كما قد بينا سابقا ، إن القرآن قد تحدث عن دور الأنبياء كشهداء على الأمم ، وكذلك عن كونهم العلماء بالكتاب والحكام به ، فتتم بذلك الحجة الإلهية على البشر .
ثم بينا بأن الاصطفاءات الإلهية لا تقتصر على الأنبياء ، وأن الله تعالى قد شمل باصطفاءاته بيوتات الأنبياء وذراريهم ، وليس رسول الله ببدع من الرسل ، ولنستعرض هنا بعضا من الآيات التي تثبت ذلك ، وهي آيات صريحة ، لا تفاسير باطنية يدعي خصوم الشيعة إن عقيدتهم قائمة عليها .
نعم ، بعد ثبوت الإمامة لهم والعلم والشهادة ، يثبت بأن تأويل القرآن في صدورهم ويؤخذ منهم ، فهم الراسخون في العلم العالمون بحقيقة متشابهات القرآن ، فيعتمد عليهم في فهم تفاصيل الإمامة وخصوصياتها ، وإليك أهم الآيات التي تناولت أهل بيت رسول الله ( ص ) بالخصوص :
أولا : قوله تعالى ] إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا(1) [ .
نزلت الآية في حق خمسة وهم أصحاب الكساء محمد ( ص ) وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام والآية تقصدهم دون غيرهم ، وهي تساوق في المعنى ما نزل في حق مريم عليها السلام ] يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين(2) [ ، حيث تدل على تعلق إرادة إلهية خاصة بطهارتهم .
وإرادة الطهارة هذه تختلف عن الإرادة العامة المتعلقة بكل الناس مثل التي في قوله تعالى ] ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم(3) [ ، التي تتعلق بالوضوء ، فإرادة الطهارة هنا تسمى بالإرادة التشريعية وهي عامة .
وأما إرادة الطهارة لمريم ومثلها إرادة الطهارة عليها السلام لأهل البيت فهما إرادتان خاصتان بأشخاص معينين ، فهي إرادة لا يتخلف عنها مراد الله عز وجل ، كما في قوله : ] وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب(4) [ ، وذلك عندما أراد جعل الإمامة في ذرية إبراهيم .
وأهم إشكال يورد على الآية مجيئها في سياق الحديث عن نساء النبي ( ص ) فأولها ] وقرن في بيوتكن [ كما أن بداية الآية التي بعدها ] واذكرن ما يتلى في بيوتكن [ مما يعطي اعتقاداً بأنها تتحدث عن نساء النبي ( ص ) .
ولكن يتضح لكل باحث بأدنى مراجعة في الكتب المتخصصة ، أن ترتيب النزول غير ترتيب التلاوة في كثير من آيات القرآن الكريم ، فقد نقل السيوطي قول البغوي في ( شرح السنة ) :
"وكان رسول الله ( ص ) يلقن أصحابه ويعلمهم ما نزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الآن في مصاحفنا بتوقيف جبريل إياه على ذلك وإعلامه عند نزوله كل آية أن هذه الآية تكتب عقيب آية كذا في سورة كذا … وترتيب النزول غير ترتيب التلاوة "(5) .
بل إن هذا أمر مسلّم عند أهل الاختصاص في بحث المكي والمدني ، لذا ذكر السيوطي فصلا بعنوان " في ذكر ما استثني من المكي والمدني ، قال : وقال ابن حجر في شرح البخاري :
" قد اعتنى بعض الأئمة ببيان ما نزل من الآيات بالمدينة في السور المكية "(6).
ويتضح الأمر أكثر في بحثهم حول آخر ما نزل من القرآن الكريم فقد نقل السيوطي عن ابن عباس أن آخر ما نزل من القرآن "واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ... "(7) ، ومع ذلك هي موضوعة بين آيتي الربا والديْن في سورة البقرة ، ] وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون () واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون () يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ... (8)[ .
والروايات الواردة في بيان سبب نزول الآية كلها تجمع على عدم وجود أي ارتباط بين سبب النزول ونساء النبي كما سيأتي بيانها ، نعم قيل أن ترتيب القرآن وإن كان مخالفا لترتيب النزول يجب أن يكون له وجه مناسبة .
فنقول في ذلك : قد يكون تغيير الترتيب لحفظ الآية من تناول يد المحرفين إذ القرآن كما يحفظ بالمعجز ، يمكن أن يحفظ بطرق طبيعية ، فضلا عن أن المناسبة غير مفقودة هنا وهو تذكير نساء النبي عند الحديث معهم بخصوصية البيت المنسوبين لها نسبة ما فلا يتصرفن كغيرهن من النساء .
فالآيات جاءت في صدد نصح زوجات النبي ( ص ) منبهة في الوسط على عظمة البيت الذي نسبن إليه من خلال العلاقة الزوجية بقوله تعالى ] إنما يريد الله ليذهب … [ ، كما يعد الخادم الذي يعمل في البيت منسوب إليه نسبة ما يجب أن يراعي معها الشرف الخاص لأهل البيت فلا يصدر منه ما يتنافى مع الموقعية الخاصة لأهل البيت الذي يعمل لديه .
ومهما يكن ، فإنه لن يستطيع أحد أن يغض الطرف عن الغرابة في الانتقال من ضمير المؤنث إلى ضمير المذكر في الآية ، حيث يجب أن يبررها حتى من يدعي أنها تقصد نساء النبي ، باختصاصها لهن أو باشتراكهن مع الخمسة أصحاب الكساء عليهم السلام .
وإذا ادعى أحد بأن الضمير لدخول الرسول ( ص ) وعلي (ع) مثلا وهو المسوغ للانتقال إلى ضمير المذكر فإن ذلك يبطل السياق الذي يدعون . فلماذا انتقلت الآية للحديث عن النساء إلى الحديث عن رسول الله ( ص ) والخمسة أصحاب الكساء - بضميمة النساء أو بدونها – مع أن الكلام السابق عن خصوص نساء النبي ( ص ) وكذلك اللاحق . فما العلة في تلك النقلة ؟
فإذا قال الخصم أن الانتقال لكي يبرز فضل رسول الله ( ص ) والخمسة أصحاب الكساء بالإضافة إلى الزوجات ، فنقول إذن لا مانع أن يكون الانتقال لبيان فضل الخمسة دون النساء ، فمن لا يرى مانعا من الأول ينبغي ألا يرى مانعا من الثاني ومن يستسيغ الأول يستسيغ الثاني .
ومع ذلك كله ، فإنه لم يقل أحد من علماء السنة ممن يعتد بقوله بأن الآية خاصة بالنساء إلا ما روي عن الخارجي عكرمة ، لذا برروا تغير الضمير إلى المذكر بدخول الرجال معهم ، وعلماء السنة - ممن يحترم علمه – قد ترددوا بين رأيين :
أحدهما : أنها تشمل نساء النبي لسياق ترتيب القرآن والخمسة أصحاب الكساء وهو رأي مثل ابن كثير في تفسيره عند تفسيره للآية حيث يقول ردا لقول عكرمة أن الآية مختصة بأزواج النبي : " إن أريد أنهن المراد فقط دون غيرهن ففي هذا نظر فإنه وردت روايات تدل على أن المراد أعم من ذلك "(9) ، وقد قرأت ما قلناه في السياق .
والثاني : هو اختصاص المراد بالآية بالخمسة أصحاب الكساء وقد تبنى هذا الرأي الطحاوي بقوة فقد ذكر بعض الأحاديث الواردة في الباب فقال :
" عن عامر بن سعد عن أبيه قال لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله ( ص ) عليا وفاطمة وحسنا وحسينا عليهم السلام وقال : " اللهم هؤلاء أهل بيتي " ، وعلق الطحاوي بقوله : " فكان في هذا الحديث أن المراد هم رسول الله ( ص ) وعلي وفاطمة وحسن وحسين "(10) .
إلى أن يقول : "وحديث سعد وما ذكرناه معه من الأحاديث في أول الباب معقول بها من أهل الآية المتلوه فيها لنا قد أحطنا علما أن رسول الله ( ص ) لما دعا من أهله عند نزولها لم يبق من أهلها المرادين فيها أحد سواهم وإذا كان ذلك كذلك استحال أن يدخل معهم فيما أريد به سواهم ، وفيما ذكرنا من ذلك بيان ما وصفنا.
فإن قال قائل فإن كتاب الله تعالى يدل على أن أزواج النبي ( ص ) هم المقصودون بتلك الآية لأنه قال قبلها في السورة التي هي فيها ] يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا [ إلى قوله ] الجاهلية الأولى [ فكان ذلك كله يؤذن به لأنه على خطاب النساء لا على خطاب الرجال ثم قال ] إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس [ .
فكان جوابنا له : أن الذي تلاه إلى آخر ما قبل قوله ] إنما يريد الله [ هو خطاب لأزواجه ثم أعقب ذلك بخطابه لأهله بقوله تعالى ] إنما يريد الله [ ، فجاء به على خطاب الرجال ، وما قبله فجاء به بالنون وكذلك خطاب النساء "(11) . انتهى كلام الطحاوي .
وكذلك صرح بذلك الآجري ( ت 360 ) قال : " باب ذكر قول الله عز وجل ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ، قال محمد بن الحسين رحمه الله – أي الآجري – هم الأربعة الذين حووا جميع الشرف ، وهم علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم "(12) .
وبذلك صرح أبو المحاسن الحنفي : " في أهل البيت ، روي أن رسول الله ( ص ) قال لما نزلت هذه الآية ] إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا [ دعا عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال : اللهم هؤلاء أهلي ، وروي أنه جمع فاطمة والحسن والحسين ثم أدخلهم تحت ثوبه ثم جأر إلى الله فقال رب هؤلاء أهلي قالت أم سلمة : يا رسول الله فتدخلني معهم قال : أنت من أهلي ، يعني من أزواجه كما في حديث الإفك من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي لا أنها أهل الآية المتلوة في هذا الباب يؤيده ما روي عن أم سلمة أن هذه الآية نزلت في بيتي … وما روي عن واثلة … ، وواثلة أبعد من أم سلمة لأنه ليس من قريش وأم سلمة موضعها من قريش فكان قوله ( ص ) لواثلة أنت من أهلي لاتباعك إياي وإيمانك بي وأهل الأنبياء متبعوهم يؤيده قوله تعالى لنوح ] إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح [ (هود 46) ، … والكلام لخطاب أزواج النبي ( ص ) تم عند قوله ( وأقمن الصلاة وآتين الزكاة ) وقوله تعالى ] إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت [ استئناف تشريفا لأهل البيت وترفيعا لمقدارهم ألا ترى أنه جاء على خطاب المذكر فقال عنكم ولم يقل عنكن ، فلا حجة لأحد في إدخال الأزواج في هذه الآية يدل عليه ما روي أن رسول الله ( ص ) كان إذا أصبح أتى باب فاطمة فقال : السلام عليكم أهل البيت ] إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا (13)[ " .
وأما القول بأن الآية تشمل النساء ورسول الله ( ص ) فقط دون علي وفاطمة والحسنين فهو رأي لم يقله إلا بعض أتباع ابن تيمية في زمننا المعاصر ممن لم يقرأ أقوال علمائهم ولم يعلم بالروايات الواردة في الباب .
ويكفي ردا على ذلك إيراد مسلم للرواية في صحيحه كتاب الفضائل باب فضائل أهل بيت النبي ( ص ) عن عائشة قالت : " خرج النبي ( ص ) غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال : ] إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا (14) [ " .
ولقد وردت عدة روايات عن أم المؤمنين أم سلمة تصرح فيها بقولها : " في بيتي نزلت هذه الآية " ؟ ثم تراها تفصل في شأن النـزول كما ينقل الحاكم النيسابوري في ( المستدرك على الصحيحين ) :
عن عطاء بن يسار عن أم سلمة قالت في بيتي نزلت : ] إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت [ ، قالت : فأرسل رسـول الله ( ص ) إلى علي وفاطمة والحسن والحسين فقال هؤلاء أهل بيتي . قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه ، وقال الذهبي : على شرط البخاري(15) .
وأخرج الحاكم أيضا بإسناد آخر:
عن عطاء بن يسار عن أم سلمة ( رض ) أنها قالت في بيتي نزلت هذه الآية ] إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت [ ، قالت فأرسل رسول الله ( ص ) إلى علي وفاطمة والحسن والحسين رضوان الله عليهم أجمعين فقال : " اللهم هؤلاء أهل بيتي " ، قالت أم سلمة : " يا رسول الله ما أنا من أهل البيت "، قال : " إنك أهلي خير وهؤلاء أهل بيتي اللهم أهلي أحق " .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه . وقال الذهبي على شرط مسلم ، سمعه الوليد بن مزيد من الأوزاعي(16) .
ورواه الترمذي بسند آخر عن أم سلمة وفيه ، فقالت أم سلمة : وأنا معهم يا رسول الله ؟ قال إنك إلى خير . ثم أتبعه بقوله : " هذا حديث حسن وهو أحسن شيء روي في هذا الباب "(17).
وعبارة " إنك أهلي خير " المذكورة في ( المستدرك ) نقلناها كما في الطبعة ولكن من الواضح وجود تصحيف إذ السياق يقتضي أن تكون " إنك على خير " ولا نستطيع الجزم بأنه متعمد ولكن الواضح إنه خلاف مزاج الكثيرين .
ن
ويظهر من ابن كثير اعتماده على هذه الروايات لقوله تعليقا على رأي عكرمة في أن الآية مختصة بأزواج النبي : " إن أريد – من قول عكرمة – أنهن المراد فقط دون غيرهن ففي هذا نظر فإنه وردت أحاديث تدل على أن المراد أعم من ذلك "(18) ، ومع كثرة ما أورد من الأحاديث التي تدل على نزول الآية في الخمسة أصحاب الكساء لم يورد رواية واحدة تدل على أنها نزلت في " الأعم " من ذلك .
ويذكر ابن تيمية تلك الروايات الواردة عن أم سلمة ، بعد ذكر رواية عائشة الواردة في صحيح مسلم بقوله : " وهو مشهور من رواية أم سلمة من رواية أحمد والترمذي "(19) .
بل الأعجب من ذلك أن مسلم في صحيحه يورد ما يدل على عدم كون الزوجة من أهل البيت ففي كتاب فضائل الصحابة باب فضائل علي بن أبي طالب ينقل الرواية عن زيد بن أرقم ثم يقول : فقلنا : من أهل بيته ؟ نساؤه ؟ قال :" لا وايم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها "(20) .
ثانيا : قوله تعالى ] قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور [(21) .
ودلالة الآية تنطلق من أن الرسل لا يسألون الناس أجرا دنيويا على عملهم وقد ذكر القرآن الكريم تصريح الأنبياء بذلك في عدة مواقع ] وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين [(22) ، نعم هناك أمور يطلبها النبي ( ص ) من قومه قد يتوهم إنها من قبيل طلب أجر ، ولكن القرآن ينبه رسوله ( ص ) ليبين لهم ] قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد(23) [.
ويبـين القرآن الكريم أيضا أن كل ما يطلبه الرسول ( ص ) هو من قبيل الذكر الذي يوصلهم إلى الله عز وجل وهذا معنى قوله تعالى ] قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا(24) [.
وسواء كان الاستثناء متصلا بمعنى أن الرسول ( ص ) يطلب ما ظاهره أجر ، أو أن الاستثناء منقطع بمعنى أنه لم يطلب أجرا بل يطلب أمورا أخرى تصب في صالح الناس .
فقوله تعالى ] قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى [ في سياق استثناء يشبه الاستثناء الموجود في قوله تعالى ] قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين(25) [ ، وهو من قبيل اتخاذ السبيل إلى الله كما قال عز وجل ] قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا(26) [. حيث أن مودة أهل البيت الناتجة من موقعيتهم كأئمة هداية هو من قبيل الأمور التي يعود نفعها للناس وهي ذكر للعالمين ، وهي حتما من منطلق اتخاذ السبيل إلى الله .
ولما كانت دلالة الآية الكريمة واضحة ، فقد حاول البعض – كالعادة - التشكيك في أن المقصود في الآية هم أهل بيته الخمسة ، فنقول :
قد ذكر ابن كثير في تفسيره أن كبار التابعين كالإمام علي بن الحسين عليهما السلام وسعيد بن جبير وعمرو بن شعيب ذكروا نزولها في أهل البيت كما نقل عنهم ذلك ابن كثير بقوله : " وقول ثالث وهو ما حكاه البخاري وغيره رواية عن سعيد بن جبير ما معناه أنه قال معنى ذلك أن تودوني في قرابتي أي تحسنوا إليهم وتبروهم "(27) .
فضلا عن أن الحاكم في ( المستدرك ) نقل عن الإمام الحسن (ع) قوله : "وإنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم على كل مسلم فقال تبارك وتعالى ] قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا [ فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت "(28) .
وذكر ابن كثير في تفسيره قول السدي عن أبي الديلم قال : لما جيء بعلي بن الحسين ( رض ) أسيرا فأقيم على درج دمشق قام رجل من أهل الشام فقال الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم وقطع قرن الفتنة فقال له علي بن الحسين ( رض ) أقرأت القرآن ؟ قال : نعم ، قال : أقرأت آل حم ؟ قال : قرأت القرآن ولم أقرأ آل حم ، قال : ما قرأت ] قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى [قال وإنكم لأنتم هم ؟ قال نعم .
وقال أبو إسحاق السبيعي سألت عمرو بن شعيب عن قوله تبارك وتعالى ] قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى [ فقال قربى النبي رواهما ابن جرير الطبري (29) .
وقد ذهب بعض العامة إلى أن الآية تقصد : إلا أن تودوني لقرابتي منكم ، واستندوا في ذلك إلى رواية رواها البخاري في صحيحه في كتاب التفسير سورة الشورى عن ابن عباس ( رض ) أنه سئل عن قوله : ] إلا المودة في القربى [فقال سعيد بن جبير قربى آل محمد ( ص ) فقال ابن عباس عجلت إن النبي ( ص ) لم يكن بطن من قريش إلا كان له في قرابة فقال إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة(30) .
ومما يبطل هذا القول أن الاستدلال المذكور ليس برواية عن رسول الله ( ص ) ، بل هو قول صحابي إن صحت نسبته له ، على أننا نجد في المقابل قول الحسن (ع) وهو صحابي ويدعمه ثلاثة من التابعين ، لذلك فهو مقدم على ما روي عن ابن عباس لو فرض صدوره منه .
والذي يشكك أكثر بصدور ذلك الكلام عن ابن عباس ما رواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى" قالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين أمر الله بمودتهم ؟ قال :" فاطمة وولدها عليهم السـلام "(31) .
فالأمر يعود إلى القارئ لكي يختار ، أيرجح قول صحابي تعارض النقل عنه ، أو قول صحابي آخر وثلاثة من التابعين الكبار ؟
والعجب أن مصادر العامة التي تنقل تلك الرواية عن ابن عباس وتعدها في الصحاح حينما تأتي إلى تفسير قوله تعالى : ] واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى [(32) ، ولتحديد المقصود بذي القربى تجدهم ينقلون عن ابن عباس ما يضاد الكلام السابق في آية المودة .
حيث يروي مسلم في صحيحه كتاب الجهاد باب النساء الغازيات عن يزيد بن هرمز قال : كتب نجدة بن عامر الحروري إلى ابن عباس يسأله عن ... وعن ذوي القربى من هم ؟ فقال ليزيد : اكتب إليه فلولا أن يقع في أحموقة ما كتبت إليه ، اكتب … وكتبت تسألني عن ذوي القربى من هم ؟ وإنا زعمنا أنا هم فأبى علينا قومنا(33) .
فهذا الذي ينكر على قومه أن يكونوا مصاديق لذوي القربى كيف يقول في تلك الرواية أن كل قريش هي قرابة رسول الله ( ص ) في قوله تعالى ] قل لا أسألكم أجرا … [ ؟
بل نقل ابن كثير في تفسيره الرواية بزيادة " وقالوا قريش كلها ذوو القربى "(34) وهي تبين علة إباء قريش عن إعطاء بني هاشم حقهم .
وقد شكك البعض بالدلالة من حيث أن من عادة القرآن أن يبعد بذي القربى فأي وجه لأن يقول في القربى . وقد ردّ ذلك الزمخشري في تفسيره بقوله :
" ( فإن قلت ) : هلا قيل إلا مودة القربى أو المودة للقربى وما معنى قوله إلا المودة في القربى ؟ ( قلت : ) جعلوا مكانا للمودة ومقرا لها كقولك : لي في آل فلان مودة ولي فيهم هوى وحب شديد تريد أحبهم وهم مكان حبي ومحله ، وليست " في " بصلة للمودة كاللام إذا قلت إلا المودة للقربى إنما هي متعلقة بمحذوف تعلق الظرف به في قولك المال في الكيس ، وتقديره إلا المودة ثابتة في القربى ومتمكنة فيها والمراد في أهل القربى "(35) .
وأما ما يذكر من أن الأنبياء لا يسألون أجرا على تبليغ الرسالة الإلهية بل أجرهم على الله ، فهذا وإن كان مرجحا لانقطاع الاستثناء في الآية ، ليصبح المعنى لا أسألكم أجرا أبدا فالنبي لا يطلب أجرا ماديا ، وإنما يطلب أن تتخذوا السبيل إلى الله مع القربى المذكورين ، وهذا طلب يعود نفعه لكم ويصب في صالحكم ] قل ما سألتكم من أجر فهو لكم [(36).
ولكن مع ذلك فإن احتمال كون الاستثناء متصلا قوي ، وأنه ( ص ) سألهم أجرا تجوزا في الكلام لا أنه أجرا حقيقة لاحظ ما ذكره الزمخشري في تفسيره : " يجوز أن يكون استثناء متصلا أي لا أسألكم أجرا إلا هذا وهو أن تودوا أهل قرابتي ولم يكن هذا أجرا في الحقيقة "(37) .
نعم الأجر إن كان من الله قد يكون أخرويا وقد يكون دنيويا فقد أعطي إبراهيم (ع) أجره في الدنيا فقال عز وجل ]وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين [(38) ، فالله تعالى قد أعطاه أجرا في الدنيا وهذا الأجر لابد كان في جعله إماما للناس ، وألحق به ذريته أئمة للناس كما طلب ذلك بنفسه (ع) في قوله تعالى : ] وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين [(39) .
فإن كان القرآن يذكر أجرا لإبراهيم (ع) ، فإنه من الراجح إذا أن مثل هذا الأجر يعطى لأفضل الأنبياء وخاتمهم ، بل إن صريح القرآن أن أجره ( ص ) هو أعظم الأجر كما في قوله تعالى : ]وإن لك لأجرا غير ممنون [(40).
إذا ، فالاستدلال بالآية لا يقتصر على ثبوت اتصال الاستثناء ، بل حتى مع الانقطاع الاستدلال تام .
ثم أن رسول الله ( ص ) لا يمكن أن يعتبر مودة قرابته مجرد تعاطف نفسي معهم ، بل من المستبعد أن يتكلم القرآن الذي هو دستور حياة المؤمن بعبارة ذات طلب من الناس ، بينما القصد هو مجرد عواطف ومشاعر لا تؤثر في روح الإنسان ومسيرته نحو ربه ، فهل يمكن أن نعتبر المودة في القربى مجرد تعاطف أم هي أمر دخيل في صميم الهداية ؟
ثالثا : قوله تعالى ] فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين [(41).
جاء في صحيح مسلم باب فضائل علي (ع) عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال : ما منعك أن تسب أبا تراب؟ فقال : أما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله ( ص ) فلن أسبه لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم … فعدد الأولى والثانية وعن الثالثة قال: لما نزلت هذه الآية ] فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم [ دعا رسول الله ( ص ) عليا وفاطمة وحسنا وحسين ، فقال : " اللهم هؤلاء أهلي "(42) .
وما يتصل ببحثنا من هذه الآية المباركة أن عليا (ع) قد عُرِّف هنا بأنه نفس رسول الله ( ص ) ، وهذا واضح بعد العلم بأن الآية نزلت في الخمسة أصحاب الكساء كما هو صريح رواية مسلم السابقة وأبناءنا في الآية تنطبق على الحسنين عليهم السلام ونساءنا على الزهراء عليها السلام ولا مناص من القول بأن عليا (ع) ذكر بلفظ وأنفسنا .
وقد صرح ابن كثير - على تعصبه – بذلك في تفسيره ، بعد ذكره لقصة المباهلة نقلا عن ابن مردويه عن جابر وفي آخرها قال جابر : وفيهم نزلت ] ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم [ قال جابر ] أنفسنا وأنفسكم [ رسول الله ( ص ) وعلي بن أبي طالب ] وأبناءنا [ الحسن والحسين ] ونساءنا [ فاطمة(43) .
والنقطة المهمة الأخرى أن الآية قد وردت بعد قوله تعالى ] إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين () ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم [(44) ، ثم ذكرت بعدها قصة آل عمران مفصلة بدءا بقوله تعالى : ] إذ قالت امرأة عمران ... [ثم يعطف بعد ذلك على قصة زكريا وطلبه للذرية التي ترث آل يعقوب وإجابة الله لدعوته ، ومن ثم تعود الآية إلى قصة مريم واصطفائها ، ثم قصة المسيح عيسى بن مريم (ع) إلى الآية 60 من السورة ، ثم يأتي قوله تعالى ] فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعو أبناءنا … [ .
فمن الواضح من سياق الآية – أن الحديث عن أهل بيت الرسول ( ص ) ، كوجود يماثل آل عمران التي ذكرت قصتهم مفصلة ، والأعجب أن الآيات التي بعدها ترجع وتكمل الحديث عن المسيح (ع) ] قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء … [ الآية 64 ، ثم يقول تعالى : ] ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون ... [ الآية 66 ، ثم يذكر قوله تعالى ] ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين () إن أولى الناس بإبراهيم للذين أتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين [(45) ، وليس الذين آمنوا هنا إلا نفس من عبر عنه بذلك في آية الولاية كما سنبين أكثر ، فدلالة الآية واضحة على المعنى العام ، ثم المعنى الجزئي الذي يرتبط بآية المباهلة ، وهي دلالات عامة وخاصة تدل على فضل خاص لأهل البيت بما لا يرقى إليه أحد غيرهم عليهم السلام .
رابعا : قوله تعالى ] سلام على إل ياسين [(46)
تحدثت الآيات التي تسبق هذه الآية عن إلياس (ع) ، إذ قال تعالى : ] وإن إلياس من المرسلين [ ، لذا حاول مفسرو العامة بذل جهدهم لتفسير آل ياسين بـ " إلياس " ، بادعاء أن من عادة العرب تغيير بعض الألفاظ إلى ما يقاربها في النطق كما في سيناء وسينين .
ولكنهم هنا يصطدمون بنقطة أساسية لم يستطيعوا تبريرها ، وهي فصل كلمة : " آل " عن : " ياسين " . حيث وجدت في المصاحف العثمانية القديمة بهذا الشكل .
قال ابن جرير في تفسيره: " واختلف القراء في قراءة قوله ] سلام على آل ياسين [ فقرأته عامة قراء مكة والبصرة والكوفة ]سلام على إلياسين [ وقرأ عامة قراء المدينة ] سلام على آل ياسين [ بقطع آل من ياسين فكان بعضهم يتأول ذلك بمعنى سلام على آل محمد(47) .
هذا علما بأن ثلاثة من القراء كانوا يقرءون آل ياسين وهم نافع وابن عامر ويعقوب(48) ، وقال الواحدي في تفسيره : وقرأ نافع على آل ياسين وحجته إنها في المصحف مفصولة من ياسين(49) ، ونقل ذلك غيره ، فهذا إقرار من الجميع بأنها كانت مفصولة في المصاحف فكيف جاز لهم قراءتها بالوصل بياسين ؟
هذا وقد نقل ابن أبي حاتم في تفسيره عن ابن عباس .. في قوله ] سلام على آل ياسين [ قال : نحن آل محمد ( آل ياسين )(50) وذكره الطبراني في معجمه الكبير(52)، قال الشوكاني في ( فتح القدير ) : وقال الكلبي : المراد بآل ياسين آل محمد(53) .
وعموما فبمجرد الاعتقاد بحجية القراءات المتواترة كلها مع كون أكثر من قارئ قرأ ] سلام على آل ياسين [ يكفي في صحة الإستدلال بهذه الآية .
خامسا : قوله تعالى ] إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [(54) .
وقد ورد في صحيح البخاري كتاب التفسير تفسير سورة الأحزاب عن كعب بن عجرة ( رض ) قيل يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه فكيف الصلاة قال قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد . ورواه عن أبي سعيد الخدري أيضا(55) .
ورواه مسلم في صحيحه كتاب الصلاة باب الصلاة على النبي ( ص ) بعد التشهد ، عن أبي مسعود الأنصاري وعن كعب بن عجرة(56) .
لذا وإن لم يكن في الآية إشارة إلى آل محمد ( ص ) كما هو واضح ولكن إجماع المسلمين على صيغة الصلاة على النبي وإلحاق آله به ، بل وتشبيههم بآل إبراهيم عليهم السلام إنما هو إرادة انتقال كل ما كان لإبراهيم وآله إلى محمد وآله . وهل كانت بركة إبراهيم في زوجاته حتى يقال إن المقصود بآل محمد زوجاته ؟ أم أن بركة إبراهيم في أبنائه كما في قوله : ] ومن ذريتي [ وقوله : ] جعلنا في ذريته النبوة والكتاب [ وقوله : ] إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع [ ؟
وقد روى في ( عيون أخبار الرضا ) ، عن الريان بن الصلت في حديث مجلس الرضا ( ع ) في الآيات الدالة على الاصطفاء : " أما الآية السابعة : فقوله تبارك وتعالى : ] إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [ ، وقد علم المعاندون منهم أنه لما نزلت هذه الآية ، قيل يا رسول الله قد عرفنا التسليم عليك ، فكيف الصلاة عليك؟ فقال تقولون : اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، فهل بينكم – معاشر الناس – في هذا خلاف ؟ فقالوا : لا .
قال المأمون : هذا مما لا خلاف فيه أصلا ، وعليه إجماع الأمة ، فهل عندكم في الآل شيء أوضح من هذا في القرآن ؟
فقال أبو الحسن (ع) : نعم أخبروني عن قول الله عز وجل ] يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم [ فمن عنى بقوله ( يس )؟
قال العلماء : ( يس ) محمد ( ص ) لم يشك فيه أحد قال أبو الحسن (ع) : " فإن الله عز وجل أعطى محمدا وآل محمد من ذلك فضلا لا يبلغ أحد كنه وصفه إلا من عقله وذلك أن الله عز وجل لم يسلم على أحد إلا على الأنبياء صلوات الله عليهم فقال تبارك وتعالى ] سلام على نوح في العالمين [ وقال ] سلام على إبراهيم [ وقال ] سلام على موسى وهارون [ ولم يقل سلام على آل نوح ولا على آل موسى ولا على آل إبراهيم وقال عز وجل ] سلام على آل ياسين [ يعني آل محمد ( ص ) "(57) .
سادسا : آل محمد ( ص ) هم آل إبراهيم عليهم السلام
قال تعالى ] إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين [(58) .
فلاحظ أن تعبير ] هذا النبي والذين آمنوا [ في الآية ، هو نفسه في قوله تعالى : ] إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا [(59) ، وقد مر الحديث بأنه علي (ع) وأما الذين اتبعوا إبراهيم فقد ذكروا في قوله تعالى ] وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام () رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم [(60) ، فالمقصود به ذريته المحسنة التي استجاب دعائه بهم فلذا قال " فإنه مني " ، وما نريد قوله أن الآيات في النهاية رجعت وبينت من هم آل إبراهيم الحقيقيون الذين أشير إليهم في قوله تعالى : ] إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين [ .
وأكبر دليل على كون محمد ( ص ) من آل إبراهيم دعاء إبراهيم (ع) ] ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم [(61) . وقد روى أحمد في مسنده عن أبي أمامة قال : قلت يا رسول الله ما كان أول بدء أمرك ؟ قال " دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى بي ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت منها قصور الشام "(62) .
المهم أننا وجدنا في القرآن ذكرا صريحا لوجود الاصطفاء بعد خاتم الرسل كما في قوله تعالى : ] ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا [(63) ، وقوله تعالى : ] هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل [ (64) ، بل هو ظاهر قوله تعالى : ] وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون [(65) ، ولو كان المقصود بكلمة " عقبه " أي بعده ، لما كان لحرف " في " معنى في الآية ، لذلك فإن الأصح أن يكون معناها عقبه أي ذريته ، مما يتناسب مع الآيات التي تحدثنا عنها سابقا .
وبناء على ما ورد في صحيح مسلم كتاب الفضائل باب فضل نسب النبي ( ص ) عن واثلة بن الأسقع قال : سمعت رسول الله ( ص ) يقول : " إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم "(66) .
فيجب أن يكون هؤلاء الذين اصطفاهم الله من بني هاشم قبل غيرهم من قريش ، ويجب أن يكون الخلفاء الإثنا عشر المذكورين في روايات البخاري ومسلم هم من بني هاشم من قريش لا من بطونها الأخرى .
والعجب منهم يقبلون الرواية التي ينقلها البخاري في كتاب الأحكام باب الأمراء من قريش عن ابن عمر إن رسول الله ( ص ) قال : " لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان "(67) ولا يقبلون أن نقول أنه في بني هاشم ويعدونها من التوارث المذموم .
ومن أعظم الآيات التي تدل على التلازم بين آل إبراهيم عليهم السلام وآل محمد ( ص ) قوله تعالى : ] أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا () أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وأتيناهم ملكا عظيما [(68) ، فالآية تتحدث عن مجموع محسود زمن رسول الله ( ص ) ، ويشبه آل إبراهيم في تعنونه بعنوان الآل لذا القرآن يعترض على الحاسدين بما يعني أن إعطاء الفضل لبيت من بيوتات الأنبياء ليس أمرا لا سابقة له بل كلكم يعرف حدوثه في آل إبراهيم عليهم السلام .
فلذا لا يمكن أن يكون المقصود إلا آل محمد ( ص ) ، والعجب هنا أيضا أن بعد تلك الآيات بقليل يقول عز وجل ] إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا () يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم… [(69) .
فانظر إلى تسلسل الآيات
أولا : النهي عن حسد من أعطاهم الله من فضله أي الكتاب والحكمة والملك العظيم كما آتى آل إبراهيم .
ثانيا : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل .
ثالثا وأخيرا : الأمر بطاعة الله وطاعة الرسول وأولي الأمر .
ألا يكشف هذا التسلسل من هم أولي الأمر ومن هم المحسودون ؟
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الأحزاب : 33
(2) آل عمران : 42
(3) المائدة : 6
(4) العنكبوت : 27
(5) الإتقان – للسيوطي – ج1 ص215
(6) الإتقان – للسيوطي – ج 1 ص 56
(7) الإتقان – للسيوطي – ج1 ص 102
(8) البقرة : 280
(9) تفسير ابن كثير - ج 3 ص491
(10) مشكل الآثار – للطحاوي – ج1 ص227
(11) مشكل الآثار – للطحاوي – ج1 ص230
(12) الشريعة – للآجري – ج5 ص2205
(13) معتصر المختصر - أبو المحاسن الحنفي - ج2 ص266
(14) صحيح مسلم - ج4 ص1883
(15) المستدك على الصحيحين – ج3 ص158
(16) المستدك على الصحيحين – ج2 ص451
(17) سنن الترمذي – ج5 ص699 .... ويظهر من كاتب الحاشية على ( المعجم الكبير ) ج2 ص53 بأن الترمذي قال : حسن صحيح ، ثم علق بقوله : وهو حديث صحيح بطرقه وشواهده . هذا وقد صحح الألباني الرواية السابقة أيضا .
(18) تفسير ابن كثير – ج3 ص491
(19) منهاج السنة – ج4 ص20
(20) صحيح مسلم – ج4 ص1874
(21) الشورى : 23
(22) الشعراء : 109
(23) سبأ : 47
(24) الفرقان : 57
(25) الأنعام : 90
(26) الفرقان : 57
(27) تفسير ابن كثير - ج4 ص 121
(28) المستدرك على الصحيحين – ج3 ص172
(29) تفسير ابن كثير – ج6 ص162
(30) صحيح البخاري – ج6 ص162
(31) تفسير ابن ابي حاتم – ج10 ص3277
(32) الأنفال : 41
(33) صحيح مسلم – ج3 ص1445
(34) تفسير ابن كثير – ج2 ص325
(35) الكشاف – للزمخشري – ج3 ص402
(36) سبأ : 47
(37) الكشاف – للزمخشري – ج3 ص402
(38) العنكبوت : 27
(39) البقرة : 124
(40) القلم : 3
(41) آل عمران : 61
(42) صحيح مسلم – ج4 ص1871
(43) تفسير ابن كثير – ج1 ص379
(44) آل عمران : 34
(45) آل عمران : 67-68
(46) الصافات : 130
(47) تفسير الطبري - ج22 ص114
(48) طييه النشر في القراءات العشر – ابن الجزري – ص303
(49) الوسيط في تفسير القرآن – الواحدي – ج3 ص532
(50) تفسير ابن أبي حاتم - ج10 ص3225
(51) المعجم الكبير – الطبراني – ج11 ص56
(52) فتح القدير – الشوكاني – ج4 ص470
(53) الأحزاب : 56
(54) صحيح البخاري – ج6 ص151
(55) صحيح مسلم – ج1 ص305
(56) عيون أخبار الرضا – ج1 ص236
(57) آل عمران :68
(58) المائدة : 55
(59) إبراهيم : 35-36
(60) البقرة : 129
(61) مسند أحمد – ج5 ص362
(62) فاطر : 32
(63) الحج : 78
(64) الزخرف : 28
(65) صحيح مسلم – ج4 ص1782
(67) صحيح البخاري – ج9 ص78
(68) النساء : 54
(69) النساء : 58
source : http://zainealdeen.com