عربي
Tuesday 24th of December 2024
0
نفر 0

الإمامة

المقدمة
إن النبي صلى الله عليه وآله بعد هجرته للمدينة، ودفاع أهل المدينة المستميت عنه، وعن المسلمين الذين هاجروا من مكة والذين سموا بـ(المهاجرين)، بينما سمي أهل المدينة بـ(الأنصار) وضع دعائم وأسس المجتمع الإسلامي وقام بإدارته. وكان مسجد النبي صلى الله عليه وآله ملجأ للمهاجرين والمحرومين، ومعالجة قضاياهم ومشاكلهم الإقتصادية والمعيشية، إضافة إلى كونه موضعا للعبادة، ومنطلقا لنشر الرسالة الالهية وتعليم الناس وتربيتهم، ومعالجة الخصومات والمسائل القضائية، ومركزا لإصدار القرارات العسكرية، وتزويد جبهات الحرب بالعدة والعدد، وإسناد الجبهات، ومعالجة سائرالقضايا الحكومية.

وبإيجاز، كانت إدارة شؤون الناس وقضاياهم الدينية والدنيوية تتم على يد النبي صلى الله عليه وآله. وكان المسلمون يرون أنفسهم مكلفين بإطاعة تعاليم النبي صلى الله عليه وآله وأوامره، لأن الله تعالى إضافة لفرضه إطاعة الرسول المطلقة عليهم ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ ِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقّ ِ ..(المائدة:48)1، كان قد أصدر أوامر مؤكدة على ولاية الرسول صلى الله عليه وآله وقيادته للامة2 في خصوص المسائل والمجالات السياسية والقضائية والعسكرية.

وبعبارة أخرى: إن النبي صلى الله عليه وآله إضافة لمنصب النبوة والرسالة، ومنصب تعليم الأحكام وتبيينها، كان يملك منصبا إلهيا آخر، هو قيادة الأمة الإسلامية والولاية عليها، وتتفرع منها مناصب أخرى، كالقضاء والقيادة العسكرية وغيرهما.

وكما أن الدين الإسلامي إشتمل على الوظائف والتعاليم العبادية والإخلاقية، فهو كذلك إشتمل على الأحكام السياسية والإقتصادية والحقوقية وغيرها. كما كان نبي الإسلام مكلفا بوظائف التبليغ ومهام التعليم والتربية، وكذلك كان مكلفا من قبل الله بمهمة تنفيذ الأحكام والتشريعات الإلهية وتطبيقها وكان بيده زمام كل المهام والمناصب الحكومية.

ومن البديهي أن الدين الذي، يدعي قيادة البشرية كلها حتى نهاية العالم، لا يمكنه عدم الإهتمام بهذه المسائل والقضايا، ولا يمكن للمجتمع القائم على أساس هذا الدين أن يفتقد مثل هذه المهام والمناصب السياسية والحكومية، هذه المناصب والمسؤوليات التي يشملها جميعا عنوان (الإمامة).

ولكن الحديث هو عمن يقوم بهذه المهمة بعد وفاة الرسول؟ ومن الذي يعين مثل هذا الشخص في هذا المنصب؟ وهل أن الله تعالى وكما أنه هو الذي نصب النبي صلى الله عليه وآله في هذا المنصب نصب هو أيضا غيره فيه؟ وهل تتوقف مشروعية تولى هذا المنصب على إحراز التعيين الإلهي؟ أم أن هذا التعيين من قبل الله مختص بالنبي صلى الله عليه وآله وأما بعده، فعلى الناس إنتخاب الإمام وتعيينه واليا وقائدا عليهم؟

ثم هل يملك الناس حقا مثل هذا الحق في إنتخاب الإمام أم لا؟ وهذه هي النقطة الرئيسة في الخلاف بين الشيعة وأهل السنة. فالشيعة تعتقد بأن الإمامة منصب إلهي، لا بد وأن ينصب فيه الأفراد الصالحون لذلك من قبل الله تعالى، وقد قام الله تعالى بهذا التعيين بواسطة نبيه صلى الله عليه وآله حيث عين أمير المؤمنين عليا عليه السلام خليفة له من بعده مباشرة، وعين من بعده أحد عشر إماما من أولاده خلفاء من بعده.

ولكن أهل السنة يعتقدون بأن الإمامة الإلهية كالنبوة والرسالة قد إنتهت النبي صلى الله عليه واله وقد أوكل للناس مهمة تعيين الإمام من بعده، بل صرح بعض كبار علماء أهل السنة، أنه لو سيطر أحد بقوة السلاح على الناس وأمسك بزمام أمورهم، فتجب على الآخرين إطاعته (ومن الجدير بالذكر أن العلماء الكبار كتبوا في هذا المجال الكثير من الكتب و الدراسات وبمختلف اللغات، وبأساليب عديدة، ومهدوا طريق الحق للباحثين عن الحقيقة، نذكر نماذج منها أمثال: كتاب عبقات الأنوار، والغدير، ودلائل الصدق، وغاية المرام واثبات الهداة، ونحث من لم تسمح له الظروف بالتحقيق والتوسع على مطالعة كتاب (المراجعات)، وهو مجموعة من الرسائل بين عالمين من علماء الشيعة وأهل السنة، وكتاب (أصل الشيعة وأصولها)).

ومن الواضح أن مثل هذه الآراء تفتح الابواب أمام الجبابرة والطواغيت والمحتالين للتوصل إلى مطامعهم ومآربهم، وتوفر عوامل التمزق والإنحطاط والتخلف بين المسلمين. وفي الواقع، إن أهل السنة باعتقادهم بشرعية الإمامة بدون التعيين الإلهي وضعوا الحجر الأساس لفكرة عزل الدين عن السياسة.

وبإعتقاد الشيعة أن هذا الأمر هو المنعطف الخطير للإنحراف عن المسير الإسلامي الأصيل والصحيح، وعبادة الله في جميع الجوانب والأبعاد الحياتية، وكذلك كان منطلقا للآلاف من الإنحرافات الأخرى التي ظهرت من حين وفاة الرسول صلى الله عليه وآله بين المسلمين.

ومن هنا، كان من الضروري على كل مسلم البحث في هذا الموضوع بكل إهتمام، وبعيدا عن كل تقليد وعصبية ﴿وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ(التوبة:12) وأن يحاول جهده في إكتشاف المذهب الحق والدفاع عنه، ويلزم التأكيد على أننا يجب أن نضع نصب العين المصلحة العامة للعالم الإسلامي، وأن يتجنب أتباع المذاهب المختلفة التفرقة

والصراع والتناحر التي تمهد الطريق وتوفر الظروف الملائمة لأعداء الإسلام من أجل تحقيق أطماعهم والوصول لمآربهم الجهنمية.

ويلزم عدم ممارسة الأعمال التي توسع من شقة الخلاف بين صفوف المسلمين، فيتزعزع بها تلاحمهم وقوتهم تجاه الكفار، بحيث لا تعود مفاسده وأضراره الخطيرة إلا على جميع المسلمين، ولا تؤدي إلا إلى ضعف الامة الإسلامية، ولكن الحفاظ على الوحدة والتلاحم بين المسلمين ينبغي أن لا يكون عائقا ومانعا من البحث وبذل الجهود، في سبيل التعرف على المذهب الحق، وتوفير الظروف الملائمة والأجواء

الصالحة لدراسة مسائل الإمامة ومعالجتها، هذه المسائل التي يكون لمعالجتها الصحيحة دورها الفاعل في مصير المسلمين وسعادتهم في الدنيا والآخرة.

مفهوم الإمامة
الإمامة في اللغة، الرئاسة وكل من يتصدى لرئاسة جماعة يسمى (الإمام)، سواء كان في طريق الحق أو الباطل، وقد اطلق مصطلح (أئمة الكفر)، ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ(البقرة:151)3، في القرآن الكريم على رؤساء الكفار واطلق على من يقتدي به المصلون (إمام الجماعة).

والإمامة في مصطلح علم الكلام عبارة عن: الرئاسة العامة الشاملة على الأمة الإسلامية وقيادتها في جميع الأبعاد والمجالات الدينية والدنيوية.

وإنما ورد ذكر كلمة (الدنيوية) لأجل التأكيد على سعة ميدان الإمامة ومجالها، وإلا فإن تدبير القضايا الدنيوية للأمة الإسلامية وإدارتها جزء من الدين الإسلامي. وهذه الرئاسة والقيادة في رأي الشيعة إنما تكون شرعية. فيما لو كانت من قبل الله تعالى، ولا يكتسب أي شخص مثل هذا المقام أصالة (لا نيابة) إلا إذا كان معصوما عن الخطأ في بيان الأحكام والمعارف الإسلامية، ومنزها من الذنوب والمعاصي.

وفي الواقع إن الإمام المعصوم يمتلك كل مناصب النبي صلى الله عليه وآله سوى النبوة والرسالة، وكما أن أحاديثه حجة في بيان الحقائق والتشريعات والأحكام والمعارف الإسلامية، فكذلك تجب إطاعة أوامره وأحكامه في مختلف القضايا الحكومية.

ومن هنا يتبين أن إختلاف الشيعة وأهل السنة في موضوع الإمامة يدور حول ثلاث مسائل:

الأولى: لا بد من نصب الإمام وتعيينه من قبل الله تعالى.

الثانية: لا بد وأن يملك الإمام العلم الموهوب له من الله، وأن يكون مصانا عن الخطأ.

الثالثة: لا بد وأن يكون معصوما من المعصية.

ومن الواضح أن العصمة لا تختص بالإمامة، وذلك لأن فاطمة الزهراء عليها السلام باعتقاد الشيعة كانت معصومة، ولكنها لا تمتلك مقام الإمامة. كما أن مريم عليها السلام كانت تمتلك مقام العصمة، ويمكن أن يكون هناك من بين أولياء الله من بلغ مثل هذا المقام، وإن لم نطلع عليهم، والإنسان المعصوم لا يتيسر التعرف عليه إلا من طريق التعريف الإلهي.


*دروس في العقيدة الاسلامية ،إعداد ونشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية.ط1،ص177-181


1- وانظر أيضا: آل عمران: 152، والنساء:42، و59، و65، و105، والحج: 67، والاحزاب:6، 36، والمجادلة:8-9، والحشر:7.
2- الأحكام السلطانية، ابو يعلي، وترجمة (السواد الاعظم) لأبي القاسم السمرقندي، ص 40-42.
3- وانظر أيضا: آل عمران:164، والجمعة:2، والنحل:44، و64، والاحزاب:21، والحشر:7.


source : http://almaaref.org
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

اثبات وجود الله
ما هو معني عبادة الله تعالي؟
دراسة متون الروايات
حكم الوقف عند السنة
البدعة باختصار
عدم التناسخ بين النفس والبدن
إثبات قدمه تعالى و امتناع الزوال عليه
المخالفون والولاية التكوينية الإعتقادبها ولكن ...
الإمامة ومهمة بيان الدين بعد النبي
الوجاهة عند الله

 
user comment