عربي
Friday 5th of July 2024
0
نفر 0

هل أن مَن ليس مسلماً كافر؟

هل أن مَن ليس مسلماً كافر؟

هل أنّ كل مَن لا يؤمن بالله أو رسوله أو اليوم الآخر كافر؟ أو أنّ ثمّة طائفة من الناس لا يُحكم بكفرهم ولا تترتّب عليهم أحكام الكفر بالرغم من عدم إيمانهم بتلك الأصول العقائدية؟ ثمّ هل أنّ كلّ مَن ليس مسلماً فهو كافر؟ أو أنّ بعض الناس قد لا يُحكم بإسلامهم ولا كفرهم؟
- علاقة الكفر بالجحود:
وفي الإجابة على ذلك نقول: عندما نتحدّث عن كفر بعض الناس – كما هو الحال في منكر الشهادتين أو إحديهما – فلابدّ أن ننبِّه على أن الحكم بكفره ليس على إطلاقه، بل هو خاص بصورة الجحود، فلو أن المرء كان شاكاً في الله أو في رسوله شك الباحث عن الحقيقة الساعي نحو القناعة، لا شك المعاند الجاحد، فقد لا يحكم بكفره كما هو المستفاد من بعض الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت (ع).
ففي رواية عبدالرحيم القصير المتقدمة عن الإمام الصادق (ع)، قال: "ولا يخرجه إلى الكفر إلا الجحود والاستحلال". وفي صحيحة زرارة عنه (ع)، قال: "لو أنّ العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا".
وعن محمد بن مسلم، قال: "كنت عند أبي عبدالله (ع) جالساً عن يساره وزرارة عن يمينه إذ دخل أبو بصير، فقال: يا أبا عبدالله ما تقول فيمن شك في الله تعالى؟ قال: كافر يا أبا محمد، قال: فشكّ في رسول الله (ص)؟ فقال: كافر، ثم التفت إلى زرارة، فقال: إنما يكفر إذا جحد".
ولكن في المقابل، هناك بعض الروايات تحكم بكفر الشاك في الله أو في رسوله، كصحيحة منصور بن حازم، قال: "قلت لأبي عبدالله (ع): مَن شكّ في رسول الله (ص)؟ قال: كافر، قال: قلت: فَمَن شكّ في كفر الشاك فهو كافر؟ فأمسك عني، فرددت عليه ثلاث مرات، فاستبنت في وجهه الغضب".
وفي صحيحة ابن سنان عنه (ع)، قال: "مَن شكّ في الله تعالى وفي رسوله فهو كافر".
فنحن إذاً أمام طائفتين من الأخبار متعارضتين، وقد جمع الإمام الخميني بينهما بحمل الطائفة الأولى النافية لكفر الشاك في الله أو رسوله على نفي الحكم بكفره ظاهراً إلا مع الجحود لا نفي كفره واقعاً، أي أن الشاك كافر واقعاً وثبوتاً ولكن لا يحكم بكفره ظاهراً وإثباتاً إلا بعد جحوده، وقد احتمل (رحمه الله) أن يقرأ قول الإمام (ع) المتقدم "إنما يكفر إذا جحد"، بالتشديد أي هكذا "إنما يُكفَّر إذا جحد، فيكون مبنياً للمفعول".
ولكن هذا الجمع يبدو تبرّعياً كما يقول علماء الأصول أي أنه لا شاهد عليه.
وهناك وجهة نظر أخرى تجمع بين الطائفتين بنحو آخر وهو: أنّ مَن كان شكه واقعاً في طريق البحث عن الحقيقة فهو ليس بكافر، وقد أشار المتكلمون إلى ذلك وأسموا هذه المرحلة بفترة البحث والطلب، وهذا ما هدفت إليه الطائفة الأولى من الروايات النافية لكفر الشاك، وأما مَن كان شكه غير واقع في هذا الطريق، بحيث جمد على شكه ولم يتابع البحث عن وجود الله ووحدانيته أو عن صدقية رسول الله (ص) رغم أن عقله قاض بذلك من باب دفع الضرر المحتمل، أو كان الشك منهجاً فلسفياً له في الحياة كالسفسطائيين لهذا محكوم بكفره وهو ما أشارت له الطائفة الثانية الحاكمة بكفر الشاك، وفي ذلك يقول بعض الأعلام: "الشك ليس كفراً، إنه حركة تمثل قلق المعرفة في الوعي، وهذا ليس عاملاً سلبياً عندما يتفاعل الإنسان معه ليطوف في أجواء الفكر، فالقلق الإيجابي يدفع بنا نحو المعرفة، ولعل فقداننا لحالة القلق المعرفي يشكل أحد أسباب تخلفنا وجهلنا".
ولعل الأصح أن نقول في وجه الجمع: إنّ الطائفة الثانية مطلقة فهي تحكم بكفر مطلق الشاك بالله ورسوله، بينما الطائفة الأولى مقيّدة وتحكم بكفر الشاك إذا جحد، وقانون باب التعارض يقضي بحمل المطلق على المقيّد كما هو مذكور في أصول الفقه، وتكون النتيجة هي الحكم بكفر الجاحد دون سواه.
- فترة البحث ومهلة النظر:
وكيف كان، فإن الدليل العقلي قائم على معذورية الإنسان في مرحلة الطلب والبحث عن العقائد الصحيحة فيما يرتبط بالمبدأ والمعاد والنبوات، ولا سيّما عندما تكثر الشبهات والطروحات البرّاقة، مما يوقع المرء في الحيرة فيدفعه عقله القاضي بضرورة دفع الضرر المحتمل إلى البحث والتأمل بغية الوصول إلى شاطىء الحقيقة، ففي هذه المرحلة يُعذر الإنسان ويَقبح – بحكم العقل – على المولى الحكيم والعادل معاقبته على شكوكه ومؤاخذته بها، وما يحكم به العقل في هذا المجال يؤكده النقل، وقد ذكرنا بعض الروايات الواردة في هذا الشأن وهي لا تؤكد معذورية الإنسان في مرحلة الطلب فحسب، بل تنفي كفره أيضاً.
وهناك روايات أخرى نسجت على نفس المنوال وهي واردة في شأن نبي الله إبراهيم (ع) وقوله عن بعض الكواكب "هذا ربي" كما هو واردٌ في سورة الأنعام قال تعالى: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) (الأنعام/ 75-78)، فإن في تفسير هذه الآيات اتجاهين رئيسين:
الأوّل: أنّ هذه الآيات تتحدث عن أسلوب حواري إحتجاجي سلكه إبراهيم (ع) لإقناع خصومه وإبطال معتقداتهم بشأن ألوهية الكواكب وربوبيتها، من دون أن يكون معتقداً بذلك.
الثاني: أنّ إبراهيم (ع) كان في مرحلة الطلب والبحث عن الرّب، وقد مال إلى هذا الرأي جمع من أعلام التفسير الكبار وعلى رأسهم السيد المرتضى في كتابه تنزيه الأنبياء وابن جرير في جامع البيان وكذلك الشيخ الطوسي في التبيان والطبرسي في مجمع البيان والسيد الطباطبائي في الميزان، وأشار إلى هذين القولين وغيرهما القرطبي في الجامع لأحكام القرآن وابن الجوزي في زاد المسير وغيرهما.
وهذا الرأي الأخير المنقول عن ابن عباس كما في جامع البيان للطبري، تؤكده الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت (ع) والتي قدّمت لنا قاعدة عامة وهامة في هذا المجال ومفادها: أنّ الإنسان في مرحلة تكوين العقيدة والتفتيش عن الحقيقة معذور ولا يحكم بكفره. ومن هذه الروايات ما رواه العياشي في تفسيره عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال في إبراهيم (ع) إذ رأى كوكباً قال: "إنما كان طالباً لربه ولم يبلغ كفراً وإنه مَن فكّر من الناس في مثل ذلك فإنه بمنزلته".
وفي رواية أُخرى رواها العياشي أيضاً عن حجر، قال: أرسل العلاء بن سيابة يسأل أبا عبدالله عن قول إبراهيم (ع) "هذا ربي" وأنه مَن قال هذا اليوم فهو عندنا مشرك؟ قال (ع): "لم يكن من إبراهيم شرك إنما كان في طلب ربه وهو من غيره شرك".
وقوله (ع) في ذيل هذه الرواية "وهو من غيره شرك" يراد به كما يفهم من سياق الرواية وبقرينة الرواية الأولى مَن كان شكه غير واقع في سبيل الطلب.
إن ما يهمنا التركيز عليه في مقامنا أن قضية الشك في مرحلة النظر ومهلة الطلب لا تجعل الإنسان كافراً، كما أكّدت على ذلك النصوص الآنفة وتبناه الأعلام الكبار.
ويشهد لمعذورية الإنسان في مهلة الطلب والنظر ما جاء في الرواية الصحيحة عن أبي عبدالله (ع) في الإجابة على سؤال السائل: إذا حدث على الإمام حدث كيف يصنع الناس؟ قال: "أين قول الله عزّوجلّ (فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقّهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) (التوبة/ 122)، قال: هم في عذر ما داموا في الطلب، وهؤلاء الذين ينتظرونهم في عذر حتى يرجع إليهم أصحابهم". ومهلة النظر إذا كانت مرحلة يمر بها حتى الأنبياء – بنظر هؤلاء الأعلام – فمن الطبيعي أن يمر بها الإنسان العادي.
وأمّا تحديد هذه المدة بما فوق الساعة ودون الشهر كما عن البلخي، فلا وجه له، لأنّ للمسألة علاقة بذهنية الشخص الباحث لجهة نباهته وعدمها، ولها علاقة بنوعية الشُّبَه والاعتراضات التي تؤثر على سرعة الخروج من هذه المرحلة أو بطئها.
- الشك.. طريق الإيمان:
وعلى ضوء ما تقدّم يتضح أن الشك الواقع في طريق البحث والتفتيش وبناء العقيدة لا يتنافى مع الإيمان، بل إنه يقود إليه في الأعم الأغلب، والشاك في هذا الطريق لا يحكم بكفره ولا تترتب عليه آثار الكفر.
وهناك نحو آخر من الشك يفرض نفسه على المرء حتى بعد الإيمان، لكنه شك عابر ولا ينجو منه أكثر المؤمنين، لأنه حديث للنفس، وربما كان وسوسة تطرح على المؤمن بعض الأسئلة التشكيكية، مما قد لا يجد له جواباً لأوّل وهلة، من قبيل السؤال عن مكان الله ولماذا لا نراه؟ وإذا كان هو خالقنا فمن خلقه هو؟ إلى غير ذلك من الأسئلة.
ومن رحمة الله بعباده أنه رفع هذا الشك عنهم ولم يؤاخذهم به، على اعتبار أن ذلك أمرٌ يفرض نفسه على الإنسان ولا يستطيع – في الغالب – تجنبه وتلافيه، وقد وردت في ذلك عدة روايات عقد لها الشيخ الكليني باباً تحت عنوان "الوسوسة وحديث النفس" ومنها رواية محمد بن حمران، قال: سألت أبا عبدالله (ع) عن الوسوسة وإن كثرت، فقال: لا شيء فيها، "تقول لا إله إلا الله".
ومنها صحيحة جميل بن دراج عنه (ع)، قال: قلت له: إنه يقع في قلبي أمر عظيم، فقال: قل: لا إله إلا الله...". وفي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) أيضاً قال: جاء رجل إلى النبي (ص)، فقال: يا رسول الله هلكت، فقال له (ص): "أتاك الخبيث فقال لك: مَن خلقك؟ فقلتَ: الله، فقال لك: الله مَن خلقه؟ فقال: إي والذي بعثك بالحق لكان كذا، فقال رسول الله (ص): ذاك والله محض الإيمان، قال ابن أبي عمير فحدثت بذلك عبدالرحمن بن الحجاج، فقال: حدثني أبي عن أبي عبدالله (ع) أن رسول الله إنما عنى بقوله "هذا والله محض الإيمان"، خوفه أن يكون قد هلك حيث عرض له ذلك في قلبه".
ونفس المضمون نجده مروياً عن رسول الله (ص) ما يؤكد أنّ ما قاله الإمام الصادق (ع) مستقى من جده المصطفى (ص).
أخرج مسلم في صحيحه: "سُئِل النبي (ص) عن الوسوسة؟ قال: تلك محض الإيمان".
وعن أبي هريرة، قال: "جاء ناس من أصحاب النبي (ص) فسألوه أنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: وقد وجدتموه، قالوا: نعم، قال: ذلك صريح الإيمان".
وفي مسند أحمد بسنده إلى ابن عباس، قال: جاء رجل إلى النبي (ص)، فقال: يا رسول الله إني أحدّث نفسي بالشيء لئن أخّر من السماء أحبّ إليّ من أن أتكلم به، قال: فقال النبي (ص): "الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الحمد لله الذي ردّ كيده إلى الوسوسة"، إلى غيرها من الروايات.
وهذه الروايات وغيرها تتوافق مع ماء جاء في حديث الرفع المعروف المروي عنه (ص): "رفع عن أمتي تسعة أشياء: السهو والخطأ والنسيان... والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق الإنسان بشفة".
وفي حديث آخر عنه (ص) أنه قال: "إن الله تجاوز عن أمتي عما توسوس به صدورهم ما لم تعمل أو تكلّم به وما استكرهوا عليه"، وفي نص آخر: "ما حدثت به أنفسهم".
إنّ هذه النصوص وسواها تؤكد أن حديث النفس بشأن الخالق مرفوع عن الإنسان، وهي لا تتنافى مع قوله تعالى: (... إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ...) (البقرة/ 284) لأن هذه الآية ناظرة – حسب الظاهر – إلى النوايا السيِّئة المبيّتة التي تكون عن سابق عزم وإصرار دون ما يكون خاطراً عابراً لا إرادياً يزول بالتفكير المعمق.
- المطهري و"إسلام" ديكارت:
وعلى ضوء ما تقدّم من عدم الحكم بكفر الإنسان في مهلة النظر وكذا مَن كان شكّه عابراً ومجرّد حديث للنفس، يتّضح أنّ النسبة بين الإسلام والكفر هي نسبة التّضاد لا التّناقض، وإلى ذلك ذهب الشيخ مرتضى المطهّري، حيث أفاد: أن الإنسان المقتنع بعقيدة دينيّة معيّنة (القاطع) وهو يملك روحاً مستسلمة للحقيقة رافضة للتعصّب والجحود، ليس معذوراً عند الله فحسب، بل لا يمكن أن يعدّ كافراً وإن كان لا يؤمن بالإسلام.
ويقدّم المطهري لنا "ديكارت" الفيلسوف الفرنسي المعروف مثالاً ونموذجاً لذلك، فبعد أن ينقل عن ديكارت قوله: "إني لا أدّعي أن المسيحية قطعاً هي أفضل دين في الأرض ولكني أقول إنّ المسيحية هي الأفضل بالقياس إلى الأديان التي أعرفها وقد تناولتها بالبحث، وليس لي أي عداء مع الحقيقة، فقد يكون هناك في أماكن أخرى من الدنيا دين يرجّح المسيحية، فلعلّ ديناً ومذهباً يوجد في إيران هو أفضل وأحسن من المسيحية".
يعلّق على كلامه بالقول: "إن أشخاصاً كديكارت لا يمكن تسميتهم بالكفّار، لأن هؤلاء لا يتصفون بالعناد ولا يخفون الحق، وليس الكفر إلا العناد وتغطية الحقيقة، هؤلاء مسلمون بالفطرة، وإن كنّا لا نستطيع تسميتهم بالمسلمين فنحن أيضاً لا نستطيع تسميتهم بالكافرين، وذلك لأن تقابل المسلم والكافر ليس من قبيل تقابل السلب والإيجاب أو تقابل الملكة وعدمها باصطلاح الفلاسفة والمنطقيين، وإنما هو من قبيل تقابل الضدّين لأنهما شيئان وجوديان وليس أحدهما وجودياً والآخر عدمياً".
وما ذهب إليه الشهيد المطهري في معنى الكفر والإسلام تؤيّده النصوص العديدة التي ربطت بين الكفر والجحود كما أسلفنا، أو بين الإسلام والتسليم كما ورد في الحديث عن رسول الله (ص): "الإسلام أن تُسلم قلبك ويَسلم المسلمون من لسانك ويدك".
وعن أميرالمؤمنين (ع): "الإسلام هو التسليم والتسليم هو اليقين..."، وعن الإمام الباقر (ع): "كلّ شيء يجرّه الإقرار والتسليم فهو الإيمان، وكلّ شيء يجرّه الإنكار فهو الكفر".
كما أنّ المعني اللغوي لكلمة الكفر يؤيّد وجود علاقة بين الكفر والجحود، فقد ذكر أهل اللغة: أنّ الكفر هو السّتر، ومن هنا وُصف الليل بالكافر، لأنّه يستر الأشخاص بظلمته، وهكذا سمّي الزارع كافراً لستره البذر في الأرض.
وفي مقابل ذلك قد يُقال: إنّ المستفاد من قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (التغابن/ 2)، إنتفاء الواسطة بين الإسلام والكفر، وبناءً عليه فإنّ مَن لا يُحكم بإسلامه فهو محكومٌ بالكفر.
ويلاحظ على ذلك: أنّ بالإمكان تصنيف الناس إلى تصنيفين: أوّلهما: المؤمن والكافر، والتصنيف الآخر: المسلم والكافر.
وهناك فرقٌ كبير بين التصنيفين، لأن المؤمن أخصّ من المسلم بنصّ القرآن الكريم، قال تعالى: (قَالَتِ الأعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ...) (الحجرات/ 14)، والآية المستدل بها على نفي الواسطة بين الإسلام والكفر لا تصلح للاستدلال، لأنها ناظرةٌ إلى التصنيف الأوّل الذي يمكن الموافقة عليه ونفي الواسطة بين الإيمان والكفر، دون أن يعني ذلك الموافقة على التصنيف الثاني القاضي بثنائيّة الإسلام والكفر، باعتبار أنّ الإسلام أوسع من الإيمان كما عرفت.
ولهذا يمكننا القول: إن الإنسان إمّا مؤمن وإمّا كافر، ولا ثالث لهما، ولكن لا يصح القول: إنّ الإنسان إمّا مسلم وإمّا كافر، لأنه لا دليل على ثنائية الإسلام والكفر وأن مَن لم يكن مسلماً فهو كافر. ويشهد لذلك ما تقدم من روايات ونصوص نافية لكفر الشاك أو الباحث عن الحقيقة، مع أنهما ليسا بمسلمين، وقد اعترف بهذا الأمر – أعني ثبوت الواسطة بين الإسلام والكفر – الشيخ الأنصاري (رحمه الله) مدعياً دلالة الأخبار المستفيضة على ذلك.
المصدر: كتاب الإسلام والعنف.. قراءة في ظاهرة التكفير


source : البلاغ
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الإمامة عند الشيعة
سياحة في الغرب أو مسير الأرواح بعد الموت 2
آل محمد( ص ) في القرآن
لا يحبني الا مؤمن ولا يبغضني الا منافق
زيارة عاشوراء سنداً ومكانةً (2)
تأصيل المنهج السلفي في المقررات الدراسية ونشره ...
عقيدتنا في حقِّ المسلم على المسلم
محكمة الآخرة
تجرد الروح الإنسانية
الإمامَةُ والخِلافَةُ (2)

 
user comment