يدور المعنى اللغوي للفظة (نبي)) في اللغة العربية حول عدة احتمالات تختلف باختلاف جهة الاشتقاق.
ـ الاحتمال الأول: أن تكون مأخوذة من النبأ وهو الخبر فالنبي هو: المنبئ، فعيل بمعنى فاعل أو بمعنى مُفعِل مثل نذير بمعنى منذر وقد سمي بذلك لإنبائه عن الله تعالى.
ويجوز أيضاً أن يكون النبي هنا ((فعيل)) بمعنى ((مفعول)) فهو المنبأ من الله تعالى.
يقول ابن تيمية: ((النبي هو الذي ينبئه الله وهو ينبئ بما أنبأ الله به)).
وعلى هذا الوجه فإن لفظ النبي مهموز اللام وأبدلت همزته ياء وأدغمت في الياء السابقة عليها، ومعروف أن الإبدال والإدغام لغة فاشية عند العرب.
ويجمع لفظ نبي على أنبياء، لأن الهمز لما أبدل وألزم الإبدال جُمع جمع ما أصل لامه حرف العلة: كعدو جمعه أعداء، وولي جمعه أولياء، ووصي جمعه أوصياء.
ـ الاحتمال الثاني: أن تكون مأخوذة من نبأ نبئاً ونبوءاً: بمعنى ارتفع أو من ((النبوة والنباوة والنبي)) وهو ما ارتفع من الأرض فتكون بمعنى الرفعة والعلو.
ـ الاحتمال الثالث: أن تكون مأخوذة من ((النبي)) كغني أو من النبيء وهو بمعنى الطريق الواضح فتكون النبوة بمعنى الطريق إلى الله عزوجل.
ـ الاحتمال الرابع: أن تكون مأخوذة من النيابة. فالنبي هو النائب عن الله تعالى وخليفته في أرضه. فالجذر (ن ب و) هو هو الجذر (ن و ب) ولا فرق إلا في القلب المكاني وهو من خصائص العربية.
وبصرف النظر عن جهة اشتقاق كلمة ((نبي)) في اللغة فيحظر تماماً استعمالها في الشريعة الإسلامية إلا للدلالة على النبوة بمعناها الشرعي.
وأولى هذه المعاني بلفظ النبوة الشرعية في رأيي هو المعنى المشتق من النبأ بمعنى الخبر.
وهو ما يقطع به ابن تيمية ويسوق عليه كثيراً من الأدلة أهمها:
1 ـ أن قراءة نافع كانت بالهمز.
2 ـ أن معنى العلو والرفعة داخل في المعنى الأول فمن أنبأه الله وجعله منبئاً عنه، فلا يكون إلا رفيع القدر علياً، وأما لفظ العلو والرفعة فلا يدل على خصوص النبوة إذ يوصف به مَن ليس بنبي بل يوصف بأنه الأعلى كما قال تعالى: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون) آل عمران/ 139.
3 ـ أن ما روي عن النبي (ص) أنه قال: ((أنا نبي الله ولست بنبيء الله)) فيقول ابن تيمية عنه إنه ما رأى له إسناداً لا مسنداً ولا مرسلاً ولا رآه في شيء من كتب الحديث والسير المعروفة.
4 ـ أن اللفظين مشتركان في الاشتقاق الأكبر فكلاهما فيه النون والباء. وفي أحدهما الهمزة وفي الآخر الحرف المعتل لكن الهمزة أشرف فإنها أقوى فالمهموز يمكن أن تلين همزته فتصير حرفاً معتلاً فيعبر عنه باللفظين وإن لم يكثر استعماله كما في لفظ خبيء وخبيئه بخلاف المعتل فإنه لا يجعل مهموزاً فعلي ووصي وولي لا يجوز فيهم أن نقول عليء ووصيء ووليء.
ويعضد كلام ابن تيمية همز جماعة من أهل المدينة جميع ما في القرآن من ألفاظ النبوة.
وقد غالى الجويني في تأكيد ذلك الاشتقاق حين أطلق على النبوة اسم ((النبوءة)).
وهو ما مال إليه جميع الأشاعرة لأنه يتسق ورؤيتهم الشاملة للنبوة. فليس من شك في أن تصور النبوة ـ اصطلاحاً ـ ((هبة واصطفاء)) يرتبط بتصورها ـ لغة ـ ((إخباراً وإنباءً))، ذلك أن كون النبوة من ((الخبر أو النبأ)) يجعل جوهرها وأصلها في مجرد ((القول)) وليس في ((الفعل))، وبعبارة أخرى يجعلها في الاصطلاح ((ترجع إلى (قول) الله تعالى لمن يصطفيه: (أنت رسولي)، ولا تؤول إلى صفات الأفعال)).
أما إذا كانت النبوة ـ على العكس ـ (صفة لفعل)، فإن ردها ـ لغة ـ إلى الإنباء والإخبار، يقوض الاتساق المنطقي بين ضربي المعنى ((اللغوي والاصطلاحي) فينقطع بينهما التواصل ويختل الانتقال. وهنا يتبدى الخلاف بين الأشاعرة والمعتزلة الذين نظروا إلى النبوة على أنها تمثل في الاصطلاح (صفة لفعل) ولذا مالوا إلى كونها لغة ((رفعة وارتقاء)) لا ((أخباراً وإنباءً)).
إنها في نظرهم رفعة مخصوصة يستحقها الرسول إذا قبل الرسالة وتكفل بأدائها والصبر على عوارضها فهي ((جزاء على عمل)) وذلك أن لفظة ((الرسالة ليست بمدح ولا ثواب)) ولذا كان من الضروري إضافة لفظة ((النبي)) إلى ((الرسول)) لأنها موضوعة للرفعة فهي تفيد المدح بظاهرها.
فالنبوة والرسالة عندهم لا تنفصلان بحال على أن في هذا التصور للنبوة شيئاً من المغالطة، فالجزاء إنما يكون على ما تم وتحقق لا على ما لم يتم بعد، وقولهم هذا يعني أن وصف النبوة لا يتحقق إلا بعد الانتهاء من أداء الرسالة. وهو ما لم يقل به أحد حتى المعتزلة أنفسهم ويخالف النص صراحة من قرآن وسنة.
على أن كلا من الأشاعرة والمعتزلة لم يمنعوا الاحتمالات الأخرى للاشتقاق وإن مالوا إلى الاحتمال الذي يتفق ومجمل تصوراتهم العقائدية.
أما لفظ رسول: فهو مشتق من مصدره ((إرسالاً)) ومعناه الواسطة بين مرسِل، ومرسَل إليهم. وهذا المعنى المطلق يتحقق في الرسول بالمعنى الاصطلاحي أو ((هو الذي يتتابع عليه الوحي من رَسَل اللبن إذا تتابع دره)) أو ((أخذا من قولهم جاءت الإبل رَسَلا أي متتابعة)) وكذلك الرسل تأتي متتابعة مصداقاً لقوله تعالى: (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير).
((وزعمت الكرامية أن الرسالة والنبوة معنيان قائمان بالرسول والنبي غير إرسال الله إياه وغير عصمته وغير معجزته. وفرقوا بين الرسول والمرسَل بأن قالوا: إن الرسول من فيه ذلك المعنى ومَن كان ذلك فيه وجب على الله إرساله والمرسل هو الذي أرسله مرسله)).
بمعنى أن للنبوة والرسالة مقام، ومَن كان له مقام الرسالة يسمى رسولاً، ويجب على الله إرساله. وعندها يسمى مرسل. وهي دعوى لا تجد لها شفيعاً من لغة أو نص أو عقل، بل كل ذلك يخالفها.
ولقد تخبط جل القدماء والمحدثين من علماء المسلمين في محاولتهم التفريق بين النبي والرسول في الاصطلاح وذهبوا في ذلك كل مذهب وهذا التخبط في رأيي يعود إلى اعتمادهم على بعض الأحاديث غير الصحيحة وفشلهم في محاولة التوفيق بينها وبين باقي النصوص الصحيحة، ولو أنهم فحصوا هذه الأحاديث وعرفوا عدم صحتها وتركوها جانباً واكتفوا بما هو صحيح لما تأدى بهم الحال إلى مثل هذه الخلافات.
حيث نظروا مرة إلى شخص النبي أو الرسول وهل أمر بالتبليغ أم لا؟ ونظروا أخرى إلى الرسالة هل هي جديدة أم لا؟ ونظروا مرة أخرى إلى المرسل إليهم هل هم مؤمنون أم كفار؟ وفرقوا على أساس ذلك بين النبوة والرسالة.
وإن كان هناك مَن ذهب إلى أنه لا فرق بين النبي والرسول إلا في الاشتقاق اللغوي فقط وهو رأي المعتزلة وابن رشد.
أما هؤلاء الذين فرقوا بين النبي والرسول على أساس الأمر بالتبليغ أو عدمه فهم جمهور المتكلمين من الأشاعرة، فالنبي عندهم هو: مَن أوحى إليه ولم يؤمر بالتبليغ، والرسول هو: مَن أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه.
فيشتركان في ((الإيحاء)) ويختلفان في ((التبليغ))، ومن ثم قيل: بينهما عموم وخصوص مطلق، بمعنى: أن كل رسول نبي لأنه موحى إليه، وليس كل نبي رسولاً لأنه قد لا يكون مأموراً بالتبليغ.
وإن كان ابن عربي يجعل الأقسام ثلاثة ((نبوة مطلقة، ونبوة تشريع، ورسالة))، فالنبي بنبوة مطلقة لا يختص بشريعة ولا يرسل إلى غيره، ونبي التشريع هو من أوحي إليه بشريعة مقصورة عليه، والرسول هو مَن أرسل إلى غيره فإن أوحي إليه بشريعة خاصة به هو وحده مع رسالته إلى غيره كان رسولاً نبياً أي (نبوة التشريع) فإن لم يختص مع رسالته بشريعة خاصة به وحده كان رسولاً نبياً ولكن نبوته في هذه الحالة هي النبوة العامة أو المطلقة التي لا تشريع فيها فكل رسول لابد أن يكون نبياً إما نبوة تشريع وإما نبوة مطلقة.
واستدل أصحاب هذا الرأي على مذهبهم بقوله تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم)، وقالوا: إن العطف يقتضي المغايرة.
واستدلوا على ذلك أيضاً بحديث أبي ذر أنه قال: ((قلت يا رسول الله: كم وفاء عدد الأنبياء؟ قال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً. الرسول من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جماً غفيراً)).
وهذا الرأي الذي ذهب إليه جمهور متكلمي الأشاعرة أراه باطلاً فهو أولاً يفقد النبوة معناها الاجتماعي، ثم إنه لا يعتمد على عقل أو نص من قرآن أو سنة صحيح صريح.
فالآية التي استدلوا بها لا يقتضي العطف فيها المغايرة حتماً، ولا يرشح لذلك شيء، بل إن العطف كما أنه قد يقتضي المغايرة قد يقتضي التفسير والبيان أيضاً.
فالشيء قد يعطف على مرادفه نحو (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله). ونحو (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة) ونحو (ومَن يكسب خطيئة أو إثماً).
ومجرد الفصل بين النبي والرسول في الآية الكريمة لا يدل على الاختلاف بينهما. ألا ترى أنه تعالى فصل بين نبينا (ص) وبين الأنبياء ولم يدل هذا الفصل على أنه غيرهم كما في قوله تعالى: (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح) كما فصل بين الفاكهة والنخل والرمان ولم يدل ذلك على أن النخل والرمان ليسا من الفاكهة وذلك في قوله تعالى: (فاكهة ونخل ورمان).
ثم إن هذه الآية التي استدلوا بها: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته) تناقض مذهبهم لأنها تنص على أن كلاً من الرسول والنبي مرسل من الله تعالى وكما قال القرآن: (وكم أرسلنا من نبي في الأولين)، قال: (ثم أرسلنا رسلنا تترى). فكل من النبي والرسول يوصف في القرآن بالبعث والرسالة.
والحديث الذي ذكروه في ذلك، وإن كان ابن حبان قد حكم عليه بالصحة إلا أن ابن الجوزي خالفه في ذلك وذكره في الموضوعات.
ويشهد لابن الجوزي أن عدد الأنبياء والرسل جاء في حديث آخر عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (ص): ((بعثت على أثر ثمانية آلاف نبي، منهم أربعة آلاف من بني إسرائيل)). وقد حكم ابن كثير عليه بالغرابة.
ومن ذلك يتبين لنا أن ما ورد في هذا المقام إنما هو من قبيل الأحاديث غير الصحيحة، لأن اختلاف العدد يدل على تجاوز الحقيقة.
ويبطل هذا الرأي أيضاً قوله تعالى: (واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصاً وكان رسولاً نبياً). فلو كانت النبوة جزءاً من الرسالة لما وصف موسى (ع) بالنبوة بعد وصفه بالرسالة. ومثل ذلك قوله تعالى: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي) فالنبي هنا بدل من الرسول أو بيان وله وتفسير وذكر الواو وعدم ذكرها سواء في هذا المقام.
وأما هؤلاء الذين فرقوا بين النبوة والرسالة على أساس أن الرسول هو مَن أوحي إليه بشرع جديد، والنبي هو المبعوث لتقرير شرع من قبله فيعارضه قوله تعالى: (ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس).
فالآية الكريمة تصف أنبياء بني إسرائيل الذين كانوا بين موسى وعيسى بأنهم ((رسل)) برغم أنهم لم يأتوا بشرع جديد وإنما كانوا على شريعة موسى (ع).
ويعارض هذا الرأي أيضاً قوله تعالى: (ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولاً كذلك يضل الله مَن هو مسرف مرتاب). فالآية تصف يوسف (ع) بأنه رسول رغم أنه لم يأت بشرع جديد وإنما كان على شريعة إبراهيم (ع).
ثم إننا لو اشترطنا كتاباً وشريعة جديدين لكل رسول لكان عدد الكتب موافقاً لعد الرسل. وهذا لم يقل به أحد.
وأما هؤلاء الذين فرقوا بين النبوة والرسالة على أساس المرسل إليهم وهل هم مؤمنون أم كفار؟ وقالوا: إن الرسول هو المرسل إلى الكفار يدعوهم إلى التوحيد أما النبي فهو المبعوث في قومه الموحدين، فيعارضه أن عيسى (ع) رسول بل من أولى العزم من الرسل مع أنه أرسل إلى بني إسرائيل وهم أهل كتاب كما قال تعالى: (وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد).
ويعارضه أن أنبياء بني إسرائيل الذين كانوا بين موسى وعيسى سماهم القرآن رسلاً في قوله تعالى: (ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيّدناه بروح القدس).
وأما قوله تعالى: (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبوراً. ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلّم الله موسى تكليماً. رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً) فيفهم بعض العلماء من هذه الآية أن هناك فرقاً بينا لنبي والرسول على أساس أن آدم (ع) لم يذكر هنا لأنه كان نبياً لأنه بعث لأبنائه المؤمنين وأن نوحاً (ع) هو أول الرسل لأنه أرسل إلى الكفار.
وحقيقة الأمر أن نبوة آدم خلافية عند العلماء ولا يتسع المقام لبحثها هنا، فقال بعض العلماء بنبوته وقال آخرون برسالته وذهب بعضهم إلى القول بولايته فقط.
وما نستريح إليه هنا هو أن آدم (ع) كان صاحب شريعة جديدة وإلا فكيف عاش البشر قبل نوح (ع) بلا تشريع وعلى أي أساس قدم ابنا آدم قربانهما الذي تقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، ومن ثمة فلابد أن يكون (ع) قد أمر أمراً خاصاً بالتبليغ.
وعلى كل فإن قوله تعالى: (ورسلا لم نقصصهم عليك) يفسح المجال لوجود الرسل قبل نوح (ع). ويشهد لذلك قوله تعالى: (وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم).
ثم إنه ليس كل من ذكر في هذه الآية رسلاً عند من فروق بين النبي والرسول بأي شكل كان، بل إن منهم أنبياء قياساً على كل فرق قيل كأنبياء بني إسرائيل، فلا محل لادعاء وجود فرق بين النبي والرسول على أساس أن آدم لم يذكر هنا لأنه نبي والآية خاصة بالرسل.
ثم إنه بفرض وجود فارق بين النبوة والرسالة فلم يقل أحد إنه يتعلق بوجود الوحي بل الإجماع على أن كلاً منهما يوحى إليه، والآية هنا تتحدث عن الوحي إليهم، ومن ثمة فهي لا تضع أي معيار للتفرقة بين النبي والرسول.
وهذه الآراء الثلاثة السابقة وإن بدت مختلفة مع بعضها، إلا أنى أرى أن بعضها يمكن أن يؤول إلى بعضها الآخر.
فالرأي القائل بأن النبي لم يؤمر بالتبليغ لابد أن يعني أنه لم يؤمر أمراً خاصاً بالتبليغ كالرسول، ولكنه كعامة المؤمنين مكلف بالتبليغ، وما دام أن النبي لم يؤمر أمراً خاصاً بالتبليغ فلابد وأن تكون دعوته تذكيراً للمؤمنين برسالة سابقة شأنه في ذلك شأن العلماء، وتصبح النبوة عندئذ أشبه بمقام من مقامات الولاية.
أما بالنسبة للرسول فإذا كانت رسالته جديدة. فلابد أن يؤمر أمراً خاصاً بالتبليغ. ولابد أن يواجه من المكذبين أضعاف ما يواجه النبي فالإنسان عدو ما يجهل قال تعالى: (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله).
وأخيراً وبعد كل ما أوردناه من أدلة وردودها يتبين لنا صحة ما ذهب إليه المعتزلة من أن الفرق بين كل من النبي والرسول في منطق القرآن والسنة ليس راجعاً إلى حقيقة كل منهما فحقيقتهما واحدة، وإنما يرجع إلى أصل الاشتقاق اللغوي فقط.
source : البلاغ