عربي
Friday 22nd of November 2024
0
نفر 0

يوم الولايه

  من خطاب لولي امر المسلمين آيه الله العظمي السيد علي الخامنئي «دام ظله» بمناسبه عيد الغدير الاغر في جموع غفيره من اهالي مشهد و زوار الامام الرضا عليه‌السلام.

 

يوم الغدير يوم الولايه:

     ان قضيه الغدير قضيه اسلاميه و ليست مجرد قضيه شيعيه. ففي تاريخ الاسلام، و ذات يوم، قال رسول الله عليهم السلام كلاما و عمل عملا يحتوي كل منهما علي دروس و معاني مختلفه.

     و ليس بوسعنا القول إن علي الشيعه فقط الاستفاده من الغدير و حديت الغدير، اما سائر المسلمين فلا يشاطرونهم الاستفاده من المضامين القيمه الوارده في هدا الحديث النبوي الشريف، و الذي لا يختص بحقبه دون أخري.

     و في الحقيقه فان الشيعه يكنون حبا خاصا اكثر من سواهم لهذا اليوم و هذا الحديث، نظرا لنتصيب اميرالمومنين عليه الصلاه و السلام اماما و وليا في يوم الغدير، غير ان حديث الغدير لا يقصر فقط علي استخلاف امير المومنين، بل يشتمل علي مضامين اخري بوسع المسلمين جميعا الاستفاده منها.

     فقيما يتعلق باصل حادثه الغدير، يجدر بكافه المهتمين بالتاريخ الاسلامي ان يعلموا بانها قضيه مسلمه لاشك فيها، حيث انها لم ترد في الروايات الشيعيه و حسب، بل ان المحدثين من اهل السنه-سواء في العصور المتقدمه او المتوسطه او المتأخره-نقلوا هم ايضا حادثه الغدير، اي تلك التي وقعت في حجه وداع الرسول الاكرم في غديرخم.

     في ذلك اليوم كانت قوافل المسلمين التي أدت مع رسول الله صلي ‌الله‌ عليه ‌و آله فريضه الحج قد تقدم بعضها إلي الأمام، فأرسل النبي صلي ‌الله‌ عليه ‌و آله خلفهم من أعادهم، ثم انتظر حتي التحق بركبه من تأخر من القوافل؛ فاجتمع حينذاك حشد غفير من المسلمين قيل إنهم بلغوا تسعين ألفا، و قيل مئه ألف و قيل مئه و عشرين ألفا.

     و في هذا الجو الحار لم يستطع سكان الجزيره العربيه ان يضعوا اقدامهم علي الارض الملتهبه حراره‌، مع ان معظمهم كانوا من سكان البوادي و القري الذين تعودوا علي تحمل الحر الشديد، حتي انهم اضطروا لوضع عباءاتهم تحت اقدامهم و الوقوف فوقها، و هو ماورد ايضا في روايات اهل السنه.

     و في مثل هذه الظروف اوقف الرسول صلي ‌الله‌ عليه و آله اميرالمومنين عليه السلام و رفع يده امام الاشهاد قائلا: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه؛ اللهم وال من والاه و عاد من عاداه».

     و هناك كلام بالطبع ورد في خطبته صلي ‌الله‌ عليه و آله قبل و بعد هذه الجمل، و لكن اكثره اهميه هو ذلك القسم الذي يصرح فيه الرسول صلي ‌الله‌ عليه و آله بقضيه الولايه ‌اي الحاكميته الاسلاميه  و ينصب فيه اميرالمومنين اماما للمسلمين بصوره رسميه و صريحه.

     و لاشك في انكم قد سمعتم سلفا بهذا الكلام الذي قلته انا الان، كما ان اخوتنا من اهل السنه قد نقلوه في العشرات من كتبهم المعتبره، و هو الذي جمعه المرحوم العلامه الاميني في كتابه، و صنفه الكثيرون ايضا في العديد من مؤلفاتهم.

     و علي هذا فان هذا اليوم هو يوم الولايه اولا، و ثانيا هو يوم ولايه اميرالمؤمنين‌ عليه السلام.

مامعني الولايه؟

     فما معني الولايه في هذه الجمله التي اطلقها الرسول صلي ‌الله‌ عليه و آله؟

     ان معناها باختصار هو: ان الاسلام لا ينحصر في الصلاه و الصيام و الزكاه و الاعمال الفرديه و العبادات. بل ان له نظاما سياسيا و حكومه قائمه علي احكام الشريعه الاسلاميه، فالحكومه هي الولايه في العرب و الاصطلاح الاسلامي.

     فكيف هو شكل حكومه الولايه؟ ان الولايه هي تلك الحكومه التي يرتبط فيها الحاكم مع ابناء الشعب باواصر الحب و العاطفه و الفكر و العقيده.

     و اما الحكومه التي تفرض نفسها بالقوه، و التي ياتي بها انقلاب، و التي لا يومن فيها الحاكم بعقيده شعبه، و لا يقيم فيها وزنا لافكاره و مشاعره، و التي يتمتع فيها الحاكم بامكانات خاصه و مزايا معينه حتي في عرب الشغب - كما هو شان حكومات العالم اليوم و يجد فيها فرصته لاشباع نزواته الدنيويه، فانها حكومات لا تمت الي معني «الولايه» بشيء؛ لان الولايه تعني تلك الحكومه التي تجمع بين الراعي و الرعيه بالروابط الفكريه و العقائديه و العاطفيه و الانسانيه و القبيله، و يتعاطف فيها الناس مع الحاكم، و يحبونه و يعتبرونه محور كل هذا النظام السياسي، و يعدون عمله تكليفا الهيا و ينظرون اليه كعبد من عباد الله.

     فالاستكبار لا وجود له في «الولايه»، و الحكومه التي يراها الاسلام هي اسمي ديمقراطيه و شعبيه من كل ديمقراطيات العالم، و لها علقه مع الافكار و مشاعر و عقائد و متطلبات الشعوب الفكريه،‌ و هي الحكومه التي في خدمه الشعب.

     لا ينبغي ان تكون الحكومه مطمعا ماديا بالنسبه للحاكم او الولي او المؤسسات الحكوميه، فهذا يخرجها عن الولايه، و اذا جعل الحاكم الاسلامي منصبه وسيله لتحقيق مآربه الماديه و طريقا للتحكم و التعالي و الوصول الي سده الحكم؛ فانه لن يكون وليا عندئذ، و لن تكون حكومته حكومه ولائيه.

     او ولي الامر في الحكومه الاسلاميه اي ذلك الشخص الذي يوكل اليه امر اداره النظام السياسي لا يفترق عن باقي افراد الشعب من الناحيه القانونيه، و مع انه يمتلك حق القيام بالكثير من الامور الكبري من اجل الشعب و البلاد و الاسلام و المسلمين، الا انه لا يعلو علي القانون.

     لقد حرف البعض معني الولايه منذ اليوم الاول و حتي الان، و لاسيما بعد قيام نظام الجمهوريه الاسلاميه، و اعطوا لها تعريفا مغايرا و كاذبا، فقالوا بانها تعني الحجر علي الناس، لانهم يحتاجون الي ولي و قيم، وقد صرحت بهذه الاقوال شخصيات بارزه و مشهوره فيما يصدرونه من كتب و صحافه، و كل هذا لا يعدو ان يكون كذبا محضا و اتهاما للاسلام و الولايه.

     لقد طرح الرسول صلي ‌الله‌ عليه و آله قضيه الولايه بصوره رسميه في الغدير و نصب اميرالمومنين بصفته مصداقا لها، و لاشك في ان اثمه الكثير من التفصيلات التي تعرفونها؛ فاذا كان هناك من لم يطلع عليها-و لاسيما من الشباب-فيجدر به ان يتابعها في المولفات و الكتب الاستدلاليه و العلميه و هي كثيره و مفيده.

 

الغدير روح الوحده:

     ان قضيه الغدير بوسعها ان تكون روح الوحده، و قد كتب المرحوم آيه الله الشهيد المطهري مقالا حول ذلك بعنوان «الغدير و الوحده اسلاميه»، حيث اعتبر كتاب الغدير-الذي يعالج قضايا الغدير-احد محاور الوحده الاسلاميه، و هو راي صائب.

     و من الممكن ان يكون ذلك امرا عجيبا، و لكن هذه هي الحقيقه. لقد طرح اصل قضيه الولايه التي لا خلاف فيها بين شيعي و سني في حادثه الغدير، و بغض النظر عن الجانب الاعتقادي لدي الشيعه من تنصيب الرسول لاميرالمومنين كما هو واضح في حديث الغدير، فلو رفع مسلمو العالم و شعوب الدول الاسلاميه شعار الولايه الاسلاميه اليوم؛ لانفتحت شتي المغاليق و حلت كافه المعضلات التي تعارض منها الامه الاسلاميه و وجدت مشكلات العالم الاسلامي طريقها الي الحل.

     ان قضيه الحكومه و النظام السياسي و الحاكميه السياسيه لمن اعقد قضايا العالم؛ فبعض الدول تعاني من الاستبداد و الدكتاتوريه، و بعضها تعاني من الحكومات الفاسده، بينما يعاني البعض الاخر من الحكومات الضعيفه، و البعض من الحكومات العميله، فلو طرحت الحكومه الاسلاميه بمعناها الحقيقي-اي الولايه-و باتت شعار للمسلمين، فانها ستكون دواء لشتي انواع الضعف و الاقتصاد و العماله و كذلك الدكتاتوريه. و علي هذا فان لواء الولايه هو لواء اسلامي.

     انني ادعو كافه اخوتنا المواطنين من الشيعه و السنه-علي مستوي بلدنا هذا في الوقت الحاضر-لان ينظروا الي قضيه الغدير من هذه الزاويه و ان يولوا اهتماما لهذا القسم من حديث و قضيه الغدير، كما ارجو ان يحتفل اخوتنا من اهل السنه بعيد الغدير ايضا-عيد الولايه-لان اصل نشوء قضيه الولايه من الاهميه بمكان، كاهميه ولايه اميرالمومنين، و هو من القواسم المشتركه بيننا و بين الاخوه من اهل السنه.

     لقد كان رايي دائما، سواء قبل انتصار الثوره او بعدها، هو ان علي الشيعه و السنه اليوم الترفع عن خلافاتهم التقليديه في معاملاتهم اليوميه، و ان يكفوا عن النزاع و التحارب، و يجتمعوا حول قواسمهم المشتركه و التي من بينها الولايه، و مازال هذا هو رأيي حتي الان.

     ان ثمه محاولات متزايده تبذل في العالم اليوم لشق صف الشيعه و السنه. و هو ما سيجني الاستكبار ثماره كما يعلم ذوو البصائر و الفكر؛ انهم يهدفون الي ابعاد ايران عن اسره الدول الاسلاميه و ان يحصروا الثوره الاسلاميه داخل الحدود الايرانيه، و يمهدوا السبيل امام الدول الاسلاميه لممارسه الضغوط علي ايران و يحولوا دون تأسي الشعوب الاخري بالشعب الايراني.

     فعلينا ان نكون علي خلاف ما يطمحون؛ ان علي كل واحد-سنيا كان او شيعيا-ان يعمل علي تمتين عري المحبه و توثيق اواصر الصداقه بين الشيعه و السنه، و بهذا يكون قد قدم خدمه للثوره و الاسلام و اهداف الامه الاسلام.

     و اما الذي يعمل علي زرع الفرقه بينهم فسيكون علي تضاد تام مع هذه الحركه.

     انني علي علم بانهم في بعض الدول الاسلاميه-التي لا ارغب في التصريح باسمها-يتلقون الاموال من الصناديق المؤسسه لخدمه اهداف و اطماع الاجانب، و ينفقونها علي اصدار الكتب التي تنال من الشيعه و مذهبهم و تاريخهم، ثم يوزعونها في شتي اقطار العالم الاسلامي؛ فهل هولاء يحبون السنه؟! كلا، بل انهم يريدون القضاء‌ علي الشيعه و السنه كليهما، فهم لايحبون الشيعه و لا السنه.

     و نظرا لان مجموعه من الشيعه هم الذين اقاموا الحكومه الاسلاميه و يرفعون رايه الاسلام في ايران، و لان الجميع يعرفون التشيع عن الشعب الايراني، فان الاعداء يفرغون ما في صدورهم من غل علي الثوره، و يلقون به ايضا علي راس الشيعه! انهم يحاربون الشيعه حتي يحولوا دون انتشار الحاكميه السياسيه الاسلاميه، و رفرقه هذا اللواء الخافق بالعزه و الفخر علي اي مكان آخر، و لكيلا يكون ذلك مطمحا لشباب البلدان الاخري.

     فعلي الجميع ان يتوخوا الحذر من معاضده الاعداء في هذه الممارسات الخيانيه، و ان علي الجميع في هذا البلد او في المحافل الاسلاميه او في التجمعات الشيعيه او اخوتنا من اهل السنه في بلادنا ان يبتعدوا عن كل ما يساعد الاستكبار علي دق اسفين التخاصم و العداء بيننا.

     و بالطبع فاننا لا نعني بذلك ان يصبح الشيعه سنه و لا ان يتحول السنه الي شيعه، و لا نريد ان ندفع الشيعه و السنه الي التخلي عما لديهم من طاقات و امكانيات علميه لترسيخ آرائهم العقائديه، بل ان النشاط العلمي هو امر جيد و لا غضاضه فيه، فليصدر و المولفات العلميه، و لكن في نطاق الاجواء العلميه دون سواها و بلا تجريح ولا إساءه.

     و علي هذا فاننا لا ينبغي لنا ان نقف بوجه من يستطيع اثبات رأيه، الا انه كل من يبتغي ايجاد الصدع بقوله او بعمله او بشتي الوسائل الاخري؛ فاننا نعتقد بان هذا يصب في صالح الاعداء. فعلي السنه و الشيعه معا ان ياخدوا حذرهم، و هذا هو ما تشتمل عليه ايضا «الوحده الوطنيه»  التي تحدثنا عنها.

     و في الواقع فانني اريد ان انبه هنا الي ان البعض يعتبرون الوحده الوطنيه شعارا سياسيا لا دينيا في محاوله للمساس بها.

     و لقد نصحنا هولاء، و ها نحن اليوم نقدم اليهم النصح ايضا بان لا يكونوا سببا في تقويض دعائم وحده هذا الشعب العظيم و المتألف، لان تمزيق نسيج هذا الشعب الكبير لا يكون الا خدمه لاعدائه، فلو حافظ هذا الشعب العظيم الواعي علي الوحده الوطنيه في هذا البلد؛ فان هذا سيكون عونا علي وحده شعوب اخري.

     ان الامه الاسلاميه ذات المليار و النصف مسلم لو اتحدت في قضاياها الاساسيه؛ لوجدنا ان هناك قوه عظمي خرجت الي حيز الوجود، و لكن اذا ما وقع المساس بالوحده الوطنيه فلا جدوي حينئذ للحديث حول وحده العالم الاسلامي، لانه سيكون مدعاه لسخريه الجميع، و هو ما يريد البعض تحقيقه.

 

كيف يمكن توفير الوحده الوطنيه؟

     فكيف يمكن اذا توفير الوحده الوطنيه؟ ان احد السبل الي ذلك هو ان يلتزم اصحاب الكلمه المسموعه في الاوساط الشعبيه او المسؤولون او الشخصيات الدينيه و العلمائيه و السياسيه بعدم الايقاع في تصريحاتهم بين مجموعه و اخري او جناح شعبي و آخر، و الا يثيروا الفتن.

     و في‌الواقع فان اثاره الفتن و تبغيض ابناء الشعب بعضهم لبعض؛ يعتبر احدي فقرات مشروع، يعكف الاعداء علي تنفيذه ضد هذا الشعب. فهذه الاذاعات الاجنبيه و تلك المراكز الخبريه يمكن ان يقال بان نصف ما تبثه من اقوال قد اعد لها سلفا؛ بغيه زرع بذور البغضاء و تكدير الصفو بين فئات الشعب، آخذين في اعتبارهم ما سيسفر عنه ذلك من عواقب.

     فعلي اصحاب الاعلام و الاقلام ان يحذروا في الدرجه الاولي من ان تسيء اقوالهم ظنونا هذا علي ذاك، او ان يوقعوا بين ابناء الشعب، او يحفروا هوه بين الشعب و المسؤولين، لان هذا هو لون آخر من الوان اشعال فتيل الفتنه.

     ان البعض لا هم لهم سوي نشر الشائعات او اصطناع الاخبار او ترييفها و تحريفها و التلاعب بحقيقتها، من اجل تضليل المخاطب، بغيه اساءه ظن الجماهير و الشباب و القراء و المستمعين بمسؤولي الحكومه، و طمعا في زرع الشك في نفوسهم، و هذا لا فائده له سوي ابطاء حركه تقدم الشعب و البلاد، و تشاوم الجماهير و يأسها من المستقبل، و إطفاء شعله الامل المتوهجه في صدور ابناء الشعب.

     ان البعض يحاولون دفع الجماهير الي اساءه الظن بالحكومه قاطبه او ببعض المسؤولين، في حين انهم لو كانوا علي حق، لعملوا علي ايصال توجيهاتهم بشكل أو بآخر إلي المسؤولين علي اختلاف درجاتهم، و لكانت النتائج افضل.

     انه و لو وقعت حادثه او حدث اغتيال او ارتكبت جريمه؛ لوجدنا اولئك الذين لا يشعرون بادني قدر من المسؤوليه يطلقون الكثير من الكلام الفارغ و الواهم و المحير بالنسبه للمتقي. و ان الذين علي علم بالحقيقه يعرفون ان اولئك كم هم بعيدون عن الواقع، او انهم يتغافلون عامدين عن الحقيقه، و هو ما يسيء الي الوحده الوطنيه. و لهذا فان الوحده الوطنيه احد ابرز مطالب الشعوب.

     ان شعباً يقتحم ساحه الاقتصاد مسلحاً بوحده الكلمه الجدير بالتقدم، و حتي لو شنوا عليه حرباً لاسمتر في تقدمه.

     انه من‌الممكن الحفاظ علي كرامه الشعب اكثر فاكثر عن طريق الوحده الوطنيه، و ان الشعوب بوسعها تحقيق كافه آمالها العظمي في ظل الوحده الوطنيه، و اما الخلافات و تفرق الكلمه و تعكير صفو النفوس و الزج بالاجنحه و التجمعات و الافراد و الشخصيات الي ساحه المواجهه بعضها من بعض؛ فلا يمكن ان يعود بايه فائده.

     و لهذا فان الوحده الوطنيه اصل نامل من الجميع الحفاظ عليه، و هو ما ننشده في المسؤولين ذوي الاحتكاك مع الراي الشعبي العام.

 

مقوله «الامن من القومي»:

     و اما المقوله الثانيه فهي مقوله الامن القومي، و هذا ما يحظي بالاهميه القصوي. و بالطبع فان الامن القومي يشمل الامن الداخلي و كذلك الامن الخارجي، فالامن الخارجي يعمي تلك المنطقه التي لا يمكن تهديد البلاد عن طريقها بوسيله القوي الاجنبيه خارج الحدود، او ان تهاجم القوي العسكريه حدود احد البلدان كما يحدث في الحروب-او شن الهجوم السياسي او الاعلامي علي بلد ما مما يسفر بدوره عن القلاقل و الاضطرابات، و هو ما يلاحظ كثيرا بالنسبه لبعض البلدان، و يترتب عليه العديد من المشاكل.

     و اما الامن الداخلي فهو حركه واسعه من الجهود التي لو توفر علي بذلها كافه المسؤولين المعنيين؛ لنجحوا في تحقيق هذا الرجاء العظيم، لان الامن ليس بالامر اليسير.

     و كما قلت في مستهل هذا العالم، فانه اذا لم يتحقق الامن لتوقف عجله الاقتصاد، و انه اذا لم يتحقق الامن لانعدمت الاجتماعيه، و اذا لم يتحقق الامن؛ لزال العلم و توقف التقدم العلمي، و اذا لم يتحقق الامن؛ لتفسحت تدريجاً كافه اجزاء البلاد. و لهذا فان الامن قاعده و اساس.

 

نماذج من الاخلال بالامن و الاستقرار:

     و في الحقيقه فان للامن نماذج تختلف من حيث الاهميه؛ فانعدام الامن او الاستقرار الذي يمكن ان يعاني منه كافه افراد المجتمع في حياتهم اليوميه او يسعموا به من الاخرين، فهو امر و ان كان حائزاً علي الاهميه، الا انه لا يهدد كثيراً بالخطر، و ذلك كحوادث السرقه مثلاً، و التي ينبغي التغلب عليها بواسطه جهاز الشرطه و الضرب عليها بيد من حديد.

     و ثمه مثال آخر لانعدام الامن كتفويض بعض الاشخاص لدعائم الامن العائلي؛ من اجل نزواتهم القذره و الوضيعه، الا انه ليس نموذجاً من الدرجه الاولي.

     كما ان بث الرعب و القلق من قبل الاشرار و الاوباش و الاراذل المستهرين، هو نموذج آخر لانعدام الامن. فلدينا تقريرات عما يقع في العالم من حولنا، و هو مما شاهده او سمعه بعض منكم في مكان ما، حيث يعمد بعض الاشرار الخارجين عن القانون الي التعرض لاعراض و شرف الناس في الازقه و الاحياء، و هو ما تقع مسؤوليه ايضاً علي عاتق جهاز الشرطه و السلطه القضائيه، من حيث ردعهم و ايقاع العقاب بهم، حتي لا يظن بعض المتسكعين و المتنطعين بان لهم الحق في ارتكاب ما يحلولهم من حماقه و اخطاء، ثم لا يكون جزاؤهم سوي النوم بضع ليال في احد السجون.

     لقد اعد الاسلام اقسي القعوبات لاولئك المثيرين للمخاوف، و الباعثين علي الرعب و الوحشه داخل الاجواء الاجتماعيه. فلو طبق الحكم الالهي علي مثل هولاء و سواهم من اللصوص-و لا سيما المتحرفين منهم لهذه الممارسات-لكان لذلك اكبر الاثر بالتاكيد.

     فليدعوا جانباً بعض المجلات العالميه و الموجات الدعائيه حتي يعرفوا ما هو حكم الله. لقد وضع الحكم الالهي كل شيء في مكانه المناسب و بالقسطاس المستقيم.

     ان انعدام الامن الاقتصادي يمثل جزءاً آخر من انعدام الامن؛ فالذين يسببون الاضطراب و عدم الاستقرار للاجواء الاقتصاديه مستغلين ذوي الدخل المحدود، يقومون بذلك عن طريق الممارسات غيرالقانونيه و التحاليل، فيبدون بذلك اموال الطبقات المعوزه و طاقات الشعب و يصادرونها لصالحهم.

     واسوا من هولاء جميعاً اولئك الذين يصادرون لصالحهم ثروات الحكومه و الوطن بواسطه اعمال الاحتيال، او خرق القوانين و الالتفاف عليها او التهرب من القانون، و هم لا يتورعون عن شتي وسائل الاستغلال الشخصي؛ فهولاء يقفون خلف عدم الاستقرار و الامن الاقتصادي.

     انكم تورن ان التحايل و التهرب من القانون هو احد الاسباب التي تقف وراء الاقتصاد المريض و المتردي في اي بلد، و التي يستغلها البعض، للحصول علي الثراء الفاحش و الاستيلاء علي ثروات الشعب و الحكومه.

     الا ان الاخطر من الاضطراب الاقتصادي هو الاضطراب الاجتماعي، فهو الذي يمس الامن القومي اكثر من سواه، و لذلك فانهم يلجاون الي تازيم اوضاع العمل و توتير الاجواء العلميه و الطلابيه.

     و كما ذكرت قبلاً فان احد المسؤولين الاميركيين صرح منذ حوالي شهر بأن الفوضي ستعم شتي انحاء ايران، مما يدل علي انهم عاكفون علي تنفيذ خطه بهذا الصدد، و هو مايوجب علي أبناء الشعب الحيطه و الحذر، فضلاً عمن يتعرضون مباشره و اكثر من غيرهم لمثل هذه المؤامرات.

     و هذا ليس جديداً؛ فلقد ظل الاعداء يبذلون جهودهم المتواصله منذ بدايه الثوره و حتي الان في هذا الاتجاه. انهم يؤزمون أجواء العمل و يفتعلون الاضرابات لشل القوي العامله و تعطيلها عن اداء دورها البناء في البلاد، و مع انهم لم يحصدوا سوي الفشل حتي الان انهم مازالوا يخططون. كما انهم يثيرون القلاقل و الاضطرابات في الجامعات، و قد جربوا هذه الطريقه مره او مرتين و لكنهم تلقوا صفعه من الطلبه، و ارتدوا خائبين. و ربما يكون الاعداء قد افلحوا احياناً في تنفيذ مخططهم هذا. انهم لا يكفون عن السعي في تازيم الاجواء الجامعيه و الطلابيه و اثاره الاضطرابات تحت شعار التظاهرات و سواها، فيعطلون الدروس و يلجئون الاستاذ و الطالب كليهما الي البطاله. ان الجميع يلاحظون ان طلبتنا اليوم آخذون في الكشف عن مواهبهم الخلاقه، و اننا لنجد بين الطلبه اموراً مبهره تبعث علي الامل حقيقه، و تبشر بمستقبل و اعد و وضاء.

     و لهذا فان احدي خطط الاعداء اثاره الاضطرابات في الجامعات ليحولوا دون التعلم و تلقي الدروس و التوجه الي المختبرات.

     كما انهم يثيرون الشغب في الشوارع و المدن، كما حدث في طهران يومي الحادي و الشعرين و الثاني و العشرين من شهر تير في العالم المنصرم، فبثوا الرعب في المدينه و هددوا بالخطر حياه الناس من شيب و شبان و اطفال و نساء، كذلك حياه الماره، و حتي الجالسين في منازلهم و غرفهم، فلماذا؟! لان شر ذمه رات ان تنزل الي الشوارع في حركه هوجاء و عنيفه و تقوم باعمال الغشب، فتحرق السيارات و تهشم زجاج المباني متذرعه بالحجج الواهيه.

     فمن الذي يعطي الحق لاحد في اي من البلدان لمداهمه الناس في منازلهم-فهذا ليس محلا للغرباء-و بث الخوف و الوحشه في نفوسهم؟!

     و من البديهي فان قوات الامن و الشرطه و المتطوعين لا تقف مكتوفه الايدي حيال مثل هذه الممارسات.

     و لكن من الذي ينبغي عليه توخي الحذر في مواجهه مثل هذه التصرفات المثيره للاضطراب؟! انه الشعب نفسه و انهم الشباب و العمال و الموظفون و كذلك الطلبه انفسهم، اي اولئك جميعاً باخذ حذرهم، و ليردعوا كل من تسول له نفسه خلق الاثارات، و ليعلموا انه انما يتحدث بلسان الاعداء، و ان صوته هو صوت الاعداء، كما خبروا ذلك في التجارب السابقه.

     ان مهمه اقرار الامن تقع علي عائق الاجهزه المعنيه، كوزاره الامن، و وزاره الداخليه، و قوات الشرطه، و المؤسسه القضائيه، و ذلك فضلاً عن وعي الشعب.

     ان هذا هو اهم ما يريده الشعب من الحكومه، كما ان هذا هو ما اطالب به الاجهزه المختصه.

     فعلي الجميع توخي الحيطه و الحذر، و عليهم التعامل بوعي مع الاحداث، و لا ينبغي لنا ان نطلق العنان للعدو ليفعل ما يحلوله.

 

و ماذا يجدي الاعتراف؟

     ان هذا الامن الداخلي قد يمتداً احياناً الي الامن الخارجي، كممارسه الاثارات؛ فمنذ بضعه ايام جاءت بعض التصريحات علي لسان احد الوزراء الاميركيين، حيث اعتراف الاميركيون الان و بعد حوالي نصف قرن انهم هم الذين دبروا انقلاب الثامن و العشرين من شهر مرداد؛ لقد مر نحو سبع و اربعين سنه، و لكنهم يعترفون الان بانهم كانوا يساندون حكومه الشاه القمعيه و النظام البهلوي الدكتاتوري الفاسد، و انهم كانوا وراء انقلاب الثامن و الشعرين من مرداد، و انهم ظلوا يدعمون حكومه الشاه الدكتاتوري و العمعيه و الفاسده و الوضعيه، طوال خمسه و عشرين عاماً.

     كما انهم اعترفوا الان بانهم ساندوا صدام حسين في حربه ضد ايران.

     فما الذي يشعر به الشعب الايراني المظلوم-في اريكم-إزاء هذا الموقف و هذه الاعترافات؟!

     لقد فرض علينا النظام العراقي الحرب لمده ثماني سنوات؛ فقصف المدن، و قضي علي المصادر الحيويه، و قتل الشباب، و بدد آلاف المليارات من ثروتنا الوطنيه، و أضاع الكثير من الفرص علينا، و ارتكب جريمه تاريخيه كبري.

     لقد كنا نقول دائماً في تلك ايام ان الاميركيين يدعمون صدام حسين، و لكم كررنا ذلك في زمن الحرب، و شددنا علي هذا القول، و لكنهم كانوا ينكرون و يقولون بانهم علي الحياد! و بعد مضي اثني عشر عاماً علي‌انتهاء الحرب؛ جاءت هذه الوزيره الاميركيه لتعترف بصراحه في احد المراكز بانهم قدموا الدعم لصدام حسين.

     و السؤال الذي يطرح نفسه الان هو: ما جدوي اعترافاتكم هذه؟!

      و الآن و بعد ان تحكم محمد رضا بهلوي الظالم و المجرم و الفاسد في رقاب هذا الشعب، علي طوال خمسه و عشرين عاما، و مددتم له يد العون في قمع هذا الشعب، جئتم الآن لتقدوا معترفين بأنكم كنتم وراء ذلك، فماذا يجدينا هذا الاعتراف؟

     إن الأمر كما يقتل شخص ابنا عزيزا لشخص آخر، ثم يأتي ليقدم له الاعتذار! إنهم لم يعتذروا، و لم يطلبوا العفو الآن، بل انهم يعترفون و حسب!

     لقد دبرتم انقلاب الثامن و العشرين من مرداد، ثم أوقعتم هذا البلد نهبا للظلم و الفساد علي طوال سنوات متماديه، ثم جئتم لتقولوا نعم لقد فعلنا ذلك! فماذا يجدينا الآن اعترافكم هذا؟!

     انني اقول منذ الان بانه ربما اتي وزير اميركي آخر بعد عشرين او خمسه و عشرين عاماً أخري ليعترف بانهم دبروا مؤامره ضد ايران في ‌هذه الايام، اي في زماننا الحالي، و انهم قاموا بهذه الحركه، و انهم ارتكبوا تلك الجريمه، و انهم دعموا اعداءنا في ‌الداخل، و انهم نظموا ضدنا صفوف المعارضه، و ماعدا ذلك؛ فماذا تجدي هذه الاعترافات للشعب الايراني بعد سنوات من ارتكابكم للجرائم و المظالم التي مازلتم ترتكبوتها حتي الان؟!

     انكم تكيلون بمكيالين في تصريحاتكم؛ فتقولون بان ايران تمتلك شعباً عظيماً و حضاره عتيده، فهل يكفي هذا لكي ينسي هذا الشعب كل هذه الممارسات الخيانيه و العدائيه و الوحشيه؟!

     اتحسبون انكم تخدعون طفلاً؟! ان هذا الشعب شعب عريق، و هو يعرف ذلك جيداً، و يدري انه يمتلك حضارياً عظيماً. و اننا ندري قبلكم بان موقعنا الجغرافي موقع مهم و استراتيجي جداً، فهل اتعبتم انفسكم و لم ‌تفهموا ذلك سوي الان فقط؟!

     ان هذا هو الموقف الذي لا يريد ان ‌يتعامل مع‌الشعوب الا من ‌موقع الاستكبار و التسلط و السياده.

     ان عيب اميركا الكبير- و الذي هو عيب البشريه في هذا العصر- هو انها تريد التعامل مع ‌شعوب العالم من موقع التعالي و الغطرسه و السياده و التملك، فهي تتعامل في سياستها الخارجيه من موقع الاستعلاء‌، فلماذا كل هذه العنجهيه؟! امن‌ اجل هدف‌ ما؟! كلا، انها لا تعدو مصالحهم! و انهم الا من ‌اجل الحفاظ علي مصالحهم.

     و قد يخضع بلد ما او شعب ما لمثل هذه الغطرسه لسبب او الاخر، و لكن الشعب الايراني اذا لم ‌يخضع مسؤولوه لارادتكم فانهم لا يقعون تحت طائلتكم.

     انكم لا تمتلكون عليهم نقطه ضعف او حجه، و هم لم ‌يرتكبوا ما من شانه اخافتكم لهم بكشف القناع عنه، و ثمه علائق بينهم و بين شعبهم، كما ان الشعب الايراني ايضاً هو شعب قد خبر العزه و الاسلام و الثبات علي العقيده و الحياه بايمان راسخ، و هو جرب الاستقلال، فهل يكون هذا الشعب قد ارتكب جرماً اذا لم ‌يخضع لارادتكم؟! و اذا رفض شعب ما غطرستكم و قال اننا لا نخضع اساساً للاستكبار و التسلط، و ثبت علي مثل هذا الموقف الصريح، فما هي حيلتكم للقضاء علي هذا الشعب؟ و اني لكم ذلك؟!

 

كذبه تبعث علي الضحك!:

     ان القوي الكبري دأبت علي الاصرار بالتظاهر بانها تستطيع ان تفعل كل ما تصبوا اليه في هذا العالم، و قد يحدث هذا في مكان ما، فلماذا؟! لان حكام تلك البلدان عملاء و ضعفاء.

     ان القوي العظمي تزعم كاذبه ان بوسعها ان تفعل ما تشاء؛ فالشعب الايراني و الحكومه الاسلاميه و علي امتداد عشرين عاماً من الثبات و التقدم، و رغم اراده و انف اميركا، قد اثبتوا انه لا اميركا و لا أيه قوه كبري اخري و لا حتي كافه القوي العظمي مجتمعه ستستطيع ان ترتكب حماقه في مواجهه شعب متيقظ و باسل يعرف حقه و يدافع عنه.

     اننا نقول بأن الاداره الأميركيه التي تعترف الآن بأنها ساندت الدكتاتوريه علي مدي خمسه و عشرين عاماً مازالت تساند تلك الدكتاتوريه ايضاً، و لكنهم مسانده إعلاميه و مؤذيه! لقد ذهب اولئك الي الحجيم و لم ‌يعودوا بيننا اليوم، إلا ان اذنابهم و أذيالهم يعيشون تحت مظله الحمايه الاميركيه و هم ‌يتمتعون بدعم الإداره الأميركيه حيثما  كانوا، حتي لو كانوا هنا او هناك في بلادنا.

     فهذه الوزيره الأميركيه تطري و تشيد كاذبه بنظام الشاه في حديثها حتي الآن، و تقول بانه ان دكتاتوريه و سيئا الا انه جعل الاقتصاد الايراني مزدهراً!

     ان هذه اكبر كذبه تبعث علي الضحك يتفوه بها وزير خارجيه في الظروف الراهنه! فهل اولئك هم الذين جعلوا الاقتصاد الايراني مزدهراً؟ فليعلم الشباب بصفه خاصه-لان الكبار لمسوا حقائق تلك الفتره عن قرب- ان النظام البهلوي ارتكب خيانه عظمي لا بحق الاقتصاد الايراني فحسب، بل و حتي في حق الاسس و القواعد الاقتصاديه، و هو ما ظل اثره باقياً علي مدي سنوات فيما بعد!

     لقد حول ايران الي مخازن للصادرات الغربيه الرخيصه و التافهه، و جعلها سوقاً رائجه للبضائع الوفيره و عديمه الفائده، مع ارتفاع اسعارها، كما قضي علي الثروه الزراعيه لهذا البلد الذي كان قد بلغ يوما مرحله الاكتفاء الذاتي، و رغم مرور السنوات فان زراعتنا لم ‌تعد حتي الان الي ما كانت عليه في حالتها الاولي، و ذلك لان تبار الهجره الذي تدافع علي المدن بتشجيع منهم لم ‌يكن بالامر الذي يمكن ايقافه بسهوله و يسر؛ و بذلك جعلوا الشعب يعتمد علي الاجنبي في زراعته.

     لقد كانت ايران في الحقبه الغابره تستورد القمح من اميركا بينما كان الاتحاد السوفيتي يقوم ببناء مخازن الغلال! اي التبعيه للاجانب من حيث المحصول و من حيث تخزينه.

     كما انهم خربوا القري يومذاك و اوقفوا تقدم صناعتنا الوطنيه، في الوقت الذي كان قد حان فيه أوان تطورها، اي ان ما كان ينبغي من تطور للصناعه لم ‌يتحقق، و ذلك حتي يظل الباب مفتوحاً امام الواردات.

     لقد قضوا علي الصناعات الوطنيه الناشطه، و لم ‌يبقوا الا علي ما كان مرتبطاً بالخارج بقدر المنتوجات و ربما اكثر.

     ثم انهم أوقفوا المسيره العلميه، فمع كل هذه الدعايات التي أثاروها حول الجامعات و الطلبه لم‌ تحظ جامعات البلاد الا بالقليل من‌النشاطات العلميه علي المستوي العلمي، فكانوا يقمعون ذوي العقول النيره و الكفاءات العاليه الذين يريدون العمل داخل البلاد، او يضطرونهم الي العمل في‌الخارج.

     لقد فرضوا سيطره الشركات الاجنبيه علي اغلب المصادر الاقتصاديه للبلاد و بددوا الفائضات النفطيه بلا مقابل.

     و في ‌الواقع فان اسعار النفط ما زالت منخفضه حتي في ‌الوقت الحاضر، و لا تحمل الدول المصدره للنفط الا علي نحو عشر ما ينبغي لها الحصول عليه.

     و انني اعلمكم الان بان ما تحصل عليه الدول المستورده للنفط من ماليات و ضرائب يفوق ما تحصل عليه الدول المصدره للنفط من مبيعاتها النفطيه من ارباح، و ما زال الامر علي هذا المنوال، سوي انه لا يمكن مقارنه اليوم بالامس.

     ان قيمه البرميل الواحد من النفط كانت حتي اوائل الخمسينات و علي مدي اعوام طويله اقل من دولار واحد؛ و من اجل ان يستطيع الاوربيون و الاميركيون تسويق بضائعهم باسعار عاليه فانهم عمدوا الي رفع اسعار النفط الي ثمانيه او تسعه دولارات للبرميل الواحد، حتي يتمكن هولاء من شراء تلك البضائع حيث لم ‌تكن لديهم القدره الشرائيه المطلوبه، و هكذا كان.

     لقد كانت الاموال الطائله تودع في حساب الاميركيين في عصر تسلط الشاه علي ايران حتي يستورد بها قطع غيار الطائرات و كافه المتطلبات الاخري بالسعر الذي تريده اميركا، و لم ‌يكن ثمه مجال اصلاً للتصنيع.

     ان الاقتصاد الايراني في ذلك الزمن كان اسوا اقتصاد بالنسبه للشعب الايراني، و لكنه كان علي العكس من ذلك للناهبين، ثم تاتي تلك الوزيره اليوم، و بعد مرور الاعوام الطول، و مع كل ابحاث احصائيي الاقتصاد الذين يعلمون كم من الويلات جرها نظام الشاه علي الاقتصاد الايراني، لتقول بان ذلك النظام عمل علي ازدهار الاقتصاد الايراني! فما الذي حدا بها لتصرح بذلك الان؟! حتي يتصور الشباب الايراني الذي قد يعاني من بعض الظروف الاقتصاديه اليوم ان الوضع الاقتصادي كان جيداً في عهد النظام السابق! فسياده تلك الوزيره تطلق هذا التصريح الشيطاني هكذا بكل بساطه لتوحي الي الاذهان بان الاقتصاد الايراني كان منتعشاً في‌السابق.

     ان تلك الفتره كانت اسوا فتره بالنسبه للطبقات المحرومه، و كانت اقسي فتره من حيث سلب و نهب الاجانب للمصادر الطبيعيه في ايران - و خصوصاً علي يد اميركا - و لكن تلك السيده السياسيه جاءت الان لتقول بان الاقتصاد الايراني كان مزدهراً.

 

شعبنا ينظر الي اميركا بعين العداء:

     ان هولاء الاعداء الاجانب لا يهدون بذلك الا الي زعزعه الامن و بث الخلافات، و اشاعه الريب و الشكوك، فاذا كان الشعب الايراني و المسؤول ينظرون بعين العداء لاميركا اليوم؛ فان هذا لا ياتي من فراغ. لقد قالوا تعالوا بنا لنزيل حواجز انعدام الثقه، فهذا ما قالته تلك المسؤوله هناك.

     و هنا هب بعض حمله الاقلام عندنا و الذين من الممكن ان يكون بعضهم علي ارتباط بتلك المراكز - فتلقفوا هذا الهراء و قاموا فوراً بمتابعه تلك القضيه.

     ان الموضوع ليس موضوع ثقه و عدم ثقه، و انما الموضوع هو ان الشعب الايراني عندما ينظر الي ماضيه مع‌الحكومه الاميركيه حتي بدايه الثوره؛ يجده مشحوناً بالعداء الذي تكنه له تلك الحكومه، و هكذا بنار العداء للشعب الايراني و مصالحه الوطنيه و حكومته التي يحبها.

     انهم مازالو ينكرون بعض هذا العداء حتي اليوم، سوي انهم يعترفون بالبعض الاخر لقد اعترفوا بمسانده صدام، و سيعترفون في المستقبل القريب بالتاكيد بالطريقه التي وضعوا بها القنابل الكيميائيه في حوزه الحكومه العراقيه، و كل مالدينا من جرحي الحرب الكيميائيه و من ‌المعوقين مرده الي ذلك الامر، و هكذا ما لحق بنا من اضرار. فالشعب الايراني ينظر اليهم من خلال كل هذه الممارسات، حيث ما زالت وسائلهم الاعلاميه تبث دعاياتها ضد ايران حتي اليوم، كما انهم حشدوا طاقاتهم السياسيه ضدايران، و خصصوا جزءاً من الميزانيه للعداء الامني و هو ضد ايران، و ها هم يبذلون شتي مساعيهم في السياسيه الخارجيه دائماً ضد ايران؛ فحيثما نظر الشعب الايراني؛ وجد عدواً يترصده هناك.

     و لهذا فان شعبنا لا ينظر الي الحكومه الاميركيه من زاويه الثقه او عدم الثقه، بل ينظر اليها بعين العداء.

     ان ما يدعون اليه من المحادثات مع ايران ليس هو الاخر سوي تمهيد لتكريس العداء ضدنا، فهذا خدعه ثانيه. و لا ينبغي للبعض القول: فلنذهب للتباحث مع اميركا لازاله هذا العداء. كلا، فالعداء الاميركي لا يزول بالتباحث.

     ان اميركا تبحث عن مصالحها في ايران، و لو كانت لهم هنا حكومه عميله كحكومه الشاه، لوجهوا ضربه اخري للشعب الايراني علي غرار سابقتها. فاذا كانت الحكومه هنا مستقله؛ فانهم يمارسون العداء كما هو شانهم الان.

     اننا لو قمنا بالمقارنه لوجدنا ان الضرر الذي تلحقه بنا اميركا - و نحن مستقلون - قل كثيراً من ذلك الضرر الذي سنمني به جراء الاستسلام للغطرسه الاميركيه.

     و بهذه النتيجه فان الشعب الايراني سيقف بعزته و شجاعته و تضحياته في مواجهه الخدع و المؤامرات، و في مواجهه محاولات زعزعه الامن بالممارسات العدائيه، متكئاً علي قوته الذاتيه، و واثقاً بانه سيستطيع ان يجعل كافه اعدائه يندمون علي عدائهم له، و ذلك كما حدث مع بعض اعداء الامس، الذين ما لبثوا ان طبعوا علاقاتهم معه، و ان اميركا لن تشذ عن هذه القاعده.

     اللهم انا نسالك و ندعوك بحق محمد و آل محمد ان تمن علي هذا الشعب بالوصول الي اهدافه الكبري التي رسمها لنفسه، و ان تتفضل عليه بالتوفيق و النصر.

     اللهم و اهلك اعداء هذا الشعب و انزل بلاءك علي كان من يتآمر عليه و يتربص به الدوائر.. و اجعل دفاعه المستميت عن كرامته و استقلاله و دينه و هويته جهاداً يقربه اليه.

     اللهم و احفظ شبابنا، و انر قلوبهم بنورك، و عجل برفع مصائب شعبنا، و كن عوناً لمسؤوليه، و اقهر بغضبك الخائنين له، و ارض عنا قلب ولي العصر ارواحنا فداه، و ارحم امامنا و ادخل علي روحه الطاهره الفرح و السرور، و اغفر لشهدائنا الابرار و ارضهم عنا.

انك سميع الدعاء

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

هل كل كافر يدخل النار؟
لا يحبني الا مؤمن ولا يبغضني الا منافق
الرسالة و النبوة
ولی الامر1
الائمة الاثني عشر باختصار
نسبة الإدعاء بتحريف القرآن
مناقشة الفهم الآخر لعاشوراء
ما هو الفرق بين المذهب الشيعي و المذهب الجعفري ؟
المُناظرة السادسة/مناظرة الكراجكي مع أحد ...
من مواقف القيامة المهولة الحساب

 
user comment