عربي
Wednesday 3rd of July 2024
0
نفر 0

الأبعاد الروحية للشعائر الإسلامية

الأبعاد الروحية للشعائر الإسلامية

ينطلق الإنسان في رحلته ضمن زمن محدود خلال وجوده على هذه البسيطة من منظور قائم على اتجاهات محسوبة سلفا من خلال مسلكين ؛ أحدهما يمثل الخط المادي ، في حين يندفع الآخر ليرسم ملامح خط الروح ، و الربط الفعلي بذات الله المتمثلة بالمعتقدات ، و العبادات بصفتهما ، يمثلان خطي الربط مع الحياة التالية ، و من هنا فإن المرحلة البشرية أول ما تبدأ من نقطة واحدة ، ولكن تبدأ باتجاهين متعاكسين ، و تبقى مسألة تحقيق التوازن بينهما كفيلة بميول و اتجاهات الإنسان نفسه.

إذن فالطريق إلى الله سبحانه و تعالى سالكة لكل من أراد الوصول إليه ، و هذه العبادات تضفي على الإنسان جوا من الإشباع الروحي و الفكري ، تجعل منه ينتقل عبر هذه الاحساسات إلى عالم ، يعتقد من وجهة نظره على الأقل إنها تحقق له لذة ، تصل به إلى درجة الاكتمال حتى ولو معنوياً ، و ما إن يصل الإنسان إلى هذه المرحلة ، هو بحد ذاته يعد هدفا سامياً ، يروم الولوج فيه أي إنسان مهما كانت حقيقة مرجعيته الثقافية و الاجتماعية ، فممارسة العبادات عملياً  تعجل في سفر الإنسان في الإنسان في رحلة ضمن الزمن العبادي إلى الله تعالى ، و هذا السفر يخلق لديه نوعا من الإحساس بالمتعة و اللذة خلال ذلك الزمن ، لان أساس الفكرة ، يرجع إلى أعماق النفس الإنسانية ، التي تنزح بطبيعة ذاتها نحو البحث عن الحزن و الألم كونهما من الدوافع الفطرية و الغريزية للإنسان ، التي تحس معهما النفس بشيء من تحقيق ألذات لاسيما كون الحزن ، يرتبط بقضية مصيرية أو بالتعبير الأدق أبدية ، تتعلق بتحول الإنسان عبر مراحل تطورية في المجتمع من شكل لآخر و من حالة لأخرى .

هذه التحولات تدفع بالإنسان نحو أهداف نبيلة ، لاتستطيع تذوق طعمها في وقت ممارستها. ولكن ربما يكون على موعد لاحق لتحقيق هذه الأمنيات ، التي يطمح الإنسان إلى تحقيقها بغية الوصول إلى لذة الكمال المعنوية ، التي تشكل نقطة إشعاع وسط عتمة الهبوط ، و كأني بالسابح في هذا التيار يثق تماماً ، بأن كل المصاعب و المعوقات ، التي ربما تحول دون وصوله إلى هدفه المنشود ، هي بحد ذاتها أهدافا تدفع به إلى عالم الروح ، هذا العالم الذي ينشد كي يرتبط مع رمز الخلود المطلق و شعلة الحق الأبدية ، و شعاع الأمل السرمدي ، أبي الأحرار و منار الثوار أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، و من خلال هذه الرؤية تشع فكرة أحياء شعائر هذا الرمز الأبدي ، و هذا العشق السرمدي ، و عندما تنبت فكرة الإحياء في الجذور ، فإنها تحضر لنفسها مكاناً ، تمتد جذوره إلى أرض الرحمن و زمن الملائكة ، و يعلو ساقها إلى أعنان السماء ، و تتفرع أغصانها بين خبايا الروح و تمتاز أوراقها عن خلايا العقل ، و يغذي ثمرها الجسد بأحلى غذاء ، و يغسل ماؤها كل خطايا الجسد الدنيوي ، و حتى إلى درجة يكون الجسد مطابقا للروح تمام المطابقة ، و كأنك تشعر بالهجرة و الرحيل و الارتياح من هذه الدنيا المادية إلى عالم الاستقرار و المثال و الأبدية .

و هذا العالم له سماته ، التي تميزه عن عالمنا ، و هذه السمات تجدها مجسدة بشخص المحب الحسيني ، و هذا العاشق الولهان ، الذي يفارق جراء هذا العشق كل عشاق الدنيا ( الزوجة و الابن و الأم و الأخ و الصديق ) ، كل هذه المعشوقات ، تهون ، و تتلاشى إزاء حبه وع شقه و هواه الحسيني ، و من مجموع هؤلاء العشاق ، يتكون لدينا كتلة بشرية لها سمة ، تختلف عن غيرها من كتل البشر ، و تكون ضمن زمن مستقل عن الزمان ، و في مكان ينأى عن الأمكنة ، لينتج عنها أشبه بحلقة من حلقات إقامة هذه الشعائر ، و هي ما يمكن أن نطلق عليها موكب أحباب الحسين ، أو موكب أنصار الزهراء ( س ) إلى غير ذلك من النقاط المضيئة في زمن يبحث عن الضياء ، و أن نطرق بابا من أبواب هذه الجنان التي ترنو صوب المزن ، و تحدد صوب الألق لوجدنا أنموذجا ، يقف الفكر أمامه حائرا ، و يسجد له القلم تواضعا لأنه مثال حقق كل ، الذي جسدناه من خلال رؤيتنا إلى أن المواكب الحسينية ، تحقق ما لم تحققه أقوى النظريات الاجتماعية و الفلسفية في المجتمع ، إذ استطاعت المواكب الحسينية ، أن تخلق نوعا من الترابط الاجتماعي قل نظيره ، و تؤسس انسجاما ما بين أنواع  وطوائف من المجتمع ، لايمكن أن تنسجم حتى في الخيال ، ولكن هذه الأنواع ذابت في بوتقة الموكب الحسيني ، ولو طرحنا تساؤلا كيف استطاع الموكب الحسيني ، أن يؤسس تلك النظرية الاجتماعية ؟ ، و ما الأسباب التي جعلت منه قادرا على خلق هذا النوع من الترابط ، الذي يعجز أي منظر في علم الاجتماع أن يقوم به ؟ ، و للإجابة عن هذه التساؤلات ينطلق الكاتب هنا من رؤية واقعية ، و ليست نظرية من خلال رحلة عشق مع ثلة من عشاق الحب الحسيني ، ينتمون إلى مرجعيات ثقافية مختلفة لكنهم ، يلتقون بعشق واحد و قلب واحد ، و كأنهم أنموذج رائع ، نشم منه عطر الحسين تراهم في الحسين عليه السلام غيرهم خارج المواكب الحسينية ، هذه الثلة المؤمنة رسمت ملامح الوله الحسيني بدلائل واضحة في كل جزء من الزمن ، حتى أنهم كانوا من حيث لايعلمون يرسمون صورة من صور المجتمع الحسيني ، ولو بجزء متقطع من الزمان و المكان ، إلا أنهم يمثلون الخط الرابط لذلك الجسر الروحي ، الذي يعبر منه كل محب للحسين على السلام ، سواء أكان من عامة الناس أو من خاصتهم ، ألايثير الذهن أن الموكب الحسيني ، يمثل بؤرة جذب لكل حالة من حالات المجتمع .  هذه الحالات تجدها أكثر اندفاعا لالشيء إلا لتثبت أنها تستطيع ، أن تحلق بالركب و تنجو من الهلاك من خلال سفينة النجاة و الرحمة أهل البيت عليهم السلام ، شباب مفعمون لايعرفون النفاذ بل يعشقون النفاذ ، شباب يطمعون الوصول إلى الشمس التي لايرون المسير إليها إلاسعادة ، تلك الشمس التي تمنح الرحمة الشفاء شمس أبي عبد الله الحسين ، التي لاينطفئ نورها ، لأن زينتها و مصدرها دم الشهادة الذي شرب منه الزمن ،  فعشقه الموكب الحسيني مجسدا بتلك المواكب الخالدة على مر العصور .


source : تبیان
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

التجهيز
الذنوب الكبيرة (4)
أشراط الساعة (1)
كم يبلغ عدد الشيعة في العالم ؟
الإسماعيلية
في هكذا ظروف ومريم العفيفة الباكر خافت على ...
مـن هو الذكـي...؟؟
استدراك خائب
ما فائدة البحث عن إمامة عليّ في هذه الأزمان؟
شرح قول الإمام وفيك انطوى العالم الأكبر

 
user comment