهل , عن ابي عبداللّه جعفر بن محمد (ع ) في قوله تـعالى : سال سائل بعذاب واقع , قال : تاويلها فيماياتي عذاب يقع في الثوية يعني نارا حتى تنتهي الى الـكـناسة كناسة بني اسد , حتى تمر بثقيف لا تدع وترا لال محمد الا احرقته , وذلك قبل خروج القائم (ع ) انتهى .
والامكنة التي ذكرتها الروايتان , من امكنة الكوفة التي ثبت ان الامام المهدي (ع ) سيتخذها عاصمة له .
وقول الامام الصادق (ع ) ( تاويلها فيما ياتي ) يدل على ان مذهب اهل البيت (ع ) ان العذاب الواقع في الايـة وعـيـد مـفتوح منه ما وقع فيما مضى على المشركين والمنافقين , ومنه ما يقع فيما ياتي على بقيتهم وهو المناسب مع اطلاق التهديد في الاية , ومع سنة اللّه تعالى وانتصاره لدينه واوليائه .