الخط السادس : عدم جواز الاجتهاد في مقابل التشريع
يـتـمـثل الخط السادس ببيان ان التشريع الالهي امر توقيفي لا يجوز الاجتهاد في مقابله , او الادلا بـراي شخصي في شانه , لانه صادر من الكمال المطلق المحيط بكل جزئيات الحياة , والمستوعب لـمـخـتـلف اجوائها وظروفها , والتشديد على اية ظاهرة تشريعة تحاول ان تحدث منفذا في هذا الاطار العام , او تصنع نفسها بديلا عن القوانين الالهية الشاملة , وكان بسبب ذلك ان حذرت الشريعة الاسـلامية تحذيرا شديدا من الكذب والافترا على اللّه ورسوله , من خلال حشد كبير من الايات القرآنية والاحاديث الشريفة , فمن ذلك قوله تعالى :
( فمن اظلم ممن افترى على اللّه كذبا او كذب بياته انه لا يفلح الم جرمون ) ((119)) .
وقوله تعالى ( قل ارايتم ما انزل اللّه لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالاقل اللّه اذن لكم ام على اللّه تفترون ... ) ((120)) .
وقوله تعالى ( انما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بيات اللّه ) ((121)) .
وقوله تعالى ( ولا تقولوا لما تصف السنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على اللّه الكذب ان الذين يفترون على اللّه الكذب لا يفلحون ) ((122)) .
وقـولـه تـعـالى : ( ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على اللّه وجوههم مسودة اليس في جهنم مثوى للمتكبرين ) ((123)) .
وعن رسول اللّه (ص ) انه قال :
(( اتـقـوا تكذيب اللّه عزوجل : كذبت لم اقله , ويقول لم يقل اللّه , فيقول عزوجل : كذبت قدقلته )) ((124)) .
وعنه (ص ) انه قال :
(( من قال علي ما لم اقله فليتبوا مقعده من النار )) ((125)) .
وفي حديث آخر عنه (ص ) انه قال :
(( من كذب علي متعمدا فليتبوا مقعده من النار )) ((126)) .
وعن الامام الرضا(ع ) انه قال :
(( واللّه ما احد يكذب علينا الا ويذيقه اللّه حر الحديد )) ((127)) .
كـمـا حـذرت الـشـريعة تحذيرا شديدا من اي لون من الوان الاستدلال العقلي الذي لا يحمل غطاا شرعيا , ولا يستند الى اساس راسخ في الدين , من امثال الراي والقياس والاستحسان , وغلظت على هذه الحالة الدخيلة في مجموعة كبيرة من الايات والروايات ايضا , قال تعالى :
( ومن اضل ممن اتبع هواه بغير هدى من اللّه ) ((128)) .
وقال تعالى : ( ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل اللّه ان الذين يضلون عن سبيل اللّه لهم عذاب شديد بـمـا نسوا يوم الحساب ) ((129)) , وقال تعالى : ( ام لهم شركا شرعوا لهم من الدين ما لم ياذن به اللّه ) ((130)) .
وعن رسول اللّه (ص ) انه قال :
(( قـال اللّه جل جلاله : ما آمن بي من فسر برايه كلامي , وما عرفني من شبهني بخلقي , وما على ديني من استعمل القياس في ديني )) ((131)) .
وعن امير المؤمنين (ع ) انه قال :
(( لا راي في الدين )) ((132)) .
وعن ابي جعفر الباقر(ع ) انه قال :
(( ان السنة لا تقاس , وكيف تقاس السنة والحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة )) ((133)) .
وعن سعيد الاعرج قال :
(( قلت لابي عبداللّه (ع ) : ان من عندنا ممن يتفقه يقولون : يرد علينا ما لا نعرفه في كتاب اللّه ولا فـي الـسـنـة , فنقول فيه براينا , فقال ابو عبداللّه (ع ) : كذبوا , ليس شي الا وقدجا في الكتاب , وجات فيه السنة )) ((134)) .
وعن سماعة قال :
(( قـلـت لابي الحسن (ع ) : ان عندنا من قد ادرك اباك وجدك وان الرجل منا يبتلي بالشي لا يكون عندنا فيه شي , فيقيس ؟ فقال : انما هلك من كان قبلكم حين قاسوا )) ((135)) .
الفصل الثاني
1 ـ ذم البدع والتحذير منها.
2 ـ التنكيل باصحاب البدع وذمهم .
3 ـ التاكيد على مقاطعة المبتدعين .
4 ـ عدم قبول توبة المبتدع .
مـواجهة الابتـداع
من خلال هذا الاستعراض المجمل للخطوط الرئيسية التي تشكل مفردات الحصانة لوقاية التشريع مـن الـدس والافترا والتحريف .. ندرك الفلسفة التي تقف وراالكفاح النبوي اللاحب لمواجهة البدع ومـحـدثات الامور , والتشديد على مرتكبها بالوان التهديد والوعيد , وتحميل العلما مسؤولية الذب عـن الـدين , وحماية حريمه ومقدساته ومضامينه , من خلال اظهار علومهم , ونشر معارفهم , في حـالـة نشؤ هذه المحدثات المعرقلة لحركة الشريعة , والمعطلة لفاعليتها وتاثيرها في الحياة على الوجه المطلوب ,وقد اعتبرت الشريعة العالم الذي لا يقوم بواجبه الديني عند بروز هذه الظواهر الـخـطـيـرة انـسـانـا خـائنا لموقعه ورسالته في المجتمع , وكاتما لما انزله اللّه تعالى على نبيه الاكـرم (ص ) مـن تـعـاليم واحكام , اذ ان هذا الذب والدفاع يعتبر من ابرز مهام العالم الديني الذي ائتمنته الشريعة على تعاليمها ومقدساتها , واول الواجبات الملقاة على عاتقه في هذا السبيل , فقدورد عن رسول اللّه (ص ) انه قال :
(( اذا ظهرت البدع في امتي فليظهر العالم علمه , فمن لم يفعل فعليه لعنة اللّه )) ((136)) .
وعنه (ص ) انه قال :
(( اذا ظـهـرت الـبدع , ولعن آخر هذه الامة اولها , فمن كان عنده علم فلينشره , فان كاتم العلم يومئذ ككاتم ما انزل اللّه على محمد )) ((137)) .
وعن الصادقين (ع ) انهما قالا:
(( اذا ظهرت البدع فعلى العالم ان يظهر علمه , فان لم يفعل سلب نور الايمان )) ((138)) .
وسـوف نـسـتعرض معا طائفة من الروايات التي واجهت ظاهرة الابتداع , واكدت على استئصالها ضمن هذه العناوين :
1 ـ ذم البدع والتحذير منها:
قال رسول اللّه (ص ):
(( من احدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد )) ((139)) .
وقال (ص ):
(( الامر المفظع , والحمل المضلع , والشر الذي لا ينقطع , اظهار البدع )) ((140)) .
وقال (ص ):
(( اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم )) ((141)) .
وقال (ص ):
(( اياكم والبدع , فان كل بدعة ضلالة , وكل ضلالة تسير الى النار )) ((142)) .
وقال (ص ):
(( مـن غش من امتي فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس اجمعين , قالوا : يا رسول اللّه :وما الغش ؟ فقال (ص ) : ان يبتدع لهم بدعة فيعملوا بها )) ((143)) .
وقال (ص ):
(( لا يقبل قول الا بعمل , ولا يقبل قول وعمل الا بنية , ولا يقبل قول وعمل ونية الا باصابة السنة )) ((144)) .
وقال (ص ):
(( الا وكل بدعة ضلالة , الا وكل ضلالة في النار )) ((145)) .
وعن امير المؤمنين (ع ) انه قال :
(( ما احدثت بدعة الا ترك بها سنة , فاتقوا البدع , والزموا المهيع ((146)) , وان عوازم الامور افضلها , وان محدثاتها شرارها )) ((147)) .
وعنه (ع ):
(( ايـها الناس انما بد وقوع الفتن اهوا تتبع , واحكام تبتدع , يخالف فيها كتاب اللّه , يقلد فيها رجال رجالا على غير دين اللّه )) ((148)) .
وعنه (ع ):
(( ان اللّه بـعـث رسـولا هـاديـا بـكتاب ناطق وامر قائم , لا يهلك عنه الا هالك , وان المبتدعات المشبهات هن المهلكات , الا ما حفظ اللّه منها )) ((149)) .
2 ـ التنكيل باصحاب البدع وذمهم :
جا عن رسول اللّه (ص ) انه قال :
(( اصحاب البدع كلاب النار )) ((150)) .
وعنه (ص ):
(( اهل البدع شر الخلق والخليقة )) ((151)) .
وعنه (ص ):
(( يجي قوم يميتون السنة , ويوغلون في الدين , فعلى اولئك لعنة اللّه , ولعنة اللاعنين والملائكة والناس اجمعين )) ((152)) .
وعنه (ص ):
(( ادنى الشرك ان يبتدع الرجل رايا فيحب عليه ويبغض عليه )) ((153)) .
وعن ابي جعفر الباقر(ع ) في قوله تعالى : ( والذين كسبوا السيئات جزا سيئة بمثلها وترهقهم ذلة مالهم من اللّه من عاصم ) ((154)) قال (ع ):
(( هؤلا اهل البدع والشبهات والشهوات , يسود اللّه وجوههم ثم يلقونه )) ((155)) .
وعن يونس بن عبد الرحمن قال :
(( قـلـت لابي الحسن الاول (ع ) : بم اوحد اللّه ؟ فقال : يا يونس لا تكونن مبتدعا ,من نظر برايه هلك , ومن ترك اهل بيت نبيه (ص ) ضل , ومن ترك كتاب اللّه وقول نبيه كفر )) ((156)) .
وقال رسول اللّه (ص ):
(( مـا تـقـولون في قوم تدخل قادتهم الجنة واتباعهم النار , قالوا : يا رسول اللّه : وان عملوا بمثل اعـمـالهم , قال (ص ) : وان عملوا بمثل اعمالهم , يدخل هؤلا بما سبق لهم الجنة ,ويدخل هؤلا بما احدثوا النار )) ((157)) .
وعن علي (ع ) انه قال :
(( وآخـر قد تسمى عالما وليس به , فاقتبس جهائل من جهال , واضاليل من ضلال .. يقول اقف عند الـشـبـهـات وفيها وقع , ويقول اعتزل البدع وبينها اضطجع ,فالصورة صورة انسان , والقلب قلب حيوان )) ((158)) .
وعن رسول اللّه (ص ) في قوله تعالى : ( ان الذين فرقوا دينهم وكانواشيعا ) ((159)) , قال :
(( هم اصحاب البدع واصحاب الاهوا , ليس لهم توبة , انا منهم بري , وهم برا )) ((160)) .
وعن علي (ع ) انه قال :
(( ان من عزائم اللّه في الذكر الحكيم , التي عليها يثيب ويعاقب , ولهايرضى ويسخط , انه لا ينفع عـبدا ـ وان اجهد نفسه واخلص فعله ـ ان يخرج من الدنيالاقيا ربه بخصلة من هذه الخصال لم يتب منها .. او يستنجح حاجة الى الناس باظهاربدعة في دينه )) ((161)) .
وعنه (ع ):
(( ان ابـغـض الخلائق الى اللّه رجلان : رجل وكله اللّه الى نفسه , فهو جائر عن قصدالسبيل , مشغوف بكلام بدعة , ودعا ضلالة , فهو فتنة لمن افتتن به , ضال عن هدي من كان قبله , مضل لمن اقتدى به في حياته وبعد وفاته , حمال خطايا غيره , رهن بخطيئته )) ((162)) .
وعن رسول اللّه (ص ) انه قال :
(( ان الاسـلام يـشـيـع ثـم تـكـون له فترة , فمن كانت فترته الى غلو وبدعة ,فاولئك اهل النار )) ((163)) .
3 ـ التاكيد على مقاطعة المبتدعين :
كـمـا جـات جـمـلة كبيرة من الاخبار لتدلل على ضرورة مقاطعة المبتدعين ,وهجرانهم , وعدم مـعـاشرتهم بشكل مطلق , تاكيدا على بشاعة هذا الامر , وايغالا في شجبه ومواجهته , فمن ذلك ما ورد عن رسول اللّه (ص ) انه قال :
(( من وقر صاحب بدعة فقد اعان على هدم الاسلام )) ((164)) .
وعنه (ص ):
(( اذا رايتم صاحب بدعة , فاكفهروا في وجهه )) ((165)) .
وعنه (ص ):
(( من تبسم في وجه مبتدع , فقد اعان على هدم دينه )) ((166)) .
وعنه (ص ):
(( من ارعب صاحب بدعة , ملا اللّه قلبه امنا وايمانا , ومن انتهر صاحب بدعة ,آمنه اللّه من الفزع الاكبر , ومن اهان صاحب بدعة , رفعه اللّه في الجنة درجة , ومن لان له لقيه تبشبشا , فقد استخف بما انزل على محمد )) ((167)) .
وعنه (ص ):
(( من اعرض عن صاحب بدعة بغضا له , ملا اللّه قلبه امنا وايمانا )) ((168)) .
وعنه (ص ):
(( من مشى الى صاحب بدعة ليوقره فقد اعان على هدم الاسلام )) ((169)) وعنه (ص ):
(( اذا رايـتم اهل الريب والبدع من بعدي , فاظهروا البراة منهم , واكثروا من سبهم , والقول فيهم والـوقـيعة , وباهتوهم , كي لا يطمعوا في الفساد في الاسلام ,ويحذرهم الناس , ولا يتعلمون من بدعهم , يكتب اللّه لكم بذلك الحسنات , ويرفع لكم به الدرجات في الاخرة )) ((170)) .
4 ـ عدم قبول توبة المبتدع :
وبـمـا ان الاثر السي لصاحب البدعة لا ينحصر في نطاق شخص صاحبه , وحياته الخاصة , وانما يـتـعـدى ذلـك الى الحياة الاجتماعية العامة , فيؤثر فيها سلبا , ويعرقل حركتها , ويشوه معالمها , نـتيجة الدس والتحميل والافترا , ووضع العقبات امام القانون الالهي من ان ياخذ مساره الطبيعي في تـوجـيـه الفرد والمجتمع , والوصول بالبشرية الى حيث السعادة والكمال , فقدتم التاكيد ايضا على اغلاق باب التوبه في وجه المبتدع , وان اعمال البر لا تقبل منه , وان المبتدع يحمل وزره ووزر مـن عـمل ببدعته , لانه المسؤول الاول عن ذلك , قال تعالى : ( ليحملوا اوزارهم كاملة يوم القيامة ومن اوزارالذين يضلون هم بغير علم ) ((171)) .
وجا في الحديث عن رسول اللّه (ص ) انه قال :
(( ومـن ابتدع بدعة ضلالة لا ترضي اللّه ورسوله كان عليه مثل آثام من عمل بهالا ينقص ذلك من اوزار الناس شيئا )) ((172)) .
كـل ذلك من اجل ان اي تهاون في هذا المجال , واي تسامح في مواجهة هذه الظاهرة , سوف يعرض الشريعة الاسلامية الى الخطر المحدق , ويهدد وجودها وكيانهاالعظيم بالتحريف والتزوير.
قال رسول اللّه (ص ) بهذا الشان :
(( ان اللّه احتجر التوبة على صاحب كل بدعة )) ((173)) .
وعنه (ص ):
(( ابى اللّه لصاحب البدعة بالتوبة )) ((174)) .
وعن عبداللّه بن عباس انه قال :
(( كـان رسول اللّه (ص ) اذا جا شهر رجب , جمع المسلمين حوله , وقام فيهم خطيبا , فحمد اللّه واثـنـى عـليه , وذكر من كان قبله من الانبيا فصلى عليهم , ثم قال : ايهاالمسلمون قد اظلكم شهر عـظـيم مبارك , وهو شهر الاصب , يصب فيه الرحمة على من عبده , الا عبدا مشركا , او مظهر بدعة في الاسلام )) ((175)) .
وعنه (ص ):
(( لا يقبل اللّه لصاحب بدعة صلاة , ولا صوما , ولا صدقة , ولا حجا ولا عمرة ,ولا جهادا , ولا صرفا , ولا عدلا , حتى يخرج من الاسلام كما تخرج الشعرة من العجين )) ((176)) .
وعنه (ص ):
(( ابى اللّه ان يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته )) ((177)) .
وعن ابي عبداللّه الصادق (ع ) قال :
(( كان رجل في الزمن الاول طلب الدنيا من حلال فلم يقدر عليها , وطلبها من حرام فلم يقدر عليها , فـاتاه الشيطان فقال له : يا هذا انك قد طلبت الدنيا من حلال فلم تقدر عليها , وطلبتها من حرام فلم تـقـدر عـلـيـها , افلا ادلك على شي تكثر به دنياك ,ويكثر به تبعك ؟ قال : بلى , قال : تبتدع دنيا وتدعو اليه الناس .
فـفعل , فاستجاب له الناس واطاعوه , واصاب من الدنيا , ثم انه فكر فقال : ماصنعت ؟ ابتدعت دينا ودعوت الناس , وما ارى لي توبة , الا ان آتي من دعوته اليه فارده عنه , فجعل ياتي اصحابه الذين اجابوه , فيقول لهم : ان الذي دعوتكم اليه باطل وانما ابتدعته , فجعلوا يقولون : كذبت وهو الحق , ولـكـنـك شككت في دينك فرجعت عنه ,فلما راى ذلك عمد الى سلسلة فوتد لها وتدا ثم جعلها في عـنقه , وقال : لا احلها حتى يتوب اللّه عزوجل علي , فاوحى اللّه عزوجل الى نبي من الانبيا : قل لـفلان : وعزتي , لو دعوتني حتى تنقطع اوصالك , ما استجبت لك , حتى ترد من مات الى ما دعوته اليه , فيرجع عنه )) ((178)) .