إنّ النبي الأكرم لم يكتف بتنصيب عليّ منصب الإمامة والخلافة، كما لم يكتف بإرجاع الأمّة الإسلامية إلى أهل بيته وعترته الطاهرة، ولم يقتصر على تشبيههم بسفينة نوح، بل قام ببيان عدد الأئمة الذين يتولون الخلافة بعده، واحداً بعد واحد، حتى لا يبقى لمرتاب ريب، ولا لشاكّ شك، وقد جاء ذلك في الصحاح والمسانيد بصُوَر مختلفة نشير إليها.
1- كلهم من قريش
روى البخاري عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي يقول: "يكون إثنا عشر أميراً، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنّه قال: كلُّهم من قُرَيْش"1.
2- لايزال الإسلام عزيزاً
روى مسلم عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "لايزال الإسلام عزيزاً إلى إثني عشر خليفة، ثم قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال؟ قال: كلّهم من قريش"2.
3- لا يزال الدين عزيزاً منيعاً
و روى أيضاً عن جابر سمرة قال، انطلقت إلى رسول الله ومعي أبي فسمعته يقول: لايزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى إثني عشر خليفة، فقلا كلمة صمّنيها الناس، فقلت لأبي: ما قال؟. قال: كلّهم من قريش3.
4- لايزال الدين قائماً
وروى أيضاً عنه، قال: سمعت رسول الله يوم جمعة عَشية رجم الأسلمي، يقول: لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة، أو يكون عليكم إثنا عشر خليفة كلُّهم من قريش4.
5- لا يزال الدين ظاهراً
روى أحمد في مسنده، عن جابر قال سمعت رسول الله يقول في حجة الوداع: إنّ هذا الدين لن ظاهراً على ناواه، لا يضرّه مخالف ولا مفارق حتى يمضي من أُمّتي إثنا عشر خليفة. ثم تكلم بشيء لم أفهمه، فقلت لأبي: ما قال: قال: كلهم من قريش5.
6- لا يزال هذا الأمر صالحاً
روى أحمد في مسنده عن جابر عن سمرة قال: جئت أنا وأبي إلى النبي، وهو يقول: لا يزال هذا الأمر صالحاً، حتى يكون إثنا عشر أميراً، ثم قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي ما قال؟ قال: كلّهم من قريش6.
7- لايزال الناس بخير
وروى أيضاً عنه قال: كنت مع أبي عند رسول الله، فقال رسول الله: لا يزال هذا الدين عزيزاً، أو قال: لايزال الناس بخير "شكّ أبو عبد الصمد" إلى إثني عشر خليفة، ثم قال كلمة خفيّة، فقلت لأبي، ما قال؟. قال: كلّهم من قريش7.
فَهَلُمّ الآن إلى البحث عن هؤلاء الخلفاء الإثني عشر، حتى نعرف من هم وقد وقفت على أنّ الرسول الأكرم قد عرفهم بالخصوصيات التالية
- لا يزلا الإسلام عزيزاً إلى إثني عشر خليفة.
- لايزال الدين عزيزاً منيعاً إلى إثني عشر خليفة.
- لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم إثنا عشر خليفة.
- لايزال الدين ظاهراً على من ناواه... حتى يمضي من أمتي إثنا عشر خليفة.
- لا يزال الدين هذا الأمر صالحاً حتى يكون إثنا عشر أميراً.
- لايزال الناس بخير إلى إثني عشر خليفة.
وقد اختلفت كلمة شراح الحديث في تعيين هؤلاء الأئمة، ولا تجد بينها كلمة تشفي العليل، وتروي الغليل، إلاّ ما نقله القندوزي عن بعض المحققين، قال:
"إنّ الأحاديث الدالّة على كون الخلفاء بعده إثني عشر، قد اشتهرت من طرق كثيرة، فبشرح الزمان، وتعريف الكون والمكان، علم أنّ مراد رسول الله من حديثه هذا، الأئمة الإثنا عشر من أهل بيته وعترته، إذ لا يمكن أن يُحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه، لقلّتهم عن اثني عشر، ولا يمكن أن يحمل على الملوك الأمويين لزيادتهم على الإثني عشر، ولظلمهم الفاحش إلاّ عمر بن عبد العزيز، ولكونه غير بني هاشم لأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: كلهم من بني هاشم، في رواية عبد الملك عن جابر، وإخفاء صوته في هذا القول يرجّح هذه الرواية، لأنّهم لا يُحَسِّنون خلافة بني هاشم، ولا يمكن أن يحمل على الملوك العباسيين لزيادتهم على العدد المذكور، ولقلّة رعايتهم قوله سبجانه: ﴿قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى﴾(الشورى:23)، وحديث الكساء، فلابدّ من أن يُحمل على الأئمة الاثني عشر من أهل بيته وعترته، لأنّهم كانوا أعلم أهل زمانهم، وأجَلِّهم، وأوُرَعَهم، وأتْقاهم، وأعلاهُم نَسَباً، وأفضَلَهم حَسَباً، أَكْرَمَهِم عند الله، وكانت عُلُومهم عن آبائهم متصلة بجدّهم صلى الله عليه وآله وسلم، وبالوراثة اللَّدُنيَّة، كذا عَرَّفهم أهلُ العلم والتحقيق، وأهل الكشف والتوفيق.
ويؤيّد هذا المعنى، أي أن مراد النبي الأئمة الإثني عشر من أهل بيته، ويشهد عليه ويرجّحه حديث الثقلين والأحاديث المتكثرة المذكورة في هذا الكتاب وغيرها.
وأمّا قوله صلى الله عليه وآله وسلم: كلُّهم يجتمع عليه الأمّة، في رواية جابر بن سمرة، فمراده أنّ الأُمّة تجتمع على الإقرار بإمامة كلّهم وقت ظهور قائمهم المهدي"8.
والعجب من بعض المتعصبين حُمْلَهُ على خلفاء بني أميّة من بعد الصحابة، قال: "وليس الحديث وارداً على المدح، بل على استقامة السلطنة، وهم يزيد بن معاوية، وابنه معاوية، ولا يدخل عبد الله بن الزبير لأنّه من الصحابة، ولا مروان بن الحكم لكونه بويع بعد ابن الزبير، فكان غاصباً، ثم عبد الملك، ثم الوليد، إلى مروان بن محمد"9.
وهذا لعمري رمي للقول على عواهنه، فمن أين علم أنّه إشارة إلى إمارة غير الصحابة، مع أنّه قال: يكون بعدي. ثم ما فائدة هذا الإخبار وما حاصله؟.
أضف إلى ذلك أنّ الرسول الأكرم أناط عزة الإسلام، ومنعته، وقوام الدين وصلاح الأمّة، بخلافة هؤلاء. وهل كان في خلافتهم هذه الآثار، أو الذي كان هو ما يضادّها؟ فكيف يمكن عمل هذه البشائر التي صدرت على سبيل المدح، على مثل يزيد بن معاوية قاتل الإمام الطاهر، والفاسق المعلن بالمنكرات والكفر، والمتمثل بأشعار ابن الزّبعرى المعروفة 10. وموبقات هذا الرجل من استباحة دم الصحابة، والتابعين ثلاثة أيام11، وغير ذلك، ممّا لا يحصى. وكيف يعدّ وليد بن يزيد بن عبد الملك من خلفاء رسول الله الذين يعتزّ بهم الدين؟.
فتح الوليد المصحف ذات يوم وقرأ قوله تعالى: ﴿وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّار عَنِيد * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاء صَدِيد﴾(إبراهيم:15-16)، فدعى بالمصحف، فنصبه غرضاً للنشاب، وأقبل يرميه وهو يقول:
تهدّدني بجبار عنيد |
فها أنا ذاك جبّار عنيـد |
إذا ما جئت ربّك يوم حشر |
فقل ياربّ مزّقني الوليد |
وذكر محمد بن يزيد المبرَّد النحوي أنّ الوليد ألحد في شعر له ذكر ليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنّ الوحي لم يأته من ربَّه. كذب أخزاه الله من ذلك الشعر:
تَلَعَّبَ بالخلافة هاشمي |
بلاَ وحي أتاه ولا كتاب |
فقل لله يمنعني طعامي |
وقُلْ لله يمنعني شرابي |
فلم يُمهل بعد قوله هذا إلاّ أياماً حتى قتل12.
والإنسان الحرّ الفارغ عن كل رأي مسبق، لو أمعن النظر في هذه الأحاديث وأمعن في تاريخ الأئمة الإثني عشر من ولد الرسول، يقف على أنّ هذه الأحاديث لا تروم غيرهم، فإنّ بعضها يدلّ على أنّ الإسلام لا ينقرض ولا ينقضي حتى يمضي في المسلمين إثنا عشر خليفة، كلّهم من قريش، وبعضها يدلّ على أنّ عزّة الإسلام إنّما تكون إلى إثني عشر خليفة، وبعضها يدلّ على أنّ الدين قائم إلى قيام الساعة، وإلى ظهور إثني عشر خليفة، وغير ذلك من العناوين.
وهذه الخوصيات لا توجد في الأمّة الإسلامية إلاّ في الأئمة الإثني عشر المعروفين عند الفريقين، خصوصاً ما يدلّ على أن وجود الأئمة مستمر إلى آخر الدهر، ومن المعلوم أنّ آخر الأئمة هو المهدي المنتظر، الذي يعدّ ظهوره من أشراط الساعة.
ولو أضفنا إلى هذا، الروايات الكثيرة الواردة في الأئمة الإثني عشر، يقطع الإنسان بأنّه ليس المراد إلاّ هؤلاء الذين اعترف بفضلهم، وورعهم،تُقاهم، وعلمهم، ووعيهم، وحلمهم، وصبرهم، ودرايتهم، وكفايتهم، الداني والقاصي، والصديق والعدو، ألا وهم:
علي بن أبي طالب، فالحسن بن علي، فالحسين بن علي، فعلي بن الحسين، فمحمد بن علي، فجعفربن محمد، فموسى بن جعفر، فعلي بن موسى، فمحمد بن علي، فعلي بن محمد، فالحسن بن علي، فمحمد بن الحسن العسكري، المهدي المنتظر الذي يملأ الله به الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، صلوات الله وتحايته وسلامه عليهم أجمعين.
وقد تضافرت النصوص في تنصيص الإمام السابق على الإمام اللاحق، فمن أراد الوقوف على هذه النصوص، فعليه الرجوع إلى الكتب المعدّة لإمامة الأئمة الإثني عشر13.
* الإلهيات،آية الله جعفر السبحاني.مؤسسة الامام الصادق عليه السلام.ج4،ص109-115
1- صحيح البخاري، ج 9، باب الإستخلاف، ص 81. ورواه ناقصاً كما يظهر ممّا نقله مسلم وغيره، رواه أحمد في مسنده، ج 5، ص 90، وص 92، وص 95، وص 108.
2- صحيح مسلم، ج 6، كتاب الإمارة، باب الناس تبع لقريش، ص 3. وروى هذا المضمون تارة عن سماك بن حزب عن جابر، وأخرى عن الشعبي عن جابر. ورواه أحمد في مسنده، ج 5، ص 90، و98، وفيه فكبّر الناس وضجّوا.
3- المصدر السابق من صحيح مسلم، ومسند أحمد، ج 5، ص 98. وفيه: "لايزال هذا الدين عزيزاً منيعاً ينصرون على من ناواهم عليه".
4- المصدر نفسه. ومسند أحمد، ج 5، ص 86، ص 89، وفي ص 92: "لا يزال الدين قائماً يقاتل عليه عصابة حتّى تقوم الساعة". وص 98، وفيها "عصابة من المسلمين".
5- مسنده أحمد، ج 5، ص 78 وص 90. ولاحظ المستدرك، ج 3، ص 618 وفيه: "لايزال أمر هذه الأمّة ظاهراً".
6- مسند أحمد، ج 5، ص 97 وص 107 ولاحظ المستدرك، ج 3، ص 618.
7- مسند أحمد، ج 5، ص 98.
8- ينابيع المودة، للشيخ سليمان المعروف بالبلخي القندوزي، ص 446، ط اسطنبول عام 1301.
9- منتخب الأثر، ص 16، نقلاً عن حواشي صحيح الترمذي.
10- ليت أشياخي ببدر شهدوا وقع الخزرج من وقع الأسل إلى آخر الأبيات وفيها: لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل، البداية والنهاية، لابن الأثير، ج 8، ص 142. ط دار الفكر - بيروت، وتذكرة الخواص، لابن الجوزي، ص 235، ط بيروت 1401- 1981.
11- لاحظ تاريخ الطبري، حوادث سنة 63، ص 370 - 381.
12- مروج الذهب، ج 3، ص 216.
13- لاحظ الكافي، ج 1، كتاب الحجة، وأجمع كتاب في هذا الموضوع هو كتاب "إثبات الهداة" للشيخ الحرّ العاملي وقد جمع فيه النصوص المتضافرة على إمامة كلّ واحد من الأئمة الإثني عشر.
source : http://almaaref.org