الادعاء ببدعية الاحتفاء بذكرى الرسول في ولادته ووفاته تخصيص بلا مخصص لا شرعاً ولا عرفاً وهو موضوع يستلزم من الكتاب المنصفين وقفة تأمل تتجاوز حدود الرؤى القشرية الضيقة ومحاولات التسطيح للقيم الإسلامية بدعاوي الخوف من الوقوع في المحاذير وهذا ما ابتليت بها الأمة الإسلامية لدرجة استبدلت السنن البديهية والفطرية التي جبل عليها الانسان البدئي في احترام قياداته ورموزه ومعالم نهضته لفصلة عن جذور التاريخ تلك البيئة الحاضنة والمولدة للقيم وهذا لا يختلف البتة عن فصل الشجرة السامقة عن التراب .
آراء المذاهب الإسلامية
بادىء ذي بدء نحاول استعراض آراء المذاهب الإسلامية ومن ثم الاشكالات التي يطرحها مدعيّ بدعية الاحتفالات والآثار المترتبة على ذلك والردود المستلة من الكتاب والسنة المطهرة وأقوال الفقهاء سنة وشيعة بدون أدنى تعصب لرأي لتجلية الحقائق المغيبة .
ما هي البدعة ؟
البدعة : لغة إما أن تكون أسم هيئة من الابتداع أي كل شيء أحدث على غير مثال سابق سواءً كان محموداً أو مذموماً ( قل ما كنت بدعاً من الرسل) .
وإما أن تكون أسم فاعل أي ما كنت مبتدعاً .
البدعة شرعاً : - البدعة إما أن تكون حسنة وإما أن تكون سيئة
1- يرى الإمام الشافعي بتقسيمها إلى حسنة وسيئة في الباعث لأبي الشامي ص12 :-
السيئة ما أحدث يخالف كتاباً أو سنة أو إجماعاً كاشفاً عن رأي المعصوم أو أثر فهذه بدعة ضلالة
والحسنة ما احدث من الخير لقول عمر في صلاة التراويح ( نعمة البدعة هذه )
وعلى هذا الرأي أبن حزم وأبن الأثير في ( النهاية ج1 ص 79 ط الخيرية)
2 – أما أبن حجر العسقلاني فيقول أن البدعة مذمومة لأنها تأتي مقابل السنة ( فتح الباري ج5 وعلى ذلك الزركشي – الإبداع ص22 والشاطبي - الاعتصام ج1 ص 27 ط التحرير .
فشبه من أتخذ يوم مولد الرسول عيداً بأصحاب الجاهلية ورد عليه العلماء بأن اتخاذ كيفية معينة للذكر أمر متروك للناس وليس ببدعة لأنه لم يبطل أو يسقط حكماً أو يبدل آية ولم يلزم غيه بها ولم يقصد مشابهة الشارع المقدس كل ما هنالك أسلوب انتهج لتعظيم الرسول فلا ينبغي تشبيهه بالجاهليين .
يقول تعالى ( ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله ) أي أن النصارى ابتدعوا من عند أنفسهم رهبانية طريقة للعبادة ما جاءت في كتاب أو سنة ابتغاء مرضاة الله وفي ذلك نص صريح إلى أن ابتداع الأساليب الغير منصوص فيها على كيفية معينة في الكتاب والسنة أمر جائز لأنها حسنة لأنها اكتسبت حسنها بإقرار الله لها إذاً البدعة إما أن تكون حسنة أو سيئة .
وفي السنة عن الرسول قال ( من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن سنةً سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة .
رغم هذا المفهوم الواضح للبدعة نرى أن هنالك مبالغة وتوسيع لمفهوم البدعة لدرجة جرى توسيعها وتفصيلها على كثير من الأعمال التي اسهمت في تشويش الرؤية لدى المسلمين إلى درجة وصمهم بالكفر كما يقول الدكتور عزت علي عيد عطية في كتاب البدعة .
آراء علماء المسلمين :-
1 – يورد تاج الدين المالكي المعروف بالفاكهاني في كتابه الكلام على عمل المولد وحجته :-
أ – أنه لا يعلم أصل شرعي لذلك وقد رد عليه ابن الحاج على هذا القول أن تخصيص هذا اليوم باستحباب صيامه وإظهار السرور شكراً لله دليل على وجود أصل شرعي للاحتفال قال رسول الله في تعليله لصيام يوم الاثنين
( ذلك يوم ولدت فيه ويوم بعثت فيه أو أنزل عليّ فيه ) المدخل ج2 ص3 والحديث في شرح مسلم ج8 ص52 والنووي وأبي داوود ج1 ص380 ط الساعاتي . وبهذا يرد على القائلين بأن تخصيص يوم للاحتفاء بالمولد أو الوفاة تخصيص بغير مخصص .
ب – إن البُشر يقابله الحزن فهو ذات الشهر الذي توفي فيه الرسول فليس الفرح في هذا الشهر أولى من الحزن فيه .
ويردُ السيوطي من ان الشريعة حثت على إظهار شكر النعم والصبر على المصائب فأمر بالعقيقة إظهاراً للشكر ونهى عن النياحة والجزع عند الموت إذاً فإظهار الفرح أولى من الحزن .
ج – حرمة هذا الاحتفال ليست لذات المولد بل لما أنضم إليه من مفاسد ملحوظة في بعض بلاد المسلمين الحاوي ج1ص294 إلى ص296 وعلى ذلك رأي السلفية حيث يقولون في أدلة التحريم جرياً على القاعدة الأصولية التي تقول إذا وجدت مفسدة ومصالح يقدم العمل بدرء المفاسد على جلب المصالح ص206 مجلة البحوث الاسلامية الصادرة عن هيئة كبار العلماء عدد 14 سنة 1406هـ وعلى رأي الفاكهاني أبن تيمية والشاطبي .
2 – ابن حجر العسقلاني حيث يقول أن الاحتفال بدعة اشتملت على محاسن ضدها فمن تحرى في عمله المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة والا فلا ويستدل على ذلك بالقياس بصيام الرسول يوم عاشوراء حينما قدم المدينة فوجد اليهود يصومونه وحينما قيل له انه اليوم الذي نجى فيه الله موسى من فرعون قال ( نحن أحق وأولى بموسى منكم ) فصامه وأمر بصيامه وبهذا أقر الرسول الاحتفال بنجاة موسى شكراً لله البخاري ج3 ص39 ومسلم ج8 ص 9 بغض النظر عن مدى صحة هذا الحديث.
3 - أما عن القول بأن هذا الأمر ما كان على عهد رسول الله فيقول أبن الحاج أن ذلك راجع إلى رحمة النبي بأمته حيث كان يترك العمل خشية أن يفرض على أمته ومما يدل على ذلك قوله ( اللهم إن إبراهيم حرّم مكة وإني أحرم المدينة بما حرم به إبراهيم مكة ومثله معه ) ومع ذلك لم يشرع في تحريم قتل صيدها أو غير ذلك وترك الصحابة هذا العمل لأنهم كانوا مشتغلون بالجهاد وإعداد الدولة الإسلامية .
الجذور التاريخية للاحتفاء بذكرى النبي ؟
يرى بعض المؤرخين إن أول من أقام الاحتفال هو المعز لدين الله الفاطمي سنة 362 هـ ودام إلى أن أبطله الأفضل أمير الجيوش بدر الجمالي سنة 488هـ في عهد المستعلي بالله و أعاده ولما ولي الخلافة الآمر بأحكام الله بن المستعلي الحماد الاحتفال 495 هـ .
وأول من أحدث هذا الاحتفال باربل الملك ابو سعيد في القرن 6 ، 7 وألف فيه الحافظ أبو الخطاب عمر بن الحسن المعروف بابن دحيه كتاباً سماه التنوير في مولد البشير (حسن فيه الاحتفال) .
وبغض النظر عن هذا فإننا حينما نتدارس التاريخ بشكل منهجي ومنصف سنرى أن أول من أحتفل بالمولد وشرع له موارد الاستحباب وخصص له أعمال معينة هو ذات النبي وسنرى كذلك أن الاحتفاء بذكرى النبي له مستمسكاته التاريخية و الشرعية و أدلته فما الداعي لتشبيه احتفاء بمولد الرسول بمولد المسيح معولين في ذلك ما يرافق الاحتفال من عادات سيئة وقد كان الأولى بهم أن يتوجهوا إلى تنقية تلك العادة مما لحق بها من شوائب لا إنكارها جملة وتفصيلاً أو التشبه باليهود لأن من يحتفي بذكر الرسول على سبيل التعظيم الذي أمرتنا به الآية الكريمة (لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرةً وأصيلا ) لا لأنه عمل تعبدي بل لأنه لا أحد يعبد غير الله ( إنما الأعمال بالنيات ) فإذا كان التسبيح شيء مختص بالله لتنزيهه
وقد أمرنا الله بتعظيم :
أماكن ( وجعل الله البيت الحرام قياماً للناس )
وأزمنه ( الشهر الحرام )
وبشر ( ومن قتل نفساً بغير حق )
فأي شيء أعظم حرمة من الرسول ثم أن الله أمرنا بالعمل الصالح فما المانع من ذكر الرسول في أي وقت أو تخصيص يوم أو أيام لأحياء ذكره ما دام الجوهر هو ذات الجوهر وكيف نقتفي أثره ونقتدي بذكره ( ولكم في رسول الله أسوة حسنة ) الم نعقد المحافل الجماعية لتذاكر (سيرة الرسول .
وهل كل ما لم يكن على عهد الرسول شرك أو ما لم يعمل به الصحابة بدعة فما كل إعظام شركاً إلا إعطاء عظمة الربوبية المستقلة التي يستغنى بها العبد عن غيره ومعلوم أننا نحتفل بذكره لأنه الحبل الممدود بين السماء والأرض وهو الطريق المستقيم الذي يوصلنا إلى الله وتعظيمه هو تعظيم لله فمجرد الاشتباه والخلط بين المقولة الجاهلية ما نعبده إلا ليقربنا إلى الله زلفى وما بين تعظيمه لله ولأن الله أمر بتعظيمه شيء آخر .
source : موسى جعفر آل رضوان *