فـبعث هؤلاء النفر الى تهامة والى جانب اليمن وهم اشراف الجن وسادتهم , فوجدوا النبي صلى اللّه عـليه وسلم يصلي صلاة الغداة بنخلة فسمعوه يتلو القرآن , فلما حضروه قالوا انصتوا, فلما قضى (يـعني بذلك انه فرغ من صلاة الصبح ) ولوا الى قومهم منذرين مؤمنين لم يشعر بهم حتى نزل (قل اوحي الي انه استمع نفر من الجن ), يقال : سبعة من اهل نصيبين ) ((16)) .
كـان ذلـكم بعض ما جاء من امر الجن والشياطين وابليس في القرآن الكريم , وجاء في الروايات ما ياتي :
ا ـ عن الامام الباقر (ع ), انه قال في سليمان (ع ):
ان سـليمان بن داود, قال ذات يوم لاصحابه : ان اللّه تبارك وتعالى قد وهب لي ملكا لاينبغي لاحد من بعدي , سخر لي الريح , والانس , والجن , والطير, والوحوش , وعلمني منطق الطير, وآتاني من كل شـي ء, ومع جميع ما اوتيت من الملك ما تم لي سرور يوم الى الليل , وقد احببت ان ادخل قصري في غـد, واصـعد اعلاه , وانظر الى ممالكي , فلا تاذنوا لاحد علي لئلا يرد علي ما ينغص علي يومي , قالوا: نعم .
فـلـما كان من الغد اخذ عصاه بيده وصعد الى اعلى موضع من قصره , ووقف متكئا على عصاه ينظر الـى مـمالكه مسرورا بما اوتي , فرحا بما اعطي , اذ نظر الى شاب حسن الوجه واللباس قد خرج عليه من بعض زوايا قصره .
فلما بصر به سليمان (ع ) قال له : من ادخلك الى هذا القصر وقد اردت ان اخلو فيه اليوم ؟ فباذن من دخلت ؟ فقال الشاب : ادخلني هذا القصر ربه وباذنه دخلت , فقال : ربه احق به مني , فمن انت ؟ قال : انا مـلـك الـموت , قال (ع ): وفيما جئت ؟ قال : جئت لاقبض روحك , قال : امض لما امرت به , فهذا يوم سـروري ابـى اللّه عـز وجل ان يكون لي سرور دون لقائه , فقبض ملك الموت روحه وهو متكئ على عصاه .
فـبـقـي سـليمان متكئا على عصاه وهو ميت ما شاء اللّه والناس ينظرون اليه وهم يقدرون انه حي , فافتتنوا به واختلفوا, فمنهم من قال : ان سليمان قد بقي متكئا على عصاه هذه الايام الكثيرة ولم يتعب ولـم يـنـم ولم ياكل ولم يشرب ؟ انه لربنا الذي يجب علينا ان نعبده , وقال قوم : ان سليمان ساحر, وانه يرينا انه واقف متكئ على عصاه يسحر اعيننا وليس كذلك , فقال المؤمنون : ان سليمان هو عبد اللّه ونبيه يدبر اللّه امره بما يشاء.
فـلـما اختلفوا بعث اللّه عز وجل الارضة فدبت في عصاه , فلما اكلت جوفها انكسرت العصا وخر سليمان من قصره على وجهه , وذلك قول اللّه عز وجل :
(فلما خر تبينت الجن ان لو كانوا يعلمون الغيب مالبثوا في العذاب المهين ) ((17)) (سبا 14).
ب ـ عن الامام الصادق (ع ):
عـندما سئل : لاي علة خلق اللّه عز وجل آدم عليه السلام من غير آب ولا ام ؟ وخلق عيسى (ع ) من غير اب ؟ وخلق سائر الناس من الاباء والامهات ؟.
قـال : (ليعلم الناس تمام قدرته وكمالها, ويعلموا انه قادر على ان يخلق خلقا من انثى من غير ذكر, كما هو قادر على ان يخلقه من غير ذكر ولا انثى , وانه عز وجل فعل ذلك ليعلم انه على كل شي ء.
قدير) ((18)) .
وفي قصص الانبياء قال :
امر ابليس بالسجود لادم , فقال : يارب وعزتك ان اعفيتني من السجود لادم لاعبدنك عبادة ما عبدك احد قط مثلها, قال اللّه جل جلاله , اني احب ان اطاع من حيث اريد الحديث ((19)) .
وسئل عن ابليس :
اكان ابليس من الملائكة ام من الجن ؟.
فـقال : كانت الملائكة ترى انه منها, وكان اللّه يعلم انه ليس منها, فلما امر بالسجود, كان الذي كان ((20)) .
وسئل عن جنة آدم فقال :
جنة من جنان الدنيا يطلع عليها الشمس والقمر, ولو كانت من جنان الخلد ما خرج منها ابدا ((21)) .
وقـال فـي قـولـه تعالى : (فبدت لهما سوءاتهما) (طه 121) كانت سوآتهما لا ترى فصارت ترى بارزة ((22)) .
سال الزنديق ابا عبد اللّه (ع ), قال :
فمن اين يصل الكهانة ؟ ومن اين يخبر الناس بما يحدث ؟.
قال (ع ): ان الكهانة كانت في الجاهلية في كل فترة من الرسل , كان الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون الـيه فيما يشتبه عليهم من الامور بينهم , فيخبرهم باشياء تحدث , وذلك في وجوه شتى , من فراسة العين , وذكاء القلب , ووسوسة النفس وفطنة الروح , مع قذف في قلبه , لان ما يحدث في الارض من الـحـوادث الـظـاهـرة , فـذلـك يعلمه الشيطان ويؤديه الى الكاهن ويخبره بما يحدث في المنازل والاطراف .
واما اخبار السماء, فان الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع اذ ذاك وهي لا تحجب ولا ترجم بـالـنـجوم , وانما منعت من استراق السمع لئلا يقع في الارض سبب يشاكل الوحي من خبر السماء, ويلبس على اهل الارض ما جاءهم عن اللّه لاثبات الحجة ونفي الشبهة .
وكان الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السماء بما يحدث من اللّه في خلقه فيختطفها ثم يهبط بـهـا الى الارض فيقذفها الى الكاهن , فاذا قد زاد كلمات من عنده فيختلط الحق بالباطل , فما اصاب الـكاهن من خبر مما كان يخبر به فهو ما اداه اليه شيطانه مما سمعه , وما اخطا فيه فهو من باطل ما زاد فيه , فمذ منعت الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة .
والـيـوم : انـمـا تؤدي الشياطين الى كهانها اخبارا للناس مما يتحدثون به وما يحدثونه , والشياطين تـؤدي الـى الـشياطين ما يحدث في البعد من الحوادث , من سارق سرق , ومن قاتل قتل , ومن غائب غاب , وهم بمنزلة الناس ايضا صدوق وكذوب .
فـقـال : كـيـف صـعدت الشياطين الى السماء وهم امثال الناس في الخلقة والكثافة وقد كانوا يبنون لسليمان بن داود (ع ) من البناء ما يعجز عنه ولد آدم ؟.
قـال (ع ): غـلـظـوا لـسـلـيمان كما سخروا, وهم خلق رقيق غذاؤهم التنسم , والدليل على ذلك صـعودهم الى السماء لاستراق السمع , ولا يقدر الجسم الكثيف على الارتقاء اليها الا بسلم او سبب ((23)) .
وقال الامام الصادق في الاباء:
الابـاء ثـلاثـة : آدم , ولد مؤمنا, والجان ولد كافرا, وابليس ولد كافرا, وليس فيهم نتاج انما يبيض ويفرخ وولده ذكور ليس فيهم اناث ((24)) .
وسئل (ع ) عن ابليس :
اكان من الملائكة ؟ وهل كان يلي من امر السماء شيئا؟.
قال (ع ): لم يكن من الملائكة , ولم يكن يلي من السماء شيئا كان من الجن وكان مع الملائكة , وكانت الملائكة تراه انه منها, وكان اللّه يعلم انه ليس منها, فلما امر بالسجود كان منه الذي كان ((25)) .
خلاصة البحث .
الجن والشيطان وابليس :
ا ـ الجن:
جـن الشي ء وجن عليه : ستره , والجن والجان: خلق مستور لا يرى واخبر اللّه في كتابه الكريم انه تعالى خلقم من لهيب النار المختلط بالسواد.
ب ـ الشيطان :
الـشـيطان اسم لكل عات متمرد من الانس والجن والحيوان والمقصود من الشيطان في هذا البحث شياطين الجن .
ج ـ ابليس :
ابـلس : حزن , تحير, يئس , سكت غما, انقطع في حجته وابليس في هذا البحث هو المخلوق الجني الذي ابى ان يسجد لادم .
واخـبر اللّه عن الجن انه سخرهم لسليمان فعملوا له تماثيل ومحاريب وقدورا كبيرة , وكان فيهم مـن يـستطيع ان ياتي بعرش بلقيس من اليمن الى الشام قبل ان يقوم سليمان من مقامه , واشرف عليهم متكئا على عصاه , فتوفاه اللّه وبقي كذلك بعد الموت والجان دائبون في عملهم لم يعلموا بذلك , حتى اكـلـت الارضـة جوف عصاه فسقط, وبذلك علم ان الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا معذبين في عملهم كل تلك المدة .
واخـبـر تعالى عن الشياطين انهم من الجن وانهم كانوا يقعدون مقاعد لاستماع حوار الملائكة , ثم منعهم اللّه من ذلك برمي الملائكة اياهم بشهب تحرقهم وكان ذلك بعد بعثة خاتم الانبياء.
واخبر عن ابليس انه وسوس لادم وحواء حتى اخرجهما من الجنة كما ياتي تفصيله في البحث الاتي بحوله تعالى .
ـ 5 ـ.
الانسان
اخبر اللّه تعالى عن بدء خلق الانسان وقال سبحانه في :
ا ـ سورة الصافات :
(انا خلقناهم من طين لازب ) (الاية 11).
ب ـ سورة الحجر:
(ولقد خلقنا الانسان من صلصال من حما مسنون ) (الاية 26).
ج ـ سورة الرحمن :
(خلق الانسان من صلصال كالفخار) (الاية 14).
ج ـ سورة السجدة :
(الذي احسن كل شي ء خلقه وبدا خلق الانسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والابصار والافئدة قليلا ما تشكرون ) (الايات 7 ـ 9).
هـ ـ سورة الحج :
(يـا ايها الناس ان كنتم في ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الارحام ما نشاء الى اجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا اشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد الى ارذل العمر لكي لايعلم من بعد علم شيئا) (الاية 5).
و ـ سورة المؤمنون :
(ولـقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا الـعـلـقـة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم انشاناه خلقا آخر فتبارك اللّه احسن الخالقين ثم انكم بعد ذلك لميتون ثم انكم يوم القيامة تبعثون ) (الايات 12 ـ 16).
ز ـ سورة غافر:
(هـو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا اشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا اجلا مسمى ولعلكم تعقلون ) (الاية 67).
ح ـ سورة الطارق :
(فلينظر الانسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب ) (الايات 5 ـ 7).
ط ـ سورة الزمر:
(خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها) (الاية 6).
ى ـ سورة الانعام :
(وهو الذي انشاكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع ) (الاية 98).
وشان انتقال آدم وحواء وابليس من حال الى حال قال اللّه سبحانه في :
ا ـ سورة طه :
(ولـقـد عـهدنا الى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما واذا قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا الاابـليس ابى فقلنا يا آدم ان هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ان لك الا تجوع فيها ولا تعرى وانك لا تظما فيها ولا تضحى فوسوس اليه الشيطان قال يا آدم هل ادلك على شجرة الـخـلد وملك لا يبلى فاكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فاما ياتينكم مـني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة اعمى ) (الايات 115 ـ 124).
ب ـ سورة الاعراف :
(ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا الا ابليس لم يكن من الساجدين قال ما منعك الا تسجد اذ امرتك .
قـال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قال فاهبط منها فما يكون لك ان تتكبر فيها فاخرج انـك مـن الصاغرين قال انظرني الى يوم يبعثون قال انك من المنظرين قال فبما اغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لاتينهم من بين ايديهم ومن خلفهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم ولاتجد اكثرهم شاكرين قال اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لاملان جهنم منكم اجمعين ويا آدم اسكن انت وزوجـك الـجـنـة فـكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فوسوس لهما الـشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الا ان تكونا مـلـكين او تكونا من الخالدين وقاسمهما اني لكما لمن الناصحين فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بـدت لـهـمـا سـوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما الم انهكما عن تلكما الشجرة واقل لكما ان الشيطان لكما عدو مبين قالا ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن مـن الـخـاسـرين قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الارض مستقر ومتاع الى حين قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون ) (الايات 11 ـ 25).
ج ـ سورة الاسراء:
(قـال ءاسـجـد لمن خلقت طينا قال ارايتك هذا الذي كرمت علي لئن اخرتن الى يوم القيامة لاحتنكن ذريـتـه الا قليلا قال اذهب فمن تبعك منهم فان جهنم جزاؤكم جزاء موفورا واستفزز من استطعت مـنـهـم بـصوتك واجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الاموال والاولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان الا غرورا ان عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا) (الايات 61 ـ 65).
د ـ سورة الحجر:
(قـال رب بما اغويتني لازينن لهم في الارض ولاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين قال هذا صـراط عـلـيـ مستقيم ان عبادي ليس لك عليهم سلطان الا من اتبعك من الغاوين وان جهنم لموعدهم اجمعين ) (الايات 39 ـ 43).
شرح الكلمات
ا ـ لازب :
لزب الطين : اشتد وتماسكت اجزاؤه فهو لازب .
ب ـ صلصال :
صلصل الشي ء: صوت صوتا فيه ترجيع يقال : صلصل الجرس , وصلصل الرعد والصلصال كل ما جف من طين قبل ان تصيبه النار ويصير فخارا وخزفا.
ج ـ حما:
الحما: الطين الاسود المنتن .
د ـ مسنون :
سن الشي ء: تغيرت رائحته , صب في قالب فهو مسنون .
هـ ـ مخلقة :
خلق العود: سواه فالعود مخلق , والخشبة مخلقة , ومخلقة وغير مخلقة : اي تامة الخلق وغير تامة .
و ـ الصلب والترائب :
صلب الرجل : عظام ظهره الفقارية , وترائب المراة عظام صدرها العلوية .
واكتشف ذلك العلم في عصرنا, واشار اليه المجلسي , في البحار ((26)) .
ز ـ وسوس ووسوسة :
الـوسـوسـة : الـخطوة الرديئة , الدعوة للقيام بامر بصوت خفي , حديث النفس وهو ما يخطر بالبال ويهجس بالضمير, واغراء الشيطان الانسان بالشر تفسيره في قوله تعالى :
ا ـ (وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون ) (الانعام 43).
ب ـ (زين لهم الشيطان اعمالهم ) (الانفال 48 والنحل 63 والنمل 24 والعنكبوت 38).
ح ـ السوءة :
ما يقبح اظهاره وينبغي ستره , والسوءات , هنا كناية عن عورة الانسان .
ط ـ عزما:
الـعـزم : الصبر, يقال : مالي عنك عزم : اي صبر, ومنه الجد, والعزم ـ ايضا ـ: عقد القلب على امضاء الامر.
ي ـ الجنة :
الجنة : كل بستان ذي شجر يستر باشجاره الارض وقد جاء بهذا المعنى في قوله تعالى في :
ا ـ سورة الاسراء:
(وقـالـوا لـن نـؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا او تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الانهار خلالها تفجيرا او تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا) (الايات 90 ـ 92).
ب ـ سورة سبا:
(لـقد كان لسبا في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له فاعرضوا فارسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي اكل خمط واثل وشي ء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي الا الكفور) (الايات 15 ـ 17).
ك ـ الخمط:
الخمط: هو كل نبت له طعم مر او حموضة تعافه النفس .
ل ـ اثل :
الاثـل : شجر طويل مستقيم جيد الخشب , كثير الاغصان , متعدد العقد, دقيق الورق طويله , وثمره حب احمر لا يؤكل .
وسميت الجنة في الاخرة جنة : لشبهها بالجنة في الارض وان كان بينهما بون شاسع , وتوصف جنة الاخـرة بجنة الخلد لان الداخل فيها مخلد, ولذلك يصف اللّه اهل الجنة بالخالدين كما جاء في قوله تعالى في :
ا ـ سورة الفرقان :
(قل اذلك خير ام جنة الخلد التي وعد المتقون لهم فيها ما يشاءون خالدين ) (الايتان 15 و16).
ب ـ سورة البقرة :
(والذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك اصحاب الجنة هم فيها خالدون ) (الاية 82).
وكذلك وجدنا الجنة استعملت في القرآن الكريم بكلا المعنيين .
امـا الجنة التي اسكن اللّه آدم (ع ) فيها ثم اهبطه منها بعد اكله من الشجرة التي نهاه عنها فقد كانت من جنان الدنيا, كما سنذكر ذلك بعيد هذا في بحث (اين كانت جنة آدم (ع )؟) ان شاء اللّه تعالى :
م ـ تضحى :
ضحى الرجل : اصابه حر الشمس .
ن ـ غوى :
من معانيه : فسد عيشه , وهو المقصود في الاية .
س ـ طفقا:
طفق يفعل كذا: اخذ يفعله .
ع ـ يخصفان :
خصف الشي ء على الشي ء: الصقه به .
ف ـ ضنكا:
ضنك عيشه : ضاق .
ص ـ وري :
واراه مواراة : ستره واخفاه .
ق ـ دلاهما:
دلى الشي ء في المهواة : ارسله فيها, ودلاه بغرور: اوقعه فيما اراد من تغريره .
ر ـ لاحتنك الفرس : جعل في حنكه ـ فمه ـ اللجام .
ش ـ اهبطوا:
الـهـبـوط في الانسان : يكون على سبيل الاستخفاف , بخلاف الانزال , فقد ذكره اللّه فيما نبه على شرفه كانزال الملائكة والقرآن الكريم والمطر.
يـقال : هبط في الشر: وقع فيه , وهبط فلان : ذل واتضع , وهبط من حال الغنى الى حال الفقر, وهبط من منزلته : سقط.
ت ـ استفزز:
الاستفزاز: الازعاج والاستنهاض بخفة واسراع .
ث ـ بصوتك :
صوت فلان بفلان : اذا دعاه الى الشر.
والمعنى : استنهض منهم للمعصية من استطعت ان تستنهضه من ذرية آدم بوسوستك .
خ ـ واجلب عليهم :
الاجلاب : السوق من السائق .
والجلبة : شدة الصوت .
ذ ـ بخيلك ورجلك :
بفرسانك ورجل اسم جمع للراجل , اي : اجمع عليهم ما قدرت عليهم من مكائدك واعوانك .
ض ـ وشاركهم في الاموال والاولاد:
وشاركهم في الاموال المكتسبة من الحرام والاولاد من الزنا.
ظ ـ وعدهم :
وعدهم الباطل كنفي البعث .
غ ـ سلط:
سلط: السلاطة : التمكن من القهرة والغلبة والقدرة ويقال لذي السلاطة السلطان .
وياتي بمعنى : الحجة والبرهان كما في قوله تعالى : (اتجادلونني في اسماء سميتموها انتم وآباؤكم ما انزل اللّه بها من سلطان ) (الاعراف 71).
والمعنى في (ان عبادي ليس لك عليهم سلطان ) اي ليس لك القدرة والقهر والغلبة عليهم .
تفسير الايات .
اخـبر اللّه سبحانه في الايات الماضية انه تعالى بدا خلق الانسان ـ الانسان الاول ـ من طين اسود نتن الرائحة صلب متماسك الاجزاء.
كـالفخار له صليل من صلابته , ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين يخرج من صلب الرجل وترائب الـمـراة , ثم خلقه علقة وخلق من العلقة مضغة وخلق من المضغة عظاما وكسا العظام لحما, ثم انشاه خـلقا آخر ونفخ فيه من روحه , وجعل له السمع والبصر والفؤاد, فتبارك اللّه احسن الخالقين , ثم اخـرجـه طـفـلا ليبلغ اشده , وعندئذ جعل منه الزوجين الذكر والانثى وجعلهما من نفس انسانية واحـدة وان تـفـاوتـت وظـائفـهما في الحياة الدنيا, ثم ليبلغا الشيخوخة وارذل العمر, ثم يميتهما ويـدخـلان الارض , ثـم يـخرجان من الارض يوم القيامة الى المحشر ليجزيا بعملهما وفق حكمة الرب العزيز العليم .
امتحان اللّه للخلق ذي العقل :
اولا ـ امـتـحـن اللّه الملائكة ومعهم ابليس بالسجود لادم (ع ) خليفته في الارض , ويشعر كلام الملائكة انهم فهموا ان المخلوق الارضي .
يـسـفـك الـدماء لما سبق ذلك من مخلوق كان على الارض وامرهم اللّه باهلاكه , كما ورد ذلك في الروايات ((27)) .
ولـمـا اعلمهم اللّه بما منح هذا المخلوق من العلم وامرهم بالسجود له سجدت الملائكة لادم (ع ) وابـى ابـلـيـس واسـتكبر عن السجود واحتج بان اللّه خلقه من نار وخلق آدم من طين فاخفق في الامتحان .
ثانيا ـ آدم وحواء:
خـلق اللّه لادم (ع ) زوجه حواء, واسكنهما جنة لم تكن بجنة الخلد وقال لهما: كلا من هذه الجنة حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين , واخبر آدم انه لا يجوع في تلك الجنة ولا يعرى , وحذره من ابليس وقال له : ان هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى , فزين لـهما الشيطان اكل الشجرة المنهي عنها ليبدي ما اخفي من سوءاتهما ـ عورتيهما ـ, واوهمهما انهما ان ذاقـا الشجرة تغيرت حالهما الى حال الملائكة واصبحا من الخالدين , وحلف لهما باللّه على ذلك , وظن آدم وحواء ان احدا لا يقدر على الحلف باللّه كاذبا, فاوقعهما في الباطل وذاقا الشجرة فبدت سـوءاتـهـمـا, واخذا يستران عورتيهما بورق اشجار الجنة , فناداهما ربهما: الم انهكما عن تلكما الـشـجرة واقل لكما ان الشيطان لكما عدو مبين ؟ قالا: ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين .
اين كانت جنة آدم ؟
اخـبر اللّه سبحانه انه جاعل خليفة في هذه الارض , ومن اديم هذه الارض اخذ التراب الذي خلق مـنـه آدم , وكذلك على هذه الارض امر الملائكة بالسجود لادم , وابى ابليس السجود لادم وكذلك ادخـل آدم جـنة في هذه الارض ولم ينقل آدم من هذه الارض الى مكان آخر بعد خلقه منها, وامر الـملائكة بالسجود له في ذلك المكان , ولم ينقله من هذه الارض الى جنة الخلد ليكون اخراجه من جنة الخلد الى هذه الارض .
ودلـيـلـنا على ذلك بالاضافة الى ما يدل عليه ظاهر الايات ان الذي يدخل جنة الخلد يخلد فيها ولن يخرج منها كما تصرح بذلك الروايات ((28)) .
ونـرى ان تـلـك الجنة كانت في العراق من الجزيرة العربية وانه صح ما نقله صاحب كتاب قاموس الكتاب المقدس عن كثرة من العلماء ان الجنة كانت في ارض الفرات ((29)) .
ويـؤيـد ذلـك ان التوراة نصت على تفرع نهر جنة آدم الى اربعة فروع , هي : نهر الفرات ودجلة وجيحون وفيشون ((30)) .
وجـاء فـي كـتـاب قـامـوس الكتاب المقدس ان بعض الباحثين يحتمل ان جيحون وفيشون في بابل ((31)) .
اذن لـيـس المقصود من جيحون نهر جيحون الذي يصب في بحيرة بالقرب من بلدة خوارزم والذي ذكره ياقوت الحموي في معجم البلدان .
ولـما هبط آدم (ع ) من الجنة سكن بابل الفرات , ولما توفي دفنه شيث في مغارة في جبل ابي قبيس فـي مـكـة , ثـم حـمـل نـوح عظامه في سفينته ((32)) ودفنه بعد نزوله من السفينة في النجف ((33)) .
وبناء على ذلك نرى ان خروج آدم (ع ) كان من جنة كانت بالعراق , ولما هبط منها, تحول الى ارض قـريـبـة منها في العراق , وانه اخذ معه من اشجار تلك الجنة اغراسا ومن حبوبها بذورا غرس بها الاشجار وزرع بها الحبوب , بتعليم اللّه اياه كما صرحت الروايات بذلك ((34)) .
امـا سـكناه في العراق فقد جاء في مادة (بابليون ) من معجم البلدان : (فذكر اهل التوراة ان مقام آدم (ع ) كـان ببابل ) وبابل اراض كانت بين الفرات ودجلة , وفي مادة بابل من قاموس الكتاب المقدس ما مـوجزه كانت المياه ـ مياه الفرات ودجلة ـ تجري في جميع اراضيها, لذلك كانت اراضيها مشهورة بـالـخصب وتنتج انواع الفواكه والحبوب , وكان اسمها القديم شنعار (سفر التكوين : الاصحاح 10 و11) ومادة شنعار من قاموس الكتاب المقدس .
وفي مادة بابل من معجم البلدان ان بعضهم قال : ان بابل هي الكوفة وان نوحا بعد ان خرج من السفينة سار هو ومن معه في طلب الدف ء وسكنوا بابل وكثروا بها من بعد نوح .
وامـا دفن آدم فقد جاء في روايات مدرسة الخلفاء ان نوحا دفنه ببيت المقدس وفي روايات مدرسة اهـل البيت انه دفنه في النجف في المكان الذي دفن فيه جثمان الامام علي بعد ذلك وان نوحا (ع ) ـ ايضا ـ دفن هناك , ويؤيد كون سكن آدم في العراق ما جاء في الروايات الاتية :
اولا ـ ان آدم (ع ) حـج الـى مكة ووقف بالمشاعر, وان توبته قبلت في عرفة , وانه التقى بعد ذلك بـحواء في مكة وان اللّه امره ببناء البيت , ويستبعد ان يؤمر بالحج من قارة بعيدة مثل الهند, كما جاء ذلك في بعض الروايات التي لم تثبت لدي صحتها ((35)) .
ثـانيا ـ جاء في روايات اخرى انه دفن في الغري من ارض النجف ((36)) , وقد ورد في روايات دفن خاتم الانبياء (ص ): ان كل نبي يدفن في المكان الذي قبض فيه ((37)) .
من مجموع ما ذكرناه يتايد لنا, ان جنة آدم (ع ) كانت في اراضي الفرات , وانه لما اخرج منها هبط قـريـبا منها, وعندئذ ايبس اللّه تلك الجنة , وازالها من الوجود, واحيا آدم (ع ) مكانا آخر بالغرس والزرع , واللّه اعلم .
نقلة من حال الى حال
اولا ـ الملائكة ومعهم ابليس :
كـانـت الـمـلائكـة ومعهم ابليس يعبدون اللّه ويطيعونه في ما يامرهم في السموات والارض ولا يـعـصـوه طرفة عين حتى اخبرهم تعالى بانه جاعل في الارض خليفة فاستعلموه عن الحكمة في خـلـقه , فلما انباهم بالحكمة في امره وامرهم بالسجود له اطاعوه كما كان شانهم في طاعة سائر اوامـره , مـاعدا ابليس الذي كان يطيع اللّه في سائر اوامره اللاتي كانت لا تخالف هوى نفسه ولا تصطدم بكبريائه اما في امر السجود لادم (ع ) فقد اطاع هوى نفسه وعصى امر ربه وبذلك انتقل بمحض اختياره من درجة : من لا يعصون اللّه ما امرهم وهم بامره يعملون , الى درجة :
مـن يصغي الى هوى نفسه ويعصي اللّه , فكان جزاء عمله : ان اهبطه اللّه تعالى من درجة الملائكة , وقال له :
(فاهبط منها فما يكون لك ان تتكبر فيها) (الاعراف 13).
وفـي هذه المنزلة لم يندم على معصيته للرب ولم يتب اليه ولم يطلب منه المغفرة بل هوى بمحض اختياره الى ادنى من هذه المنزلة حيث طلب من اللّه وقال :
(انظرني الى يوم يبعثون قال انك من المنظرين ) (الاعراف 14 ـ 15).
وبـعد تحصيله الوعد بقضاء حاجته حدد اللعين منزلته امام بارئه بمحض اختياره وقال : ارايت هذا الذي كرمت علي لاجعلن اللجام في حنك ذريته ولاتينهم من بين ايديهم ومن خلفهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم ولازينن لهم اعمالهم ـ السيئة ـ ولا تجد اكثرهم شاكرين .
قال اللّه سبحانه وتعالى :
(اذهب فمن تبعك منهم فان جهنم جزاؤكم جزاء موفورا) (الاسرا 63).
هكذا انتقل ابليس بمحض اختياره من درجة الملائكة الذين لا يعصون اللّه ما امرهم , الى درجة من يعصون اللّه ما امرهم .
ولـم يـذهـب فـي هـذه الدرجة مع من يندمون على المعصية ويتوبون الى ربهم بل انحدر بمحض اختياره الى درجة الحضيض درجة من يضل الخلق ويصر على اضلالهم ابد الدهر.
ثانيا ـ آدم وحواء:
بعد ان اتم اللّه خلق آدم واسجد له الملائكة وخلق حواء ثم اسكنهما الجنة .
ولا بد ان تكون تلك الجنة على هذه الارض لان اللّه سبحانه خلق آدم من طين هذه الارض ومؤهلا للحياة على هذه الارض ولم يرد نص في الكتاب والسنة ان اللّه نقل آدم بعد خلقه من هذه الارض الى جـنة في كوكب آخر, ثم اعاده مرة ثانية الى هذه الارض , فلا بد كما قلنا ان تكون تلك الجنة على هـذه الارض غـيـر انه يظهر ان تلك الجنة كانت فريدة في بابها وخاصة بتلك المرحلة من مراحل تـكـويـن آدم وحـواء وانتهى وجودها ـ واللّه اعلم ـ بانتهاء تلك المرحلة , وامتازت تلك الجنة بما اخبر اللّه عنها وقال لادم :
ان لك الا تجوع في الجنة ولا تعرى , ولا تظما فيها ولا يصيبك حر الشمس .
وقال له ولحواء:
كلا من هذه الجنة حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين لنفسيكما.
وعهد الى آدم ان الشيطان عدو له ولزوجه فلا يخرجنهما من الجنة .
فـنـسـي آدم عـهـد اللّه بما كرر له الشيطان اليمين باللّه انه ناصح له واصغى هو وحواء بمحض اخـتـيـارهـمـا الى وسوسة الشيطان فانتقلا مختارين من حالة الاعتصام بقول اللّه الى حالة التاثر بالوسوسة , وكان جزاء عملهما الهبوط من الجنة الى هذا العالم عالم حياة الكدح .
والتعب والتكليف والتهيؤ للانتقال الى عالم الخلد, في نعيم الجنة او عذاب الجحيم .
وكذلك قبل الانسان حمل الامانة التي اخبر اللّه سبحانه وتعالى عنها وقال في سورة الاحزاب :
(انا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال فابين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان انـه كان ظلوما جهولا ليعذب اللّه المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب اللّه على المؤمنين والمؤمنات وكان اللّه غفورا رحيما) (الايتان 72 ـ 73).
والـمـراد بـالامـانـة هنا ـ واللّه اعلم ـ التكاليف الالهية للانسان والتي يلزمها التحلي بقوى النفس الانسانية .
والمراد بعرضها على السموات والارض عرضها على غير المكلفين من الخلق , وكان ذلكما العرض والقبول مقدمة لاتخاذ المخلصين للّه والمصطفين من الناس .
وعلى هذا فان معصية آدم كانت في حمله الامانة التي كان من آثارها التاثر بوسوسة الشيطان , وقد كـان كـل ذلـك في مرحلة من مراحل خلق آدم (ع ) لا تشبه المرحلة الاخيرة من خلقه في عالمنا الارضـي وقبل هبوطه المعنوي من تلك الجنة الفريدة والخاصة بتلك المرحلة الى خارجها من هذه الارض فـي سـلسلة مراحل التكوين والانشاء والانبياء معصومون عن اتيان المعصية في هذا العالم وان آدم (ع ) هبط الى هذا العالم الذي خلق له بمحض اختياره , وعليه فان معصية آدم (ع ) تجسيد لذلك الامر المعنوي واللّه اعلم .
ـ 6 ـ.
شرح الايات وتفسيرها من الروايات
اولا ـ عن الرسول (ص ):
روى احمد وابن سعد وابو داود والترمذي بسندهم عن رسول اللّه (ص ), قال :
ان اللّه تـعـالـى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الارض , فجاء بنو آدم على قدر الارض , فجاء منهم : الاحمر والابيض والاسود,.
وبين ذلك الحديث ((38)) .
روى ابن سعد عن رسول اللّه (ص ) ما موجزه :
لما ركب آدم الخطيئة بدت عورته فكان لا يراها قبل ذلك ((39)) .
عـن الصدوق في الخصال بسنده عن رسول اللّه (ص ) قال : انما كان لبث آدم وحواء في الجنة حتى اخرجا منها, سبع ساعات من ايام الدنيا, حتى اهبطهما اللّه من يومهما ذلك ((40)) .
ثانيا ـ عن الامام علي (ع ):
قال الامام علي بن ابي طالب (ع ) في بدء الخلق ما ياتي :
ا ـ في خلق الملائكة :
في البحار قال (ع ):
وملائكة خلقتهم واسكنتهم سماواتك , فليس فيهم فترة , ولا عندهم غفلة , ولافيهم معصية , هم اعلم خـلقك بك , واخوف خلقك منك , واقرب خلقك اليك , واعملهم بطاعتك , ولا يغشاهم نوم العيون , ولا سهو العقول , ولا فترة الابدان , لم يسكنوا الاصلاب , ولم تضمهم الارحام , ولم تخلقهم من ماء مهين , انـشاتهم انشاء, فاسكنتهم سماواتك , واكرمتهم بجوارك , وائتمنتهم على وحيك , وجنبتهم الافات , ووقـيـتـهـم البليات , وطهرتهم من الذنوب , ولولا تقويتك لم يقووا, ولولا تثبيتك لم يثبتوا, ولولا رحـمـتـك لم يطيعوا, ولولا انت لم يكونوا, اما انهم على مكانتهم منك , وطواعيتهم اياك ومنزلتهم عـنـدك , وقـلـة غفلتهم عن امرك , لو عاينوا ما خفي عنهم منك , لاحتقروا اعمالهم , ولازروا على انـفـسـهـم , ولعلموا انهم لم يعبدوك حق عبادتك , سبحانك خالقا ومعبودا ما احسن بلاءك عند خلقك ((41)) .
ب ـ في بدء الخلق :
وقال الامام علي في خطبته عن بدء الخلق ما تفسيره بايجاز:
ان اللّه سـبحانه خلق الاجواء وخلق في اعلاها ماء متلاطما تياره , يمتد ويرتفع بعضه فوق بعض , وحـمله على متن ريح عاصفة تموجه تمويجا شديدا كما يحرك اللبن في السقاء ليتمخض منه الزبد فـرمى الماء بالزبد ـ الزبد: ما يعلو الماء من الرغوة وحطام الاشياء ـ فرفع الزبد في هواء منبسط وجـو مفتوح واسع فسوى منه سبع سموات , جعل سفلاهن موجا ممنوعا من السيلان وعلياهن سقفا محفوظا بلا دعامة ولا مسامير يشد بعضها ببعض , وزين السماء الدنيا بزينة الكواكب , ثم فتق ما بين السماوات العلا ـ اي التي فوق السماء الدنيا ـ فملاهن انواعا من ملائكته , منهم سجود لا يركعون وركـوع لا يـنـتـصبون , وصافون ـ اقدامهم ـ لا يتزايلون من مواقفهم , ومسبحون لا يسامون ولا يـغـشـاهـم نـوم العيون ولا سهو العقول ولا فترة الابدان ولا غفلة النسيان , منهم امناء على وحيه والـسـنة الى رسله , ومختلفون بقضائه وامره , ومنهم الحفظة لعباده والسدنة لابواب جنانه , ومنهم الـثابتة في الارضين السفلى اقدامهم والمارقة من السماء العليا اعناقهم لا يتوهمون ربهم بالتصوير ولا يجرون عليه صفات المصنوعين , ولا يحدونه بالاماكن ولا يشيرون اليه بالنظائر.
ج ـ في خلق الانسان :
ثـم جمع سبحانه من حزن الارض وسهلها, وعذبها وسبخها تربة سنها بالماء حتى خلصت , ولاطها بالبلة حتى لزبت , فجبل منها صورة ذات احناء ووصول واعضاء وفصول , اجمدها حتى استمسكت , واصلدها حتى صلصلت , لوقت معدود, واجل معلوم .
ثم نفخ فيها من روحه فتمثلت انسانا ذا اذهان يجيلها, وفكر يتصرف بها, وجوارح يختدمها, وادوات يقلبها, ومعرفة يفرق بها بين الحق والباطل , والاذواق والمشام , والالوان والاجناس , معجونا بطينته الالـوان المختلفة , والاشباه المؤتلفة , والاضداد المتعادية , والاخلاط المتباينة , من الحر والبرد, والبلة والجمود, والمساءة والسرور ((42)) .
د ـ في خلق الجان والشيطان وابليس :
في البحار ايضا عن امير المؤمنين (ع ) انه قال :
ان اللّه تبارك وتعالى لما احب ان يخلق خلقا بيده وذلك بعد ما مضى للجن والنسناس في الارض سبعة آلاف سنة , قال : ولما كان من شان اللّه ان يخلق آدم للذي اراد من التدبير والتقدير لما هو مكونه في الـسـماوات والارض وعلمه لما اراده من ذلك كله , كشط عن اطباق السماوات , ثم قال للملائكة : انظروا الى اهل الارض من خلقي من الجن والنسناس .
فلما راوا ما يعملون فيها من المعاصي وسفك الدماء والفساد في الارض بغير الحق , عظم ذلك عليهم وغضبوا للّه واسفوا على اهل .
الارض ولـم يـملكوا غضبهم ان قالوا: يارب انت العزيز القادر الجبار القاهر العظيم الشان , وهذا خـلـقـك الضعيف الذليل في ارضك يتقلبون في قبضتك ويعيشون برزقك ويستمتعون بعافيتك وهم يـعـصـونك بمثل هذه الذنوب العظام , لا تاسف , ولا تغضب , ولا تنتقم لنفسك لما تسمع منهم وترى , وقد عظم ذلك علينا واكبرناه فيك .
فـلـما سمع اللّه عز وجل ذلك من الملائكة , قال : (اني جاعل في الارض خليفة ) لي عليهم فيكون حجة في ارضي على خلقي , فقالت .
الـمـلائكـة : سـبحانك وقالوا: فاجعله منا فانا لا نفسد في .
الارض ولا نسفك الدماء.
قـال اللّه جل جلاله : يا ملائكتي : (اني اعلم ما لا تعلمون ) اني اريد ان اخلق خلقا بيدي اجعل ذريته انـبـياء مرسلين , وعبادا صالحين , وائمة مهتدين , اجعلهم خلفائي على خلقي في ارضي , ينهونهم عن المعاصي , وينذرونهم عذابي , ويهدونهم الى طاعتي , ويسلكون بهم طريق سبيلي , واجعلهم حجة لي عذرا او نذرا, وابين النسناس من ارضي فاطهرها منهم , وانقل مردة الجن العصاة عن بريتي وخلقي وخيرتي , واسكنهم في الهواء وفي اقطار الارض , لا يجاورون نسل خلقي , واجعل بين الجن وبين ((43)) خلقي حجابا, ولا يرى نسل خلقي الجن ولا يؤانسونهم ولا يخالطونهم , فمن عصاني من نـسـل خلقي الذين اصطفيتهم لنفسي , اسكنتهم مساكن العصاة , واوردتهم مواردهم ولا ابالي , فقالت الملائكة : يارب افعل ما شئت : (لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم ), الخبر ((44)) .
هـ ـ في امر الروح :
قال الامام علي (ع ) ما موجزه :
الروح ليس هو جبرئيل , جبرئيل من الملائكة , والروح غير جبرئيل لقول اللّه لنبيه :
(ينزل الملائكة بالروح من امره على من يشاء من عباده ) (النحل 2) فالروح غير الملائكة , وقال :
(ليلة القدر خير من الف شهر تنزل الملائكة والروح فيها باذن ربهم ) (القدر 3 ـ 4) وقال :
(يوم يقوم الروح والملائكة صفا) (النبا 38).
وقال للملائكة في آدم وجبرئيل يومئذ مع الملائكة :
(انـي خـالق بشرا من طين فاذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ) (ص 71 ـ 72) فسجد جبرائيل مع الملائكة للروح .
وقال لمريم :
(فارسلنا اليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا) (مريم 17).
وقال لمحمد صلى اللّه عليه وآله وسلم :
(نزل به الروح الامين على قلبك ).
ثم قال : (لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين ) (الشعراء 193 ـ 195).
فالروح واحدة والصور شتى ((45)) .
اذا يكون الروح ـ واللّه اعلم ـ ما نفخ في آدم (ع ), وما حمله الملك الذي تمثل لمريم (ع ), وكذلك مـا يـحـمله الملك الذي ينزل بالوحي على النبي (ص ) واحيانا ياتي الروح الامين اسما للملك الذي يـحـمل الوحي للنبي (ص ), وكذلك هو روح القدس الذي ايد اللّه به عيسى بن مريم , ويوم القيامة يقوم الروح بنفسه صفا مع الملائكة وهو الذي قال اللّه عنه :
(ويسالونك عن الروح قل الروح من امر ربي ) (الاسراء / 85).
اللّه م احفظنا من الخطا في الفهم والزلل في القول .
و ـ معنى سجود الملائكة لادم (ع ):
قال الامام علي (ع ) ما موجزه :
لم يكن سجود الملائكة لادم سجود طاعة , وانهم عبدوا آدم من دون اللّه عز وجل, ولكن اعترافا لادم بالفضيلة ورحمة من اللّه له ((46)) .
شرح الكلمات :
والاجواء جمع جو: الفضاء الذي بين الارض وسائر الكواكب .
ماء متلاطما, تياره .
متلاطما: تلاطم الماء: ضرب بعضه بعضا.
والتيار: موج البحر وشدة جريان الماء, والمتراكم : المجتمع بعضه فوق بعض .
ان الامام (ع ) جعل الملائكة اربعة اقسام :
الاول : اربـاب الـعبادة , ومنهم الراكع , والساجد, والصاف , والمسبح وقوله (صافون ) اي : قائمون صفوفا لا يتزايلون اي : لا يتفارقون .
والـقـسـم الـثـاني : الامناء على وحي اللّه لانبيائه , والالسنة الناطقة في افواه رسله , والمختلفون بالاقضية الى العباد: بهم يقضي اللّه على من شاء بما شاء.
والـقسم الثالث : حفظة العباد, كانهم قوى مودعة في ابدان البشر ونفوسهم , يحفظ اللّه الموصولين بـها من المهالك والمعاطب , ولولا ذلك لكان العطب الصق بالانسان من السلامة , ومنهم سدنة الجنان , جمع سادن : وهو الخادم , والخادم يحفظ ما عهد اليه واقيم على خدمته .
والـقـسـم الـرابع : حملة العرش , ولعلهم هم المامورون بتدبير امر العالم من انزال المطر وانبات النبات وامثالها مما يتعلق بربوبية رب العالمين لعوالم المخلوقات .