عربي
Friday 8th of November 2024
0
نفر 0

الرسول الأكرم (ص) في التوراة والإنجيل

الرسول الأكرم (ص) في التوراة والإنجيل

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وأزكى الصلاة وأتمّ التسليم، على سيد الأنبياء والمرسلين شفيع الذنوب وطبيب القلوب، أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آل بينته الطيّبين الطاهرين، وصحبه الأخيار الميامين أما بعد.

لقد رفضت الكنيسة المسيحية منذ فجر الإسلام، فكرة بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بالنبوّة والرسالة الإلهية المباركة، ولطالما كانت الأسباب غامضة، إذ لم يحاول رجال الدين المسيحيون أن يبحثوا بتعمّق في هذا الجانب، أو حتّى أن يفسحوا المجال للحوار البنّاء في هذا المضمار.

 

 


والآن بعد مرور حوالي أربعة عشر قرناً ونيّف، أصبحت الأمة الإسلامية واقعاً فارضاً لنفسه على جميع الأديان والفرق الأخرى، ورسالة إصلاحيّة لا يستهان بها وبنتائجها، لها قواعدها ونواميسها معتقداتها الخاصّة والمستقلّة، والتي تحضّ على الخير وتنهى عن الشرّ والعدوان فتحارب أهله لحماية المستضعفين، تأمر بالمعروف وتنهى عن الفحشاء والمنكر.

وهذا دليل قاطع على وحي والهية الرسالة الإسلامية وكمالها، وتأكيد جازم على نبوة محمد صلى الله عليه وآله وعلى صدق ما أتى به من إرشادات ومفاهيم.

وانطلاقاً من هذا الواقع، ارتأينا نحن وأحد الرهبان الأجلاء أن نفتح باباً منظماً للحوار البنّاء، على أن نضح دوماً الهدف الأسمى (كشف الحقيقة) نصب أعيننا.

ومن مواضيعنا المطروحة للمباحثة والمناقشة الموضوعية (نظرة المسيحية إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وقد استعملنا أسلوب السائل والمجيب لاختصار الوقت والمسافة وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 


الحوار:

المضيف: لقد تشرّفت بحضوركم إلى منزلي المتواضع وأنا من المقدرين لبحوثكم ونشاطاتكم، في مجال إيواء الرعية المسيحية تحت جناح الدين والمحبة، ولسعيكم الدائم بنية صافية للتقريب بين المجتمعين المسيحي والإسلامي.

ومن هذا المنطلق الطيّب أتجرّأ وأسأل، لماذا يرفض المسيحيون فكرة بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى ماذا يستندون في ادّعائهم بأنّه ليس بنبي أو رسول؟

الراهب: لقد تشرّفت بدوري بلقائنا هذا، وأتمنى أن نكون واقعيين في حوارنا، وأن لا ينحاز أحدنا إلى طرف دون الآخر فنقع في فخ التعصّب، ومن البديهي أن تعلم أنّ المسيحية ترتكز على الكتاب المقدس في مواقفها وأحكامها بأيّ مضمار أو شأن، ولقد رفضت الرسول محمّد لأنّ الكتاب المقدس يؤكّد على عدم مجيء أيّ نبيّ بعد المسيح حيث نقرأ في إنجيل متى 7: 15 إلى 2..

(احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة من ثمارهم تعرفونهم كل شجرة

 

 


جيّدة تصنع أثماراً رديئة وأمّا الشجرة الرديئة فتصنع أثماراً جيّدة... إذا من ثمارهم تعرفونهم).

وهذا تحذير واضح وطلب نهائي بعدم اتخاذ أو تصديق الأنبياء الذين سيظهرون بعد المسيح.

المضيف: لقد فسرتم هذا النصّ بأسلوب يتلاءم مع رفضكم لرسول الله صلى الله عليه وآله، ولو أردتم الحقيقة لوجدتم أنّ المسيح عليه السلام يحذّر فقط من الأنبياء الكذبة وبالتالي يعطي مواصفات لهم كمقياس للتفريق فيما بينهم، ومجرّد وضع هذا المقياس دليل على مجيء الصالحين والطالحين، الصادقين والكاذبين، وقد وردت ثمار كلّ منهما في الكتاب المقدس وهي على قسمين:

1- أعمال الجسد: حيث نقرأ: (أعمال الجسد... هي زنى عهارة نجاسة دعارة عبادة أوثان سحر عداوة شقاق خصام غيرة سخط تحزّب بدعة حسد قتل سكر بطر وأمثال هذه... والذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله).

2- ثمار الروح: (روح الرسالة النبوية الشريفة) فهي: (محبّة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان ووداعة وتعفف)..

 

 


فأيّ الصفات برأيكم تنطبق على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى الإسلام كشريعة لا كأتباع.

الراهب: إننا لا ندّعي أنّ رسولكم يحمل مثل هذه الصفات الدنيئة (أعمال الجسد) لكننا نفترض ونقول إنّه كان زاهداً مصلحاً مؤمناً تأثّر بالشريعة الموسويّة التي أتاه بها جدّه اسماعيل، فأراد أن يظهر للناس إمكانيّة قيام العدل بدل الظلم والعلم والعمل بما يرضي الله بدل الجاهلية فابتدع دين أسماه الإسلام بنيّة حسنة وقصد شريف. وقد جزم الكتاب المقدس بعدم مجيء أيّ رسول بعد المسيح بدليل أوضح من الذي علقتم عليه إذ نقرأ (لأنّه يوجد إله وسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح) تيماوثاوس 2: 15.

المضيف: لقد أمر المسيح عليه السلام وتلاميذه بحسب نصّ الكتاب المقدس بامتحان الرسالات والأنبياء لا برفضها وهذا دليل على مجيء من هم على صواب ومن هم على خطأ ووضع الميزان للتمييز بينهم حيث نقرأ في إنجيل يوحنا 4: 1 ـ 3:

(أيها الأحبّاء لا تصدّقوا كلّ روح (رسالة وحي) بل امتحنوا

 

 


الأرواح (الأنبياء) هل هي من الله لأنّ أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم، بهذا تعرفون روح الله (رسول الله) كلّ روح يعترف بيسوع المسيح أنّه قد جاء في الجسد فهو من الله وكلّ روح لا يعترف أنّه جاء في الجسد فليس من الله وهذا هو روح ضد المسيح الذي سمعتم أنّه يأتي والآن هو في العالم).

إنّ هذا النصّ يعتبر دليلاً على إمكانيّة بعث رسول آخر بعد المسيح عليه السلام بل تأكيد على حصول ذلك والشرط! هو أن يعترف هذا النبيّ بأنّ المسيح قد جاء بالجسد، وهذا ما يعلّمه الإسلام في محكم تنزيل الله إذ نقرأ في سورة المائدة الآية 75: (ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمّه صديقة كانا يأكلان الطعام أنظر كيف نبيّن لهم الآيت ثم انظر أنى يؤفكون) وممّا لا شكّ فيه أنّ الذي يأكل الطعام كان موجوداً بالجسد.

وهكذا يكون الكتاب المقدّس قد وقّع على وثيقة القرآن الكريم عندما وضع هذا الشرط كقاعدة للتفريق والتمييز بين الرسالات الإلهية الصادقة، وبين الرسالات البشرية الكاذبة الواهمة.. ولمعرفة النبيّ المرسل من الدخيل الدجّال.

 

 


الراهب: بغضّ النظر عن التفسير الحر في المقدّم من قبلكم، فإنّي أعتقد انّ لهذه الآيات تفاسير مجازيّة وقد تدلّ على الروح القدس الذي رافق الأخوة التلاميذ منذ بداية عملهم الكرازيّ، ولا تعني بالضرورة إمكانية المجيء بنبوّة أو رسالة أخرى وقد حذّر المسيح من الأنبياء الذين سيأتون بعده حيث قال: (لأنّه سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة وسيعطون آيات عظيمة (كالقرآن) وعجائب (كالإسراء والمعراج) حتى يضلّوا لو أمكن المختارين أيضاً ها أنا قد سبقت فأخبرتكم) متى 24: 24.

ولن نسمح للشيطان بخداعنا أبداً بظهوره أمامنا على شبه ملاك نور (1كو: 11: 14) فلو شاء المسيح ان يعلم بمجيء نبيّ بعده لما قال أنّه الوسيط الوحيد بين الله والناس، ولكان الكتاب المقدس متضمناً للتعاليم والنبوّات الدالّة على ذلك وهذا ما لم يحصل أبداً..

المضيف: لقد كان الأنبياء كلّ على شاكلته وسطاء بين الله والناس كلّ في عصره ذلك كونهم يحملون الرسالة الإلهية لأتباعهم، والمسيح عليه السلام عندما قال بأنّه الوسيط الوحيد كان يقصد بلا أدنى شك، الزمان الذي أرسل فيه ولم يشتمل قوله هذا المستقبل.


 


وأمّا بخصوص النبوات عن رسول الله صلى الله عليه وآله في الكتاب المقدس وضمن تعاليم المسيح عليه السلام فهي كثيرة، علماً أنّها لا تظهر للجميع باستثناء من نوّر الله تعالى بصره وبصيرته، فالشيطان قد (أعمى أذهان غير المؤمنين لئلاً تضيء لهم إنارة مجد الإنجيل) 2 كو: 4: 4 ومن هذه النبوات نذكر ما يلي:

كيف ينبأ الكتاب المقدس بالرسول محمد صلى الله عليه وآله؟

ورد في إنجيل يوحنا 1 ك 25 و 26: (وكان المرسلون من الفريسيين فسألوه وقالوا له (أي يوحنا) فما بالك تعمد إن كنت لست المسيح ولا إيليا ولا النبي فأجابهم يوحنا قائلاً أنا أعمد بالماء ولكن في وسطكم قائم... الذي لا أستحق أن أحل سيور حذائه)..

ورد هذا النصّ في متوسّط قصّة التمهيد لمجيء المسيح عليه السلام من قبل المكلف بذلك يوحنا المعمدان وقد أتى إليه الفريسيّون بعد تلك الضجّة التي نتجت عن دعوته ليسائلوه، فقالوا له كيف تعمد إن لم تكن أنت المسيح ولا إيليا ولا النبي؟

والسؤال الذي يطرح نفسه من هو هذا النبي الذي ينتظره اليهود؟

 

 


فإيليا هو نفسه يوحنا المعمدان بحسب ما ورد في إنجيل متى 7: 12 و 13 وقد جاء بحسب الترتيب قبل المسيح عليه السلام، والمسيح كان الممهد له من قبل إيليا، فمن هو المقصود بالنبيّ والذي يأتي ثالثاً بحسب ترتيب الرواية الإنيجلية؟

لا شكّ أنه طرف ثالث ياتي بعد المسيح عليه السلام وهو المذكور في نبّوات العهد القديم، إنّه من سلالة إسماعيل عليه السلام والذي أقرّيتم به منذ قليل عندما وصفتم رسول الله بأنّه متأثّر به في السؤال الماضي وقد ورد ذكره في سفر التثنية 33: 1 ـ 3 حيث نقرأ.

(وهذه هي البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته فقال جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من سعير وتلألأ من جبل فاران... وعن يمينه نار شريعة لهم).

من الملفت للنظر ذكر ثلاثة أماكن يأتي منها نور الله وهي:

أولاً: سيناء:

وتقع في مصر أرض بني يعقوب منشأ الرسالة الإلهيّة الأولى الناموس الموسوي (التوراة).

ثانياً: سعير:

وهي في أرض فلسطين موطن المسيح عليه السلام

 

 


وقد فاقت قوتها الأولى إذ يقول: إنّه أشرق منها بينما جاء فقط من سيناء .

ثالثاً: جبل فاران:

وهو من أسماء الجزيرة العربيّة موطن النبيّ محمد صلى الله عليه وآله والظهور فيها هو الأتمّ إذ يقول: إنّ نور الله قد تلألأ منها والتلألؤ هو أفضل درجات الجلاء والوضوح والظهور.

ولكن كيف نستطيع أن نظهر أوجه الربط بين إسماعيل عليه السلام والرسول محمّد وأرض فاران؟

من المعلوم في التاريخ أن الرسول صلى الله عليه وآله يعود بنسله إلى جدّه إسماعيل عليه السلام وقد ذكرته التوراة قبل بعثه بآلاف السنين حيث نقرأ في سفر التكوين 16: 7 إلى 11: (يا هاجر جارية ساراي من أين أتيت وإلى أين تذهبين فقالت أنا هاربة من وجه مولاتي ساراي فقال لها الملاك أرجعي إلى مولاتك... وقال لها ملاك الرب تكثيراً أكثر نسلك فلا يعدّ من الكثرة... ها أنت حبلي فتلدين أبناً وتدعين أسمه إسماعيل لأنّ الرب قد سمع لمذلّتك).

 

 


لقد كان لإبراهيم عليه السلام ابنان إسماعيل وإسحاق وقد وعد الله تعالى أباهما بأن يجعل له منهما نسلاً مباركا ويخرج منهما أمم قويّة فتلعب دورها في إيصال الرسالة الإلهية إلى الناس حيث نقرأ في سفر التكوين 21: 13: (لأنّه بإسحاق يدعى لك نسلاً وبان الجارية أيضاً أجعله أمة لأنه نسلك).

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أصول العقیدة الإسلامیة وأرکانها
لماذا اعرض الصحابة عن مدلول حديث الغدير
قلب المؤمن عرش الله
الثبات على المبدأ
الفتور المعنوي بعد المواسم العبادية
فضل التبليغ وأهدافه
الزهراء عليها السلام وعلاقتها بالتوحيد
عصمة الأنبياء (عليهم السلام) عند المذاهب ...
الخروج من القبر
التقية المحرمة والمکروهة عند الشيعة الإمامية

 
user comment