يشكل موقف الشيعة من الصحابة استفزازا كبيرا لأهل السنة، حيث أن الشيعة لا تعطي لهذه المسألة أهمية كبيرة وتعتبرها مسألة عادية ينطبق عليها ما ينطبق على المسلمين. أي أنها لا تميز الصحابة ذلك التمييز الذي يميزه أهل السنة بحيث يرفعونهم فوق المسلمين. وتعتقد أن فيهم المسئ والمصلح والطائع والعاصي والمؤمن والمنافق والتقي والشقي والصدوق والكذوب.
إلا أن هذا لا ينفي أن هناك صحابة على درجة عالية من التقوى والالتزام بنهج الرسول والاخلاص لدعوته تعتقد فيهم الشيعة وتجلهم وتقبل روايتهم عن الرسول مثل عمار بن ياسر وسلمان الفارسي والمقداد وأبو ذر الغفاري وحذيفة بن اليمان وغيرهم.
وفكرة عدالة الصحابة مرفوضة عند الشيعة بصورتها العمومية التي يتبناها أهل السنة كما أن التعريف العائم الذي يتبنونه حول الصحابة مرفوض أيضا.
يقول الأستاذ عباس الموسوي: إن قضية الصحابة هي إحدى القضايا الهامة التي اتخذ فيها الخط الشيعي رأيا معتدلا لا إفراط فيه ولا تفريط. لم يشذ بمسلكه ذاك عن الطريق السوي أو ينفرد وحده بهذا الرأي، بل هناك من المسلمين من غير الشيعة من تبنى رأيهم في الصحابة دون أن تأخذه في الله لومة لائم سيرا وراء الحق واقتفاء للدليل والبرهان (1).
ويقول السيد محسن الأمين: حكم الصحابة في العدالة حكم غيرهم ولا يتحتم الحكم بها بمجرد الصحبة وهي لقاء النبي صلى الله عليه وآله مؤمنا به ومات على الإسلام - على ما قال ابن حجر أنه أصح ما وقف عليه في تعريف الصحابي - وإن ذلك ليس كافيا في ثبوت العدالة بعد الاتفاق على عدم العصمة المانعة من صدور الذنب، فمن علمنا عدالته حكمنا بها وقبلنا روايته ولزمنا له من التعظيم
____________
(1) شبهات حول الشيعة ط. بيروت.
|
|
|
والتوقير بسبب شرف الصحبة ونصرة الإسلام والجهاد في سبيل الله ما هو أهله، ومن علمنا منه خلاف ذلك لم تقبل روايته أمثال مروان بن الحكم والمغيرة بن شعبة والوليد بن عقبة وبسر بن أرطأة وبعض بني أمية وأعوانهم ومن جهلنا حاله في العدالة توقفنا في قبول روايته (1).
ويقول الشيخ السبحاني: ولا يخفى أن التوسع في مفهوم الصحابي على الوجه الذي عرفته في كلماتهم - أهل السنة - مما لا تساعده اللغة والعرف العام فلا تصدق على من ليس له حظ إلا الرؤية عن بعيد أو سماع الكلام أو المكالمة أو المحادثة فترة يسيرة أو الإقامة معه زمنا قليلا. وأظن أن في هذا التبسيط والتوسع غاية سياسية. فأرادوا بهذا التبسيط صرف النصوص الواردة عن ردة ثلة من الصحابة إلى الأعراب وأهل البوادي الذين لم يكن لهم حظ من الصحبة إلا اللقاء القصير بينما هذه النصوص راجعة إلى الذين كانوا مع النبي ليلا ونهارا، صباحا ومساءا (2).
ويقول الموسوي: إن هؤلاء الصحابة قد أعطوا من الحصانة ما لا يجوز معه أن يذكروا إلا بالتقدير والتعظيم والمدح والثناء. ولا يجوز أن يقترب أحد من ساحتهم بأية علامة استفهام أو سؤال عن تصرف يشعر منه أنه يحط من كرامة أحدهم أو يمس عدالته. هؤلاء الصحابة قد أعطاهم إخواننا السنة ميزة زائدة على جميع المسلمين. إنها ميزة العدالة المطلقة لكل من اتصف أنه صحابي مهما عمل من الموبقات وارتكب من الجرائم والمخازي. إن الصحبة قد هدمت كل شانئة وغفرت كل جرم فلا يجوز في المنطق أن تقول لماذا؟ لمن اتصف بالصحبة أو لمن حمل اسم الصحبة إنها اسم لانسان مبرأ من جميع الذنوب معدل بصبغة اللحظة التي اكتسبها أو الحديث الذي سمعه من النبي صلى الله عليه وآله. ثم إنه بعد إعطائهم هذه العدالة ترتبت أمور وأعطيت لهم امتيازات لم تعط لأحد من الناس.
____________
(1) أعيان الشيعة، ج 1 ق 2.
(2) مفاهيم القرآن، ج 5.
|
|
|
فقد ترتب على القول بعدالتهم أمور منها:
1 - عدم جواز البحث عن حالهم فإذا وصلت الرواية إلى أحدهم انكسر القلم وخرس المنطق فلا يجري عليهم قانون الجرح والتعديل.
2 - حمل كل ما صدر عنهم من هفوات وعثرات ومذلات ومخالفات على الاجتهاد، فإنه أحسن لجميع المصائب والويلات.
3 - من يجرح أحدهم فهو خارج عن الدين زنديق يريد أن يجرح الشهود ليبطل الكتاب والسنة لأنهم هم الذين حملوها إلينا (1).
وليس فقط موقف الشيعة المتشدد هذا تجاه الصحابة هو الذي يستفز أهل السنة ويدفعهم إلى الهجوم عليها والطعن فيها، بل إن مما يستفز أهل السنة أكثر الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان ولا تستثنيهم من موقفها بل تركز موقفها عليهم. فالخلفاء الثلاثة في نظر الشيعة يحملون القدر الأكبر من الانحراف الذي حدث بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله. وهم إن كانوا يعدلون بعض الصحابة فقد استثنوا الخلفاء من هذا التعديل بل قدموا هؤلاء الصحابة عليهم. فعمار وأبو ذر وسلمان وحذيفة والمقداد وجابر بن عبد الله وبلال وغيرهم مقدمون على أبي بكر وعمر وعثمان. كما يعتقدون أن محاولة رفع الخلفاء الثلاثة وتقديسهم إنما هي من صنع السياسة بهدف ضرب الإمام علي وخط أهل البيت عليهم السلام (2).
ونفس الموقف على أمهات المؤمنين، فالشيعة لا تعدل عائشة ولا حفصة وتقدم عليهما السيدة خديجة وأم سلمة. وتعتقد أن رفع عائشة وتقديسها إنما هو غرض سياسي الهدف منه تحجيم دور السيدة خديجة في حركة الدعوة وتقليص حجم السيدة فاطمة عليها السلام ومكانتها الشرعية (3).
____________
(1) شبهات حول الشيعة.
(2) أنظر معالم المدرستين ج 1، للسيد مرتضى العسكري، وانظر لنا السيف والسياسة، وانظر الفصل القادم.
(3) أنظر المراجع السابق ذكرها.
|
|
|
وإذا كان أهل السنة يعتبرون أن الطعن في الصحابة طعن في الكتاب والسنة وهم بهذا يشككون في عقائد الشيعة التي لا تعترف بفكرة العدالة. فإن هذه الحجة باطلة عند الشيعة حيث أنهم يعتبرون أن مصدر تلقي الكتاب والسنة ينحصر في آل البيت وليس في الصحابة. ومقياس عدالة الصحابي وعدم عدالته إنما يتحدد بموقفه من آل البيت.
فإن والاهم كان عدلا. وإن عاداهم كان مذموما متروكا.
ومن المعروف أن معظم الصحابة وفي مقدمتهم الخلفاء الثلاثة قد حادوا عن نهج أهل البيت وانحازوا للقبلية والعصبية والهوى بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله. فمن ثم فإن الشيعة لا تقر بعدالة هذه الكثرة وترفض أتباعها والنقل عنها. وتقر بعدالة القلة القليلة منهم التي والت آل البيت وسارت على نهجهم (1).
إن مفهوم العدالة بصورته المطلقة إنما يتحقق في آل البيت وحدهم لكونهم مصدر التلقي ولا يجوز أن ينطبق بحال على أناس محل شك وسيرتهم وممارساتهم ومواقفهم تدفع إلى عدم الثقة فيهم.
وعندما نجزم بأن مصدر تلقي الكتاب والسنة ينحصر في دائرة الصحابة - كما يقول أهل السنة وهم على ما نعرف من الخلاف والتجاوز والإقتتال. فإن هذا التصور سوف يقودنا بالتالي إلى الشك فيما نتلقاه منهم.
وما دمنا نؤمن بعصمة الكتاب فإن الإيمان يجب أن يقودنا إلى عصمة مصدر التلقي. فهذه هي النتيجة الطبيعية لهذا الإيمان. وهي نتيجة تقودنا إلى الثقة في هذا المصدر.
وهذا الأمر يتبين لنا بوضوح عندما نلقي نظرة على جانب أهل السنة وما تلقوه من الصحابة. فقد تلقوا كتابا محرفا في معانيه وأحاديث مخترعة ومنسوبة للرسول. ولقد سارت الأمة طوال القرون السابقة على ما تلقته من الصحابة مما
____________
(1) أنظر الحديث عند الشيعة وانظر الفصل القادم.
|
|
|
هو واضح فيه غلبة أقوال الرجال على النصوص، وتدخل السياسة والحكام في صياغة شكل الإسلام.
والخلاصة أن السنة مجبورون على تبني قضية العدالة وإلا نقضوا الكتاب والسنة، بينما الشيعة ينقضون فكرة العدالة لاعتقادهم أن آل البيت هم مصدر تلقي الكتاب والسنة.
فإما عدالة الصحابة وإما عدالة آل البيت.
ولا يمكن لأي من الخطين أن يسود إلا على حساب الآخر. وهو ما حدث. فقد ساد خط الصحابة من بعد وفاة الرسول وباد خط آل البيت.
ومنذ ذلك الحين ظهرت صورة مختلفة عن صورة الإسلام الذي يحمله آل البيت والذي لم تتح له فرصة البروز والسيادة.