عربي
Thursday 21st of November 2024
0
نفر 0

الإسماعيلية

  الإسماعيلية

 الإسماعيلية فرقة من الشيعة القائلة بأنّ الإمامة بالتنصيص من النبي أو الإمام القائم مقامه ، غير انّها  تختلف عن الزيدية والاِمامية في عدد الأئمة ومفهوم التنصيص.

    فالأئمة المنصوصة خلافتهم وإمامتهم بعد النبي عند الزيدية لا يتجاوز عن الثلاثة : عليّ أمير الموَمنين (عليه السّلام) ، والسبطين الكريمين : الحسن والحسين (عليهم السّلام) وبشهادة الاَخير غلقت دائرة التنصيص ، وجاءت مرحلة الانتخاب بالبيعة على تفصيل مرّ في الجزء السابع.
    وأمّا الأئمة المنصوصون عند الاِمامية فاثنا عشر إماماً ، آخرهم غائبهم ، يُظهره اللّه سبحانه عندما يشاء وقد حُوِّل أمر الأمة ـ في زمان غيبته ـ إلى الفقيه العارف بالاَحكام والسنن ، والواقف على مصالح المسلمين ، على النحو المقرّر في كتبهم وتآليفهم.

    وأمّا الإسماعيلية فقد افترقت إلى فرق مختلفة :
    1 ـ القرامطة : القائلة بإمامة محمد بن إسماعيل ابن الاِمام الصادق و غيبته ، ثمّ دخلت الإمامة في كهف الاستتار.
    2 ـ الدروز : وهم يسوقون الاِمامة إلى الإمام الحادي عشر الحاكم بأمر اللّه ، ثمّ يقولون بغيبته وينتظرون ظهوره.
    3 ـ المستعلية : وهوَلاء يسوقون الإمامة إلى الإمام الثالث عشر المستنصر باللّه ، ويقولون بإمامة ابنه المستعلى باللّه بعده ، وهم المعروفون بالبهرة ، وقد انقسمت المستعلية سنة 999 هـ إلى فرقتين : داودية وسليمانية ، سيوافيك بيانها.
    4 ـ النزارية : وهوَلاء يسوقون الإمامة إلى المستنصر باللّه ، ثمّ يقولون بإمامة ابنه الآخر نزار بن معد ، وقد انقسمت النزارية إلى : موَمنية وقاسمية المعروفة بالآغاخانية ، وسيأتي سبب الانقسام وزمانه والركب الاِمامي منقطع عن السير عند الجميع إلاّ القاسمية حيث يقولون باستمرار الاِمامة إلى العصر الحاضر.
    هذا كلّه حول اختلافهم في استمرار الاِمامة ، وأمّا اختلافهم مع الزيدية والاِمامية في مفهوم التنصيص ، فإنّه عند الفرقتين الاَخيرتين يرجع إلى تعيين الاِمام والقائم بالاَمر باللفظ والاشهاد ، بخلاف الاِسماعيلية فإنّها تنتقل عندهم من الآباء إلى الاَبناء ، ويكون انتقالُها عن طريق الميلاد الطبيعي ، فيكون ذلك بمثابة نص من الاَب بتعيين الابن ، وإذا كان للاَب عدة أبناء فهو بما أُوتي من معرفة خارقة للعادة يستطيع أن يعرف من هو الاِمام الذي وقع عليه النص. فالقول بأنّ الاِمامة عندهم بالوراثة أولى من القول بالتنصيص.
    وعلى كلّ تقدير فهذه الفرقة ، منشقة عن الشيعة ، معتقدة بإمامة إسماعيل ابن جعفر بعد الاِمام الصادق (عليه السّلام) و هي متواجدة في كثير من الاَقطار ، منها : الهند ، وباكستان ، واليمن ونواحيها ، وسوريا ، ولبنان وأفغانستان ، وإفريقية وإيران.

 

الخطوط العريضة للمذهب الاِسماعيلي
 

الأولى : إنتماوَهم إلى بيت الوحي والرسالة

 كانت الدعوة الإسماعيلية يوم نشوئها دعوة بسيطة لا تتبنّى سوى : إمامة المسلمين ، وخلافة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، واستلام الحكم من العباسيّين بحجة ظلمهم وتعسّفهم؛ غير أنّ دعوة بهذه السذاجة لا يكتب لها البقاء إلاّ باستخدام عوامل تُضمن لها البقاء ، وتستقطب أهواءَ الناس وميولهم.
    ومن تلك العوامل التي لها رصيد شعبي كبير هو ادّعاء انتماء أئمّتهم إلى بيت الوحي والرسالة ، وكونهم من ذرية الرسول وأبناء بنته الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السّلام) ، وكان المسلمون منذُ عهدِ الرسول يتعاطفون مع أهل بيت النبيّ ، وقد كانت محبتهم وموالاتهم شعار كلّ مسلم واع.
    وممّا يشير إلى ذلك انّ الثورات التي نشبتْ ضدّ الأمويين كانت تحمل شعار حب أهل البيت (عليهم السّلام) والاقتداء بهم والتفاني دونهم ، ومن هذا المنطلق صارت الإسماعيلية تفتخر بانتماء أئمتهم إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتى إذا تسلّموا مقاليد الحكم وقامت دولتهم ، اشتهروا بالفاطميين ، وكانت التسمية يومذاك تهزّ المشاعر وتجذب العواطف بحجة انّ الأبناء يرثون ما للآباء من الفضائل والمآثر ، وانّتكريم ذرية الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) تكريم له (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، فشتان مابين بيت أُسس بنيانه على تقوى من اللّه ورضوانه ، وبيت أُسّس بنيانه على شفا جرف هار ، فانهار به في نار جهنم.

 

الثانية : تأويل الظواهر
    إنّ تأويل الظواهر وإرجاعها إلى خلاف ما يتبادر منها في عرف المتشرّعة هي السمة البارزة الثانية للدعوة الاِسماعيلية ، وهي إحدى الدعائم الاَساسية بحيث لو انسلخت الدعوة عن التأويل واكتفت بالظواهر ، لم تتميز عن سائر الفرق الشيعية إلاّ بصَرف الاِمامة عن الاِمام الكاظم (عليه السّلام) إلى أخيه إسماعيل بن جعفر ، وقد بنوا على هذه الدعامة مذهبهم في مجالي العقيدة والشريعة ، وخصوصاً فيما يرجع إلى تفسير الاِمامة وتصنيفها إلى أصناف ، سيوافيك بيانه.
    و لم يكن تأويل الظواهر أمراً مبتدعاً ، بل سبقهم ثلة من المندسّين في أصحاب الاِمام الصادق (عليه السّلام) الذين طردهم الاِمام ولعنهم وحذّر شيعته من الاختلاط بهم ، لصيانتهم عن التأثر بآرائهم والانجراف في متاهاتهم كأبي منصور ، وأبي الخطاب ، والمغيرة بن سعيد ، وغيرهم من ملاحدة عصره وزنادقة زمانه.
    إنّ تأويل الظواهر والتلاعب بآيات الذكر الحكيم وتفسيرها بالاَهواء والميول جعل المذهب الاِسماعيلي يتطور مع تطور الزمان ، ويتكيّف بمكيفاته ، ولا ترى الدعوة أمامها أي مانع من مماشاة المستجدات وإن كانت على خلاف الشرع أو الضرورة الدينية.

الثالثة : تطعيم مذهبهم بالمسائل الفلسفية
    إنّ ظاهرة الجمود على النصوص والظواهر ورفض العقل في مجالات العقائد ، كانت من أهمّ ميزات العصر العباسي حيث كانوا يرفضون كل بحثٍ عقلي خارج عن هذا الاِطار خاصّة في عهد المنصور والرشيد ، فقد طردوا حماة البحث الحرّ والانفتاح الفكري وضيّقوا عليهم.
    إنّ هذه الظاهرة على خلاف الشريعة ، التي تدعو إلى التفكّر والتعقّل. وكان

الاِمام علي (عليه السّلام) أوّل من فتحَ باب الاَبحاث العقلية على مصراعيه وبيّن الخطوط العريضة لكثير من العقائد على ضوء البرهان والدليل.
    إنّ ظاهرة الجمود في أوساط العباسيين ولّدت ردّ فعلٍ عند أئمة الاِسماعيليّة ، فانجرفوا في تيارات المسائل الفلسفية وجعلوها من صميم الدين وجذوره ، وانقلب المذهب إلى منهج فلسفي يتطوّر مع تطوّر الزمن ، ويتبنّى أُصولاً لا تجد منها في الشريعة الاِسلامية عيناً ولا أثراً.
    يقول الموَرّخ الاِسماعيلي المعاصر : إنّ كلمة « إسماعيلية » كانت في بادىَ الاَمر تدل على أنّها من إحدى الفرق الشيعية المعتدلة ، لكنّها صارت مع تطور الزمن حركة عقلية تدلّ على أصحاب مذاهب دينية مختلفة ، وأحزاب سياسية واجتماعية متعدّدة ، وآراء فلسفية وعلمية متنوعة. (1)

الرابعة : تنظيم الدعوة
    ظهرت الدعوة الاِسماعيلية في ظروف ساد فيها سلطانُ العباسيين شرقَ الاَرض وغربها ، ونشروا في كلّ بقعة جواسيس وعيوناً ينقلون الاَخبار ـ خاصة أخبار مخالفيهم ومناوئيهم ـ إلى مركز الخلافة الاِسلامية ، ففي مثل هذه الظروف العصيبة لا يكتب النجاح لكلّدعوة تقوم ضد السلطة إلاّ إذا امتلكت تنظيماً وتخطيطاً متقناً يضمن استمرارَها ، ويصون دعاتها وأتباعها من حبائل النظام الحاكم وكشف أسرارهم.
    وقد وقف الدعاة على خطورة الموقف وأحسّوا بلزوم إتقان التخطيط والتنظيم ، وبلغوا فيه الذروة بحيث لو قورنت مع أحدث التنظيمات الحزبية العصرية ، لفاقتها وكانت لهم القدح المعلّى في هذا المضمار ، وقد ابتكروا أساليب دقيقة يقف عليها من سبر تراجمهم وقرأ تاريخهم ، ولم يكتفوا بذلك فحسب بل جعلوا تنظيمات الدعوة من صميم العقيدة وفلسفتها.


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 14 ، والموَلف سوري إسماعيلي وفي طليعة كُتّابهم.


    يقول الموَرخ الاِسماعيلي المعاصر : وبالحقيقة لم توجه أية دولة من الدول ، أو فرقة من الفرق ، اهتماماً خاصاً بالدعاية وتنظيمها ، كما اهتمّت بها الاِسماعيلية ، فجعلت منها الوسيلة الرئيسية لتحقيق نجاح الحركة في دور الستر والتخفّي ، ودور الظهور وا لبناء معاً. ولقد أحدث التخطيط الدعاوي المنظم تنظيماًعجيباً لم يسبقهم إليه أحد في العالم ، وابتكرت الاَساليب المبنية على أُسس مكينة مستوحاة من عقيدتها الصميمة.
    ولقد برعوا براعة لا توصف في تنظيم أجهزة الدعاية ـ على قِلّة الوسائل في ذلك العصر ـ واستطاعوا أن يشرفوا بسرعة فائقة على أقاصي بقاع البلدان الاِسلامية ، ويتنسمون أخبار أتباعهم في الاَبعاد المتناهية.وذلك بما نظموا من أساليب وأحدثوا من وسائل. وقد كان للحمام الزاجل ـ الذي برع في استخدامه دعاة الاِسماعيلية ـ أثره الفعّال في تنظيم نقل الاَخبار والمراسلات السرية الهامّة. (1)

الخامسة : إضفاء طابع القداسة على أئمّتهم ودعاتهم
    شعرت الدعوة الاِسماعيلية أيام نشوئها بأنّه لا بقاء لها إلاّ إذا أضفتْ طابع القداسة على أئمّتهم ودعاتهم بحيث توجب مخالفتهم مروقاً عن الدين وخروجاً عن طاعة الاِمام « والجدير بالاهتمام انّ الاِمام الاِسماعيلي ـ والذي يعتبر رئيساً للدعوة ـ جعل الدعاة من (حدود الدين) إمعاناً منه في إسباغ الفضائل عليهم ليتمكّنوا من نشر الدعوة وتوجيه الاَتباع والمريدين دونما أيّة معارضة أو مخالفة ،


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الإسماعيلية : 37.

 

لاَنّ مخالفتهم ومعارضتهم تعتبر بالنسبة للاِسماعيلية مروقاً عن الدين ، وخروجاً عن طاعة الاِمام نفسه ، لاَنّهم من صلب العقيدة وحدودها ». (1)
    إنّ الإمامة تحتل عند الإسماعيلية مركزاً مرموقاً ولها درجات ومقامات مختلفة ـ سيوافيك تفصيلها في مظانها ـ حتى أضحت من أبرز سمات المذهب الاِسماعيلي فهم يعتقدون بالنطقاء الستة ، وانّ كلّ ناطق رسول يتلوه أئمة سبعة :
    1 ـ فآدم رسول ناطق تلته أئمة سبعة بعده.
    2 ـ فنوح رسول ناطق تلته أئمة سبعة.
    3 ـ فإبراهيم رسول ناطق جاءت بعده أئمة سبعة.
    4 ـ فموسى رسول ناطق تلته أئمة سبعة.
    5 ـ فعيسى رسول ناطق تلته أئمة سبعة.
    6 ـ فمحمّد رسول ناطق تلته أئمة سبعة ، وهم :
    علي بن أبي طالب ، الحسن بن علي ، الحسين بن علي ، علي بن الحسين ، محمد ابن علي الباقر ، جعفر بن محمد الصادق ، إسماعيل بن جعفر.
    وبذلك يتم دور الاَئمة السبعة ويكون التالي رسولاً ناطقاً سابعاً وناسخاً للشريعة السابقة وهو محمد بن إسماعيل وهذا ممّا يصادم عقائد جمهور المسلمين من أنّ نبيّ الاِسلام (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو خاتم الاَنبياء والمرسلين ، وشريعته خاتمة الشرائع ، وكتابه خاتم الكتب.
    فعند ذلك وقعت الاِسماعيلية في مأزق كبير سيوافيك تفصيله في الفصول الآتية إن شاء اللّه تعالى.


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ المصدر السابق : 37.

 

السادسة : تربية الفدائيين للدفاع عن المذهب
    إنّ الاَقلية المعارضة من أجل الحفاظ على كيانها لا مناص لها من تربية فدائيين مضحِّين بأنفسهم في سبيل الدعوة لصيانة أئمّتهم ودعاتهم من تعرض الاَعداء ، فينتقون من العناصر المخلصة المعروفة بالتضحية والإقدام ، والشجاعة النادرة ، والجرأة الخارقة ، ويكلَّفون بالتضحيات الجسدية ، وتنفيذ أوامر الإمام أو نائبه ، وإليك أحد النماذج المذكورة في التاريخ :
    في سنة 500 هجرية فكر فخر الملك بن نظام وزير السلطان سنجر ، أن يثأر لاَبيه وهاجم قلاع الاِسماعيلية ، فأوفد إليه الحسن بن الصباح أحد فدائييه فقتله بطعنة خنجر ، ولقد كانت قلاعه في حصار مستمر من قبل السلجوقيين.
    وفي سنة 501 هـ حوصرت قلعة « آلموت » من قبل السلطان السلجوقي واشتد الحصار عليها ، فأرسل السلطان رسولاً إلى الحسن بن الصباح يطلب منه الاستسلام ، ويدعوه لطاعته ، فنادى الحسن أحد فدائييه وقال له : ألقي بنفسك من هذا البرج ففعل ، وقال للثاني : اطعن نفسك بهذا الخنجر ففعل ، فقال للرسول : اذهب وقل لمولاك إنّه لدي سبعونَ ألفاً من الرجال الاَُمناء المخلَصين أمثال هوَلاء الذين يبذلون دماءهم في سبيل عقيدتهم المثلى. (1)
    وقد تفشّت هذه الظاهرة بين أوساطهم ، وآل أمر الاَتباع إلى طاعة عمياء لاَئمتهم ودعاتهم في كلّ حكم يصدر عن القيادة العامة ، أو الدعاة الخاصين دون الإفصاح عن أسبابه ، وبلغ بهم الاَمر إطاعتهم لاَئمّتهم في رفع بعض الاَحكام الاِسلامية عن الجيل الاِسماعيلي بحجة إنّ العصر يضاده ، ويشهد على ذلك ما كتبه الموَرّخ الاِسماعيلي إذ يقول عن إمام عصره آغا خان الثالث إنّه قال : « إنّ الحجاب يتعارض والعقائد الإسماعيلية ، وإنّي أُهيب بكل إسماعيلية أن تنزع


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 263.

 

نقابَها ، وتنزل إلى معترك الحياة لتساهم مساهمة فعالة في بناء الهيكل الاجتماعي والديني للطائفة الاِسماعيلية خاصّة وللعالم الاِسلامي عامة ، وأن تعمل جنباً إلى جنب مع الرجل في مختلف نواحي الحياة إسوة بجميع النساء الاِسماعيليات في العالم ، وآمل في زيارتي القادمة أن لا أرى أثراً للحجاب بين النساء الاِسماعيليات ، وآمرك أن تبلغ ما سمعت لعموم الاِسماعيليات بدون إبطاء ». (1)

السابعة : كتمان الوثائق
    إنّ استعراض تاريخ الدعوات الباطنية السرية وتنظيماتها رهن الوقوف على وثائقها ومصادرها التي تنير الدرب لاستجلاء كنهها ، وكشف حقيقتها وما غمض من رموزها ومصطلحاتها ، ولكن للاَسف الشديد انّ الإسماعيلية كتموا وثائقهم وكتاباتهم وموَلفاتهم وكلّ شيء يعود لهم ولم يبذلوها لأحد سواهم ، فصار البحث عن الاِسماعيلية بطوائفها أمراً مستعصياً ، إلاّ أن يستند الباحث إلى كتب خصومهم وما قيل فيهم ، ومن المعلوم انّ القضاء في حقّ طائفة استناداً إلى كلمات مخالفيهم ، خارج عن أدب البحث النزيه.
    وهذا ليس شيئاً عجيباً إنّما العجب انّ الموَرّخين المعاصرين من الاِسماعيلية واجهوا نفس هذه المشكلة منذ زمن طويل ، يقول مصطفى غالب وهو من طليعة كتّاب الإسماعيلية : « من المشاكل المستعصية التي يصعب على الموَرّخ والباحث حلّها وسبر أغوارها ، وهو يستعرض تاريخ الدعوات الباطنية السرية ، وتنظيماتها ، حرص تلك الدعوات الشديد على كتمان وثائقهم ومصادرهم ـ إلى أن يقول : ـ والمعلومات التي نقدّمها للمهتمّين بالدراسات الإسلامية مستقاة من الوثائق والمصادر الإسماعيلية السرية ». (2)


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ المصدر السابق : 265 ، الخطاب لمن رفع السوَال إليه وهو الكاتب مصطفى غالب السوريّ.
    2 ـ المصدر نفسه : 35.

نعم كانت الدعوة الإسماعيلية محفوفة بالغموض والأسرار إلى أن جاء دور بعض المستشرقين فوقفوا على بعض تلك الوثائق ونشروها ، وأوّل من طرق هذا الباب المستشرق الروسي الكبير البروفسور « ايفانوف » عضو جمعية الدراسات الاِسلامية في « بومباي » وبعده البروفسور « لويس ماسينيون » المستشرق الفرنسي الشهير ، ثمّ الدكتور « شتروطمان » الألماني عميد معهد الدراسات الشرقية بجامعة هامبورغ ، و « مسيو هانري كوربن » أُستاذ الفلسفة الاِسلامية في جامعة طهران ، والمستشرق الانكليزي « برنارد لويس ».
    يقول الموَرخ المعاصر : حتى سنة 1922 ميلادية كانت المكتبات في جميع أنحاء العالم فقيرة بالكتب الإسماعيلية إلى أن قام المستشرق الاَلماني « ادوارد برون » بإنشاء مكتبة إسماعيلية ضخمة غايتها إظهار الآثار العلمية لطائفة كانت في مقدمة الطوائف الاِسلامية في الناحية الفكرية والفلسفية والعلمية ، ولم يقتصر نشاط أُولئك المستشرقين عند حدود التأليف والنشر ، بل تعدّاه إلى الدعاية المنتظمة سواء في المجلاّت العلمية الكبرى ، كمجلة المتحف الآسيوية التي كانت تصدرها أكاديمية العلوم الروسية في مدينة « بطروسبورغ » ويشرف على تحريرها « ايفانوف » وبعض المستشرقين الروس أمثال « سامينوف » وغيره ممن دبّجوا المقالات الطوال عن العقيدة الاِسماعيلية.
    ففي سنة 1918 كتب المستشرق « سامينوف » مقاله الاَوّل عن الدعوة الاِسماعيلية وقد جمعه بنفسه ونشره في مجلته كما نقل إلى اللغة الاِنكليزية عدداً ضخماً من الكتب الاِسماعيلية الموَلفة باللغتين « الكجراتية » و « الاَُوردية » ـ إلى أن قال : ـ لقد أحدثت تلك الدراسات الهامة ثورة فكرية وانقلاباً عكسياً في العالم الاِسلامي ، حيث قام عدد من الاَساتذة المصريين بنشر الآثار الاِسماعيلية في العهود الفاطمية ، فأخرجوا إلى حيّز الوجود عدداً لا بأس به من الكتب القيّمةوأظهروا للعالم أجمع آثار هذه الفرقة. (1)

     وبالرغم ممّا ذكره الموَرخ المعاصر من أنّ المصريين أظهروا للعالم أجمع آثار هذه الفرقة ، لكنّا نرى أنّه يعتمد في كتابه على وثائق خطية موجودة في مكتبته الخاصة ، أومكتبة دعاة مذهبه في سورية ، ويكشف هذا عن وجود لفيف من المصادر مخبوءة لم تر النور لحد الآن.

الثامنة : الاَئمّة المستورون
    إنّ الإسماعيلية أعطت للإمامة مركزاً شامخاً ، وصنّفوا الإمامة إلى رتب ودرجات ، وزوّدوها بصلاحيات واختصاصات واسعة ، وسيوافيك بيان تلك الدرجات والرتب ، غير أنّ المهم هنا الاِشارة إلى تصنيفهم الاِمام إلى مستور ، دخل كهف الاستتار؛ وظاهر ، يملك جاهاً و سلطاناً في المجتمع.
    فالأئمة المستورون هم الأئمة الاَربعة الأوائل الذين جاءوا بعد إسماعيل ، ونشروا الدعوة سراًو كتماناً ، وهم :
    1 ـ محمد بن إسماعيل الملقّب بـ « الحبيب » : ولد سنة 132 هـ في المدينة المنورة ، وتسلّم شوَون الاِمامة واستتر عن الاَنظار خشية وقوعه بيد الاَعداء ، ولقّب بالاِمام المكتوم ، لاَنّه لم يعلن دعوته وأخذ في بسطها خفية ، وتوفي عام 193 هـ .
    2 ـ عبد اللّه بن محمد بن إسماعيل الملقّب بـ « الوفي » : ولد عام 179 هـ في مدينة محمود آباد ، وتولّى الاِمامة عام 193 هـ بعد وفاة أبيه ، وسكن السلْمية عام 194 هـ مصطحباً بعدد من أتباعه ، وهو الذي نظم الدعوة تنظيماً دقيقاً ، توفي عام 212 هـ .
    3 ـ أحمد بن عبد اللّه بن محمد بن إسماعيل الملقب بـ « التقي » : ولد عام


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الإسماعيلية : 22 ـ 23.

 

198 ، وتولّ ـ ى الاِمامة عام 212 هـ ، سكن السلمية سراً حيث أصبحت مركزاً لنشر الدعوة ، توفي فيها عام 265 هـ .
    4 ـ الحسين بن أحمد بن عبد اللّه بن محمد بن إسماعيل المقلب بـ « الرضي » : ولد عام 212 هـ ، وقيل 228 هـ ؛ وتولّى الاِمامة عام 265 هـ ، ويقال انّه اتخذ عبد اللّه بن ميمون القداح حجة له وحجاباً عليه ، توفي عام 289 هـ .
    والمعروف بين الاِسماعيلية انّعبيد اللّه المهدي ـ الذي هاجر إلى المغرب وأسّس هناك الدولة الفاطمية ـ كان ابتداءً لعهد الاَئمّة الظاهرين الذين جهروا بالدعوة وأخرجوها عن الاستتار .
    التاسعة : أنهم عُرِّفوا بالإسماعيلية تارة ، والباطنية أُخرى ، والملاحدة ثالثاً ، وبالسبعية رابعاً.
    قال المحقّق الطوسي : إنّما سُمُّوا بالإسماعيلية لانتسابهم إلى إسماعيل بن جعفر الصادق.
    والباطنية لقولهم : كلّ ظاهر فله باطن ، يكون ذلك الباطن مصدراً وذلك الظاهر مظهراً له ، ولا يكون ظاهر لا باطن له إلاّ ما هو مثل السراب ، ولا باطن لا ظاهر له إلاّ خيال لا أصل له.
    ولقّبوا بالملاحدة لعدولهم من ظواهر الشريعة إلى بواطنها في بعض الاَحوال. (1)
    وأمّا تسميتهم بالسبعية ، لاَنّهم قالوا : إنّما الأئمة تدور على سبعة سبعة ، كأيام الأسبوع ، والسماوات السبع ، والكواكب السبع. (2) فدور الإمامة عندهم لا يتجاوز عن سبعة ، ثمّ يأتي دور آخر على هذا الشكل.


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد : 301.
    2 ـ الشهرستاني : الملل والنحل : 1/200.

    ويقول أيضاً : قالوا الإمام في عهد رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان علياً (عليه السّلام) ، وبعده كان ابنه الحسن إماماً مستودعاً ، وبعده الحسين إماماً مستقراً ولذلك لم تذهب الإمامة في ذرية الحسن (عليه السّلام) ، ثمّ نزلت الإمامة في ذرية الحسين ، وانتهت بعده إلى علي ابنه ، ثمّ إلى محمد ابنه ، ثمّ إلى جعفر ابنه ، ثمّ إلى إسماعيل ابنه وهو السابع. (1)
    و معنى ذلك انّ الدور تمّ بإسماعيل ، وهو متم الدور ، وانّ ابنه بادئ للدور الآخر كالتالي :
    1 ـ محمد بن إسماعيل.
    2 ـ عبد اللّه بن محمد بن إسماعيل الملقب بالرضي.
    3 ـ أحمد بن عبد اللّه الملقب بالوفي.
    4 ـ الحسين بن أحمد الملقب بالتقي.
    5 ـ عبيد اللّه المهدي بن الحسين.
    6 ـ القائم.
    7 ـ المنصور ، وبه يتم الدور ويبتدأ دور آخر بالإمام المعز لدين اللّه.
    ولو قلنا بخروج الحسن (عليه السّلام) لكونه إماماً مستودعاً لا مستقراً يتم الدور بمحمد بن إسماعيل. ويأتي الدور الجديد .
    وعلى كل ّتقدير فالسبعة عندهم لها مكانة خاصة ، فلا يتجاوز دور الأئمة في تمام مراحلها عن السبعة.
    العاشرة : انّ المذهب الاِسماعيلي لم يظهر على مسرح الحياة بصورة مذهب مدوّن متكامل ، وإنّما أخذ بالتكامل عبر العصور ، وفي ظل احتكاك الدعاة بأصحاب الحركات الباطنية أوّلاً ، وأصحاب الفلسفات ثانياً.وقد ظهر في أوّل يوم نشوئه بصورة عقيدة بسيطة ، وهو أنّ الاِمام بعد جعفر بن محمد ابنه إسماعيل ، وانّه لم يمت بل غاب ويظهر حتى يملك الاَرض وهو القائم ، وهذه هي الإسماعيلية المحضة ، ولم يخالط هذه العقيدة شيء آخر.


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ كشف الفوائد : 303 ، المتن.


    نعم لما كان قبولها محفوفاً بغموض ، فرجع بعضهم عن حياة إسماعيل ، وقالوا بإمامة ابنه محمد بن إسماعيل لظنّهم انّ الإمامة كانت في أبيه ، وان ّالابن أحقّ بمقام الإمامة من الاَخ.
    والظاهر من الشيخ المفيد أنّ الفرقة الأولى انقرضت ولم يبق منهم من يومأ إليه والفرقة الباقية إلى اليوم هي الإسماعيلية غير الخالصة. (1) ثمّ صار المذهب الواحد مذاهب متشتتة ومختلفة.و قد كان للدعاة تأثير في نضوج العقيدة الإسماعيلية وتكاملها مع اختلاف بينهم في بعض الأصول فمثلاً الداعي النسفي (... ـ 331 هـ) وضع كتابه « المحصول » في فلسفة المذهب.
    ثمّ جاء بعده أبو حاتم الرازي (260 ـ 322 هـ) فوضع كتابه « الإصلاح » وخالف فيه أقوال من سبقه.
    ثمّ جاء بعده أبو يعقوب السجستاني الذي كان حيّاً سنة (360 هـ) وكان أُستاذاً للكرماني فانتصر للنسفي وخالف أبا حاتم.
    ثمّ جاء الكرماني (352 ـ 411 هـ) فألّف كتاب « راحة العقل » ، واستطاع أن يوفق بين آراء شيخه « السجستاني » وبين آراء « أبي حاتم الرازي ».
    أضف إلى ذلك أنّ تأويل الظواهر لا يعتمد على ضابطة فكل يوَوّلها على ذوقه وسليقته ، فتجد بينهم خلافاً شديداً في المسائل التأويلية.
  


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ المفيد : الإرشاد : 285.

 

الحادية عشرة : الذي ظهر لي من التتبّع في كتب الإسماعيلية أنّ الفرقة المستعلية القاطنين في اليمن والهند أقرب إلى الحقّ وعقائد جمهور المسلمين من النزارية :

 فالطبقة الاَُولى متعبّدون بالظواهر وتطبيق العمل على الشريعة بخلاف أغلب النزارية خصوصاً الدعاة المتأخرين منهم ، فإنّهم يواجهون الاَحداث الطارئة والمستجدة بالتدخل في الشريعة (1) ويظهر ذلك من أبحاثنا الآتية.
    وأخيراً فالمذهب الاِسماعيلي اكتنفه غموض وأحاطه إبهام ، فإصابة الحقّ في جميع المراحل أمر مشكل ، نستعينه سبحانه أن يوفقنا لبيان الحقّ ويحفظنا عن العثرة انّه هو المجيب.
    والذي يهم الباحث هو تبيين جذور المذهب وانه كيف نشأ؟ وهل كان هناك اتصال بين الاِسماعيلية ، والحركات الباطنية التي نشأت في عصر الصادق عليه السّلام أو لا ؟ وهذا هو الذي نطرحه على طاولة البحث في الفصل القادم بعد المرور على كلمات أصحاب المعاجم في حقّهم.


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ أعيان الشيعة : 10/202 ـ 24.

 

 

الإسماعيلية والأصول الخمسة :

1
عقيدتهم في التوحيد

1 ـ عقيدتهم في توحيده سبحانه ، أنّه واحد لا مثل له ولا ضد :
    يقول الكرماني في المشرع الخامس : إنّه تعالى لا ضد له ولا مثل (1) ثمّ يستدل عليه.
    ويقول علي بن محمد الوليد (الداعي الاِسماعيلي اليمني) : إنّه تعالى واحد لا من عدد ، ولا يُعتقد فيه كثرة ، أو إزدواج أشكال المخلوقات ، واختلاف البسائط والمركبات (2) ثمّيستدل عليه.
    و يقول أحد الدعاة الاِسماعيلية في قصيدة له في العقائد :

الحمد للّه القديم الاَزلي باري البرايا الدائم الفرد الصمد
 
 المبدع العالي معلِّ العلل والجاعل الواحد أصلاً للعدد (3)
 


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ راحة العقل : 47.
    2 ـ علي بن محمد الوليد : تاج العقائد ومعدن الفوائد : 21.
    3 ـ القصيدة الشافية : 1.

 

2 ـ انّه سبحانه ليس أيسا :
    إنّ الاَيس بمعنى الوجود ، ولعلّ أوّل من استعمله هو الفيلسوف الكندي ، وقد اشتهر في الفلسفة الإسلامية أنّ الممكن من ذاته أن يكون ليس ، ومن علّته أن يكون أيس ، وإن كانت هذه الكلمة في التعبير عن مكانة الممكن تعبيراً غير دقيق ، لاَنّ معناه ، أن الممكن من ذاته يقتضي العدمَ ، وهذه علامة الممتنع لا الممكن ، فالممكن لا يقتضي من صميم ذاته أحدَ الشيئين ، الاَيس والليس.
    وعلى كلّ تقدير فهوَلاء يستنكرون وصفه سبحانه بالاَيس ، المرادف للوجود.
    وقد استدل عليه الداعي الكرماني بوجه مبسّط نأخذ منه ماله صلة بصميم الموضوع ، وحاصل ما ذكره يرجع إلى أمرين :
    الاَوّل : لمّا كان الاَيس ـ في كونه أيساً ـ محتاجاً إلى ما يستند إليه في الوجود ، وكان هو ـ عزّ كبرياوَ هـ متعالياً عن الحاجة فيما هوهو إلى غير ، به يتعلق ، مابه هوهو ، كان من ذلك الحكم ، بأنّه تعالى خارج عن أن يكون أيساً ، لتعلّق كون الاَيس أيساً بالذي يتأوّل عليه الذي جعله أيساً ، واستحالة الاَمر في أن يكون هو تعالى أيساً ، ولا هو يحتاج فيما هوهو إلى غير به هوهو ، فيستند إليه ، تكبّر عن ذلك وتعزّز وتعالى علوّاً كبيراً.
    فإذا كان هو عزّوعلا غير محتاج فيما هوهو إلى غير ، به يتعلّق ، ما به هوهو ، فمحال كونه أيسا.
    وحاصل هذا الوجه مع تعقيده في التعبير ، يرجع إلى أمر واضح ، وهو أنّه لوكان موصوفاً بالوجود ، فبما أنّالصفة غير الموصوف ، يحتاج في وصفه به إلى الغير ، وهو تعالى غني عمّا سواه.
    ولو كان ما جاء به الكرماني مذهباً للاِسماعيليّة فهو يُعرب عن عدم نضوج الفلسفة اليونانية في أوساطهم ، فهوَلاء يتصوّرون أنّ الوجود أمر عارض على الواجب ، فيبحثون عن مسبب العروض ، مع أنّه إذا كان ماهيته انيّته ، وكان تقدّست أسماوَه عين الوجود ، فالاستدلال ساقط من رأسه ، والمسألة مطروحة في الفلسفة الاِسلامية على وجه مبسط ، وفي ذلك الصدد يقول الحكيم السبزواري :

 

والحقّ ماهيّته إنِّيَّته
 
 إذ مقتضى العروض معلوليّته
 

    فمن أراد التفصيل فليرجع إلى المصدرين في الهامش. (1)
    الثاني : أنّ اللّه تعالى إن كان أيساً ، فلا يخلو أن يكون إمّا جوهراً ، وإمّا عرضاً.
    فإن كان جوهراً ، فلا يخلو أن يكون إمّا جسماً أو لا جسماً (المجرد).
    فإن كان جسماً ، فانقسام ذاته إلى ما به وجودها ، يقتضي وجود ما يتقدم عليه بكون كلّ متكثر مسبوقاً متأوّلاً عليه ، وهو يتعالى بسبحانيّته عن أن يتأوّل عليه غيره.
    وإن كان لا جسماً ، فلا يخلو أن يكون إمّا قائماً بالقوة مثل الاَنفس ، أو قائماً بالفعل مثل العقول.
    فإن كان قائماً بالقوّة ، فحاجته إلى ما به يخرج إلى الفعل تقتضي ما يتقدّم عليه ، وهو يتعالى عن ذلك.
    وإن كان قائماً بالفعل ، فلا يخلو من أن يكون إمّا فاعلاً في ذاته من غير حاجة إلى غيرٍ به يتم فعله ، أو فاعلاً في غيرٍ به يتم فعله.
    فإن كان فاعلاً في غير به يتم فعله ، فلنقصانه في فعله وحاجته إلى ما يتم به فعله ، تقتضي ما يتأوّل عليه ، وهو يتعالى عن ذلك.
    وإن كان فاعلاً في ذاته ، من غير حاجة إلى غيرٍ به يتم فعله ، فلاستيعاب ذاته النسب المختلفة بكثرة المعاني المتغايرة ، بكونه في ذاته فاعلاً ومفعولاً بذاته ، يقتضي ما عنه وجوده الذي لا تكون فيه كثرة ولا قلّة بهذه النسب ، وهو يتعالى عن ذلك.


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ راجع الاَسفار لصدر المتألهين : 1/96 ، باب في أنّ الحق تعالى إنيّة صرفة؛ وشرح المنظومة للحكيم السبزواري : 2/96.


    وإن كان عَرضاً ، وكان وجودُ العرض مستنداً إلى وجود ما يتقدم عليه من الجوهر ، الذي به وجوده ، وهو يتعالى ويتكبر عن أن تتعلّق هويته بما يتأوّل عليه ، بطل أن يكون عرضاً. (1)
    وحاصل هذا الوجه أنّ كونه سبحانه موصوفاً بالاَيس ، لا يخلو من صور أربع :
    أ : أن يكون جوهراً جسمانياً.
    ب : أن يكون عرضاً.
    ج : أن يكون جوهراً مجرداً ، قائماً بالقوّة ، مثل الاَنفس.
    د : أن يكون جوهراً مجرداً قائماً بالفعل ، مثل العقول.
    الصورة الاَُولى : تستلزم أن يكون موَلّفاً من أجزاء ، والاَجزاء متقدّمة على الكُلّ ، فيكون محتاجاً إلى غيره.
    و مثلها الصورة الثانية : لحاجة العرض إلى وجود موضوع متقدم عليه.
    ومثلها الثالثة : لاَنّه إذا كان قائماً بالقوّة ، فيحتاج إلى من يخرجه إلى الفعل ، وأن يكون المخرج متقدّماً عليه ، وهو سبحانه غني.
    وأمّا الصورة الرابعة : فقد فصّل فيها الكلام ولها شقان :
    الاَوّل : أن يكون فاعلاً في ذاته ، من غير حاجة إلى غير به يتم فعله ، فهذا يستلزم اجتماع النسب المختلفة في ذاته.
    الثاني : أن يكون فاعلاً في غيرٍ به يتم فعله ، فهو يستلزم حاجته إلى ما يتمُّ به فعله ، وهو غني على الإطلاق.


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ راحة العقل : 39 ـ 40.

 
    والاستدلال مبني على أنّه صوّر للواجب ماهيّة بين كونها جوهراً أو عرضاً ، والجوهر جسماني أو نفساني ، أوعقلائي ، والفروض كلّها باطلة ، لاَنّ القائل بكونه وجوداً ، وأيسا ، يقول : هو والوجود متساويان؛ الواجب = الوجود.
    ولا يذهب عليك أنّ الفرض الرابع ، وهو كونه موجوداً بالفعل مردداً بين كونه فاعلاً في ذاته ، أو فاعلاً في غير ، لا يخلو عن تعقيد وغموض.
    ثمّ إنّ الداعي ذكرَ وجهاً ثالثاً لعدم كونه سبحانه أيساً ، ليس له قيمة تذكر ، فمن أراد فليرجع إليه. (1)

3 ـ في نفي التسمية عنه :
    يقول الداعي الاِسماعيلي علي بن محمد الوليد : إنّوضع التسمية عليه محال ، إذ كانت التسمية إنَّما جعلت وسماً يوسم بها المخلوقات ، ليكون الخلق بها فصولاً فصولاً ، يتميّز بها كلّ صورة عن الصورة الاَُخرى ، حتى ينحفظ كلّ صنف منها ، ويمكن للعقل الحكاية عنها إذا دعت الحاجة إليها ، فيكون بذلك ظهور أشكال العالم في أيّ تسمية وسم بها ، وهو متعال ، ليس له صورة نفسانية ، ولا عقلية ، ولا طبيعيّة ، ولا صناعيّة ، بل يتعالى بعظيم شأنه ، وقوّة سلطانه عن أن يوسم بما يوسم به أسباب خلقته ، وفنون بريته ، و قد اتفقت فحول العلماء على أنّه تعالى لم يزل ولا شيء معه ، لا جوهراً ولا عرضاً. (2)
    ولا يذهب عليك ، أنّعنوان البحث غير منطبق على ما جاء فيه ، فلو كان العنوان من جانب الموَلّف ، وإلاّ فالعنوان يهدف إلى شيء ، وما ورد فيه إلى شيء آخر ، فإنّ تسمية اللّه سبحانه أمر اتّفق عليه كافّة أهل التوحيد ، ومراده هو نفي الماهيّة ، كالجوهرية والعرضية.
    كما أن ّمراده في بحث آخر في الكتاب ، تحت عنوان « في نفي الحدّ عنه » هو نفي كونه متناهياً.


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ راحة العقل : 40.
    2 ـ علي بن محمد الوليد : تاج العقائد ومعدن الفوائد : 26.


4 ـ نفي الصفات عنه :
     إنّ نفي الصفات عنه سبحانه ، مما اشتهر عن الإمام أمير الموَمنين (عليه السّلام) في خطبه ، وعنه أخذت المعتزلة ، قال (عليه السّلام) : « أوّل الدين معرفته ، وكمال معرفته التصديق به ، وكمال التصديق به توحيده ، وكمال توحيده الإخلاص له ، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ، بشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف ، وشهادة كلِّ موصوف أنّه غير الصفة ، فمن وصف اللّه سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثنّاه ، ومن ثنّاه فقد جزّأه ، ومن جزّأه فقد جهله ، ومن جهله فقد أشار إليه ، ومن أشار إليه فقد حدّه ، ومن حدّه فقد عده ، ومن قال : « فيم » فقد ضمّنه ، ومن قال : « عَلامَ؟ » فقد أخلى منه ». (1)
    وقد ذهبت الاِماميّة ، وقسم من المعتزلة ، تبعاً للأدلة العقليّة ، التي أشار إليها الإمام في كلامه ، بأنّ المراد نفي الصفات الزائدة عليه ، لا نفي الصفات على الإطلاق ، فاللّه سبحانه علمٌ كلّه ، قدرة كلّه ، حياة كلّه ، وهكذا ، لا أنّه شيء ، وعلمه شيء آخر ؛ خلافاً للاَشاعرة ، فقد ذهبوا إلى زيادة الصفات على الذات مع كونها قديمة ، فأورد عليهم باستلزامه القول بالقدماء الثمانية.
    ولكن الإسماعيلية ذهبت إلى نفي الصفات عنه على الاِطلاق ، واكتفت في مقام معرفته سبحانه بالقول بهويته وذاته دون وصفه بصفات ، حتى الصفات الجماليّة والكماليّة ، ولهذا نرى أنّ الداعي الكرماني يعترض على المعتزلة الذين قالوا بنفي الصفات قائلاً :


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ نهج البلاغة : الخطبة الاَُولى.


    إنّ المتأمّل المنصف ، إذا فحص عن ذلك بفكره ، علم أنّ كلاً من المخالفين قد زيّن مذهبه ، بأن عمد في توحيده لمعبوده ما عمدناه ، وقصد ما قصدناه ، في استعمال حرف (لا ) في نفي (1) ما يستحق الغير عن اللّه تعالى ، خاصّة المعتزلة الذين صدّروا كتبهم ، وزيّنوها بقولهم في أُصول مذهبهم : بأنّ اللّه تعالى لا يوصف بصفات المخلوقين ... و هذا من قولهم ، هو أصل مذهبنا ، وعليه قاعدة دعوتنا ، بأنّنا لا نقول على اللّه تعالى ، ما يقال على المخلوقين ، وهو المعتمد في توحيد معبودنا ، والمقصود في أنحاء كلامنا ، لكن المعتزلة قالوا بأفواههم قول الموحدين ، واعتقدوا بأفئدتهم اعتقاد الملحدين ، بنقضهم قولهم أوّلاً بأنّ اللّه لا يوصف بصفات المخلوقين ، بإطلاقهم على اللّه سبحانه وتعالى ما يستحقه غير اللّه تعالى ، من الصفات من القول بأنّه حيٌّ قادرٌ ، عالمٌ ، وسائر الصفات ، نعوذ باللّه. (2)
    ويقول علي بن محمد الوليد : إنّ نفي الصفات عنه معتقد صحيح ، لا يسوغ تركه ، لاَنّ الصفات تلحق الجوهر ، إمّا في الاَجسام وإمّا في النفوس ، ويكون في الاَجسام كيفيات من خارجها ، كالاَقدار ، والاَلوان ، وما يجري مجراها ، وفي النفوس كيفيات من داخلها ، كالعلم ، والجهل ، ومايجري هذا المجرى ، وهو يتعالى عن أن يكون له داخل أو خارج.
    و ممّا تقرر عند كل ذي عقل أنّ الصفات تلحق الموصوف من غيره ، لا من ذاته ، ألا ترى أنّ صفات الأجسام التي هي لها ، تأتي من خارجها كالاَقدار والاَلوان ، وما يجري مجراها ، وفي النفوس كيفيات من داخلها ، كالعلم ، والجهل وما يجري هذا المجرى ، وهو يتعالى أن يكون له داخلاً أو خارجاً ، ومما تقرر عند كلّ ذي عقل أنّ الصفات تلحق الموصوف من غيره لا من ذاته. (3)


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ وفي المصدر (النفي)؛ راحة العقل : 52.
    2 ـ راحة العقل : 52 ـ 53.
    3 ـ علي بن محمد الوليد : تاج العقائدو معدن الفوائد : 27.

 
5 ـ الصّادر الاَوّل هو الموصوف بالصفات العليا :
    لمّا ذهبت الإسماعيلية إلى نفي الصفات عنه سبحانه ، مع أنّ الكتاب والسنّة مليئان بهما ، لم يكن لهم بُد من إرجاع تلك الصفات إلى المبدع الاَوّل ، الذي هو الموجود الاَوّل ، وإليه تنتهي الموجودات ، وهو الصادر عنه سبحانه بالاِبداع ، لا بالفيض والاِشراق ، كما عليه إخوان الصفا. (1)
    قال الداعي علي بن محمد الوليد : إنّ الباري تعالى وتقدّس لمّا تعاظم عن أن يُنال بصفة توجد في الموجودات ، لقصور الموجودات عن وصفه بما تستحقه الاِلهيّة ، جعل موجوداً أوّلاً تتعلّق الصفات به ، عطفاً ورحمةً ومنّة على عقول عباده أن تهلك وتضل ، إذا لم تستند إلى ما تقف عنده ، فتوقع الصفات عليه ، فجعل للعالم مبدأ مبدعاً ، وهو الاَوّل في الوجود من مراتب الموجودات ، وكان المبدع حق لوجوده عن المتعالى سبحانه ، غاية تنتهي إليها الموجودات.
    ثمّإنّه أفاض الكلام في صفاته ، وعرّفه بكونه : موجوداً حقاً واحداً ، تامّاً ، باقياً ، عاقلاً ، عالماً ، قادراً ، حيّاً ، فاعلاً.
    ثمّ قال : الحياة ذات جامعة لهذه الاَُمور وبها هي فاعلة. (2)
    وقال الداعي الكرماني في هذا الصدد :
    « فالاِبداع هو الحقّ والحقيقة ، وهو الوجود الاَوّل ، وهو الموجود الاَوّل ، وهو الوحدة ، وهو الواحد ، وهو الاَزل ، وهو الاَزلي ، وهو العقل الاَوّل ، وهو المعقول الاَوّل ، وهو العلم ، وهو العالم الاَوّل ، وهو القدرة ، وهو القادر الاَوّل ، وهو الحياة ، وهو الحيّ الاَوّل ، ذات واحدة ، تلحقها هذه الصفات ، يستحق بعضها لذاته ، وبعضها بإضافةٍ إلى غيره ، من غير أن تكون هناك كثرة بالذات.


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ رسائل اخوان الصفا : 3/189 ، طبعة بيروت.
    2 ـ علي بن محمد الوليد : تاج العقائد ومعدن الفوائد : 40 ـ 41.

 
    إلى أن قال : وهذه الاَُمور وجودها له ضروري ، لكونه أوّلاً في الوجود الواجب ، احتوائه على أشرف الكمالات وأشرف الموجودات.
    إلى أن يقول : وجوهر هذا الاِبداع جوهر الحياة ، وعينه عين الحياة ، والحياة متقدمة على سائر هذه الصفات ، ولذلك قدَّم اللّه تعالى عند وصفه سمة الحياة في قوله تعالى : « اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم » (1) فهو متوحّد من جهة كونه إبداعاً وشيئاً واحداً ، ومتكثّر من جهة الموجود فيه من الصفات ، على ما بيّناه. (2)
    أقول : إنّ المبدع الاَوّل حسب ما يذكرونه هو الاِله الثاني ، غير أنّه يفارقه بأنّه المبدَع بإبداعه سبحانه ، وبذلك يفترق عن إله العالمين.
    وأعجب منه أنّالكرماني يصفه بأنّه أزليٌّ ، ولعلَّ المراد أنّه قديم زماناً وحادثاً ذاتاً.
    على أنّهذا الكلام باطلٌ من أصله ، وذلك : لاِمكان وصفه سبحانه بالاَوصاف الجماليّة ، والكماليّة ، من دون أن يطرأ على ذاته وصمة النقص ، وذلك بحذف المبادىَ ، والاَخذ بالغايات ، فهو سبحانه علم ، لا بما أنّه كيف ، بل بما هو وجود بحت ، وأنّ الوصف ربَّما يكون له من الكمال على حدٍّ يكون قائماً بذاته لا طارئاً على الذات ، وما يلاحظ من المباينة بين الوصف والموصوف ، فإنّما هو من خصوصيات المورد أيْ الممكنات ، ولا يجب أن يكون كلّ وصف كذلك.


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ البقرة : 255.
    2 ـ راحة العقل : 83 ، طبعة القاهرة.


--------------------------------------------------------------------------------

الاِسماعيلية والاَُصول الخمسة

2
عقيدتهم في العدل

    قد تعرّفت في البحث السابق على أنّهم لا يصفونه سبحانه بوصف ، ويعتقدون أنّه فوق الوصف ، وأنّغاية التوحيد نفي الوصف ، وإثبات الهوية ، ولهذا لا تجد عنواناً لهذا الفصل في كتبهم حسب ما وصل بأيدينا ، ولكن يمكن استكشاف عقيدتهم في عدله سبحانه من خلال دراستهم لفعل الاِنسان ، وهل هو إنسان مسيّر أو مخيّر؟

1 ـ الاِنسان مخيّر لا مسيّر
    يقول الداعي علي بن محمد الوليد : الاِنسان مجبور في حال تركيبه ، ورزقه ، ومدّته ، وحركات طبائعه ، والكيان بنشوئه ، ومايحدث عليه مقهور عليه مغيّب عن إدراكه وعيانه ، ليكون مفتقراً بالدعاء والتضرّع إلى خالقه ، إذ لو كشف له لفسد حاله.و مخيّ ـ ر غير مجبور فيما يعتقد لنفسه ، من علومه ، وصناعته ، ومذاهبه ، و معتقداته.
    إلى أن قال : ولولا ذلك لما كانت لها منفعة بإرسال الرسل ، وقبول العلم ، وتلقي الفوائد والانصياع لاَوامر اللّه تعالى ، إذ لو كانت مجبورة لاستغنت عن كلّ شيء تستفيده.
    ثمّ استدلّ بآيات منها قوله تعالى : « وَ أَنْ لَيْسَ لِلاِِنْسانِ إِلاّما سَعى * وَ أَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى » (1) إلى غير ذلك من الآيات. (2)


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ النجم : 39 ـ 40.
    2 ـ تاج العقائد : 166 ـ 168.

 

2 ـ القضاء والقدر لا يسلبان الاختيار
    إنّ القضاء والقدر من العقائد الإسلامية التي لا محيص لمسلم عن الاعتقاد بهما ، غير أنّ البحث فيهما ينصّب على نكتة مهمة وهي هل أنّهما يسلبان الاختيار أو لا ؟
    فالظاهر من أهل السنّة ، إلاّمَنْ شذَّ ، تفسيرهما على وجه يسلبان الاختيار ، على خلاف ما ذهبت إليه العدليّة.
    والإسماعيلية تُثبت القضاء والقدر حقيقةً لا مجازاً ، ولكنها تُنفي كونهما سالبين للاختيار.
    يقول الداعي علي بن محمد الوليد : القضاء والقدر حقيقة لا مجاز ، ولهما في الخلق أحوال على ما رتب الفاعل سبحانه ، من غير جبر يلزم النفوس الآدمية الدخول إلى النار أو الجنة.
    إلى أن قال : إذ لو كان كذلك لذهبت النبوات والاَوامر المسطورات في الكتب المنزّلة ، في ذم قوم على ما اقترفوه ، ومدح قوم على ما فعلوه.
    ثمّإنّه فسّر القضاء بمعنى الفراغ ، والاَمر ، والخبر ، والفعل ، والوصيّة ، وأرجع الجميع إلى معنى الفراغ.
    وأمّا القدر : فقد فسّ ـ ره بأنّه من المقدار ، والتقدير ، والترتيب ، ثمّ جعل له تفاسير ثمانية ، ومن أراد فليرجع إليه. (1)
    وقد نقل في آخر الفصل رسالة الحسن البصري إلى الحسين بن علي عليمها السّلام يسأله عن القضاء والقدر ، كما نقل جواب الاِمام إليه ، وقد جاءت هذه الرسالة أيضاً في كتاب « تحف العقول » للحلبي الحراني مع اختلاف يسير.


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ تاج العقائد : 179.


--------------------------------------------------------------------------------

(202)

الاِسماعيلية والاَُصول الخمسة

3
عقيدتهم في النبوة

1 ـ النبوّة أعلى درجات البشر
    النبوّة : عبارة عن ارتقاء النفس إلى مرتبة تصلح لاَن يتحمل الوحي.
    يقول الداعي علي بن محمد الوليد : إنّالرسول الحائز لرتبة الرسالة ، لا ينبغي أن يكون كمالاً يفوق كماله ولا علماً يخرج عن علمه ، وأنّه الذي به تكون سعادة أهل الدور من أوّله إلى آخره ، وأنّ السعادة الفلكيّة ، والاَشخاص العاليّة ، والموَثرات ، خدم له في زمانه.
    والوجود مكشوف له ، وبين يديه ، فنظره ثاقب ، وإحاطته كلّية ، وحدود أوضاعه مبرّأة من النقص ، وجميع ما يأتي به محرر ، لا يحتاج إلى زيادة ، وأقواله لا تردّ ، ولا يوجد فيما ينطق به خلل ، وجوهره المقدّس نهاية في الشرف ، وأنّ القوة الملكية عليه أغلب وحواسه خادمة لنفسه ، وعقله لا ينظر إلاّإلى أوامر اللّه تعالى خالقه ، وأنّه في نهاية من المنازل من مولودات العالم في حسنه. (1)

 


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ تاج العقائد : 57 ـ 58.

2 ـ الرسالة الخاصة والعامة
    إنّ الرسالة على ضربين : خاصّة ، وعامّة.

    فالرسالة العامّة شاملة طبعاً ، وعقلاً ، ولولا الرسالة الاَُولى العامّة ، لن تُقبل الرسالة الخاصّة ، وذلك لاَنّه تعالى خلق الصورة الآدميّة ، وأكمل منافعها ، وسوّاها على أحسنِ هيئة ، ووضع فيها العقل الغريزي ، الذي إليه ترجع أحوال الصورة لنيل منافعها ، فهو الرسول الاَوّل المُعدُّ لقبول أمر الرسول الثاني ، الخاص لمنافع النفس في الآخرة ، مثلما كان الاَوّل لمنافع الدنيا ، وعلى الاَوّل يعول في الاغتذاء ، وطلب المصالح بغير ثواب ولا عقاب ، إذ هو أمرٌ بديهي لمنافع الصورة ، وعلى الثاني يكون الحساب والعقاب ، إذ هو أمرٌ ربّانيّ ، يدعو إلى دار غير دار الطبيعة.
    إلى أن قال :
    فإذا أظهر الرسول الرسالة ، كانت الفضيلة على المستضيء المنتفع بها ، وذلك القادح هو الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى الخلق وحجّته على أهل زمانه ، وهو لسانه فيهم ، وترجمانه في العالم السفلي بأسره ، والمتبحّر أبداً في الحكمة. (1)
    أقول : إنّتسمية العقل الاِنسانيّ بالرسول لا يخلو من شيء ، والاَولى تسميته بالحُجّة الباطنة ، في مقابل الحجّة الظاهرة ، الذي هو النبي.

3 ـ الوحي
    إنّ الوحي : إلهام خاص بالاَنبياء والمرسلين ، إذا كانت لغاية التشريع ، وتبيين الوظائف لمن بعثوا إليهم ، وله طرق ثلاثة ، جاء في الذكر الحكيم ، قال سبحانه :
    « وَ ما كانَلِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّهُ إِلاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَرَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ » . (2)


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ تاج العقائد : 48 ـ 50.
    2 ـ الشورى : 51.

 
    وأمّا الوحي عند الإسماعيلية ، فيقول الداعي علي بن محمد الوليد : إنّ الوحي : هو ما قبلته نفس الرسول من العقل ، وقبله العقل من أمر باريه ، ولم يخالفه علم تألفه النفس الناطقة ، بقواها ، ثمّ تتأمّل منه النفس ما ليس لها استنباطاً بذاتها ، ولا تستخرجه بفكرها ، وتكون فيه غاية لسداد قصدها ، ومصلحة لجميع أمرها.
    إلى أن قال : والفرق بين الوحي وغيره من سائر العلوم ، أنّ الوحيَ يرد على من يوحى إليه مفروغاً منه ، قد استغنى عن الزيادة فيه والنقصان منه ، كما يقع الصحيح للمستمع من المتكلم ، وصفه ومعناه خارجين عن قدرة من جاء به ، وليس كذلك العلوم ، لاَنّها تكون بالمقايسة ، وكثرة الذّوبِ فيها ، وإعمال الفكر و الرّويّة والتأليف والتحرير. (1)
    ثمّ للداعي الكرماني كلام مفصّلٌ في الوحي لا يخلو من تعقيد. أعرضنا عن نقله. (2)

4 ـ الأنبياء لا يولدون من سِفاح
    يقول علي بن محمد الوليد : إنّ الاَنبياء والاَئمّة (عليهم السّلام) لا يلدهم الكفّار ، ولا يولدون من سِفاح ، ثمّ استدلَّ ببعض الآيات ، وما جاء في التاريخ في حقّ عبد المطلب وأبي طالب. (3)

5 ـ في صفات الاَنبياء
    يقول الداعي الكرماني : الموَيد المبعوث مجمع الفضائل الطبيعيّة ، التي هي أسبابٌ في نيل السعادة الاَبديّة ، وهو فيها على أمر يكون به على النهاية في جميعها ، من جودة الفهم والتصوّر لما يشار إليه ويومأ ، ومن جَودة الحفظ لما يراه الخاطر والعين على تباينه ، ويدركه السمع من الصوت على اختلافه ، ومن جودة الفِطنة والذكاء والتوقّد فيهما ، ومن جودة الذكر ، ومن جودة الاَعضاء وسلامتها ، والقدرة على التأنّ ـ ي بمعاناة أُمور الحرب ومباشرتها والصبر عليها ، ومن جودة الفطرة والطبع ، ومن جودة النحيزة (الخير) في السلامة والانقياد لكلّ خير ، فيكون خالياً من الرذائل ، التي هي الشره والطمع والرغبة في المأكول والمشروب والمنكوح زيادة على الحاجة ، واللعب واللهو ، وعاطلاً في الجملة ، من الاَُمور التي تعوق على النفس سعادتها.


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ تاج العقائد : 47 ـ 48.
    2 ـ راجع راحة العقل : 409 ـ 410.
    3 ـ تاج العقائد : 51.

 

    ويكون عظيم النفس كريماً ، محبّاً للعدل ، مبغضاً للظلم والجور ، موَثراً لما يعود على النفس منفعته من العبادة ، مقداماً في الاَُمور ، جسوراً عليها ، لا يروعه أمر في جنب ما يراه صواباً بجوهره. (1)

6 ـ الرسول الناطق
    الرسول الناطق ، هو الأصل الذي يصدر عنه الدين بما فيه من علم وعمل ، وبمن فيه من أئمة يدعون إلى التحقّق بكمال العلم عن طريق العبادة الظاهرة. (2)
    وفي الحقيقة ، الرسولُ الناطق عندهم ، عبارة عن أُولي العزم من الرُّسل ، غير أنّهم يعدون آدم منهم ، والمشهور عند سائر المسلمين أنّه ليس منهم ، ويضيفون إليهم محمد بن إسماعيل باسم القائم؛ وإليك أسماءهم : آدم ، نوح ، إبراهيم ، موسى ، عيسى ، محمد ، القائم.


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ راحة العقل : 421 ـ 422.
    2 ـ مصطفى غالب : في مقدمة كتاب الينابيع : 17.

 
    وكلّ واحد منهم رسول ناطق ، يتقدّمه إمام مقيم ويتلوه الأئمة الأساس ـ المتم ـ المستقر ـ المستودع ـ وهم يتعاملون مع القائم الذي يبتدأ به الدور ، أعني : محمد بن إسماعيل ، معاملة الرسول الناطق ، ولا يشترط أن يكون في كلّدور إمامٌ مستودعٌ ، فإنّه إنّما يتسلّم شوَون الإمامة في الظروف الاستثنائية ، وكأنّه ينوب عن الإمام المستقر كما سيتضح معنى ذلك.
    ولا يخفى أنّ في صميم العقائد الاِسماعيليّة تناقضاً وتعارضاً ، فمن جانب نراهم يصرّحون بخاتميّة النبوة والرسالة ، وأنّ القرآن حجّة خالدةً إلى يوم القيامة ، وأنّه لا ينسخ القرآن إلاّ بالقرآن. (1)
    ومع ذلك فمحمد بن إسماعيل ، المعبّر عنه بالقائم عندهم من النطقاء (2)
 
7 ـ في المعجزات التي يأتي بها الرسل
    قال علي بن محمد الوليد : إنّ المعجزات التي ترد وقت إظهار الشرائع من الرسول حقيقية ، وإنّها على ثلاثة أقسام :
    الاَوّل : خرق العادة في تكوين العالم بظهور ما يعجز العقل عن وجوده من الاَُمور الطبيعية ، من ردّ ما في الطبيعة عن قانونه المعهود لقهر العقول ، ودخولها تحت أمر المعقولات ، ومن أجله يعلم أنّه متصل بالفاعل ، الذي لا يتعذّر عليه متى أراد ، إذ كلّما في العالم لا يتحرك إلاّ بمادته وتدبيره.
    الثاني : ما يأتي به الشخص المبعوث من النطق المنسوب إلى من أظهر له المعجزات ، وأعجز كافّة أهل الدور عن الاِتيان بمثله.


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ تاج العقائد : 98.
    2 ـ وقد مرّ كلامهم في ذلك ص 92. وما علقنا عليه فلاحظ.

 
    الثالث : جميع الفضائل الموجودة في أشخاص العالم فيه حتى لا يوجد فوق كماله كمال في وقته. (1)
    أقول : إنّ القسم الثاني الذي يريد به القرآن الكريم داخل تحت القسم الاَوّل ، فلا وجه لعدّه قسماً ثانياً.
    والقسم الثالث : كمالات النبي ، ولا تعدّ معجزة.

8 ـ في أنّ الرسول الخاتم أفضل الرّسل
    يُفضَّلُ رسول اللّه على سائر الرسل والاَنبياء من وجوه ، أفضلها الوجوه التالية :
    أ : هو أنّه سبحانه جعل شريعته موَيّدة لا تُنسخ أبداً ، وجعل الاِمامة في ذريّته إلى قيام السّاعة ، ولم يُقدَّر ذلك لغيره.
    ب : انّاللّه عزّوجلّ أعطاه الشفاعة في الخلق. ولم يعطها إلى نبي قبله.
    ج : انّالاَنبياء قبله بطلت معجزاتهم من بعدهم ، ومعجزة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهي « القرآن » ثابتة موَيّدة لا تفنى أبداً إلى حين زوال أحكام الدنيا. (2)

9 ـ في أنّ الشريعة موافقة للحكمة
    إنّ الحكمة والفلسفة العقليّة ، هي والحكمة الشرعيّة سواء ، لاَنّ اللّه سبحانه خلق في عباده حكماء ، وعقلاء ، ومحال أن يشرع لهم شرعاً غير محكم وغير معقول ، ولا يبعث برسالته وشرعه إلاّ حكيماً عاقلاً مدركاً مبيّناً لِما تحتاجه العقول ، ويكلّف لها بما يسعدها ويقوّي نورها ويعظّم خطرها. (3)


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ تاج العقائد : 97.
    2 ـ تاج العقائد : 59 ـ 60.
    3 ـ المصدر نفسه : 101.

 
10 ـ في أن الشريعة لها ظاهر وباطن
    يقول علي بن محمد الوليد : إنّالشارع قد وضع أحكام شريعته وعباداتها من الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحجّ وغير ذلك ، مضّمنة للاَُمور العقليّة والاَحكام والمعاني الاِلهيّة ، وما يتخصص منها من الاَُمور الظاهرة المشاكلة لظاهر الجسم ، والاَُمور الباطنة المشاكلة للعقل ، والنفس ، وكلُّ من حقق ذلك كانت معتقداته سالمة. (1)
    أقول : هذا المقام هو المزلقة الكبرى للاِسماعيلية الموَوّلة ، إذ كلُّ إمام وداعٍ ، يسرح بخياله فيضع لكل ظاهر باطناً ولكلّ واجب حقيقةً ، يسمي أحدهما بالشريعة الظاهرية والآخر بالباطنية من دون أن يدلّ عليه بدليل من عقل أو نقل ، فكلُّ ما يذكرونه من البواطن للشريعة ذوقيات ، أشبه بذوقيات العرفاء في تأويل الاَسماء والصفات وغير ذلك ، وكأنّالجميع فروع من شجرة واحدة. وستوافيك نظرية المثل والممثول في فصل خاص ، وتقف على تأويلاتهم.


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ تاج العقائد : 101.


--------------------------------------------------------------------------------

الاِسماعيلية والاَُصول الخمسة

4
عقيدتهم في الإمامة

    تحتل الإمامة عند الإسماعيلية مركزاً مرموقاً حيث جعلوها على درجات ومقامات وزودوا الأئمة بصلاحيات واختصاصات ، ولتسليط الضوء على عقيدتهم فيها نبحث في مقامين :

المقام الأول : الإمامة المطلقة
    إنّ درجات الاَئمّة ورتبهم لا تتجاوز عن الخمسة من دون أن تختص بالشريعة الإسلامية ، بل تعم الشرائع السماوية كلّها ، وبما أن مذهب الإسماعيلية أُحيط بهالة من الغموض عبر القرون لم يكن من الممكن أن يقف أحداً عليها إلا طبقة خاصة من علمائهم ، وكانوا يبخلون بآرائهم وكتبهم على الغير ، غير أنّ الأحوال الحاضرة رفعت الستر عن كتبهم ومنشوراتهم ، فقام المستشرقون وفي مقدّمتهم « ايفانوف » الروسي وتبعه عدد آخر من المحقّقين بنشر آثارهم ، وعند ذلك تجلّت الحقيقة بوجهها الناصع ، كما قام الكاتبان الاِسماعيليان عارف تامر ومصطفى غالب ببذل الجهود الحثيثة في نشر آثار تلك الطائفة ، فكشفا النقاب عن وجه العقيدة الإسماعيلية وبيّناها بوجه واضح خالياً من الغموض والتعقيد الموجودين في عامة كتب الإسماعيلية وإن كان بين الكاتبين اختلاف في بعض الموارد ، ونحن نعتمد في تفسير درجات الإمامة على كتاب « الإمامة في الإسلام » للكاتب عارف تامر ، وإليك بيانه :


    درجات الإمامة خمس وهي :
    1 ـ الإمام المقيم.
    2 ـ الإمام الأساس.
    3 ـ الإمام المتم.
    4 ـ الإمام المستقر.
    5 ـ الإمام المستودع.
    و ربما يضاف إليها رتبتان الإمام القائم بالقوة ، و الإمام القائم بالفعل.
    فالمهم هو الوقوف على هذه الدرجات.
    يعتقد عارف تامر في كتابه « الإمامة في الإسلام » انّ هذه الدرجات ظلّت حقبة طويلة من الزمن مجهولة لدى الباحثين إلاّ طبقة خاصة من العلماء ، أو لا أقلّ في التقية والاستتار و الكتمان.

1 ـ الاِمام المقيم
    هوالذي يقيم الرسول الناطق ويعلّمه ويربّيه ويدرجه في مراتب رسالة النطق ، وينعم عليه بالاِمدادات وأحياناً يطلقون عليه اسم « رب الوقت » و « صاحب العصر » ، وتعتبر هذه الرتبة أعلى مراتب الاِمامة وأرفعها وأكثرها دقة وسرية.

2 ـ الاِمام الاَساس
    هو الذي يرافق الناطق في كافة مراحل حياته ، ويكون ساعده الاَيمن ،

وأمين سره ، والقائم بأعمال الرسالة الكبرى ، والمنفذ للاَوامر العليا ، فمنه تتسلسل الاَئمة المستقرون في الاَدوار الزمنية ، وهو المسوَول عن شوَون الدعوة الباطنية القائمة على الطبقة الخاصة ممن عرفوا « التأويل » ووصلوا إلى العلوم الاِلهية العليا.

3 ـ الاِمام المتم
    هو الذي يتم أداء الرسالة في نهاية الدور ، والدور كما هو معروف أصلاً يقوم به سبعة من الاَئمة ، فالاِمام المتم يكون سابعاً ومتماً لرسالة الدور ، وانّ قوته تكون معادلة لقوة الاَئمّة الستة الذين سبقوه في الدور نفسه بمجموعهم. ومن جهة ثانية يطلق عليه اسم ناطق الدور أيضاً ، أي انّ وجوده يشبه وجود الناطق بالنسبة للاَدوار. أمّا الاِمام الذي يأتي بعده فيكون قائماً بدور جديد ، وموَسساً لبنيان حديث.

4 ـ الاِمام المستقر
    هو الذي يملك صلاحية توريث الاِمامة لولده ، كما أنّه صاحب النص على الاِمام الذي يأتي بعده ، ويسمّونه أيضاً الاِمام بجوهر والمتسلم شوَون الاِمامة بعد الناطق مباشرة ، والقائم بأعباء الاِمامة أصالة.

5 ـ الاِمام المستودع
    هو الذي يتسلّم شوَون الاِمامة في الظروف والاَدوار الاستثنائية ، وهو الذي يقوم بمهماتها نيابة عن الاِمام المستقر بنفس الصلاحيات المستقرة للاِمام المستقر ، ومن الواضح أنّه لا يستطيع أن يورث الاِمامة لاَحد من ولده ، كما أنّهم يطلقون عليه (نائب غيبة). (1)


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ عارف تامر : الاِمامة في الاِسلام : 143 ـ 144.

 
    والعجب انّهم عندما بحثوا موضوع الاِمامة لم يجعلوا تسلسلها من إسماعيل ابن جعفر الصادق فحسب ، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك ، وحجتهم انّ الاِمامة إذا كانت قد بدأت من هذا العهد المبكر فتكون محدثة ولا يقوم وجودها على أساس (1) ، فذهبوا إلى عهد بدء الخليقة المعروف من عصر آدم إلى يومنا هذا ، ثمّ أضافوا إلى ذلك قولهم بالاَدوار والاَكوار ، فقد جعلوا كل دور يتألف من إمام مقيم ورسول ناطق أو أساس له ، ومن سبعة أئمة يكون سابعهم متم الدور ، ويمكن أن يزيد عدد الاَئمّة عن سبعة في ظروف أُخرى وفي فترات استثنائية ، وهذه الزيادة تحصل في عداد الاَئمّة المستودعين دون الاَئمّة المستقرين ، أمّا الدور فيكون عادة صغيراً وكبيراً ، فالدور الصغير هو الفترة التي تقع بين كلّ ناطق وناطق يقوم فيها سبعة أئمّة. أمّا الدور الكبير فيبتدىَ من عهد آدم إلى القائم المنتظر الذي يسمّى دوره الدور السابع ، ويكون بالوقت ذاته متماً لعدد النطقاء الستة.
    فلاَجل عرض صورة عن عقائدهم في مجال تسلسل الاِمامة من عصر أبينا آدم إلى يومنا هذا سوف نأتي بالجداول التي استخرجها ، عارف تامر في كتاب « الاِمامة » ومصطفى غالب في كتاب « تاريخ الدعوة الاِسماعيلية ».
    يقول عارف تامر : إنّ هذا الموضوع من أدق المواضيع وأصعبها ، بل هو بالحقيقة من الدعائم المتينة في عقائد الاِسماعيلية ، وقد يبدو لكل باحث فيها انّ دعاتها حافظوا على سريته التامة طيلة العصور الماضية وجعلوا معرفته مقتصرة على طبقة خاصة من العلماء والدعاة. (2)
    و سوف توافيك تلك الجداول تحت عنوان « شجرة الاِمامة الاِسماعيلية » في الفصل الحادي عشر فانتظر.


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ ماذا يعنون من هذه الجملة ، هل الاِمامة أمر أزلي ، أو الاِمام موجود قديم مع تضافر البراهين على حدوث ما سوى اللّه سبحانه؟!
    2 ـ الاِمامة في الاِسلام : 141.

 
المقام الثاني : في الإمامة الخاصة
    قد تعرفت على نظام الإمامة في مذهب الإسماعيلية ولكن المهم هو الوقوف على ملامح الإمامة عندهم بصورة عامة ، وقد تصدّى لذكرها الداعي اليمني علي ابن محمد الوليد في كتابه « تاج العقائد » ونحن ننقل منه ما يبيّن عقيدتهم في ذلك :

1 ـ صاحب الوصية أفضل العالم بعد النبي في الدور
    إنّ صاحب الوصية هو الذي جوهره لاحق بجوهره ، وكماله مشتق من كماله ، وإنّ معاني أقواله ورموز شريعته وأسرار ملته وحقائق دينه توجد عنده ، ولا تتعداه ، ولا توَخذ إلاّ منه ، وانّه المبرهن عن أغراضه ، والمفصح لاَقواله ، المبين لاَفعاله ، القائم بالهداية بعده لمن قصد المعرفة لما جاء به ، والحافظ لشريعته من الآراء المختلفة ، وبذلك كان وصياً ، ولا يوجد في الاَصحاب من يقوم مقامه ، ولا يسد مسده في حفظ معاني تكليفه الذي أخذه عن باريه مع ما يوجد فيه من الطهارة ، وصدق القول ، وزكاة النفس ، والاحتواء على العلوم ، والقربة منه في الطبع ، والجوهر ، والسابقة ، والصحبة ، و الاَصل. (1)

2 ـ في أنّ الإمامة في آل بيت رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
    يُعْتقد انّ الإمامة في آل بيت رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من نسل علي وفاطمة فرض من اللّه سبحانه أكمل به الدين فلا يتم الدين إلاّ به ، ولا يصحّ الاِيمان باللّه والرسول إلاّ بالاِيمان بالاِمام وا لحجّة ، ويدل على فرض الاِمامة إجماع الاَُمّة على أنّ الدين والشريعة لا يقومان ولا يصانان إلاّ بالإمام ، وهذا حقّ لاَنّه سبحانه لا يترك الخلق سدى. ولا يمنعهم هذه الفريضة التي لا تسوغ الهداية إلاّ بها.


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ تاج العقائد : 65.


    وإنّ الرسول نص على ذلك نصاً تشهد به الاَُمة كافة بقوله : « الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا ، وأبوهما خير منهما » ، ولم يحوج الاَُمّة إلى اختيارها في تنصيب الاِمام ، بل نص عليها بهذا لاَنّ بالإمامة كمال الدين.
    فلو أنّ الرسول تركها حتى تكون الأمة هي التي تفعلها ويتم بما فعلوه (في) دين اللّه بقولهم انّ الرسول لم ينص على الوصية ولا استخلف أحداً لخرجت الإمامة عن أن تكون فرضاً على الأمة ، وكان سبيلها سبيل الولاة في كلّ زمان ، القائمين بأُمور الناس.
    إلى أن قال : وقد اعترف المخالفون انّ إمامة الثلاثة ليست بنص ، لاَنّهم قد جحدوا النص والوصية وفيما جرى في السقيفة من الأصول ما يجب للعاقل أن يفكر فيه وغير معيوب على المتخلّف عن بيعتهم والخلاف لهم فيها إذ كان الحال فيما تقرّر مشهوراً غير مستور ، والعودة إلى الحقائق أولى لمن يعتمد عليها إذا كان طالباً للهداية مع ترك التعصب. (1)

3 ـ في أنّ الاِمامة وارثة النبوة والوصاية
    الاِمام يرث من النبوة الظواهر والاَحكام وجري الاَُمور على ما علمه من النظام.
    ويرث من صاحب الوصاية المعاني التي ورثها عن النبوة ، ليكون الكمال موجوداً لقاصده ، ومسلماً في شريعته التي جعلها عصمة لمن التجأ إليها ، وطهارة لمن التزم قوانينها وسار على محجَّتها ، فتسلم له دنياه ويفوز في عقباه بالتجائه إلى من عنده علم النجاة وحقيقة الشريعة السالمة من كلّتغيير وتمويه مع سلامة


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ المصدر نفسه : 65 ـ 66.

 
توحيده لباريه. (1)
    أقول : ولا يذهب عليك أنّ الاِمام على هذا أفضل من النبي كما هو أفضل من الوصي ، لاَنّ الاِمام جامع للمنقبتين ظاهر الشريعة وباطنها ، إلاّ إذا كان النبي رسولاً فهو جامع أيضاً للمنقبتين ، ولا أدري من أين لهم هذه الضوابط والقواعد ، وما هو الدليل على هذا التقسيم؟!

4 ـ في انقطاع الوصاية بعد ذهاب الوصي
    يُعْتقد أنّ الوصي إنّما يوصيه الرسول على معالم شريعته ، وأسرار ملّته ، وعيون هدايته ، وحقيقة أقواله ، وحفظ أسراره ، فإذا قام بها ومضى إلى دار كرامته استحال قيام وصي ثان بعده ، لاَنّ الشريعة لم تتغير ، ولا ذهبت فتأتي أوامر جديدة تحتاج إلى من يوصّى بحفظها والقيام بمعانيها وضبط أحوالها ، فلهذا كان انقطاع الوصية بعد مضي الوصي الذي خلّفه الرسول في العالم. (2)

5 ـ في استمرار الاِمامة في العالم دون النبوة والوصاية
    يُعْتقد : انّالاِمامة مستمرة الوجود في الاَدوار جميعها ، من أوّلها إلى آخرها ، لاَنّ الاِمام هو الوارث لما جاء به النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الشرع والوصي على البيان ، لكونه حافظاً في الاَُمة على الهداية التي ورثها منهما ، ولمّا كان أمر الرسول والوصي جارياً على أهل الدور من أوّله إلى آخره ، كان من ذلك حفظ درجة الاِمامة على الدور بالاستمرار ، والتوالي ، إذ لم يبق زيادة تستجد فتحتاج إلى منزلة مستجدة ، فكانت هداية موروثة منسوبة إلى أصل الدور ، ومعلم الشريعة والبيان ، فلا تزال هذه


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ تاج العقائد : 66.
    2 ـ المصدر نفسه : 68.

 
الحالة مستمرة إلى حين تأذن الحكمة الاِلهية بتجديد شريعة ثانية ، وأمر يحتاج العالم إليه لحفظ نظامه ، ولمّا كانت هذه الشريعة ، أي شريعة محمد ، لا تنسخ ، ولا يفقد حكمها حتى قيام الساعة ، بقيت الاِمامة فيها موجودة ، ومحفوظة إلى حين قيام الاَشهاد ، ويوم التناد ، فلهذا استمرت الاِمامة في العالم دون النبوة ، والوصاية. (1)
    وعلى هذا فكلّ إمام غائب أو حاضر بعد الاِمام الصادق يساوي في الفضل والعلم والكمال الاِمام المنصوص في يوم الدار ويوم الغدير ، فالاِمام الحاضر ، أعني به : كريم آغا خان ، تساوي كفته في معالي الاَُمور كفّة الاِمام علي بن أبي طالب (عليه السّلام) فيقوم بنفس ما يقوم به الاِمام.
    ياتُرَى ما هذا الجور في القضاء والاعتساف في الحكم ، فكيف يكون الاِمام المذكور إماماً عالماً محيطاً بالشريعة وواقفاً على أسرارها مع أنّه تلقى علومه الاَوّلية في مدارس سويسرا فأتقن الانكليزية والفرنسية والاِسبانية كما درس اللغة العربية وبعد أن أكمل تحصيله في سويسرا انتسب إلى جامعة هارفرد الاَمريكية؟!! (2)
    والاِمام الذي يتلقّى العلوم الظاهرية في المدارس والجامعات كيف يكون واسطة في الفيض ، واقفاً على الاَسرار ، وإماماً يعادل في التقى والعصمة والعلم والفضل الاَئمّة المعصومين المنصوبين من قبل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ؟!
    وكأنّي بابن المعرة يقول :

فيا موت زر إنّالحياة ذميمة
 
 و يا جد جدي ان سعيك هازل
 


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ تاج العقائد : 69.
    2 ـ راجع تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 403.

 
6 ـ في أنّ الاِمام لا تجوز غيبته من الاَرض
    إنّ الاِمام لا تجوز غيبته عن الاَُمة بوجه ، ولا بسبب ، وإن حدثت فترة فتكون خواص شيعته على اتصال به ويعرفون مقامه ، ويدلّون من خلصت نيته إلى مقره.
    والغيبة لا تخلو من ثلاث خصال :
    1 ـ أن تكون غيبته من قبل اللّه.
    2 ـ أن تكون من قبل نفسه.
    3 ـ أن تكون من قبل الناس وخيفة من أعدائه.
    فباطل أن تكون الغيبة من قبل اللّه ، لاَنّذلك لا يليق بالحكيم العادل.
    وإذا رجعنا إلى نفسه فلا نجدها من قبلها ، لاَنّه معصوم من الخطايا وفرض ولايته يوجب حضوره.
    وإن كان من قبل الناس ، فقد شكّ في دين اللّه ، لاَنّ اللّه نصبه وتكفل إيصال الهداية إلى الاَُمة به ، وعرّفه أنّه لا يخرج من العالم حتى يورث مقامه هادياً مثله.
    إذن فليس لخوفه من الناس وجه.
    إلى أن قال : والاِمام هوالحاكم بين عباد اللّه ، الموهوب له الحكم من الحكيم الخبير والنائب في خلافته على الخلق ، الوارث الاَرض ، والمتصرف بأحكامها ولا يجب زواله ولا عدمه بوجه من الوجوه. (1)
    أقول : إنّ المراد من الغيبة ليس هو الغيبة عن عالم الوجود كما تصوّره ذلك الكاتب ، بل المراد من الغيبة هو الغيبة عن أعين الناس ، فهو يبعث بين الناس فيعرفهم ولا يعرفونه ، لا أنّه يخرج من الدنيا ويعيش في عالم آخر يباين ذلك العالم ، وهذا يعرب عن أنّالداعي لم يرجع إلى كتب الاِمامية الاثني عشرية ، وهو مع ذلك يتصرف في الأمور حسب مصالح الناس وإن كان الناس لا يعرفونه ، ويتشرف بحضوره ويتمتع بلقائه من هو أهل لذلك وإن كان يكتمه ولا يظهره إلاّ للخاصة من الناس.


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ تاج العقائد : 69 ـ 70.


    هذا هو القرآن الكريم يعرّف لنا ولياً من أوليائه سبحانه ، كان يعيش بين الناس ويركب سفينتهم ويتصرف فيها أمام أعينهم وهم لا يعرفونه ويتصرف في أُمور أشد من ذلك يقتل غلاماً معصوماً بإذن من اللّه ولا يُلاحَق ، ويبني جداراً في حال الانقضاض تحته كنز ليتيمين لغاية الستر عليه حتى يستخرجا كنزهما رحمة من ربه يقول سبحانه :
    « أَمّا السَفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُّ أَنْ أَعِيبَها وَ كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً * وَ أَمّا الغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُوَْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً * فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً * وَأَمّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينةِ وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَ كانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَ يَسْتَخْرِجا كَنْزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ » . (1)
    وقد غاب عن أعين الناس على وجه لم يكن الرسول موسى (عليه السّلام) عارفاً به ، وإنّما عرفه بتعريف من اللّه سبحانه.
    فلماذا لا تكون غيبة الاِمام بهذه الصورة ، أي يكون غائباًعن أعين الناس ولكن متصرفاً في مصالحهم ويلتقي مع خيار أُمته؟
    هذا وانّ لاَصحابنا كتباً ورسالات حول غيبة الاِمام الثاني عشر كشفوا فيها علل الغيبة ومصالحها وفوائدها ، فمن أراد فليرجع إليها. (2)


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ الكهف : 79 ـ 82.
    2 ـ لاحظ ، كمال الدين للشيخ الصدوق ، الغيبة للشيخ الطوسي ، ومنتخب الاَثر للعلامة الصافي.

 
7 ـ في الوصية بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى الوصي
    يعتقد بوصية الرسول إلى علي بن أبي طالب (عليه السّلام) من اثني عشر وجهاً ، منها :
    1 ـ قول النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : « لا يحل لامرىَ مسلم أن يبيت ليلتين إلاّو وصيته مكتوبة عند رأسه ».
    2 ـ إجماعنا على أنّالرسول استخلف علي في المدينة في غزوة تبوك مقتدياً باستخلاف موسى لاَخيه هارون عند مضيه لميقات ربه ، وفي هذا الاستخلاف قال له : « يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي ».
    3 ـ حديث الدار والاِنذار وقد ذكره المفسرون في تفسير قوله سبحانه : « وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الاََقْرَبينَ » (1). (2)
    أقول : والعجب انّه لم يذكر حديث الغدير الذي اتفقت الاَُمّة على نقله!!

8 ـ في قعود علي عن الخلافة
    ويعتقد انّ قعود الوصي بعد الوصية لم يكن عن عجز ، ولا تفريط ، و ذلك لاَنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد أعلمه عن دولة المتغلبين ، وعقوبة اللّه عزّ وجلّ لهم في ذلك بقوله : « إنّ لك يا علي في أُمّتي من بعدي أمر ، فإن ولّوك في عافية ، وأجمعوا عليك في رضى ، فقم بأُمورهم ، وإن اختلفوا واتبعوا غيرك ، فدعهم وماهم فيه ، فإنّ اللّه سيجعل لك مخرجاً ».
    فلمّا قام أمير المؤمنين في يوم الجمل وصفين والنهروان قام في الوصية أيضاً لقول الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : « يا علي تقاتل بعدي الناكثين والمارقين والقاسطين ».


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ الشعراء : 214.
    2 ـ تاج العقائد : 60 ـ 64.

 
    فليت شعري من هوَلاء الذين نكثوا ومرقوا وقسطوا حتى قاتلهم ، هل هم غير أُمّة محمد الذين نكثوا بيعة وصيّه ومرقوا عن أمره ، وقسطوا وأظهروا الاَحقاد الكامنة له ولاَهل بيته بالرغم من أوامر الرسول إليهم. (1)

9 ـ في فساد إمامة المفضول
    يعتقد فساد إمامة المفضول وإبطال إمامة المشرك الناقض لقوله عزّوجلّ : « وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَإِنّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قالَوَمِنْ ذُرِّيَّتي قالَلا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمينَ » . (2)
    فجلّثناوَه وتقدّست أسماوَه بيّن أنّ عهد الاِمامة وخلافة اللّه تعالى لا تلحق من أشرك باللّه طرفة عين ، وإنّما يكون ميراثها في الطاهرين المصطفين العلماء ، لقوله تعالى : « ثُمَّ أَورَثْنَا الكِتابَ الّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبيرِ » . (3)
    وقوله : « أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون » . (4)
    وقد ثبت انّ كلّ من دخل في الاِسلام من الجاهلية فقد عبد الاَصنام وتدنس بالشرك مع ما كانوا يفعلون برسول اللّه أيام حياته ممّا هو مشهور غير خفي.
    و توقف كلّ واحد منهم بعده وحاجتهم إلى علم علي مع طهارته واصطفائه عليهم في حالتي العلم والجسم ، وكونه لم يسجد لصنم ، ولا توقف عن أمر محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا كانت له سابقة في الجاهلية ، ولا أشرك في اللّه طرفة عين ، ولا تحمّل ، ولا كذب ، ولا داهن ، ولا مال إلى مفضول ، بالرغم من ميل الغير عنه إلى كل مفضول ، مع إقرار المفضول على نفسه بقوله : « ولّيت عليكم ولست بخيركم »


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ المصدر نفسه : 72.
    2 ـ البقرة : 124.
    3 ـ فاطر : 32.
    4 ـ يونس : 35.

 وغير ذلك من قوله : « فإن غلطت فردّوني ، وإن اعوججت فقوّموني ، فإنّ لي شيطاناً يغريني ». فليت شعري على أي شيء اعتمدوا بتقديم من قدّموه دون نص ، أو وصية ». (1)

  
10 ـ في إبطال اختيار الاَُمّة للاِمام
    ويعتقد انّ اختيار الاَُمّة لنفسها الاِمام غير جائز ، لاَنّ إقامة الحدود على الاَُمّة هي للاِمام ، ففيها بعض رسوم الشريعة المبسوطة إلى الاِمام ، من دون الاَُمة ، فإقامة الاِمام الذي تتعلّق به كلّ أُمور الشريعة ، لاَنّه صاحب المقام العظيم ، والمستخلف أولى أن يكون بأمر اللّه ، وإذا كان إقامة الاِمام بأمر اللّه كان من ذلك الاِيجاب بأنّ الاختيار من الاَُمّة باطل.
    وانّ صحّة العلم انّ المختار للاِمامة لا يكون إلاّ بعد الاِحاطة بجميع ما يحتاج إليه في الاِمامة من علم الشريعة والكتاب والاَحكام ، ثمّ العلم بأنّ ما عرف ممّا يحتاج إليه في الاِمامة موجود فيمن يختاره هوكاف فيه. (2)

11 ـ في أنّ كلّ متوثب على مرتبة الاِمام فهو طاغوت
    ويعتقد انّ كلّ من دفع الاِمام عن مقامه ومنزلته وعانده بعد وصية النبي له في كلّ عصر وزمان ، إنّما هو المشار إليه باسم الطاغوت ، وهو رئيس الجائرين


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ تاج العقائد : 75 ـ 76.
    2 ـ تاج العقائد : 76.

 
الحائدين عن أمر الرسول ، المعنيّ بالظالم ، الذي توجهت إليه الاِشارة وإلى أمثاله في كلّ دور : « وَيَوْمَ يَعَضُّ الظّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَني اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسولِ سَبيلاً » . (1) إلى قوله تعالى : « لَقَدْ أَضَلّني عَنِ الذِّكْرِ بعْدَ إِذْ جاءَني وَكانَ الشيطانُ لِلاِنْسانِ خَذُولاً » . (2)
    فالطاغوت هو رئيس الجائرين المعتدي على المنصوص عليه ، والشيطان معاضده على الباطل القائم في نصرته المنمِّق للاَحاديث الكاذبة ليصرف وجوه الناس إليه ، ويصدّهم عن أمر اللّه ورسوله بالكون معه ، والطاعة له ، وإذا نظروا إلى ما تضمّنته الشريعة ، يتبين لهم الاَمر على جليته ، وتنفتح لهم طرق الهداية ويقع الانتباه ويزول الهوى ويشملهم التوفيق في قصدهم. (3)

12 ـ في أنّ الاَرض لا تخلو من حجّة للّه فيها
    يعتقد انّ الاَرض لا تخلو من حجّة للّه فيها : من نبي ، أو وصي ، أو إمام يقوم المسائل ، ويقيم الحدود ، ويحفظ المراسيم ، ويمنع الفساد في الشرع ، ويقبل الاَعمال ، ويزكّي الاَفعال ، وتقام به الحجة على الطالب ، ويزيل المشكلات إذا حلت على المتعلمين ، ويركز الاَُمة بعد غيبة نبيها ، إذا كان شخصه غير مستقر البقاء في العالم ، محفوظ النسب ، معروف الولادة ، متبِع دينَ آبائه ، لا يرجع عن أقوالهم ، ولا يقدم غيرهم ، ولا يكون مأمون خلاف غيره ، ولا مشير في الفضيلة إلى سواه ، متبوع لا تابع ، مقصود لا قاصد ، مرغوب في حكمه ، وصحّة أفعاله ، وتعاليمه ، وهدايته ، لاَنّ الرسول جعله دليلاً للمتعلم ، ونجاة للحائر. (4)


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ الفرقان : 27.
    2 ـ الفرقان : 29.
    3 ـ تاج العقائد : 78 ـ 79.
    4 ـ تاج العقائد : 70 ـ 71.

 
    أقول : إنّ ما ذكره من أنّ الاَرض لا تخلو من حجة للّه حق ، ولكن السبب ليس ما جاء في كلامه من إقامة الحدود ، وحفظ المراسم ، ومنع الفساد؛ فإنّ ذلك يقوم به سائر الولاة أيضاً ، وإنّما الوجه انّه الاِنسان الكامل وهو الغاية القصوى في الخلقة ويترتب على وجود ذلك الاِنسان الكامل بقاء العالم بإذن اللّه سبحانه وآخره لحصول الغاية وإلى ذلك يشير الحديث النبوي :
    « أهل بيتي أمان لاَهل الاَرض ، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الاَرض ». (1)
    وقوله : (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعلي (عليه السّلام) : « إنّي وأحد عشر من ولدي وأنت يا علي رزّ الاَرض ـ أعني أوتادها وجبالها ـ بنا أوتد اللّه الاَرض أن تُسيخ بأهلها فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الاَرض بأهلها ولم ينظروا ». (2)
    وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : « أهل بيتي أمان لاَهل الاَرض ، فإذا هلك أهل بيتي جاء أهل الاَرض من الآيات ما كانوا يوعدون ». (3)
    وقال الاِمام أمير الموَمنين (عليه السّلام) : « اللّهمّ بلى لا تخلو الاَرض من قائم للّه بحجّة إمّا ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً ». (4)

13 ـ منع المبتدي عن الكلام
    ويُعتقد انّ منع المبتدي عن الكلام في الدين ، صفات ، واقتداء بأفعال اللّه ، وذلك انّ اللّه سبحانه وتعالى قادر على أن يجعل الطفل يتكلم عند خروجه وولادته ، وإنّما تأخر عن الكلام لحكمة أوجبها لتكون لاَبويه عنده فضيلة التنطيق ، والتلقين ، والتعليم ، وكذلك المبتدي يمنع من المجادلة ، والنطق بما يشق على


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ الشريف الحضرمي : رشفة الصادي : 78 ، الصواعق المحرقة : 233 ـ 234.
    2 ـ الغيبة : 99 ، عنه البحار : 36/259 ح79.
    3 ـ الصواعق المحرقة : 150.
    4 ـ نهج البلاغة : 497 ، قسم الحكم ، الحكمة رقم 147.

 
غيره ، ومتى تعلم من شيخه أو معلّمه القائم له مقام الصورة ، فيعلمه الاَُصول التي يجب الاحتياط بها نموذجاً يحتذى عليه في خطابه ، وكلامه فيما يجب الاحتياط له. (1)

14 ـ في أنّالقرآن لا ينسخه إلاّقرآن مثله
    ويعتقد انّ القرآن لا ينسخه إلاّ قرآن مثله ، والدلالة على ذلك موافقة السنّة للكتاب ، قال اللّه تعالى : « وإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَ اللّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ » . (2) قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في خطبة الوداع : « لا يقولنّ عليَّ أحد منكم مالم أقله ، فإنّي لم أحلل إلاّ ما أحلّه اللّه في كتابه ، وكيف أُخالف كتاب اللّه وبه هداني؟ وكيف أخالف كتاب اللّه وبه هداني وعليّ أُنزل؟ ». (3)

15 ـ في تخطئة القياس والاستحسان
    لا ترخّص الشيعة قاطبة القضاء والافتاء بالقياس والاستحسان ، والرأي غير المستنبط من الكتاب والسنّة ويظهر من الداعي علي بن محمد الوليد ، اتّفاق الاِسماعيلية على منع العمل به قال :
    إنّ الخطأ ، القول بالرأي ، والقياس ، والاجتهاد والاستحسان ، بدليل قوله تعالى : « وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتِكُمُ الكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلى اللّهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلى اللّهِ الكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ » . (4)
  


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ تاج العقائد : 181.
    2 ـ النحل : 101.
    3 ـ تاج العقائد : 98.
    4 ـ النحل : 116.

 
 وقال اللّه عزّوجلّ : « وَ قالُوا لَنْ تَمَسَنّا النّارُ إِلاّ أَيّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ » . (1) فالقائل في الدين برأيه واجتهاده قائل عن اللّه مالا يعلم.
    قال النبي : « اتبعوا ولا تبدعوا ، فإنّ البدعة رأس كلّضلالة ، وكلّ ضلالة في النار ».
    وقال عبد اللّه بن جعفر بن محمد : « إيّاك وخصلتان فيهما هلك من هلك ، إيّاك أن تكتفي برأيك ، أو تدين بمالا تعلم ».
    وقال (عليه السّلام) : « إيّاك والقياس ، فإنّ أوّل من قاس إبليس فأخطأ في قوله : « قالَ ما مَنَعَكَ أَلاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَني مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِين » (2) ».
    فالدين لا يصح إلاّ بالاقتداء والاتباع للكتاب والسنّة ، والرضا ، والتسليم ، إلى الهادي الذي عرفناه ، ورضيناه من غير ابتداع ، ولا قول برأي ولا قياس ، ولا تقليد سلف.
    قال رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : « الاَُمور ثلاثة : أمر قد بان لك رشده فاتبعه ، وأمر بان لك غيّه فاجتنبه ، وأمر أشكل عليك فرده إلى أهله ».
    وقال الاِمام جعفر بن محمد لاَبي حنيفة النعمان القائل بالرأي والقياس : « يا نعمان بلغني انّك تعمل بالقياس ، فأخبرني إن كنت مصيباً : لم جعلت العين مالحة ، والمنخران رطبان ، والاَُذنان مرّتان ، واللسان عذب؟ » قال : لا أدري ، فأخبرني جعلت فداك؟ فقال الصادق : « العين مالحة لاَنّها شحمة ، ولا تصلحها إلاّ الملوحة؛ والاَنف رطب لاَنّه مجرى الدماغ والنفس؛ والاَُذن مرّة لقتل الدواب ، متى دخلتها؛ وجعل اللسان عذب ليعرف به طعوم الاَشياء. يا نعمان إذا لم تعرف ما جعله اللّه في بنيتك ، وأحكمه في صورتك لتمام منافعك ، فكيف تقيس على دين اللّه عزّوجلّ؟! »


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ البقرة : 80.
    2 ـ الاَعراف : 12.

 فقال : أخبرني جعلت فداك ، لم تقضي الحائض الصيام دون الصلاة؟ فقال (عليه السّلام) : « لاَن الصلاة تكرر » قال : أخبرني لم وجب الغسل من الجنابة ، و الوضوء من الغائط؟ قال : « لاَنّ الجنابة تخرج من جميع الجسد ، بينما الغائط من مكان واحد » قال : أخبرني لم فضّل الرجل في الفرائض على الامرأة مع ضعفها ، وقوته؟ قال : « لاَنّ اللّه تعالى جعل الرجال قوامين على النساء ، ينفقون عليهن » ، فقال أبو حنيفة : « اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ » . (1)
    فترك القياس سعادة للمكلّف ، وضبط له عن الخوض في دين اللّه برأي النفس ، والهوى الغالب ، فإنّ أصل الشريعة ليس بقياس ، لاَنّه أخذ عن اللّه تعالى بتعليم الملك ، وأخذ من الرسول بتعليم دون قياس ، وأخذ من الوصي بتعليم النبي ، وأخذ من الاِمام بتعليم الوصي ، وأخذ الرجال بتعليم الاِمام دون رأي من يرى ، وقياس من قاس ، واجتهاد من اجتهد ، بالظنون الكاذبة ، والرأي ، والآراء المتناقضة. (2)


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ الاَنعام : 124.
    2 ـ تاج العقائد ومعدن الفوائد : 82 ـ 84.


--------------------------------------------------------------------------------

الإسماعيلية والأصول الخمسة

5
عقيدتهم في المعاد وما يرتبط به

    المعاد بمعنى عود الاِنسان إلى الحياة الجديدة من أُسس الشرائع السماوية وهي حقيقة لا تنفك عن الاِيمان باللّه ، لذا نرى أنّ أصحاب الشرائع اتّفقوا على وجود المعاد بعد الموت : « وَ أَنَّ اللّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُور » . (1) ولولا القول بالمعاد لما قام للدين عمود ، ولا اخضرّ له عود.
    نعم ، اختلفوا في كونه جسمانياً أو روحانياً وعلى فرض كونه جسمانياً فهل الجسم المعاد جسم لطيف برزخي أوجسم عنصري؟
    والاِمعان في الآيات الواردة حول المعاد يثبت الاَخير بلا شك ، فهلمّ معي ندرس عقيدة الاِسماعيلية في المعاد وكيفيته.

1 ـ في أنّ المعاد روحاني لا جسماني
    قال الكرماني ـ بعد بيان النشأة الاَُولى في الدنيا ـ : ثمّ اللّه ينشأ النشأة الآخرة ، بقوله تعالى : « وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الاَُولى ـ التي هي خلق أجسامكم من قبيل جسمكم ـ فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ » (2) فهلا تتفكرون وتوازنون وتعلمون انّ النظام في الخلق والبعث واحد ، وانّ النشأة الآخرة هي خلق الاَرواح وإحياوَها بروح


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ الحج : 7.
    2 ـ الواقعة : 62.

 
القدس على مثال النشأة الاَُولى. ثمّ إنّه أفاض في الكلام ومحصّله : كما أنّ الاِنسان في عالم الاحشاء يكتسب آلات ليحس بها الكمالات عند مصيره إلى عالم الدنيا ، فهكذا هو في عالم الجسم والدنيا يكتسب آلات ليلتذ بها عند مسيره إلى عالم الآخرة ، فكما أنّه يستغني عند مسيره من عالم الاحشاء إلى عالم الحس عمّ ـ ا فيها ، فهكذا عند مسيره من عالم الحس إلى عالم الآخرة وإليك عبارته :
    ولما كان الاَمر في وجود النفس وكمالها كالاَمر في جسمها كما نطق به الكتاب الكريم ، فالاِنسان ينتقل من رتبة النطفية إلى رتبة العلقية ، و من رتبة العلقية إلى رتبة المضغية ومن رتبة المضغية كذلك أن يحصل له الآلات من عين وأُذن ويد و رجل وأنف ولسان وغير ذلك من الاَُمور ليقوم بالفعل بها عند مصيره إلى عالم الحس إذ كان وجودها له في تلك الظلمات وضيق الاَحشاء لا لها ، بل لفسحة الدنيا وما فيها فيكون ما يلتذ به أو يألم بحسب ما اكتسب في الاَحشاء من الآلات ، فهكذا وجودها في جسمها لا له بل لذاتها التي تليق بعالم آخر إليه مصيرها وعند مفارقة الجسم من جسمها مصيراً إلى الآخرة التي إليها إنهاوَها كمفارقة جسمها الاَحشاء مصيراً إلى عالم الحس الذي إليه وروده وتكون ذاتها في آخرتها لذاتها آلة تجد بها الملاذ كالجسم الذي هو لها في دنياها آلة تجد بها الملاذ ، وما يحصل لها من روح القدس في ذلك العالم كالروح الحسي الذي يحصل للجسم في هذا العالم. (1)
    ومن تأمل فيما أفاض يذعن بأنّ المعاد عندهم روحاني لا جسماني ، وقد صرح بذلك أيضاً الداعي علي بن محمد الوليد ، وقال : ويعتقد انّ اللّه تعالى دعانا على ألسنة وسائطه بقبول أمره ، إلى دار غير هذه الدار فهذه الدار صورية وتلك مادية ومابينهما صوري ومادي. (2)


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ راحة العقل : 361 ، المشرع 13.
    2 ـ تاج العقائد : 165.

 
2 ـ في التناسخ
    وهو عود الروح بعد مفارقة البدن إلى الدنيا عن طريق تعلقها ببدن آخر كتعلّقها بالجنين عند استعدادها لاِفاضة الروح وله أقسام مذكورة في محلّها. (1)
    وربما ينسب القول بالتناسخ إلى الإسماعيلية ، ولكن النسبة في غير محلّها.
    يقول الداعي الكرماني : وأمّا من يرى الجزاء ، مثل محمد بن زكريا والغلاة وأهل التناسخ ، وانّه يكون في الدنيا ، فمن اعتقادهم انّهذه الاَنفس لها وجود قبل أشخاصها بخلاف اعتقاد الدهرية وأمثالها ممّن ينحون نحوهم الذين يقولون انّوجودها بوجود أشخاصها ، ويقولون : إنّها جوهر تتردد في الهياكل بحسب اكتسابها إلى أن تصفو وتعود ، فقد (2) أوردنا في كتابنا المعروف بـ « الرياض » و « ميزان العقل » وغيرهما من رسائلنا في فساد قولهم ما يغني سيّما ما يختص بذلك في كتابنا المعروف بـ « المقاييس » رداً على الغلاة وأشباههم. (3)
    يقول الكاتب الاِسماعيلي مصطفى غالب : ويذهب أكثر الذين كتبوا عن عقائد الإسماعيلية من القدماء والمحدثين بأنّ الإسماعيلية يقولون بتناسخ الاَرواح ، أي أنّ الروح بعد الموت تنتقل إلى إنسان آخر أو إلى حيوان أو نبات على نحو ما نراه في العقيدة البوذية أو النصيرية مثلاً ، ويمكننا بعد أن درسنا كتب الاِسماعيلية السرية والعلنية دراسة دقيقة ، أن نقول بأنّهم لا يدينون مطلقاً بالتناسخ ، بل ذهبوا إلى أنّ الاِنسان بعد موته يستحيل عنصره الترابي (جسمه) إلى ما يجانسه من التراب ، وينتقل عنصره الروحي (الروح) إلى الملاَ الاَعلى ، فإن كان الإنسان في حياته موَمناً بالإمام فهي تحشر في زمرة الصالحين وتصبح ملكاً مدبراً ، وإن كان شريراً عاصياً لاِمامه حشرت مع الاَبالسة والشياطين وهم أعداء الاِمام.


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ لاحظ شرح المنظومة للحكيم السبزواري : 312.
    2 ـ جواب لقوله : امّا.
    3 ـ راحة العقل : 364.


    والإمام نفسه يجري على جسده مثلما يجري على سائر الاَجساد بعد الموت ، حيث يتحلّل كل قسم إلى ما يناسبه ، فالجسم الترابي يعود إلى التراب ، والنفس الشريفة تعود إلى ما يجانسها ويناسبها ، فتصبح نفس الاِمام عقلاً من العقول المدبرة للعالم ، فلا تتناسخ ولا تتلاشى أي تتقمص. (1)

3 ـ في الحساب
    والحساب تابع للبعث وهو فعل يحدث عنه من النفس للنفس الثواب الذي هو الملاذ والمسار ، والعقاب الذي هو الاَلم والعذاب والغم ، وينقسم هذا الفعل إلى ما يكون وجوده في الدنيا ، وإلى ما يكون وجوده في الآخرة.
    فأمّا ما يكون وجوده في الدنيا فينقسم قسمين. ثمّ أفاض الكلام في القسمين. (2)

4 ـ في الجنة
    يقول الكرماني : إنّها موصوفة بالسرمد والاَبد ووجود الملاذ فيها أجمع ، وأنّها لا تستحيل ، ولا تتغير ، ولا يطرأ عليها حال ، ولا تتبدل ، والذي بهذه الصفة هو النهاية الاَُولة من الموجودات عن المتعالى سبحانه عن الموصوفات والصفات إبداعاً خارج الصفحة العليا من السماوات المعرب عنها بسدرة المنتهى الذي هوالمبدع الأول. (3)


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ مصطفى غالب : في مقدمة كتاب الينابيع : 16.
    2 ـ راحة العقل : 369.
    3 ـ راحة العقل : 379.

 

5 ـ في الملائكة
    إنّ الملائكة على ضروب وكلّهم قد أُهّلوا لمنافع الخليقة ، فلا يتعدى أحد منهم بغير ما وكّل به ، كما قال وأخبر عنهم : « وَ ما مِنّا إِلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ » (1)
    والجوهر فيهم واحد ، وإنّما اختلفت أسماوَهم لاَجل ما وكلوا به فمنهم من هو في العالم العقلي ، ومنهم من هو في العالم الفلكي ، ومنهم من هو في العالم الطبيعي لحفظ ارجائه ، ثمّ استدل بالآيات القرآنية.
    منها قوله : « فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ * وَ ما لا تُبْصِرونَ » (2) يعني الملائكة الذين قد أخفى سبحانه ذواتهم عن النظر ، وجعل المخلوق عن الطبائع محجوباً عنهم لا يراهم حتى يصير إمّا في منزلة النبي أو يخلص القبول من النبي بقرب الدرجة منه. (3)

6 ـ في الجن
    ويعتقد انّ في الجن ذوات أرواح نارية وهوائية ومائية وترابية ، ويعتقد انّ الجن صحيح لا ريب فيه وهم على ضروب في البقاع والمصالح والمنافع والفساد والضرر ، إلى أن قال : فمنهم من هو في ارجاء العالم ممنوع عن مخالطة بني آدم ، ومنهم من هو مخالط لبني آدم في أماكنهم. (4)


--------------------------------------------------------------------------------

    1 ـ الصافات : 164.
    2 ـ الحاقة : 38 ـ 39.
    3 ـ تاج العقائد : 45.
    4 ـ تاج العقائد : 46.


source : http://aqedaty.net
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

تاريخ امهات قادة في الدولة الاسلامية ...
الإمامة عند الشيعة الإثني عشرية
اخبار الطينة وتفسيرها
من بنی الکعبة
أسباب تخلّف المسلمین
فی العلة التي من أجلها يبتلى النبيون و المؤمنون
الحتمية التاريخية والحتمية الكونية
السقف المحفوظ
مكونات الهوية الشيعية
لغة القرآن إعراب سورة الكوثر

 
user comment