لا شكّفي وجود آلام ومصائب اجتماعية يتألّم منها و يستضرّ بها أفراد المجتمع من غير فرق بين الموَمن والكافر والمطيع والعاصي، فإذا كان الكافر والعاصي مستحقاً لتلك المصائب بكفره وعصيانه، فما هو المصحح لتألّم الموَمن المطيع وتضرّره منها، مع أنّ مقتضى العدل أن لا تزر وازرة وزر أُخرى، ولا يعاقب الموَمن بعقوبة الكافر، أفلا يخلُّ ذلك بعدله تعالى؟
والجواب عنه: انّ من خواص يوم القيامة انّه «يوم الفصل»، فيفصل أهل النار من أهل الجنّة وتجزى كلّنفس بما كسبت، وأمّا الحياة الدنيوية فالناس يعيشون فيها بالاختلاط والاشتراك، فإذا نزلت بليّة وكارثة طبيعية أو غير طبيعية يتألّم منها الجميع، ولكن مع ذلك انّ اللّه تعالى بعدله و رحمته يعوِّض غير المستحقين لتلك النازلة بما هوأنفع لهم إمّا في الدنيا و إمّا في الآخرة، وهذا هو المراد من «العوض» في اصطلاح المتكلمين.
ثمّ إنّ هذا الجواب لا يختصّ بالمقام، بل يأتي في جميع الموارد التي يكون عمل فرد أو أفراد سبباً تكوينيّاً أو تشريعيّاً لتألّم الغير وتضرّره، كالاختلالات العضوية والفكرية الطارئة على بعض المواليد الناشئة من سوء تغذية الوالدين أوبعض الاعتيادات المضرّة وغير ذلك، فربما يخرج الولد أعمى أو أبكم أو أصم أو غير ذلك من العلل، مع أنّ السبب لها هو غيره سبحانه، لكنّه تعالى يعوِّضهم برحمته، ويرفع عنهم التكليف الشاقّ.
فيعطي للمتألّم عوضاً لتألّمه وابتلائه من الاَجر ما يكون أنفع بحاله، وهذا كما يكون مقتضى عدله سبحانه، يكون أيضاً مقتضى لطفه ورحمته، ويدخل تحت قاعدة الاَصلح في الدين، وجميع ذلك مروي عن أئمّة أهل البيت _ عليهم السلام _ ، واستلهم العدلية من المتكلّمين من تلك الروايات وعنونوها في مسفوراتهم الكلامية.
روى الصدوق بسند صحيح، عن الصادق _ عليه السلام _ انّه قال: «كان فيما أوحى اللّه عزّ وجلّ إلى موسى _ عليه السلام _ أنْ يا موسى ما خلقت خلقاً أحبُّ إليَّ من عبدي الموَمن، و إنّما أبتليه لما هو خير له وأُعافيه لما هو خير له، وأنا أعلم بما يصلح عليه أمر عبدي، فليصبر على بلائي، وليشكر نعمائي، وليرض بقضائي، أكتبه في الصدّيقين عندي إذا عمل برضائي فأطاع أمري». (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التوحيد: الباب62، الحديث 13.
source : اهل بیت