نـحـن نرى من آثار اعمالنا في الحياة الدنيا ان من زرع قمحا حصد قمحا, ومن زرع شعيرا حصد شعيرا, وكذلك يرتزق كل انسان ما يعمله .
كان ذلكم مثلا مما نعلمه من آثار اعمالنا المادية في الحياة الدنيا, وان لاعمالنا في الحياة الدنيا آثارا معنوية كثيرة مثل ما لصلة الرحم من الاثار, كما اخبر رسول اللّه (ص ) عن ذلك وقال :
(صلة الرحم تزيد في العمر وتنفي الفقر).
وقال (ص ):
(صلة الرحم تزيد في العمر, وصدقة السر تطفى ء غضب الرب , وان قطيعة الرحم واليمين الكاذبة لتذران الديار بلاقع من اهلها ويثقلان الرحم , وان تثقل الرحم انقطاع النسل ) ((146)) .
الـمـقـصود من تطفى ء غضب الرب : ان الانسان اذا كان قد استحق بعمله سخط ربه في الدنيا, وان تصيبه لذلك مصيبة في نفسه او ماله وما شابههما, فان صدقة السر تدفع ذلك عنه .
البلاقع جمع البلقع وبلقعة : هي الارض القفر التي لا شي ء بها ((147)) .
ومن هنا قال امير المؤمنين (ع ):
(وصلة الرحم فانها مثراة في المال منساة في الاجل , وصدقة السر فانها تكفر الخطيئة ) ((148)) .
وقال (ع ): ( وصلة الرحم منماة للعدد) ((149)) .
ومن ثم ندرك ان اللّه شاء بحكمته ان يجعل ادرار الرزق وتكثير النسل في صلة الرحم , والاعسار وقطع النسل في قطع الرحم .
ولـهـذا الـسبب قد يعرض تاجران نوعا واحدا من السلعة , فتبور عند احدهما وتنفق عند الاخر, فـيـقـال لـلثاني : حسن الحظ, وللاول سيى ء الحظ, ويكون منشاهما قطع الرحم عند الاول وصلة الرحم عند الثاني , جزاء وفاقا من اللّه لعملهما.
ولا يترتب جزاء الاعمال هذا على الايمان باللّه ولا على عدمه , وانما جعل اللّه لعمل الانسان آثارا في الحياة الدنيا ـ اذا بدرت منه .
بادرة في حالة وعي وتنبه وعن قصد ـ وآثارا في الحياة الاخرة .
كـذلـك جعل اللّه لاعمال الانسان تجاه الخالق جزاء وفاقا وتجاه الخلق جزاء وفاقا, انسانا كان ذلك الخلق او حيوانا او نعمة انعم .
اللّه عـلـيـه من متاع الدنيا, جعل اللّه كل ذلك بمشيئته وحكمته , واخبر ان ليس للانسان الا جزاء عمله , وقال :
(وان ليس للانسان الا ما سعى ) (النجم 39).
وكذلك اخبر جل ذكره ان من عمل للدنيا اراه اللّه سبحانه جزاء عمله في الدنيا, ومن عمل للاخرة اراه جذاء عمله في الاخرة , وقال عز اسمه :
(ومـن يـرد ثـواب الـدنـيا نؤته منها ومن يرد ثواب الاخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين ) (آل عمران 45).
وقال سبحانه :
(من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف اليهم اعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون اولئك الذين ليس لهم في الاخرة الا النار) (هود 15 ـ 16).
وقال تبارك وتعالى :
(مـن كـان يـريـد العاجلة عجلنا له فيها ومن اراد الاخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فاولئك كان سـعيهم مشكوا كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا) (الاسرا 18 ـ 20).
شرح الكلمات .
نوف اليهم :
وفي اليه : اعطاه حقه وافيا تاما.
لا يبخسون :
بخس الكيل والميزان : نقصه , وبخس فلانا حقه : لم يوفه اياه .
محظورا:
حظر الشي ء: منعه , ومحظورا: ممنوعا.
الجزاء في الدنيا والاخرة :
اذا فـمـن الاعمال ما يتلقى الانسان جزاءه في الدنيا, ومنها ما ينحصر جزاؤه باليوم الاخر, في مثل الشهيد الذى قاتل في سبيل اللّه حتى استشهد, فانه لا يبقى له مجال لتلقي الجزاء في الدنيا, بل يؤتيه اللّه جزاءه في الاخرة , كما قال عز من قائل :
(ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل اللّه امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم اللّه من فـضـلـه ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم الا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من اللّه وفضل وان اللّه لا يضيع اجر المؤمنين ) (آل عمران 169 ـ 171).
وكـذلـك شـان الانسان المتسلط الذي قتل نفسا مؤمنة ظلما وعدوانا, فانه ـ ايضا ـ ينال جزاءه في الاخرة , كما قال سبحانه :
(ومـن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب اللّه عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما) (النساء 93).
وكذلك الذي يولد مصابا بعاهة جسمية مثل : العمى والصمم والعرج , وكان مؤمنا باللّه واليوم الاخر مـواليا لاولياء اللّه صابرا محتسبا, فان اللّه سوف يجزيه في حياة الخلد ما لا يقاس بما اصيب به من عاهة في الحياة الدنيا, او ما عاناه وتحمل من اذى في سبيل اللّه في الدنيا ((150)) .
وبـناء على ما ذكرناه فان العدل الالهي لن يتحقق دون اخذ جزا الاعمال بعد الحياة الدنيا, وقد جعل اللّه اخذ جزاء الاعمال بعد.
الحياة الدنيا في مراحل متعددة نذكرها تباعا في ما ياتي ان شاء اللّه تعالى , بدءا بذكر جزاء الاعمال بعد الحياة الدنيا:
ـ2ـ.
كيف يجزى الانسان بثار عمله في الحياة الاخرة
ان الانسان يزرع القمح والذرة والخضار في الشتاء او الربيع فيحصده في صيف تلك السنة .
ويغرس الاعناب والتين والزيتون والحمضيات فيجني ثمارها بعد ثلاث سنوات او اربع من غرسها.
ويغرس النخل والجوز ويجني ثمارها بعد ثماني سنوات من غرسها او اكثر.
وكـذلـك يرتزق الانسان نتيجة عمله الدائب ويرزق منها اهله ومن شاء من الخلق انسانا او حيوانا, ومع كل ذلك يقول اللّه سبحانه :
ا ـ في سورة الذاريات :
(ان اللّه هو الرزاق ذو القوة المتين ) (الاية 58).
ب ـ في سورة الروم :
(اللّه الذي خلقكم ثم رزقكم ) (الاية 40).
ج ـ في سورة الانعام :
(ولا تقتلوا اولادكم من املاق نحن نرزقكم واياهم ) (الاية 151).
د ـ في سورة العنكبوت :
(وكاين من دابة لا تحمل رزقها اللّه يرزقها واياكم ) (الاية 60).
هـ ـ في سورة النحل :
(واللّه فضل بعضكم على بعض في الرزق ) (الاية 71).
ان الانـسـان يـحـرث الارض ويـزرع الحب ويغرس الشجر ثم يسقيهما, ثم يكافح الافات عنهما ويـربـيـهـما حتى يحصد الحب ويجني الثمر ويرتزق منهما ويرزق من شاء, ويقول اللّه سبحانه : (نـحن نرزقكم واياهم ), وصدق اللّه العظيم فان الذي جعل من خواص الماء والارض انبات النبات وعـلـمنا كيف نزرع ونغرس هو الذي رزقنا, ومثل ارتزاق الانسان كذلك مثل ارتزاق الضيف في مطعم (سلف سرويس ) اخدم نفسك بنفسك , فان المضيف في مثل هذا المطعم يطعم ضيوفه ويرزقهم مـن انواع الطعام ما يختاره الضيف من الطعام لنفسه بكامل حريته , وان الضيف الذي يدخل هذا النوع مـن المطعم لا ياكل شيئا ان لم يتخذ لنفسه مما اعده المضيف ماعونا وشوكة وملعقة , ثم يتقدم بانائه الـى الموائد المعدة وياخذ منها بيده ما يشتهي , ومع ذلك فان صاحب المطعم هو الذي اطعم ضيوفه , وفي مثل هذه الحالة تقع التبعة على الضيف في ما اذا تناول من المكل ما يضره ولا ينفعه , وصدق اللّه العظيم حيث يقول :
ا ـ في سورة ابراهيم :
(اللّه الـذي خلق السموات والارض وانزل من السماء ماء فاخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لـكم الفلك لتجري في البحر بامره وسخر لكم الانهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم اليل والنهار) (الايتان 32 و33).
ب ـ في سورة النحل :
(واللّه انزل من السماء ماء فاحيا به الارض بعد موتها ان في ذلك لاية لقوم يسمعون وان لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في .
بـطـونـه مـن بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين ومن ثمرات النخيل والاعناب تتخذون منه سـكـرا ورزقا حسنا ان في ذلك لاية لقوم يعقلون واوحى ربك الى النحل ان اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف الوانه فيه شفاء للناس ان في ذلك لاية لقوم يتفكرون ) (الايات 65 ـ 69).
شرح الكلمات .
ا ـ دائبين :
داب الـشـي ء: لازمـه واعـتـاده من غير فتور, والداب : العادة المستمرة والشان , ودائبين : دابهما وشانهما السير باستمرار.
ب ـ فرث :
الفرث ما في الكرش .
ج ـ يعرشون :
عرش الكرم : رفع اغصانه على الخشب , ويقال : لسقف يتخذ على نخلات العرش .
عود على بدء
ان الـرب الرزاق علم بوساطة الانبياء والاوصياء والعلماء ضيفه الانسان في هذا العالم كيف يتناول من النعم التي اعدها اللّه , ما.
ينفعه ولا يضره , عاجلا في هذه الدنيا وآجلا في الاخرة , قال سبحانه :
ا ـ في سورة البقرة :
(يا ايها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا للّه ) (الاية 172).
ب ـ في سورة المائدة :
(يسالونك ماذا احل لهم قل احل لكم الطيبات ) (الاية 4).
ج ـ في سورة الاعراف في وصف خاتم انبيائه (ص ):
(ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ) (الاية 157).
اذا فان الرب خلقنا وسخر لنا ما خلق من حولنا ورزقنا في الدنيا من الطيبات نتيجة زرعنا وغرسنا.
وكذلك يرزقنا نتيجة اعمالنا آجلا في الاخرة , كما قال سبحانه :
ا ـ في سورة الحج :
(والذين هاجروا في سبيل اللّه ثم قتلوا او ماتوا ليرزقنهم اللّه رزقا حسنا) (الاية 58).
ب ـ في سورة مريم :
(الا مـن تـاب وآمـن وعـمل صالحا فاولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا جنات عدن التي وعد الـرحـمـان عـباده بالغيب انه كان وعده ماتيا لايسمعون فيها لغوا الا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا) (الايات 60 ـ 63).
اذا فان الرب الحكيم يجزي الانسان بعمله عاجلا في الدنيا وآجلا في الاخرة , كما اخبر سبحانه عن ذلك في عدة سور, منها قوله تعالى :
ا ـ في سورة الزلزلة :
(فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) (الايتان 7 و8).
ب ـ في سورة يس :
(فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون الا ما كنتم تعملون ) (الاية 54).
اجل ان الانسان الذي يزرع الحنظل في الدنيا يجني الحنظل , والذي يغرس الاشجار المثمرة يجني اطايب الثمر, كما قال سبحانه في سورة النجم :
(وان ليس للانسان الا ما سعى وان سعيه سوف يرى ) (الايتان 40 و41).
ولا يقتصر تلقي الانسان جزاء عمله بالحياة الدنيا, بل يتلقى جزاءه في عوالم خمسة وهي :
ا ـ عند الممات .
ب ـ في القبر.
ج ـ في المحشر.
د ـ في الجنة والنار.
هـ ـ يورث جزاء عمله لخلفه في الدنيا.
.
لـقـد ذكرنا مثالا من تلقي الانسان جزاء عمله في الدنيا, وفي ما ياتي ندرس باذنه تعالى كيف يجزى الانسان بثار عمله عند الممات .
ـ 3 ـ.
كيف يجزى الانسان بثار عمله عند الممات
ان اول مرحلة من مراحل الاخرة هو الموت , وقد قال سبحانه في وصفه :
(وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد) (ق / 19).
اي جاءت غشية الموت وشدته التي تغلب على عقل الانسان , ذلك الموت الذي كنت تهرب منه .
وقال تعالى :
(قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم الى ربكم ترجعون ) (السجدة / 11).
ولا مـنافاة بين قوله تعالى هذا وقوله : (اللّه يتوفى الانفس ) (الزمر 42), وقوله تعالى : (تتوفاهم الملائكة ) (النحل 28 و32), و(توفته .
رسلنا) (الانعام 61).
فان الملائكة هم رسل اللّه وهم اعوان ملك الموت في قبض الارواح , وكلهم يقبضون الروح بامر اللّه اذا فان اللّه هو يتوفى الانفس حين يامر الملائكة بذلك ((151)) .
ابـتـداءا مـن هذه المرحلة من مراحل الاخرة ينتهي تمكن الانسان من العمل الذي كان ميسرا له في الحياة الدنيا ويبدا بتلقي جزاء عمله , ومما يجزي في بدء هذه المرحلة ما رواه الصدوق بسنده عن رسول اللّه (ص ) انه قال : (صوم رجب يهون سكرات الموت ) ((152)) .
وتنقسم حال الانسان في هذه المرحلة بحسب عمله الى صنفين , كما اخبر سبحانه وقال :
(فـاما ان كان من المقربين فروح وريحان وجنت نعيم واما ان كان من اصحاب اليمين فسلام لك من اصـحـاب اليمين واما ان كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم ) (الواقعة 88 ـ 94).
واخبر تعالى عما يتلقاه الصنف الاول وقال :
(يـا ايـتـهـا الـنفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ) (الفجر 27 ـ 30).
واخبر عن الصنف الثاني وهم الذين ظلموا انفسهم في الحياة الدنيا وقال تبارك وتعالى :
(حـتى اذا جاء احدهم الموت قال رب ارجعون لعلي اعمل صالحا فيما تركت كلا انها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون ) (المؤمنون 99 ـ100).
شرح الكلمات .
ا ـ يتوفى :
وفـاه حـقـه : اعـطاه اياه كاملا, وتوفاه : اخذه كاملا, وتوفى اللّه او ملك الموت الانسان اذا قبض روحه باماتته , وتوفاه اللّه وقت النوم بسلبه تمييزه وبعض حواسه فكانما يتوفى روحه .
ب ـ حميم :
الحميم : الماء الشديد الحرارة .
ج ـ تصلية :
صـلـى الـشـي ء: القاه في النار, وصلاه النار: احرقه واصلاه النار وصلاه بها وفيها وعليها: شواه بالنار, وتصلية جحيم اي احراق بالحميم .
د ـ برزخ :
البرزخ : الحاجز والحد بين الشيئين .
يـدرك الانسان من هذه المرحلة ما فيها نهاية الحياة الدنيا وهو موات جميع اعضاء الانسان , وليست لـه وسـيـلـة لفهم ما بعد ذلك الا بما اخبرت به الانبياء, فان كان ممن صدق الانبياء وآمن بهم في ما اخـبـروا بـه عـن صفات اللّه وما جاءوا به من شريعة الهية , آمن بما اخبروا به عن عالم الاخرة مـرحـلـة بعد اخرى , ولا يمكن قياس ما اخبرت به الانبياء عن الاخرة بما رآه وعرفه في الحياة الـدنيا, فان ما وهبه اللّه من وسائل المعرفة خاصة بهذه الحياة , ولا مجال لعملها في ما اخبرت عنه الانبياء عن الاخرة وكما ذكرناه سابقا, ومن الاحاديث التي وردت عن آثار الاعمال عند الممات ما ورد عن رسول اللّه (ص ) انه قال :
(صوم رجب يهون سكرات الموت ) ((153)) .
وعن ابي عبد اللّه الصادق انه قال :
(من مات ولم يحج حجة الاسلام دونما مانع يمنعه فليمت ان شاء يهوديا او نصرانيا) ((154)) .
ـ4 ـ.
كيف يجزى الانسان بثار عمله في القبر؟
قد حفلت كتب الحديث بما يلقاه الميت في قبره من سؤال الملكين عن عقائده ((155)) وما يتلقاه من آثـار سوء خلقه وحسن خلقه وسائر اعماله , وان القبر روضة من رياض الجنان او حفرة من حفر النار ((156)) .
وانه يعذب من كان يمشي بالنميمة ولا يستتر عن البول ((157)) .
ويثاب من حسنت اخلاقه بدءا من القبر حتى سائر مراحل يوم القيامة ((158)) .
ومن اتم ركوعه لم يدخله وحشة في قبره ((159)) .
ـ 5 ـ.
كيف يجزى الانسان بثار عمله في المحشر
ا ـ عند نفخ الصور:
يـبـدا يـوم المحشر بنفخ الصور للحشر للحساب , والصور في اللغة العربية شي ء كالقرن ينفخ فيه فيكون له صوت , قال سبحانه :
(ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الارض الا من شاء اللّه ثم نفخ فيه اخرى فاذا هم قيام ينظرون ) (الزمر / 68).
الـصـعـق هـنا صوت اثره الموت , وجاء في الحديث ما موجزه : ان النفخ مرتان : الاولى : ينفخ الملك اسـرافـيل في الصور, فيموت جميع من في السموات والارض الا من شاء اللّه وهم حملة العرش وجبرائيل وميكائيل وعزرائيل , فيقول اللّه لملك الموت : من بقي ؟ وهو اعلم الامـلـك الـمـوت وحـملة العرش وجبرائيل وميكائيل فليموتا, فيقبض روحيهما فيقول اللّه لملك الموت : من بقي ؟ وهو اعلم الموت وحملة العرش من بقي ؟ فيقول : لم يبق الا ملك الموت , فيقول : مت يا ملك الموت الـيـوم ؟ فلا يجيبه مجيب , فعند ذلك ينادي الجبار جل جلاله مجيبا لنفسه : (للّه الواحد الاحد) ثم ينفخ حين يشاء في الصور ثانية كما قال سبحانه : ثم نفخ فيه اخرى فاذا هم قيام ينظرون ((160)) .
وقال سبحانه عن النفخة الثانية :
ا ـ (ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا) (الكهف / 99).
ب ـ (ويـوم يـنـفـخ فـي الصور ففزع من في السموات ومن في الارض الا من شاء اللّه وكل اتوه داخرين ) (النحل / 87).
ج ـ (ونفخ في الصور فاذا هم من الاجداث الى ربهم ينسلون قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ان كانت الا صيحة واحدة فاذا هم جميع لدينا محضرون فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون الا ما كنتم تعملون ) (يس / 51 ـ 54).
اتـوه داخرين : اي اذلاء والاجداث : القبور وينسلون : ينفصلون , يجمعهم ويحشرهم جميعا كما قال سبحانه :
ا ـ (وحشرناهم فلم نغادر منهم احدا) (الكهف / 47).
ب ـ (يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا) (طه / 102).
ج ـ (يوم نحشر المتقين الى الرحمن وفدا) (مريم / 85).
شرح الكلمات .
زرقـا لونه : صار الى لون بين السواد والبياض فهو ازرق وجمعه : زرق والمعنى هنا: زرق الابدان بمكابدة الشدائد او عميا او عطاشا.
وفدا:
وفـد وفدا على الملك ونحوه : قدم عليه قاصدا اعطاءه , او في طلب حاجة فهو وافد, والجمع : وفد ووفود.
ب ـ مشاهد يوم القيامة :
اخبر اللّه سبحانه عن مشاهد يوم القيامة وقال تعالى :
ا ـ في سورة المطففين :
(مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين ) (الايات 4 ـ 6).
ب ـ في سورة النبا:
(يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون الا من اذن له الرحمن وقال صوابا) (الاية 38).
ج ـ في سورة الجاثية :
(وخلق اللّه السموات والارض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لايظلمون ) (الاية 22).
د ـ في سورة الاسراء:
(وكل انسان الزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرا كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) (الايتان 13 و14).
هـ ـ في سورة الجاثية :
كل امة تدعى الى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق انا كنا نستنسخ ما كـنـتـم تـعملون وبدا لهم سيئات ماعملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا وماواكم النار وما لكم من ناصرين .
ذلكم بانكم اتخذتم آيات اللّه هزوا وغرتكم الحياة الدنيا فاليوم لا يخرجون منها ولاهم يستعتبون ) (الايات 28 ـ 29 و33 ـ 35).
و ـ في سورة الحاقة :
(فـامـا من اوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقراوا كتابيه واما من اوتي كتابه بشماله فيقول ياليتني لم اوت كتابيه ولم ادر ماحسابيه ) (الايات 19 ـ 26).
ز ـ في سورة الانشقاق :
(فـامـا مـن اوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا واما من اوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا) (الايات 7.
ـ 11).
ح ـ في سورة آل عمران :
(ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ) (الاية 180).
ط ـ في سورة غافر:
(ويوم يقوم الاشهاد) (الاية 51).
ي ـ في سورة النحل :
(ويوم نبعث في كل امة شهيدا عليهم من انفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء) (الاية 89).
ك ـ في سورة فصلت :
( حتى اذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وابصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا انطقنا اللّه .
الذي انطلق كل شي ء) (الايتان 20 ـ 21).
شرح الكلمات .
ا ـ طائره : كناية عن عمله من خير او شر.
ب ـ ثبورا:
ثبر فلان : هلك , ودعوة الثبور: ما ينادي به الواقع في شدة ويطلب الموت ويقول : واثبوراه ج ـ سيطوقون :
طوقه : جعل في عنقه طوقا من ذهب وما شابهه , ويطوقون ما بخلوا به معناه : تجسيد لبخله في اداء الحقوق في المال على صورة حية في رقبته كما في مفردات الراغب .
د ـ الشهيد والاشهاد:
شهد على كذا: اخبر به خبرا قاطعا فهو شهيد, والاشهاد جمع الشاهد مثل الاصحاب جمع الصاحب , وهم الانبياء ومن معهم حين .
يشهدون على اممهم وكل ما يشهد بما صدر من الانسان من عمل .
وورد في الاثار عن آثار الاعمال في يوم القيامة :
ا ـ عن الرسول (ص ):
(اطولكم قنوتا في دار الدنيا اطولكم راحة يوم القيامة في الموقف ) ((161)) .
ب ـ عن الوصي انه قال :
(اذا سجد احدكم فليباشر بكفيه الارض لعل يصرف عنه الغل يوم القيامة ) ((162)) .
ج ـ عن الرسول (ص ):
(مـن بـغى على فقير او تطاول عليه واستحقره حشره اللّه يوم القيامة مثل الذرة على صورة رجل يدخل النار) ((163)) .
د ـ عن ابي عبد اللّه (ع ):
(ان المتكبرين يجعلون في صورة الذر يتوطاهم الناس حتى يفرغ اللّه من الحساب ) ((164)) .
الذر: صغار النمل وواحده : الذرة .
ـ 6 ـ.
كيف يجزى الانسان بثار عمله في الجنة والنار
ان اللّه يجزي الانسان في الاخرة حسب عمله بالنعيم , ويجازيه كذلك بالعذاب بتجسيد اعماله التي صدرت منه في الحياة الدنيا, واخبر اللّه عن ذلك في قوله تعالى :
ا ـ في سورة الحج :
(ان اللّه يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الانهار) (الاية 23).
ب ـ في سورة غافر:
( ومـن عـمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فاولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب ) (الاية 40).
ج ـ في سورة النساء:
( من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون اللّه وليا ولا نصيرا ومن يعمل من الصالحات من ذكر او انثى وهو مؤمن فاولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا) (الايتان 123 ـ 124).
د ـ في سورة الزمر:
(ويـوم القيامة ترى الذين كذبوا على اللّه وجوههم مسودة اليس في جهنم مثوى للمتكبرين ووفيت كل نفس ما عملت وسيق الذين اتقوا ربهم الى الجنة زمرا) (الايات 60 و70 ـ 73).
هـ ـ في سورة الزخرف :
(الذين آمنوا بياتنا وكانوا مسلمين ادخلوا الجنة انتم وازواجكم تحبرون ) (الايتان 69 ـ 70).
(وتـلك الجنة التي اورثتموها بما كنتم تعملون ان المجرمين في عذاب جهنم خالدون وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين ).
(الايات 72 و74 و76).
و ـ في سورة التوبة :
( والـذيـن يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشرهم بعذاب اليم يوم يحمى عليها فـي نـار جـهـنـم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) (الايتان 34 ـ 35).
روى الصدوق بسنده عن رسول اللّه (ص ), انه قال :
اربعة يؤذون اهل النار على ما بهم من الاذى ينادون بالويل والثبور:
رجل عليه تابوت من حجر فانه مات وفي عنقه اموال الناس لم يجد لها في نفسه اداء ولا مخلصا.
ورجل يجر امعاءه , فانه كان لا يبالي اين اصاب البول جسده .
ورجل يسيل فوه قيحا ودما, فانه كان يحاكي فينظر كل كلمة خبيثة فيفسد بها ويحاكي بها.
ورجل ياكل لحمه , فانه كان ياكل لحوم الناس بالغيبة ويمشي بالنميمة ((165)) .
واخبر اللّه سبحانه ان لكل من الجنة وجهنم ابوابا وقال سبحانه :
ا ـ في سورة (ص ):
( وان للمتقين لحسن مب جنات عدن مفتحة لهم الابواب ) (الايتان 49 و50).
ب ـ في سورة الحجر مخاطبا ابليس ـ لعنه اللّه ـ:
(ان عبادي ليس لك عليهم سلطان الا من اتبعك من الغاوين لها سبعة ابواب لكل باب منهم جزء مقسوم ) (الايتان 42 ـ 44).
شرح الكلمات .
ا ـ نقيرا:
الـنـقير: النقطة التي في وسط نواة التمر ومنها تنبت النخلة , ويضرب بها المثل في الشي ء الذي لا قيمة له .
ب ـ مثوى :
ثوى ثواءا, الثواء: الاقامة مع الاستقرار, ومثوى : اسم مكان من الثواء.
ج ـ زمرا:
الزمرة : الفوج والجماعة , والجمع : الزمر.
د ـ مب :
آب اليه اوبا ومبا: رجع رجوعا.
هـ ـ جنات عدن :
عدن بمكان كذا: استقر, وجنات عدن : اي جنات استقرار وثبات .
تفسير الايات بالروايات
ورد في تفسير الاية ان رسول اللّه (ص ) قال :
(ثمانية للجنة ابواب , وللنار سبعة ابواب , وبعضها افضل من بعض ) ((166)) .
وعن الامام علي (ع ) انه قال :
اتـدرون كـيـف ابـواب جهنم ؟ قلنا كنحو هذه الابواب , قال : لا ولكنها هكذا: ووضع يده فوق يده وبسط يده فوق يده وفي تفسير القرطبي بعده : بعضها فوق بعض وروى عن رسول اللّه : (اهل كل طبقة فيها) ((167)) .
وعن رسول اللّه (ص ), انه قال في تفسير جزء مقسوم :
(لكل باب منهم ـ من اهل النار ـ جزء مقسوم يعذب كل جزء على قدر اعمالهم ) ((168)) .
وفي الختام نذكر بعض الاحاديث التي تشرح الايات السابقة وتبين آثار الاعمال جملة وتفصيلا:
ا ـ في اصول الكافي بسنده عن الامام جعفر الصادق (ع ), انه قال :
(مـن ادخل على مؤمن سرورا خلق اللّه عز وجل من ذلك السرور خلقا فيلقاه عند موته , فيقول له : ابـشـر يا ولي اللّه بكرامة من اللّه ورضوان , ثم لا يزال معه حتى يدخله قبره [يلقاه ], فيقول له مثل ذلك , فاذا بعث يلقاه فيقول له مثل ذلك , ثم لا يزال معه عند كل هول يبشره ويقول له مثل ذلك , فيقول له : من انت رحمك اللّه ؟ فيقول : انا السرور الذي ادخلته على فلان ) ((169)) .
ب ـ في البحار نقلا عن معاني الاخبار للصدوق , بسنده عن ابي عبد اللّه الصادق , انه قال :
(من نفس عن مؤمن كربة نفس اللّه عنه كرب الاخرة وخرج من قبره وهو ثلج الفؤاد, ومن اطعمه من جوع اطعمه اللّه من ثمار الجنة , ومن سقاه شربة سقاه اللّه من الرحيق المختوم ) ((170)) .
ج ـ في اصول الكافي عن الامام ابي الحسن (ع ), انه قال :
(ان للّه عـبـادا في الارض يسعون في حوائج الناس , هم الامنون يوم القيامة , ومن ادخل على مؤمن سرورا فرح اللّه قلبه يوم القيامة ) ((171)) .
د ـ في اصول الكافي بسنده عن ابي عبد اللّه الصادق (ع ), انه قال :
(مـا قـضـى مـسـلـم لـمـسـلم حاجة الا ناداه اللّه تبارك وتعالى : علي ثوابك , ولا ارضى لك بدون الجنة ) ((172)) .
هـ ـ في ثواب الاعمال ما موجزه :
عن الامام جعفر بن محمد, عن آبائه , عن علي (ع ) قال : قال رسول اللّه (ص ):
(وفـي ثـواب الاعـمال , عن معروف بن خربوذ, عن ابي جعفر (ع ) قال : سمعته يقول : ما من مؤمن يـصـاب بمصيبة في الدنيا فيسترجع عند مصيبته حين تفجاه المصيبة , الا غفر اللّه له ما مضى من ذنـوبـه الاالـكـبـائر الـتي اوجب اللّه عليها النار, قال : وكلما ذكر مصيبة فيما يستقبل من عمره فـاسـتـرجـع عـنـدهـا وحمد اللّه , غفر اللّه له كل ذنب اكتسبه فيما بين الا سترجاع الاول الى الاستراجاء الثاني الا من الكبائر من الذنوب ) ((173)) .
استرجع : قال : انا للّه وانا اليه راجعون .
وفي البحار عن الامام ابي عبد اللّه (ع ), قال :
(قـال رسـول اللّه (ص ): قال اللّه تعالى : ما من عبد اريد ان ادخله الجنة الا ابتليته في جسده , فان كـان ذلـك كـفارة لذنوبه والا سلطت عليه سلطانا, فان كان ذلك كفارة لذنوبه والا ضيقت عليه في رزقه , فان كان ذلك كفارة لذنوبه والا شددت عليه عند الموت حتى ياتيني ولا ذنب له حتى ادخله الجنة ) الحديث ((174)) .
وفي صحيح البخاري ان رسول اللّه (ص ) قال :
(ما من مسلم يصيبه اذى الا حات اللّه عنه خطاياه كما تحات ورق الشجر) ((175)) .
وفي رواية اخرى :
(ما من مصيبة تصيب المسلم الا كفر اللّه بها عنه حتى الشوكة يشاكها) ((176)) .
وفي صحيح البخاري وصحيح مسلم , قال رسول اللّه (ص ):
(مـا مـن مـسـلـم يـصـيـبـه اذى شـوكـة فـما فوقها الا كفر اللّه بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها) ((177)) .
وفي صحيح البخاري ومسند احمد, قال رسول اللّه (ص ):
(مـا يـصـيـب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا اذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها الاكفر اللّه بها من خطاياه ) ((178)) .
ـ 7 ـ.
جزاء الصبر
كـمـا ان اللّه جعل لكل عمل يصدر من الانسان جزاء في الدنيا وجزاء في الاخرة , كذلك جعل اللّه لـصـبـر الانـسان على المكاره والمصائب جزاء في الدنيا وجزاء في الاخرة , وقد اخبر الرسول (ص ) ان الصبر يكون على ثلاثة انواع , كما روى ذلك عنه وصيه الامام علي , وقال :
قـال رسـول اللّه (ص ): (الـصـبـر ثـلاثة : صبر عند المصيبة , وصبر على الطاعة , وصبر عن المعصية ) ((179)) .
وقد اخبر اللّه في سورة الاعراف انه جزى بني اسرائيل بما صبروا في الحياة الدنيا, وقال تعالى :
(واورثـنـا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الارض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الـحـسـنى على بني اسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون ) (الاية 137).
واخبر عن جزاء الانواع الثلاثة من الصبر في سورة البقرة , وقال :
ا ـ (ولـنـبلونكم بشي ء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين الـذيـن اذا اصـابـتـهم مصيبة قالوا انا للّه وانا اليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون ) (الايات 155 ـ 157).
ب ـ (لـيـس الـبر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن باللّه واليوم الاخر والـمـلائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والـسـائلـين وفي الرقاب واقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم اذا عاهدوا والصابرين في الباساء والضراء وحين الباس اولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون ) (الاية 177).
في هاتين الايتين من سورة البقرة : ان المتقين هم الذين يعملون الصالحات ويتصفون بالانواع الثلاثة من الصبر.
ومن انواع الصبر على الطاعة والمصيبة صبر المؤمنين على الاذى والسخرية لايمانهم باللّه , كما اخبر اللّه تعالى عنه وقال :
ا ـ في سورة المؤمنون :
(انـه كـان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وانت خير الراحمين فاتخذتموهم سخريا حتى انسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون اني جزيتهم اليوم بما صبروا انهم هم الفائزون ) (الايات 109 ـ 111).
ب ـ في سورة القصص :
(الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون واذا يتلى عليهم قالوا آمنا به انه الحق من ربنا انا كنا من قـبـلـه مـسلمين اولئك يؤتون اجرهم مرتين بما صبروا ويدراون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم يـنـفـقـون واذا سـمـعوا اللغو اعرضوا عنه وقالوا لنا اعمالنا ولكم اعمالكم سلام عليكم لانبتغي الجاهلين ) (الايات 52 ـ 55).
وفي سورة الرعد بشر الذين صبروا واقاموا الصلاة وقال سبحانه :
(والـذيـن صـبروا ابتغاء وجه ربهم واقاموا الصلاة وانفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدراون بـالـحـسـنـة الـسـيئة اولئك لهم عقبى الدار جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وازواجهم وذريـاتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) (الايات 22 ـ 24).
شرح الكلمات .
ا ـ يعرشون :
المعنى هنا ما يدعمون به ملكهم .
ب ـ الـبـاس والباساء: الشدة والمكروه والحرب , والمقصود من الباساء هنا الشدة والمكروه , ومن الباس ساعة الحرب .
ج ـ يدراون :
درا: دفع , ودرا عنه الشر: دفعه .
اجر الصابرين وجزاؤهم في الروايات :
فـي الـبـحـار بـسنده عن الصادق (ع ), قال : قال رسول اللّه (ص ): اذا نشرت الدواوين , ونصبت الموازين , لم ينصب لاهل البلاء ميزان , ولم ينشر لهم ديوان , وتلا هذه الاية (انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب ) ((180)) .
وفي البحار بسنده عن الامام زين العابدين (ع ), قال :
(اذا جمع اللّه الاولين والاخرين ينادي مناد اين الصابرون ليدخلوا الجنة جميعا بغير حساب , قال : فـيقوم عنق من الناس فتتلقاهم الملائكة فيقولون : الى اين يا بني آدم ؟ فيقولون الى الجنة , فيقولون : وقـبـل الـحساب ؟ فقالوا: نعم , قالوا: ومن انتم ؟ قالوا: الصابرون , قالوا: وما كان صبركم ؟ قالوا: صـبـرنا على طاعة اللّه , وصبرنا عن معصية اللّه , حتى توفانا اللّه عز وجل, قالوا: انتم كما قلتم , ادخلوا الجنة , فنعم اجر العاملين ) ((181)) .
وفي ثواب الاعمال بسنده عن الامام ابي جعفر الباقر (ع ), انه قال :
(من لقي اللّه مكفوفا محتسبا مواليا لال محمد (ص ) لقي اللّه ولا حساب عليه ) ((182)) .
مكفوفا: كف بصره وكف: ذهب فهو مكفوف .
.
كان لكم امثلة مما يتلقاه الانسان جزاء لعمله او لصبره على المكاره وفي ما ياتي ندرس بحوله تعالى توارث جزاء الاعمال .
ـ 8 ـ.
توارث جزاء العمل
اخبر اللّه سبحانه عن توريث الانسان جزاء عمله لعقبه , وقال سبحانه :
ا ـ في سورة النساء:
(ولـيـخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا اللّه وليقولوا قولا سديدا ان الذين ياكلون اموال اليتامى ظلما انما ياكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) (الايتان 9 و10).
ب ـ سورة الكهف :
(فانطلقا حتى اذا اتيا اهل قرية استطعما اهلها فابوا ان يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد ان ينقض فاقامه قال لو شئت لتخذت عليه اجرا واما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لـهما وكان ابوهما صالحا فاراد ربك ان يبلغا اشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك ) (الايتان 77 ـ 82).
شرح الكلمات .
ا ـ سديدا:
سد سدادا, السداد: الصواب من القول , وقولا سديدا اي صوابا موافقا للعدل والشرع .
ب ـ سعيرا:
سعر النار والحرب : اوقدهما وهيجهما, ونار سعير: موقدة مهيجة , والمراد بالسعير جهنم .
ج ـ ينقض :
نقض البناء: هدمه , ويريد ان ينقض : يريد ان ينهدم .
د ـ اشدهما:
شد: قوي , ويبلغا اشدهما اي يبلغا قوتهما.
اعمال يبقى اثرها بعد حياة المتوفى :
من الاعمال ما يبقى اثرها للانسان المتوفى ويلحقه ضررها او نفعها بعد حياته , كما جاء في الخصال عن الامام ابي عبد اللّه الصادق (ع ), انه قال :
(لـيـس يتبع الرجل بعد موته من الاجر الا ثلاث خصال : صدقة اجراها في حياته فهي تجري بعد مـوته الى يوم القيامة , صدقة موقوفة لا تورث , او سنة هدى سنها وكان يعمل بها وعمل بها من بعده غيره , او ولد صالح يستغفر له ).
وشرحه في حديث آخر, وقال (ع ):
(سـت خصال ينتفع بها المؤمن من بعد موته : ولد صالح يستغفر له ومصحف يقرا فيه , وقليب يحفره , وغرس يغرسه , وصدقة ماء.
يجريه , وسنة حسنة يؤخذ بها بعده ) ((183)) .
.
ذكـرنـا آثار العمل في الدنيا والاخرة وتوارث آثار العمل , ومن آثار العمل منح رب العالمين لعبده حق الشفاعة كما سندرسه في البحث الاتي بحوله تعالى .
(11).
استحقاق الشفاعة جزاء لبعض الاعمال
شفع الشي ء شفعا: ضم مثله اليه , وشفع له عند آخر شفاعة : طلب التجاوز عن سيئته كانه ضم نفسه اليه معينا له فهو شافع وشفيع , والشفاعة ايضا كلام الشفيع في هذا المقام , وقد قال اللّه سبحانه :
ا ـ في سورة طه :
(يـوم ينفخ في الصور يومئذ لا تنفع الشفاعة الا من اذن له الرحمن ورضي له قولا) (الايتان 102 و109).
ب ـ في سورة مريم :
(لا يملكون الشفاعة الا من اتخذ عند الرحمن عهدا) (الاية 87).
ج ـ في سورة الاسراء:
( عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا) (الاية 79).
د ـ في سورة الانبياء:
( ولا يشفعون الا لمن ارتضى ) (الاية 28).
هـ ـ في سورة الاعراف :
(الـذيـن اتـخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا يوم ياتي تاويله يقول الذين .
نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا) (الايات 51 و53).
تفسير الايات .
يـوم يـنـفـخ فـي الـصور لا تنفع شفاعة احد الا من اذن اللّه له في ان يشفع ورضي قوله من عباده الـصالحين , وانه لا يملك الشفاعة الا من اتخذ عند الرحمن عهدا من الانبياء والاوصياء ومن دونهم من عباد اللّه الصالحين , وان الشفاعة هي المقام المحمود الذي وعد اللّه خاتم انبيائه (ص ).
وان الانـبياء لا يشفعون الا لمن ارتضى اللّه ان يشفعوا له , وفي ذلك اليوم يقول الذين غرتهم الحياة الدنيا: (فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا) وليس لهم من شفيع .
الشفاعة في الروايات :
في البحار نقلا عن عيون الاخبار للصدوق , ان الامام الرضا (ع ) روى عن ابيه , عن آبائه , عن امير الـمـؤمـنـين (ع ), انه قال : (قال رسول اللّه (ص ): من لم يؤمن بحوضي ـ الحوض : الكوثر ـ فلا اورده اللّه حوضي , ومن لم يؤمن بشفاعتي فلا اناله اللّه شفاعتي ) الحديث .
وفـي آخـره سال الراوي الامام الرضا (ع ) وقال : يا ابن رسول اللّه (ص ) فما معنى قول اللّه عز وجل : (ولا يشفعون الا لمن ارتضى )؟ قال : (لا يشفعون الا لمن ارتضى اللّه دينه ) ((184)) .
ان رسول اللّه قال (ص ):
(الـصـيـام والـقـرآن يشفعان للعبد يوم القيامة , يقول الصيام : اي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني ((185)) فيه , ويقول القرآن : منعته النوم بالليل فشفعني فيه , قال : فيشفعان ).
وروى عن الامام علي (ع ) ـ ايضا ـ, انه قال :
(قـال رسـول اللّه (ص ): ثـلاثـة يـشـفـعـون الـى اللّه عز وجل فيشفعون : الانبياء ثم العلماء ثم الشهداء) ((186)) .
وفي سنن ابن ماجة , قال رسول اللّه (ص ):
(يشفع يوم القيامة ثلاثة : الانبياء ثم العلماء ثم الشهداء) ((187)) .
وروي عن الامام ابي عبد اللّه الصادق (ع ) حديث عن شفاعة رسول اللّه (ص ) يوم القيامة , جاء في آخره :
( ان رسـول اللّه يـومئذ يخر ساجدا فيمكث ما شاء اللّه , فيقول اللّه عز وجل : ارفع راسك واشفع تشفع , وسل تعط وذلك قوله تعالى :
(عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا) ((188)) .
وجاء تفصيل الخبر في تفسير ابن كثير وتفسير الطبري وغيرهما بلفظ آخر ((189)) .
وروى الترمذي , عن الامام الصادق (ع ) ان رسول اللّه (ص ) قال :
(شفاعتي لاهل الكبائر من امتي ) ((190)) .
نتيجة البحث .
يـفهم من مجموع الايات والاحاديث في شان الشفاعة ان الشفاعة يوم القيامة ليست لمن شاء كما شاء, بـل تـجـري وفـق مشيئة اللّه الحكيم جزاء لاعمال جعلها اللّه اسبابا للشفاعة , مثل ان يقصر العبد الـمـسلم في فريضة من فرائض اللّه , وفي مقابل ذلك كان في حياته قد والى الرسول (ص ) واهل بيته واخلص لهم الود في قلبه لانهم اولياء اللّه , او كان قد اكرم عالما لعلمه بالاسلام , او احسن الى مـؤمـن صـالح استشهد بعد ذلك , فيجازيه بعمل قلبه في الحالة الاولى , وبعمل جوارحه في الحالة الثانية , ما يكافا به نقص عمله في اداء تلك الفريضة .
ومن آثار الاعمال السيئة حبط اجر الاعمال الحسنة كما سندرسها في البحث الاتي بحوله تعالى .
(12).
حبط الاعمال جزاء لبعض الاعمال
حـبـط الـعمل او الصنع يحبط: بطل ولم يحقق ثمرته , ويحبط عمل الانسان في الاخرة للاسباب الاتية :
ا ـ ان يصدر العمل من الانسان بقصد النفع الدنيوي فهو عندئذ ياخذ جزاء عمله في الدنيا كما اراد.
ومن هذا الصنف من لا يؤمن باللّه والحياة الاخرة كما اخبر اللّه عنهم وقال سبحانه :
ا ـ في سورة الاعراف :
(والذين كذبوا بياتنا ولقاء الاخرة حبطت اعمالهم هل يجزون الا ما كانوا يعملون ) (الاية 147).
ب ـ في سورة التوبة :
(مـا كان للمشركين ان يعمروا مساجد اللّه شاهدين على انفسهم بالكفر اولئك حبطت اعمالهم وفي الـنار هم خالدون انما يعمر مساجد اللّه من آمن باللّه واليوم الاخر واقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش الا اللّه فعسى اولئك ان يكونوا من المهتدين ) (الايتان 17 و18).
ج ـ في سورة البقرة :
( ومـن يـرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فاولئك حبطت اعمالهم في الدنيا والاخرة واولئك اصحاب النار هم فيها خالدون ) (الاية 217).
د ـ في سورة محمد (ص ):
(انـ الـذين كفروا وصدوا عن سبيل اللّه وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا اللّه شـيـئا وسـيـحـبط اعمالهم يا ايها الذين آمنوا اطيعوا اللّه واطيعوا الرسول ولا تبطلوا اعمالكم ) (الايتان 32 و33).
ولا يـقـتـصر حبط الاعمال على الكافرين بل يشمل المسلمين ـ ايضا ـ للاسباب التي ذكرها اللّه وقال سبحانه :
ا ـ في سورة الحجرات :
(يا ايها الذين آمنوا لا ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ان تحبط اعمالكم وانتم لا.
تشعرون ) (الاية 2).
ب ـ في سورة البقرة :
(يا ايها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ) (الاية 264).
وجاء في الاحاديث ذكر كثير من اسباب حبط الاعمال , مثل ما رواه الصدوق في ثواب الاعمال عن رسول اللّه (ص ), انه قال :
(من قال : (سبحان اللّه ) غرس اللّه له بها شجرة في الجنة , ومن قال : (الحمد للّه ) غرس اللّه له بها شـجـرة فـي الجنة , ومن قال : (لا اله الا اللّه ) غرس اللّه له بها شجرة في الجنة , ومن قال : (اللّه اكـبر) غرس اللّه له بها شجرة في الجنة , فقال رجل من قريش : يا رسول اللّه ان شجرنا في الجنة لكثير, قال : نعم , ولكن اياكم ان ترسلوا عليها نيرانا فتحرقوها, وذلك ان اللّه عز وجل يقول :
(يا ايها الذين آمنوا اطيعوا اللّه واطيعوا الرسول ولا تبطلوا اعمالكم ) ((191)) .
وروى مسلم وغيره واللفظ لمسلم عن رسول اللّه (ص ), انه قال :
ا ـ (ان فرطكم علي الحوض , من ورد شرب , ومن شرب لم يظما بعد, وليردن علي اقوام اعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم ).
وفي رواية فيقول ـ الرسول ـ: (انهم مني , فيقال : انك لا تدري ما عملوا بعدك ).
وفي رواية اخرى انه قال :
(ليردن علي الحوض رجال ممن صاحبني حتى اذا رايتهم اختلجوا دوني , فلاقولن اي رب اصحابي اصحابي , فيقالن لي : انك لا تدري ما احدثوا بعدك ) ((192)) .
وفي حديث رسول اللّه (ص ):
(ان الـمـرائي يدعى به يوم القيامة باربعة اسماء: يا كافر وبطل اجرك ولا خلاق لك اليوم , فالتمس اجرك ممن كنت تعمل له ) ((193)) .
الخلاق : الحظ والنصيب من الخير.
.
خلاصة البحث :
ذكـرنـا الى هنا امثلة مما يجزي رب العالمين صنف الانسان من الخلق بثار عمله وفي ما ياتي نذكر بحوله تعالى مشاركة الجن للانس في ما يتلقاه من رب العالمين في جزاء عمله .
(13).
مشاركة الجن للانس في جزاء الاعمال يوم القيامة
الجن .
قـد اخبرنا اللّه سبحانه وتعالى عما جزى الشيطان بتمرده على امره وعدم سجوده لادم في الدنيا, واخبرنا عن مل امرهم يوم القيامة :
ا ـ في سورة الانعام بقوله تعالى :
(ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس ).
(يـا مـعشر الجن والانس الم ياتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شـهدنا على انفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على انفسهم انهم كانوا كافرين ) (الايات 128 ـ 130).
ب ـ في سورة الجن في حكاية وصف الجن لقومهم : بقوله تعالى :
(وانـا مـنـا المسلمون ومنا القاسطون فمن اسلم فاولئك تحروا رشدا واما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا) (الايتان 14 و15).
ج ـ في سورة الاعراف بقوله تعالى :
(قال ادخلوا في امم قد خلت من قبلكم من الجن والانس في النار كلما دخلت امة لعنت اختها حتى اذا اداركوا فيها جميعا قالت اخراهم لاولاهم ربنا هؤلاء اضلونا فتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولـكـن لا تـعـلـمون وقالت اولاهم لاخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون ) (الايتان 38 و39).
د ـ في سورة هود:
( وتمت كلمة ربك لاملان جهنم من الجنة والناس اجمعين ) (الاية 119).
كـان ذلكم ما جاء في القرآن الكريم من امر مجازاة اللّه للجن باعمالهم في الدنيا والاخرة , ولم يات تفصيل شانهم يوم القيامة كما.
جاء شان الانس يوم الجزاء.
خلاصة البحث :
كما ان الانسان يحصد ما عمله في زرع القمح والشعير وسائر الحبوبات والخضروات بعد شهور, ويـجـني ثمر عمله في غرس انواع الاشجار بعد سنوات ثم يتناول رزقه من نتائج اعماله تلك مع ذلك بقوله تعالى :
ا ـ (كلوا مما رزقكم اللّه ) (المائدة 88, والنحل 114).
ب ـ (يا ايها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا اللّه ) (البقرة 72).
ج ـ (ولا تقتلوا اولادكم خشية املاق نحن نرزقهم واياكم ) (الاسراء 31).
وذلك لان مثل الانسان في ذلك كله مثل انسان يدخل مطعم (سلف سرويس ) اخدم نفسك بنفسك , فان الـمـضـيف في مثل هذا المطعم يطعم ضيفه ويرزقه من انواع الطعام ما يختاره الضيف لنفسه بكامل حريته وان الضيف لا ياكل شيئا مالم يتخذ لنفسه مما اعده المضيف من الاواني والملاعق ولم يتقدم بـنفسه الى الموائد ولم ياخذ منها ما يشتهيه وتقع التبعة عليه اذا اضر نفسه بالاسراف في الاكل او اكـل ما يضره , وكذلك شان الانسان في ما يجتنيه من آثار عمله المعنوية , فانه يستوفي آثار عمله عـاجـلا في الحياة الدنيا دون الاخرة , مثل آثار صلة الرحم للانسان الكافر, او آجلا بعد الموت , مـثـل آثـار الاسـتـشهاد للمؤمن , او يستوفيها عاجلا وآجلا معا, مثل آثار عمل صلة الرحم التي يستوفي الانسان المؤمن آثارها في الدنيا والاخرة .
وبـنـاء على ما ذكرنا يستوفي الانسان قيمة عمله الحسن المعنوي كما يستوفي قيمة عمله الحسن المادي عاجلا او آجلا او عاجلا وآجلا معا, وكذلك الشان في اخذ الانسان قيمة عمله السي ء.
وان اسـتحقاق بعض الاناسي للشفاعة يوم القيامة , واذن الرب لاخرين بالشفاعة ـ ايضا ـ تحصلات لكل منهما نتيجة لعمل قام به كل منهما في الدنيا.
وكـذلـك حـبـط بعض اعمال الاناسي يوم القيامة تكون نتيجة لبعض اعمالهم في الدنيا وصدق اللّه العظيم حيث يقول : (وان ليس للانسان الا ما سعى ).
وقد اخبر القرآن ان صنف الجن ـ ايضا ـ كالانس يستوفون جزاء عملهم في الحياة الاخرة .
وان كـل مـا ذكرناه يجري وفق تقدير حكيم لرب العالمين , وهي جميعا بعض صفات رب العالمين , وسندرس بحوله تعالى صفات اخرى لرب العالمين .
(14).