عربي
Thursday 26th of December 2024
0
نفر 0

هل الدنيا آخر المطاف

والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين

يولد الإنسان على هذه الأرض بلا اختياره، ومن دون أن يشاوره أحد في ذلك، ويكبر فيها من دون اختياره، فإذا جاءت اللحظة الحاسمة خرج من الدنيا من دون اختياره أيضاً، فيا ترى هل إنًّه سيُبعث مرة أخرى لحياة جديدة، وبلا اختياره؟!!!.

وكيف سيكون شكل تلك الحياة، وما هي ظروفها وأحوال المعيشة فيها؟.

والعجيب أن الإنسان يميل إلى الفضول وحب الاستطلاع، ويتتبع الكثير من الناس أخبار الفنانين والرياضيين، والمشاهير من مختلف الاتجاهات، ليعرفوا دقائق حياتهم، وتفاصيل خصوصياتهم، ويقبلون على شراء المطبوعات المختصة بكشف أسرارهم، وملاحقة فضائحهم.

وأما الجادون من البشر فغاصوا في أعماق المحيطات لتتبع الأحياء البحرية التي تعيش في غياهب الظلام المطبق، وأعماق المجهول. وحلقوا في الأجواء، حتى خرجوا من الغلاف الجوي، وتحرروا من جاذبية الأرض ليستكشفوا أسرار الكون المنظور. ونصبوا أدق أنواع الكاميرات وأغلاها ثمناً لرصد عملية افتراس الأسود لثور وحشي، أوالتهام النمل لجنح جرادة.

ولكن الملفت في كلِّ هذه الدوامة أننا كم خصصنا من وقتنا لنتسائل (متى سنموت؟!!)، (ماذا سيحصل لنا بعد الموت؟!!)، (ما هي العلاقة بين هذه الحياة والحياة الآخرة؟!!)، نعم هناك من ينكر الحياة بعد الموت، ويكتفي بنصيبه من الحياة الدنيا، ولكن هل كلنا كذلك، أم هي الغفلة والتساهل.

(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) ، (الحشر:19)

فعلى الرغم من جمال الدنيا، ومتاعها، إلَّا أن واحداً من أهم عيوبها أنَّ بريقها قد يأخذ ببصر الإنسان، ويشغله عن النظر إلى ما وراءها، فينجذب لها انجذاب اليافع الغر إلى المتهتكة اللعوب، يفي لها ولا تفي له، إن أضحكته مرة أبكته عشراً، وليس له من نظراتها نصيب إلا خائنة الأعين، لكثرة الراكعين تحت أقدامها، واللاهثين وراءها.

وهل رأيت عاقلاً يعب ماء البحر ليرتوي، أو يقصد السراب ليبل صداه، هيهات هيهات أبى الله للأشياء أن تحدث إلا بأسبابها، وليست الدنيا سبباً للسعادة الكاملة، ولا البقاء الدائم، وإنما هي رشفة الصادي، وزاد الساري، يأخذ منها ما خف وزنه وغلى ثمنه، وليس أثمن من الإيمان بالله سبحانه وتعالى، والعمل الصالح (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ) ، (فاطر:10)، وإنما هي سوق، ربح فيه قوم، وخسر فيه آخرون، فالرابح من خرج من السوق بالربح والزيادة، والخاسر من أنفق فيها نتاجه، وأضاع فيها رأس ماله، وخرج منها صفراً ـ والعياذ بالله ـ (فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ * وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَـئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ)، (البقرة : 200ـ 202)، فهلا نصدق أنَّا عما قريب سنلحق بأسلافنا، ونستن بسنة من كان قبلنا، فلحمنا ـ كلحمهم ـ حلال لدود القبر، وعظامنا ـ كعظامهم ـ مباحة لآفة الزمن، تنخرها كما نخرت الأولين، وسفتهم رياح الفناء شرقاً وغرباً، وجابت بهم، كما جابوا الصخر بالواد.

عسى أن يكون في مصيرهم عِبرة، أوفي خاتمتهم فاتحة عظة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

السيد عادل الحكيم


source : http://alollah.com
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

عدلُ اللهِ الشّاملْ
قلب المؤمن عرش الله
عقيدتنا في ان الامامة بالنص
كيف تكتب بحثا أو رسالة ماجستير أو دكتوراه
موقف الفكر الشيعي من الحركات الباطنية
واقعية المنهج الكلامي ودورها في مواجهة التحديات ...
الظاهر أن أهل الجنة أكثر من أهل النار
نظرية الصدفة في خلق العالم:
الآيات القرآنية المتعلقة بالخلق
مرجعية المسلمين بعد النبي صلی الله عليه وآله وسلم

 
user comment