عربي
Thursday 7th of November 2024
0
نفر 0

سعة دائرة الحلال

الخط الثاني : سعة دائرة الحلال

عـمـدت الشريعة الاسلامية الى توسعة المساحة التي يمكن للانسان ان يتحرك في حدودها خارج اطار الالزام الشرعي الى اقطى حد ممكن , عن طريق اطلاق عنان المكلف في الامور التي لم تبين له , ولم يرده بشانها دليل او بيان خاص :
قال تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) ((70)) .
وقال تعالى : ( لا يكلف اللّه نفسا الا ما آتاها ) ((71)) .
وورد في الحديث عن رسول اللّه (ص ) انـه قال :
(( الـحلال ما احل اللّه في كتابه , والحرام ما حرم اللّه في كتابه , وما سكت عنه فهومما عفا عنه )) ((72)) .
وعنه (ص ) انه قال :
(( ان اللّه فـرض فـرائض فـلا تضيعوها , وحد حدودا فلا تعتدوها , وحرم اشيا فلاتقربوها , وترك اشيا عن غير نسيان فلا تبحثوا عنها )) ((73)) .
وعن ابي عبداللّه الصادق (ع ) انه قال :
(( ما حجب اللّه علمه عن العباد فهو موضوع عنهم )) ((74)) .
وعن عبد الاعلى بن اعين قال :
(( سالت ابا عبداللّه (ع ) عمن لم يعرف شيئا هل عليه شي ؟ قال : لا )) ((75)) .
وعنه (ع ) انه قال :
(( كل شي فيه حلال وحرام فهو لك حلال ابدا حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه )) ((76)) .
وعنه (ع ):
(( ان اللّه عزوجل احتج على الناس بما آتاهم وما عرفهم )) ((77)) .
وفي الحقيقة ان الافعال المباحة قد تنشا في واقع الامر من ملاكات اقتضائية ,فتكون رغبة المولى سبحانه وتعالى متوجهة الى اطلاق عنان المكلف فيها , وعدم تعامله معها على نمط التعامل مع الاحكام الالزامية .
مـن هنا نرى ان الشريعة الاسلامية تحافظ دائما على توفير هذا الجو الاختياري للمكلف , وتكييف الـعـوامـل الـملائمة له , لكي يتوازن السلوك الانساني , ولا يتعرض الى التخلخل والاضطراب , ويروى : ان النبي (ص ) صنع شيئا ترخص فيه , وتنزه عنه القوم , فحمد اللّه ثم قال :
(( ما بال اقوام يرغبون عما رخص لي فيه فواللّه لانا اعلمهم باللّه واشدهم له خشية )) ((78)) .
وقـد دعى الاسلام من خلال اصوله ومبانيه الثابتة الى ان ياخذ الانسان نصيبه من الحياة الدنيا , عن طريق الممارسات المحللة , والتصرفات المشروعة , واكدعلى ضرورة ان يستوفي كل عضو من اعـضـا الانسان حظه من الراحة والاستجمام , وان تعطى النفس حقها من الالتذاذ والتنعم بما اباحه اللّه لعباده , قال تعالى :
( قـل مـن حرم زينة اللّه التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آم نوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة .. ) ((79)) .
وفـي واقـع الامـر ان هذه التوسعة تعبر عن واحد من اهم المقومات الاساسية التي تساهم في اثرا حـركـة الانسان التكاملية نحو اللّه تعالى , واعطائها صورة متكافئة , لاتتحجم في الجانب العبادي الـخـاص وتذوب فيه الى درجة الانهماك التام , ولا تنساب مع الملاذ من دون قيود وحدود , ولذا نرى ان الاسلام يشجب حالة الرهبنة والانعزال عن المجتمع , ويحارب ظاهرة القسوة بحق النفس الانسانية , وتحميلها المشاق والصعوبات ,ويوجه الانسان بدلا عن ذلك نحو السلوك المتوازن الذي يـحـفـظ حـق اللّه وحـق الـنفس معا , ولا يناى عن الحياة الاجتماعية الى حيث الاذكار والاوراد والعبادات الخالية من روح النفع والعطا.
وقد ورد في هذا الشان :
(( ان ثلاثة رهط جاؤوا الى بيوت ازواج النبي (ص ) يسالون عن عبادته (ص ) ,فلما اخبروا كانهم تقالوها , فقالوا : واين نحن من النبي (ص ) وقد غفر اللّه له ما تقدم من ذنبه وما تاخر ؟ فقال احدهم :
امـا انـا فاني اصلي الليل ابدا , وقال الاخر : اني اصوم الدهر ولا افطر , وقال الاخر : اني اعتزل الـنـسـا فـلا اتـزوج ابـدا , فجا رسول اللّه (ص )فقال : انتم الذين قلتم كذا وكذا , اما واللّه اني لاخـشـاكـم للّه واتـقاكم له , لكني اصوم وافطر , واصلي وارقد , واتزوج النسا , فمن رغب عن سنتي فليس مني )) ((80)) .
وجا عن الامام الرضا(ع ) انه قال :
(( ان امراة سالت ابا جعفر(ع ) فقالت : اصلحك اللّه اني متبتلة , فقال لها : وماالتبتل عندك ؟ قالت : لا اريـد التزويج ابدا, قال : ولم ؟ قالت : التمس في ذلك الفضل , فقال :انصرفي فلو كان في ذلك فضل لكانت فاطمة (ع ) احق به منك , انه ليس احد يسبقها الى الفضل )) ((81)) .
الى غير ذلك من الاحاديث التي شجبت ظاهرة الانزوا والرهبنة والانعزال عن المجتمع البشري , والتي سناتي على شطر منها في لاحق دراستنا هذه ان شا اللّه تعالى .
ومن اجل تحقيق هذه التوسعة , وخدمة هذه الغاية , نلاحظ ان الشريعة تؤكدايضا على ترك الالحاح في السؤال , والتكلف في الاستقصا , وقد اوصت المسلمين بان يتركوا الامور تاخذ مجاريها الطبيعية , لان نـفس الانسان قد تنزع الى البحث عن تفاصيل الاحكام وجزئياتها , وتغرق في السؤال عن ذلك مـن بـاب الـتنصل , او التعجيز ,او الاختبار , او التسامح ... او غير ذلك من الاغراض والغايات , وغـالـبا ما نرى انه عندماينكشف للانسان واقع الامر يبدا بمحاولة التهرب من ادائه , والتنصل من القيام بواجب اللّه تعالى فيه , ولذا نرى ان الشريعة الاسلامية من باب الرحمة بالانسان والارفاق به قدنهته عن تكلف الامور واستقصائها , وامرته بالاكتفا بما يحصل عليه من الطرق الطبيعية الجارية , لان الـشـارع لـو كـان يريد الزيادة على ما هو موجود لبين تلك الزيادة الى الناس , ولو كانت هناك ضـرورة لان يرتكب الانسان سلوكا خاصا في حياته على نحوالالزام او ما دون ذلك لما كان يجدر بـالـشريعة ان تتهاون في توضيحه وبيانه , فما سكتت عنه الشريعة ولم تتطرق له من قريب او من بعيد فهو عفو , لا يؤمر الانسان بالتحري عنه , والالحاح في متابعته .
من هنا نرى انه (ص ) كان يقول :
(( اتـركـونـي مـا تـركـتـكـم فاذا حدثتكم فخذوا عني , فانما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على انبيائهم )) ((82)) .
وعنه (ص ) انه قال :
(( ان اعظم المسلمين في المسلمين جرما من سال عن امر لم يحرم فحرم على الناس من اجل مسالته )) ((83)) .
ان كـل مـا تقدم انما هو ناشي من كون الشريعة الاسلامية شريعة سهلة سمحا , لاتضييق فيها على المر ولا قهر ولا اكراه .
وقال تعالى : ( يريد اللّه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) ((84)) .
وقال تعالى : ( يريد اللّه ان يخفف عنكم وخلق الانسان ضعيفا ) ((85)) .
وقـال تـعـالـى : ( يا ايها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما احل اللّه لكم ولا تعتدوا ان اللّه لا يحب المعتدين # وكلوا مما رزقكم اللّه حلالا طيبا واتقوا اللّه الذي انتم به مؤمنون ) ((86)) .
وقـال تعالى : ( الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوباعندهم في التوراة والانجيل يـامـرهـم بـالـمـعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم .
) ((87)) .
وفي الحديث عن رسول اللّه (ص ) انه قال :
(( اني لم ابعث باليهودية ولا بالنصرانية , ولكن بعثت بالحنيفية السمحة )) ((88)) .
وعن ابي جعفر(ع ) عن رسول اللّه (ص ) انه قال :
(( ان هذا الدين متين فاوغلوا فيه برفق , ولا تكرهوا عبادة اللّه الى عباد اللّه ,فتكونوا كالراكب المنبت الذي لا سفرا قطع ولا ظهرا ابقى )) ((89)) .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الزهراء عليها السلام وعلاقتها بالتوحيد
عصمة الأنبياء (عليهم السلام) عند المذاهب ...
الخروج من القبر
التقية المحرمة والمکروهة عند الشيعة الإمامية
عناصر ديمومة التشريع
من هم الصادقون في التوبة؟
هل تعلم لماذا تبدأ عزاء الحسين (عليه السلام) من ...
ما هو صبر أيوب ؟
محكمة الآخرة
تشريع صلاة التراويح

 
user comment