المناظرة الخامسة عشر
سماحة الشيخ مصطفى الطائي:
بسم الله الرحمن الرحيم, المناظرة الخامسة عشر والأخيرة, والتي جرت في غرفة الشيخ عثمان الخميس.
محمد علي من طرف الوهابية:
السلام عليكم, السيد طلال, هل الشيخ الدكتور العماد معك؟
السيد طلال من طرف الاثني عشرية:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته, نعم أخي الكريم نعم موجود سماحة الدكتور السيد عصام موجود معنا, إن شاء الله إذا أحببتم نبدأ إن شاء الله حياكم الله.
محمد علي:
نعم أهلاً بكم, إن شاء الله ستبدأ إكمال سلسلة المناظرات بين الشيخ عثمان الخميس, وبين العالم الشيعي الشيخ الدكتور عصام العماد.
شيخ عثمان بارك الله فيك تفضل بارك الله فيك تبدأ من عندك, وإن كنت تريد أن يبدأ الدكتور العماد تفضل شيخ عثمان.
سماحة الشيخ عثمان:
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، إله الأولين والآخرين وخالق الخلق أجمعين, الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه, كما يحب ربنا ويرضى, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته, ومرحباً بكم في هذا اللقاء الذي يجمعني معكم في فترة وأخرى, وأسأل الله ـ جل وعلا ـ أن يجمعنا وإياكم في جنات النعيم, وأرحب بكم جميعاً وأسأل الله ـ جل وعلا ـ أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى, وأسألكم أن تقولوا وأن أقول أنا ـ أيضاً ـ أن نكون صادقين في قولنا: (اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير مغضوب عليهم ولا الضالين), ونقول: اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
ونسأل الله جل وعلا أن يوفقنا جميعاً إلى ما يحب ويرضى, وأهلاً ومرحباً بالدكتور عصام، فليتفضل ليتكلم بما يشاء.
السيد طلال من غرفة الحق من طرف الاثني عشرية:
طيب خير إن شاء الله, ولكن شيخنا شيخ عثمان فقط عندي طلب واحد رجاءً قبل أن يتكلم سماحة الدكتور السيد عصام, رجاء إلى الأخ محمد علي وجميع الإخوة المشرفين على المناظرة حتى لا نعود إلى الكتابات على التكس, وحتى لا نضيع الوقت على الإخوة المستمعين جميعاً, أنا أتمنى من الجميع, إذا كان هناك مكاتبة بين الآدمنية [يعني: حكّام المناظرة] فتكون عن طريق البرايفت, [يعني: المراسلة عن طريق الغرف الخاصة لا الغرف العامة], فأتمنى لكم يا شيخ عثمان, إنه تطلبوا من الإخوة بما أن الغرفة غرفتكم بأن تكون الكتابة على البرايفت جميعاً فقط في الكتابة على التكس تكون بالنسبة إلى الوقت, هذا مع الشكر الجزيل، تفضل.
سماحة دكتور سيد عصام:
بسم الله الرحمن الرحيم, رب اشرح لي صدري, ويسر لي أمري, واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي، وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد.
في البداية في الحقيقة يجب أن أعتذر لما حدث في الجلسة الماضية من سوء إدارة، ونعتذر للجميع وفي الحقيقة أن التقصير كان من قبل الجميع سواءً من قبل إخواننا الاثني عشرية أو من قبل إخواننا من الوهابية.
وأرجو كذلك أن يكون الحوار هادئاً بين الاثني عشريين وبين الوهابيين, وأن نعرف إننا نتعامل مع إنسان لا مع آلات وأجهزة، نتعامل مع بشر حقيقيين سواء كانوا من الوهابيين أو من الاثني عشريين, لهم عواطف وقيم وخلفيات ووجهات نظر, ولهم أخلاق إسلامية والتزام بآيات وروايات تتحدث عن الأخلاق الإسلامية, يجب أن نعرف أن الحوار يدور بين كائنات بشرية لها ردود أفعال, وقد يسبب الأسلوب الشديد في التعامل مع الاثني عشرية أو في التعامل مع الوهابية, إلى تدمير عملية الحوار وإلى أن يكون ما اجتمعنا من أجله وهو التقريب بين المسلمين من الوهابية والاثني عشرية, يكون نقضاً لهذا الهدف الرئيسي الذي اجتمعنا من أجله, ومن المفيد أن نسأل أنفسنا كوهابيين أو كاثني عشريين, هل نحن نراعي الآداب الإسلامية أثناء الحوار مع الاثني عشرية كوهابيين؟ وهل نحن نراعي الحوار مع الوهابيين ونراعي الآداب الإسلامية في الحوار مع الوهابيين كاثني عشريين؟...
سماحة الأخ الشيخ عبد الرحمن الدمشقية من غرفة الشيخ عثمان من طرف الوهابية مقاطعاً:
أنا وضعت نقطة حمراء عليك، توقف عن استعمال لفظ الوهابية، توقف عن استعمال لفظ الوهابية، تأدب لو سمحت.
الأخ السيد طلال من غرفة الحق من طرف الاثني عشرية:
عفواً عفواً, شيخنا الشيخ عثمان نحن الآن في غرفتكم يا شيخ عثمان, إذا كان الدمشقية يريد أن يدير المناظرة بهذا الشكل فهذا مرفوض يا شيخ عثمان, نحن في البداية قلنا وطلبنا إنه نترك مثل هذه القضايا, الدمشقية هذا ليس من حقه أن يدخل في هذه القضايا والشيخ عثمان الخميس هو الذي يتدخل, وإذا طلب إنه يغير سماحة الدكتور السيد عصام الكلمة فله الحق؛ وأنا أطلب من الأخ العزيز طالب حق أنه لا يتكلم بعد إن شاء الله, ولا يكتب هنا فقط يتابع مع الأخ محمد علي على البرايفت إن شاء الله, شيخ عثمان تفضلوا لكم الحديث, ولكم المايك وأنتم تطلبون من الإخوة جميعاً الالتزام بهذا الأسلوب، تفضلوا شيخ عثمان المايك معكم, ومن بعدكم إن شاء الله يتكلم سماحة الدكتور السيد عصام.
الأخ سماحة الشيخ الدمشقية من غرفة الشيخ عثمان من طرف الوهابية:
السلام عليكم ورحمة الله, في خلال دقيقتين أو ثلاث دقائق استعملت كلمة وهابية أربعة وعشرين مرة، إلى متى تصر على ذلك، وما هذا التحكم تسمي نفسك اثني عشرياً، أرجو الإنصاف يا دكتور اليوم تركز على هذا اللفظ، أرجو استعمال الأدب, تعلم إننا لا نرضى بهذا اللفظ, وتعلم إننا نستضيفك هنا ونحترمك ولا نستعمل لفظ رافضة فأرجو التأدب، أرجو التأدب.
الكابتن من طرف الوهابية:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته خير إن شاء الله يكمل الدكتور عصام.
السيد طلال من غرفة الحق من طرف الاثني عشرية:
طيب خير إن شاء الله، الشيخ عثمان إن شاء الآن يكمل سماحة الدكتور السيد عصام, وبعد ذلك أنت ترجو الإخوة أنه لا أحد يتدخل, رجاءً حتى نحافظ على المناظرة ونحافظ على الوقت ونحافظ إن شاء الله على سير المناظرة بشكله السليم, تفضل سماحة دكتور سيد عصام.
سماحة الدكتور السيد عصام:
بسم الله الرحمن الرحيم, أولاً هذا خلافاً للاتفاق, نحن اتفقنا من بداية المناظرة, إنه لا توضع نقطة حمراء لا على الشيخ عثمان الخميس في غرفتنا, ولا توضع نقطة علي في غرفتكم, فمن هنا أنا أرى إنه ليس أسلوباً يعني هذا, على الشيخ عثمان الخميس ممكن أنه يطلب.
أنا منذ أن بدأت المناظرة وأنا أستخدم كلمة وهابية, ولم يضع عليّ أحد نقطة حمراء, فأنا أرجو من الشيخ الدمشقية أن لا يفجر المناظرة؛ لأنني أنا أرى إنه يستخدم (الشيخ الدمشقية) أساليباً شديدة وإن هذه طريقة المتطرفين في الحوار, وليس من أسلوب الحوار الإسلامي أن تفرض على الشخص الآخر ترك اللفظة التي يريد أن يستخدمها, ولذلك أنا سأستخدم كلمة وهابية كما بدأت المناظرة سأستخدم كلمة وهابية, لأنني أعتقد إنني أحاور وهابية, أنا في عقيدتي أنا لا أحاور أهل السنة، أنا أحاور وهابية، هذا ما قلته منذ اليوم الأول للمناظرة, فلا أدري هل هذا تراجع عن الاتفاقات التي بيننا؟ فأنا منذ أن أتيت ومنذ أن دخلت في أول جلسة قلت: الحوار بين الوهابية وبين الاثني عشرية، وأنا أرى أن الشيخ عثمان الخميس ليس من أهل السنة بل هو من الوهابية, ومن هنا أنا لا أدري هل الشيخ الدمشقية لا يعرف الاتفاق الذي دار بيننا أم لا؟ الاتفاق دار بيننا أنه لا يحق للشيعة الاثني عشرية أن يضعوا نقطة حمراء على الشيخ عثمان الخميس، ولا يحق للوهابية أن يضعوا نقطة حمراء على الشيخ عصام العماد وهذا ما صنعته اليوم يا شيخ دمشقية خارج عن الاتفاق وتفضل يا شيخ عثمان.
الأخ الشيخ الدمشقية غرفة الشيخ عثمان من طرف الوهابية:
أنا لست وهابياً ولذلك أنا خارج عن الاتفاق، أنا أعتبر نفسي خارجاً عن الاتفاق, هذا اتفاق كان مع الوهابية في نظرك, لكن أنا غير وهابي، على كل حال تفضل يا شيخ عثمان والذي تريده إن شاء الله يحصل.
سماحة الشيخ عثمان:
بسم الله الرحمن الرحيم, أنا أرجوا أن يهدأ الجميع, والمسألة لا تستحق كل هذا, قلتها كم مرة، أنا أفخر إني وهابي، أن أنبز بهذه الكلمة الطيبة، هذا فخر لنا حقيقة، أن ننبز بهذه الكلمة الطيبة, وهي كلمة وهابية, ولكن الشيخ الدكتور عصام غضب مرة, لما قلت له: رافضة, قال: لماذا تقول لنا رافضة؟ فإذا كنت ترى شيخ عصام إننا نحن وهابية وأنت من حقك أن تقول لنا ذلك, فنحن كذلك من حقنا أن نقول رافضة, وليس لك الحق بأن تغضب من ذلك.
وبغض النظر عن هذا الموضوع دكتور عصام أنت ضيف عندنا قل ما شئت، وتوكل على الله.
السيد طلال:
طيب شيخ عثمان الآن يبدأ الوقت، إن شاء الله أخ محمد علي يبدأ الوقت وتحسبوا ذلك, يبدأ سماحة الدكتور السيد عصام أم أنتم؟
سماحة الشيخ عثمان:
نعم نبدأ إن شاء الله تعالى وأنا أقول للدكتور الشيخ عصام أول شيء قبل أن نبدأ أن يعجل في الانتهاء من مقدمته ثم بعد ذلك نبدأ تفضل دكتور عصام.
سماحة الدكتور السيد عصام:
بسم الله الرحمن الرحيم, أنا انتهيت من المقدمة ولكن سأبدأ ويحسب الوقت من الآن سوف أبدأ وسأتحدث كما وعدت في الجلسة الماضية عن (آية المباهلة), وعن دور بني أمية في صرفنا عن (آية المباهلة) وعن الآيات الواردة في أهل البيت.
وقبل أن أتحدث عن دور بني أمية, أبدأ بالحديث عما وعدت به في إكمال البحث عن (آية المباهلة), ويحسب الوقت من الآن.
أقول في الحقيقة إنها حكمة إلهية, وأحب أن ألفت أخي وحبيبي فضيلة الشيخ عثمان الخميس إلى قضية هامة في منتهى الأهمية, وهي عندما نبحث عن (آية المباهلة), يجب أن نلتفت إلى صيغة الصلاة الإبراهيمية, التي يرددها كل مسلم في صلاته, لماذا اختار الله هذه الصيغة في الصلاة؟ أليس من الواجب أن نسأل القرآن الكريم ما هو مقام آل إبراهيم في القرآن الكريم؟ حتى نعرف مقام آل محمد ـ المطهرين لا غير المطهرين ـ؛ لأن الله أمرنا أن نقول في الصلاة وفي التشهد: «اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد, كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم, وبارك على محمد وعلى آل محمد, كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم», فإذا عرفنا مقام آل إبراهيم في القرآن, سوف نعرف مقام آل محمد في القرآن أو السنة, حينئذ سنتعامل مع (آية المباهلة) بطريقة تختلف عن الإهمال والنظرة السطحية لهذه الآية, ما الذي جعله الله لآل إبراهيم في كتاب الله؟ ونطق الوحي بآيات كثيرة وردت في سورة النساء, وفي سور أخرى تقدم بهذا التقديم المذهل العظيم، قال تعالى: (أم يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله، فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة واتيناهم ملكاً عظيماً), الله تعالى يرسم لآل إبراهيم هذا المقام العظيم, هم أهل الكتاب والحكمة كما نطقت الآية، والنبي يقول: [تركت فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي], كما في صحيح مسلم, وكما أن آل إبراهيم هم أهل الكتاب والحكمة, فهكذا أهل البيت هم أهل الكتاب والحكمة، والله في كتابه المجيد قرن آل إبراهيم بالكتاب, والنبي في سنته قرن آل محمد بالكتاب, ولكن أهل السنة فصلوا بين بيت النبي والكتاب, وإن كانوا لا يقولون بالفصل بين آل إبراهيم وآل محمد, فمن هنا يصلون عليهم الصلاة الإبراهيمية, ويقولون: [اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد, كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم, وبارك على محمد وعلى آل محمد, كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم] في كل صلاتهم عند التشهد, ولكن لا أدري لماذا فصلوا بين أهل البيت وبين آل إبراهيم في الواقع, فلو تأملوا وأنصفوا لعلموا الحق, وهل في المنطق وفي الوجدان أن نؤمن بأن الله آتى آل إبراهيم الكتاب والحكمة, ثم ننكر أن الله آتى آل محمد الكتاب والحكمة [يعني: القرآن والسنة النبوية] مع وجود (حديث الثقلين), ما لكم كيف تحكمون؟! وإذا فصلنا بين الكتاب وآل النبي, فلماذا نقرن بين آل النبي وآل إبراهيم في الصلاة؟ وأرجوا من الشيخ عثمان أن يجيب على هذه الأسئلة ومثل هذه الأسئلة هي التي جعلتني أنتقل من الوهابية إلى الاثني عشرية مثلها ومثل غيرها من عشرات الأسئلة التي طرحتها في الجلسات الماضية, ولم أجد جواباً عند الشيخ عثمان الخميس إلا أن يتهمني بالكذب أو أن يقول: ما سمعت شيئاً جديداً, كلما أتيته بدليل جاءني بتكذيبات, وأرجوا من أخي فضيلة الشيخ عثمان أن يتقي الله وأن يغير أسلوبه, فوالله ما كنت من الكاذبين.
إنها حكمة إلهية يا إخواني حين قرن الله في كتابه بين آل إبراهيم, وبين الكتاب والحكمة، أراد الله من هذا الاقتران أن يبين لنا أن النبي عندما قال: [كتاب الله وأهل بيتي] يعني إنه قد قرن بين أهل البيت المطهرين وبين الكتاب والحكمة أو بين الكتاب والسنة, فقد قرن النبي في (حديث الثقلين) بين آل البيت والكتاب, ولله حكمة حين أمرنا بالتشهد أثناء أداء الصلاة في كل وقت, أن نقرن بين آل إبراهيم وآل محمد, وأنا أرى إن الشيخ عثمان عندما يريد أن يبحث في (آية المباهلة), يجب عليه أن يلتفت إلى هذه النقطة المهمة, ثم يبحث عن مقام أهل البيت من خلال مقام آل إبراهيم في القرآن الكريم, وإن النظر إلى (آية المباهلة) وحدها دون النظر إلى الآيات والروايات الواردة في أهل البيت أو في أهل بيت إبراهيم, سوف يجعل الشيخ عثمان وغيره من أهل السنة والجماعة ومن الوهابية لا يدركون حقيقة مذهب أهل البيت.
إنني أكره أن أقف عند (آية المباهلة) وحدها فلو كانت وحدها تكفي لما أتى الله ورسوله بآيات أخرى في أهل البيت, ولكان الله ورسوله قد اكتفيان بـ (آية المباهلة) لتبيين مقام آل محمد.
ومن هنا عندما يطلب مني الشيخ عثمان الخميس أن آتي وأن أشرح له كل مقامات أهل البيت من خلال (آية المباهلة), فإن هذا الكلام لا يقوله إلا من لم يتأمل إلى مسألة هامة ذكرها علماء الأصول من الاثني عشرية ومن الوهابية ومن أهل السنة ومن السلفية, وهي إنك إذا أردت أن تبحث عن أي موضوع, فيجب أن تجمع كل الآيات والروايات الواردة في هذا الموضوع, لا أن تنظر إلى آية وحدها وتغض الطرف عن آيات أخرى أو الروايات الأخرى الواردة في نفس الموضوع.
ومن هنا أقول إننا علمنا مقام الذين باهل بهم النبي وهم علي والحسن والحسين وفاطمة, علمنا مقام آل محمد من خلال مقام آل إبراهيم, كما شرح في القرآن الكريم, وكأنّ الله لم يشرح لنا مقام آل إبراهيم, إلا من أجل أن الله علم أنه سيأتي أناس ويؤخرون آل محمد ويقدمون عليهم الصحابة مع أنه لا قائل يقول: إن أصحاب إبراهيم أفضل من آل إبراهيم المطهرين.
ومن هنا أنا أرى أن أخي وحبيبي الشيخ عثمان, عندما قال لي في الجلسة الماضية: هل (آية المباهلة) هي التي جعلتك تترك مذهب أهل السنة؟ قال في الجلسات الماضية ـ أيضاً ـ: هل (آية التطهير) هي التي جعلتك تترك مذهب أهل السنة؟ فهذا السؤال خطأ؛ لأن مجموع ما ورد في أهل البيت جعلني أترك مذهب أهل السنة, وأقول: إن الآيات والروايات الواردة في أهل البيت بمجموعها هي التي جعلتني أترك الوهابية وأتبع أهل البيت, وهكذا إذا أردنا أن نفهم (آية المباهلة) يجب أن نراجع الآيات الأخرى, ومن هذا القبيل الآيات التي تصف آل إبراهيم باعتبار إننا في الصلاة نقرن بين آل إبراهيم وآل محمد في الصلاة الإبراهيمية الثابتة عند الاثني عشرية والسنة والوهابية والسلفية, يقول الله تعالى موجهاً خطابه لمحمد ـ صلى الله عليه وآله ـ: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا), الكتاب الذي أنزل على محمد يقول الله في شأنه: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا), والنبي في يوم المباهلة, بين لنا من هم الذين أورثهم الكتاب واصطفاهم من عباده عندما خرج بعلي وفاطمة والحسن والحسين وقال: [اللهم هؤلاء أهل بيتي], وقد أخبرنا بقوله: [تركت فيكم الكتاب وأهل بيتي], [أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي] أخبرنا بذلك, بأنهم هؤلاء هم ورثة الكتاب وإلا لما كانوا قرناء الكتاب؛ لأن الله يقول: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا). وكما أورث الله الكتاب بعد إبراهيم, الذين اصطفاهم الله من آل إبراهيم, فقد أورث الله الكتاب من بعد محمد للذين اصطفاهم الله من آل محمد, وجاء القرآن وبين أن آل إبراهيم عندهم الكتاب والحكمة وجاء النبي وبين أن أهل البيت هم قرناء الكتاب وهم علي وفاطمة والحسن والحسين, كما بينهم النبي وحددهم في أكثر من موضع ولاسيما في (آية المباهلة) ولكنني أتأسف لأن أكثر الناس لا يتأملون في ذلك, ويجعلون القضية قضية اثني عشرية مع أن القضية قضية قرآنية وقضية متعلقة بالسنة النبوية, لا تتعلق بأي مذهب من المذاهب, بل نصوصها ثابتة عند كل المذاهب. والاثنا عشريون عندما قالوا بذلك إنما استندوا إلى آيات الكتاب المبين وإلى السنة الصحيحة الواردة عند الطرفين, هؤلاء الوارثون لكتاب الله هم المعنيون والمصطفون من قبل الله, ومن هنا قال النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ: [لا يزال الدين محفوظاً باثني عشر] وحفظ الدين لا يكون بالملوك الظلمة, كما قال أخي فضيلة الشيخ عثمان الخميس, عندما جعل حفظ الدين بالاثني عشر, جعل حفظ الدين بيزيد بن معاوية وبعبد الملك بن مروان, وبغيرهم من الظلمة الذين قتلوا أهل البيت واستباحوا دماءهم! فكيف يكون الذين استباحوا دماء أهل البيت ودماء الصحابة هم ورثة الكتاب المبين وهم الذين سيحفظون الدين؟! (ما لكم كيف تحكمون), وإنما يكون ورثة الكتاب هم الذين اصطفاهم الله وقرنهم بكتابه وأمرنا أن نقرن بينهم وبين آل إبراهيم ـ صلى الله عليه وآله ـ , ولكنني أأسف أن الكثير لا يتأملون ويتركون هذه الأمور؛ لأنهم في نظرهم لو تعلقوا بهذه الأمور لأصبحوا من الاثني عشرية, هؤلاء الذين اصطفاهم الله من آل محمد واصطفاهم الله من آل إبراهيم, يجب الصلاة والسلام عليهم بقول الله تعالى: (قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى). ومن هنا فرض الله الصلاة والسلام على آل إبراهيم في الصلاة الإبراهيمية التي تقال في التشهد؛ لأن الله اصطفاهم, وهكذا فرض الصلاة على آل محمد في الصلاة الإبراهيمية التي تقال في التشهد؛ لأن الله اصطفاهم. إن الإنسان عندما يقف أمام الله في صلاته خاشعاً لا ينبغي أن يذكر في صلاته إلا الذين اصطفاهم الله من آل إبراهيم ومن آل محمد, ومن هنا لا يجوز أن يذكر المسلم في صلاته لا أصحاب إبراهيم ولا أصحاب محمد، وإنما يذكر الذين اصطفاهم الله واجتباهم من آل محمد والذين اصطفاهم الله كذلك واجتباهم من آل إبراهيم, ولكن أكثر الناس فضلوا أصحاب محمد واعتبروا تأخير أهل البيت من العقيدة.
ومن هنا اعتبروا أن من قدم الإمام علي وهو إمام أهل البيت على عمر بن الخطاب أو على عثمان بن عفان, إنه من المبتدعين الضالين!! (وإنا لله وإنا إليه راجعون). اصطفى الله من آل إبراهيم أناساً معينين ومشخصين ومعروفين ومعدودين, وجعلهم هم الورثة للكتاب والحكمة كما في القرآن الكريم, وهكذا اصطفى الله من آل محمد أناساً معينين ومشخصين ومعروفين ومعدودين وجعلهم هم الوارثون للكتاب والسنة, كما في (حديث الثقلين), وقد حدد النبي في يوم المباهلة بصورة واضحة تفيد الحصر, حيث أدخلهم في يوم المباهلة, أدخل علياً في الكساء ثم أدخل فاطمة في الكساء ثم أدخل الحسين في الكساء ثم أدخل الحسن في الكساء, ثم قال: [اللهم هؤلاء أهل بيتي] وأدار الكساء عليهم وأغلق الكساء عليهم, لماذا يصنع كل هذا؟ من أجل أن يبيّن من هم ورثة الكتاب، من هم قرناء القرآن, لا شك إنّ النبي إنما عنى المصطفين المنتجبين المختارين من بين جميع أهل بيت النبي, وإلا لما ذكروا في الصلاة ولما قرنوا بآل إبراهيم, إن أهل البيت الذين نذكرهم في التشهد هم ناس معينون ـ كما تقول الاثنا عشرية ـ مشخصون ليس كل من هب ودب. خمسون مليوناً كما في الإحصائيات الأخيرة كلهم نذكرهم بالصلاة، هل هذا معقول؟ وهل هذا يقبله العقل؟! ومن هنا أوصانا النبي بالأخذ بالقرآن والسنة أولاً وهما الثقل الأكبر, وبأهل البيت ثانياً وهم الثقل الأصغر.
وأترك المجال للشيخ الجليل عثمان الخميس أن يتكلم, ثم أبين بعد ذلك دور بني أمية في فصل أهل السنة عن أهل البيت وتفضلوا معكم المايك وجزاكم الله خيراً.
سماحة الشيخ عثمان:
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد, وعلى آله وصحابته أجمعين, أما بعد كنا نتمنى أن يتكلم الدكتور عصام عن (آية المباهلة) بينما نجد أنه خرج عن الموضوع كثيراً, وقد ذكر الدكتور عصام في معرض كلامه أن البحث في آل بيت النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ يكون من خلال النظر في آل إبراهيم، ثم استدل بقول الله تبارك وتعالى: (أم يحسدون الناس على ما اتاهم الله من فضله, فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً). وأنا أوجه سؤالين للدكتور الشيخ عصام أو ثلاثة أسئلة قبل أن يستمر:
السؤال الأول: اكمل الآية التي بعد هذه الآية, أقول للدكتور الشيخ عصام: إنك تقول إن البحث في آل بيت النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ يكون من خلال النظر في آل إبراهيم, فأقول اسمع الناس، اسمع الناس, الآية التي بعد قول الله تبارك وتعالى (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله)؟ هذا السؤال الأول.
أما السؤال الثاني: فقوله الذين اصطفاهم الله من آل إبراهيم معروفون معدودون فنريد أن نعرفهم، اعلمنا من هم؟
وأما الأمر الثالث: فقبل أن تنتقل عن (آية المباهلة) اخبرنا أين الدلالة في (آية المباهلة) على الإمامة وأين الدلالة من (آية المباهلة) على العصمة؟ فأنت إنما ذكرت «آية المباهلة» لتستدل بها على الإمامة فموضوعنا الإمامة وما تدل عليه (آية المباهلة)، ولما تخرج من هذا كما خرجت من (حديث الكساء) أو من (آية التطهير) و(حديث الكساء)؟ حيث لم تذكر الدلالة من (آية التطهير) و(حديث الكساء) على الإمامة والعصمة, فنحن نطالبك أن تذكر لنا الدلالة من (آية المباهلة) على الإمامة والعصمة وأن تجيب على السؤالين, من خلال كلامك الذي ذكرته, والآن اسمع الناس الآية لو سمحت، تفضل.
سماحة الدكتور السيد عصام:
بسم الله الرحمن الرحيم, أنا أريد قبل أن ندخل في التفصيل في هذه المسائل التي ذكرها أخي فضيلة الشيخ عثمان الخميس, أن يجيبني على هذا السؤال: لماذا قرن الله ورسوله بين آل إبراهيم وآل محمد في الصلاة الإبراهيمية الثابتة عند جميع المسلمين؟ أرجوه أن يجيب عن السؤال, فإذا اتفقنا في هذه الكلية, سوف نناقش الجزئيات والموارد، هل يوافقني في البحث عن موضوع؟ لماذا قرن بين آل إبراهيم وآل محمد؟ أجب عن هذا السؤال.
الشيخ عثمان:
نعم ذكر الله تبارك وتعالى هذا لبيان مكانتهم عنده سبحانه وتعالى, تفضل.
الأخ السيد طلال من غرفة الحق من طرف الاثني عشرية:
لحظة.. المناظرة فقط.. شيخ عثمان رجاء يعني هذه سوف نرد نرجع إلى البداية يا شيخ عثمان، الدمشقية انظر له ماذا يكتب أنا لا أعرف، هذه طبعاً سوف تزيد من الحساسية، يعني الكتابات التي يكتبها الدمشقية ليست طبيعية, نحن نريد أن نحافظ على الجو، نريد نحافظ على إنه المناظرة تظل مستمرة بشكلها الطبيعي، فنتمنى منكم أنه تطلبوا من الدمشقية أنه لا يكتب مثل هذه الكتابات بعد, أنا هذا الذي أراه يا شيخ عثمان، فيجب على الإخوة أن يردوا عليه وهو أيضاً يرد عليهم, فأنا أرجو من الإخوة جميعاً رجاء أنه لا أحد يكتب, الأخ محمد علي نحن اتفقنا على إنه إذا أي واحد يريد يكتب الشيء يكتبه على البرايفت, تفضل شيخ عثمان, عفواً الشيخ يريد المايك, تفضل شيخ عثمان.
سماحة الشيخ عثمان:
نعم, أنا أطلب من الجميع أن لا يكتبوا شيئاً, فقط الذي يكتب محمد علي عن الساعة والوقت وأي أحد عنده أي استفسار عن الوقت, يسأل محمد علي عن طريق المراسلات فقط, لا يكتب شيئاً, لا أحد يكتب بارك الله فيكم.
السيد طلال من طرف الاثني عشرية:
طيب, أحسنتم جزاكم الله خيراً, يتفضل سماحة الدكتور السيد عصام.
سماحة الدكتور السيد عصام:
بسم الله الرحمن الرحيم, في الحقيقة هذا ما قلته, إذن اتفقت معي إنه أراد الله سبحانه وتعالى أن يبيّن مقام أهل البيت إنه كمقام آل إبراهيم, إذن فما المانع أن نبحث عن مقام آل إبراهيم في القرآن الكريم؛ لأجل أن نعرف مقام أهل البيت ما هو المانع من ذلك؟ تفضل معك المايك.
سماحة الشيخ عثمان:
يا شيخ عصام لا تضيع الوقت, أجب على الأسئلة التي ذكرتها لك، ما نبحث في مقام آل إبراهيم, اذكر لنا الآن الدلالة من (آية المباهلة), وأجب عن الأسئلة التي سألتك إياها، وإذا كنت غير حافظ الآية أنا أذكرها لا توجد مشكلة, تفضل يا دكتور عصام.
سماحة الدكتور السيد عصام:
بسم الله الرحمن الرحيم, أنا في الحقيقة لا أدري أخي عثمان الخميس يريد فقط أن يستمع أنا تكلمت ستة عشر دقيقة وأنت تكلمت فقط ثلاث دقائق, أنا أريد فقط أن تسمعنا شيئاً ولكن سأجيب على السؤال حتى تعرف القضية ليست إنه لا يستطيع أن يجيب عن سؤالك أحد من الاثني عشرية, الأسئلة التي سألتها لها إجابات, ولكن الآن مر الكثير من وقتي ووقتك ما زال محفوظاً لأنك لا تتكلم فقط توجه أسئلة، ولا تطرح موضوعاً.
قال الله تعالى: (أم يحسدون الناس على ما اتاهم الله من فضله، فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً، فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيراً).
فنجد هنا أن الله سبحانه وتعالى أخبرنا في هذه الآية إن هنالك أناساً حسدوا آل إبراهيم، وفي التاريخ كذلك نجد أنه هنالك من حسدوا آل محمد، فيوجد مشابهة بين آل إبراهيم وآل محمد من هذه الناحية, ونجد أن الله قد آتى آل إبراهيم كما في الآية الكتاب والحكمة, ونجد أن النبي قال: [تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وأهل بيتي] ونجد أنه قال الله: (وآتينا هم ملكاً عظيماً), فما دام أن الله قد آتاهم ملكاً عظيماً, فلا ينبغي لرجل يأتي وينكر أن لآل إبراهيم ملكاً عظيماً, ويقول لا تجتمع النبوة والملك في آل إبراهيم.
لكننا نأسف إنه جاء أناس وأنكروا وقالوا: لا تجتمع النبوة والوصية [الخلافة] في بيت واحد, وقالوا: لا يجتمع كذلك الملك والنبوة في بيت واحد في آل محمد, لكن الله سبحانه وتعالى رد على الذين أنكروا الملك أو النبوة في إبراهيم أو في آل إبراهيم فقال فمنهم من آمن به، الضمير يعود إلى إبراهيم وإلى آل إبراهيم, عندما ننظر إلى سياق الآية (فمنهم من آمن به, ومنهم من صد عنه), منهم من آمن بالملك العظيم أو النبوة لإبراهيم أو لآل إبراهيم ومنهم من صد عن الملك العظيم أو النبوة لإبراهيم أو لآل إبراهيم, ثم قال الله: (وكفى بجهنم سعيراً) أي أن من أنكر أن يكون لإبراهيم أو لآل إبراهيم الملك العظيم أو النبوة, فسوف يكون مصيره (وكفى بجهنم سعيراً), ونجد النبي الأكرم جعل الهداية بأهل البيت, وقال: [لن يفترقا حتى يردا علي الحوض] فمن لم يكن مع أهل البيت, فلن يهتدي إلى الحق، فهذا أوضحته, وأعتقد إنه مر من وقتي كثير وأريد أن أسمع شيئاً من سماحة الشيخ عثمان الخميس, ثم أنا سأجيب كل سؤال أجيبه, ولكن أنا أتألم كثيراً, لماذا أنا وظيفتي أن أجيب وأخي الشيخ عثمان لا يجيب عن أسئلتي, وقال في الجلسة الماضية: لن أجيب، هكذا قال لي في الجلسة الماضية, فأرجو من أخي الشيخ عثمان أن يكون منصفاً وأن لا يدع وقتي يمضي وهو وقته مر منه فقط خمس دقائق, بينما أنا الآن مر من وقتي سبعة عشر دقيقة، نريد أن تكون مناظرة وإلا أنا ألقي محاضرة يوم الثلاثاء, وأنت تلقي محاضرة يوم الأربعاء وانتهى, تفضل معك المايك.
سماحة الشيخ عثمان:
بسم الله الرحمن الرحيم, الشيخ الدكتور عصام يقول: أنا أتكلم وأنت لا تتكلم, أنت تتكلم كلام (فاضي) دكتور عصام أدخل في الموضوع تتكلم كلام (فاضي) تخرج أنت عن الموضوع, وتتكلم بأي حديث بأي شيء، ثم تقول: تكلمت كثيراً, إذا كنت أنت لا تعرف, لا تحسن تتكلم أنا ما هو ذنبي؟ أنا أريد أن نتكلم في الموضوع أنت, تكلمت كثيراً وما استفدنا شيئاً, ومن ضمن كلامك، عفواً دكتور عصام يعني هل قول الله تبارك وتعالى: (أم يحسدون الناس على ما اتاهم الله من فضله، وقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة، وآتيناهم ملكاً عظيماً) آتى الله آل إبراهيم ملكاً عظيماً ثم الله ـ جل وعلا ـ يقول: (فمنهم من آمن به ومنهم منه صد عنه) منهم من آمن به (الملك) دكتور عصام ومنهم, من صد عنه الملك.
دكتور عصام أنت تتلاعب بالقرآن, (وكفى بجهنم سعيراً) دكتور عصام لا تعبث بكتاب الله تبارك وتعالى هذا أمر.
الأمر الثاني: قلت: إنهم معروفون معدودون آل إبراهيم من هم آل إبراهيم المعروفون المعدودون؟ ما نعرفهم ولا نعرف عددهم بالتفصيل الذي ذكرته أنهم معروفون معدودون.
و قلنا لك: أين الدلالة من (آية المباهلة) على الإمامة والعصمة؟ إن كنت تستطيع خلال العشرين دقيقة التي تكلمتها أن تذكر ذلك, أن تتكلم عن الدلالة على الإمامة والعصمة من (آية المباهلة) أما الحديث الذي ذكرته فلا شأن له بموضوعنا, أنت أضعت وقتك دكتور عصام, تفضل دكتور عصام.
سماحة الدكتور السيد عصام:
بسم الله الرحمن الرحيم, أنا تحدثت أربع جلسات أو خمس جلسات عن (آية المباهلة), وما زال عندي كلام كثير في (آية المباهلة) في جلسات أخرى, لكن أنا لم أسمع من الشيخ عثمان شيئاً إلى الآن عن (آية المباهلة), إذن أريد أن أسمع شيئاً، تفضل شيخ عثمان الخميس.
سماحة الشيخ عثمان:
شيخ دكتور عصام أنت الذي تستدل من (آية المباهلة) على الإمامة والعصمة، استدل من (آية المباهلة) على الإمامة والعصمة، كيف أنا أتكلم عنها، استدل أنت، نحن نقول: إنها تدل على فضلهم, أنت تقول: تدل على الإمامة والعصمة أين وجه الدلالة على الإمامة والعصمة؟ تفضل دكتور عصام.
سماحة الدكتور السيد عصام:
أنا أقول: إن مجموع الأدلة الواردة في آل البيت تدل على الإمامة وتدل على العصمة المريمية [يعني: السيدة مريم معصومة وليست نبية], لا العصمة الوهابية الملازمة للنبوة، عصمة مريم، مريم كانت معصومة ولم تكن نبية, أنا أقول بالعصمة المريمية، العصمة التي في رأسك أنا أكفِّر من يقول بها, فلذلك أنا أقول: مجموع الأدلة القرآنية والحديثية الواردة في أهل البيت تدل على إمامتهم وعصمتهم, الآن أريد أن أسمع منك شيئاً, ما هي انتقاداتك على (آية المباهلة)؟ أنا تحدثت أربع جلسات في (آية المباهلة), تفضل معك المايك.
الشيخ عثمان:
دكتور عصام وهل سمعتني أنتقد آية من كتاب الله حتى تقول ما هي انتقاداتك على آية المباهلة؟ حاول أن تحسن الكلام دكتور عصام أين الدلالة على العصمة من (آية المباهلة)؟ الآن رجعت وقلت: الأدلة الواردة في آل البيت تدل على العصمة بمجموعها, إذن (آية المباهلة) لوحدها لا تدل على العصمة, ولا تدل على الإمامة هكذا فهمت أنا، هل فهمي صحيح؟
السيد عصام:
الشيخ عثمان أنت لا تريد أن تتكلم, لكن أنا أريد أن أقول لك: إن العصمة التي نقول بها, ليست لكل من هب ودب, ليست لخمسين مليوناً.
أولاً: يجب أن تسلم لي بأنّ أهل البيت معدودين ومحصورين, كما حصرهم النبي وكما بينهم النبي بأسمائهم, أما أن تطالبني بعصمة خمسين مليوناً, فأنا لا أقول ذلك, نحن نقول: ناس معينون, فإذا لم تسلم بالحصر فكيف تريدني أن أناقشك في العصمة, العصمة سنناقشها في الجلسات القادمة, الآن ليس وقتها، أنا أدري وأعرف كيف أعرض مذهبي بالطريقة التي أستطيع أن أوصل إليك مذهبي. أنت الآن تريد مني أن أقول بعصمة خمسين مليوناً وهذا لا يمكن.
سماحة الشيخ عثمان:
طيب شيخ دكتور عصام, هو يقول: لا تناقشني في دلالة العصمة نحن لا نناقش دلالة العصمة، نقول أثبت العصمة أولاً نحن لا نناقش في ثبوتها، هل العصمة ثابتة أو غير ثابتة هل (آية المباهلة) تدل على العصمة، هل (آية المباهلة) تدل على الإمامة، هذا سؤالي واضح جداً, فأما أن تقول: تدل، والدليل كيت وكيت وكيت, وإما أن تقول: لا تدل, ثم إذا كان كذلك فننتقل منها إلى دليل آخر يدل على العصمة والإمامة, وأظن أن الكلام واضح, تقول: إنك تريد عصمة خمسين مليوناً, أنا لا أقول بعصمة تسعة حتى أقول بعصمة خمسين مليوناً دكتور عصام, وأما قولك إنهم معدودون معروفون, أنا أريد المعدودين المعروفين من آل إبراهيم, تقول آل إبراهيم معدودون معروفون, نحن نريد آل إبراهيم المعدودين المعروفين، وحتى آل محمد المعدودين المعروفين، أريد ـ أيضاً ـ أسماءهم, هل نص عليهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، هل نص عليهم بأسمائهم؟ حتى تقول معروفون؟ تفضل شيخ دكتور عصام.
سماحة الدكتور السيد عصام:
بسم الله الرحمن الرحيم, يبدو أن أخي سماحة الشيخ عثمان يصر إصراراً شديداً, كما تحدث في الجلسة الماضية وقال لي: أنا أريد أن تتكلم يا شيخ عصام, وأنتم تذهبون, قال في الجلسة الماضية هكذا: تذهبوا تتعشون وارجعوا اسمعوني في آخر الوقت, وأنا لا أدري لماذا هذه الأساليب الملتوية؟ يعني دائماً كرر هذه الكلمة, إنه سيتكلم الشيخ عصام العماد في البداية وينتهي من وقته, ثم أنا أتكلم ويبقى لي الوقت في الأخير, وأنتم اذهبوا تعشوا وارجعوا, كما قال في الجلسة الماضية. فأنا لا أدري, هذه الأساليب ليست أساليب صحيحة, وأقول: لا مانع من ذلك, وسأتكلم بشيء مختصر, وكما وعدت أقول: إنه الشيخ عثمان الخميس للأسف الشديد في الجلسة الماضية تعامل مع (آية المباهلة) بشكل سلبي وبشكل سطحي, حيث قال: أنا باستطاعتي أن آتي بأهل بيتي وأدخلهم في الكساء, وأقول: اللهم هؤلاء أهلي، ماذا فيها، ثم ماذا، وأنا باستطاعتي أن أباهل بأبنائي ماذا في المباهلة؟ وقال: اذهب وائتي بالأخت أمينة المغربية والشيخ الكوراني, وتعال باهلني بهم, فأنا أريد أن أقول: إن هذا الكلام في منتهى التهافت؛ لأن هذا الكلام يعني إهمال كتاب الله وإهمال سنة نبيه, ونحن [يعني: الاثني عشرية] لن نهتم بيوم المباهلة ولن نهتم بأهل الكساء الذين أخرجهم النبي معه لأجل المباهلة, لن نهتم بأهل الكساء, ولن نهتم بالإمام علي ولا بفاطمة ولا بالحسن والحسين ولا ببقية الاثني عشر من أئمة أهل البيت لن نهتم بهم، لو لم يكن الله ورسوله قد اهتم بهم, والله لو لم يأمرنا الله ورسوله في (حديث الثقلين) بالتمسك بالقرآن والسنة وبالتمسك بأهل البيت لكنا تركناهم ولم نتبعهم, إن اهتمامنا بـ (آية المباهلة) هو اهتمام بالقرآن الكريم واهتمام بالسنة النبوية. إن الذين يقولون: لا تبحثوا ولا تحاوروا في (آية المباهلة), إنما ينهون عن الاهتمام بالكتاب والسنة وإن النهي عن الحوار في (آية المباهلة) أو (آية التطهير), والنظرة السطحية فيهما يدل دلالة كاملة على أن الإنسان ليس منصفاً في البحث, وأريد أن أبين أن الشيخ عثمان الخميس عندما تعامل مع (آية المباهلة) بهذه الصورة, ليس التعامل كان منه فحسب, بل للأسف الشديد الكثير من الذين مثل الشيخ عثمان الخميس يمرون بهذه الآية مرور الكرام, ولا يتعاملون مع الآية بشكل سليم, بل ينتظرون من الاثني عشرية أن يأتونا (بحديث المنزلة) ـ مثلاً ـ ثم يقولون لهم: هل (حديث المنزلة) هذا يدل على جميع ما تستدلون به من عقائدكم؟ وينسون أنه لو كان هنالك آية أو رواية تدل على جميع مقامات أهل البيت, لكان النبي اكتفى بـ (آية المباهلة) ولكان النبي اكتفى بـ (حديث المنزلة), ولكن أنا كما وعدت في البداية إني سأتحدث في جزء من وقتي عن (آية المباهلة), وجزء من وقتي ـ ووقتي قد شارف على الانتهاء ـ عن أثر الدولة الأموية في التعامل مع الآيات والروايات الواردة في أهل البيت.
لقد كانت الدولة الأموية ترفض حياة وبقاء أهل البيت, وتخشى عاقبة وجود أي فكرة أو رواية أو شخصية علمية تنسب إلى النبي وإلى أهل البيت, وأسست الدولة الأموية على أساس إبعاد أهل البيت في مجال الحكم والفكر والفقه والرواية, واستخدمت في محاربة أهل البيت وسائلاً لم يسبقها إليها سابق, ولم يلحقها نظير لها في تلك الوسائل إلى هذا القرن المعاصر, فمن تلك الوسائل في الإبادة, كما صنعت هذه الدولة من إبادة أهل البيت في كربلاء, وكما وضعت الروايات التي تطعن في أهل البيت, ومن خلال هذه الوسائل تم العزل لهم فعزلت أهل البيت, وجعلت الناس يأخذون من غيرهم كما ذكرت لكم في الجلسة الماضية, عندما قال الإمام الصنعاني: إن أهل السنة تركوا الصلاة على آل النبي خوفاً وتقية من بني أمية. فكان بنو أمية يطعنون في كل من اتصل بأهل البيت, ومن هذه الوسائل فن التشويه, فشوهت الدولة الأموية في شيعة أهل البيت, وما زالت الصورة مشوهة إلى زماننا, وكانت الدولة الأموية تثابر على محاولة عزل أهل السنة عن أهل البيت, ومن هنا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لم يأخذ أهل السنة عن أهل البيت.
وقال الإمام محمد أبو زهرة ـ إمام أهل السنة في العصر الحديث ـ: لقد كان لبني أمية دوراً في إبعاد الكثير من المسلمين عن أهل البيت؛ لأن الدولة الأموية تعلم أن أركان الملك لهم لن تبقى إلا إذا عزلت بين جماهير المسلمين وهم من أهل السنة, وبين أهل البيت, ولكن قد يقول قائل: ما هو أكبر الأدلة على أن الدولة الأموية هي التي فصلت أهل السنة عن أهل البيت؟ ولماذا تتهم بني أمية بهذه التهمة كما في الجلسةالماضية اتهمتهم؟ أقول: هذه دعوى ليست مني, بل قال بها الإمام الصنعاني وقال بها أبو الأعلى المودودي كذلك في كتابه [الخلافة والملك] وقال بها الكثير من أهل السنة سأذكر هم بعد قليل, وكل دعوى تحتاج إلى دليل, فما هو الدليل الذي تستدل به في اتهمامك لبني أمية, أنهم كانوا السبب في فصل أهل السنة عن أهل البيت, كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إننا لم نأخذ عن أهل البيت؟ ـ ويجب على الجميع معرفة الصراع بين دائرة الرجس وبين دائرة الطهر كما رسمه القرآن الكريم ـ من المعلوم عند العلماء أن الدعوى المنتظرة, ـ تأملوا في كلامي أرجوكم ـ والدعوى المتوقعة، والدعوى المترقبة, كما في القانون الدولي هي أقوى الدعاوي وهي برهان قوي يثبت صحة الكلام, والمقصود من هذا الكلام, أليس من المعقول والمتسالم به عند العقلاء أن البواعث النفسية أو البواعث المنطقية أو البواعث السياسية والاجتماعية أو البواعث العقلية كانت تستوجب وتقتضي بأن الذين أسسوا دولتهم على محاربة الإمام علي وعلى قتل الحسين وعلى قتل الحسن وإقامة مذبحة كبيرة لأهل البيت في كربلاء, ثم لعنت أهل البيت في المنابر, أليس من المنتظر والمتوقع منهم أن يفصلوا بين أهل السنة وبين أهل البيت؟ إن هذه البواعث تجعل الدعوى في أن بني أمية فصلونا عن أهل البيت, تجعل هذا الدعوى منتظرة ومترقبة ومتوقعة ومنطقية ويقينية الوقوع, ومن خالف هذه الدعوى فهو ينكر اليقينيات, هذه البواعث القوية لن تجعل بني أمية يُخفون مخططهم في فصل أهل السنة عن أهل البيت، ولن يجعلوا هذا المخطط يبقى سرياً, بل إن هذه البواعث القوية سوف تجعلهم لا يكتفون بالعمل السري في فصل أهل السنة عن أهل البيت, بل سوف ينتقلون إلى العمل العلني الصريح, ومن هنا اكتشف إمام أهل السنة الإمام الصنعاني أنهم كانوا السبب في أن أهل السنة في القديم كانوا لا يذكرون الصلاة على أهل البيت خوفاً وتقية من بني أمية, إذن هذه البواعث جعلتهم أمام الملأ, يفصلون أهل السنة عن أهل البيت, وهذه البواعث القوية لا يمكن أن تجعل بني أمية يتركون الجمهور ـ لاسيما أن الأكثرية المحكومة في الدولة الأموية من أهل السنة ـ وشأنهم في قبول روايات وفقه أهل البيت أو الإعراض عنها, لا يمكن يتركون أهل السنة وشأنهم؛ لأن الدعوة المنتظرة الموجودة في القانون الدولي تقول: مستحيل أن يحدث ذلك, بل هم يحتالون على أهل السنة؛ من أجل فصلهم عن أهل البيت, وكما ذكرت لكم في الجلسة الماضية من شرح العسقلاني, عندما قال الإمام العسقلاني في شرحه وقال الإمام الشوكاني في «نيل الأوطار»: إن أهل السنة كانوا يلحقون زياد بن أبيه إلى أبي سفيان خوفاً من بني أمية رغم أن هذه كبيرة من الكبائر. فإذا كان أهل السنة أجازوا أن يرتكبوا كبيرة من الكبائر خوفاً من بني أمية, أليس من المعقول أن تكون البواعث القوية تدفع الأمويين يجعلون أهل السنة يتركون أهل البيت, ومن هنا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لم يأخذ أهل السنة عن أهل البيت.
لقد كان بنو أمية بسبب هذه القاعدة (الدعوى المنتظرة) يكررون ويلحون بالتأكيد على الفصل بين أهل السنة وأهل البيت, ويسعون إلى ربطهم بشخصيات أخرى لتكون بديلاً مسوغاً, ومن هنا قال ابن تيمية كما في منهاج السنة: أخذوا عن جميع الناس ـ يعني خلاصة كلامه ـ ولكن تركوا أهل البيت.
إذن أنا أتيت كلامي وتكلمت عن (آية المباهلة) بما هو المطلوب, ثم تكلمت عن موضوعي وأخذ من وقتي الكثير, فأرجو من الشيخ عثمان الخميس أن يعرف نحن في مناظرة ولسنا هنا في محكمة، يجب أن تجيب أنت, لم تجب عن أسئلتي, وأنا كذلك أقول: قد أجبت عن أسئلتك, وقد تحدثت عن (آية المباهلة) أكثر من أربع جلسات, وأنت كنت تتحدث عن التحريف لكتاب الله في الجلسات الماضية, ثم جئت الآن ولم تتحدث بشيء عن (آية المباهلة), أرجوك اسمعني شيئاً عن (آية المباهلة) ولا تكرر فقط الأسئلة, لا تحول المناظرة إلى مجرد أسئلة فقط, تكلم بشيء وإن كنت لم تحضر وتريد فقط أن تأتي هنا للأسئلة فحضِّر في الجلسة القادمة, وآتي ليس مانع عندي, تفضل معك المايك.
سماحة الشيخ عثمان:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً, الحمد لله حتى يرضى، والحمد لله إذا رضي، والحمد لله بعد الرضا, والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للورى نبينا محمد, وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى, سأترك الدكتور عصام برهة من الوقت, وأتفرغ لمن يستحق أن أوجه له الكلام, سأوجه كلامي إلى الحاضرين، سأوجه كلامي إلى من سيسمعه من المسلمين, أقول وبالله أستعين كما سمعتم الشيخ الدكتور عصام لم يستطع أن يستدل من (آية المباهلة) ولا (آية التطهير) ولا (حديث الكساء) على مدعاه في العصمة والإمامة, وما كان بوسعه إلا أن يضيع وقتنا ووقتكم بالقانون الدولي وبنابليون بونابرت وبقصة حياته, وغير ذلك من الأمور التي لا يمكن أبداً أن تكون في نقاش علمي, فأقول يا دكتور عصام لا تحزن لست حريصاً على الكلام, لكنني حريص على الوقت, طلبت منك أكثر من مرة أن تستدل من (آية المباهلة) أو من (حديث الكساء) على العصمة والإمامة ولكنك تأبي لأنك تعجز, ولم يبق عندك إلا أن تخرج من هذا الموضوع إلى مواضيع أخرى، وأنا أعذرك تماماً؛ لأن الأدلة لا تسعفك؛ لأن ما بني على باطل فهو باطل, ولذلك سأسمح لك أن تتكلم في النهاية, فلست حريصاً على أن أختم الموضوع, فأقول وبالله أستعين, يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين, وأنزل معهم الكتاب بالحق؛ ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه) قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ: كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين, ويصدق هذا قوله جل وعلا: (وما كان الناس إلا أمةً واحدة فاختلفوا), والله جل وعلا لا يريد لنا أن نختلف بل أمرنا بالاتفاق، فقال: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا). وقد بين لنا جل وعلا السبيل الذي نتحاكم إليه عند الاختلاف, فقال جل وعلا: (يا أيها الذين آمنوا اطيعوا الله, واطيعوا الرسول, وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول, إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر, ذلك خير وأحسن تأويلاً). والغريب أن الشيخ الدكتور عصام, وهو من علماء الشيعة المعروفين عندهم يعجز كغيره عن أن يستدل على مطلبه, إذا كان من يناقشه يوقفه عند كل كلمة وكذبة يضيفها فإنه لا يستطيع أبداً أن يقول كل ما عنده؛ لأنه يفتضح بقليل مما عنده, فكيف إذا قال كل ما عنده, والغريب ـ أيضاً ـ إنه قال في مرة سابقة أنه يناظر لهدف سام, ويبتعد عن الدفاع عن الذات, بينما نراه يتهرب عن الإجابات ويكذب ويخرج عن الموضوع كثيراً, فنقول:
ومهما تكن في امرء من خليقة |
وإن خالها تخفى على الناس تعلم |
وقد وعد الشيخ الدكتور عصام بأنه سيجيب على جميع أسئلتي فنسمعه الآن: [صوت السيد عصام من شريط فتحه الشيخ عثمان], (وسوف أجيب على كل مسألة ونقطة نقطة أرد عليها, ولكن أرجو من الشيخ عثمان، أنا سوف أرد ليس في هذه الجلسة آتي إلى كل نقطة وارد عليها نقطة نقطة, حتى تكون الأمور واضحة). [الشيخ عثمان يسأل الحاضرين], هل كان صوته واضحاً؟ نعم فكما ترون أنه وعد وهذا كان في الجلسة العاشرة ونحن الآن في الجلسة الخامسة عشر وإلى الآن لم يجب على هذه النقاط التي وعد أن يرد عليها نقطة نقطة, فأنا أخاطب أفراد الشيعة الاثني عشرية فأقول لهم, تفكروا في هذا الأمر جيداً وهو إذا كان علمائكم وكبرائكم يكذبون فبمن تثقون، ثم لماذا يكذب الإنسان إذا كان على حق، أليس الكذب يهدى إلى الفجور.
والصدق يألفه الكريم المرتجى |
والكذب يألفه اللئيم الأخيب |
ولقد جمعت كثيراً من كذبات عصام العماد, وكثيراً من تهرباته وسأذكرها الآن, كذب عليّ في قوله, قال: عثمان كنت أظنك تقول: إن ابن عباس ليس من أهل البيت. ولم أقل شيئاً من ذلك, ولكنه كذب علي فيها. قال عن «منهاج السنة النبوية» لشيخ الإسلام ابن تيمية: طبع أكثر من مرة, وكذب على شيخ الإسلام ابن تيمية في النقل, وقال بحروفه وذكر جزءً وصفحة كذباً وزوراً, وأسمعناه بصوته, وهذا أقوله لمن كان يتابع المناظرات كلها, أسمعناه بصوته كذبه وانحرافه عن الحق. وقال كذلك: إن الشيخ شلتوت والشيخ البشري ـ رحمهما الله ـ إنهما قالا: كنا نكفر الاثني عشرية, ثم تبيّن لنا الحق وسألته أكثر من مرة أن يذكر لنا هذا الكلام, أين يوجد؟ فلم يحر جواباً. وكذلك قال عني: إن عثمان يكفر الاثني عشرية وطلبت منه أن يذكر ذلك أين أو يسمعنا صوتي فعجز عن ذلك؛ لأنه كذب فيه ولم يصدق. وقال عن حديث أم سلمة في الكساء: إنه في مسلم ثم أنكر لما قلت له ليس في مسلم أنكر, قال: أنا ما قلت في مسلم, فأسمعناه بصوته بأنه قال في مسلم, وسكت ولم يرد, ولم يعتذر عن كذبه, ثم قال: إن الإمام مسلم ذكر أن «حديث الاثني عشر» كان في غدير خم ولمّا طلبنا منه ذلك, كذلك لم يحر جواباً, وقال: إن (حديث الكساء) حديث أم سلمة الطحاوي قال: إنه صحيح ولما طلبنا منه قول الطحاوي أين؟ قال أنا ما قلت صححه الطحاوي, فأسمعناه بصوته أنه قال صححه الطحاوي.
ثم كذلك نقل عن ابن الجوزى أنه قال: إن أم سلمة وعائشة ما كانتا تريان أنهما من أهل البيت, قلنا له: أين قال هذا ابن الجوزي؟ فلم يحر جواباً. وقال إن الإرادة في (آية التطهير) تختلف عن غيرها في القرآن, وكذلك لما طلبنا منه إثبات ذلك أنكر وتراجع وقال: أنا ما قلت ذلك وإنما قلت التطهير يختلف, وكذلك قال: إن شروح صحيح الإمام مسلم الخمسين كلها تقول بقولي, فطلبنا منه أن يذكر لنا هذه الشروح وكيف اطلع عليها, وهل توجد في السوق, فسكت ولم يحر جواباً؛ لأنه كذب على الإمام مسلم وكذب في دعواه أن هذه الشروح تقول مثل هذا الكلام, وقال كذلك: إن الطحاوي يرى أن أهل البيت هم الـ (خمسة) فقط, ولما طلبنا منه نقل ذلك عن الإمام الطحاوي عجز عن ذلك؛ لأنه كذب عليه. وقال عن زيد بن أرقم لما قال في قوله ـ صلى الله عليه وآله ـ: [أذكركم الله في أهل بيتي, فقيل له: ومن هم أهل بيته؟ قال: آل عباس وآل علي وآل جعفر وآل عقيل] قال الدكتور عصام كذباً وزوراً إن زيد بن أرقم لم يسأل عن أهل البيت, وإنما سئل عمن حرمت عليه الصدقة, فطلبت منه أن يذكره وينقله ويقرأه علينا من صحيح مسلم, فعجز عن ذلك؛ لأنه كذب على مسلم وكذب على زيد بن أرقم, وكان قد قال: إن الإمام مسلم قال: استدرك زيد, فطلبنا منه أين قال الإمام مسلم هذا الكلام, فكذلك لم نسمع جواباً. وقال عن محمد علي البار: إنه عالم وهابي وقال مرة العلامة الوهابي, فطلبنا منه من قال إن هذا من علماء الوهابية, كما يسمينا فوالله الذي لا إله إلا هو نفخر بذلك ونعتز إذ ننتسب إلى هذا الرجل ـ رحمه الله تعالى ـ.
قال أيضاً إنه [يعني: الشيخ الدكتور عصام] كان يكفّر الاثني عشرية ويلعنهم قبل ترفضه, ثم ادعى لما ألزمناه بهذا القول, قال: أنا ما قلت إني أكفرهم ما كفّرتهم أبداً أنتم تكذبون عليَّ, فأسمعناه بصوته, إنه كان يكفرهم ويلعنهم, وقال: إن زوجتي ما زالت تكفرهم حتى بعد ترفضه, ولا أدري كيف كان يعيش معها في ذلك الوقت إذ أنها تكفره وتعيش معه وهذه طامة كبرى.
وكذلك ادعى وهذه تمام العشرين ادعى كذباً وزوراً أنه سألني أربعين سؤالاً ولم أجب عنها, وذلك في الجلسة الثالثة عشر, فطلبت منه أن يذكرها وأنا على استعداد تام أن أجيب على جميع هذه الأسئلة, فلم يذكر إلا ثلاثة أسئلة كنت قد أجبت عليها, ثم أجبته عن الأربعين سؤالاً, والآن يسمعنا بأنني لا أجيب عن أسئلته, حتى إني طلبت منكم أن تردوا عليه؛ لأنه يلعن علمائكم الكبار، ويقول: لا تأتيني بكلام الغلاة ـ لعنهم الله ـ هكذا قالها بهذا اللفظ, فلن تسلم والله الذي لا آله إلا هو من أذى الشيعة, سيقطّعونك إرباً إرباً، سيدفنوك في قم قبل أن تخرج منها عندما تلعن علماءهم، وقد فعلت وليتهم يفعلون، لقد لعنت القائلين بالتحريف من حيث لا تدري, إذ أننا دفعناك إليها دفعاً, وألزمناك بها إلزاماً حتى لعنت من يقول بالتحريف.
وهذه ملاحظات عامة أقولها: إن سوء أدب الشيخ الدكتور عصام مع الله ـ جل وعلا ـ حيث يخاطب الله ـ جل وعلا ـ بصيغة الأنثى بدعوى إنه يخاطب الذات الإلهية, ولم يعتذر عن مثل هذا الكلام القبيح, وزعم أن الأدباء يقولون هذا، وما شأنك والأدباء.
وكذلك أقول إلى الآن وعلى مدار خمسة عشر جلسة في موضوع الإمامة, لم يذكر الشيخ الدكتور عصام أي دليل على الإمامة أو العصمة وإنما يذكر فضائلهم ـ رضي الله عنهم ـ مما يدل على أنه لا بضاعة عندهم, وإنما هي دعاوي فارغة من أناس فارغين, وآخر ما قال الشيخ الدكتور عصام: من خلال المجموع نصل إلى إمامة أهل البيت.
وإني لا أرى الصدق حتى مع الرافضة الذين يُعينون الدكتور عصام، كذلك الذي ظهر [يقصد الشيخ مرتضى الطائي ـ طالب حق] يتكلم ببكاء وحسرة لما سأله سائل, قال: كيف يذكر الله البعوضة ولا يذكر علياً؟! فقال لي: يا شيخ عثمان وتكلم بكلام ما أستطيع أن أقلده؛ لأنني لا أتنزل إلى أن اتكلم بهذه الطريقة المائعة, قال: هل تقبل أن يقولوا عن علي هذا الكلام ما كنت أظن أن أحداً يبغض علياً, حتى سمعت مثل هذا الكلام, يذكرون البعوضة مع علي, من الذي يحب علياً نحن أم أنتم؟!
وأنا الآن أريد أن أنبه على قضية مهمة حتى أترك للدكتور الشيخ عصام آخر الوقت يتكلم كيف شاء, أقول ـ أيضاً ـ: إن هذا الطبع وهذه التصرفات من الشيخ الدكتور عصام في كذبه وانحرافه عن الحق ليس جديداً, بل هذا ديدن القوم وهذا مذهبهم، وهذه أخلاقهم التي عرفناها, والشيعة ليس عندهم علم حديث, ولا رجال وإنما هم يعتمدون في ذلك على أهل السنة والجماعة, وهم أهل الرجال وهم أهل الحديث، وهم نقلة السنة, كما أنهم نقلة القرآن الكريم, أما رجال الشيعة وكتبهم, عندما يقول صحيح وضعيف كلام (فاضي) كلام لا يستند إلى دليل, فأعظم كتاب في التراجم عندهم كتاب الكشي, وهو أقدمها وأحسنها, وقد توفي الكشي في القرن الرابع الهجري, وليس في كتابه ما يغني سوى كلام في الجرح والتعديل وكل تراجمه تبلغ خمسمائة وعشرين فقط، ثم يأتي بعده كتاب النجاشي وهو مختصر جداً وإنما فيه ذكر المؤلفات وقليل جداً فيه من الجرح والتعديل, ثم «الفهرست» للطوسي وهو عبارة كذلك عن ذكر المصنفين, وشيء كثير أريد ذكره, ولولا ضيق الوقت لبينت أكثر من هذا, ولكن حتى يعلم الجميع أنهم غير صادقين, وأنهم يكذبون وخير مثال على ما أقوله هو ما يقع في هذه الليالي من الشيخ الدكتور عصام, كيف يكذب وكيف يلف يدور ويدور, ولا يقدِّر النقاش حقه, ولا يناقش كما يناقش الناس, ولذلك للدكتور الشيخ عصام أن يتكلم بما شاء الآن, وأنا وعدته بأن أترك له آخر الكلام, ولكن أقول له: اتق الله سبحانه وتعالى, اتق الله سبحانه وتعالى، فإنك بكلامك هذا تضلل الكثيرين، فاتق الله ولا تقل إلا حقاً, فإن الإنسان إذا رجع إلى الحق تاب الله عليه, وإن استمر على الباطل, وهو يعلم ذلك حق اليقين, فإنه بينه وبين الله سبحانه وتعالى حساب عظيم, حاول أن تتخلص واهرب من قم بطريقة أو بأخرى, واعلن الحق الذي تعرفه, إن كنت الآن لا تستطيع أن تتكلم. أقولها صادقاً, فأقول لك: اتق الله سبحانه وتعالى, ثم كذلك أقول للشيخ الدكتور عصام اثنتان وعشرون مسألة لم تجب عليها.
وأنا من هنا أعلن أن النقاش معك قد توقف؛ لأنك غير صادق وأنا عندما قبلت النقاش معك, وقبلت مناظرتك ما كنت أعرفك وقد اشترطت بأن يكون إنساناً صادقاً, فوعدوني بذلك الأمر وتبين لي خلاف ذلك, فقل ما شئت ولكن اعتبر أن المناظرة بيني وبينك قد انتهت؛ لأنني لا أستطيع أبداً أن أتحمل منك مثل هذه الترهات ومثل هذا الهروب ومثل هذا البعد عن الحق, فأجب الآن عن هذه الأسئلة وإلاّ أعلن أنت بعد أن تتكلم في الوقت الذي لك أعلن ـ أيضاً ـ خروجك عن هذه المناظرة.
وأسأل الله تبارك وتعالى أن يهدينا وإياكم والجميع إلى الحق وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
وأنا جالس لأسمع كلامك كله, ثم بعد ذلك جالس كذلك لأسمع الأسئلة وآسف جداً على هذه الدقائق التي أخذتها زيادةً, ولكن كان الأمر حسب ظني يستحق ذلك وأستميحكم عذراً جميعاً, والله أعلى وأعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
سماحة الدكتور السيد عصام:
بسم الله الرحم الرحيم, كنت أتمنى من أخي سماحة الشيخ عثمان الخميس أن يقولها من البداية، أنا أريد أن أضع مبرراً لأترك المناظرة, من البداية, بدلاً أن تأتي بهذا التفصيل كان عليك أن تقول من البداية أنا لا أريد أن أستمر, وأنا كنت قد أخبرت من البداية أن الشيخ عثمان يريد أن يصنع مبررات لكي يترك المناظرة, والله إنني كنت سمعت ذلك الكلام, وكنت قد توقعت منه هذه الاتهامات؛ لأن الذي يريد أن يترك المناظرة لا بدّ أن يقنع الحاضرين بأنني إنما تركت المناظرة؛ لأجل هذه الأمور, وأنا قد أجبت عن هذه الاتهامات في الجلسات الماضية, كلها أجبت عنها إلا القليل القليل, أجبت عن الاتهامات، فصّلت عن كل شيء فصّلت عن هذه المسائل, وأذكر كمثال فقط، مثال ما ذكره أنني قلت يوجد خمسون شرحاً من شروح مسلم, أنا أتحدى أخي سماحة الشيخ عثمان الخميس يفتح الآن شرح المفهم ومقدمات شروح مسلم في الطبعات الحديثة, سيجد أن كل المحققين يذكرون أن شروح مسلم أكثر من خمسين شرحاً, انظروا كمثال، يعني يقول: أنا كذبت في هذه المسألة, هل كل الذين كتبوا مقدمات شروح مسلم من الكاذبين؟ أنا أتحدى أخي سماحة الشيخ عثمان الخميس يفتح الآن شرح المفهم ومقدمات شروح مسلم في الطبعات الحديثة, سيجد أن كل المحققين يذكرون أن شروح مسلم أكثر من خميس شرحاً, انظروا كمثال، يعني يقول: أنا كذبت في هذه المسألة, هل كل الذين كتبوا مقدمات شروح مسلم, عندما قالوا قد فاقت شروحه أكثر من خمسين, هل هؤلاء كلهم من الكذابين؟! ما هذا التكذيب للآخرين عندك؟! إذا كنت تريد أن تهرب من المناظرة فاهرب من دون أن تجرح الآخرين، اترك المناظرة وقل أنا عجزت أن أناظر من دون أن تتهم الآخرين, كل هذه الاتهامات من أجل أن تقول هذه آخر مناظرة؟! ألم نتفق، وألم تقل لي آتي بأعلى ما عندك، اصعد بما تريد، آتي بأقوى الأدلة التي عندك؟! فأنا ما زلت الآن في رأس الهرم، وهذا الكلام الذي أتيت به يدل على جهلك, ويدل على إنك لا تعرف شيئاً عن الاثني عشرية.
يا أخي أولاً مما يدل على جهلك إنك ذكرت أن أول كتاب عندهم في تراجم الرجال هو «رجال الكشي», وهذا جهل مركب, إنك لو رجعت إلى أبسط كتاب من الكتب الرجالية لعرفت أن الكشي ليس أول كتاب ألف في علم الرجال عند الاثني عشرية, أين رجال البرقي يا أخي؟ تدعي أنك تعرف الاثني عشرية، أين رجال البرقي؟! ارجع إلى كتاب «مصفى المقال في مؤلفي علم الرجال» للعالم آقا بزرك الطهراني واعرف كم كتب الاثنا عشريون من الكتب الرجالية قبل رجال الكشي, تقول: أول كتاب رجال الكشي, والله إن خطأ هذه المعلومة من البديهيات؟! فبالله عليك يا أخي, اقرأ الإمامية قراءة كاملة, والله إنك جاهل في الاثني عشرية مما يدل على جهلك إنك قلت في كتابك «كشف الجاني»: إن الرواية عند الاثني عشرية تقول: ولدت في زمن الملك العادل، تقول إن هذه الرواية عند الاثني عشرية, وفي الحقيقة أن هذا الكلام يدل على جهلك, وأيضاً تقول: إن علي بن أبي طالب قال عن كسرى ملك الفرس، إن الله خلصه من عذاب النار, والنار محرمة عليه! أولاً: يا شيخ عثمان حتى تعلم إنك جاهل في الاثني عشرية، هذه الرواية هي كالروايات التي يستشهد بها المستشرقون, ويطعنون فيها على أهل السنة, فهم يذكرون هذه الرواية ويستدلون بها على أهل السنة أن النبي قال: ولدت في زمن ملك عادل ـ يعني ـ كسرى, هذه الرواية شنع بها المستشرقون على أهل السنة, ولكننا عندما رجعنا إلى كتب أهل السنة وجدنا أن هذه الرواية موضوعة، فكذلك هذه الرواية الثانية: «إن الله خلص كسرى من عذاب النار» التي استدليت بها موضوعة ـ أيضاً ـ عندنا.
ثانياً: إن علماء الحديث صرحوا أن هذا الحديث في كتب الاثني عشرية من الأحاديث الموضوعة المدسوسة في كتب الاثني عشرية, فكيف تدعي أنك تعرف الاثني عشرية وأنت تستدل عليهم وتهاجمهم بسبب حديث موضوع, أجمعوا على أنه من الأحاديث الموضوعة, فأرجوك يا شيخ عثمان إنك إذا كنت لا تجيد علم الحديث عند الاثني عشرته ولا تعرف الاثني عشرية, أرجوك أن لا تتحدث عنهم.
أذكر إنك قلت مرة أن العلامة الحلي هو أول من قسّم الأحاديث عند الاثني عشرية, إلى صحيحة وضعيفة, واستدليت على كلمة من كتب الاثني عشرية, وهذا جهل؛ لأن الاثني عشرية عندما قالوا إن أول من قسّم الحديث هو العلامة الحلي ليس معنى ذلك أن قدماء الاثني عشرية لم يكونوا يميزوا بين الحديث الصحيح والحديث الضعيف, إنما هو (يعني: الحلي) أدخل كلمة الموثق, أدخل كلمة الحديث الموثق, كما أنه أهل السنة يقولون أن الترمذي جاء بأقسام جديدة في التقسيم الموجود عند المحدثين من أهل السنة, وهو عندما جاء بهذا التقسيم سواء كان الترمذي أو الحلي, إنما جاء عن طريق استقراء كيفية تعامل قدماء الاثني عشرية مع الحديث, فوضع مصطلحاً جديداً مع أنه وجد معنى المصطلح قبل وجود لفظ المصطلح, لا إنه جاء العلامة الحلي في القرن السادس ووضع علم الحديث ووضع تقسيمات من عنده من دون دليل, ولذلك أنا أقول لك: أنت تحتاج إلى قراءة جديدة, والله إنك جاهل في الاثني عشرية، فوالله إنك لا تعرف شيئاً عن الاثني عشرية، فوالله إنك لا تميز بين الكذب وغير الكذب.
كل هذه الكلمات التي تأتي بها أنت منذ أن دخلت في هذه المناظرة قلت: إن الشيعة من أول يوم كذابين، قلت الإمام عبد الحسين شرف الدين كذاب، قلت إن التيجاني كذاب, قلت إن وعد كذاب, قلت إن الكل من الاثني عشريين كذاب, قلت كل من ناظرني كذاب، كل من جلس معي من الاثني عشرية كذاب, وفي مناظرتك مع الشيعة الذين ناظرتهم كنت عندما تريد أن تنهي المناظرة مع كل من ناظرته تتهمهم بالكذب, فأنا لن أترك المناظرة, وإذا أردت أن تترك فاترك أنت وأنا مستعد أن أجيبك على كل مغالطة، هذه مجرد التواءات تريد أن تلتوي بها, أنت صرحت في غرفة السرداب بعد المناظرة الماضية, إنني سوف أترك المناظرة مع الشيخ الدكتور عصام, وستسمعون ما يسركم، هذه عبارتك قلتها في غرفة السرداب, وعبارتك كذلك في غرفة الأنصار حيث قلت: إن هذا الرجل قد فلق كبدي الشيخ الدكتور عصام العماد, فأنا أرى أنك قد عجزت عن المناظرة, وعجزت عن مواجهة الحق, فلذلك تريد أن تتهمني بالكذب وتنسحب, وما أسهل الاتهام بالكذب, فأرجوك انسحب بطريقة مؤدبة بعيدة عن لغة الاتهامات, أما مسألة الكذب فقد عرف الجميع أنك تتهم كل الناس بالكذب حتى السائلين، وأنت قلت كل من ناظرتهم كانوا كذابين, وكل من جلست معهم وحاورتهم من الاثني عشرية كانوا كذابين، طعنت في محمد علي البار وطعنت في الإمام الصنعاني طعنت في الإمام محمد أبي زهرة, فلذلك ليس من العجيب أن تطعن في الشيخ عصام العماد, فلذلك أنا أرجوك قل لي إذا كنت تريد أن تنسحب، انسحب من دون اتهامي بالكذب.
فلذلك أنا أريد أن أقول لك إنك لا تعرف الحقيقة وأنا سأواصل ما وعدت به وأتحدث وأستمر في المناظرة عن بني أمية, ودورهم في فصل أهل السنة عن الأئمة الاثني عشر, كما قلت لكم إن البواعث التي تجعل بني أمية يفصلون أهل السنة عن أهل البيت, كثيرة ومتعددة ومتجددة ولو بطريقة خفية؛ لأن القانون الدولي وهو قانون ما يسمى بالدعوى المنتظرة اليقينية المترقبة تستوجب أن بني أمية يفصلون أهل السنة عن الأئمة الاثني عشر (يعني: عن أهل البيت), ولم انتقل ـ بحمد الله ـ من الوهابية إلى مذهب أهل البيت إلا بعد أن خلعت القداسة لأي شيء إلا لله ولرسوله, وفي هذا يقول الإمام ابن قيم الجوزية ـ رحمه الله ـ في كتابة [الروح] صفحة (422), قال: [تجريد المتابعة [يعني للنبي] لأن لا تقدِّم على ما جاء به قول لأحد, ولا رأيه كائناً من كان, بل تنظر في صحة الحديث أولاً, فإذا صح لك نظرت في معناه ثانياً, فإذا تبين لك لم تعدل عنه ولو خالفك من بين المشرق والمغرب». فمن هنا نقول لكم إن الدعوة المنتظرة قوية قوية قوية ومقنعة ومقنعة ومقنعة, وأنا أقول: إن اتهامي لبني أمية أنهم فصلوا أهل السنة عن أهل البيت دعوى منتظرة, وكانت البواعث إليها متعددة, وقد ذكرت لكم في الجلسة الماضية أدلة من الكتاب والسنة عند أهل السنة في إثبات هذه الدعوى، ونقلت لكم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وكلام إمامي أهل السنة الصنعاني والشوكاني وكلام ابن حجر العسقلاني, وهنالك مئات الأقوال من أهل السنة, التي تثبت صدق هذه الدعوى التي أدعيها, وأرجو من الشيخ عثمان الخميس بدلاً من الهروب من المناظرة أن يجيب على هذه الكلمات, ولكنني هنا حاولت أن أذكر الدليل العقلي والمنطقي, وأبين أن البواعث المتعددة تثبت صدق قول شيخ الإسلام ابن تيمية, والله ما كذب يا إخواني ابن تيمية, والله لقد قالها كلمة حق عندما قال: [لم يأخذ أهل السنة عن أهل البيت], وسوف أشرح معنى الدعوى المنتظرة حتى تتضح للشيخ عثمان الخميس ولكل الإخوان الحاضرين, جعلهم الله من أتباع الحق, لقد حارب الأمويون الإمام علي ـ كرم الله وجهه ـ ولو لا محاربة الإمام علي ومحاربة أهل البيت ـ جميعاً ـ لما وصلوا إلى الملك وإلى السلطة, وكانوا يعادون ويقتلون أهل البيت من أجل طلب الملك, من هنا فقد اعترف الأمويون أنهم ألد الأعداء لأهل البيت, واعترفوا أنهم الخصوم الواقعيين لأهل البيت, ومن هنا كانوا يرون أن الخصم الواقعي لمملكتهم هم أهل البيت, ومن هنا عندما وصلوا إلى الملك يكون أمراً طبيعياً لأي دولة أو مملكة لأي منظمة في العالم أن يسعوا إلى إبعاد الجماهير ـ والجماهير أكثرها من أهل السنة ـ عن خصومهم من أهل البيت أو من غيرهم، وهذا أمر طبيعي, لماذا لا تجيب عن هذه الأسئلة؟ ولماذا تسخر من هذا الكلام مع إنه كلام علمي؟ لأنك لا تجد الجواب, فلذلك خرجت من الموضوع؛ لأنك لا تجد أجوبة على كلامي, فلذلك ابتعدت عن المناظرة, بينما أنت قلت في الجلسة الماضية: أنا سوف آتي وأتحدث عن (آية المباهلة) والآن لم تتحدث عن (آية المباهلة), خرجت خروجاً نهائياً, ثم كررت كلامك, هذا الكلام الذي أسمعتنا الليلة كررته أكثر من عشرين مرة, وأجبتك أكثر من عشرين مرة, وما أدري لا يوجد عندك كلام غير هذا؟ كل هذا الكلام مكرر, والله لقد مل الحاضرون منه تكرر.. تكرر.. تكرر.. أسئلة مكررة، روايات مكررة، كلمات مكررة، كذبات مكررة, اتهامات مكررة, خصصت لك جلسات لإجابة هذه الأشياء، أكثر من مرة أجبتك عنها, وبيّنت لك الحق وبيّنت بأنك أخطأت، بينت إنك جاهل وإنك تتهم الآخرين بالكذب, ولا تميز بين الكذب وغير الكذب, وإن الكذب عندك أصبح موسَّع المدلول, حتى المعصوم على حسب مقياسك للكذب سيكون كذاباً؛ لأنك ما أدري ما هو مفهوم الكذب عندك؟ ولذلك أنا أقول إنه يجب أن أستمر في الموضوع, أنا وعدت أن أتحدث عن بني أمية وعن (آية المباهلة), وفي الجلسة القادمة سوف أتحدث عن غيبة الإمام الثاني عشر؛ لأنني رأيتك تسخر من الغيبة, وأتمنى أن تكون من الحاضرين المستمعين, لا أن تكون مناظراً, وأريد أن لا أخرج من الموضوع المرتبط ببني أمية؛ لأنني تحدثت عنه بشكل مفصل في فصل بعنوان «ارفعوا قناع معاوية عن محمد» من ضمن كتابي «رحلتي من الوهابية إلى الاثني عشرية», لقد كانوا يرون أن دولتهم لن تمتد إلى المشرق والمغرب إلا إذا حاربوا أهل هذا البيت, وهذا أمر طبيعي مملكة تريد أن تبقى، امبراطورية تريد أن تعيش فلا بدّ أن تحارب أولئك الخصوم, فارتكبوا بحق أهل البيت المذابح ولا ننسى أن الأمويين لو تركوا الجمهور يتبعون أهل البيت لضاعت الدولة الأموية, بمعنى أن اتباع جمهور أهل السنة لأهل البيت يعني نهاية الدولة الأموية, ومن هنا عندما فصلوا بين أهل السنة وبين أهل البيت, إنما صنعوا ذلك من أجل بقاء وجودهم ومملكتهم, تماماً كما صنع آل فرعون عندما فصلوا بين أهل مصر وبين بني إسرائيل؛ لأنهم يعرفون أنهم لو تركوا أهل مصر يتبعون بني إسرائيل لضاعت مملكة فرعون فكلها ممالك وهذه قوانين وسنن كونية أو شبيهة بها, فهل هذا الكلام سخيف كما تقول؟! هل هذا هو خروج عن الموضوع؟! من الذي خرج عن الموضوع؟ أنا وعدت في الجلسة الماضية سأتحدث عن بنيأمية وعن (آية المباهلة) وأنت قلت سأتحدث عن (آية المباهلة), ثم لم تف بما وعدت وخرجت عن الموضوع, ومن هنا أقول: كانت الدولة الأموية ترى أنها لا يمكن أن تعيش وتبقى إلا إذا خطَّأت كل شيء صدر عن أهل البيت, فالقول بأن الحق مع مذهب أهل البيت معناه القول ببطلان تلك الدولة, وإذا كان عند بعض الفرق الشيعية نوع من الغلو, لكن الحكام أخفوا غلو بعض المنتسبين لأهل السنة، وأبرزوا غلو بعض المنتسبين للشيعة, كما هو شأن كل الحكام مع من يخالفهم ويعارضهم أو مع من يساندهم, فلقد وجد عند بعض الفرق السنية نوع من الغلو, وهل إذا رأيت بعض السنة غالوا هل تقول يا شيخ عثمان بأن مذهب أهل السنة باطل؟! وهل إذا رأينا بعض الشيعة غالوا نقول: مذهب أهل البيت باطل؟ مالك كيف تحكم؟ تأمل يا شيخ عثمان إن الدولة الأموية حاولت أن تشوه في صورة مذهب أهل البيت, فلذلك جعلت ما عند الغلاة من الغلاة الذين ينتسبون للشيعة ظلماً وزوراً جعلتهم تحت المجهر؛ لأنهم يزعمون أنهم تبع المذهب الموالي لأهل البيت، ولكن الذين غالوا وانتسبوا إلى السنة أخفتهم عن الأعين، لماذا؟ لأن هؤلاء كانوا مع الدولة وإن كان قد وجد من أهل السنة من عارضوا [يعني: عارضوا الدولة الأموية] لكنهم كانوا معدودين بالأصابع, أما أكثرهم فكانوا مع الدولة, بل كانوا يحرمون القيام على بني أمية ويعتبرون الخروج على بني أمية خروجاً عن الإسلام, ويعتبرون أن كل من رفع السيف على بني أمية, فهو كافر خارج عن الإسلام, فكيف يا شيخ عثمان تُبرئ هؤلاء الذين كفَّروا من خرج على بني أمية ولكن تسامحوا مع من استباح دم أهل البيت؟! وهذا موقف طبيعي من الدولة الأموية, فلو قلنا ـ كحكام أمويين ـ أن الحق مع أهل البيت لضاعت الدولة الأموية, وهكذا لو قلنا بصحة عقيدة الشيعة الموالين لأهل البيت, وإنهم على عقيدة سليمة لضاعت الامبراطورية الأموية، ولو قلنا بتقديم مذهب أهل البيت على مذاهب أهل السنة, معناه إلقاء الذم على الدولة الأموية.
فليس الأخذ بمذهب أهل البيت أو عدم الأخذ به, إذن بالأمر الهين على الدولة الأموية لاسيما إننا نعرف إنه من خلال معايشتنا المعاصرة, كيف ينسى الحياء وتباع المبادئ وتباع القوانين الإسلامية ـ أحياناً ـ من أجل تنزيه المملكة القائمة, بل هنالك من الذين يرهبون سيف المملكة القائمة, ويغنمون من عطائها من الدولارات في سبيل التشكيك في كل شيء إلا في المذهب الذي تقوم به الدولة, وهكذا صنع بنو أمية، ولم يخرجوا عن قانون الدول في الطعن والجرح في معارضي الدولة؛ ولأنَّ أتباع أهل البيت من الشيعة كانوا معارضي الدولة, ومن هنا خرجت الاستخبارات الأموية عن طريق بعض أتباعهم في علم الرجال لتتهم كل من والى أهل البيت, بأنه كذاب, ومن هنا ابن حجر العسقلاني كان متحيراً كيف كانوا يطعنون في الشيعة مطلقاً ويوثقون أعداء أهل البيت غالباً، استخبارات أموية أم علم رجال يا شيخ عثمان الخميس؟ والطعن والجرح في كل من اتصل بهم أو من الذين ولوهم أو كان من الذين اتبعوهم وأخذ بمذهبهم, ومن هنا أصبح من يتشيع لأهل البيت مجروحاً, ومن ينتسب إليهم أو للكوفة مجروحاً, ومن يجلس مع جعفر الصادق مجروحاً, ومن يوالي الإمام علي ـ كرم الله وجهه ـ مجروحاً, ومن يوالي الإمام الباقر ـ رضوان الله عليه ـ مجروحاً، ومن يوالي الإمام الصادق مجروحاً, راجع يا أخي كتاب «العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل» لإمام أهل السنة, الإمام ابن عقيل الشافعي ـ رحمه الله ـ عندما يبين ـ للأسف الشديد ـ أن بعض علماء الرجال من أهل السنة أصبحوا استخبارات أموية، من عارض عندهم الدولة الأموية صار مجروحاً, هكذا يقولون في تراجم رواة الحديث النبوي, يقولون: كان ثقة عادلاً إلا أنه يرى الخروج على السلطان الجائر فهو مطعون, الله أكبر، أصبح الخارج على الظالمين من بني أمية مجروحاً!! الآن نحن في الزمن المعاصر من خرج على أمريكا أليس يصبح مجاهداً كبيراً؟ هل يصح أن تقول إن من خرج على الظلم والظلمات مجروح؟ والله لقد صنعوا ذلك، والله لقد صنعوا ذلك, اقرأ كتاب الإمام ابن عقيل الشافعي صاحب كتاب «العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل», عندما يبيّن بلغة الأرقام, يبيّن الحقيقة الغائبة عنك, ولكنني للأسف أرى أن الوهابية منعت هذا الكتاب وحرّمت قراءته, اقرأ كتاب «الخلافة والملك» لإمام أهل السنة في الهند لأبي الأعلى المودودي الذي منعت الوهابية قراءته؛ لأنه فضح بني أمية, اقرأ كتاب «أبناء الرسول في كربلاء» لخالد محمد خالد, الذي تدرِّس الوهابية كتابه «رجال حول الرسول» في موضوع الصحابة أما ما كتبه عن أهل البيت, فيمنع قراءته ويحرّم, اقرأ كتاب «أبو الشهداء الإمام الحسين» لعباس محمود العقاد, واقرأ كتابه «معاوية» الذي يحرم قراءته, لماذا تصرون على إخفاء الحقيقة؟ ولماذا لا تريد أن تناقشني في بني أمية، ولماذا تحاول أن تبتعد عن الموضوع الأساسي؟ إن كنت جاداً تريد الحق, فاستمر معي في المناظرة, ولا تهرب وتبرر هروبك باتهامي بالكذب, كما بررت في المناظرات السابقة واثبت خطأك في المناظرة العاشرة؟! وأما أن تقول أمام المستمعين وهم بالمئات وهم كثيرون ويعرفون هذه الطرق الملتوية, ويعرفون أن الأنبياء عندما حاربهم أعدائهم ماذا صنعوا؟ اتهموهم بالكذب, أبسط الأشياء وأسهل الأشياء هي أن تتهم الآخرين بالكذب, وأفضل وسيلة للهروب من المناظرة هو أن تتهم صاحبك أنه جاهل أو تتهمه أنه كاذب.
ولقد علمت السبب في انسحابك من الحوار معي!! وإذا أردت أن أسمعك صوتك سأسمعك صوتك وأنت تقول: لقد تعبت من هذه المناظرة, والله لقد تغير صوتي بسبب هذه المناظرة, والله لقد مليت هذه المناظرة, وعندما قالوا لك: لقد تشيعت أمينة المغربية وخسرنا أمينة, قلت آه.. آه خسرنا أمينة، نعم أمينة اهتدت إلى الحق [يعني: انتقلت من المذهب السني إلى مذهب أهل البيت]. الدكتور أمينة المغربية أقصد، اهتدت إلى الحق, عندما سمعت المناظرات, وقالت لك: تتهم الدكتور عصام بالكذب, بينما أنا عندما راجعت كل اتهاماتك له وجدت أنك الذي تكذب على عصام العماد, فوالله إذا تريد أن تسمع صوتها سأسمعك صوتها؟ وقد شهد شاهد من أهله كانت منكم، وانضمت إلينا, وأراد الله أن تهتدي وأن تتهمك بالكذب, كما إن الأخت الصومالية الآن تريد في الأسبوع القادم أن تعلن استبصارها, فأرجوك يا شيخ عثمان ابقى معي في المناظرة, والله إنني حريص على استمرار المناظرة معك؛ لأنني أريد أن أهدي الناس إلى الحق، لأنني أريد هذا الأجر الذي بشر به النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ: لإن يهدى الله رجلاً على يديك خير لك من الدنيا وما فيها, أو خير لك من حمر النعم، أو خير لك مما طلعت عليه الشمس, وما دام إن الله قد هدى الدكتورة أمينة, وهدى الأخت الصومالية, فمن الذي يدري بأن هناك الكثير من المستمعين من إخواني الوهابيين الذين يعيشون في الكويت وفي السعودية ولا يستطيعون أن يعلنوا تشيعهم خوفاً من أهلهم؛ لأن بعض الوهابين المتعصبين لو أعلنوا انتقالهم من الوهابية إلى الاثني عشرية سوف يحاربون كما حوربت أنا, عندما تركت المذهب الوهابي حوربت من قبل بعض أقربائي, حتى المسجد الذي كنت أخطب فيه, والمسجد الذي كنت أصلي في الناس فيه, أصبحت أتمنى أن يقبلوني فيه كمصلي مأموم لا كإمام, أنت جئت هنا وتشكك في سلوكي, وتقول: إنني من الكاذبين, أولاً أنت تكذب عليّ وتقول: هو يكذب, ويقول في جامعة الملك سعود يوجد كلية الحديث يا أخي إني أعلم إن جامعة الملك سعود لا يوجد فيها كلية حديث, وأنا قلت لك إنني درست في جامعة الإمام بن سعود في كلية أصول الدين قسم الحديث, ولكن سكني كان في الدرعية ولأن الدرعية بجوار جامعة الملك سعود, فكنت أتردد على جامعة الملك سعود, ولما كانت جامعة الملك سعود هي في الدرعية, فكنت أذهب إلى المكتبة الخاصة بها يومياً كنت أذهب إليها, وتشيعت من خلال مطالعتي في مكتبة جامعة الملك سعود فلذلك أنا عندما رددت وذكرت جامعة الملك سعود؛ لأنني تشيعت فيها وكنت أطالع في المكتبة العامة فيها, بسبب أن ابن عمي الدكتور عادل أحمد العماد, كان يسكن في الدرعية ويدرس في جامعة الملك سعود, وأنت تكذب أو أخطأت, وتقول: إن جامعة الملك سعود ليست في الدرعية, وتكذب عليّ وتقول: إنني قلت إنني درست في جامعة الملك سعود, بينما أنا درست في جامعة الإمام محمد بن سعود, ثم كنت أتردد يومياً على جامعة الملك سعود, بسبب أنها قريبة من سكني في الدرعية, ولذلك كنت أضطر أحياناً أبات في جامعة الملك سعود عند الإخوة اليمنيين, فلماذا تكذِّب الناس، ولماذا تتهمهم من دون دليل؟! كل هذا لأنهم حاكموك وضغطوا عليك الكثير من الوهابيين, وقالوا: اترك المناظرة مع الدكتور عصام, وحاكموك, وأنا مستعد أن أسمع الإخوان الحاضرين محاكمتك, يقولون لك أثناء المحاكمة, يا شيخ عثمان ماذا استفدنا من هذه المناظرة مع الدكتور عصام؟ قالوا لك هكذا، ماذا استفدنا، خسرنا أمينة؟ ماذا استفدنا من هذه المناظرة، نحن لا نريد المناظرة، تعال درِّس حتى قال أحدهم: يا شيخ عثمان أرجوك أسألك بالله, أن تترك المناظرة وأن تأتي تدرِّس, فلذلك أنت وعدتهم وقلت ستسمعوا ما يسركم، وإذا كانوا ضغطوا عليك فامشي من المناظرة, فوالله لن أشنِّع عليك, ولن أقول انهزم الشيخ عثمان, فلست من المشنعين, وسأقول: يا شيخ عثمان, راجع الأشرطة واسمع الأشرطة من جديد وتأمل بعيداً عن أجواء المناظرة لعلك تهدي, وأنا أتمنى أن يجمع الله بيني وبينك في غرفة خاصة؛ لأهديك إلى الحق ولأجعلك تتبع الحق, لتنتقل من الوهابية إلى الاثني عشرية, كما أنا انتقلت من الوهابية إلى الاثني عشرية وشرحت قصة انتقالي في كتابي «رحلتي من الوهابية إلى الاثني عشرية» وأنت لا تستطيع أن تشكك في مسألة دراستي عن الوهابية, نحن أسرة معروفة, أنا من آل العماد, بيت العماد, لا أريد أن أتكلم عن نفسي إلا لأنني مضطر، والدي عضو مجلس النواب اليمني وعضو لجنة علماء اليمن, وعمي أحمد العماد كان محافظ لواء صنعاء وهو من علماء اليمن, وعمي الآخر عبد الرحمن رئيس التكتل البرلماني للحركة الوهابية, وعضو لجنة علماء اليمن, وعضو مجلس النواب, وبيت العماد معروفون, وجامع الأسطى اذهب إلى جامع الأسطى الذي كنت فيه إماماً, وكنت فيه خطيباً, واذهب إلى الدرعية, واسأل عني هناك سكنت في الدرعية, وأعرف الدرعية القديمة, وأعرف الدرعية الحديثة، وأعرف جامعة الملك سعود, وكنت أسكن في جامعة الملك سعود فترة؛ لأنها قريبة من سكني في الدرعية, كما كنت أتردد على جامعة الإمام محمد بن سعود التي كانت في مبنى غير المبنى الحالي؛ لأنني كنت أدرس فيها قبل أن تنتقل إلى المدينة الجامعية, حيث انتقلت إلى شرق الرياض, فلذلك دعك من التكذيب، التكذيب هو سلاح العاجز وقد أجبتك عن كل كلمة قلتها, ولكن تريد أن تخرجنا من الموضوع وهو (آية المباهلة), فلذلك أنا أفوّت عليك الفرصة؛ لأنك كنت تريد أن أنشغل بالإجابات وأجيب عن أسئلة وعن اتهامات, قد أجبتها في الماضي, فلذلك أنصحك اترك المناظرة دون تكذيب، وتفضل معك المايك, وجزاك الله خيراً.
صوت الشيخ عثمان الخميس وهو يقول:
[ما تعرضت إليه من الإيذاء, فأكبر إيذاء أصابني هو ما يحدث مع الشيخ عصام العماد في هذه المناظرات التي فلقت كبدي وآذتني كثيراً، والله أعلم], تفضل معك المايك وجزاك الله خيراً.
الشيخ عثمان:
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين, شيخ عصام لا تغضب, كن هادئاً وتحمل ما جاء منك إنما رددنا عليك ما خرج منك, فقولك أن أسئلتي مكررة, وقد جاوبت عنها في جلسات سابقة, كيف وقد قلت في الجلسة العاشرة، وأسمعتك بصوتك إنك لم تجب عليها وستجيب عليها, متى أجبت عليها يا شيخ عصام؟ وإلا ما كنت أكررها, الله المستعان.
دكتور عصام ما نكذب عليك، لا نعرف الكذب دكتور عصام وما تربينا عليه، ما عرفناه لا في صغرنا ولا في كبرنا.
اهتدى على يديك كثيرون هنيئاً لهم وهنيئاً لك, والحمد لله إذا رأوا إني انسحبت الآن لعله يهتدي أكثر أيضاً, هذه فرصة لك دكتور عصام، هذه والله ما تحلم فيها، الآن سيهتدي على يديك أكثر؛ لأنهم إن رأوا إنني هربت من مناظرتك, فسوف يهتدي على يديك أكثر فهنيئاً لك دكتور عصام.
وأخيراً أقول جزاكم الله تبارك وتعالى خير الجزاء, وفي ختام هذه المناظرة, حسماً للخلاف وإنني كذبت عليه أو كذب عليَّ, فأنا أدعوه مرة ثانية للمباهلة, دكتور عصام هل تباهلني على إنك كذاب؟ باهلني، إنك كذاب أو صادق؟! أنا أقول كذاب ولعنة الله عليَّ إن لم تكن كذاباً, وأنت تقول لست بكذاب ولعنة الله عليَّ إن كنت كذاباً, هل تباهلني على إنك كذاب؟ دكتور عصام تفضل.
سماحة الدكتور السيد عصام:
والله إني أشفق عليك, والله وبالله أقولها صريحة, والله إني أخشى عليك؛ لأنه أنا كنت وهابياً وعندي أقرباء وهابيون, فلذلك ما زال لدي عاطفة للوهابيين, والله إني أخشى عليك من الهلاك، والله إني أخشى عليك من الهلاك, فلذلك أنا أنصحك, إن كنت تريد مباهلة لا تجعل المباهلة إلا في نهاية المناظرة بعد أن أقيم الحجة عليك أمام الذات الإلهية, أنا الآن لم أنتهي من المناظرة، أنا ما زلت في رأس الهرم وعندي بحث معك في المناظرة القادمة حول غيبة الإمام الثاني عشر, والنبي عندما باهل النصارى إنما باهلهم بعد أن احتج عليهم احتجاجات كثيرة في أن المسيح ليس إلهاً وإن الإلوهية إذا كانت لإنسان, فستكون لآدم؛ لأن آدم من دون أبوين, أما المسيح فهو من أم, ومن هنا جادلهم باللتي هي أحسن, وجادلهم بالأدلة العقلية المقنعة، والبراهين اليقينية, وبعد أن انتهى الجدال ولم ينفع معهم الحوار, جاءت المباهلة, أنا لن أباهلك إلا في آخر المناظرة, ونحن الآن ما زلنا في بداية المناظرة, ولذلك أجل المباهلة حتى ننتهي من المناظرة أفضل, وإن كنت تريد أن تنسحب فانسحب, أنا أقبل منك الانسحاب حتى ولو كان انسحاباً بدون مباهلة؛ لأنني أخشى عليك, فأنت أخي ويعزّ عليّ أن أكون سبباً في هلاكك.
سماحة الشيخ عثمان:
بسم الله الرحمن الرحيم, أشكر لك شعورك الطيب دكتور عصام ونسيت قول الله تبارك وتعالى: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله, ولو كانوا آباءهم أو أبنائهم أو إخوانهم).
وبشكل عام أشكرك على هذه المحبة, لا أدري هل صحيحة أم لا؟ المهم أشكرك على هذا الخوف عليَّ من المباهلة, ولعله يمكن إنني أخطأت عندما قلت أريد أن أباهلك, والحمد لله إنك لم توافق وإلا كنت سأهلك فله ـ تعالى ـ الحمد والمنة دكتور عصام شكراً لك على هذا الوقت الذي استقطعته من وقتك الثمين, شكراً لك وشكراً للحاضرين وآسف جداً على ما وقع مني خلال هذه المناظرات, ولكن هذه المناظرات هذه عادتها وهذه طريقتها, ولنبدأ الأسئلة إن شاء الله تعالى, عشر دقائق كما قلنا كل مرة عشر دقائق إن شاء الله تعالى، والسؤال رجاء المسؤولون عن الغرفة, السؤال إذا تجاوز الدقيقة يغلق على صاحب السؤال نفسه، السؤال دقيقة فقط حتى نتمكن من الإجابات, وتفضلوا, وشكراً جزيلاً لكل من ساهم في إنجاح هذه المناظرة وبارك الله فيكم.
سماحة الشيخ عبد الرحمن الدمشقية من غرفة الشيخ عثمان من طرف الوهابية:
بسم الله الرحمن الرحيم, جزاك الله خيراً يا شيخ عثمان، طيب الأسئلة الآن نبدأ سؤال الأخ محمد علي, تفضل أخ محمد علي بارك الله فيك.
الأخ الشيخ محمد علي من طرف الوهابية:
(ظهر في بداية السؤال صوت شريط فيه صوت سماحة الدكتور السيد عصام, بثه محمد علي ونسبه إلى الدكتور العماد):
[أنا بحكم إني كنت في كلية الحديث في جامعة الملك سعود, وكنت في السعودية طالب في كلية الحديث، أنا بحكم إني كنت في كلية الحديث في جامعة الملك سعود وكنت.. (أخذ يتكرر هذا الكلام عدة مرات), ثم ظهر شريط آخر بصوت سماحة الدكتور السيد عصام بثه محمد علي من ضمن سؤاله للدكتور: (شيخ عثمان يعني تماديت في الاتهام بالكذب, والله تماديت جداً, ولم أقل إنه كان موجوداً، يعني أنا لست إلى هذا الحد لا تستصغر من يناظرك, مسلم أن أم كلثوم كانت ماتت في تلك الأيام, في السنة العاشرة سنة المباهلة، ولذلك اتق الله, أنا أعرف يوم المباهلة يوم أربعة وعشرين عند أكثر المفسرين, وأعرف التاريخ وأعرف إنه لم تكن حية في ذلك الزمان إلا فاطمة من بنات النبي, بل فقط أنا أسألك هذا السؤال).
ظهر صوت الأخ محمد علي ليسأل بعد أن هيأ الأشرطة, وبث ما فيها:
طيب شكراً جزيلاً, الآن أسألك فضيلة الشيخ الدكتور عصام, أخذت الوقت زيادة أسألك بالله عليك، بالله عليك, الذي لا إله إلا هو, هل أنت طالب حق وتكذب هذه الأكاذيب, إذا أنت طالب حق, وكنت وهابياً والآن أصبحت رافضياً هل تكذب وتقول إنك تطلب الحق؟ سبحان الله، تفضل.
الأخ السيد طلال من غرفة الحق من طرف الاثني عشرية:
لا تزعل يا محمد علي قبل أن يجيب سماحة الدكتور السيد عصام, أقول لك يا محمد علي: أولاً: هذا كان ليس من حقك ما كان من حقك إنك تعيد بهذا الشكل, انظر جماعتك, وانظر كلام الشيخ عثمان الخميس, انظر ما طلب منهم وانظر هذه الأخلاق، شايف أخلاقكم، يا شيخ عثمان الخميس هذه غرفتك, انظر أخلاقكم، هل ترى الكتابة التي الآن موجودة؟
سماحة الدكتور السيد عصام:
أرجو من جميع الإخوان، فقط هو اعتراض السيد طلال على الكتابة التي تحدث والاعتراض وجيه, فعلاً الكتابة التي تكتب على الشاشة كتابة بذيئة وألفاظ نراها في الشاشة غير جيدة, فكان اعتراضه في محلة, فأرجوا من الإخوان عدم الكتابة, ولا يفجروا المناظرة, نريد أن نستمر في حوار إسلامي, من أجل التقريب بين المسلمين, وهذه الأجواء المتشنجة لن تقرب بين المسلمين في الحقيقة, نحن في حوار إسلامي.
والله إن الإنسان يخجل عندما يجد الحوار الإسلامي العلماني أهدأ من الحوار الإسلامي الإسلامي, نحن كلنا من المسلمين, الشيخ عثمان يقول إن الاثني عشريين من المسلمين وأنا أقول: إن الوهابيين من المسلمين, فلذلك يجب أن نتحاور بأسلوب إسلامي بعيد عن الكتابات هذه التي نراها في شاشة الكامبيوتر, وهي كلمات استفزازية تجعل أي إنسان يغضب, والآن الجواب على سؤال محمد علي:
أولاً: يجب أن أبين مسألة مهمة جداً وهي إنني, كما قلت لكم سكنت في الدرعية وفيها الدكتور عادل أحمد العماد ابن عمي كان يدرس في جامعة الملك سعود, ونتيجة أن الدرعية يوجد فيها جامعة الملك سعود, وفي الدور الرابع لجامعة الملك سعود كان يوجد قسم خاص لجميع المذاهب الإسلامية والكتب الدينية أما من حيث الدراسة فلم أدرس في جامعة الملك سعود هذا وضحته, بل درست في جامعة الإمام محمد بن سعود في كلية أصول الدين قسم الحديث, إذا أردنا بشكل واضح في كلية أصول الدين ولم أقل إنني تخرجت, بل درست فيها سنة وأثناء الدراسة طالعت بعض الكتب التي جعلتني أبدأ رحلة شك وأبدأ مرحلة الانتقال من الوهابية إلى الاثني عشرية, وأنا نشأت في المعاهد الوهابية وباستطاعتي أن أدلكم على بعض زملائي, الشهيد هشام الديلمي، هشام ابن الدكتور عبد الوهاب الديلمي درست معه [أي هشام] في المعاهد الوهابية وقد استشهد في أفغانستان، والشهيد محمد الروحاني ـ رحمة الله عليه ـ كان من حفظة القرآن الكريم وكان إمام مسجد معروف, استشهد ـ رضوان الله عليه ـ أثناء محاربته للماركسيين حين كانت اليمن الجنوبية ماركسية, وهو كان من أعضاء الحركة الإسلامية، أنا لا أكذب وما هي مصلحتي أن أفتخر إنني درست في جامعة الإمام محمد بن سعود؟ ولماذا أفتخر بذلك؟ هي جامعة كغيرها من الجامعات الأخرى, ولذلك أنا لم أقل أنني تخرجت من الجامعة, قلت: درست في الجامعة, انظروا المغالطة هنا ونتيجة إنني كررت ذكر جامعة الملك سعود؛ لأن مطالعتي فيها لا دراستي مطالعتي للكتب, وأما من حيث الدراسة فقد كنت في جامعة الإمام محمد بن سعود, وكان يوجد هنالك كلية تسمى كلية أصول الدين في كلية أصول الدين يوجد قسم حديث, ما هو المانع في ذلك؟ الشخص الذي يتهم الآخرين بالكذب من دون أن يبحث, هذا يسقِّط ذاته, الشيخ عثمان الخميس قال: إنه لا يعرفني وإنه لم يسمع عني, ثم يقول هذا عصام يكذب, ولم يدرس في جامعة الإمام ابن سعود, فكيف تكذِّب من لا تعرف أنا من هذا المنطلق أقول: إن الشيخ عثمان الخميس ما دام إنك لا تعرفني كان الأولى أن تذهب إلى أسرة آل العماد وأسرة آل العماد معروفين, ومنهم قادة الحركة الوهابية في اليمن, أنا الحمد لله لست من أسرة مجهولة, بل أسرة معروفة في الواقع اليمني أكثرهم شخصيات دينية وأئمة مساجد فاسأل أي يمني قل له بيت العماد أصبح مترادفاً مع الحركة الوهابية في اليمن, فلذلك لا ادّعي ولا أكذب في هذه المسألة.
أما المسألة الثانية [يعني: من سؤال محمد علي], ففي الحقيقة أنا أردت أن أقول: إن المؤرخين أجمعوا أن النبي أدخل فاطمة وأدخل الحسن والحسين في الكساء وأدخل علي ثم قال: [اللهم هؤلاء أهل بيتي] هذا أجمع عليه المؤرخون والمفسرون, كما أجمعوا إنه ـ صلى الله عليه وآله ـ لم يدخل أم كلثوم [في الكساء]؛ ولأن هذه الحادثة تكررت في آية المباهلة وتكررت في آية التطهير وتكررت في آية المودة؛ لذلك أنا أردت أن أقول عندما نزلت آية التطهير, فقلت عندما نزلت آية المباهلة, بالله عليكم هذا يسمي كذاب إخواني؛ لأن الرسول كرر هذا الموقف [يعني ادخل أهل الكساء في الكساء] وأهم مواقف تكررت فيها هذه الحادثة في آية المباهلة وفي آية المودة وفي آية التطهير, فأنا أردت أن أقول إنه عندما أدخل النبي فاطمة إنما اصطفاها من بين بناته أدخلها [فاطمة] في الكساء وقال: [اللهم هؤلاء أهل بيتي] ولم يدخل أم كلثوم يدل ذلك على أن مسالة أهل البيت هنا تحمل خصوصية أخرى ليس المراد بها مسألة القربة فقط, بل هنالك مسألة الاصطفاء, كما إن الله اصطفى مريم من بين جميع آل عمران, فقط اصطفى فاطمة من بين جميع أهل البيت, ومن هنا النبي لم يقل لأم كلثوم سيدة نساء أهل الجنة ولكن قال ذلك في فاطمة, أردت يا إخواني أن أقول هكذا, فبالله عليك يا محمد علي, هل يجوز أن تتهم شخص بالكذب؛ لأنه زلّت لسانه؟ هل هذا هو الكذب؟! إذا كانت زلات اللسان تحسب كذبات حينئذ لن يسلم أحد من الاتهام بالكذب, إذن أخي محمد علي أجبتك عن أسئلتك وتفضلوا معكم المايك وشكراً.
طالب حق وهو سماحة الشيخ مرتضى الطائي من غرفة الحق من طرف الاثني عشرية:
اللهم صلّ على محمد وآل محمد, سؤال حتى تعم الفائدة، وسؤالي إلى سماحة الدكتور السيد عصام العماد حتى نستفيد منه يعني إن شاء الله دكتورنا الكريم قال عثمان الخميس: إن أئمة الشيعة هم أئمتنا والشريط موجود عندي وقال ـ أيضاً ـ: نحن أتباع أهل البيت هذا من جانب ومن جانب آخر ابن تيميه يقول: لم يأخذ أئمة المذاهب عند أهل السنة ولا أئمة الفقهاء فقه علي بن أبي طالب مع أن علي بن أبي طالب هو إمام العترة وإنه أفضل أهل البيت باعتراف الشيخ عثمان الخميس, ألا ترى أن هذا تهافت وتناقض؟ أيهما نتبع؟ أيهما نصدِّق؟ نصدِّق ابن تيمية الذي يقول لم نأخذ بفقه أهل البيت, أم نأخذ بكلام الشيخ عثمان الخميس الذي قال إن أئمة أهل البيت هم أئمتنا وأخذنا عن أهل البيت وإلى آخره أيهما نصدِّق هذا أو ذاك؟ تفضلوا سماحة الدكتور لكم الإجابة؟
سماحة الدكتور السيد عصام:
بسم الله الرحمن الرحيم, بالنسبة لما سأله سماحة الشيخ طالب حق وأعني به سماحة الشيخ مرتضى الطائي، في الحقيقة إنه عند أهل السنة حدث نوع من التناقض, يعني بسبب الدور الأموي من جهة يرون [يعني: أهل السنة] أن النصوص الكثيرة الموجودة في كتبهم في البخاري ومسلم في صحيح مسلم [تركت فيكم الثقلين ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي] ويجدون النصوص القرآنية التي تحث على الأخذ من أهل البيت, ومن جهة أخرى يجدون أن فقهائهم كما صرّح شيخ الإسلام ابن تيمية في قوله: لم يأخذوا عَنْ أهل البيت. فوقفوا في حالة غريبة جداً, ومن هنا أنا أرى إن الشيخ عثمان يقف في حيرة من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية, ولذلك رأيتم لم يستطع أن يجيب عن سؤالي عندما قرأت له عبارة ابن تيمية لم يأخذ أهل السنة عن الإمام علي, وأثبت أن أهل السنة لم يأخذوا عن جميع أهل البيت سواء كانوا من المطهرين أو من غير المطهرين, وأنهم أخذوا عن مالك والشافعي والأئمة الأربعة أخذوا عن الفقهاء السبعة وعن غيرهم, وتركوا أهل البيت, من جهة يجدون النصوص الكثيرة التي تحث على الأخذ من أهل البيت, ومن جهة يجدون السلف [يعني: سلف أهل السنة] لم يتبعوا أهل البيت, ومن هنا وقعوا في حيرة, يجدون النصوص تأمرهم بالتمسك بأهل البيت [حديث الثقلين], عند ذلك يقولون: نحن لا يمكن أن نترك أهل البيت, إذن فنحن نأخذ عن أهل البيت, ومن جهة يجدون الواقع العملي أنه لا يوجد لمذهب أهل البيت وجود حقيقي [يعني: في كتب أهل السنة] لا يوجد لأهل البيت أي وجود إلا على مستوى باب الفضائل [فضائل أهل البيت], أصبح أهل البيت بالنسبة لأهل السنة كقطعة ذهبية عند رجل, يعيش في بيته حالة الجوع الشديد, ثم يومياً يذهب إلى هذه القطعة الذهبية يمسِّحها وينظِّفها ولا يعرف أن هذه الجوهرة يمكن أن يستفيد منها, أهل السنة مساكين ظنوا أنهم عندما عقدوا باب فضائل أهل البيت أنهم قد أخذوا عن أهل البيت, ظنوا عندما بينوا حديث الثقلين أنهم قد أخذوا عن أهل البيت, ولذلك أنا أقول: كلام ابن تيمية صحيح, والشيخ عثمان عندما قال أنه أخذنا عن أهل البيت, نحن اتبعنا أهل البيت؛ لأنه رأى النصوص تدل على اتباع أهل البيت, ولكن رأى عبارة ابن تيمية تبين الواقع المر, إنه مر جداً ولكن لو عرف دور بني أمية وتأمل في كلام ابن حجر العسقلاني وفي كلام الإمام الصنعاني, عندما قال: إن بني أمية منعوا أهل السنة عن الصلاة على أهل البيت وفي كلام الإمام الشوكاني عندما قال: إن المحدثين في العصر العباسي أبقوا كل شيء على ما كان عليه في زمن بني أمية ولذلك تركوا الصلاة على أهل البيت خوفاً وتقية من بني أمية, ثم أخذوا ذلك عادة في العصر العباسي والعثماني لو تأملنا في كل ذلك, لعرفنا لماذا يعيش أهل السنة في حيرة, فتجد عالم سني يقول: لم نأخذ عن أهل البيت, وتجد عالم سني يقول: اتبعنا أهل البيت, لقد حدث إشكالية عند أهل السنة بين ما يجب أن يكون وهو وجوب اتباع أهل البيت, وبين الواقع الخارجي لأهل السنة وما حدث في واقع وتاريخ أهل السنة, وهو أنهم فعلاً لم يأخذوا عن أهل البيت, وبين ما حدث في كتب أهل السنة من روايات في أهل البيت توجب اتباع أهل البيت, فوقعوا في مشكلة التناقض بين ما يجب وما ينبغي أن يكون بسبب الأدلة القرآنية والحديثية وبين ما تحقق في الواقع الخارجي وحدث في واقع أهل السنة, حيث أنهم لم يأخذوا عن أهل البيت, وهذا الواقع يتناقض مع ما وجد في كتب أهل السنة من روايات في أهل البيت توجب اتباع أهل البيت, ومن هنا اضطروا إلى تأويل هذه الروايات, كما عمل عثمان حتى تتفق مع الواقع ومع ما حدث وما وقع في حياتهم, فمن هنا نجد تناقضات التصريحات بين أخي سماحة الشيخ عثمان الخميس, وبين شيخ الإسلام ابن تيمية, وهذا التناقض ملموس وموجود عند كل عالم محقق من أهل السنة ويوجب الحيرة للمسلم الباحث عن الحق, وكان عندي حينما كنت وهابياً.
ولا أنسى أن أذكر إخواني إلى أن عندي بعض النقاط أريد أن أطرحها في الأسبوع القادم, وسوف أطرحها وتكون خاتمة هذه المناظرة, وأرجوا من الجميع الحضور, وأشكركم وجزاكم الله خيراً, والسلام عليكم.
الخاتمة
سماحة الدكتور عصام العماد:
تكرر في هذه المناظرة بيني وبين أخي سماحة الشيخ عثمان الخميس طرح قضية العصمة للأئمة الاثني عشر, ومن هنا لا بدّ لنا أن ندرك العصمة ولا بدّ أن نعلم أن أكبر مشكلة يعاني من فهمها اليوم الملايين من الوهابيين, هي مشكلة عصمة الأئمة الاثني عشر ـ رضوان الله عليهم ـ , ومشكلة غيبة الإمام الثاني عشر ـ رضوان الله عليه ـ، وهما أكبر مشكلتين, فلم أنتقل مِن الوهابية إلى الاثني عشرية إلا بعد معالجة هاتين المشكلتين.
ومن هنا لا بدّ من توضيح (العصمة), ولا بدّ من توضيح (الغيبة) حتى يدركهما الشيخ عثمان الخميس, ويدركهما كل الوهابيين الحاضرين في هذه المناظرة.
ومن أجل تقريب معنى العصمة عند الاثني عشرية للشيخ عثمان الخميس، أقول إنه لا يوجد إنسان في هذه الأرض إلا وهو معصوم، فهي عصمة لجنس الإنسان كله، وصفة العصمة قائمة على أساس إنسانيته، بدون حاجة إلى أية صفة أخرى وراء كونه إنساناً، فصفة العصمة ملازمة لكل إنسان, بدون حاجة أن يكون نبياً أو يكون إماماً, ولكن هذه العصمة تدرج في هذا الإنسان، فهي تكون قليلة في الرجل الفاسق، وتكون أكثر وجوداً في الطفل الصغير النظيف، فصفة العصمة هي من أهم الصفات التي يمتلكها الطفل الصغير بحكم فطرته, فقد ثبت أن الطفل بفطرته يكون بريئاً ومعصوماً ويكون قلبه بعيداً عن صفة الحقد، والتجارب الإنسانية تكشف أن الإنسان بفطرته الأصيلة فيه، يمتنع عن ارتكاب الكثير من الجرائم، ومن هنا إذا شذ إنسان وارتكب الجرائم الشنيعة يقال إنه شذ عن فطرته الإنسانية المعصومة، وهذا الامتناع عن ارتكاب الكثير من الجرائم إنما يعبِّر على أن صفة العصمة هي صفة أصيلة لهذا الإنسان, وهي اللبنة الأولى في الحفاظ على هذا الإنسان، الذي يستهدف الإسلام إنشاءه على أساس الفطرة السليمة.
ولكن العصمة تتفاوت بين الناس، ويصور القرآن الكريم ترتيب النماذج البشرية للمعصومين.
فأما النموذج الأول فهم الأنبياء الذين يمثلون الرتبة الأولى من المعصومين, ثم يأتي من بعدهم أوصياؤهم, كما تأتي مريم المعصومة في هذه المرتبة إلى أن تخفت صفة العصمة عند النماذج الإنسانية المنحرفة، لأن النماذج المنحرفة لا زالت تمتلك قليلاً من العصمة, بدلالة إنها ترتكب بعض الجرائم وتمتنع عن إتيان البعض الآخر, وإذا كان التاريخ السني يذكر أن الإمام أحمد بن حنبل ـ رضوان الله عليه ـ كان يصلي الفجر بوضوء المغرب, فلا يمكن أن يقدر على هذا العمل إلا من يمتلك مقداراً معيناً من صفة العصمة.
والنموذج الآخر من المعصومين, هو نموذج أوصياء النبي الاثني عشر, فهو نموذج آخر من المعصومين أقل مِنْ النبي الأكرم, وأعلى من نموذج الإمام أحمد بن حنبل، وأعتقد إنني قد استطعت أن أقرّب معنى العصمة لأخي الشيخ عثمان الخميس؛ لأنه طوال هذه المناظرة وهو يشن حملة شعواء على العصمة.
والآن سوف اتناول قضية أخرى أثارها الشيخ عثمان الخميس في هذه المناظرة وهي قضية حكم منكر الإمامة عند الاثني عشرية, ولكنني سوف أتناول هذه القضية بعنوان آخر وهو: «دور أهل البيت في التقريب بين الاثني عشرية وأهل السنة» أو بعبارةٍ أخرى «موقف الاثني عشرية من أهل السنة», ثم أتناول قضية «التقية عند الاثني عشرية», ثم أتناول في الأخير قضية «غيبة الإمام الثاني عشر عند الاثني عشرية].
إن مشكلة الشيخ عثمان الخميس إنه لم يقرأ كل جزئيات وروايات أهل البيت الاثني عشر في قضية كيفية التعامل بين المسلمين, ومن أبرز القضايا التي أولاها الأئمة الاثنا عشر عناية كبرى قضية تعليم شيعتهم كيف يتعاملوا مع بقية المسلمين من غير الاثني عشرية, ومشكلة الشيخ عثمان أنه يأخذ رواية واحدة عَن أهل البيت من دون النظر إلى بقية الروايات, مع أنه لا يمكن فهم دور أهل البيت في التأليف بين الاثني عشرية وأهل السنة, إلا بمراجعة كلما روي عنهم في هذا الموضوع؛ لأنني وجدت أن هنالك ترابطاً عضوياً متيناً بين أجزاء هذه الروايات. وأهل البيت ضمن مهمة الحفاظ على الوحدة الإسلامية المقدسة, اتخذوا جهوداً كثيرة, أذكر من هذه الجهود التي بذلوها من أجل الحفاظ على وحدة الأمة.
أولاً: الممارسة العملية, والتطبيق العملي لهذه الوحدة, حيث عاش أهل البيت بين الاثني وبين أهل السنة واختلطوا وامتزجوا واقعياً مع السنة ومع الاثني عشرية, فكان يحضر في دروسهم علماء أهل السنة ومثل أبي حنيفة ويحضر في دروسهم كبار علماء الاثني عشرية مثل زرارة بن أعين.
ثانياً: الروايات الكثيرة والمتواترة, التي بينت بشكل واضح إن كلمة «الإسلام» تطلق على الاثني عشري كما تطلق على السني, فالاثنا عشريون مسلمون وأهل السنة مسلمون, كما ثبت وتواتر عن أئمة أهل البيت.
ثالثاً: الجهود العظيمة التي بذلها أهل البيت, والروايات الصادرة والمتواترة عنهم في الوقوف أمام كل الذين يسعون إلى تمزيق وتفريق الألفة بين الاثني عشرية وأهل السنة.
رابعاً: الجهود المضنية التي بذلوها في توعية الاثني عشرية, من أجل تعليمهم كيف يتعاملون مع المسلمين من غير الاثني عشرية, وهذه الجهود هي التي جعلت الاثني عشريين يحسنون التعامل مع أهل السنة.
والآن بعد هذه الإشارة الكلية سوف نفصل ما أجملناه من هذه المشاريع الأربعة, التي قدمها أهل البيت مِن أجلِ الحفاظ على الأمة؛ ولن أتناول في هذه المناظرة شرح هذه الأقسام الأربعة, بل سأكتفي بالأول والرابع, ثم أشير إشارة مختصرة إلى الثاني, أمّا الثالث فقد تناولته في كتابي [رحلتي من الوهابية إلى الاثني عشرية].
أما فيما يتعلق بالمشروع الأول: وهو الممارسة العملية والتطبيق العملي لهذه الوحدة الإسلامية المقدسة, وكما قلت إن أهل البيت ـ رضوان الله عليهم ـ عاشوا بين الاثني عشرية وبين أهل السنة ودرَّسوا كبار الاثني عشرية كما درسوا كبار أهل السنة, فقد كان من ثمرات ذلك أن نجد أن كل المسلمين يحملون مشاعر الاحترام والحب لأهل البيت, لقد حاول الأمويون وبذلوا جهوداً كبيرة مِنْ أجل نزع مشاعر الاحترام لأهل البيت من قلوب أهل السنة, لكن أهل البيت أفشلوا هذا المشروع الأموي, مِن خلال جهودهم, التي بذلوها في كسب كبار علماء أهل السنة, ومن هنا عجزت الدولة الأموية من نزع قداسة أهل البيت من قلوب أهل السنة, واستطاع أهل البيت أن يغرسوا موقعاً خاصاً مقدساً يؤمن به جميع المسلمين, وهذا كله من ثمرة الجهود التي قام بها أهل البيت, من أجل الحفاظ على وحدة المسلمين, ولنا أن نتصور, ماذا لو كان نجح المشروع الأموي في نزع القداسة عن أهل البيت؟! ـ كما نجح في فصل أهل السنة عن أخذ مذهب أهل البيت ـ حينئذ لن يكون هنالك أي صلة وأي تقريب بين الاثني عشرية وبين أهل السنة, كما إننا يجب أن نلتفت إلى حقيقة هامة في منتهى الأهمية, وهي أن أهم سبب في عجز بني أمية عن انتزاع القداسة لأهل البيت من قلوب أهل السنة, إنما يرجع لأن قدسية أهل البيت هي أصلٌ ثابت في الإسلام, وهذا الأصل مغروس في القرآن الكريم, وفي السنة النبوية, ولا يستطيع أي مسلم أن يتجاهل هذا الأصل العظيم في الإسلام, ومن هنا نجد أن أهل السنة كتبوا المئات بل الآلاف من الكتب التي تبين أهمية هذا الأصل الأساسي عند أهل السنة, وأعتقد إنني بينت جزء من هذا الأصل الأصيل من خلال هذه المناظرة مع أخي الشيخ عثمان الخميس, وكما إنني بينت في هذه المناظرة دور بني أمية في عزل أهل السنة عن أهل البيت, لا بدّ لي أن أبيّن عجز بني أمية عن نزع قداسة أهل البيت من قلوب أهل السنة, ولا بدّ لي أن أبين هنا كيف وقف أهل البيت ضد ذلك المشروع الأموي.
إخواني من كل الحاضرين في هذه الغرفة من أهل السنة ومن الوهابية ومن الاثني عشرية ومن السلفية, أريد أن أقول إنه كان الحكام من أمويين وعباسيين يسعون إلى تقسيم الأمة إلى طوائف متعادية, ولما لم يجد بنو أمية أساساً معقولاً لهذا العداء لجأ بنو أمية إلى أساليب الكذب, فكانت الاستخبارات الأموية تنشر الإشاعات بين السنة؛ من أجل أن يسوء ظنهم بإخوانهم الشيعة, وكانت هذه الاستخبارات الأموية تروج أن الشيعة يقولون بتأليه الإمام علي والعياذ بالله, وهذا كذب محض وتزوير قبيح, ولكن تصديق هذا اللغو كان الباعث على تمزيق الأمة الواحدة, وكان أهل البيت ـ رضوان الله عليهم ـ يعلمون إنها ضجة مفتعلة بين السنة والشيعة لحساب الاستخبارات الأموية, وكانوا ـ رضوان الله عليهم ـ يعالجون الخلافات بين الشيعة والسنة بطريقة علمية.
ومن هنا نجد أن منهج أئمة أهل البيت ـ رضوان الله عليهم ـ قد حال دون تحوّل هذا الخلاف إلى خصام يستثمره الإعلام الأموي لصالحه, وأنا أتمنى أن يرجع أهل السنة إلى روايات أهل البيت, وسوف تدركون أن أهل البيت يضمرون المحبة للسنة والشيعة ويعدون تكفير أهل السنة انحرافاً وزيغاً, ولكني هنا أريد أن أقول لأخي الشيخ عثمان الخميس, هب يا أخي أن عالماً اثني عشرياً أخطأ, وقال إن أهل السنة غير مسلمين ـ هب ذلك وقع ـ فما صلة هذا الخطأ بالمذهب الاثني عشري؟!, إذا كانت الروايات المدونة في كتب الاثني عشرية تصرّح وهي منقولة عن أئمة هذا المذهب, وتصرح بأن أهل السنة مِن المسلمين, فكيف تجيز لنفسك يا شيخ عثمان أن تقول إن الاثني عشرية ترى أن أهل السنة غير مسلمين.
وأنا في نظري أن الشيخ عثمان الخميس أخطأ في فهم بعض الروايات, وفي فهم أقوال علماء الاثني عشرية فضن إنها تنفي الإسلام عَنْ أهل السنة, نعم إن الشيخ أخطأ ولكن المشكلة إن الشيخ لا يقبل الاعتراف بهذا الخطأ, ولماذا لا يراجع الشيخ عثمان الخميس كتب الاثني عشرية, التي بينت معاني هذه الروايات وهذه الأقوال التي نقلها الشيخ عثمان من علماء الاثني عشرية وحسب إنها تعتبر أهل السنة غير مسلمين؟!! ولست أنفي إنني عندما كنت وهابياً كنت أفهم هذه الأقوال كما فهمها الشيخ عثمان, بيد إنني استيقنت أنني أخطأت خطأً حقيقياً, ولكنني لست مثل الشيخ عثمان, وأقولها صريحة إنني أعترف بذلك الخطأ, وإنني أرى لو جلست مع الشيخ عثمان في جلسة ثنائية, لبينت له خطأه؛ لأنني مؤمن بأن طرح الخلافات في أجواء يحضرها هذا العدد الهائل من السنة والشيعة, يحول بين المرء وبين الحقيقة.
والآن سوف أعود إلى موضوعي الأصلي, إخواني لقد كان أهل البيت ـ رضوان الله عليهم ـ يغرسون الألفة من خلال سلوكهم, ومن هنا كانوا يدركون أن بني أمية لا يهمهم الإسلام ولا المسلمين, ففي سبيل الحكم والملك سوف يدمرون الإسلام والمسلمين, ومن هنا نجد أن أهل البيت كانوا يلجؤون اضطراراً للمسالمة والمصالحة مع الحكم الأموي الفاسد, من أجل الحفاظ على أصل الإسلام, والحفاظ على الوحدة المقدسة, وأرجو من كل المستمعين أن يتأملوا في ما قاله الإمام الحسن ـ رضوان الله عليه ـ حينما ذكر الأسباب التي اضطرته إلى الصلح مع حكومة معاوية الفاسدة, حيث قال: كما نقل عنه صاحب كتاب كشف الغمة في الصفحة (170): «وقد رأيت إن حقن الدماء خير من سفكها، ولم أرد بذلك إلا إصلاحكم وبقاءكم».
وذكر المجلسي في بحار الأنوار الجزء العاشر, الصفحة (101) إن الإمام الحسن قال: «إني خشيت أن يُجتَث المسلمون عَن وجه الأرض، فأردت أن يكونَ للدين ناعي», وأرجو من الجميع أن يتأملوا في هذه العبارة للإمام الحسن حيث نقل صاحب كتاب الكامل في التاريخ, الجزء (3)، الصفحة (409) عبارة هامة, قالها ـ رضوان الله عليه ـ لمعاوية, عندما طلب منه قتال الخوارج فقال مجيباً لمعاوية: «لو آثرت أن أقاتل أحداً من أهل القبلة لبدأت بقتالك، فإني تركتك لصلاح الأمة وحقن دمائها».
تأملوا يا إخواني من الوهابيين وأهل السنة ومن الاثني عشرية والسلفية, إن الإمام الحسن أطلق عليهم كلمة «أهل القبلة», وترك قتالهم «لصلاح الأمة».
ويكفينا أن نقرأ سلوك الإمام علي بن الحسين ـ رضوان الله عليه ـ فعلى الرغم أن الدولة الأموية قتلت أباه الإمام الحسين وارتكبت مجزرة كبرى رآها بعينه فقد كان حاضراً في معركة كربلاء ورأى الإمام زين العابدين مشاهد المجزرة الجماعية لأهل البيت النبوي, ثم أخذ أسيراً مع عمته زينب بنت الإمام علي ومع أخواته, وعاصر الإمام زين العابدين أكبر محنة مر بها أهل البيت, ولكن مع كل الذي حدث كان الإمام يعلّم شيعته وأتباعه أن الحفاظ على الإسلام ومصلحة الإسلام فوق كل شيء وعندما كانت الجيوش تتحرك بقيادات أموية كان الإمام يدعو لهذه الجيوش بالنصر والغلبة على الكفار وهذا الدعاء مدون ومعروف عن الإمام في صحيفته المعروفة بصحيفة الإمام السجاد, وهو دعاء الثغور, وهذه بعض أدعية الإمام لنصرة الجيش الأموي الذي يواجه الخطر الصليبي: «اللهم صلِّ على محمدٍ وآلهِ، وحصِّن ثغور المسلمين بعزَّتِك، وأيِّد حُماتها بقوّتِك، واَسْبغْ عطاياهُم من جدَتِك، اللهُمّ صلِّ على محمدٍ وآله، وكثر عِدَّتَهُم، واشْحَذ أسلحَتَهُم، واحرُس حورَتَهُم، وامنع حومتَهُم، وألِّف جمعهُم، ودَبِّر أمرَهُم، وواتِرْ بين مِيَرِهُم، وتوحَّد بكفاية مُؤَنِهُم واعضُدهم بالنصر، وأعنهم بالصبر، والطُف لهم في المكرِ، اللّهمّ صلِّ على محمّدٍ وآلهِ، وعرّفهُم ما يجهلون، وعلّمهُم ما لا يعلمون، وَبَصِّرهم ما لا يُبصرون، اللهمّ صلِّ على محمّدٍ وآله، وأنسِهُم عند لقائِهم العدوَّ ذِكرَ دنياهم الخدّاعة الغروّر، وامحُ عن قلوبِهم خطرات المال الفتون، واجعل الجنَّةَ نصبَ أعينِهم...».
هذا سلوك الأئمة حتى مع الذين ظلموهم وسوف نرى كيف ترك هذا السلوك أثراً قوياً على الاثني عشريين. ومع اقتناع الإمام زين العابدين بأن حكام بني أمية من الظالمين وحرصه على تبيين الجرائم التي ارتكبوها في حق أهل البيت, وفي حق الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ إلا أن حرص الإمام علي بن الحسين على الأمة الإسلامية من أن تتعرض إلى صدمة خطيرة من الصليبيين, هذا الحرص جعل الإمام يدعو لهم بالنصر والغلبة.
أما بالنسبة للمشروع الثاني: كما قلت إن هنالك روايات متواترة عن الأئمة الاثني عشر تبين أن كلمة «مسلم» تطلق على «السني» كما تطلق على «الاثني عشري» وتطلق على كلِّ الفرق الإسلامية, ومن خلال ذلك استطاع أهل البيت أن يواجهوا تيارات التكفير التي كانت مدعومة من الدولة الأموية من أجل تفتيت الأمة إلى فرق متناحرة ومتقاتلة يكفِّرُ بعضُها بعضاً, ويكفي أن تتأملوا إلى معنى كلمة الإسلام في روايات أهل البيت.
ينقل الإمام شرف الدين ـ رضوان الله عليه ـ في كتابه القيم «الفصول المهمّة في تأليف الأمة» صفحة (21) رواية عظيمة عن الإمام محمد الباقر ـ وهو الإمام الخامس من الأئمة الاثني عشر ـ, يقول الإمام الباقر ـ رضوان الله عليه ـ شارحاً ومبيناً وموضحاً معنى الإسلام: «والإسلامُ ما ظهر مِنْ قولٍ أو فعل، وهو الذي عليه جماعة من الناس من الفرقِ كلها».
لاحظوا يا إخواني كلمة الإمام الباقر: «من الفرق كلها», فكل الفرق المخالفة للاثني عشرية مِن أهل القبلة يشملهم الإسلام, كما يقول الإمام الباقر, ثم يقول ـ رضوان الله عليه ـ: «وهو الذي عليه جماعة من الناس من الفرق كلِّها، وبه حقنت الدماء، وعليه جرت المواريث، وجاز النكاح، واجتمعوا على الصلاةِ والزكاةِ والصومِ والحج فخرجوا بذلك عَنْ الكفرِ، وأضيفوا إلى الإيمان».
وهكذا ينقل الإمام البروجردي في كتابه «جامع أحاديث الشيعة» جزء (5), صفحة (216) ينقل هذه الرواية القيمة, يقول الإمام جعفر الصادق ـ رضوان الله عليه ـ, وهو الإمام السادس من الأئمة الاثني عشر الذين أشار إليهم النبي في حديث جابر بن سمرة الوارد في البخاري ومسلم, يقول ـ رضوان الله عليه ـ في شرحه لمعنى الإسلام: «الإسلام شهادة أن لا إله إلاّ الله والتصديق برسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وبه حقنتْ الدماء، وعليه جرتْ المناكح والمواريث وعليه جماعة الناس».
إذن فمصطلح الإسلام عند الخلفاء الاثني عشر يطلق على كل الفرق الإسلامية مهما تعددت ومهما اختلفت.
وقد عمل فقهاء الاثني عشرية بمضمون هذه الروايات, ولكن الوقت لا يتسع لتبيين ذلك وبإمكان أخي الشيخ عثمان أن يراجع كتابي «رحلتي من الوهابية إلى الاثني عشرية» وسيجد إنني بينت هذا الموضوع بصورة مفصلة.
أمّا بالنسبة للمشروع الثالث لأهل البيت: فلا مجال لذكره هنا وسوف أتناول في المشروع الرابع قضية التقية بصورة مختصرة؛ لأنني تناولتها في كتابي [المنهج الجديد والصحيح في الحوار مع الوهابيين] ثم سوف أذكر بعض آثار مشروع أهل البيت على علماء الاثني عشرية.
أما فيما يتعلق بالمشروع الرابع لأهل البيت: مِنْ أجلِ الحفاظ على الوحدة الإسلامية المقدسة, فهذا المشروع يتعلق ويرتبط بالتقية.
لقد سعى أهل البيت ـ رضوان الله عليهم ـ أن يكون هنالك انسجاماً وتعاوناً بين الاثني عشرية وبين بقية المذاهب الإسلامية من أهل السنة, ومن غيرهم ومن أجل الحفاظ على الوحدة الإسلامية المقدسة أمر أهل البيت شيعتهم أن يمارسوا التقية مع المذاهب الإسلامية, وكان للتقية دور كبير في عدم تمزيق الصف الإسلامي, حيث استطاع أهل البيت من خلال التقية أن يفرضوا على شيعتهم التعايش مع بقية المذاهب الإسلامية, ويكفي أيها الإخوة أن تتأملوا في هذه الرواية العظيمة التي رواها الإمام الكليني ـ رضوان الله عليه ـ في الأصول ونقلها عنه الحر العاملي في وسائل الشيعة الجزء الثامن صفحة (399) الباب الأول من أبواب العشرة الحديث الخامس, والرواية رويت بسندٍ صحيح عن مرازم عن أبي عبد الله الصادق ـ رضوان الله عليه ـ أن قال: «عليكم بالصلاة في المساجد وحسن الجوار للناس وإقامة الشهادة وحضور الجنائز, إنه لا بدّ لكم مِنْ الناس, إن أحداً لا يستغني عَنْ النّاس في حياته، الناس لا بدّ لبعضهم مِنْ بعض».
لقد وضع أهل البيت مشروع التقية من أجل مواجهة المخطط الأموي الذي كان يسعى إلى تمزيق الوحدة بين السنة والشيعة, لقد كان بنو أمية يستغلون الخلاف الموجود بين السنة والشيعة, من أجل تفريق الصف الإسلامي وكان أهل البيت ـ رضوان الله عليهم ـ يدركون خطر المشروع الأموي على وحدة الأمة وكانوا يعلمون أن غرض الدولة الأموية من إثارة الخلاف بين السنة والشيعة هو الحفاظ على وجودِهم وحكمهم, وفقاً لقاعدة فرِّق تسد, فكان أهل البيت ـ رضوان الله عليهم ـ في كثير من الأوقات يتغاضون عن المسائل الخلافية بين السنة والشيعة, ويأمرون شيعتهم بالعمل وفق المذاهب الإسلامية السنية من أجل الحفاظ على الوحدة الإسلامية, بل كان أهل البيت من أجل الحفاظ على الوحدة الإسلامية يجيبون بعض السائلين مِنْ شيعتهم إجابات فيها مجاراة للفقه السني, فإذا خلوا إليهم ذكروا لهم الرأي الذي يرونه, وبينوا لهم الإجابة الصحيحة, ويأمرونهم بكتمان السر وهذا هو ما يعني بـ «التقية» في الفقه الاثني عشري ـ خلافاً لرأي أخينا الشيخ عثمان ـ ولما كان أهل البيت هم حماة الوحدة الإسلامية, وما كانت الدولة الأموية ترغب أن يصلّي السنة والشيعة في مسجد واحد حتى يتاح للاستخبارات الأموية الصيد في الماء العكر والبقاء في الحكم, فكان أهل البيت يأمرون شيعتهم ويحثونهم على حسن المعاشرة مع أهل السنة, وعلى الصلاة معهم ومشاركتهم في الجماعة والحضور في جنائزهم وعيادة مرضاهم, مع أمرهم لهم بأن يصلوا كما يصلون, ويعملون ما يعملون حفاظاً على الوحدة والانسجام بين السنة والاثني عشرية.
وقد عمل أتباع أهل البيت بهذه التوصيات, وتركت أثراً كبيراً في نظرتهم إلى أهل السنة وغرس أهل البيت في نفوس أتباعهم التسامح مع أهل السنة, ومن هنا ينقل التاريخ لنا أن الشيعة عندما كانوا يتمكنون من الحكم لم يكونوا يمارسوا الظلم أو القتل أو التشريد ضد أهل السنة, وقد اعترف أحمد أمين بأن التسامح الموجود عند الشيعة لا يوجد عند أهل السنة, لقد رسم أهل البيت خطوطاً واضحة جلية ناصعة في كيفية التعامل مع المسلمين من أهل القبلة, ويتمثل ذلك بالروايات التي تواترت عن الإمام جعفر الصادق حينما كان يأمر الشيعة بالمشاركة في الجماعة والجمعة التي تنعقد من قبل الحكام والولاة؛ من أجل المحافظة على الوحدة بين أبناء الأمة الواحدة, وكان رضوان الله عليه يقول كما نقل عنه صاحب كتاب الهداية في الصفحة العاشرة, كان يقول لشيعته: «من صلى معهم في الصفِّ الأوّل, كان كمن صلى خلف رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ في الصفِّ الأول.
وروى الشيخ الإمام الكليني في كتابه الكافي (ج 2 ص 219) أن الإمام الصادق كان يقول: «كونوا لمن انقطعتم إليه زيناً ولا تكونوا عليه شيناً، صلوا عشائرهم وعودوا مرضاهم, واشهدوا جنائزَهم, ولا يسبقونَكُم إلى شي مِنْ الخيرِ فأنتم أولى به منهم».
ونقل الإمام الكاشاني في كتابه المحجة البيضاء (ج 1 ص 343) عن الإمام الصادق أنه قال ـ رضوان الله عليه ـ: «ما من عبدٍ يصلي في الوقت ويفرغ، ثم يأتيهم ويصلي معهم وهو على وضوء إلا كتب الله له خمساً وعشرين درجة».
وهكذا يا إخواني من الوهابيين ومن أهل السنة نجد ـ أيضاً ـ المجلسي في بحار الأنوار (ج 16 ص 47) ينقل عن الإمام الصادق, إنه قال لأصحابه وشيعته: «أوصيكم بتقوى الله عز وجل, ولورع في دينكم والاجتهاد لله, وصدق الحديث, وأداء الأمانة, صلوا عشائرهم واشهدوا جنائزَهم وعودوا امرضاهم، وأدوا حقوقَهم، فإن الرجلَ منكم إذا وَرِعَ في دينهِ وصدق الحديث وأدى الأمانة، وحسن خلقه مع الناس، قيل: هذا جعفري فيسرني ذلك ويدخل عليّ منه السرور, وقيل هذا أدب جعفر».
ويبقى الآن أن أبيّن آثار مشروع أهل البيت على علماء الاثني عشرية, ولا شك أن من يتتبع فقهاء الاثني عشرية سوف يجد أنهم طبقوا وصايا أهل البيت في الحفاظ على الوحدة الإسلامية المقدسة, وبإمكانكم إخواني مِنْ الحاضرين في هذه الغرفة أن تلمسوا ذلك من خلال هذه الحقائق الأربع التي سوف أذكرها:
الحقيقة الأولى: لا شك أن روايات الأئمة الاثني عشر في التقريب بين المسلمين قد تركت نتائجاً مهمة في وسط الاثني عشريين, وبإمكان إخواننا مِن الوهابية ومن أهل السنة أن يلحظوا ذلك من خلال سبق الاثني عشريين في ذكر آراء أهل السنة في الكتب الفقهية, حيث إن علماء الاثني عشرية قد سبقوا أهل السنة في الدراسات الفقهية المقارنة بين الفقه السني والقفه والاثني عشري, وأذكر من قدماء الاثني عشرية علم الهدى الشريف المرتضى في كتابه «الانتصار» وهكذا الشيخ الطوسي في كتابه «الخلاف» والعلامة الحلي في كتابه «التذكرة».
الحقيقة الثانية: نلمس أثر روايات أهل البيت, من خلال تتبع أقوال علماء الاثني عشرية في أن أهل السنة من المسلمين.
الحقيقة الثالثة: لا شك أن المنهج السلوكي لأهل البيت وكيفية تعاملهم مع أهل السنة, قد ترك أثراً قوياً على سلوك ومواقف الاثني عشريين, ومن هنا نجد أن الدولة العثمانية في أخريات حياتها عندما تعرضت للخطر الصليبي تصدى الاثنا عشريون للدفاع عن الدولة العثمانية السنية, حرصاً على كيان الإسلام السياسي, وحرصاً على المصلحة العليا للإسلام, ومن هنا نجد أن علماء الاثني عشرية أفتوا في الربع الأول من القرن العشرين بوجوب الجهاد لحماية الحكم السني العثماني.
الحقيقة الرابعة: كما إننا وجدنا أثر مشروع أهل البيت على الاثني عشرية من خلال مبدأ التسامح عند الاثني عشرية مع أهل السنة, حتى أن أحمد أمين المصري مع عدائه للشيعة, اعترف بأنه لا يوجد عند أهل السنة تسامح مع الشيعة في حين أن الشيعة متسامحون مع أهل السنة.
والآن سوف أتناول القضية الأخيرة في هذا الحوار وهي قضية غيبة الإمام الثاني عشر, وأجد من الضرورة أن أتوسع في استعراض خاصية الغيبة؛ لأنني رأيت أخي الشيخ عثمان الخميس, وأخي الشيخ عبد الرحمن الدمشقية, وأخي الشيخ محمد علي, وأخي الشيخ أبا أحمد البكري وغيرهم من إخواننا الوهابيين الذين حضروا في هذا الحوار بيني وبين الشيخ عثمان, ولأنني ـ أيضاً ـ قرأت ما كتبته الوهابية عن الغيبة, فوجدتها تخلط أثناء الكتابة عن الغيبة؛ لأنها تريد أن تفهم خاصية الغيب قبل أن تدرك حديث الثقلين, وقبل أن تدرك حديث الاثني عشر, وقبل أن تدرك آية التطهير, وقبل أن تدرك آية المباهلة, وقبل أن تدرك بعض المباحث التي تحاورت فيها مع أخي وحبيبي الشيخ عثمان, وهذه الحقائق لا بدّ للوهابية أن تدركها إذا أرادت أن تدرك الغيبة.
تعريف الغيبة: المرّة من غاب (1)، وتعني البعد والتّواري، يقال: أو حشتني غيبة فلان، وقد أطلت غيبتك.
والقول بغيبة الإمام الثاني عشر، من أولويات خصائص المذهب الاثني عشري، وهو تصورٌ اعتقادي عند الاثني عشرية مصدره ومنبعه الرسول الأكرم، وأوصياءه الاثنا عشر لا من غيرهم, ويستطيع الإنسان ـ وهو واثق ـ أن يقول: إن عقيدة الاثني عشرية بغيبة الإمام الثاني عشر حقيقة أساسية أخبر عنها الرسول الأكرم، قبل تحققها في الواقع التاريخي بأكثر من مائتين عاماً، وكان الأئمة الاثنا عشر ـ من لدن الإمام علي إلى الإمام المهدي ـ يبينوا للناس هذه الحقيقة ويعرّفوهم بأنّ الإمام الثاني عشر سوف يغيب، ووضحوا لهم ذلك بالنصوص الصريحة المتواترة، حتى أصبحت حقيقة مسلّمة لدى جماعة كبيرة من المسلمين.
وقبل أن نبحث عن هذه الحقيقة، نشير هنا إلى حقيقة أخرى، تقول: إنّه لا يستطيع الإنسان أن يفهم حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر إلا بعد أن يدرك حقيقة الإمامة الربانية لمذهب الاثني عشرية, فلا شك أن حقيقة الغيبة تنبثق من الإيمان بنص الرسول الأكرم ـ صلى الله عليه وآله ـ على إمامة الأئمة الاثني عشر، وما لم نؤمن بذلك فلا يمكن لنا أن ندرك هذه الحقيقة، والذين يبحثون عنها، قبل الاعتقاد بالنص على الأئمة الاثني عشر، سوف تبقى نظرتهم حولها في حدود المعرفة الفكرية الباردة، ولا يمكن لهم أن يؤمنوا بها، ومن ثمّ أخرّنا البحث عن الغيبة بعد البحث عن الإمامة ـ وجعلناها في خاتمة المناظرة مع أخي سماحة الشيخ عثمان ـ مع وجود التلازم بين حقيقة الإمامة وحقيقة الغيبة، بل ما هو أكثر من التلازم، هناك الانبثاق الذاتي، فغيبة الإمام الثاني عشر فرع من حقيقة إمامة الأئمة الاثني عشر، ومن ثمّ فسماع المناظرات الخمسة عشر مقدّمة على هذا البحث، وهذه الخاصية هي آخر ما آمنتُ به بعد انتقالي من الوهابية إلى الاثني عشرية، ومن ثمّ جعلناها في آخر «هرم الاثني عشرية» لأن الإيمان بها يحتاج إلى مقدمات.
إن المسألة ـ في حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر ـ ليست هي أن نبحث عن حكمة الغيبة فحسب، وليست هي البحث عن إمكانية أن يعيش الإمام الثاني عشر أكثر من ألف سنة، إنما المسألة ترتبط أولاً ـ قبل كل شيء ـ بالبحث عن الأحاديث والروايات المتواترة القاطعة الصريحة، التي دوّنت في كتب الحديث، وانتشرت بين الناس، وكُتب حولها الكتب، وارتبطت بعقيدة الناس بعد أن سمعوا من الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر ـ رضوان الله عليه ـ، ثم سمعوها من الإمام علي, ثم سمعوها من الإمام الحسن، ثم من الإمام الحسين، ثم من الإمام الباقر، ثم من الإمام الصادق، ثم من الإمام الكاظم، ثم من الإمام الرضا، ثم من الإمام الجواد، ثم من الإمام الهادي، ثم من الإمام الحسن العسكري، ثم من الإمام المهدي ـ رضوان الله عليهم جميعاً ـ، وبتلك الأحاديث والروايات المتواترة، المستمدة مباشرة من الرسول الأكرم، ومن أوصيائه الاثني عشر، تكيّفت جماعةٌ من المسلمين وآمنت بحقيقة الغيبة قبل تحققها، ودوّنتها وجمعتها في كتب الحديث، بل أفردت لها كتباً مستقلة قبل تحقيق الغيبة بأكثر من مائتين عاماً ـ كما سيتضح لنا قريباً ـ إلى أن تحققت مضامين تلك النصوص في الواقع التاريخي بنفس الصورة التي أخبرت عنها تلك الأحاديث والروايات التي كانت هي المرجع الأوّل للاعتقاد بالغيبة، فمنها انبثقت تلك الحقيقة، وكانت مفاجئة كبيرة للذين تحققت الغيبة في زمانهم، لأنها تحققت بعد أن أخبر بها النبي الأكرم بأكثر من قرنين من الزمان، فعلموا أن تحققها في الواقع التاريخي إنّما كان تطبيقاً حتمياً لخبر النبي الأكرم، وآمنوا أن أخباره ـ صلى الله عليه وآله ـ عن حدثٍ سوف يقع في المستقبل لا بدّ له أن يظهر في الواقع التاريخي.
ونحن نحاول في خاتمة هذه المناظرة, بيني وبين أخي الشيخ عثمان عرض حقيقة «غيبة الإمام الثاني عشر» مصحوبة بالشرح والتوضيح والتجميع والتبويب، حتى يصل كل الحاضرين في هذه المناظرة من إخواني أهل السنة ومن إخواني الوهابيين إلى الإيمان والتصديق بتلك الحقيقة الأساسية العظيمة.
ولعله يحسن ـ لتكون هذه الحقيقة واضحة وضوحاً يناسب أهميتها ـ أن نذكر ـ قبل ذلك ـ أن الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي كان يعتقد أن الإمام المهدي هو أحد الاثني عشر, قال في شرحه لحديث الاثني عشر: «... أحدهما المهدي ـ المنتظر ـ، لأنه من آل بيت محمّد صلى الله عليه وسلم](2)، وكان الإمام ابن كثير الدمشقي ـ أيضاً ـ من أئمة أهل السنة الذين يعتقدون أن الإمام المهدي أحد الأئمة الاثني عشر وقد صرّح بذلك في تفسيره(3) وفي تاريخه(4)، ونقل عنه مفتي الديار السعودية « ابن باز» ذلك(5).
ويحسن أن يكون مفهوماً إنني آمنت بهذا الأمر؛ لأن النصوص النبوية واستقراء الحوادث المحيطة بها تؤكّد صحة هذه النصوص، ولا يمكن أن يهجس في خاطري أن أنسب إلى الإسلام ما هو بريء منه!. إن مثل هذا الخاطر لا يهجس في نفـسي أبداً إنما أنا أسير مع النصوص الثابتة, فجنحت إلى هذا الأمر بإيحاء النص واتجاهه.
ويحسن لي هنا أن أنقل للمستمع البيان الصادر من علماء المملكة العربية السعودية, الذي بين أن الإمام المهدي هو الإمام الثاني عشر في حديث الاثني عشر، وقد صدر البيان من قبل « رابطة العالم الإسلامي» المعروفة باتجاهها الوهابي, وكان بإشراف جماعة من كبار علماء السعودية، مع إمضاء مدير إدارة المجمع الفقهي الإسلامي محمد المنتصر الكناني, وقام بكتابة هذا البيان فضيلة الشيخ محمد المنتصر الكناني وأقرّت به اللجنة المكونة من أصحاب الفضيلة والعلم الشيخ الجليل صالح بن عثيمين وفضيلة الشيخ أحمد محمد جمال وفضيلة أحمد علي وفضيلة الشيخ الجليل عبد الله خياط, وبإشراف الشيخ محمد صالح القزاز مدير الرابطة, والذي يهمني في هذا البيان الطويل هـي هذه العبارة المقتطفة: «هو ـ الإمام المهدي ـ آخر الخلفاء الراشدين، الاثني عشر الذين أخبر عنهم النبي صلوات الله وسلامه عليه في الصحاح، وأحاديث المهدي، واردة عن كثير من الصحابة...].
وقد كان إمام أهل السنة ـ أبو داود السجستاني ـ من الذين يؤمنون بأنّ الإمام المهدي هو أحد الأئمة الاثني عشر، ومن ثم فقد أورد في سننه أحاديث الأئمة الاثني عشر, في كتاب الإمام المهدي ـ رضي الله عنه ـ , وفي هذا يقول الإمام إسماعيل بن كثير الدمشقي في كتابه «النهاية»: «فصلٌ في ذكر المهدي الذي يكون في آخر الزمان، وهو أحد الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين..].
وقد عقد أبو داود السجستاني ـ رحمه اللّه ـ كتاب المهدي مفرداً في سننه، فأورد في صدره حديث جابر بن سمرة، عن رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله ـ: «لا يزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلهم تجتمع عليهم الأمة», وفي رواية «لا يزال الدين عزيزاً إلى اثني عشر خليفة، قال فكبّر الناس وضجوا، ثم قال كلمه خفيت، قلت لأبي: ما قال، قال كلهم من قريش»(6), والمهم الآن أن نقول: إننا لا نشك أن الإمام المهدي هو أحد الأئمة الاثني عشر، وبالتحديد هو الإمام الثاني عشر، وسبق أن ذكرنا بعض أدلتنا على ذلك، عند البحث عن إمامة الأئمة الاثني عشر, عندما طرحنا هذا الموضوع في هذه المناظرة المباركة, وبقي هنا أن نذكر دليلا ً قوياً وهذا الدليل هو الشرارة الأولى, التي قادتني إلى الإيمان بعقيدة الإمام المهدي حسب العقيدة الاثني عشرية, وقد كنت أبحث عن السبب الذي جعل الإمام أبا داود السجستاني يقرن بين الإمام المهدي وحديث الاثني عشر إلى أن اكتشفت هذا الدليل, فعرفت سبب ذلك, لكنه يفرض على كل مستمع أن يتأمل في الأحاديث والروايات التي وردت في الإمام المهدي، والواردة في إمامة الأئمة الاثني عشر، وسوف يجد أن الروايات الأولى ذكرت أن «الهرج» سوف يكون بعد مضى الإمام المهدي ـ رضي الله عنه ـ، وإن الروايات الثانية ذكرت أن الهرج سوف يكون بعد مضـي الأئمة الاثني عشر ـ رضوان الله عليهم ـ , ولعله يحسن ـ ليكون هذا الدليل واضحاً وضوحاً يناسب أهميّته ـ أن نزيد في إيضاحه وبيانه فنقول: إننا عندما نطرح روايات الإمام المهدي، أمام الروايات التي ذكرت أن الأئمة اثنا عشر سوف نلاحظ إنها تذكر أن الأئمة الاثنا عشر، لن تنتهي حياة آخرهم إلاّ قبيل القيامة، ثم يكون ماذا؟ أي ما الذي سوف يحدث بعد مضي الإمام الثاني عشر؟ فيجيب الرسول الأكرم ـ صلى الله عيه وآله وسلم ـ: «ثم يكون الهرج», فالرسول ـ صلى اللّه عليه وآله وسلم ـ أخبرنا أن «الهرج» سوف يكون بعد مضي الإمام المهدي، ثم أخبرنا إنه سيكون «الهرج» بعد مضي الإمام الثاني عشر، فعلمنا من خلال الجمع بين الخبرين أن الإمام المهدي هو الإمام الثانـي عشر, وبعد أن انتقلت من عقيدة أهل السنة في الإمام المهدي إلى عقيدة الاثني عشرية رأيت أن هذا الدليل من الأدلة المذكورة في كتب الاثنـي عشرية, وقد أشار إلى هذا المحدث الجليل الإمام النعماني (من كبار المحدثين فـي القرن الرابع الهجري) في كتابة القيم «الغيبة», بعد أن ذكر روايات عن الأئمة الاثني عشر في كتب أهل السنة: «...وفـي قوله صلى الله عليه وآله في آخر الحديث الأوّل(7): «ثم يكون الهرج» أدلّ دليل على ما جاءت به الروايات متّصلة, من وقوع الهرج بعد مضي القائم «الإمام المهدي» عليه السلام بخمسين سنة، وعلى أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يرد بذكره الاثني عشر خليفة ألا الأئمة الذين هم خلفاؤه...»(8).
ونحب أن نذكر حقيقة مسلّمة تحدّثنا عن الكثرة الهائلة من الروايات المتواترة الصادرة من الأئمة الاثني عشر، التي ينص فيها كل إمام من الأئمة الاثني عشر، على إمامه الإمام الذي بعده, إلى أن ينص الإمام الحادي عشر على إمامة الإمام المهدي آخر الأئمة ـ رضوان الله عليهم ـ حتى أصبح نص كل إمام على الإمام الذي بعده قاعدة ضرورية التزم بها كل الأئمة، وننصح أخانا الشيخ عثمان ـ هداه الله ـ أن يقرأ تلك الروايات قبل دراسة حقيقة الغيبة وقبل أن ينتقدها ويسخر منها, كما ننصحه أن يقرأ الدلائل القوية المتعددة والمتنوعة التي تثبت أن الإمام الثاني عشر هو الإمام المهدي محمّد بن الحسن العسكري, الذي ولد في سنة (255 هـ)، وبعد الإيمان بتلك الحقائق الأساسية السابقة الموثوق بصحتها، والمستمدة من الكتاب والسنة، سيكون الإيمان بالغيبة أمراً ضرورياً، والذي يريد أن يؤمن بحقيقة الغيبة قبل التصديق بتلك الحقائق، إنما مثله مثل الذي يسعي بأن يسلِّم بأن رسالة محمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ رسالة ربّانية قبل التصديق بنبوته, ومن ثمّ لا بدّ لمن يريد أن يدرك حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر أن يلتزم بمسألة التدرج في البحث وبمنهج البحث الذي اتفقنا عليه مع الشيخ عثمان في المناظرة الأولى حينما قلت لأخي الشيخ عثمان إنني كتبت كتاباً بعنوان «المنهج الجديد والصحيح في الحوار مع الوهابيين]، فلا يمكن الإيمان بحقيقة الغيبة قبل التصديق بمقدماتها, عندئذٍ من السهولة أن نصل إلى الجزم والقطع بغيبة الثاني عشر.
والذين يعانون من الإنكار لهذه الحقيقة من أمثال أخي الشيخ عثمان، هم الذين يفصلون بين الأحاديث والروايات المتواترة في حقيقة الغيبة, وتلك الحقائق الأساسية المسلّمة المستمدة من السنة القطعية, حقيقة نص الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ على إمامة الأئمة الاثني عشر، وحقيقة نص كل إمام على الإمام الذي بعده، وحقيقة أن الإمام الثاني عشر، هو محمّد بن الحسن العسكري، وهو المهدي المنتظر الذي ولد في سنة (255 هـ).
ولما كان قصدنا في هذه المناظرة مع أخي الشيخ عثمان, هو بيان أسباب التحوّل من المذهب الوهابي إلى المذهب الاثني عشري، أرى من الضرورة، تبيين أن حقيقة الغيبة، هي آخر خاصية من خصائص الاثني عشرية وجدت مكاناً في العقل والقلب، ومن ثمّ جعلتها في آخر نقطة في الهرم العظيم للاثني عشرية.
إنني قبل التصديق والتسليم بحقيقة غيبة الإمام الثاني عشر المهدي ـ رضوان الله عليه ـ قد اضطريت أن أبحث عن كتب الحديث والروايات القديمة، التي ذكرت أحاديث وروايات الغيبة قبل أن تتحقق في الواقع التاريخي, وأن أراجع تراجم رواتها، وتراجم كل المؤلفين حول حقيقة الغيبة, كما إنني لم أعتمد إلاّ على الراوي الذي أحرزت وتأكّدت من عدالته ووثاقته, من خلال دراستي الخاصة، لاسيما بعد أن تبين لي الأثر المحسوس للخصومة المذهبية على بعض علماء الجرح والتعديل ومن ثمّ لم أسلّم بكل ما ذكروه في جرح بعض الرواة، خاصة إذا ثبت لي أن منشأ جرح الراوي هو الخصومة المذهبية، واعتمدت في الدرجة الأولى على كتب الحديث والرواية التي كتبت قبل تحقق الغيبة في واقع الحياة، ثم اعتمدت في الدرجة الثانية على كتب الحديث والرواية التي كتبت في عصر تحقق الغيبة، ثم الكتب التي كتبت في الزمان القريب من عصر تحقق الغيبة، كما استفدت في معرفة تاريخ تأليف بعض كتب الحديث المتخصصة في جمع أحاديث الغيبة على الفهارس القديمة، لاسيما على الفهرست القيم للرجالي الكبير الشيخ النجاشي، وعلى فهرست الإمام المحدّث الشيخ الطوسي, ورجعت ـ أيضاً ـ إلى فهرست ابن النديم، وعقدت مقارنة بين الفهارس القديمة لعلماء الاثني عشرية والفهارس القديمة لعلماء أهل السنة، وبعد المقارنة استيقنت بصدق ما ذكرته فهارس الاثني عشرية, وكانت المقارنة ضرورية بالنسبة لي؛ لأنني لم أكن ـ في البداية ـ أطمئن لعلماء الاثني عشرية, ولا شك أن الأمانة العلمية التي وجدتها ـ بعد بحث طويل ـ عند المفيد والنجاشي والطوسي، كانت من الأسباب الرئيسية التي خلقت في نفسي الاطمئنان لأقوال المحققين من علماء الاثني عشرية, إنني أؤمن من أنه ليس من المنطق السليم التشكيك في كل أحاديث وروايات الاثني عشرية، قبل دراسة كتبهم الحديثية والروائية بروح علمية بعيدة عن الخصومة المذهبية، ومن ثمّ فأنا أرفض منهج الوهابية في التعامل مع روايات الاثني عشرية حول الغيبة، ولو فتح باب الشك من دون دليل أو برهان، لما أمكن لنا أنّ نصدّق بأية رواية.
إنّما يكون الشك مفيداً عندما يبعثنا على البحث عن الرواية من حيث المتن والسند, أمّا إذا جعلنا نرفض أي رواية دون بحثٍ وتحقيق, فسوف يكون مرضاً فكرياً خطيراً، ومن البديهيات أن الشك ليس غاية بل هو وسيلة، وليس محلاً للبقاء بل هو مقدّمة للحركة الفكرية.
ومنهجنا عند البحث عن روايات الاثني عشرية أن لا نسلّم أو نشكك بأي رواية، إلا بعد التحقيق والبحث في متنها وسندها، وحتى الرواية الضعيفة من حيث السند التي نشك فيها، فنحن لا نقبل متنها إلا إذا صحت لدينا بسندٍ آخر، فمن ثمّ فالأحاديث والروايات التي سنذكرها في خاصية الغيبة قد أحرزنا ثبوتها بصورة مجملة، وإذا ذكرنا رواية ضعيفة من حيث السند, إنما نذكرها لأننا تأكدنا من صحتها بأسانيد أخرى صحيحة, ومن هنا فأنا أرفض تشكيك أخي الشيخ عثمان الخميس, حيث رأيته في هذه المناظرة يكذِّب كلما رواه الاثنا عشريون, فقد وجدت أن الأحاديث والروايات الواردة في الغيبة قد تواترت من حيث المعنى واللفظ, وتناقلها المحدّثون في كتب الحديث والروايات قبل الغيبة, ثم تحققت مضامينها ومعانيها بنفس الصورة التي رسمتها, ومن ثم فلم نحتاج إلى حذف الرواية الضعيفة من حيث السند.
فلنترك الشك الذي يراه الشيخ عثمان؛ لأنه لا يستند على دليل، ولنقدّر تبعتنا الخطيرة تجاه تلك الأحاديث والروايات المتواترة في هذه الحقيقة العظيمة, وقد تبين لي أن منبع الشك في روايات الاثني عشرية كانت عندي قديماً وهي عند الشيخ حالياً, إنما يرجع هذا الشك إلى إنني وجدت أنه في القرن الرابع الهجري ـ بعد الغيبة الكبرى ـ انتشرت روايات الأئمة الاثني عشرية ـ التي تذكر حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر ـ في وسط علماء أهل السنة حتى شك بعضهم فيها، بحجة واهية، وهي أن روايات الأئمة الاثني عشر في غيبة الإمام الثاني عشر, لماذا اختفت في القرون الثلاثة الأولى؟!! وفي هذا التساؤل تجاهلاً لما حدث لروايات أهل البيت في القرون الثلاثة الأولى, وأنتم رأيتم أن الشيخ عثمان قرأ عبارة ابن تيمية ـ رضوان الله عليه ـ التي بين فيها أن أهل السنة لم يأخذوا عن أهل البيت وعرفتم دور دائرة الرجس من بني أمية في عزلنا عن روايات أهل البيت, لقد أتى على روايات أهل البيت المطهرين وغير المطهرين وقتٌ حكم عليها فيه بالحرق والإعدام، وكان اقتناء شيء منها يعد جريمة لا يعلم عقوبتها إلا الله، بل أن مجرّد ذكر اسم أحد الأئمة الاثني عشر، أو الإشارة إلى رواياتهم، أو الاستفادة منها في كتاب من كتب الحديث لدى المذهب السني، أو حتى مجرد ذكر اسم أحد الرواة من اتباع الأئمة الاثني عشر، كان يعتبر جناية يعاقب عليها صاحبها، وكان إذا أجبرت الضرورة أحد المحدّثين ـ من أهل السنة ـ على أن يذكر في كتابه رواية واحدة من روايات أهل البيت المطهرين, أو حتى روايات أهل البيت غير المطهرين، كان يبتعد كل البعد عن التصريح بأسمائهم(9)، ويكتفي بأن يطلق عليهم اسماً لا يعرفه الحكّام، بل الأكثر من ذلك، أن بعض المحدثين ـ من أهل السنة ـ الذين عاشوا في عصر محنة الأئمة الاثني عشر اضطروا أن يحذفوا روايات الأئمة الاثني عشر، من الكتب التي جمعوا فيها الأحاديث الصحيحة، لاسيما وإن كتب الحديث ـ في المذهب السني ـ جمعت في عصر محنة الأئمة الاثني عشر ـ رضوان الله عليهم ـ، ومن ثم فقد اكتفوا بمجرد الإشارة إلى الأئمة الاثني عشر في كتب الحديث وحذف الجزء الخاص بذكر أسماءهم!! واختفت روايات الأئمة الاثني عشر من كتب محدّثي أهل السنة بسبب هذه الظروف تماماً, كما بينت للشيخ عثمان كيف أن الإمام الصنعاني بين أن أهل السنة حذفوا الصلاة على الآل خوفاً من بني أمية، وتضاعفت المسؤولية على أصحاب الأئمة الاثني عشر، وعلى شيعتهم المتمسكين بحديث الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ في الأئمة الاثني عشر، وبذلوا كل جهدهم في سبيل حفظ وتدوين روايات الأئمة الاثني عشر, ولكن شدة المحنة التي مرت فيها روايات الأئمة الاثني عشر فرضت على شيعتهم الصعوبات، والتعرض لهجوم السلطان وصل أحياناً إلى إعدام بعض الذين جمعوا روايات أهل البيت, أو تعرضوا لتشويه السمعة حتى عدّوهم من المجروحين بعد أن عرف السلطان اتصالهم بأهل البيت، ولعلي لا أخرج من الموضوع المتفق عليه بيننا في هذه المناظرة إذا ذكرت واحدة من محاولات السلطان في إحراق وإعدام روايات الأئمة الاثني عشر, عندما حاول السلطان أن يبطش بأحد كبار محدّثي الاثني عشرية المهتمين بجمع روايات أهل البيت وهو المحدّث الخبير «محمّد بن عمير الأزدي»(10) حتى اضطرت أخته أن تدفن كتبه(11)، التي تضمنت بعض روايات الأئمة الاثني عشر, ولا شك أن محنة أهل البيت تعد من الضروريات والبديهيات التاريخية التي أجمع عليها المؤرخون السنة والشيعة ووافقهم أخي الشيخ عثمان، وفي محنة الأئمة الاثني عشر يقول العالم والمفكّر السني المشهور، الشيخ محمّد الغزالي ـ رضوان الله عليه ـ: «كان تنقل أهل البيت في أقطار الأرض، إثر ما وقع عليهم قديماً من حيف, وفي العصر الأول ذهب الإمام جعفر الصادق(12) إلى مدينة رسول الله صلى لله عليه وسلم يعتزل بها من الفتن ويبتعد بدينه عن مؤامرات السلطة وإرهاب العباسيين, وجعفر الصادق رجلٌ مطارد من حكومة ذلك العصر، يرقب في أية لحظة أن يقاد إلى مصرعه، كما اقتيد غيره من آل البيت النبوي](13).
وفي القرن الرابع الهجري كانت الدولة العباسية ـ بسبب ضعف الخليفة العباسي الذي عجز عن السيطرة على مدينة بغداد(14) وأعمالها فضلاً عن غيرها من بلدان العالم الإسلامي ـ قد رفعت الحصار على روايات الأئمة الاثني عشر, فكان من الطبيعي أن تظهر روايات الأئمة الاثني عشر بعد أن انتهى عصر محنتهم!! وبعد أن أمن شيعتهم من بطش السلطان, ومن ثم أخرجوا كتب الحديث والروايات التي اختفت في عصر المحنة، وبذلك نكون قد أجبنا على السؤال الذي ذكرناه في كتابنا «الصلة بين الاثني عشرية وفرق الغلاة» والذي ردده الشيخ عثمان في هذه المناظرة وفي كتبه وأشرطته, وهو لماذا اختفت روايات الأئمة الاثني عشر في حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر إلى أن ظهرت في القرن الرابع؟(15).
ٍوسنرى بوضوح كيف تم تدوين أحاديث وروايات الغيبة في عصر المحنة، ولكن منهج السير في هذا الحوار يقتضي أن نذكر ـ قبل ذلك ـ أقوال المحدثين القدماء في الأحاديث والروايات الواردة في حقيقة الغيبة ـ فسوف تسهّل لنا معرفة سير تدوين أحاديث وروايات الغيبة ـ ولقد كان الإمام الشيخ الصدوق (شيخ المحدّثين في القرن الرابع)(16) يبذل جهداً عظيماً في جمع أحاديث وروايات الغيبة، كان ثمرته كتابه «إكمال الدين وإتمام النعمة في إثبات الغيبة وكشف الحيرة»، ويقول في هذه الأحاديث والروايات: «إن الأئمة ـ عليهم السلام ـ قد أخبروا بغيبته ـ عليه السلام ـ ووصفوا كونها لشيعتهم فيما نقل عنهم واستحفظ في الصحف ودوّن في الكتب من قبل أن تقع الغيبة بمائتي سنة أو أقل أو أكثر، فليس أحد من أتباع الأئمة ـ عليهم السلام ـ إلاّ وقد ذكر ذلك في كثير من كتبه ورواياته ودوّنه في مصنّفاته، وهي الكتب التي تعرف بالأصول, مدوّنة مستحفظة عند شيعة آل محمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ من قبل الغيبة بما ذكرنا من السنين وقد أخرجت ما حضرني من الأخبار المسندة في الغيبة في هذا الكتاب [يعني: كتاب إكمال الدين] في مواضعها، فلا يخلو حال هؤلاء الأتباع المؤلّفين للكتب أن يكونوا علموا الغيب بما وقع الآن من الغيبة، فألّفوا ذلك في كتبهم ودوّنوه في مصنفاتهم من قبل كونها، وهذا محالٌ عند أهل اللبّ والتحصيل، أو أن يكونوا قد أسسوا في كتبهم الكذب فاتّفق الأمر لهم كما ذكروا وتحقق كما ذكروا وتحقق كما وضعوا من كذبهم على بعد ديارهم واختلاف آرائهم وتباين أقطارهم ومحالهم، وهذا ـ أيضاً ـ محال كسبيل الوجه الأوّل، فلم يبق في ذلك إلاّ أنّهم حفظوا عن أئمتهم المستحفظين للوصية عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ من ذكر الغيبة وصفة كونها في مقام بعد مقام إلى آخر المقامات ما دوّنوه في كتبهم وألّفوه في أصولهم، وبذلك وشبهه فلح الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقاً»(17).
ويقول ـ أيضاً ـ: « قد صح بالأخبار الكثيرة الواردة الصحيحة عن النبي والأئمة ـ صلوات الله عليهم ـ من أمر القائم الثاني عشر من الأئمة وغيبته حتى يطول الأمد، وتقسو القلوب، ويقع اليأس من ظهوره، ثم يطلعه الله، وتشرق الأرض بنوره، ويرتفع الظلم والجور بعدله»(18).
وفي تلك الحقيقة الكبيرة والأساسية، وفي تلك الروايات الصريحة الصحيحة التي أخبرتنا عن غيبة الإمام الثاني عشر، يقول الإمام أمين الإسلام المحدّث الخبير الطبرسي: «وخلّدها المحدّثون من الشيعة في أصولهم المؤلّفة في أيّام السيّدين الباقر والصادق عليهما السلام، وآثروها عن النبي صلى الله عليه وآله، والأئمة عليهم السلام واحداً بعد واحد»(19).
ومن جملة كبار المحققين القدماء الذين ذكروا أحاديث وروايات الغيبة, وتركوا لأجلها مذهب أهل السنة ودخلوا في مذهب الاثني عشرية الشيخ الإمام أبو جعفر محمّد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي(20), كان من أهل السنة قبل معرفته لأحاديث وروايات الغيبة، قال في تلك الأحاديث والروايات: «نقل إليهم أسلافهم حالة (الإمام الثاني عشر) وغيبته وصورة أمره واختلاف الناس فيه عند حدوث ما يحدث وهذه كتبهم فمن شاء أن ينظر فيها فلينظر»(21).
وأمثال هذه الأقوال الصادرة من المحدثين والمحققين كثيرة والمهم الآن أن نقول: إن هناك اتفاقاً بين سير تدوين أحاديث وروايات الغيبة وبين هذه الأقوال التي نقلناها عن المحدثين ـ رضوان الله عليهم ـ، فنحن وجدنا بعد الرجوع إلى عشرات الكتب الحديثية والروائية ودراستها في أكثر من عشر سنوات, مصداقية وحقانية تلك الأقوال، وسوف نثبت ذلك بالأدلة القوية عندما يتقدم بنا البحث في هذه الحقيقة الهائلة.
وفي هذا القول نجد مواجهة الإمام الأقدم إسماعيل بن علي بن أبي سهل ـ رضوان الله عليه ـ، لشبهات بعض المنكرين لحقيقة الغيبة، أو الغافلين عن الأحاديث والروايات المتواترة في هذه الحقيقة، والذين أغلقوا على أنفسهم باب البحث في متونها ورواتها، ويبيّن الفرق بين الروايات التي يرفضها ويحاربها السلطان, والروايات التي يسعى ويرغب أن تنشر بين الناس، ثم يذكر تلك الحقيقة المسلّمة, حقيقة نص كل إمام من الأئمة الاثني عشر على الإمام الذي بعده, قال ـ رضي الله عنه ـ في كتابه «التنبيه والإمامة»(22): «فالتصديق بالأخبار يوجب اعتقاد إمامة ابن الحسن عليه السلام على ما شرحت وإنّه قد غاب, كما جاءت الأخبار في الغيبة فإنها جاءت مشهورة متواترة وكانت الشيعة تتوقّعها وتترجاها»(23).
«أخبار الشيع [يعني: الشيعة الاثني عشرية] أوكد من أخبار غيرهم من المسلمين؛ لأنه ليس معهم دولة ولا سيف ولا رهبة ولا رغبة، وإنما تنقل الأخبار الكاذبة لرغبة أو رهبة أو حمل عليها بالدول، وليس في أخبار الشيعة شيء من ذلك، وإذا صحّ بنقل الشيعة النصّ من النبي صلى الله عليه وآله على علي عليه السلام، صحّ بمثل ذلك النصَّ من علي على الحسن، ومن الحسن على الحسين، ثمّ على إمام إمام إلى الحسن بن علي، ثمّ على الغائب الإمام بعده عليه السلام؛ لأن رجال أبيه الحسن عليه السلام الثقات كلّهم قد شهدوا له بالإمامة وغاب عليهم السلام؛ لأن السلطان طلبه طلباً ظاهراً، ووكّل بمنازله وحرمه سنتين](24).
وليست هذه الحقيقة تعبر عن رأي أصحاب تلك الأقوال، كما إنها ليست رأياً لغيرهم من العلماء، إنما هي النصوص القاطعة التي لا مجال لتأويلها.
ونؤثر أن ننقل للمستمعين لهذه المناظرة ما كتبه عنها المحدّث الخبير (شيخ المحدّثين في القرن الخامس) الإمام محمّد بن الحسن الطوسي، في كتابه القيم «الغيبة» فهو أدّق ما يكون, قال بعد أن بيّن بياناً قاطعاً من نصوص السنة في كتب أهل السنة، وكتب الاثني عشرية، أن أوصياء الرسول الأكرم هم الأئمة الاثنا عشر: «ويدلّ أيضاً على إمامة ابن الحسن [الإمام الثاني عشر المهدي عليه السلام] وصحّة غيبته ما ظهر وانتشر من الأخبار الشائعة الذائعة عن آبائه عليهم السلام قبل هذه الأوقات بزمان طويل، من أنّ لصاحب هذا الأمر غيبة، وصفة غيبته وما يجري فيها من الاختلاف، ويحدث فيها من الحوادث، وإنّه يكون له غيبتان إحداهما أطول من الأخرى، وإن الأولى يعرف فيها خبره، والثانية لا يعرف فيها أخباره، فوافق ذلك على ما تضمنته الأخبار، ولولا صحّتها وصحّة إمامته لما وافق ذلك، لأنه لا يكون إلاّ بإعلام الله تعالى على لسان نبيّه صلى الله عليه وآله, ونحن نذكر من الأخبار التي تضمّنت ذلك طرفاً؛ ليعلم صحّة ما قلناه، لأنّ استيفاء جميع ما روي في هذا المعنى يطول، وهو موجود في كتب الأخبار»(25).
وقال بعد أن بيّن بياناً كاملاً من الأحاديث المتواترة عن الرسول الأكرم ـ صلى الله عليه وآله ـ ومن الروايات المتواترة عن الأئمة الاثني عشر، أن حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر من الحقائق القطعية والحتمية: «والأخبار في هذا المعنى [أي في غيبة الإمام المهدي رضوان الله عليه] أكثر من أن تحصى ذكرنا طرفاً منها لئلا يطول به الكتاب, على أن هذه الأخبار متواتر بها لفظاً ومعنى, وأمّا اللفظ فإنّ الشيعة تواترت بكلّ خبر منه، وأمّا المعنى فإنّ كثرة الأخبار، واختلاف جهاتها وتباين طرقها وتباعد رواتها يدلّ على صحتها»(26).
واعتبر الإمام العظيم الشيخ المفيد حقيقة الغيبة من الحقائق الكبرى في الإسلام، فلننظر كيف وصف ـ رضي الله عنه ـ تلك الحقيقة ورسمها بما يناسب شأنها الكبير في السنة النبوية القطعية, قال: «وقد سبق النص عليه [الإمام الثاني عشر] من نبي الهدى صلى الله عليه وآله ثم من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ونصّ عليه الأئمة عليهم السلام واحداً بعد واحدٍ إلى أبيه الحسن عليه السلام, ونصّ أبوه عليه عند ثقاته وخاصة شيعته»(27).
«وكان الخبر بغيبته [الإمام المهدي] ثابتاً قبل وجوده، وبدولته مستفيضاً قبل غيبته, وله قبل قيامه غيبتان، إحداهما أطول من الأخرى كما جاءت بذلك الأخبار»(28).
وآخر ما ننقله من أقوال كبار المحدّثين القدماء في شأن الأحاديث والروايات التي ذكرت حقيقة الغيبة، ما قاله المحدّث الكبير الإمام النعماني في كتابه القيّم والعظيم: «الغيبة», قال بعد أن ذكر النصوص والروايات المتواترة في إمامة الأئمة الاثني عشر, وفي حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر، وبعد أن شرحها بدقةٍ وعمق: «هذا الأحاديث التي يذكر فيها، أنّ للقائم عليه السلام غيبتين أحاديث قد صحّت عندنا بحمد الله، وأوضح الله قول الأئمة الاثني عشر عليهم وأظهر برهان صدقهم فيها، فأمّا الغيبة الأولى فهي الغيبة التي كانت السفراء فيها بين الإمام عليه السلام وبين الخلق قياماً منصوبين ظاهرين موجودي الأشخاص والأعيان، يخرج على أيديهم غوامض العلم، وعويص الحكم، والأجوبة عن كلّ ما كان يسأل عنه من المعضلات والمشكلات، وهي الغيبة القصيرة(29) التي انقضت أيّامها وتصرّمت مدّتها, والغيبة الثانية هي التي ارتفع فيها أشخاص السفراء والوسائط للأمر الذي يريده الله تعالى، والتدبير الذي يمضيه في الخلق، ولوقوع التمحيص والامتحان والبلبلة والغربلة والتصفية على من يدّعي هذا الأمر كما قال عزّ وجلّ: (مَا كانَ اللهُ لِيَذَرِ المؤمنينَ على ما أنتُم عليهِ حتّى يَميزَ الخبيثَ مِن الطيِّبِ، وما كان اللهُ ليُطلِعَكُم على الغَيبِ...)(30) وهذا زمان ذلك قد حضر، جعلنا الله فيه من الثابتين على الحقّ، وممّن لا يخرج في غربال الفتنة، فهذا معنى قولنا له غيبتان»(31).
«للمحنة الواقعة بهذه الغيبة التي سبق من رسول الله صلى الله عليه وآله ذكرها وتقدّم من أمير المؤمنين عليه السلام خبرها، ونطق في المأثور من خطبه والمروي عنه من كلامه وحديثه بالتحذير من فتنتها، وحمل أهل العلم والرواية عن الأئمة من ولده عليهم السلام واحد بعد واحد أخبارها حتّى ما منهم أحدٌ إلاّ وقد قدّم القول فيها، ووصف امتحان الله تبارك وتعالى اسمه خلقه بها»(32).
ويبقى بعد هذا البيان لحقيقة الغيبة في الحديث والروايات، القول بأنّ هذه الحقيقة العظيمة ـ حتى تستقر في العقل والقلب ـ بحاجة إلى بيان سير تدوينها في كتب الحديث، وقد تبيّن لنا بالأدلة القطعية العظيمة، إن أحاديث الغيبة كانت في البداية في صحيفة الإمام علي التي أملاها عليه النبي الأكرم، ثم نقلت إلى كتب الأصول القديمة ـ التي جمعت روايات الأئمة الاثني عشر من صحيفة الإمام علي ـ ثم نقلت في كتب مستقلة ـ سنذكرها عندما يتقدّم بنا الحوار ـ وكل ذلك تمّ قبل تحقق الغيبة في الواقع التاريخي، وعندما تحققت الغيبة ـ بعد أن كان الرسول الأكرم وأوصيائه الاثنا عشر يبينون للناس حتمية وضرورة وقوعها في المستقبل ـ قام المحدّثون بجمع الروايات من كتب الحديث، وجمع كتب الغيبة الحديثية الصغيرة ـ التي كتبت قبل الغيبة ـ في كتب كبيرة، أشمل من تلك الكتب الصغيرة، فبعد تحقق الغيبة في واقع الحياة، قام المحدّث الخبير الشيخ الأقدم محمّد بن إبراهيم النعماني ـ من أعلام القرن الرابع الهجري ـ بتأليف كتابه الكبير القيم الذي ضمّ الكثير من الأحاديث الصحيحة الصريحة بغيبة الإمام الثاني عشر، ثم قام في نفس القرن المحدّث الجليل الشيخ الصدوق بتأليف كتابه الكبير حول الغيبة، وفي النصف الأوّل من القرن الخامس كتب الشيخ المحدّث محمّد بن الحسن الطوسي كتاباً كبيراً حول الغيبة.
وبعد هذا العرض السريع المختصر في بيان كيفية تدوين أحاديث وروايات الغيبة, سوف نوضّح ونبيّن ذلك بصورة واسعة ومشروحة لعل أخي الشيخ عثمان يتراجع عن تشكيكاته, فنقول إن هذه الحقيقة ظهرت ابتداء من خلال:
أولاً: أحاديث الغيبة في صحيفة الإمام علي ـ كرم الله وجهه ـ:
بإملاء الرسول الأكرم ـ صلى الله عليه وآله ـ، وهي أقدم مجموعة حديثية دوّنت في حياة الرسول الأكرم ـ صلى الله عليه وآله ـ، واتفق على القيمة العظيمة والهائلة لتلك الصحيفة كبار محدّثي أهل السنة، وكبار محدّثي الاثني عشرية أمّا الذين ذكروها من أهل السنة فهم كثير, نشير إلى بعضهم، وفي هذه الصحيفة ينقل الدكتور محمّد عجّاج الخطيب ـ من كبار أهل السنة المهتمين في علم الحديث ـ عن محدثي أهل السنة القدماء قولهم: في أن «خبر صحيفة علي رضي الله عنه مشهور»(33)، أمّا الباحث السني المعاصر الدكتور رفعت فيقول في كتابه «صحيفة علي بن أبي طالب»: «إن هذه الصحيفة [صحيفة الإمام علي] فيها أمورٌ كثيرة وموضوعات متعددةٌ](34).
وقد تحدث عن أهمية «صحيفة علي» كبار علماء أهل السنة في العصور القديمة والحديثة(35)، واكتسبت تلك الأهمية لوجود الروايات ـ في كتب الحديث السنيّة ـ التي بينت اهتمام الرسول الأكرم ـ صلى الله عليه وآله ـ بإملائها على الإمام علي، فكان ـ صلى الله عليه وآله ـ هو السبب في إيجاد «صحيفة الإمام علي»، وفي هذا نذكر الروايات السنيّة التالية التي تبين ما ذكرنا ولا تدع مجالاً للشك في اهتمام الرسول في تدوين تلك الصحيفة:
1 ـ روى كبار محدّثي أهل السنة بإسنادهم عن عائشة رضي الله عنها: «دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً بأديمٍ ودواةٍ، فأملى عليه، وكتب حتى ملاء الأديم»(36).
2 ـ وروى أئمة أهل السنة عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ إنها قالت: «دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأديم، وعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه عنده، فلم يزل رسول الله يملي، وعلي يكتب، حتى ملأ بطن الأديم، وظهره، وأكارعه»(37).
وبالتأمل في الروايتين نجد إنهما تقررا ـ أيضاً ـ أن صحيفة الإمام علي واسعة من حيث المساحة ومن حيث اشتمالها على أحاديث ذات مواضيع متعددة، ومن ثمّ يعبّر عنها بالكتاب والجامعة.
وليس هنا مكان تفصيل كلما جاء في هذه الصحيفة, فنكتفي بهذا القدر، على إنه ينبغي أن نشير أن كبار محدّثي أهل السنة إنما نقلوا(38) جزاء يسيراً من صحيفة الإمام علي ـ رضي الله عنه ـ بسبب المنع والحصار الذي فرضه السلطان على روايات الإمام علي ـ كما سبق أن ذكرنا في بداية هذا الحوار, حينما ذكرت للشيخ عثمان دور بني أمية في عزلنا عن أهل البيت ـ والجزء الأعظم من الصحيفة روي عن طريق الأئمة الإحدى عشر من ولد الإمام علي الذين لم يخضعوا لأمر السلطان, وقاموا بنشر روايات الإمام علي بين جماعة من أصحابهم وشيعتهم, ومن ثم يتضح السبب في اختلاف السنة والاثني عشرية في أمر الصحيفة من حيث حجمها ومضمونها.
وحتى تتضح الصورة الكاملة لـ«صحيفة الإمام علي»، سوف نستعرض ـ على سبيل الاختصار ـ نظرة الاثني عشرية إلى تلك الصحيفة العظيمة.
وفي شأن هذه الصحيفة نؤثر أن ننقل بعض ما روي في شأنها الإمام الأعظم الشيخ أبو الحسن علي بن الحسين ابن بابويه (من كبار أعلام الغيبة الصغرى260 ـ 329 هـ) شيخ المحدثين في زمانه وأعلمهم بشأن الصحيفة:
1 ـ روى بسنده عن أمّ سلمة، قالت: «أقعد رسول الله صلى الله عليه وآله عليّاً رضي الله عنه في بيته، ثمّ دعا بجلد شاةٍ فكتب فيه حتى أكارعه...»(39).
2 ـ وروى بسنده عن الإمام الباقر ـ رضوان الله عليه ـ عن آبائه، قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين ـ كرم الله وجهه ـ: أكتب ما أملي عليك...»(40).
وفي الوقت الذي يترك بعض المسلمين روايات الإمام علي يكون حينئذٍ من الطبيعي أن يتركوا الجزء الأعظم مما في تلك الصحيفة؛ بسب المحنة التي مرّت فيها روايات الإمام علي، في حين إننا وجدنا الأئمة الإحدى عشر من ولد الإمام علي يبذلون حياتهم، ويعرّضون أنفسهم لخطر السلطان من أجل تعليم أصحابهم وشيعتهم بما في تلك الصحيفة(41)، ويشعر المتدبر في روايات الأئمة الإحدى عشر حول تلك الصحيفة أنّها تحتل عندهم مكانة عظيمة لا يمكن أن يسمو إليها أي كتابٍ آخر من كتب الحديث, ومنهج الأئمة الإحدى عشر في التعريف بتلك الصحيفة وما فيها من المواضيع، يختلف عن منهج غيرهم اختلافاً تاماً، وكنت ـ وأنا أراجع روايات الأئمة الإحدى عشر في الصحيفة ـ أقف أمام أكبارهم وتعظيمهم لشأن تلك الصحيفة حتى أصبحت حية حاضرة في قلوبهم وحياتهم, ولم يحدث قط أن فارقوا تلك الصحيفة, ومن ثم لا يبلغ قول قائل في وصف «تلك الصحيفة» ولا في تبيين حجمها وتجلية محتواها ما يبلغه الأئمة الإحدى عشر. لذلك نؤثر أن نعرض نماذج من تلك الروايات الفريدة، في تعريف الناس بحقيقة الصحيفة، حتى يسمعوا ما قاله أوصياء الرسول الأكرم في شأنها:
1 ـ قال الإمام الباقر ـ الإمام الخامس من الأئمة الاثني عشر ـ في «صحيفة الإمام علي»: «هذا خطّ علي وإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله](42).
2 ـ وقال الإمام الصادق ـ الإمام السادس من الأئمة الاثني عشر ـ رضوان الله عليهم: «الكتاب(43) الذي هو إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخطّه علي رضي الله عنه بيده»(44).
3 ـ وقال الإمام الهادي علي بن محمّد بن علي بن موسى ـ الإمام العاشر من الأئمة الاثني عشر رضوان الله عليهم ـ: «إنّها لصحيفة بخط علي بن أبي طالب، بإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله](45).
إن المتمرس في روايات الأئمة الإحدى عشر ـ الذين تورثوا تراث الإمام علي ـ يجد أن منبعها تلك الصحيفة(46)، وحتى نثبت ذلك بالأدلة نذكر بعض ما جاء عن الأئمة الإحدى عشر ـ رضوان الله عليهم ـ في تبيين مصدر ومنبع أقوالهم:
1 ـ قال أبو دعامة: أتيت علي بن محمّد بن علي بن موسى [الإمام العاشر من الأئمة الاثني عشر رضوان الله عليهم] عائداً له في علّته التي كانت وفاته منها في هذه السنة، فلمّا هممت بالانصراف قال لي: يا أبا دعامة: قد وَجَبَ حقُّك، أفلا أحدّثك بحديث تسربه؟ فقلت له: ما أحوجني إلى ذلك يا ابن رسول الله, قال: حدّثني محمّد بن علي [الإمام التاسع رضي الله عنه] قال: حدّثني أبي علي بن موسى، [الإمام الثامن رضي الله عنه] قال: حدّثني أبي موسى بن جعفر [الإمام السابع رضي الله عنه] قال حدّثني أبي جعفر بن محمّد [الإمام السادس رضي الله عنه] قال: حدثني أبي محمّد بن علي [الإمام الخامس رضي الله عنه] قال: حدّثني أبي علي بن الحسين [الإمام الرابع رضي الله عنه] قال: حدّثني أبي الحسين بن علي [الإمام الثالث رضي الله عنه] قال: حدّثني أبي علي بن أبي طالب [الإمام الأول من الأئمة الاثني عشر رضوان الله عليهم]، قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ: أكتب يا علي.
فقلت: ما أكتب؟
قال: أكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، الإيمان ما وقرته القلوب، وصدّقته الأعمال، والإسلام ما جرى به اللسان وحلّت به المناكح.
قال أبو دعامة: فقلتُ: يا ابن رسول الله، ما أدري ـ والله ـ أيّهما أحسن؟ الحديث أم الإسناد؟(47).
فقال: إنّها لصحيفة بخطّ علي بن أبي طالب، بإملاء رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ، نتوارثها صاغراً عن كابر(48).
2 ـ يقول الإمام الصادق ـ رضوان الله عليه ـ: «حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدي وحديث جدي حديث الحسين وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، وحديث علي أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله، وحديث رسول الله قول الله عز وجل»(49).
والآن ـ بعد هذا البيان ـ نستطيع أن نقول:
إنما ذكرنا كتاب الإمام علي لأن هنالك تلازماً وثيقاً بين روايات الغيبة وكتاب علي ـ كرم الله وجهه ـ، بل هناك ما هو أكثر من التلازم, هناك الانبثاق, فأحاديث غيبة الثاني عشر هي فرع من أحاديث الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ في كتاب علي، ومن ثمّ فمعرفة كتاب علي ضرورة يفرضها منهج البحث عن حقيقة الغيبة.
وهنالك حقيقة لها أدلتها القوية تقول: ـ ولا بدّ من الالتفات إلى الحقيقة السابق ذكرها التي تقول إن روايات الأئمة الإحدى عشر في حقيقة الغيبة مصدرها ومنبعها كتاب علي كرم الله وجهه ـ إن روايات الأئمة الإحدى عشر المستخرجة من صحيفة الإمام علي جمعت من قبل أصحاب الأئمة وشيعتهم في الأصول والمدونات الأولية القديمة، التي تم كتابتها في عصر المحنة لأهل بيت النبوة قبل الغيبة، ومن ثمّ فهناك تلازم وثيق بين كتاب علي وبين روايات الأئمة الإحدى عشر من جهة، كما أن هناك تلازماً وثيقاً بين رواياتهم وبين الأصول والمدونات الأولية القديمة الحديثية من جهة أخرى ـ مثل الأصول الأربعمائة المشهورة ـ التي جمع أصحاب الأئمة وشيعتهم روايات الأئمة من كتاب الإمام علي ـ رضوان الله عليه ـ في تلك الأصول.
ولقد تضمنت الأصول الأولية القديمة ـ المصنفة قبل الغيبة ـ روايات الأئمة في حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر ـ رضوان الله عليه ـ، وتعتبر رواياتهم شرحاً وتوضيحاً لحقيقة الغيبة المرسومة من الرسول الأكرم ـ صلى الله عليه وآله ـ في صحيفة الإمام علي ـ رضوان الله عليه ـ.
تأمّل قول الإمام زين العابدين في رواية عنه من روايات الغيبة: «إي وربّي إنَّ ذَلِكَ مكتوبٌ عندَنا في الصحيفة» لتعلم أن منبع روايات الأئمة الإحدى عشر في حقيقة الغيبة، هي صحيفة الإمام علي ـ رضي الله عنه ـ بإملاء رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ.
ثانياً: الغيبة في الأصول الأولية القديمة الحديثية:
سبق أن ذكرنا أن الأصول الأولية هي المدونات الحديثية التي ضمت روايات الأئمة الإحدى عشر من صحيفة الإمام علي، ونحب أن نتحدّث أنه ليس هناك كالأصول الأولية في التعريف بنصوص حقيقة الغيبة, وفي هذا يقول الإمام المحدّث الخبير أبو الفتح محمّد بن عثمان الكراجكي ـ رضوان الله عليه ـ المتوفى سنة (588 هـ) في كتابه «الاستنصار في النص على الأئمة الاثني عشر الأطهار» كلاماً عميقاً, يستند على أدلة قوية سبق أن ذكرناها، ويبيّن حقيقة تاريخية مسلمة تقول: إن الأصول الأولية كتبت قبل الغيبة، وأدنى مراجعة لتراجمهم تثبت لنا أن مؤلفيها ماتوا قبل الغيبة، ثم يذكر أن الإخبار بالغيبة يرتبط بالنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ , ثم في النهاية يذكر الشيخ لفتة عميقة ذات قيمة كبيرة، تفرّق بين الرواية الدخيلة الموضوعة والرواية الصحيحة, فالرواية الكذوبة عندما تخبر عن أمرٍ سوف يقع في المستقبل لا بدّ أن يخذلها ويكشف زيفها المستقبل نفسه, أمّا الروايات الصحيحة الواردة في الغيبة، فقد وصفت الغيبة قبل تحققها في الواقع التاريخي بمائتين عاماً ثم نصرها الواقع، ولا شك أن الإخبار عن أمور الغيب لا يكون إلاّ من الله سبحانه، ويمضي الشيخ فيقول في حقيقة جمع أحاديث وروايات الغيبة في الأصول المدونة قبل تحقق الغيبة: «إن هذه الأخبار [أي الأخبار التي ذكرت حقيقة الغيبة] مضمنة في كتب سلفهم المعروفة بالأصول عندهم، مما قد مات مؤلفوها قبل الغيبة وكمال عدّة الأئمة الاثني عشر عليهم السلام، وكان الأمر موافقاً لما رووه من غير اختلاف والإخبار بالكائن قبل كونه لا يكون إلاّ من الله سبحانه وتعالى، ويؤخذ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وهذا مقنع لمن أنصف من نفسه»(50).
ويقول الشيخ الإمام محمّد بن النعمان المفيد ـ رضوان الله عليه ـ في بعض تلك الأصول القديمة: «صنّفت الإمامية من عهد أمير المؤمنين عليه السلام إلى عصر أبي محمّد الحسن العسكري عليه السلام أربعمائة كتاب تسمى الأصول»(51).
ومن المسلمات التاريخية، أنّه لم يؤلف شيء من هذا الأصول بعد الإمام الحادي عشر أبو محمّد الحسن العسكري, ومقتضى ذلك إنها كتبت قبل تحقق الغيبة, وقد كانت أحاديث الغيبة موزّعة في تلك الأصول الحديثية قبل تحقق الغيبة، وفي هذا يقول إمام المحدثين في القرن الرابع الهجري الشيخ الصدوق ـ رضوان الله عليه ـ: «إن الأئمة عليه السلام قد أخبروا بغيبته عليه السلام ووصفوا كونها لشيعتهم فيما نقل عنهم واستحفظ في الصحف ودوّن في الكتب المؤلفة من قبل أن تقع الغيبة بمائتي سنة أو أقل أكثر، فليس أحد من أتباع الأئمة عليهم السلام إلا وقد ذكر ذلك في كثير من كتبه ورواياته ودوّنه في مصنفاته, وهي الكتب التي تعرف بالأصول, مدوّنة مستحفظة عند شيعة آل محمد من قبل بما ذكرنا من السنين»(52).
وأحب هنا أن أشير إلى أن حقيقة الغيبة لم تنحصر بذكرها الأصول الأربعمائة، بل ذكرت ـ أيضاً ـ في مئات الأصول والمصنفات والكتب التي مات مؤلفوها قبل الغيبة والتي لا تقل شأنا عن الأصول الأربعمائة، ومن المعروف لدى القدماء والمتأخرين من أئمة علم الحديث أن الأصول والكتب والمصنفات التي دوّنها الاثنا عشرية قبل تحقق الغيبة، بسبب كثرتها وانتشارها في البلدان قد أعجزت العلماء، ومن ثم لم يستطيعوا حصرها في عددٍ معين، وفي هذا يقول الإمام المحدث الشيخ الطوسي ـ رضوان الله عليه ـ المتوفى سنة (460 هـ)، في مقدمة «فهرسته»: «ولم أضمن أن أستوفي ذلك إلى آخره [أي لم يضمن ذكر كل أصول ومصنفات وكتب الشيعة] فإن تصانيف أصحابنا وأصولهم لا تكاد تضبط لانتشار أصحابنا في البلدان وأقاصي الأرض»(53).
ويتحدّث الإمام الأكبر السيد محسن الأمين ـ رحمه الله ـ عن ذلك ويقول: «وصنف قدماء الشيعة الاثني عشرية المعاصرين للأئمة «الاثني عشر» من عهد أمير المؤمنين إلى عهد أبي محمّد الحسن العسكري من الأحاديث المروية من طريق أهل بيت عليهم السلام ما يزيد على ستة آلاف وستمائة كتاب مذكورة في كتب الرجال, على ما ذكره الشيخ محمّد بن الحسن بن الحّر العاملي صاحب الوسائل»(54).
وهذا العدد المذكور تقريبي واجتهادي في نظري؛ لأننا وجدنا أصحاب الفهارس القديمة قد عجزوا عن حصرها بعدد معين، وكتب الرجال لم تتكفل بذكر كل الكتب التي كتبها المعاصرون للأئمة الاثني عشر ـ رضوان الله عليهم ـ وحتى نزيد الأمر إيضاحاً، سوف نذكر بعض تلك الأصول والمصنفات والكتب، التي كتبت قبل تحقق الغيبة في الواقع التاريخي، وتضمنت روايات الغيبة.
ولعله يحسن ـ ليكون الأمر بيّناً وواضحاً بما يناسب أهميته ـ أن نذكر أثناء استعراضنا لهذه الأصول والمصنفات والكتب القديمة التي تضمنت روايات غيبة الإمام الثاني عشر ـ رضوان الله عليه ـ , نذكر بعض ما جاء حول تلك الأصول.
1 ـ كتاب(55) المشيخة(56): تصنيف الحسن بن محبوب السرّاد ـ رضي الله عنه ـ صاحب الإمام الرضا (الإمام الثامن من الأئمة الاثني عشر), وهو من الأصول الحديثية القديمة التي ذكرت أحاديث الغيبة قبل تحققها في الواقع التاريخي بأكثر من مائة عام، وفي هذا الكتاب القيّم يقول المحدّث الخبير أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي ـ رضوان الله عليه ـ (من كبار أعلام الإسلام في القرن السّادس الهجري): «ومن جملة ثقات المحدّثين والمصنّفين من الشيعة الحسن بن محبوب الزرّاد، وقد صنّف كتاب المشيخة، الذي هو في أصول الشيعة أشهر من كتاب المزني وأمثاله، قبل زمان الغيبة بأكثر من مائة سنة، فذكر بعض ما أوردناه من أخبار الغيبة، فوافق الخبر الخبر، وحصل كلّ ما تضمّنه الخبر بلا اختلاف.
2 ـ كتاب الغيبة: للشيخ الجليل العباس بن هشام الناشري الأسدي, والمتوفى سنة (219 هـ), كان ـ رضي الله عنه ـ من أصحاب الإمام الرضا عليه السلام ـ الإمام الثامن من الأئمة الاثني عشر ـ... وكان من الذين اهتّموا بتعريف الناس بحقيقة الغيبة قبل تحقق الغيبة.
3 ـ كتاب الغيبة: للفضل بن شاذان بن الخليل الأزدي النيشابوري المتوفى سنة (260 هـ), وقد ذكر فيه أحاديث الغيبة قبل تحققها في الواقع التاريخي، ثم اختصره(57) بهاء الدين علي بن غياث الدين عبد الكريم بن عبد الحميد النيلي، وما يزال الكتاب موجوداً إلى زماننا، ولمّا كان منهجنا في هذا الحوار مبنياً على الاختصار, فمن هنا نرجو من المستمعين لهذه المناظرة أن يراجعوا هذه الكتب ويقرؤون الروايات بأنفسهم, ولاحظ يا شيخ عثمان وكل المستمعين يجب أن يلاحظون إننا ذكرنا في البداية أحاديث الرسول في حققية الغيبة، ثم ذكرنا بعد ذلك روايات الأئمة الاثني عشر في تلك الحقيقة، وقصدنا من هذا تبيين أن روايات الأئمة الاثني عشر ـ رضي الله عنهم ـ , ما هي إلا شرح وتوضيح لما ورد عن الرسول الأكرم فـي شأن غيبة الإمام الثاني عشر ـ رضوان الله عليه ـ ولا يمكن أن تختلف مع وصف الرسول الأكرم للغيبة، وفي هذا يقول الإمام الرضا رضي الله عنه ـ الإمام الثامن من الأئمة الاثني عشر ـ: «لأنا لا نرخص في ما لم يرخّص فيه رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ولا نأمر بخلاف ما أمر به رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ فأمّا أن نستحل ما حّرم رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أو نحرّم ما استحل رسول الله فلا يكون ذلك أبداً، لأنا تابعون لرسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ مسلّمون له كما كان رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ تابعاً لأمر ربه مسلّما له، وقال الله عز وجل: وما آتاكم الرسّول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا] (58).
بهذه الأصول والمصنفات والكتب الحديثية كلها يستشعر المسلم أهمية حقيقة الغيبة, فليست أمراً ثانوياً، إنما هي من الحقائق الأولية المرسومة منذ حياة النبي الأكرم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ، وعندما يتصورّها المسلم على هذا النحو، لا جرم سوف ترتفع قيمتها في نفسه، وسوف يبحث عنها بجدية، ويرفع من اهتمامه في دراستها, ومن هنا كانت حقيقة الغيبة عند الاثني عشرية من أهم الأسباب التي جعلتني أترك الوهابية وانتقل إلى الاثني عشرية.
ومرة أخرى نتناول بعض كتب الغيبة الحديثية، لكننا في هذه المرة سوف نتحدث عن الكتب التي كتبت بعد الغيبتين الكبرى أو الصغرى.
1 ـ كتاب الغيبة والحيرة(59): للشيخ الجليل أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري، من أصحاب الإمام الهادي(60) [الإمام العاشر من الأئمة الاثني عشر] ـ رضوان الله عليهم ـ، والإمام الحسن العسكري(61) [الإمام الحادي عشر من الأئمة الاثني عشر] يشتمل كتابه على رواياته في حقيقة الغيبة، التـي جمعها بعد تحقق الغيبة الصغرى وقبل تحقق الغيبة الكبرى.
روى بسنده عن الإمام الصادق جعفر بن محّمد عن آبائه ـ رضوان الله عليهم ـ، قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه واله وسلم ـ فـي الإمام المهدي: «تكون له غيبة وحيرة»(62).
2 ـ كتاب الغيبة وكشف الحيرة(63): للشيخ الجليل والفقيه الفاضل، أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن صفوان الجمّال وقعت الغيبة في زمانه، وكان من أعلام الغيبة الصغرى (260 ـ 329 هـ)، وعندما رأى ـ رحمه الله ـ الغيبة قد تحققت في الواقع التاريخي بعد أن كان من رواة أحاديثها، أظهر البهجة والفرحة، بعد أن صدّق الله ـ سبحانه وتعالى ـ نبيّه الأكرم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وصدّق أوصياءه.
وفي نهاية البحث عن سير تدوين أحاديث الغيبة سأذكر هذه الثلاثة الكتب الأخيرة في الغيبة, وهي «الغيبة» للنعماني و«وإكمال الدين في الغيبة» للصدوق, و«الغيبة» للطوسي, وأريد هنا أن أبين أن أصحاب الكتب الأخيرة كانوا ينقلون من الأصول والكتب والمصنفات في القرن الأول والثاني والثالث، التي ذكرت النص على الأئمة الاثني عشر, وذكرت أحاديث المهدي وأحاديث الغيبة, ومن هنا نجدهم في موارد عديدة يصرحون بأسماء تلك المصنفات والكتب والأصول ويبينون إنها موجودة بين أيديهم, ويكفي أن نراجع ما قاله الشيخ الصدوق في كتابه [من لا يحضره الفقيه], وهكذا ما قاله الشيخ الطوسـي في كتابه [تهذيب الأحكام] فسوف نستيقن أنهم نقلوا من الكتب التي كتبت في القرون الثلاثة الأولى والتي ما يزال بعضها موجوداً إلى زماننا, وقد راجعتها وطابقت بين تلك الكتب القديمة وبين ما نقلة أصحاب الكتب الثلاثة, فوجدت لديهم الدقة والأمانة العلمية والتحري القوي الذي يبين مصداقية علماء هذا المذهب العظيم, والحمد لله الذي هدانا إلى الاثني عشرية.
3 ـ كتاب الغيبة: للشيخ المحدّث الجليل الإمام محمّد بن إبراهيم النعماني (من أعلام القرن الرابع الهجري) وأحسن من يتحّدث عن هذا الكتاب القيم، هو الإمام الشيخ المفيد (من أعلام الإسلام في القرن الرابع الهجري)(64), قال بعد أن ذكر الروايات الواردة فـي النص على إمامة الإمام الثانـي عشر ـ رضي الله عنه ـ: «وهذا طرف يسير ممّا جاء في النصوص على الثاني عشر من الأئمة رضوان الله عليهم، والروايات في ذلك كثيرة قد دونها أصحاب الحديث من هذه العصابة وأثبتوها في كتبهم، فممّن أثبتها على الشرح والتفصيل محمّد بن إبراهيم المكنّى أبا عبد الله النعماني في كتابه الذي صنفه في الغيبة»(65).
وتأتي أهمية الكتاب أنه كتب في عصر المحنة التي وقعت بعد تحقق الغيبة، وقد أشار إلى هذا شيخنا الإمام النعماني ـ رضوان الله عليه ـ في مقدمة كتابه, قال: «وشكّوا جميعاً إلاّ القليل، في إمام زمانهم [أي الإمام الثاني عشر] وولي أمرهم وحجة ربّهم التي اختارها بعلمه, كما قال جل وعز: (وربّك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة)(66), للمحنة الواقعة بهذه الغيبة التي سبق من رسول الله ذكرها»(67).
ولقد كان لكتابه أثراً كبيراً في معالجة تلك المحنة, وفي الحقيقة أن كتاب الغيبة للنعماني هو الكتاب الذي جعلني أسلّم لحقيقة الغيبة بعد أن كنت من أشد المنكرين لها, ويعد منذ قرون عديدة مرجعاً للمحدّثين ولكل الباحثين عن حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر في أحاديث الرسول الأكرم وروايات أوصيائه ولا أدري أي حديث أو رواية أنقل من هذا الكتاب؛ لكثرتها وصغر وقت الحوار، فليراجع إخواني الحاضرين من الوهابيين الروايات التي ذكرها الإمام النعماني في كتابه.
4 ـ كمال الدين وإتمام النعمة في إثبات الغيبة وكشف الحيرة(68): لشيخ المحدثين الإمام الصدوق المتوفى سنة (381 هـ)، ويعد الموسوعة الثانية ـ بعد كتاب الغيبة للنعماني ـ التي جمعت الأحاديث والروايات الواردة في حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر, ويتحد مع كتاب الغيبة للمحدّث الإمام النعماني ـ رضوان الله عليه ـ في الغاية من تأليفه، فبعد وفاة علي بن محمّد السمري في سنة (328 أو 329 هـ) وتحقق الغيبة الكبرى في الواقع التاريخي، شكّ بعض الضعفاء في حقيقة الغيبة، وكتب خصوم الاثني عشرية كتباً في ردّ الغيبة، فتصدّى لهؤلاء الإمام الصدوق, وبذل جهداً عظيماً في إحياء حقيقة الغيبة وإنهاضها.
والحاجة إلى جلاء تلك الحقيقة الأساسية تقتضي القراءة العميقة لكتابه مع ملاحظة أن المؤلّف لم يقصد جمع الأحاديث الصحيحة في حقيقة الغيبة فحسب، بل ذكر في كتابه كلما روي في حقيقة الغيبة من رواية صحيحة وضعيفة، لكنه في مقام الاستدلال لم يستند إلاّ على الرواية الصحيحة, وفي هذا يقول ـ رضوان الله عليه ـ في كتابه المذكور: «إنّما صحّت لي (غيبة الإمام الثاني عشر) بما صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة (الاثني عشر) من ذلك بالأخبار التي بمثلها صحّ الإسلام وشرائعه وأحكامه»(69).
وأريد التنبيه أنه عندما تثبت حقيقة بالأحاديث المتواترة، وتصبح من الحقائق اليقينية، فلا غرابة من مجرّد ذكر الرواية الضعيفة لأنّها حينئذٍ ستذكر على سبيل الاستشهاد, لا على سبيل الاستدلال.
وأخيراً قد كنّا نرغب أن نذكر ـ هنا ـ بعض ما رواه في كتابه بشأن حقيقة الغيبة ونذكر ما قاله فيها، لكنّا لسنا بحاجة إلى ذلك؛ لأن الكتاب موجود في كل مكان من أنحاء العالم الإسلامي وغير الإسلامي.
5 ـ كتاب الغيبة(70): للشيخ الإمام محمّد بن الحسن الطوسي ـ رضوان الله عليه ـ المتوفى سنة (460 هـ), وهو شيخ المحدّثين في زمانه، ويعد كتابه الموسوعة الثالثة بعد كتابي الشيخ الإمام النعماني والشيخ الإمام الصدوق, والكتاب جمع الأحاديث والروايات الواردة عن النبي وأهل البيت في الغيبة. وتصدّى للرد على إشكالات المنكرين والمشككين فيها, وفي هذا الكتاب القيم يقول الشيخ الطهراني(71): «وكتاب الغيبة للشيخ الطوسي هذا هو من الكتب القديمة الذي يمتاز على غيره، فإنه قد تضمّن أقوى الحجج والبراهين العقلية والنقلية على وجود الإمام الثاني عشر, محمّد بن الحسن صاحب الزمان عليه السلام وعلى غيبته في هذا العصر, ثم ظهوره في آخر الزمان فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً»(72).
وبعد قد تضمّن هذا البحث الأدلة القوية على حقيقة الغيبة، ومن يرغب التوسّع فليراجع الكتب المتخصصة في حقيقة الغيبة، وهي كثيرة حسب تتبعنا حتى أننا وجدنا مصداقية قول العلامة المجلسي في أن: «أكثر أصحاب الكتب من أصحابنا أفردوا كتاباً في الغيبة»(73)، وعلى المستمع لهذه المناظرة أن يلتمس هذه الحقيقة في الموسوعات الحديثية الثلاث التي سبق أن ذكرناها(74)، وفي الكتب الكبيرة التي كتبت في حقيقة الغيبة وهي كثيرة، قال فيها العلامّة المحقق الطهراني ـ رضوان الله عليه ـ صاحب كتاب الذريعة: «قد كَتَبَ في غيبة الإمام الثاني عشر كثير من الأعلام الخاصة والعامّة من المتقدمين والمتأخرين منها مخطوط، ومنها مطبوع»(75).
وأخيراً فإننا سنحاول تلخيص سير تدوين أحاديث الرسول الأكرم وروايات الأئمة الاثني عشر، في كتب الحديث، بعد أن تحدثنا عنها بصورة واسعة وطويلة، ولا شك أن جلاء ومعرفة سير تدوين أحاديث وروايات الغيبة سوف تكشف لنا عن الحقائق الأساسية التالية:
الأولى: حقيقة أن أحاديث الغيبة، كانت في البداية في صحيفة الإمام علي بإملاء الرسول الأكرم.
والثانية: حقيقة أن روايات الأئمة الإحدى عشر في الغيبة، كان منبعها ومصدرها صحيفة الإمام علي.
والثالثة: حقيقة أن أحاديث الرسول الأكرم وروايات الأئمة الإحدى عشر في الغيبة جمعت في الأصول والمدونات القديمة, التي مات مؤلفوها قبل تحقق الغيبة في الواقع التاريخي.
والرابعة: وحقيقة أنّها جمعت في كتب مستقلة صغيرة ـ قبل الغيبة ـ بعد أن كانت موّزعة في الأصول والمدونات القديمة.
والخامسة: حقيقة أنّها جمعت في كتب مستقلة كبيرة بعد تحقق الغيبة في الواقع التاريخي بزمان قصير.
وبعد فتلك الحقائق الخمس هي خلاصة سير تدوين أحاديث وروايات الغيبة، وبعد أن انتهينا من دارسة سير تدوين أحاديث وروايات حقيقة الغيبة في كتب الحديث نحبّ أن نعرف كيف تجلّت حقيقة الغيبة في عقل وقلب الذين كانوا من علماء أهل السنة, لكن تلك الحقيقة بكل دلائلها، وبكل تأثيراتها أجبرتهم أن يتركوا مذهب أهل السنة ويدخلوا مذهب الاثني عشرية وهم كثير، وسوف نذكر بعض كتبهم التي برهنت وأوردت الحجج القوية على غيبة الإمام الثاني عشر ـ رضي الله عنه ـ.
1 ـ صاحب «كتاب الغيبة» الشيخ الجليل محمّد بن مسعود العياشي(76) ـ رضوان الله عليه ـ، ذكره الشيخ النجاشي(77) وابن النديم(78) والشيخ الطوسي(79) ولقد كان ـ رضي الله عنه ـ من أهل السنة لكن حقيقة الغيبة أصبحت حاضرة في عقله وقلبه، بعد أن قرأ وجمع النصوص النبوية التي توجب الإيمان والتصديق بها.
وفي الحقيقة إنني كنت ـ أثناء مراجعة تراجم بعض قدماء أهل السنة الذين دخلوا مذهب الاثني عشرية ـ أقف متسائلاً كيف ترك أولئك الأعلام مذهبهم السني؟! وكيف أصبح المذهب الاثنا عشري حاضراً في عقولهم وقلوبهم وفي حياتهم على هذا النحو العجيب؟
كيف امتلأت قلوبهم وعقولهم بهذه الحقيقة ـ حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر ـ هذا الامتلاء؟ ولكن لم أكن أدرك كيف تم هذا؟! حتى عدت إلى الأحاديث النبوية الصريحة أقرؤها وأبحث فيها حقيقة الغيبة, فوجدتها تتحدث عن حقيقة الغيبة وصفتها بشكل صريح, وهنا فقط أدركت كيف تم هذا كله! وعرفت لماذا ترك بعض علماء أهل السنة مذهبهم واتبعوا مذهب الاثني عشرية؟! إنهم كانوا غافلين عن أحاديث الرسول الأكرم ـ صلى الله عليه وآله ـ في الأئمة الاثني عشر وفي غيبة المهدي, ولما ذهبت عنهم الغفلة آمنوا بالغيبة.
والآن نعود إلى موضوعنا وحسبنا في هذه العجالة ما ذكرناه، ونرجع المستمع لهذه المناظرة إلى الأحاديث والروايات التي ذكرت في المصادر التي ذكرناها في ثنايا هذا الحوار، وللإمام العياشي أحاديث كثيرة رواها بسنده عن النبي الأكرم ـ صلى الله عليه وآله ـ، وروايات متعددة رواها بسنده عن الأئمة الاثني عشر, ذكرت وشرحت خاصية الغيبة يمكن مراجتها في الكتب المتخصصة التي سبق أن ذكرناها.
2 ـ ومنهم الإمام العظيم أبو جعفر محمّد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي ـ رضوان الله عليه ـ كان من كبار علماء أهل السنة الذين عاشوا في فترة الغيبة الصغرى (260 هـ ـ 329 هـ) لكنه بعد أن عرف الحق اتبعه وقال كلمته المشهورة بين العلماء المحققين: «نقل إليهم أسلافهم ـ أي أسلاف الاثني عشرية ـ حالة (الإمام الثاني عشر) وغيبته، وصورة أمره واختلاف الناس فيه عند حدوث ما يحدث وهذه كتبهم فمن شاء أن ينظر فيها فلينظر»(80).
أمّا الذين تركوا المذهب السني ورحلوا إلى المذهب الاثني عشري في القرن العشرين, فلا يمكن لنا حصرهم ولا يعلم عددهم إلاّ الله, حتى إنه يمكن أن نسمي هذا القرن قرن معرفة الاثني عشرية, وفي هذا يقول الكاتب الوهابي المعروف الأستاذ ربيع بن محمّد السعودي أثناء ذكره لانتشار الاثني عشرية في مصر: «وبعد: ففي زيارة لمصر بعد انقطاع عنها بدأت أحسّ باتجاه جديد, ومما زاد عجبي أن إخواناً لنا ومنهم أبناء أحد العلماء الكبار المشهورين في مصر، ومنهم طلاب علم طالما جلسوا معنا في حلقات العلم، ومنهم بعض الإخوان، سلكوا هذا الدرب، وهذا الاتجاه الجديد وهو التشيع»(81).
ونحن نقول: إن ظاهرة انتشار الاثني عشرية لم تنحصر في مصر وحدها, بل هي ظاهرة عمّت كل العالم, وأنا أعرف أن هنالك المئات من أهل اليمن الذين انتقلوا إلى المذهب الاثني عشري، ويقول الكاتب الوهابي الدكتور ناصر بن عبد الله القفاري: «وقد تشيع الكثير, ومن يطالع كتاب «عنوان المجد في تاريخ البصرة ونجد» يجد قبائل بأكملها قد تشيعت»(82) والله الموفق والهادي والمعين لمعرفة الحق المبين.
ويقول والكاتب الوهابي المعاصر الدكتور علي أحمد السالوس: «والشيعة الإمامية الجعفرية الاثنا عشرية أكبر الفرق الإسلامية المعاصرة»(83), وعندما نبحث عن الأسباب التي جعلت أهل السنة يتركون المذهب السني ويدخلون المذهب الاثني عشري حتى أصبح ذلك المذهب أكبر المذاهب الإسلامية المعاصرة, سوف نجد لهذه الخاصية ـ خاصية الغيبة ـ العظيمة دوراً كبيراً في الدخول إلى المذهب الاثني عشري، ويصوّر الكاتب الوهابي المعاصر مجدي محمّد علي محمّد حالة أحد أهل السنة الذين جذبته خصائص المذهب الاثني عشري، وبدأ يشك في مذهبه السابق ويقول: «جاءني شاب من أهل السنة حيران، وسبب حيرته أنّه قد امتدت إليه أيدي الشيعة، حتى ظن المسكين أنهم (يعني: الاثني عشرية) ملائكة الرحمة وفرسان الحق ـإلى أن يقول ـ لم يفلح ذلك كله مع صاحبي»(84)، لقد غابت عن فضيلة الشيخ مجدي حقيقة عظيمة, تقول: إن من عرف خصائص الاثني عشرية فمن العبث أن تحاول أن ترجعه إلى مذهبه السابق.
وقد حدثت لي قصة قريبة من القصة التي ذكرها الشيخ «مجدي» فبعد انتقالي من الوهابية إلى الاثني عشرية, كان عمّي يتلطف معي ويقول أنا على يقين إنك لا يمكن أن تصبح اثني عشرياً لاسيّما وأنت قرأت عند العلماء ولست من الجاهلين، وبذل كل جهده من أجل أن أعود من جديد إلى الوهابية, وبعد حوار طويل بيني وبينه، وهو حوار الابن مع أبيه، قال لي يا بني إن كان لديك إشكالاً فتحاور مع الدكتور عبد الوهاب الديلمي(85)، ودار بيني وبين الدكتور حواراً طويلاً, وكان عمّي يراقب الحوار, ثم دار في نفس المجلس بيني وبين الأخ الشيخ عبد الله صعتر حواراً, وحين شعر عمي إنه لا جدوى في الحوار, خرج من إطار الحوار إلى إطار التهديد بالقتل والخطف, وبدأ يحذّر أقربائي وأصدقائي من معاشرتي, ولكن الذي أدرك خصائص الاثني عشرية، وآمن بهذه الخاصية (خاصية الغيبة)، وآمن بالأئمة الاثني عشر، لا يمكن لأي قوّة ـ مهما بلغت ـ أن تفصل بينه وبين خصائص المذهب الاثني عشري؛ لأن هذه الخصائص تجذب الإنسان إليها بحركة لا شعورية, وما يدري بنفسه إلاّ وقد أصبح عاشقاً ومحباً ومتفانياً لكل خاصية من خصائص الاثني عشرية, بحيث يقبل أن يضحي بنفسه وحياته وسمعته وشخصيته ومكانته؛ من أجل خاصية واحدة من خصائص المذهب الاثني عشري, ومن المحال أن يستطيع أن يتخلى عن أي خاصية من خصائص هذا المذهب, وحينئذ تصبح كل معانات الغربة والبعد عن الأقرباء, وكل التهديدات والإهانات، ويصبح انعدام التأمين على حياته وفقدان كل آماله التي كان يحلم بها سابقاً، ومفارقة الأصدقاء بل مخاصمتهم, تصبح كل تلك المعانات ملذات يأنس بها أكثر مما كان يأنس بالأقرباء والأصدقاء وبالمكانة الاجتماعية أو الوظيفة الدنيوية؛ لأن أي خاصية من خصائص الاثني عشرية قد أصبحت أعزّ عليه من كلّ قريب وصديق, وأعزّ عليه من أبيه وأمه ومن نفسه وسمعته ومستقبله ووظيفته ومكانته؛ لأنه يشعر بعد أن عرف خصائص الاثني عشرية أنه صار يمتلك كل شيء، فليأخذ بخاصية من خصائص الاثني عشرية, وبعد ذلك فليخسر كل أمرٍ يرتبط بهذه الدار الفانية، لأنه أصبح يشعر بلذةٍ سماوية عجيبة ليست في شيء من هذه الدنيا الفانية.
إنه أصبح يقف في أعلى هرم في العالم (أعني: هرم الاثني عشرية), وينظر من أعلى نقطة في هذا الهرم العظيم إلى ذلك المذهب الذي كان ينتمي إليه, كما ينظر الرجل العظيم للطفل الصغير, ليس استعلاءً وكبرياء على مذهبه السابق، ولكن لأنه أصبح يقف في أعلى نقطة من هرم الاثني عشرية, ومن المعلوم أن هذا الهرم من عجائب العالم.
إنه لا يمكن أن يدرك عظمه خاصية ـ أي خاصية ـ من خصائص الاثني عشرية إلاّ من عاش في الوهابية، كما أنه لا يمكن لنا أن ندرك خاصية النور إلاّ إذا عشنا في الظلام.
والآن سوف نذكر بعض علماء أهل السنة الذين تركوا التعصب لمذهبهم, وأذعنوا للحق بعد أن اطلعوا على الأدلة القوية التي تثبت إمامة الأئمة الاثني عشر, وتثبت حقيقة الغيبة؛ من أجل أن يدرك أخي الشيخ عثمان أن هنالك الكثير من العلماء الذين سبقوني للدخول إلى هذا المذهب العظيم, ولا يمكن لنا أن نذكرهم جميعاً حتى لا يتضخم حجم هذا الحوار الذي أردت منه مجرد الرد على أخي الشيخ عثمان.
1 ـ منهم صاحب كتاب (تذكرة الخواص): «تذكرة خواص الأمّة في خصائص الأئمة»(86), العلامة يوسف بن فرغلي بن عبد الله البغدادي الحنفي ـ رضوان الله عليه ـ سبط أبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي(87), المتوفى سنة (654 هـ), وقد كان من أبزر علماء أهل السنة الذين جذبتهم الأدلة القوية الواردة في حقيقة الغيبة، وذكر في كتابه النصوص النبوية الصريحة في النص على الأئمة الاثني عشر، والنصوص النبوية الصريحة في وجوب الإيمان والتصديق بغيبة الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر ـ رضوان الله عليه ـ ولم يستطع هذا العالم العظيم أن يخفي الحق الذي عرفه، ونذكر الآن بعض من أثنى عليه من علماء أهل السنة.
قال فيه العلامة محمّد عبد الحي في كتابه «الفوائد البهية في تراجم علماء الحنفية»: «تفقه وبرع وسمع من جده لأمه ابن الجوزي, وكان عالماً فقيهاً وكان واعظاً، حسن المجالسة، مليح المحاورة فارساً في البحث مفرطاً في الذكاء له تصانيف...] (88). منها شرح صحيح مسلم(89).
ومن يتأمّل في كتابه «تذكرة الخواص», سوف يعرف أنه في هذا الكتاب يثبت إمامة الأئمة الاثني عشر, ويثبت غيبة الإمام الثاني عشر, ومن خلال بعض مقتطفاتنا منه سوف يتبين صدق ما ذكرناه, فبعد أن ذكر الأئمة الإحدى عشر من الأئمة الاثني عشر عقد فصلاً في ذكر الإمام الثاني عشر ثم قال: «فصل في ذكر الحجة المهدي, هو محمّد بن الحسن بن علي بن محمّد بن علي الرضا بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ـ رضوان الله عليهم ـ وكنيته أبو عبد الله وأبو القاسم, وهو الخلف الحجة صاحب الزمان، القائم والمنتظر، والتالي، وهو آخر الأئمة، أنبأنا عبد العزيز بن محمود بن البزاز عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي وكنيته ككنيتي, يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، فذلك هو المهدي» وهذا حديث مشهور(90).
وقال في موضع آخر: «وقد جمع الأئمة ـ أي الأئمة الاثني عشر ـ أبو الفضل يحيى بن سلامة الحصكفي في قصيدته المشهورة التي أنشدنيها جماعة من مشايخنا ببغداد:
أم اتَهموا أم أيمنوا أم أنجَدوا |
هُم الحياةُ اعرقوا أم اشأموا |
حظُّهُمُ وَحظّ عَيْني السّهَدُ |
ليهنهِم طيبُ الكَرَى فإنّهُ |
فأين صَبرِي بَعدَهُم والجَلَدُ |
هُمُ تَوَلّوا بالفؤادِ وَالكَرَى |
لكنْ نُحولي بِالغَرامِ يَشْهَدُ |
لولا الضّنا جَحَدْتُ وَجْدى بهمُ |
وَما لمَن يَظلِم فيهِم مُسعدُ |
تَلهُفاً يا جور حُكّام الهَوَى |
وَلا عَلى القاتِلِ ظُلماً قَوَدُ |
لِيس عَلى المُتْلَفِ غَرمٌ عندَهم |
إقرأ إعلاناً به أم إجحدُ |
وسائل عن حُبِّ أهل البَيتِه َلـ |
حُبُّهمُ، وهوَ الهُدى والرّشَدُ |
هَيْهاتَ ممزُوجٌ بلَحمي وَدَمي |
ثمّ علي وابنُهُ محمّدُ |
حَيدَرَةٌ والحَسنانِ بَعدَهُ |
موسى، وَيَتلوهُ علي السّيدُ |
وَجَعفرُ الصّادِقُ، وابنُ جعفرٍ |
ثمّ علي وابنُهُ المُسَدّدُ |
أعني الرّضا، ثمّ ابنُهُ محمّدٌ |
محمّدُ بن الحَسنِ المفتَقَدُ |
الحَسَنُ التالي وَيَتلُو تِلوَهُ |
وَإن لحَاني مَعشرٌ وَفَنّدُوا |
فإنّهم أئِمّتي وَسَادَتي |
أسماؤهُم مَسرودَةٌ لا تُطرَدُ |
أئِمّةٌ أكرِم بهِم أئمةً |
وَهُم إلَيهِ مَنْهجٌ وَمَقَصدُ |
هُم حُجَجُ الله عَلى عِبادِه |
وَفي الدّياجي رُكّعٌ وَسُجّدُ |
كلُ النّهارِ صَوّمٌ لِرَبّهِم |
هَل شَكَ في ذلك إلّا مُلحِدُ |
قَومٍ أتى في «هل أتى»(94)مديحهم |
لا بَل لَهُم في كلّ قلبٍ مشهدُ |
قَومٌ لَهُم في كلّ أرضٍ مَشهَدُ |
والمَروتانِ لَهم وَالمسجِدُ |
قَومٌ منى(95)، والمَشّعَرَ إنِ لَهمُ |
خيف(91)وجمعٌ(92)وَالبقيعُ(93)الفرقدُ |
قَومٌ لَهم مَكّةُ وَالأبطَحُ(96) وَالـ |
يَعرِفُهُ المُشرِكُ وَالمُوَحّدُ |
قَومُ لَهم فَضلٌ وَمَجدٌ باذخٌ |
ثم ذكر سبط ابن الجوزي الرسول الأكرم ـ صلى الله عليه وآله ـ وأوصياءه في بيتين, قال: وقال آخر:
بأربعة أسـماء كلهـم محمّـد |
وأربعـة أسـماء كلـهـم علـي |
وبالحسنين السيدين و جعفر |
وموسى أجرني إنني لهم ولي(97) |
2 ـ وصاحب كتاب (الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمة)(98): وهو الإمام العلامة علي بن محمّد بن أحمد الشهير بابن الصبّاغ المالكي ـ رضوان الله عليه ـ المتوفى سنة (855 هـ) كان من كبار علماء أهل السنة في القرن التاسع الهجري, وهو من الذين اطلعوا على النصوص الصريحة في الأئمة الاثني عشر, والنصوص الصريحة في غيبة الإمام الثاني عشر، وقد كتب كتابه «الفصول المهمة» في إثبات إمامة الأئمة الاثني عشر وإثبات غيبة الإمام الثاني عشر، ويكفينا في الدلالة على هذا أنه في هذا الكتاب، بعد أن ذكر الأدلة النقلية والعقلية في النصّ على إمامة الأئمة الاثني عشر، قال: «الفصل الثاني عشر, في ذكر أبي القاسم محمّد الحجة الخلف الصالح ابن أبي محمّد الحسن الخالص، وهو الإمام الثاني عشر, وتاريخ ولادته ودلايل إمامته وذكر طرف من أخباره وغيبته ومدة قيام دولته وذكر كنيته ونسبه, وغير ذلك مما يتصل به»(99). ثم نقل رحمه الله كلاماً للشيخ الإمام المفيد ـ رضي الله عنه ـ على سبيل الإقرار والتسليم به، قال: «قال صاحب الإرشاد الشيخ المفيد, أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان ـ رحمه الله ـ: كان الإمام بعد أبي محمّد الحسن ابنه محمّداً ولم يخلف أبوه ولداً غيره, وقد سبق النص عليه [الإمام الثاني عشر] في ملّة الإسلام من النبي محمّد صلى الله عليه وآله وكذلك من جدّه علي بن أبي طالب ومن بقية آبائه أهل الشرف والمراتب, وهو صاحب السيف القائم المنتظر, كما ورد ذلك في صحيح الخبر, وله قبل قيامه غيبتان أحدهما أطول من الأخرى»(100).
وفي الحقيقة إن من تأمل في «الفصول المهمة» سوف يستيقن أن هذا الكتاب يحكي تحولاً مذهبياً عند الإمام ابن الصبّاغ المالكي ـ رضوان الله عليه ـ , ومن ثم فأنا أعتبره من المستبصرين الذين دخلوا في المذهب الاثني عشري.
3 ـ وصاحب كتاب (فرائد السمطين): في فضائل المرتضى والبتول والسبطين والأئمة من ذريتهم, وهو شيخ الإسلام المحدّث الكبير إبراهيم بن محمّد ابن المؤيد الجويني الشافعي ـ رضوان الله عليه ـ المتوفى سنة (730 هـ)(101)، ينتهي نسبه إلى الصحابي العظيم أبي أيوب الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ , كان من أعلام أهل السنة، وعندما عرف أحاديث النص على إمامة الأئمة الاثني عشر وأحاديث الغيبة ترك العصبية المذهبية, وأذعن للحق وانتقل من مذهب أهل السنة إلى مذهب الاثني عشرية, وبإمكانكم أن ترجعوا إلى رواياته عن الغيبة بسنده، فبعد أن رواها وذكرها وأقرّ بها نقل ـ رحمه الله ـ كلاماً للإمام الطبرسي، على سبيل الإقرار والتسليم به، قال: «قال الطبرسي: هذا بعض ما جاء من الأخبار من طرق المخالفين ورواياتهم في النص على عدد الأئمة الاثني عشر رضوان الله عليهم، وإذا كانت الفرقة المخالفة قد نقلت كما نقلته الإمامية ولم تنكر ما تضمَّنه الخبر، فهو أدلّ دليل على أن الله تعالى هو الذي سخَّرهم لروايته إقامةً لِحجَّته وإعلاءً لكلمته، وما هذا الأمر إلاّ كالخارق للعادة والخارج عن الأمور المعتادة، ولا يقدر عليه إلاّ الله سبحانه الذي يذلّل الصعب ويقلّب القلب، ويسهّل العسير وهو على كل شيء قدير»(102).
4 ـ وصاحب كتاب ينابيع المودّة(103): الشيخ الحافظ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي(104) ـ رضوان الله عليه ـ توفي سنة (1294 هـ), كان من كبار علماء أهل السنة الذين عرفوا حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر، وقد روى في كتابه ما يدل عليها ولا يتسع الوقت إلى ذكرها, وبعد أن ذكر رواياته عن الغيبة قال ـ رضي الله عنه ـ ناقلاً ومقرّاً ومصدّقاً: «قال بعض المحققين: إن الأحاديث الدالة على كون الخلفاء بعده صلى الله عليه وآله وسلم اثني عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة, فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان, علم أن مراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حديثه هذا, الأئمة الاثني عشر من أهل بيته وعترته, إذ لا يمكن لأن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلتهم عن اثني عشر, ولا يمكن أن نحمله على الملوك الأموية لزيادتهم على اثني عشر ولظلمهم الفاحش إلاّ عمر بن عبد العزيز, ولكونهم غير بني هاشم؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: كلهم من بني هاشم، في رواية عبد الملك عن جابر, وإخفاء صوته صلى الله عليه وآله وسلم في هذا القول يرجح هذه الرواية؛ لأنّهم لا يحسنون خلافة بني هاشم ولا يمكن أن نحمله على الملوك العباسية لزيادتهم على العدد المذكور ولقلة رعايتهم الآية: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى) (105)، وحديث الكساء, فلا بدّ أن يحمل هذا الحديث على الأئمة الاثني عشر من أهل بيته وعترته صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنهم كانوا أعلم أهل زمانهم وأجلهم وأورعهم وأتقاهم وأعلاهم نسباً وأفضلهم حسباً، وكانت علومهم عن أبائهم متصلة بجدهم صلى الله عليه وآله وسلم وبالوراثة واللدنية, كذا عرفهم أهل العلم والتحقيق وأهل الكشف والتوفيق، ويؤيد هذا المعنى ـ أي إن مراد النبي في أن الأئمة الاثني عشر من أهل بيته ـ ويشهد له ويرجحه حديث الثقلين والأحاديث المتكررة المذكورة في هذا الكتاب وغيره، وأمّا قوله صلى الله عليه وسلم: كلهم يجتمع عليه الأمة، في رواية عن جابر بن سمرة, فمراده صلى الله عليه وآله وسلم أن الأمة تجتمع على الإقرار بإمامة كلهم وقت ظهور قائمهم»(106).
أرجو من كل مستمع لهذه المناظرة أن يتأمّل ويتعمّق فيما نقله وأقرّ به وأن يعيد قراءته من جديد, فما ذكره يعد من أعظم ما قيل في توضيح وشرح معنى الحديث الذي أجمع على صحته كل علماء الإسلام(107).
وهكذا.. وهكذا.. هناك المئات من أهل السنة الذين لم يتعصبوا لمذهبهم وأذعنوا للحق لمّا عرفوا الأحاديث التي يستند عليها وعندما أدركوا أن حقيقة الغيبة مستمدة من السنة النبوية، ونستكفي بمن ذكرناهم حتى لا يتضخّم حجم الحوار, ولأن وقت الحاضرين لا يتسع للسماع, فلا شكّ أن تقرير حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر تشغل مساحة واسعة في كتب بعض أهل السنة الذين ثبتت لهم تلك الحقيقة بالأحاديث والروايات المتواترة القطعية, فمن أراد التفصيل الكامل فليرجع إلى الكتب والموسوعات التي تخصصت في البحث عن حقيقة الغيبة في كتب القدماء, الذين تركوا مذهب أهل السنة واتبعوا مذهب الاثني عشرية.
ويبقى بعد هذا البيان لحقيقة الغيبة ـ وهي خاصية هامة وهائلة من خصائص الاثني عشرية ـ أن نقول ـ ونحن في نهاية الحوار عن هذه الخاصية ـ: إن هذه الحقيقة الهامة قد آمنت بها بعض الفرق الإسلامية المخالفة للاثني عشرية, بل ودوّنوا ما ورد فيها من الروايات في كتب مستقلة قبل تحقق الغيبة ـ وإنما ذكرت ذلك, لأن الشيخ عثمان شنّع على عقيدة الغيبة بسبب إنها عقيدة بعض المخالفين للاثني عشرية ـ نذكر بعض تلك الكتب:
1 ـ كتاب نصرة الواقفة: لعلي بن أحمد الموسوي، وقد كان من المخالفين للاثني عشرية، وروى في كتابه بعض روايات الغيبة, قبل تحققها بأكثر من مائة عام(108).
ونذكر هنا، أن صاحب الكتاب من الذين وضعوا الغيبة في غير موضعها وخالفوا الاثني عشرية الذين التزموا بالأحاديث والروايات المتواترة، التي تنصّ على أن صاحب الغيبة هو الإمام الثاني عشر, وقد اشتهر بين المسلمين في القرون القديمة أن جمهور الشيعة يقولون بإمامة الأئمة الاثني عشر وأن صاحب الغيبة هو الإمام الثاني عشر، وإن الذين خالفوهم ووضعوا الغيبة في غير موضعها ـ أي قالوا بغيبة غير الإمام الثاني عشر ـ كانوا شرذمة قليلة انقرضوا في العصور القديمة، وفي هذا يقول المؤرّخ الكبير القديم المسعودي الذي تحققت الغيبة الكبرى في زمانه(109): «في سنة ستين ومائتين قبض أبو محمّد الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام, ـ أي الإمام الحادي عشر ـ في خلافة المعتمد وهو ابن تسع وعشرين، وهو أبو المهدي المنتظر والإمام الثاني عشر عند القطعية من الإمامية وهم جمهور الشيعة»(110).
وتأمّل يا شيخ عثمان في عبارات ذلك المؤرخ الكبير حتى لا تقول إن جمهور الشيعة خالفوا الاثني عشريه «وهم جمهور الشيعة» لتعلم أن جمهور الشيعة منذ القرون القديمة كانوا يقولون بإمامة الأئمة الاثني عشر ويعتقدون أن الثاني عشر من الأئمة ـ محمّد بن الحسن العسكري ـ هو الإمام المهدي المنتظر وهو صاحب الغيبة، أمّا الذين خالفوا جمهور الشيعة، من الذين كانوا يزعمون أنهم من الشيعة, ثم يضعون الغيبة في غير موضعها, وينسبونها لغير صاحبها ـ الإمام الثاني عشر ـ من غير دليل أو حجة, فقد انقرضوا في زمان قريب من زمان ظهورهم ـ كما سبق أن ذكرنا ـ وكان منهم صاحب كتاب «نصرة الواقفة», كما كانت مشكلة بعض أولئك تتعلق بالخطأ في فهم بعض أحاديث وروايات الغيبة, ومن ثم عندما رجعنا إلى تراجم الكثير منهم وجدناهم كانوا عندما يعرفون الحقيقة يلتحقون بجمهور الشيعة من الاثني عشرية, بعد أن يستبين لهم بالدليل القطعي أن الأحاديث والروايات المتواترة صريحة وقاطعة بأن صاحب الغيبة هو الإمام الثاني عشر لا الشخص الذي اختاروه من عند أنفسهم، وهذه الرواية تصوّر لنا دور الأئمة الاثني عشر في توضيح وتبيين من هو صاحب الغيبة، وقد كان لذلك التوضيح والتبيين ثمرة كبيرة في هداية الذين لم يصيبوا في معرفة صاحب الغيبة.
روى المحدث الجليل الإمام الشيخ الصدوق ـ بسنده ـ عن السيد الحميري قال: قلت للصادق جعفر بن محمد، يا ابن رسول الله قد روي لنا أخبار عن آبائك عليهم السلام في الغيبة وصحة كونها فأخبرني بمن تقع؟ فقال عليه السلام: إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدى وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله أوّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وآخرهم القائم بالحق، بقية الله في أرضه، وصاحب الزمان، والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً»(111).
فالذين وضعوا الغيبة في غير موضعها ونسبوها لغير صاحبها قد خالفوا النصوص الصريحة إما عمداً أو خطأً لكنهم لم يستطيعوا إنكار أصل أحاديث الغيبة الواردة عن الرسول الأكرم؛ لأنها كانت من الأمور المسلّمة عند الجميع, ومن ثم قال شيخ المحدثين في القرن الرابع الإمام الشيخ الصدوق ـ رضي الله عنه ـ وقد كان قريباً من عصر تحقق الغيبة الكبرى: «إنّ الناس لمّا صحّ لهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر الغيبة الواقعة بحجة الله تعالى ذكره على خلقه, وضع كثير منهم الغيبة في غير موضعها»(112).
2 ـ كتاب الغيبة(113): الذي ألّفه قبل تحقق الغيبة بأكثر من مائة عام الحسن بن علي بن أبي حمزة سالم البطائني، وقد كان من المخالفين لمذهب الاثني عشرية, وذكر في كتابه بعض أحاديث الغيبة وقد كان معاصراً للإمام الثامن من الأئمة الاثني عشر [أعني: الإمام الرضا رضي الله عنه].
3 ـ كتاب الصفة في الغيبة(114): كتبه عبد الله بن جبلة بن حيّان كان فقيهاً ثقة مشهوراً، توفي سنة (219 هـ)، وهو من الكتب التي كتبت قبل الغيبة بأكثر من مائة عام.
ولا نستطيع في هذا الحوار أن نذكر جميع كتب المخالفين للاثني عشرية في هذه الحقيقة الأساسية ـ حقيقة الغيبة ـ , وليس هذا الذي نحاوله في هذا الحوار, لذلك نؤثر أن نقتصر بذكر تلك الكتب.
وبعد هذه هي حقيقة الغيبة عند الاثني عشرية، وعندما نقرأها كما هي في كتب الاثني عشرية، ندرك حقيقتها في حين الذي يقرأ هذه الحقيقة كما رسمتها الوهابية بطريقة شنيعة فسوف ينفر من هذه الحقيقة العظيمة والفريدة في هذا المذهب العظيم.
وهكذا نأتي إلى نهاية هذا الحوار بيني وبين أخي الشيخ عثمان, ونحن نبحث عن الغيبة، بعد أن تجلّت لنا حقيقة الغيبة ـ بأدلّتها ـ في أحاديث النبي وروايات الأئمة، وقد بذلنا قصارى جهدنا في تبيينها وتوضيحها، ومهما يكن حجم جهدنا قليلاً لكنه بداية الطريق لمن يريد التعرّف على هذه الحقيقة، فأمّا حين يرغب أن تتسع معرفته، فلن يستغني عن الكتب المتخصصة، ويلاحظ المستمع لهذه المناظرة أن أدلّة حقيقة الغيبة قوية إذا أُدركت، أمّا الذين يدركون تلك الأدلة ثم يجحدونها فليس لنا معهم الجدل الجاد وإنّما هو المرء الذي لا يستحق الاحترام.
وقبل أن نختم ننبّه إلى شبهة صدرت من قبل الوهابيين في هذه المناظرة, تقول: إن أحاديث وروايات الغيبة كانت لأجل تبرير تحقق الغيبة في الواقع التاريخي، ونقول في جواب هذه الشبهة: إن أحاديث وروايات الغيبة, لو كانت كما يزعمون لكان يجب عليهم إثبات أن الغيبة تحققت في الواقع التاريخي قبل وجود أحاديث وروايات الغيبة، ولا يمكن لهم إثبات ذلك, ـ فقد أثبتنا بالأدلة القوية القاطعة أن أحاديث الغيبة كانت في صحيفة الإمام علي بإملاء الرسول, ومن ثم فوجودها كان قبل الغيبة بأكثر من مائتين عاماً ـ , وكان ينبغي لهم معرفة إنّما هي الأحاديث الدخيلة والموضوعة التي تأتي لتبرير ما وقع في التاريخ وصبغته بالصبغة الشرعية, وتكون متأخرة زمناً من الحدث التاريخي الذي تبرره، أمّا الأحاديث والروايات المتواترة القطعية التي تحدّثنا عن المستقبل القريب أو البعيد ـ مثل أحاديث وروايات غيبة الإمام الثاني عشر ـ فإنّها توجد قبل الحدث التاريخي وعندما تحقق في الواقع التاريخي تكون من معجزات خاتم الأنبياء الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
والحمد لله الذي ألهمنا معرفة هذه الحقيقة العظيمة, وأعتذر من سماحة الشيخ عثمان الخميس وكل الحاضرين إن كنت أطلت والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.