اوصيكم ايها الناس بتقوى الله و كثرة حمد على آلائه اليكم، و نعمائه عليكم، و بلائه لديكم. فكم خصكم بنعمة، وتدارككم برحمة: اعورتم له فستركم. و تعرضتم لأخذه فأمهلكم. اوصيكم بذكر الموت و اقلال الغفلة عنه. و كيف غفلتكم عما ليس يغفلكم، و طمعكم فيمن ليس يمهلكم. فكفى واعظا بموتى عاينتموهم. حملوا الى قبور هم غير راكبين، و انزولوا فيها غير نازلين. فكانهم لهم يكونوا للدنيا عمارا، و كان الآخرة لم تزل لهم دارا. اوحشوا ما كانوا يوطنون، و اوطنوا ما كانوا يوحشون. و اشتغلوا بما فارقوا، و اضاعوا ما اليه انتقلوا. لاعن قبيح يستطيعون انتقالا، ولا فى حسن يستطيعون ازديادا. انسوا بالدنيا فغرتهم، و وثقوا بها فصرعتهم. فسابقوا ـ رحمكم الله ـ الى منازلكم التى امرتم ان تعمروها، والتى رغبتم فيها و دعيتم اليها. و استتموا نعم الله عليكم بالصبر على طاعته، والمجانبة لمعصيته فان غدا من اليوم قريب. ما اسرع الساعات فى اليوم، و اسرع الايام فى الشهر، و اسرع الشهور فى السنة، و اسرع السنين فى العمر.
احمده شكرا لانعامه، و استعينه على وظائف حقوقه. عزيز الجند عظيم المجد. و اشهد ان محمدا عبده و رسوله دعا الى طاعته، و قاهر اعداءه جهادا على دينه. لايثنيه عن ذلك اجتماع على تكذيبه و التماس لأطفاء نوره. فاعتصموا بتقوى الله فان لها حبلا وثيقا عروته، ومعقلا منيعا ذروته و بادروا الموت و غمراته. وامهدوا له قبل حلوله، و اعدوا له قبل نزوله. فان الغاية القيامة. و كفى بذلك واعظا لمن عقل، و معتبرا لمن جهل. و قبل بلوغ الغاية ـ ما تعلمون من ـ ضيق الأرماس، و شدة الأبلاس. وهول المطلع، وروعات الفزع. و اختلاف الأضلاع و استكاك الأسماع. وظلمة اللحد، و خيفة الوعد. و غم الضريح، وردم الصفيح.
فالله الله عبادالله فان الدنيا ماضية بكم على سنن، و انتم و الساعة فى قرن. و كانها قد جاءت باشراطها، و ازفت بأفراطها، ووقفت بكم على صراطها. و كأنها قد اشرفت بزلازلها، و أناخت بكلا كلها. و انصرمت الدنيا باهلها، و اخرجتهم من حضنها. فكانت كيوم مضى او شهر انقضى. و صار جديدها رثا، و سمينها غثا. فى موقف ضنك المقام، و امور مشتبهة عظام . و نار شديد كلبها، عال لجبها، ساطع لهبها، متغيظ زفيرها، متأجج سعيرها، بعيد خمودها، ذاك وقودها، مخوف وعيدها، غم قرارها، مظلمة اقطارها. حامية قدورها، فظيعة امورها. «وسيق الذين اتقوا ربهم الى الجنة زمرا» قد امن العذاب، و انقطع العتاب. وزحزحوا عن النار، و اطمانت بهم الدار، ورضوا المثوى و القرار. الذين كانت اعمالهم فى الدنيا زاكية، واعينهم باكية. و كان ليلهم فى دنياهم نهارا، تخشعا و استغفارا. و كان نهارهم ليلا توحشا و انقطاعا . فجعل الله لهم الجنة مآبا، و الجزاء ثوابا. و كانوا احق بها و اهلها فى ملك دائم، و نعيم قائم.فارعوا عبادالله ما برعايته يفوز فائزكم. و باضاعته يخسر مبطلكم. وبادروا آجالكم باعمالكم. فانكم مرتهنون بما أسلفتم، و مدينون بما قدمتم. و كان قد نزل بكم المخوف. فلا رجعة تنالون، ولا عثرة تقالون، استعملنا الله و اياكم بطاعته و طاعة رسوله، وعفا عنا و عنكم بفضل رحمته.
الزموا الارض، و اصبروا على البلاء. ولا تحركوا بايديكم و سيوفكم فى هوى السنتكم، ولا تستعجلوا بما لم يعجله الله لكم. فانه من مات منكم على فراشه و هو على معرفة حق ربه و حق رسوله و اهل بيته مات شهيدا و وقع اجره على الله، و استوجب ثواب ما نوى من صالح عمله. و قامت النية مقام اصلاته لسيفه. و ان لكل شى ء مدة و أجلا.
نهج البلاغه خطبه 188 و 190
source : http://www.e-resaneh.com