... إن ما سنتناوله يتسم بالطابع النقلي، وذلك من قبيل ما ورد من حديث عن النبي الأكرم في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، أو ما صدر عن رسول الله أو أمير المؤمنين حول الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين وما قالاه عنهم، كما سنمر على الأحاديث التي يتحدث فيها كل إمام عن الذي يليه.
هذه الموارد في البحث، تكتسب جميعا طابعا يميل بها إلى الاتجاه النقلي والتعييني والتنصيصي.
...وسأعتمد - في عرض هذه العناصر الحيّة التي ترتبط بروح الإمامة - على أحاديث الأئمة عليهم السلام، من خلال قراءة بعض ما ورد عن هذه العناصر في كتاب الحجّة من (الكافي).
لقد أشرت مِرارا إلى أن الإمامة في المعنى الذي يطرحه الشيعة، أو على الأقل في معناها الذي تحويه أحاديث أئمة الشيعة، هي غير الإمامة التي يحكيها المعنى السائد عند أهل السنة، وهي أيضا غير مسألة الحكم التي كثيرا ما تثار في عصرنا الحاضر.
الإمامة في معناها المقصود هي تالي تلو النبوة، ولكن لا بالنحو الذي تعني فيه أنها أدنى مرتبة من أي نبوّة كانت.
كلا، بل المقصود أنها أمر شبيه بنبوة الأنبياء العظام، وهم حازوا على الإمامة أيضا، وجمعوا بين النبوة والإمامة. إن الإمامة حالة معنوية.
الإمامة في معناها المقصود هي تالي تلو النبوة، ولكن لا بالنحو الذي تعني فيه أنها أدنى مرتبة من أي نبوّة كانت. كلا، بل المقصود أنها أمر شبيه بنبوة الأنبياء العظام، وهم حازوا على الإمامة أيضا، وجمعوا بين النبوة والإمامة. إن الإمامة حالة معنوية.
وعند العودة إلى أحاديث الأئمة في هذا المجال نجد أنها ترتكز على مسألة الإنسان بشكل عام. ومن هنا ينبغي أن نجدد رؤيتنا حول الإنسان، لكي تتضح هذه الفكرة.
الإنسان..أيّ موجود هو؟
تعرفون أن النظرة إلى الإنسان في منطلق الإجابة عن هذا السؤال: الإنسان..
أي موجود هو؟ تفترق إلى رؤيتين، تصدر الأولى عن تصور ينظر إلى الإنسان - كسواه من بقية الحيوانات الأخرى- موجودا أرضيا بالكامل.
إن ما يرمي إليه هذا التصور هو اعتبار الإنسان كائنا ماديا - ليس إلا - مع فارق أن هذا الموجود المادي بلغ في مسار التحولات المادية أعلى صيغة من التكامل يمكن أن تبلغها المادة.
فالحياة وفق هذا التصور، سواء في النباتات، أو في الحيوانات التي تعبر عن رتبة أعلى من التي سبقتها، أو في الإنسان حيث تبلغ أرفع مراتبها، ما هي سوى تجل للتكامل الذي صارت إليه المادة تدريجيا عبر مسار تحولاتها.
النتيجة التي يفضي إليها هذا التصور، أنه ليس هناك عنصر آخر غير العناصر المادية يدخل في النسيج الوجودي لهذا الكائن.
والحقيقة أننا نعبر عن الجزء الآخر بالعنصر، لأننا لا نملك غير هذه الصيغة في التعبير عنه.
كما أن أي مظهر خلاق وعجيب ينطوي عليه هذا الموجود (كالنشاط الروحي والفعاليات المعنوية والقوى المبدعة مثل) إنما يصدر عن هذا النسيج المادي وحده.
جريا وراء هذا المنطق ينبغي أن يكون الإنسان الأول في خط الخليقة، هو أدنى أنواع هذا الكائن، ثم غدا أكثر تكاملا كلما امتد به الشوط وتقدم إلى الأمام.
ولا فرق في هذا المعنى بين أن نأخذ بنظر الاعتبار تصور القدماء للإنسان الأول، الذي يقول بخلق الإنسان من الأرض مباشرة وبين التصور المعاصر الذي يذهب إليه بعض السادة، ويصاغ فرضية تستحق التأمل في حد ذاتها، فحواها أن الإنسان الأول كائن منتخب من موجودات أدنى منه رتبة، ومتحول عن طبقة (سلالة) أوطأ، بحيث ينتهي أصله إلى الأرض، لا أنه منبثق من الأرض مباشرة، كما يذهب لذلك أنصار الاتجاه الأول.
الامامة،الشيخ مرتضى مطهري، المترجم:جواد علي كسّار
source : تبیان