عقيدتنا في طاعة الأئمّة
نعتقد: أنّ الأئمة هم أولو الأمر الذين أمر الله تعالى بطاعتهم، وأنّهم الشهداء على الناس، وأنّهم أبواب الله، والسبب إليه، والإدلاء عليه، وأنّهم عيبة علمه، وتراجمة وحيه، وأركان توحيده، وخزّان معرفته، ولذا كانوا أماناً لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء، على حد تعبيره صلى الله عليه وآله وسلم1.
وكذلك على حدّ قوله أيضاً: "إنّ مثلهم في هذه الأمّة كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق وهوى"2.
وأنّهم حسبما جاء في الكتاب المجيد: ﴿بَل عِبادٌ مُكرَمُونَ *لا يَسبِقُونَهُ بالقَولِ وَهُم بأمرهِ يَعمَلُون﴾3.
وأنّهم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً4.
بل نعتقد: أنّ أمرهم أمر الله تعالى، ونهيهم نهيه، وطاعتهم طاعته، ومعصيتهم معصيته، ووليّهم وليّه، وعدوّهم عدوّه.
ولا يجوز الرد عليهم، والراد عليهم كالراد على الرسول، والراد على الرسول كالراد على الله تعالى.
فيجب التسليم لهم والانقياد لأمرهم والأخذ بقولهم.
ولهذا نعتقد: أنّ الاحكام الشرعيه الالهية لا تستقى إلاّ من نمير مائهم، ولا يصحّ أخذها إلاّ منهم، ولا تفرغ ذمّة المكلَّف بالرجوع إلى غيرهم، ولا يطمئنّ بينه وبين الله إلى أنّه قد أدّى ما عليه من التكاليف المفروضة إلاّ من طريقهم.
إنّهم كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلَّف عنها غرق في هذا البحر المائج الزاخر بأمواج الشبه والضلالات والادّعاءات والمنازعات.
ولا يهمّنا من بحث الامامة في هذه العصور إثبات أنّهم هم الخلفاء الشرعيون وأهل السلطة الالهية، فإنّ ذلك أمر مضى في ذمّة التأريخ، وليس في إثباته ما يعيد دورة الزمن من جديد، أو يعيد الحقوق المسلوبة إلى أهلها، وإنّما الذي يهمّنا منه ما ذكرنا من لزوم الرجوع إليهم في الأخذ بأحكام الله الشرعية، وتحصيل ما جاء به الرسول الاكرم على الوجه الصحيح الذي جاء به.
وإنّ في أخذ الأحكام من الرواة والمجتهدين الذين لا يستقون من نمير مائهم ولا يستضيئون بنورهم، ابتعاداً عن محجّة الصواب في الدين، ولا يطمئن المكلّف من فراغ ذمته من التكاليف المفروضة عليه من الله تعالى، لانّه مع فرض وجود الاختلاف في الأراء بين الطوائف والنحل فيما يتعلّق بالاحكام الشرعية إختلافاً لا يرجى معه التوفيق، لا يبقى للمكلّف مجال أن يتخيّر ويرجع إلى أي مذهب شاء ورأي اختار، بل لابدّ له أن يفحص ويبحث حتى تحصل له الحجة القاطعة بينه وبين الله تعالى على تعيين مذهب خاص يتيقّن أنّه يتوصّل به إلى أحكام الله، وتفرغ به ذمّته من التكاليف المفروضة، فإنّه كما يقطع بوجود أحكام مفروضة عليه يجب أن يقطع بفراغ ذمّته منها، فان الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.
والدليل القطعي دالّ على وجوب الرجوع إلى آل البيت، وأنّهم المرجع الأصلي بعد النبي لأحكام الله المنزلة، وعلى الأقل قوله عليه أفضل التحيات: "إني قد تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبداً، الثقلين، وأحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ألا وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض"5.
وهذا الحديث اتّفقت الرواية عليه من طرق أهل السنة والشيعة.
فدقّق النظر في هذا الحديث الجليل تجد ما يقنعك ويدهشك في مبناه ومعناه، فما أبعد المرمى في قوله: "إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبد"، والذي تركه فينا هما الثقلان معاً، إذ جعلهما كأمر واحد، ولم يكتف بالتمسُّك بواحد منهما فقط، فبهما معاً لن نضل بعده أبداً.
وما أوضح المعنى في قوله: "لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض"، فلا يجد الهداية أبداً من فرّق بينهما ولم يتمسّك بهما معاً، فلذلك كانوا: سفينة النجاة، و أماناً لأهل الأرض، ومن تخلّف عنهم غرق في لجج الضلال ولم يأمن من الهلاك.
وتفسير ذلك بحبّهم فقط من دون الأخذ بأقوالهم واتّباع طريقهم هروب من الحق، لا يلجئ إليه إلاّ التعصُّب والغفلة عن المنهج الصحيح في تفسير الكلام العربي المبين.
عقيدتنا في حبّ آل البيت
قال الله تعالى: ﴿قُل لاَّ أسألُكُم عَليهِ أجراً إلاَّ المَوَدَّةَ في القُربى﴾6.
نعتقد: أنّه زيادة على وجوب التمسّك بآل البيت، يجب على كل مسلم أن يدين بحبّهم ومودّتهم، لأنّه تعالى في هذه الآية المذكورة حصر المسؤول عليه الناس في المودة في القربى.
وقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنّ حبهم علامة الإيمان، وأنّ بغضهم علامة النفاق7، وأنّ من أحبّهم أحب الله ورسوله، ومن أبغضهم أبغض الله ورسوله8.
بل حبّهم فرض من ضروريات الدين الإسلامي التي لا تقبل الجدل والشك، وقد اتّفق عليه جميع المسلمين على اختلاف نحلهم وآرائهم، عدا فئة قليلة اعتبروا من أعداء آل محمّد، فنبزوا باسم النواصب، أي: مَن نصبوا العداوة لآل بيت محمّد، وبهذا يعدُّون من المنكرين لضرورة إسلامية ثابتة بالقطع، والمنكر للضرورة الإسلامية ـ كوجوب الصلاة والزكاة ـ يعدّ في حكم المنكر لأصل الرسالة، بل هو على التحقيق منكر للرسالة، وإن أقرّ في ظاهر الحال بالشهادتين.
ولأجل هذا كان بغض آل محمّد من علامات النفاق، وحبّهم من علامات الإيمان، ولأجله أيضاً كان بغضهم بغضاً لله ولرسوله.
ولا شك أنّه تعالى لم يفرض حبّهم ومودّتهم إلاّ لأنّهم أهل للحب والولاء، من ناحية قربهم إليه سبحانه، ومنزلتهم عنده، وطهارتهم من الشرك والمعاصي، ومن كل ما يبعد عن دار كرامته وساحة رضاه.
ولا يمكن أن نتصوّر أنّه تعالى يفرض حب من يرتكب المعاصي، أو لا يطيعه حقّ طاعته، فإنّه ليس له قرابة مع أحد أو صداقة، وليس عنده الناس بالنسبة إليه إلاّ عبيداً مخلوقين على حد سواء، وإنما أكرمهم عند الله أتقاهم.
فمن أوجب حبه على الناس كلهم لابدّ أن يكون أتقاهم وأفضلهم جميعاً، وإلاّ كان غيره أولى بذلك الحب، أو كان الله يفضّل بعضاً على بعض في وجوب الحب والولاية عبثاً أو لهواً بلا جهة استحقاق وكرامة.
عقيدتنا في الأئمّة
لا نعتقد في أئمتنا عليهم أفضل الصلاة والسلام ما يعتقده الغلاة والحلوليّون، ﴿كَبُرت كَلِمةً تَخرُجُ مِن أفواهِهِم﴾9.
بل عقيدتنا الخاصّة: أنّهم بشر مثلنا، لهم ما لنا، وعليهم ما علينا، وإنما هم عباد مكرمون، اختصّهم الله تعالى بكرامته، وحباهم بولايته، إذ كانوا في أعلى درجات الكمال اللائقة في البشر: من العلم، والتقوى، والشجاعة، والكرم، والعفّة، وجميع الأخلاق الفاضلة، والصفات الحميدة، لايدانيهم أحد من البشر فيما اختصوا به.
وبهذا استحقّوا أن يكونوا أئمة وهداة، ومرجعاً بعد النبي في كلّ ما يعود للناس من أحكام وحكم، وما يرجع للدين من بيان وتشريع، وما يختص بالقرآن من تفسير وتأويل.
قال إمامنا الصادق عليه السلام: "ما جاءكم عنّا ممّا يجوز أن يكون في المخلوقين ولم تعلموه ولم تفهموه فلا تجحدوه وردّوه إلينا، وما جاءكم عنّا ممّا لا يجوز أن يكون في المخلوقين فاجحدوه ول اتردّوه إلينا"10
*عقائد الامامية ،الشيخ محمد رضا المظفر، ص: 79-87.
1- صحيفة الامام الرضا عليه السلام: 47، عيون أخبار الرضا 2/27، فضائل أحمد: 189، المعجم الكبير 7/25، كنز العمال 12/101.
2- كمال الدين: 239، عيون الاخبار لابن قتيبة: 1، مستدرك الحاكم 2/343، المعجم الكبير 12/34.
3- الانبياء: 26 ـ 27.
4- مسند أحمد 1/330، الصواعق المحرقة: 85، تفسير الطبري 22/5، مجمع الزوائد 9/121.
5- سنن الترمذي 5/663، مسند أحمد 3/14، سنن الدارمي 2/431، المصنف 11/452، السنة لابن أبي عاصم 2/336، الطبقات لابن سعد 2/194.
6- الشورى: 23.
7- المحاسن 1/176، أمالي الصدوق: 384، مسند أحمد 1/84، صحيح مسلم 1/86، سنن الترمذي 2/301.
8- أمالي الصدوق: 384، مقتل الحسين للخوارزمي 1/109، ذخائر العقبى: 18، الصواعق المحرقة: 263، كنز العمال 12/98 و 103 و 116.
9- الكهف: 5.
10- مختصر بصائر الدرجات: 92.
source : http://almaaref.org