1ـ هل خلق الخلق مصادفة؟
فـي الـناس من يقول ما خلاصته: ان الخلق والنظام وجدا مصادفة دون ان يكون للخلق خالق وللنظام منظم, اي انهم قالوا: ان ما لا يعد ولا يحصى من الخلق خلق (بطريق المصادفة) اي ان الذرات تلاقت وتجمعت على نسب واوضـاع خاصة (عن طريق المصادفة) فكونت العناصر الاصلية: (الاوكسجين والهيدروجين و والخ).
ثـم تلاقت هذه العناصر وتجمعت وتمازجت (بالمصادفة) على نسب صالحة (بالمصادفة) وفي مدد كافية (بالمصادفة) واجواء ملائمة (بالمصادفة), فتكونت هذه الانواع التي لا تعد ولا تحصى من الخلق, وخلقت الحياة من هذه المصادفات ونذكر المثال الاتي لايضاح زيف هذا القول بحوله تعالى:
خـذ عشر كريات صغار بحجم واحد, رقمها من 1 ـ 10 ثم ضعها في كيس وهزها هزا شديدا, ثم حاول ان تسحبها من الكيس حسب ترتيبها من 1 ـ 10.
ان احـتـمال سحب الكرية رقم 1 هي بنسبة 1 الى 10, واحتمال سحب رقم 1 ورقم 2 متتابعين هي بـنـسبة 1 الى 100, واحتمال سحب الكريات المرقمة: 1 و2 و3 ومتتالية هي بنسبة 1 الى 1000, واحـتـمـال سحب الكريات المرقمة: 1 و2 و3 و4 متوالية هي بنسبة 1 الى 10000, وهكذا حتى يـصـبـح احـتـمـال سحب الكريات العشر بترتيبها الاول اي من 1 الى 10 هي بنسبة 1 الى عشرة ملايين.
اذا كـان هـذا راي الـعلم في تحقيق اخراج عشرة اعداد متوالية من كيس واحد مصادفة, فما راي الـعـلم في ايجاد هذه النظم التي نعلمها اليوم لما لا يعد ولا يحصى من الخلق؟ يقول:
خـلـقـت جـمـيـعـهـا مصادفة, واصبح لكل فرد منها جزيئة, ولكل جزيئة من اجزائها هذه النظم مصادفة؟ وصدق اللّه العظيم حيث يقول:
ا ـ في سورة الحجر.
(ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين) (الاية 16).
(والارض مددناها والقينا فيها رواسي وانبتنا فيها من كل شي ء موزون) (الاية 19).
ب ـ في سورة البقرة:
(ان في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ومـا انـزل اللّه مـن السماء من ماء فاحيا به الارض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والارض لايات لقوم يعقلون) (الاية 164).
اي وربـي انـ فـي خلق السماوات والارض, والنظام المتقن في بروج السماء وكواكبها, والميزان المحكم في كل ما نبت من الارض لايات لقوم يعقلون. ولكن هوى النفس يمنع الانسان العاقل من التعقل
2 ـ معنى الاله
اولا ـ في معاجم اللغة:
موجز ما في المعاجم حول الـ (اله):
(اله) على وزن كتاب من مادة اله ياله بمعنى عبد, يعبد, عبادة: اي اطاع اطاعة بتذلل وخضوع, ثم ان لـفـظ (الـه) كــ (كتاب) مصدر واسم مفعول معا, فكما ان الكتاب مكتوب, فان الذي جاء بمعنى (مالوه) ياتي ايضا بمعنى معبود او مطاع.
اذا اله في اللغة يعني:
1 ـ العبادة: بتذلل وخضوع.
2 ـ الاطاعة المطلقة.
كان ذلكم معنى (اله) في اللغة.
ثانيا ـ في محاورات العرب:
جاء الاله في محاورات العرب بمعنيين:
1ـ الـه: اي اجـرى لـلمعبود العبادات الدينية مثل: الصلاة والدعاء وتقديم القرابين و(الاها) على وزن كـتـابـا: بـمعنى المالوه اي المعبود الذي يعبد وتجرى له الطقوس الدينية كما ان الكتاب يرد بـمـعـنـى الـمكتوب والعرب تسمي كل ما يعبد: (الها), وجمعها: (الالهة) خالقا كان ذلك الاله او مخلوقا, مثل الاصنام والتماثيل والشمس والقمر والابقار التي يعبدها الهنود.
2 ـ ياتي الاله احيانا بمعنى المطاع كما جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى:
1ـ في سورة الفرقان:
(ارايت من اتخذ الهه هواه افانت تكون عليه وكيلا) (الاية 43).
2 ـ في سورة الجاثية:
(افرايت من اتخذ الهه هواه واضله اللّه على علم) (الاية 23).
والـمعنى في الايتين: (ارايت من اتخذ الهه هواه): اي اطاع هوى نفسه, ويدل على ذلك قوله تعالى في سورة القصص:
(ومن اضل ممن اتبع هواه بغير هدى من اللّه) (الاية 50).
3 ـ في سورة الشعراء فى حكاية قول فرعون لموسى (ع):
(لئن اتخذت الها غيري لاجعلنك من المسجونين) (الاية 29).
ويدل على ذلك (اي على ان فرعون وقومه كانت لهم آلهة يعبدونها) كما حكى عنهم سبحانه وتعالى في سورة الاعراف فقال:
(وقـال الـمـلا مـن قـوم فرعون اتذر موسى وقومه ليفسدوا في الارض ويذرك وآلهتك) (الاية 127).
ان الالهة التي ذكرت هنا كانت معبودات فرعون وقومه, يقربون لها القرابين ويجرون لها الطقوس الدينية.
اما فرعون نفسه فقد كان الها, اي مطاعا.
ومـن الـمـحـتمل ان فرعون ـايضاـ كان يدعي لنفسه الالوهية بالمعنى الاول, كما جاء عن بعض الاقـوام انـهـم كانوا يزعمون ان ملوكهم من سلالة الالهة (شمسا كانت او غيرها), ويجرون لهم بعض الطقوس العبادية.
كان ذلكم معنى الاله لدى العرب وغيرهم من الاقوام البائدة والحاضرة.
ثالثا ـ في المصطلح الاسلامي:
الالـه فـي المصطلح الاسلامي من اسماء اللّه الحسنى, ومعناه: المعبود, وخالق الخلق وقد جاء في القرآن الكريم بالمعنى اللغوي مع وجود قرينة تدل على ان المقصود معناه اللغوي, مثل قوله تعالى في سورة الحجر:
(الذين يجعلون مع اللّه الها آخر) (الاية 96).
فـان لـفـظي: (آخر) و(مع اللّه) في الاية يدلان على ان المقصود من الاله: معناه اللغوي: المطاع والـمـعـبـود, وجاء مطلقا في معناه الاصطلاحي في آيات كثيرة اخرى من القرآن الكريم, والتي تحصر الالوهية في اللّه سبحانه كما سنذكره مفصلا في البحث الاتي.
واجمع القول في معنى الاله ما نقله ابن منظور في مادة (اله) من لسان العرب عن ابي الهيثم انه قال:
قـال اللّه عـز وجـل: (مـا اتخذ اللّه من ولد وما كان معه من اله اذا لذهب كل اله بما خلق) قال: ولا يكون الها حتى يكون معبودا, وحتى يكون لعابده خالقا ورازقا ومدبرا, وعليه مقتدرا, فمن لم يكن كذلك فليس باله, وان عبد ظلما, بل هو مخلوق ومتعبد.
3ـ معنى لا اله الا اللّه
ان معنى الاله في القرآن الكريم يتضح بالتدبر في الايات التي جاءت في دحض اقوال المشركين في الالوهية وحصرها في اللّه العلي القدير, وما حكاه من محاورات الانبياء معهم حولها, كما نراها في الايات الاتية من سورة المؤمنون.
قال اللّه سبحانه:
(ولـقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا الـعـلـقـة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم انشاناه خلقا آخر فتبارك اللّه احسن الخالقين) (المؤمنون 13 ـ 14).
شرح الكلمات
ا ـ سلالة:
سـل الشيء من الشيء: انتزعه واخرجه برفق, يقال: سل الشعرة من العجين والسلالة: الصفو الذي ينتزع برفق, وسميت النطفة سلالة لانها مستخلصة من الغذاء.
ب ـ نطفة:
النطفة: القليل من الماء وسمي ماء الرجل والمراة (اي منيهما): نطفة.
ج ـ قرار:
قر الشي ء في مكانه قرارا: اذا ثبت ثبوتا جامدا مستقرا واريد به مقر النطفة.
د ـ مكين:
مكن الشي ء مكانه: استقر وثبت في موضعه لا يتزلزل فهو مكين.
والمعنى: جعلنا النطفة في مقرها ـ الرحم.
هـ ـ العلق: الدم الجامد الغليظ الذي يعلق بما مسه, والقطعة منه علقة.
و ـ مضغة:
مـضـغ الـلـحم: حركه في فمه وقطعه باسنانه ليبتلعه, ويقال لقطعة اللحم التي هي قدر ما يمضغ:
مـضغة, ومن ثم يقال للجنين في بطن الحامل حين يصير قطعة لحم قدر ما يمضغ في الفم: مضغة بعد ان كان علقة.
ز ـ انشا:
انشا الشي ء: اوجده واحدثه ورباه.
وانشا اللّه الخلق: خلقهم ورباهم.
تفسير الايات
ولـقد خلقنا الانسان من صفو منتزع من طين الارض, ثم جعلناه نطفة في مكان مستقر وهو الرحم, ثم صيرنا النطفة دما جامدا غليظا يلزق بما مسه, ثم صيرنا ذلك الدم الجامد لحما كالممضوغ وبقدر ما يحويه الفم ثم صيرنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما, ثم صيرناه خلقا آخر له اعضاء وروح, فتبارك اللّه احسن الخالقين الذي خلق هذا المخلوق.
عود على بدء:
يـاتـي بـعـد الايـات (12 و13 و14) من سورة (المؤمنون) ذكر بعض الملخوقات التي سخرت للانسان, ثم الحديث عن انواع مخلوقات اللّه, ثم يقول تعالى في السورة نفسها:
(ولقد ارسلنا نوحا الى قومه فقال يا قوم اعبدوا اللّه مالكم من اله غيره افلا تتقون) (الاية 23).
ثـم يـذكـر انـشاء الامم الاخرى التي خلقها اللّه عز وجل, ويفصل بيان كفرها حتى الاية الحادية والتسعين التي يقول فيها:
(ما اتخذ من ولد وما كان معه من اله اذا لذهب كل اله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض) (الاية 91).
وهـكـذا نرى في هذه الايات ان الصفة البارزة للالوهية هي (الخالقية), ولهذا نجد ان اللّه عز وجل يسال المشركين بعد قوله تعالى في سورة الاحقاف:
(ما خلقنا السموات والارض وما بينهما الا بالحق) (الاية 3).
قـائلا: (قل ارايتم ما تدعون من دون اللّه اروني ماذا خلقوا من الارض ام لهم شرك في السموات) (الاية 4).
وكذلك الامر في قوله تعالى:
ا ـ في سورة الرعد:
(ام جعلوا للّه شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم) (الاية 16).
ب ـ في سورة الرعد ايضا:
(قل اللّه خالق كل شي ء وهو الواحد القهار) (الاية 16).
ج ـ في سورة المؤمنون:
كما مر اعلاه.
د ـ في سورة النحل:
(افمن يخلق كمن لا يخلق افلا تذكرون) (الاية 17).
ويـتـكرر هذا المعنى في الاية (20) من سورة النحل والاية (3) من سورة الفرقان و(191) من سورة الاعراف.
فـي كـل هذه الايات نجد التحدي ومحاججة المشركين في مسالة توحيد الالوهية باحدية الخالق, ففي الاية الاولى يسال اللّه عز وجل الكفار ويقول:
(اروني ما تدعون من دون اللّه ماذا خلقوا لكم من الارض).
وفي الاية الثانية يقول:
هـل جعلتم للّه شركاء لانكم وجدتم لهم مخلوقات مثل مخلوقات اللّه وتشابه عليكم خلق اللّه بخلق غيره؟.
ويتساءل في الاية الثالثة ويقول:
هل يستوي من يخلق مع من لا يخلق؟.
وكذلك يقول عز وجل:
(ما كان معه من اله).
وفي آية اخرى ـايضاـ يقول:
قل اللّه خالق كل شي ء وهو الواحد القهار.
هـكـذا نـرى الـقـرآن الكريم يحتج في مقام الاستدلال على المشركين الذين يعبدون آلهة اخرى ويـشـركونهم في العبادة مع اللّه الواحد الاحد, ويقول ان خلق الخلق خاص باللّه, والالهة الاخرى ليست لها اية قدرة على الخلق.
ومن ثم ندرك ان الصفة البارزة للاله هي الخالقية.
وفي الايات التالية يظهر ذلك بشكل اوضح, حيث قال اللّه تعالى:
ا ـ في سورة الانعام:
(ذلكم اللّه ربكم لا اله الا هو خالق كل شي ء فاعبدوه) (الاية 102).
ب ـ في سورة هود:
(قال يا قوم اعبدوا اللّه مالكم من اله غيره هو انشاكم من الارض) (الاية 61).
ج ـ في سورة فاطر:
(هل من خالق غير اللّه يرزقكم من السماء والارض لا اله الا هو) (الاية 3).
د ـ في سورة الفرقان:
(واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون) (الاية 3).
هـ ـ في سورة الحج:
(يـا ايـها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ان الذين تدعون من دون اللّه لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وان يـسـلـبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ما قدروا اللّه حق قدره ان اللّه لقوي عزيز) (الايتان 73 ـ 74).
انـ اللّه تعالى يخاطب في هذا الموضوع من القرآن الكريم كل الناس الذين يدعون آلهة من دون اللّه ويقول لهم:
استمعوا لهذا المثل: ان الذين تدعون من دون اللّه (فراعنة كانوا ام ابقارا ام آلهة اخرى) لن يخلقوا ذبابا.
ان اي فرعون من الفراعنة واية بقرة معبودة من الابقار, واي اله آخر من آلهة الناس, لن يخلقوا اقذر حشرة يعرفها الناس (كل الناس) ومنتشرة في مجتمعات الناس كلها, ويتقذر منها الناس كل الناس لـن يستطيع اي واحد من تلكم الالهة ان يخلق وحده ذبابة قذرة, ولن تستطيع كل الالهة لو اجتمعت وتظاهرت على خلق ذبابة واحدة.
وان يسلب الذباب تلكم الالهة: (ابقارا كانت, او فراعنة, او آلهة اخرى) شيئا فلن تستطيع استنقاذه مـنـه, فـلـو امتص الذباب ـ مثلا ـ من بقرة من آلهة الهندوس دما لما استطاعت تلك البقرة من آلهة الهندوس ان تستنقذ حقها: دمها المسلوب.
كـم هـي عاجزة وضعيفة تلك البقرة من آلهة البشر هـذه الالـهة الضعيفة الخلق اجمعين انه لقوي عزيز.
وبـنـاء عـلـى هـذا فان الخلق كله من اللّه تعالى وحده, وهو الذي يخلق الخلق ويوجد كل موجود ويحيي ويميت, وهو مالك كل شيء.
فـلا يوجد مؤثر آخر في عالم الخلق غير اللّه تعالى كي نتجه اليه في طلب حاجاتنا, ومن ثم يجب ان نعبده وحده ونطلب الحوائج منه وحده.
والايات التالية ـ ايضا ـ توضح هذا المعنى حيث يقول اللّه تعالى في:
ا ـ سورة الانعام:
(قـل ارايـتم ان اخذ اللّه سمعكم وابصاركم وختم على قلوبكم من اله غير اللّه ياتيكم به) (الاية 46).
ب ـ سورة الاعراف:
(الذي له ملك السموات والارض لا اله الا هو يحيي ويميت) (الاية 158).
ج ـ سورة القصص:
(من اله غير اللّه ياتيكم بضياء افلا تسمعون) (الاية 71).
د ـ سورة الزمر:
(ذلكم اللّه ربكم له الملك لا اله الا هو فانى تصرفون) (الاية 6).
هـ ـ سورة الدخان:
(لا اله الا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الاولين) (الاية 8).
و ـ سورة طه:
(انما الهكم اللّه الذي لا اله الا هو وسع كل شي ء علما) (الاية 98).
ز ـ سورة الاسراء:
(قل لو كان معه آلهة كما يقولون اذا لابتغوا الى ذي العرش سبيلا) (الاية 42).
ح ـ سورة مريم:
(واتخذوا من دون اللّه آلهة ليكونوا لهم عزا) (الاية 81).
ط ـ سورة الانبياء:
(ام لهم آلهة تمنعهم من دوننا) (الاية 43).
ى ـ سورة يس:
(ءاتخذ من دونه آلهة ان يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولاينقذون) (الاية 23).
ك ـ سورة يس ـ ايضا:
(واتخذوا من دون اللّه آلهة لعلهم ينصرون) (الاية 74).
ل ـ سورة هود:
(فما اغنت آلهتهم التي يدعون من دون اللّه من شي ء) (الاية 101).
وهـكذا يصرح القرآن الكريم بان كل انواع خلق الخلق مخصوص بالاله الواحد, من انزال المطر, وانـبـات الـنـبـات, وشفاء الامراض, والنصرة على العدو المقتدر, وازالة الفقر, كل هذه الامور وامثالها, وكل فعل آخر في الوجود انما هو من اللّه تعالى وحده, فهو الاله الحقيقي للعالم, ليس له شريك في قـدرتـه وافعاله, وهو احد لا شبيه له: (لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد) وهو اللّه عز وجل كما وصف نفسه جل اسمه وقال تعالى في:
ا ـ سورة النساء:
(انما اللّه اله واحد سبحانه ان يكون له ولد) (الاية 171).
ب ـ سورة المائدة:
(لقد كفر الذين قالوا ان اللّه ثالث ثلاثة وما من اله الا اله واحد) (الاية 73).
ج ـ سورة النحل:
(وقال اللّه لا تتخذوا الهين اثنين انما هو اله واحد) (الاية 51).
ولما كانت الالوهية للّه وحده فالعبادة اذا لا تكون الا له وحده, ولا يجوز عبادة غيره معه كما قال تعالى في:
ا ـ سورة طه:
(انني انا اللّه لا اله الا انا فاعبدني واقم الصلاة لذكري) (الاية 14).
ب ـ سوره الانبياء:
(وما ارسلنا من قبلك من رسول الا نوحي اليه انه لا اله الا انا فاعبدون) (الاية 25).
وصدق اللّه العظيم حيث يقول في سورة النمل:
(امـن خـلق السموات والارض وانزل لكم من السماء ماء فانبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم ان تنبتوا شجرها ءاله مع اللّه بل هم قوم يعدلون امن جعل الارض قرارا وجعل خلالها انهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا ءاله مع اللّه بل اكثرهم لا يعلمون امن يجيب المضطر اذا دعاه ويـكـشـف السوء ويجعلكم خلفاء الارض ءاله مع اللّه قليلا ماتذكرون امن يهديكم في ظلمات البر والـبـحـر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ءاله مع اللّه تعالى اللّه عما يشركون امن يبدا الـخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والارض ءاله مع اللّه قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين) (الايات 60 ـ 64).
اذا فـانه لا اله الا اللّه وحده لا شريك له, وكذلك ليس للّه بنات وبنون كما زعمه من ندرس قوله في ما ياتي بحوله تعالى.
4- أ للّه بنات وبنون؟
في القائلين بتعدد الالهة من خرقوا للّه بنات وبنين كما اخبر اللّه سبحانه عنهم فقال:
ا ـ في سورة الصافات:
(فاستفتهم الربك البنات ولهم البنون) (الاية 149).
(ام خلقنا الملائكة اناثا وهم شاهدون) (الاية 150).
(الا انهم من افكهم ليقولون) (الاية 151).
(ولد اللّه وانهم لكاذبون) (الاية 152).
(اصطفى البنات على البنين) (الاية 153).
(مالكم كيف تحكمون) (الاية 154).
ب ـ في سورة الزخرف:
(وجـعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن اناثا اشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسالون وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم) (الايتان 19 ـ 20).
(ام اتخذ مما يخلق بنات واصفاكم بالبنين) (الاية 16).
(واذا بشر احدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم) (الاية 17).
ان اولـئك المشركين عبدوا الملائكة في عبادتهم اللات والعزى ومناة, الاصنام الثلاثة التي كانوا يعتقدون انها تماثيل للملائكة كما اخبر عنهم اللّه سبحانه وتعالى في سورة النجم حيث قال:
(افـرايتم اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى الكم الذكر وله الانثى تلك اذا قسمة ضيزى ان هي الا اسـمـاء سميتموها انتم وآباؤكم ما انزل اللّه بها من سلطان ان يتبعون الا الظن وما تهوى الانفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى) (الايات 19 ـ 23).
(ان الذين لا يؤمنون بالاخرة ليسمون الملائكة تسمية الانثى) (الاية 27).
(وما لهم به من علم ان يتبعون الا الظن وان الظن لا يغني من الحق شيئا) (الاية 28).
ومنهم من كان يعبد الجن كما اخبر اللّه سبحانه عنهم وقال:
ا ـ في سورة الانعام:
(وجـعـلـوا للّه شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون بـديـع السموات والارض انى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شي ء وهو بكل شي ء عليم) (الايتان 100 ـ 101).
ب ـ في سورة سبا:
(ويـوم يـحـشرهم جميعا ثم يقول للملائكة اهؤلاء اياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك انت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن اكثرهم بهم مؤمنون) (الايتان 40 ـ 41).
واولئك المشركون الذين عبدوا الملائكة قد انقرضوا وبادوا وبقي ذكر عملهم.
وبقي الى عصرنا من الذين قالوا بان للّه ولدا النصارى, كما اخبر اللّه عنهم وقال في:
ا ـ سورة التوبة:
(وقـالت اليهود عزير ابن اللّه وقالت النصارى المسيح ابن اللّه ذلك قولهم بافواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم اللّه انى يؤفكون) (الاية 30).
ب ـ سورة النساء:
(يـا اهل الكتاب لاتغلوا في دينكم ولا تقولوا على اللّه الا الحق انما المسيح عيسى ابن مريم رسول اللّه وكـلـمته القاها الى مريم وروح منه فمنوا باللّه ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم انما اللّه اله واحد سبحانه ان يكون له ولد له ما في السموات وما في الارض وكفى باللّه وكيلا) (الاية 171).
(لـن يستنكف المسيح ان يكون عبدا للّه ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم اليه جميعا) (الاية 172).
ج ـ سورة المائدة:
(لـقـد كـفر الذين قالوا ان اللّه هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني اسرائيل اعبدوا اللّه ربي وربـكـم انه من يشرك باللّه فقد حرم اللّه عليه الجنة وماواه النار وما للظالمين من انصار لقد كفر الذين قـالـوا ان اللّه ثالث ثلاثة وما من اله الا اله واحد وان لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عـذاب اليم افلا يتوبون الى اللّه ويستغفرونه واللّه غفور رحيم ما المسيح ابن مريم الا رسول قد خلت من قبله الرسل وامه صديقة كانا ياكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الايات ثم انظر انى يؤفكون قل اتعبدون من دون اللّه مالا يملك لكم ضرا ولا نفعا واللّه هو السميع العليم)(الايات 72 ـ 76).
د ـ وقال فيها ـ ايضا:
(لقد كفر الذين قالوا ان اللّه هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من اللّه شيئا ان اراد ان يهلك المسيح ابن مريم وامه ومن في الارض جميعا وللّه ملك السموات والارض وما بينهما يخلق ما يشاء واللّه على كل شي ء قدير) (الاية 17).
هـ ـ سورة آل عمران:
(ان مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) (الاية 59).
و ـ سورة مريم:
(وقـالـوا اتـخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا ادا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الـجبال هدا ان دعوا للرحمن ولدا وماينبغي للرحمن ان يتخذ ولدا ان كل من في السموات والارض الا آتي الرحمن عبدا) (الايات 88 ـ 93).
وقد رد اللّه سبحانه اقوالهم جميعا بقوله تعالى في سورة الاخلاص:
بسم اللّه الرحمن الرحيم.
(قل هو اللّه احد اللّه الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد) (الايات 1 ـ 4).
شرح الكلمات
ا ـ افكهم:
الافك: الكذب والافتراء, والصرف من الحق الى الباطل.
ب ـ كظيم:
الكظيم معناه: شديد الشعور بالغم والكرب.
ج ـ ضيزى:
ضاز وضاز: جار في الحكم, وقسمة ضيزى: قسمة جائرة.
د ـ سلطان:
السلطان هنا بمعنى: الحجة والبرهان.
هـ ـ خرقوا:
خرق الشيء: ادعاه كذبا.
و ـ بديع:
بدع الشيء: انشاه وبداه على غير مثال سابق.
وبـديـع السموات والارض: اي موجدهما بغير آلة ولا مادة ولا زمان ولا مكان ولا يقال لغير اللّه بديع.
ز ـ يضاهئون:
ضاهاه: شابهه, ويضاهئون: يشابهون ويشاكلون.
ح ـ ادا:
الاد: الداهية والشي المنكر والامر الفظيع.
ط ـ هد:
الهد: الهدم الشديد, وهو نقض البناء واسقاطه.
ى ـ المسيح:
لـقـب عيسى بن مريم (ع) بالمسيح تعريب (مشيحا) بالعبرانية لانه كان يمسح الابرص والاكمه, فيب ءران باذن اللّه تعالى.
ك ـ الكلمة:
الـمـخـلوق الذي خلقه اللّه تعالى بكلمة (كن) او نحوها دون توسط المالوف من اسباب الخلق وقد اطلقت الكلمة بهذا المعنى على عيسى (ع) لان اللّه خلقه بها كما قال سبحانه:
ا ـ مخاطبا زكريا (ع):
(ان اللّه يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من اللّه) (آل عمران / 39).
ب ـ ومخاطبا مريم (ع):
(ان اللّه يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم) (آل عمران / 45).
ج ـ وفي الاية المذكورة:
(انما المسيح عيسى ابن مريم رسول اللّه وكلمته).
واطلاق الكلمة على عيسى (ع) من قبيل اطلاق السبب على المسبب.
ل ـ صديقة:
الـصـديـق: من لا يكذب قط, من لايتاتى منه الكذب, لتعوده الصدق, من صدق بقوله واعتقاده وحقق صدقه بفعله, والصديقون: هم دون الانبياء في الفضيلة.
م ـ عبدا:
العبد هنا: المملوك الذي لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا حياة ولا موتا.
ن ـ الصمد:
الصمد: الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد.
اي: لـم يـخـرج منه شي ء كثيف كالولد وسائر الاشيا الكثيفة تخرج من المخلوقين, ولا شي لطيف كالنفس, لا تاخذه سنة ولا نوم ولا يعتريه هم وحزن وخوف وبكاء ورجاء ورغبة وبهجة وضحك وجـوع وشـبـع وسام ولم يخرج من شي ء كما تخرج الاشياء الكثيفة من نظائرها مثل, الدواب من الدواب, والنبات من الارض, والماء من الينابيع, والثمار من الاشجار.
ولـم يتولد من شي ء كالنار من الجمر, ولم يصدر من شي ء مثل الكلام من اللسان والمعرفة والتمييز من القلب, والضوء من الشمس, والنور من القمر. لا بـل هـو اللّه الصمد الذي لا من شي ء ولا في شي ء ولا على شي ء, مبدع الاشياء وخالقها ومنشى ء الاشياء بقدرته, يتلاشى ما خلق للفناء بمشيته, ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه, فذلكم اللّه الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد.
تفسير الايات
في الايات الانفة اخبر اللّه سبحانه عن بعض اليهود في عصر الرسول (ص) انهم قالوا: عزير ابن اللّه, وهـؤلاء بادوا كما باد المشركون الذين كانوا يقولون في عصر الرسول (ص): ان الملائكة بنات اللّه.
وبقي النصارى حتى عصرنا الحاضر يقولون في المسيح, كما اخبر اللّه عنهم وقال:
(وقالت النصارى المسيح ابن اللّه).
وقـالـت: ان اللّه ثـالـث ثـلاثـة: الاب والابن وروح القدس, وليس يدري كيف يكون الواحد ثلاثة والثلاثة واحدا ان النصارى شابهوا الذين كفروا في قولهم هذا, وبهذا القول اعتقدوا بان المسيح هو اللّه وما.
الـمـسيح الا رسول قد خلت من قبله الرسل وكانت امه صديقة, وكانا ياكلان الطعام كسائر البشر, ومن ياكل الطعام لا بد له من التغوط كسائر من ياكل الطعام وليس باله, بل كان عيسى ابن مريم كلمة اللّه, القاها الى مريم وان كانت النصارى تقول: انه ابن اللّه لانه ولد بلا اب, فان مثله عند اللّه كمثل آدم الذي خلقه من تراب ثم قال له كن فكان وان يك يجعل للّه البنون, تعالى اللّه عما يصفون, فان آدم احرى ان يكون للّه ابنا ومعاذ اللّه من هذا القول الباطل بل انهما ـ آدم وعيسى ـ والملائكة والجن والانس والسموات والارضون من خلق اللّه وصدق اللّه حيث يقول:
بسم اللّه الرحمن الرحيم.
(قل هو اللّه احد اللّه الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد) (التوحيد 1 ـ 4).
وقال الامام الحسين (ع) في جواب كتاب اهل البصرة يسالونه عن (الصمد) فكتب اليهم:
بـسم اللّه الرحمن الرحيم اما بعد فلا تخوضوا في القرآن بغير علم, ولا تجادلوا فيه ولا تتكلموا فيه بغير علم فقد سمعت جدي رسول اللّه (ص) يقول من قال في القرآن بغير علم فليتبوء مقعده من النار. وان اللّه سبحانه وتعالى قد فسر الصمد, فقال اللّه احد اللّه الصمد ثم فسره فقال: (لم يلد ولم يولد ولـم يـكـن لـه كـفوا احد) لم يخرج منه شيء كثيف كالولد وساير الاشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين ولا شيء لطيف كالنفس ولا يتشعب منه البدوات كالسنة والنوم والخطرة والهم والحزن والبهجة والضحك والبكاء والخوف والرجاء والرغبة والسامة والجوع والشبع تعالى اللّه ان يخرج مـنـه شيء وان يتولد منه شيء كثيف او لطيف ولم يولد ولم يتولد من شيء ولم يخرج من شيء كما يخرج الاشياء الكثيفة من عناصرها كالشيء من الشيء والدابة والنبات من الارض والماء من الينابيع والـثـمـار مـن الاشجار ولا كما يخرج الاشياء اللطيفة من مراكزها كالبصر من العين والسمع من الاذن والـشـم من الانف والذوق من الفم والكلام من اللسان والمعرفة والتميز من القلب وكالنار من الـحـجـر لا بـل هو اللّه الصمد الذي لا من شيء ولا في شيء ولا على شيء مبدع الاشياء وخالقها ومـنشئ الاشياء بقدرته يتلاشى ما خلق للفناء بمشيته ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه فذالكم اللّه الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد.
نتيجة البحث
فـي الـقـائلـيـن بتعدد الالهة من قال: ان الملائكة بنات اللّه, مثل مشركي قريش, واولئك قد بادوا وانقرضوا.
ومـنـهم من قال: ان عزيرا ابن اللّه, مثل بعض اليهود في عصر الرسول (ص), واولئك ايضا بادوا وانقرضوا.
ومنهم من قال: ان عيسى بن مريم ابن اللّه وان اللّه ثالث ثلاثة: الاب والابن وروح القدس, ولا تزال النصارى تقول ذلك.
ومنهم من كان يعبد الجن, واولئك اختلفت اقوالهم ومذاهبهم في الجن في العصور المختلفة.
وقـد ابان اللّه زيف اقوالهم في القرآن مثل قوله عن عباد الملائكة, انهم حين يقولون: ان الملائكة بنات اللّه وانهم اناث, اشهدوا خلق الملائكة وراوها اناثا وقـولـه فـي الـمسيح وامه: انهما كانا ياكلان الطعام في حين انا نعلم ان آكل الطعام يلزمه خروج الغائط منه, والاكل والتغوط من صفات البشر.
وقال سبحانه: ان مثل عيسى في ولادته بغير اب كخلق آدم من تراب بغير اب ولا ام.
وان عيسى والملائكة والجن ومن في السموات والارض كلهم عبيد اللّه.
وان اللّه لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد.
كذلكم يستدل القرآن بحصر الالوهية اي الخالقية في اللّه جل اسمه وحده لا شريك له, وان ما عدا الـخالق الواحد الاحد المتعال مخلوقون للّه, وسوف ندرس في البحث الاتي باذنه تعالى اصناف خلق اللّه حسب تسلسلهم في الوجود.