امنعت اجهزة المتوكل بمراقبة شيعة الامام و مواليه ، فسامهم قتلا واعتقالا وافقارا ، فامروا ببعضهم ان يلقي من جبل عال بتهمة موالاة الامام عليه السلام (1)، وقطع المتوكل ارزاق بعضهم لملازمة الامام ابي احسن الهادي عليه السلام (2) ، وحبس علي بن جعفر ـ وكيل الامام الهادي عليه السلام وهو من اهل همينيا ـ لمدة طويلة وتحت ظروف قاسية (3).
وفي كل ذلك يتوجه الاصحاب الي امامهم عليه السلام فيعينهم بالدعاء. عن عبدالله بن سليمان الخلال ، قال : « كتبت اليه عليه السلام اساله الدعاء ان يفرج الله عنا في اسباب من قبل السلطان...الي ان قال : فرجع الجواب بالدعاء... » (4).
قتل امام العربية يعقوب بن السكيت
روي المورخون انه في سنة244هـ قتل المتوكل يعقوب بن السكيت الامام في العربية ، فانه ندبه الي تعليم اولاده ، فنظر المتوكل يوما الي ولديه المعتز والمؤيد ، فقال لابن السكيت : من احب اليك : هما او الحسن والحسين؟ فقال : قنبر خادم علي خير منك ومن ابنيك ، فامر الاتراك فداسوا بطنه حتي مات رحمة الله وقيل : امر بسل لسانه من قفاه فمات ، وارسل الي ابنه بديته (5).
دعاء المظلوم على الظالم
بقي المتوكل يتوجس خيفة من نشاط الامام عليه السلام الذي لم تتضح له كامل ابعاده ، ففرض عليه ملازمة داره ومنعه من الركوب الي اي مكان (6)، ومن ثم امر باعتقاله ، فبقي رهن الاعتقال عند علي بن كركر (7) ، وقبل مقتل المتوكل بايام امره ان يترجل ويمشي بين يديه يوم الفطر ، وكان يوما قائظا شديد الحر ، فمشي عليه السلام مع بني هاشم حتي تفصد عرقا ، وكان عليه السلام لا يستطيع السير الا متكا لمرض الم به ، فما كان من الامام عليه السلام الا ان يتوجه الي الله سبحانه بدعاء طويل يكشف عما يعانيه عليه السلام وشيعته من ظلم المتوكل وعدوانه وطغيانه ، وعن حساسه عليه السلام العميق بمعاناة الامة من الحيرة والضياع والحدود المعطلة والاحكام المهملة وغيرها من مظاهر التردي.
روي المسعودي« انه لما كان يوم الفطر في السنة التي قتل فيها المتوكل ، امر بني هاشم بالترجل والمشي بين يديه ، وانما اراد بذلك ان يترجل له ابوالحسن عليه السلام ، فترجل بنوهاشم وترجل فاتكا علي رجل من مواليه ، فاقبل عليه الهاشميون ، فقالوا له : يا سيدنا ، ما في هذا العالم احد يستجاب دعاؤه فيكفينا الله! فقال لهم ابوالحسن عليه السلام : في هذا العالم من قلامة ظفره اكرم علي الله من ناقة ثمود ، لما عقرت وضج الفصيل الي الله ، فقال الله : ((تمتعوا في داركم ثلاثة ايام ذلك وعد غير مكذوب)) (8) ، فقتل المتوكل في اليوم الثالث. وروي انه عليه السلام قال وقد اجهده لمشي : اما انه قد قطع رحمي ، قطع الله اجله » (9) ، و هذا يوافق ما جاء في التاريخ ، فقد قتل المتوكل في الرابع من شوال سنة247هـ.
وجاء الخبر الذي رواه المسعودي مفصلا في رواية قطب الدين الراوندي ، والسيد ابن طاووس الذي رواه في اكثر من طريق ، وتضمن الدعاء الطويل الذي سماه الامام عليه السلام (دعاء المظلوم علي الظالم) قال عليه السلام : « لما بلغ مني الجهد رجعت الي كنوز نتوارثها من ابائنا ، وهي اعز من الحصون والسلاح والجنن ، وهو دعاء المظلوم علي الظالم ، فدعوت به عليه فاهلكه الله ».
وفيما يلي مقطع منه يعكس لك شدة معاناة الامام عليه السلام : « اللهم انه قد كان في سابق علمك وقضائك ، وماضي حكمك ونافذ مشيئتك في خلقك اجمعين ، سعيدهم وشقيهم ، وفاجرهم وبرهم ، ان جعلت لفلان بن فلان علي قدرة فظلمني بها ، وبغي علي لمكانها ، وتعزز علي بسلطانه.
، وتجبر علي بعلو حاله. . ، وغره املاؤك له ، واطغاه حلمك عنه ، فقصدني بمكروه عجزت عن الصبر عليه ، وتعمدني بشر ضعفت علي احتماله ، ولم اقدر علي الانتصار لضعفي ، والانتصاف منه لذلي ، فوكلته اليك ، وتوكلت في امره عليك ، و تواعدته بعقوبتك ، وحذرته سطوتك ، وخوفته نقمتك ، فظن ان حلمك عنه من ضعف ، وحسب ان املاءك له من عجز ، ولم تنهه واحدة عن اخري ، ولا انزجر عن ثانية باولي ، ولكنه تمادي في غية ، وتتابع في ظلمه ، ولج في عدوانه ، واستشري في طغيانه ، جراة عليك ياسيدي ، وتعرضا لسخطك الذي لاترده عن القوم الظالمين ، وقلة اكتراث بباسك الذي اتحبسه عن الباغين.
فها انا ياسيدي مستضعف في يديه ، مستضام تحت سلطانه ، مستذل بعقابه ، مغلوب مبغي علي ، مقصود وجل خائف مروع مقهور ، قد قل صبري ، وضاقت حيلتي ، وانغلقت علي المذاهب الا اليك ، وانسدت علي الجهات الا جهتك ، والتبست علي اموري في رفع مكروهه عني ، واشتبهت علي الاراء في ازالة ظلمه ، وخذلني من استنصرته من عبادك ، واسلمني من تعلقت به من خلقك طرا ، واستشرت نصيحي فاشار علي بالرغبة اليك ، واسترشدت دليلي فلم يدلني الا عليك... » (10) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الثاقب في المناقب : 543 ، المناقب لابن شهر اشوب4 : 448.
(2) المناقب لابن شهر اشوب4 : 442 ، بحار الانوار50 : 127/5.
(3) رجال الكشي : 2 : 866/1129 ، بحار الانوار50 : 183/58.
(4) الكامل في المناقب : 548/490.
(5) الكامل في التاريخ6 : 133 ، تاريخ الخلفاء : 269 ، تاريخ ابن الوردي1 : 313.
(6) راجع : الخرائج والجرائح1 : 396/3 ، بحار الانوار50 : 144/28.
(7) راجع : المناقب لابن شهر اشوب4 : 439 ، الثاقب في المناقب : 536 ، اعلام الوري2 : 123.
(8) سورة هود : 11/65.
(9) اثبات الوصية : 240.
(10) مهج الدعوات : 330 ـ337 ، بحار الانوار95 : 234 ـ240/30.
source : http://www.ahlulbaytportal.com