عربي
Saturday 28th of December 2024
0
نفر 0

الإسلام دين الحرية والشمول

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين

قال تعالى : ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ آل عمران /19 .

إن الإنسان مفطور على حب الدين ولا يمكن له أن يعيش بدون الدين وحتى من ينكر الدين لعوامل خارجية فهو في واقع الأمر يتدين ببعض الأمور لا شعورياً.

والإسلام هو آخر الأديان وأفضلها وأعظمها وهو دين الفطرة ودين الحرية الذي يصلح لكل البشرية جمعاء في مختلف العصور والأزمان والأمكنة ، كما يصلح لكل مجتمع من المتحضرين وغيرهم ومع مختلف الطبقات والمذاهب والأعراق.

وفي نفس الوقت الإسلام دين الرفض للباطل والظلم والعدوان والاستبداد والهيمنة والاستعمار .. الإسلام الذي حمل في أول شعار له كلمة ( لا ) في بداية كلمة التوحيد عندما جاء بها وارث الأنبياء وخاتمهم وأفضلهم محرر العالم من العبودية والذل رسول الرحمة والإنسانية كلمة ( لا ) التي نفت كل الآلهة غير الله ونفت كل خضوع وتذلل وسلطة على الآخرين إلا لله .. هذا الدين النقي الحاكي للفطرة والصالح لكل زمان ومكان وهنا لا بد أن تلحظ عدة أمور:

الأمر الأول : شمولية الإسلام

يجب أن نفهم الإسلام فهما متكاملا وأنه شامل لمختلف شؤون الحياة في الاقتصاد والسياسة والعقيدة والأخلاق والاجتماع والتاريخ ومتطلبات الحياة كلها. ولا يقتصر على الجانب الفردي في علاقة الإنسان مع الله سبحانه فحسب.

إن شمولية الإسلام ليست مجرد ادعاء بل الواقع يدل عليه ففي المجال النظري قد ثبت أن الإسلام قد وضع جميع الحلول لكل مشاكل الحياة وما من واقعة إلا ولله فيها حكم وكما ورد في الحديث ( حتى أرش الخدش ) أي إن الإسلام وضع لكل مشكلة في الحياة حلا ناجعاً حتى عندما يخدش شخص يد آخر أو جسده فقد وضع له عوض جنايته.

ومن الناحية العملية كذلك لم تكن هناك أزمة في الحياة إلا والإسلام عنده القدرة على حلها سياسية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية أو جغرافية أو غيرها وقد برهن على قدرته حينما كان الرسول الأعظم صلوات الله عليه وعلى آله على رأس السلطة يمارسها . بل تعدى الإسلام ذلك إلى عالم الغيب حول وجود الله وصفاته وأسمائه والمعاد والنبوة والإمامة فقد شرح ذلك بكل وضوح .

وقد طرح هذا المفهوم الشمولي للإسلام المفكر الإسلامي الشهيد السيد محمد باقر الصدر في جملة مؤلفاته ودعا إليه في محاضراته وقد تصدى لشرح هذا المفهوم في الكتب التي طرحها على الساحة وانتشرت في العالم :

1- ففي السياسة : كتب سلسة : الإسلام يقود الحياة .

2- وفي الأيدلوجية : كتاب فلسفتنا .

3- وفي الاقتصاد: كتب اقتصادنا ، والبنك اللاربوي في الإسلام

4- وفي الاجتماع : المدرسة الإسلامية  ، والسنن التاريخية في القرآن ، والمحنة

5- وفي العبادات والمعاملات : كتبه الفقهية الفتوائية والاستدلالية .

وأتذكر في السبعينات في يوم من الأيام بعد أن خرجنا من درس الفقه صباحا ذهبت بصحبته إلى زيارة بعض الفضلاء العائدين إلى النجف الأشرف من القطيف وكان في المجلس أحد طلبة العلم من نفس البلد وأخذ يمدح ويثني على كتاب ( فلسفتنا ) وإعجاب المفكرين والمثقفين وما أحدثه من تغيير جذري في المفاهيم الإشتراكية والشيوعية والغربية الرأسمالية السائدة آن ذاك . أجاب سماحة السيد بكلمة مختصرة أن هذا هو الإسلام والفضل له وإذا فيه تقصير أو خلل فيرجع إلينا.

ويقول السيد الشهيد الصدر ( فليس الوعي السياسي للإسلام وعيا للناحية الشكلية من الحياة الاجتماعية فحسب ، بل هو وعي سياسي عميق مرده إلى نظرة كلية كاملة نحو الحياة والكون والاجتماع والسياسة والاقتصاد و الأخلاق فهذه النظرة الشاملة هي الوعي الإسلامي الكامل ) [1].

واستمر مجاهدًا لشرح هذا المفهوم قولا وعملا حتى سقط شهيدا على أرض الرافدين ليسقي بدمه الشريف شجرة الإسلام .

الأمر الثاني: تطهير الفكر الإسلامي

وذلك أن يطهر الفكر الإسلامي من عناصر الجمود والركود التي حلت به سواء التي ألصقت به في عصور التخلف أو وضعت فيه كذبا أو التي أدخلها الاستعمار وروج لها أنها من أصل الدين . وهذه مهمة كبيرة يتحملها أهل الاختصاص ، ومع الأسف الشديد لا زالت في بداياتها ، بل إن الحملة الشرسة عليها باسم الدين قائمة على قدم وساق .

الأمر الثالث : الإسلام ثقافة

أن يصبح الإسلام ثقافة الجماهير وأن يعرف الشارع دينه وإسلامه حتى تختلط تلك الثقافة بدمه وعروقه وعظامه كما أرادها الله والرسول صلى الله عليه وآله ولا يكون حكرًا على مجموعة خاصة ، وقد أصيب الإسلام في مقاتله بسب جهل الأمة بإسلامها وثقافته.

الحـرية

في هذه الأيام ينظر كثير من الغربيين إلى الإسلام والمسلمين بعين الاحتقار والتخلف والجهل ويطرح عدة تساؤلات منها مفهوم الحرية ويدعي زوراً وبهتاناً أنه هو الذي يفهم الحرية وعليه أن يطبقها بحذافيرها ، تتناقل وسائل الإعلام الغربي وغيره  هجمته الشرسة على المقدسات الإسلامية وبالأخص الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله .

ويعلل ويبرر هذا التهجم على هذه المقدسات باسم الحرية والديمقراطية وحرية التعبير .

المقارنة بين الحريتين

ونحاول أن نقارن بين الحرية في الغرب والحرية في الإسلام بصورة مختصرة :

والمراد بالحرية هي الحرية العامة التي تعني عدم سيطرة الآخرين عليه وهذا المفهوم موجود في كل من الحضارتين وإن اختلف إطاره وقاعدته الفكرية .[2]

ومنذ نبدأ بالمقارنة بين الحرية في الإسلام ، والحرية في الديمقراطية الرأسمالية .. تبدو لدينا بوضوح الفوارق الجوهرية بين الحرية التي عاشها المجتمع الرأسمالي ونادت بها الرأسمالية وبين الحرية التي حمل لواءها الإسلام وكفلها للمجتمع الذي صنعه وقدم فيه تجربته على مسرح التاريخ ، فكل من الحريتين تحمل طابع الحضارة التي تنتمي إليها ، وتلتقي مع مفاهيمها عن الكون والحياة ، وتعبر عن الحالة العقلية والنفسية التي خلقتها تلك الحضارة في التاريخ .[3]

فالحرية الرأسمالية الغربية تعكس المفاهيم لحضارتها عن الكون والحياة والأخلاق كما تمثل العقلية والنفسية للمجتمع الغربي .

الحرية الغربية

وإذا ما أردنا أن نتعرف على الحرية في المفهوم الغربي لأرينا أن الحرية هي النقطة المركزية في التفكير الرأسمالي الغربي . أي أن الحرية الغربية مبنية على المادة و المصلحة الشخصية . وعدم قدرة أي سلطة مهما كانت أن تسيطر عليه ولذلك لا يعترف بوجود ولاية لله عليه.

بدأ الغربي من حالة الشك في كل ما لديه ومورثاته وكفر بكل شيء قديم يمت إلى الدين والكنيسة  واعتنق كل شيء جديد حتى وإن كان سخيفاً وخرافياً في واقع الأمر .

إن الإنسان الغربي يسيطر على نفسه بنفسه ولا يعترف بقوة قاهرة ، لذلك نبذ الدين وتحلل من الأخلاق وليس لديه أمر محرم غير ما يخالف مصالحه الشخصية وكل شيء حلال ما دام يحقق تلك المصلحة .

والحرية بحسب المفهوم الغربي على الحرية الشخصية الفردية وحرصت الحضارة الغربية على توفير أكبر عدد من الحرية الشخصية لكل فرد ما دام لا يتعارض مع حرية المجتمع ولا تنتهي حرية الفرد إلا حيث تبدأ حريات الآخرين ففي الجانب الشخصي يفعل بنفسه ما يشاء فيشرب من الخمر إلى آخر نقطة من قارورته ما دام لا يزاحم الآخرين ويقف في طريقهم . وهذه الحرية في الحقيقة تنتهي إلى العبودية والأغلال للفرد ويصبح عبد شهوته ونزواته والمصالح المادية .

الحرية الاجتماعية

الحرية في الإسلام :

تختلف عن الحرية في المفهوم الغربي . وفي المفهوم الإسلامي تعتبر هدفا من الأهداف للرسالة السماوية قال تعالى ﴿ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ   الأعراف / 157.

فالقاعدة الأساسية للحرية هي : التوحيد والإيمان بالعبودية لله ، التي تتحطم بين يديه كل القوى الوثنية التي هدرت كرامة الإنسان على مر التاريخ .

وقد وردت النصوص في الشريعة الإسلامية حول الحرية وأنها من المفاهيم الرئيسية في الفكر الإسلامي والذي لا يؤمن بها فمفاهيمه الإسلامية ناقصة فقد جاء عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ( لا تكن عبدًا لغيرك وقد خلقك الله حرًا). فالعبودية لله وحده لا شريك له . والحرية مع الآخرين هي أصل لا يمكن أن تتبدل فلا يجوز للإنسان أن يكون عبد غيره .

وفي مجال الحديث عن قيمة الشخصية الفاقدة للحرية تلك الشخصية لا قيمة لها في الحياة فعن الإمام الصادق عليه السلام  ( خمس خصال من لم يكن فيه شيء فيها لم يكن فيه كثير مستمتع : أولها الوفاء ، الثانية التدبير ، و الثالثة الحياء ، والرابعة حسن الخلق ، والخامسة - وهي تجمع الخصال - الحرية ) [4] فالحرية في المفهوم الإسلامي تجمع صفات الخير ومكارم الأخلاق فهي تشمل الوفاء وحسن التدبير والإدارة والحياء وحسن الخلق .

وهنا يركز الإسلام على الحرية في الجانب الاجتماعي على الحرية الفردية فهو يقدم المصالح العامة على المصالح الشخصية ويكشف عن درجة عالية من التقوى عند الفرد عندما يتنازل عن مصالحه الآنية .

الخطبة الثانية

في الوقت الذي تزداد الهجمة على قدسية الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله من الغرب فإن الإسلام لا يحمل الجريمة إلا صاحبها ﴿ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ومهما كانت الأسباب وراء هذه الهجمة التي قد يكون من أسبابها الوقيعة وإشعال نار الحرب بين المسيحيين والمسلمين وإشعال الفتن والحروب بينهم ، ونحن نذكر أن بعض المسيحيين قد أثنى على الإسلام ونبيه والمسلمين واحترم مقدساتهم وهنا أشير إلى كتابين في هذا الجانب :

1- شمس العرب تسطع على الغرب .

المؤلفة المستشرقة الألمانية : زيغريد هونكه

تقول في مقدمتها للكتاب تخاطب العرب والمسلمين  : ( فإن الناس لا يعرفون إلا القليل عن جهودكم الحضارية الخالدة ودورها في نمو حضارة الغرب . لهذا صممت على كتابة هذا المؤلف و أردت أن أكرم العبقرية العربية و أن أتيح لمواطنيّ فرصة العودة إلى تكريمها . كما أردت أن أقدم للعرب الشكر على فضلهم الذي حرمهم من سماعه طويلا تعصب ديني أعمى أو جهل أحمق ) . فهذه الآنسة تعترف بفضل العرب وحضارتهم وتقدمهم على الغرب .

وتواصل حديثها في باب من أبواب الكتاب حول الطب : وتتحدث عن عدة أمور منها :

1- عن العملية القيصرية التي عرفها العرب قبل الغرب  .

2- وكذلك علم التشريح .

3- وأدوات جراحية عربية نقلت إلى الغرب .

4- وعن الكيمائيين العرب .

5- عقاقير طبية .

6- صيدلية عربية لابن سينا .

وتحت عنوان : سلاح المعرفة . تحدثت في فصول عن :

1- المعجزة التي حققها العرب .

2- الغرب يسير في طريق مظلم .

3- منهج المنتصر وفي هذا الفصل قالت :

﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ هذا ما جاء به القرآن الكريم ، وبناء على ذلك فإن العرب لم يفرضوا على الشعوب المغلوبة الدخول في الإسلام .

فالمسيحيون والزرادشتية و اليهود الذين لاقوا قبل الإسلام أبشع أمثلة للتعصب الديني و أفضعها ، سمح لهم جميعا دون أي عائق يمنعهم من ممارسة شعائر دينهم ، وترك المسلمون لهم بيوت عبادتهم و أديرتهم وكهنتهم و أحبارهم دون أن يمسوهم بأدنى أذى .

أوليس هذا منتهى التسامح ؟  أين روى التاريخ مثل تلك الأعمال  ومتى؟ [6].

وهكذا تتحدث هذه الألمانية في مختلف فصول الكتاب عن حضارة العرب في مختلف الميادين ونبلهم ومعاملتهم مع المسيحيين الذين لم يدخلوا الإسلام وكيف تأثر كثير من غير المسلمين بأخلاقهم وحسن معاملتهم حتى أسلم الكثير منهم ومن لم يسلم صار يتشبه بالمسلمين ويعشق أسمائهم ويضعونها لأولادهم . وكم شتان بين هذه المعاملة من المسلمين مع غيرهم وبين الهجمة الآن على نبي الإسلام لتشويه سمعته حتى لا يتأثر غير المسلمين بخلق نبي الإسلام .

2- الكتاب الآخر : الحسين في الفكر المسيحي . المؤلف : انطون بارا

صاحب الكتاب كان معجبا بالإمام الحسين عليه السلام وقال : الحسين شهيد المسيحية وشهيد الإسلام .

جاء في هذا الكتاب أيضا :  لم تحظ ملحمة إنسانية في التاريخين القديم والحديث بمثل ما حظيت به ملحمة الاستشهاد في كربلاء من إعجاب ودروس وتعاطف .

ويصفها بأنها : الأولى و الرائدة و الوحيدة و الخالدة في تاريخ الإنسانية مذ وجدت وحتى تنقضي الدهور ، إذ هي خالدة خلود الإنسان الذي قامت من أجله .

وقال :  ما أجدر بالبشرية اليوم لأن تتوجه نحو منارة الحسين كيلا تضل .

وقال أيضاً : الحسين ضمير الأديان إلى الأبد.

وتحت بعض العناوين قال : ثورة الحسين لمن ؟

وقال ؟  ثورة الوحي الإلهي .

وهكذا يستمر في الكتاب الذي تجاوز 353 صفحة .

إننا نقدر هذه الجهود ونثمنها في دراسة مثل هذه الشخصيات العالمية التي جاءت لأن تحيي العلم وتخرجه من ظلمات الجهل إلى نور المعرفة . وخدمت الإنسانية كلها فأصبحت هذه الثورة يستفيد منها كل المحرومين والمستضعفين في العالم .

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين


[1] المدرسة الإسلامية ص

[2] المدرسة الإسلامية ص 77 .

[3] المدرسة الإسلامية ص 78

[4] خصال الصدوق ص 284 .

source : http://alradhy.com
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

العقـائــد الإسـلاميــة في القــرآن الكريــم
هل الإعجاز يخالف أصل العليّة؟
الإمامة في رؤية الأئمة الأطهار- حديثان عن الإمام ...
ما روى أن القائم عليه السلام يستأنف دعاء جديدا
الائمة الاثني عشر
فلسفة وجود الإمام
لماذا الجحفة وغدير خم
في أن عليا لم يندم على التحكيم
بشائر القرآن بالامام المهدي
كم يبلغ عدد الشيعة في العالم ؟

 
user comment