اذا كان هيك واقعاً تحت الانطباع القائل بأن تعدديته الدينية المختزلة يمكن ان تلقى تأييدا في التصوف الحقيقي او (العرفان) , فمن مناقشة علمية جدية يمكن القول بأنه على خطأ . فبينما يمكن ان يوجد عدد من اصحاب الطرق الصوفية المنحلين الراغبين لأن يلعبوا دوراً خصصاً لهم من قبل هيك , فضلاً عنوجود قوانين في الغرب لا يمكن ادخال او تثبيت اي من غير المسلمين فيها , فان الاغلبية العظمى من (العرفاء) في الاسلام كانوا كانوا ثبتوا ملاحظة صارمة للشريعة , سابقة على هذا التثبيت في السير والسلوك الروحيين . جدلية اخرى من جدائل الفكر الصوفي المقترح التي تشير الى نوع من انواع التعددية الدينية هي تلك التي تقرن مع دعاة الفلسفة الخالدة امثال جينون وشئون ونصر واخرين .
يبدو ان هيك مولع في ترديد وقراءة الزوج التالي من عبارات جلال الدين الرومي : " المصابيح مختلفة ولكن الضوء واحد ".
الا ان هذا هو نفس ما يؤكده القرأن الكريم في قوله تعالى : (انا انزلنا التوراة فيها هدى ً ونور ...)
(وقفينا على أثارهم بعيسى ابن مريم مصدقاً لما بين يديه من التوراة وأتيناه الانجيل فيه هدىً ونور ....)
ولكن الاستنتاج الذي يمكن الوصول اليه في القران هو ليس كون جميع هذه الاديان تمتلك نوراً مقدساً بحيث لا تجعل بينها اي فرق لأي منها نتبع , كما ليس ذلك الذي نتبعه يجب ان يعتبر مشابهاً لوثنية هذا الفرد او ذاك . أن المسألة ليست وكأننا نهدى مصابيح مختلفة لنختار منها ما نشاء حسب اذواقنا الخاصة , ونوع او شكل تجاربنا الشخصية , وانما المسألة ان الله قدم هذه المصابيح للبشرية بالتعاقب , وان نسؤليتنا هي التي تحدد اتباع ما اختاره الله لنا في العصر الحاضر .
في جدل مع الرومي يلتمس المسيحي الجراح عذراً , لمسيحيته باعتبارها دين ابائه , فيرد الرومي محتجاً :
" انه لا الفعل ولا الكلمات هي التي امتلكت احساسات الانسان العاقل السليمة ".
الله اعطاك عقلاً خاصاً هو غير عقل ابيك , واعطاك بصيرة غير بصيرته , اي اعطاك قدرة على التمييز خاصة , فلماذا تلغي عقلك وبصيرتك باتباع عقل اخر يمكن ان يدمرك ولا يهديك , ولن تجد فيه رشدا ؟
ويواصل الرومي ضربه لبض الامثلة حول كيفية عمل العقل وتأثيره علينا في قبولنا ما يقدم لنا نفعاً اكبر او اكثر من ذلك الذي لدى ابائنا . وهو يزعم انه حتى الكلب الذي يتعلم الصيد للملك لن يستمر في الانشغال بالسفاسف , كما راح مولاه يفعل .
اذا كان الذكي من الوحوش يستفيد سريعاً من الشئ الذي يرام افضل من ذاك الذي ورثه من اولديه , فأن من البلادة والفضاعة ان الانسان الذي هو اعلى رتبة من كل الموجودات على الارض بالعقل والتمييز يكون اقل تعلماً من الوحش . اننا نلجأ الىالله من خلال ذلك .
بالتأكيد انه من الصائب ان يقال بأن رب المسيح عيسى عليه السلام شرف عيسى اليسوع وجعله قريباً منه (جل جلاله) وبذلك فان من يقدم له خدمة , يقدم خدمة لله , وكل من يطيعه انما يطيع الله . ولكن أياً ما كان الله ارسله من نبي متفوقاً على اليسوع مظهراً ذلك قدرته بيديه كما اظهر قدرة اليسوع وتجلياته واكثر , صار ينبغي على المرء ان يتبع ذلك النبي من اجل الله , وليس من اجل النبي نفسه .
حاول الصوفيون جادين توضيح حقيقة ان هناك اختلافات بين الاديان التي نزلت او أنزلت من السماء مع تمييز واضح بين الظاهر والباطن فيها . ان الاختلافات بينها هي اختلافات ظاهرية ,اما الباطن فواحد . مع ذلك فأن الغالبية العظمى من الصوفيين يؤكدون بأن الواجب هو اتباع وصايا القانون الاسلامي عبر الشعار القائل : " لا طريقة بدون شريعة , ولا سبيل للباطن الا من خلال الظاهر , وان الظاهر المطلوب في العصر الحالي هو ذلك الذي جاء في هذا العصر وهو الاسلام " .
اضافة الى ذلك , النور الذي جاء به القران والذي يوجد في التوراة والانجيل يشير الى هذه الكتب كما انزلها الله على الانبياء , وليس في اشكالها المحرفة التي نراها اليوم - كما يقول الاسلام - وان نور الاديان السابقة لا يشير اطلاقاً بل لا علاقة له بالمذاهب المرفوضة بوضوح في القرأن , مثل التجسيد وصلب المسيح والتثليث .جلال الدين الورمي يرفض بوضوح وصرامة الدعوى القائلة بأن يسوع هو الله الذي هو خلاف العقل كما هو في تشويه الدعوى الموضوعة منقبل الجراح في كون بعض الصوفيين يقرون موضوع التجسيد .
ان حقيقة وجود عدة مصابيح ولكن بنور واحد لا تفيد انه ليس هناك فرق في اي دين نتبع ,او ان نجلس مرتاحين مقتنعين بالذي ورثناه عن ابائنا او عن طريق العائلة او الثقافة , بالنسبة لجلال الدين الرومي , ولجميع المسلمين , ليس هناك سوى طريق واحد وهو الصراط المستقيم .
مع ذلك , هناك معنى عام شائع يوجد عند الشعراء الصوفيين كالعطار والرومي وحافظ يفيد التعبير عن الصلة الروحية والألفة بين المسيحية والزدشتية وعبادة الاصنام . وهذا ما يقود الى استنتاج خاطئ في ان هؤلاء الشعراء يعتبرون الاختلافات بين الاسلام والاديان الاخرى ليست بذات اهمية . الذي يمكن العثور عليه من هذه الاشارات فعلاً هو الادانة الظاهرية للاشارات الناتئة حول الاندماج مع الاسلام بدون اية درجة من درجات الايمان الباطني . ان من الافضل ان نمتلك اندماجاً اسمياً او شكلياً معاعتقاد غير سليم ,ولكن لا نعتقد به باخلاص ونتبع سبل الهداية التي يدعو لها للارتقاء الروحي , وذلك افضل من ان يكون الانسان منافقاً اذيظهر اعتقاده بالاسلام ولكنه يعبد الطاغوت باطنياً .ان ادانة النفاق في القرأن مسألة واضحة تمام الوضوح ...يقول سبحانه :
( ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا )
ويقول ايضا وفي نفس السياق :
( وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم )
واذا اردنا مقارنة اشكال مختلفة من الكفر فان المنافق سيكون بالتأكيد اسوأ من الزرداشتي المخلص . ان الانكار الظاهر للتقليدية الموجودة لدى حافظ ( والامام الخميني ) مثال ذلك , تلطيخ سجادة الصلاة بالخمرة والبحث عن ملاذ في المجوسية , اصبح وسيلة للتأشير على البعد الباطني للدين وانكار النفاق , ولكن ما لم تفهم الحالة النفاقية هذه في هذه الرمزية فأنها ستظهر وكأنها ردة او ارتداد .ان النفاق يحدث بأظهار الحالة الظاهرية للأسلام وانكاره وانكارها باطنياً . الامام الخميني , متبعاً اسلوب حافظ يرغب في التأكيد على الحالة الضدية للنفاق , وهو اظهار الاعتقاد الراسخ والصادق للاسلام , ولحد مبالغ فيه , من اجل ازعاج وحتى ايذاء الطرف المضاد . نعم , بانكار الضد النوعي اي الظالم المضاد للاسلام , وترسيخ المعتقد في الباطن . يصبح الكفر (بهؤلاء ) رماً للايمان الحقيقي ....
قبل يد الشيخ الذي سماني كافراً
هنئ الحارس الذي قادني بالاغلال
اني ذاهب في تراجع موحش طويل
من الان فصاعداً , من بوابة المجوس
في مدرسة ابن عربي يوجد تأكيد واضح مفاده ان هناك طريقة يمكن من خلالها القول انتدافع المعتقدات الواضح ممكن ان يشرح حقيقة واحدة من ابعاد ومنظورات متباينة . وبهذه الطريقة يمكن توضيح الاختلافات في الاديان المنزلة المختلفة . وحتى لو قاطعت احداها الاخرى في الظاهر , فان كلا منها يمكن ان تعبر عن حقيقة مقدسة معينة . صوفيون اخرون راحوا يتأملون ويؤكدون بان النصوص المقدسة للهندوسية ترتكز على كتاب مقدس ملهم فيما طور اخرون هذه الافتراضية بالقول ان بوذا كان نبياً وهو المسمى ( ذو الكفل ) . ومع ذلك فالحقيقة القائلة بأن الحقيقة الالهية تجد تمظهراتها في مختلف الاديان بل وحتى المتقاطعة مع بعضها بشكل واضح , لا تعني بأن الناس لهم كامل الحرية بأن يختاروا اي دين يلائم او يتواءم مع اوهامهم وخيالاتهم . ابن عربي نفسه , عندما سئل من قبل حاكم مسلم اراد منه نصيحة عن كيفية التعامل مع المسيحيين , اجاب بانهم يجب ان يعاملوا كمتعاقدين ضمن القواعد الاسلامية ( اي متعهدين بعدم خرقها) مؤكدا انه من المفروض على الناس في العصر الحاضر اتباع الشريعة التي جاء بها النبي (ص) , وانه في هذا السياق ان جميع الاديان الملهمة السابقة تصبح باطلة او لاغية في الوحي القرأني , ليس لانهاتصبح او اصبحت مزيفة , وانما كما يقول ابن عربي , هي نظرة الجاهل القاصر ,اذ انه يصبح لزاماً اتباع شريعة الاسلام الخاصة وليس تلك الشرائع القديمة الموحى بهلا فعلاً . وفي هذا الاطار تصبح جميع الانظمة والقوانين والمواد المرسومة في الاديان السابقة باطلة وعديمة القيمة او عديمة الجدوى , لا لأنها لا تستحق ذلك , وانما بات كل ما يمكن الاستفادة منه منها مندمجاً او ظاهراً مع تعاليم الوحي الاخيرة . انه يوضح ذلك بالقول :
ان جميع الاديان السماوية ( او الشرائع السماوية ) انوار واحدة . بين هذه الاديان , الدين الموحى به الى محمد الذي هو اشبه بنور الشمس الىانوار النجوم . فعندما يشرق نور الشمس تختفي انوار النجوم وان ضوءها ينضم الى ضوء الشمس , ان كونها تختفي يكون بمثابة الالغاء او الاخفاء لنور الاديان السماوية الاخرى الذي حل محله نور الديانة المحمدية . وبهذا تصبح النجوم فعلاً لا وجود لها , اي ان نورها موجود ومعترف به او يدرك ولكن لا وجود له . وهذا يوضح لماذا يراد منا , في نظرتنا الشمولية للدين ,ان نؤمن بحقيقة جميع الرسل والانبياء وكل ما اوحي اليهم او ألهموا من اديان . ان هذه الاديان , لا تحسب لاغية او باطلة بتوهم فعلاً انها باطلة او لا قيمة لها , وانما بعد مقارنتها بغيرها اصبحت هكذا , ان الاولى هي نظرة الجاهلين القاصرين ( الذين لا يفهمون الفرق بين ضوء الشمس وضوء النجوم ) .
الفرق بين الصوفيين والثيولوجيين حول موضوع التنوع الديني , هو واحد من التأكيدات الاخرى المضافة الى هذا المنهج الواضح . فالصوفيون يؤكدون على الوحدة الباطنبية للديانات السماوية , فيما يؤكد الثيولوجيون على التفوق الظاهري للاسلام , وهنا فعلا لا يوجد فرق حقيقي في كل من الاتجاهين , يعترف الثيولوجيون بأن الديانات الملهمة السابقة و تنطوي على النور والهداية , وهذا مثبت بوضوح في القرأن . والحقيقة القائلة بأن العصر الحاضر انما هو عصر الاسلام المحمدي والمحمدي وحده وانه هو الشرعي الساري المفعول وقوانينه هي الملزمة , حقيقة مقبولة هي الاخرى من قبل الصوفيون , وكلا الجماعتين تؤكدان , او تعتقدان بأن الديانات الملهمة سابقا بما فيها المسيحية الملهمة للسيد المسيح لا تشتمل على اي شئ مخالف للاسلام , على الرغم مما يعتبره الطرفان الثيولوجيون والصوفيون من انه اضافة غريبة او دخيلة لخطأ منهجي . وبدرجة ادق ان من اولويات اهتمام الصوفي هي التأكيد على النور الباطني والحالة الباطنية اكثر من تأكيده على المنهج او المذهب . وبسبب اهتمامه بالبعد الباطني , يرغب العارف كذلك بالسماح لتفاوت اكبر في التنوع الظاهري كتعبيرات عن حقيقة واحدة اكثر من اولئك الذين يشكل جل اهتمامهم انشغالاتهم بالبحث في التفاصيل العقلية والمنهجية . وعلى اية حال كلتا الجماعتين تعتقدان بأن الاسلام جاء متمماً لكل ما احتوته الديانات السماوية السابقة , وهو الدين الوحيد الموصوف من قبل الله للعصر الحاضر وحتى نهاية العالم . ومع ذلك يحب العارف او يرغب باعطاء تعبير شاعري لايمانه ورفضه للنفاق ومع كل رموز الديانات الاخرى , بما فيها عبادة الاصنام , وهذا ما تشرحه المقطوعة التالية ل بابا طاهر والامام الخميني على التوالي :
سعداء اولئك الذين لا يفرقون بين أيديهم وأقدامهم
اولئك بين اللهب لا يعرفون الفرق بين الرطوبة والجفاف
الكنيس , والكعبة , ومعبد الاصنام , والدير
لا احد منها معروف وان كان خالياً من المحبوب
على بوابة الخان
والمعبد والمسجد والدير
وقعت منهاراً في سجود
كأنك ترمقني من هناك
الاسلام والتعددية الدينية
source : البلاغ