إن آل البيت في تعريف الشيعة هم فئة محدودة من نسل الرسول صلى الله عليه وآله خصتهم الروايات الواردة على لسانه وقصدهم النص القرآني (آية التطهير) وهم علي وفاطمة والحسن والحسين ثم تسعة آخرون من نسل الحسين.
وهذه الفئة هي المقصودة بالعصمة لارتباطها بدورها ورسالتها بعد الرسول وليس كل من ينتسب لآل البيت يعتبر معصوما كما قد يتصور بعض السطحيين ممن ليس لهم دراية بالرؤية الشرعية لآل البيت..
وهذه الرؤية ليست من اختلاق الشيعة إنما تفرضها النصوص الواردة في آل البيت، وفي نصوص أكثر من أن تحصى موهت عليها السياسة وصرفتها عن المدلول الحقيقي الذي ترمي إليه وقد عرضنا لجزء من هذه النصوص في باب الإمامة.
إن المسألة عند الشيعة هي مسألة نصوص وليست مسألة رجال فالنصوص هي التي تعطي الخاصية للإمام علي.
والنصوص هي التي توجب التلقي والاتباع لآل البيت..
وأمام النصوص ليس هناك مجال للاختيار فإما الاتباع وإما الانحراف.
من هنا فإن الشيعة عندما يتخذون ذلك الموقف المتشدد من الصحابة ومن خصوم آل البيت عموما، إنما يتخذون هذا الموقف على أساس النصوص.
على أساس أن خصوم آل البيت انحرفوا عن النصوص وليس عن الرجال.
ومسألة تقديس آل البيت من قبل الشيعة وحتى عموم المسلمين إنما هي نابعة من النصوص التي جعلت لهم خصوصية وميزة ترفعهم فوق جميع الناس تلك الخصوصية التي دفعت بجماهير السنة إلى تخطي حواجز السياسة وقيود الخلفاء والاتجاه بعواطفها ومشاعرها نحوهم. فعلى الرغم من محاولات
|
|
|
التأويل والتحريف للنصوص الواردة فيهم غزت حقيقتهم القلوب وشع نورهم بين الدروب وبرزت مكانتهم ساطعة كالشمس لتتلاشى أمامها كل خيوط الظلام (1).
من هنا فإن ملامح آل البيت عند الشيعة تتحدد لنا من خلال ما يلي:
إنهم معصومون.
إنهم لا يقاس بهم أحد.
إنهم اثنا عشر إماما.
فبخصوص العصمة فهي أداة لازمة للقيام بمهمتهم بعد الرسول كما بينا سابقا.
إما كونهم لا يقاس بهم أحد فذلك لما لهم من مكانة تجعل الناس يقاسون بهم ولا يقاسون هم بأحد. ويقتدي الناس بهم ولا يقتدون بأحد.
ويتعلم الناس منهم ولا يتعلمون من أحد (2).
أما كونهم اثني عشر فهذا ما حددته النصوص الواردة عند الطرفين. وإن كان أهل السنة يطبقون هذه النصوص على الحكام ولم يقض ذلك على حيرتهم في تحديد الاثني عشر كما بينا فإن الشيعة يطبقون هذه النصوص على أئمة آل البيت المحددين بالاسم والمشهورين في الأمة محل رضا وقبول وعشق الجميع.
فمن ثم لا أثر للحيرة عندهم في هذا الأمر خاصة أن هناك الكثير من النصوص الواردة على لسان النبي صلى الله عليه وآله لدى السنة ولديهم تحدد أسماء هؤلاء الأئمة.
____________
(1) حاول معاوية وأولاده من بعده تشويه آل البيت وطمس هويتهم والقضاء على وجودهم وفرض سب الإمام علي على المنابر حتى جاء عمر بن عبد العزيز فرفع السب ووضع مكانه قوله تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والاحسان) ثم استمرت هذه السياسة بعد مصرع عمر حتى زالت دولة بني أمية ومجئ بني العباس الذين انتهجوا في مواجهة آل البيت نهجا أشد عدواة وشراسة. وعلى الرغم من ذلك بقيت مكانة آل البيت في قلوب الجماهير وظهرت الطرق الصوفية لتعبر عن هذا الحب الجارف لآل البيت الذي يعكس قداستهم ومكانتهم.
(2) أنظر ينابيع المودة للقندوزي. ونور الأبصار للشبلنجي. والصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي.
وقد ورد هذا اللفظ على لساني ابن عمر وابن حنبل.
|
|
|
وأول هؤلاء الأئمة هو الإمام علي باعتباره وصي الرسول وحامل لواء الإسلام من بعده. وهو الوحيد من بين صحابة الرسول الذي حمل لقب إمام.
ولم نسمع أنه قيل الإمام أبو بكر أو الإمام عمر وأنما قيل الإمام علي وعلى لسان أهل السنة قبل أن يكون على لسان الشيعة (1). وثاني هؤلاء الأئمة هو الحسن بن علي (2).
وثالث الأئمة هو الحسين بن علي (3).
ورابع الأئمة هو علي بن الحسين المشهور بزين العابدين والإمام السجاد (4).
وخامسهم هو محمد بن علي الباقر (5).
وسادسهم هو جعفر بن محمد الصادق (6).
____________
(1) أنظر علي والوصية لنجم الدين العسكري ط. بيروت. ومناقب الإمام علي لابن المغازلي.
وخصائص الإمام علي للنسائي. ونهج البلاغة. وعلي سيد العرب والعجم. ونهج الحق وكشف الصدق. وانظر لنا موسوعة آل البيت. ومكانة الإمام علي ومقامه لا يحتاج إلى كلام.
(2) التفت الأمة حول الإمام بعد مصرع الإمام علي. ثم قرر الصلح مع معاوية حقنا لدماء المسلمين على شرط أن يعود الأمر إليه بعد وفاة معاوية. لكن معاوية أخل بالاتفاق وغدر بالحسن وسلط عليه من دس له السم في الطعام ثم أعلن ولده يزيد وليا للعهد.
(3) تصدى الإمام الحسين ليزيد وأعلن الخروج عليه وعبأ الأمة للجهاد من أجل القضاء على بني أمية وتحرير المسلمين من أغلالهم. إلا أنه سقط شهيدا في كربلاء عام 61 هـ بعد أن تخلت الأمة عنه ليسطر بدمائه الطاهرة أروع ملحمة جهادية في التاريخ.
(4) الإمام زين العابدين من بين الذين أنجاهم الله من مذبحة كربلاء وكان صغيرا. ولقب بالسجاد لكثرة سجوده. وهو صاحب الأدعية الشهيرة التي كانت سلاحه في مواجهة إرهاب بني أمية والتي طبعت فيما بعد تحت اسم الصحيفة السجادية. توفي في المدينة.
(5) سمي الباقر لأنه تبقر في العلم أي توسع فيه وبلغ علمه الآفاق وتلقى منه آلاف الفقهاء والمريدين.
وكان كثير الصدقات. وعاصره كثير من الصحابة والتابعين وتلقوا عنه ورووا على لسانه آلاف الأحاديث. وأنشدت فيه الأشعار، توفي في المدينة.
(6) كان الإمام الصادق معاصرا للمنصور العباسي وقد تمكن من استثمار فترة الانفتاح في بداية العصر العباسي وأعلن دعوة آل البيت ولقن علومهم للمسلمين فكثر أتباع آل البيت.
ويتصور البعض أن الشيعة برزت مع الصادق لذا سميت بالشيعة الجعفرية. والحق أن الشيعة موجودة قبله، وكذلك علوم آل البيت وأئمتهم. وكل ما في الأمر أن الصادق هو أول إمام برز
=>
|
|
|
وسابعهم هو موسى بن حعفر الكاظم (1).
وثامنهم هو علي بن موسى الرضا (2).
وتاسعهم هو محمد بن علي الجواد (3).
وعاشرهم هو علي بن محمد الهادي (4).
والحادي عشر هو الحسن بن علي العسكري (5).
والثاني عشر هو محمد بن الحسن المهدي (6).
= بالتشيع على ساحة الواقع. انظر جعفر الصادق للشيخ أبو زهرة وعبد الحليم الجندي.
____________
<=
(1) والإمام موسى الكاظم كان معاصرا لهارون الرشيد ومات في الحبس.
(2) الإمام الرضا كان معاصرا للمأمون الذي جعله وليا لعهده كسبا لشعبيته ومكانته في نفوس المسلمين. ثم انقلب عليه ونقم منه. توفي بخراسان.
(3) الإمام الجواد ورث عن أبيه العلم والرأفة والرحمة وكان من الموصوفين بالسخاء ولذلك لقب بالجواد. توفي ببغداد.
(4) والإمام الهادي كان فقيها متعبدا ورث العلم والسخاء عن والده. نقله المتوكل العباسي من المدينة إلى \" سر من رأى \" بالعراق وكانت تسمى بالعسكر وأسكنه فيها فعرف بالعسكري وذلك خوفا من نفوذه وتأثيره على أهل المدينة.
(5) والإمام الحسن العسكري كان على سيرة والده وأجداده (ذرية بعضها من بعض) وهو والد الإمام المهدي وتوفي بسر من رأى (سامراء).
(6) الإمام محمد بن الحسن هو الإمام المنتظر الغائب الحاضر. الذي اختفى من وجه الطغيان في انتظار ميقات ربه لينطلق رافعا لواء الحرية والعدل والرخاء لتنعم البشرية في ظل الإسلام بالأمن والسلام بعد ذهاب الطواغيت إلى غير رجعة.
ويمكن تتبع سيرة الأئمة الاثني عشر في كثير من المراجع منها: سيرة الأئمة الاثني عشر لهاشم معروف الحسني. والأئمة الاثنا عشر دراسة تحليلية لعادل الأديب.
وإرشادات الحيدري. والأنوار البهية للقمي. وقادتنا كيف نعرفهم. وحركة آل البيت وأعيان الشيعة.
وبدراسة سيرة الأئمة الاثني عشر يتبين لنا مدى الفارق والبون الشاسع بينهم وبين أولئك الحكام الذين أحلهم أهل السنة مكانهم.
أئمة أهل البيت يمثلون الطهارة والنقاء والرحمة والعدل.
والحكام يمثلون التجبر والقهر والظلم.
أئمة أهل البيت يمثلون الإسلام بصورته النقية الصافية.
والحكام يمثلون مصالحهم ويتسترون بإسلام زائف مشوش.
أئمة أهل البيت أبناء الرسول تخرجوا في مدرسة النبوة
=>
|
|
|
ولقد كان لهؤلاء الأئمة وجودهم الفاعل في مجتمعاتهم، وكانت تهفو إليهم قلوب الجماهير المسلمة في كل مكان مما أقلق حكام زمانهم فأخذوا يحيكون المؤامرات للتخلص منهم عن طريق القتل بصورة لا تثير الناس وهي القتل بالسم.
ولم يكن هؤلاء الأئمة الذين هم أبناء الرسول محل خلاف أحد من المسلمين حتى فقهاء أهل السنة كانوا يكنون لهم كل تقدير واحترام وإجلال وقد تتلمذ أبو حنيفة على الإمام الصادق مدة عامين وله قولة مشهورة لولا السنتان لهلك النعمان كما تتلمذ على يديه مالك والشافعي وكثير من فقهاء السنة.
وقد روى الصادق آلاف الأحاديث عن جده صلى الله عليه وآله ولم ينقل منها في كتب أهل السنة إلا القليل (1).
____________
<=
والحكام أبناء الطغاة والسفاحين تخرجوا في مدرسة الشيطان.
فأي هؤلاء أحق أن يتبع؟
وأي هؤلاء قصدهم الرسول صلى الله عليه وآله (1) لم يرو لجعفر الصادق وكذلك مسلم رغم كونهما من المعاصرين لأئمة آل البيت. انظر التعب الجميل على أهل الجرح والتعديل ط. القاهرة انظر ميزان الاعتدال للذهبي وتهذيب التهذيب لابن حجر. وتذكرة الحفاظ للذهبي..