عربي
Tuesday 5th of November 2024
0
نفر 0

الاسلام و النصرانیة في قصة میلاد المسیح(ع)

قامت في أوروبا في العصر الحدیث طائفة من الملحدین الذین خرجوا علی الأدیان وانکروا الشرائع السماویة، واتخذوا من النوامیس الطبیعیة وسیلة لانکار کل ما جاء في الکتب المقدسة من آیات الهیة ومعجزات خارقة.

وفي مقدمة هذه الآیات والمعجزات میلاد المسیح من مریم العذراء، فزعموا أن الطبیعة لا یمکن أن تشذ عن ناموسها وانه لا بد أن یکون میلاد المسیح میلادا طبیعیا، وانه لا یعقل أن یولد انسان بلا والد حتی زعزعت هذه الآراء بعض المسیحیین المتدینین في انجلترا، واضطرت الکنیسة الانجلیزیة ان تسکت عن هذه المعجزة دون ان تذکر شیئا عن والد المسیح، ولکن بعض الکنائس الاخری اعترفت بوالد المسیح منذ القرن التاسع عشر، ورسم بعض الفنانین «العائلة المقدسة» وفیها یوسف النجار علی نحو ما جاء في «انجیل متی».

وقد دافع القرآن الکریم عن مریم العذراء وقضة ولادتها للسید المسیح دفاعا بلیغا یعتز به المسملون و المسیحیون علی السواء. ولم یعن کتاب مقدس بمیلاد المسیح والدفاع عن طهارة والدته، والاشادة بفضلها وتفصیلها علی سائر النساء، کما عنی القرآن الکریم في ادب رفیع وأسلوب مقنع رائع. فقد جاءت قصة المسیح ووالدته وقصة میلاده ومعجزاته في عدد من السور، وفي آیات بینات، وأتی في براءة العذراء، واختیارها لهذه المعجزة السماویة بما لم تأت به کتب أخری مما یتفق مع الحق و الایمان وتقره القلوب والأذهان.

وقد امتازت هذه القصة الشریفة في القرآن بسورتین طویلتین سوی ما جاء منها من الآیات في السور الاخری: الأولی «سورة آل عمران» وهي السورة الثانیة من الکتاب الکریم، وعمران هو والد مریم، والثانیة «سورة مریم». ولم تأت سورة باسم سیدة في القرآن غیر هذه السیدة التي کرمها الله تعالی و اصطفاها، واصطفی آل عمران والدها علی العالمین لهذا الحادث الالهي العظیم.

وقد ولد السید المسیح في « الناصرة» من أرض الجلیل، وقد سمیت « جلیل الأمم» أي دائرة الأمم، کما هو معناها في الزمن القدیم، لأنها کانت مفتوحة لجمیع الأمم الشرقیة الغربیة. وقد سکنها العرب منذ أقدم العصور. وقد کره الیهود «الجلیل» منذ زمن طویل و من أمثالهم: « لا خیر یأتي من الجلیل»!.. ولما علم أحد کهنتهم أن السید المسیح الذي بشر به موسی قد ولد في ناصرة الجلیل، أنکر ذلک، وقال :« أمن الجلیل یجي شي صالح؟!»

وقد جاء هذا النبي الصالح من هذه الارض الطیبة علی رغم الیهود الذین انکروه و انکروا والدته، ورموها بما تنزهت عنه، وبرأها القران منه، وهم یعلمون قنوتها و تقواها، ویعرفون سیرتها الطاهرة، وولادتها من والدین تقیین طاهرین فقد کان «عمران» ـ والد مریم العذراء ـ سیدا في قومه تقیا ورعا، وکانت زوجته سیدة ورعة صالحة فلما حملت بمریم نذرت الی الله أن یکون حملها بعد ولادته، خادما للمعبد المقدس، وکانت ترجوا أن یکون والدا. فلما وضعتها، وتبین لها انها انثی، ولیس الذکر کالانثی في خدمة المعبد في ذلک الزمان، تضرعت الی الله أن یتقبلها لما نذرتها له، فتقبلها ربها بقبول حسن و انبتها نباتا حسنا.

ولم یعش والدها عمران، حتی تشب مریم و تکبر، فتوفی وهي طفلة صغیرة، فکفلها زوج خالتها النبي «زکریا» علیه السلام.

وقد اسبغ الله علیها نعمته و کرامته، وافاض علیها من رزقه من حیث تعلم ولاتعلم، فکان «زکریا» کلما دخل علیها المحراب وجد عندها رزقا، فیعجب لذلک، ویسألها: «یا مریم من أین لک هذا؟» فتجیبه:« هو من عند الله ....»وقد قص القرآن ذلک في آیات بلیغة، فقال:

« ان الله اصطفی آدم و نوحا، وآل ابراهیم، وآل عمران علی العالمین. ذریة بعضها من بعض، والله سمیع علیم* اذ قالت امرأة وضعتها قالت رب اني وضعتها أنثی، والله أعلم بما وضعت، ولیس الذکر کالأنثی، وأنی سمیتها مریم، واني أعیذها بک وذریتها من الشیطان الرجیم* فتقبلها ربها بقبول حسن، وأنبتها نباتا حسنا، وکفلها زکریا، کلما دخل علیها زکریا المحراب، وجد عندها رزقا، قال یا مریم: أنی لک هذا قالت هو من عند الله، ان الله یرزق من یشاء بغیر حساب».

وهذا هو الفصل الأول من قصة مریم في القرآن الکریم بأسلوب فني جمیل، وفي آیات بینات، وکلمات سلسة فصیحة، وربط بدیع للأحداث التي تصور نشأة العذراء من بیت کریم، اصطفاه الله لکرامته، کما اصطفی آدم ونوحا، وآل ابراهیم علی العالمین، وهي تصور حیاتها قبل میلاد المسیح في المحراب، وکیف رزقها الله رزقا من عنده بغیر حساب!

وبعد ذلک تجيء سائر فصول هذه القصة البلیغة المعجزة، فیروی القرآن کیف نادت الملائکة مریم، فقالت لها: « یا مریم أن الله اصطفاک، وطهرک، واصطفاک علی نساء العالمین* یا مریم اقنتی لربک، واسجدي، وارکعي مع الراکعین».

وکانت مریم معتکفة في المعبد بعیدة عن أهلها، بعیدة عن الناس، وقد انتبذت مکانا شرقیا في الناصرة من الجلیل. وسعی لخطبتها رجل من أبناء عمومتها یدعی « یوسف النجار» ولکن لم یتم زواجها به، لأنها وهبت نفسها لله، ولخدمة المحراب.

وقد شاء الله أن یهب للبشر من هذه الفتاة العذراء نبیا کریما، ورسولا عظیما، ویجعل منه و منها آیة للناس، ومعجزة من معجزات السماء کما قال في کلامه المبین:

« وجعلنا ابن ابن مریم وأمه آیة، وآویناهما الی ربوة ذات قرار ومعین».

وقد ظهرت هذه الایة الکبری في رفض مریم الزواج، وایثارها عبادة الله علی غیرها من متاع الدنیا، فبعث الله الیها جبریل یبشرها بهذا الحادث الجلیل، وهي فحرابها تعبد الله وتخصل له العبادة والتقوی، فاجفلت وعجبت لهذا البشری، وسألت:کیف یکون لي ولد، ولم یمسسني بشر؟. فکان الجواب کما جاء في القرآن: «اذ قال الملائکة یا مریم ان الله یبشرک بکلمة منه، اسمه المسیح عیسی بن مریم، وجیها في الدنیا والآخرة ومن المقربین* ویکلم الناس في المهد، وکهلا ومن الصالحین* قالت رب اني یکون لي ولد، ولم یمسسني بشر؟. قال کذلک، الله یخلق ما یشاء اذا قضی أمرا، فانما یقول له کن فیکون».

وقد صور القرآن الکریم حالة مریم، وما اعتراها من فزع تصویرا بدیعا حین جاءها الملک بهذه البشری، وهي فتاة عذراء، متمثلا لها في صورة انسان، وهي وحیدة في عزلتها، فاستعاذت منه بالله تعالی، فطمأنها الملک وهدا من روعها، وانبأها انه مرسل من السماء، لیهب لها غلاما زکیا، کما جاء في سورة مریم في اسلوب قصصي فصیح:

واذکر في الکتاب مریم، اذ انتبذت من أهلها مکانا شرقیا* فاتخذت من دونهم حجابا، فأرسلنا الیها روحنا، فتمثل لها بشرا سویا* قالت اني أعوذ بالرحمن منک إن کنت تقیا* قال انما أنا رسول ربک لأهب لک غلاما زکیا* قالت أنی یکون لي غلام، لم یمسسني بشر ولم أک بغیا* قال کذلک قال ربک هو علی هین* ولنجعله آیة للناس، ورحمة منا، وکان أمرا مقضیا»...!

وقد اتفق انجیل لوقا، و انجیل برنابا مع القرآن الکریم في ولادة المسیح علی أنها آیة للناس، ولیست نتیجة زواج مریم بخطیبها یوسف النجار، کما جاء في انجیل متی. وقد نص القرآن علی أنها فتاة عذراء، خصها الله بهذه المعجزة، وروی ولادتها للمسیح عیسی وما عانته في هذه الولادة من آلام، وکیف قابلت به أهلها، وکیف تحدث في المهد صبیا، وصور ذلک في أسلوب بلیغ یمتزج بالنغم الروحي الموسیقی الجمیل، قال:

فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا* فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا * فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا* فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا* فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا*يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا *قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا*وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حیّا* وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا

إلی أن قال القرآن:«ذلک عیسی بن مریم، قول الحق الذي فیه یمترون، ما کان لله أن یتخذ من ولد، سبحانه!. اذا قضی أمرا، فانما یقول له کن فیکون»!

هذه قصة المیلاد، کما رواها القرآن في محکم بیانه، ومعجز أدبه و تبیانه.وفیها من الصور الأدبیة، والأوضاع الفنیة ما یعجز نوابغ الفنانین، وأقلام البلغاء الکاتبین. ولکنه القرآن ... وحسبه أنه کلام الله، وأنه تنزیل من حکیم علیم.

 


source : www.abna.ir
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الاستعاذة بالله طريق النجاة من الشيطان
المُناظرة الثالثة والستّون /مناظرة الشيخ المفيد ...
اللغة والكلام وأثرهما في المدارس اللسانية
في معنى المولى
موقف القرآن من مسألة : (الحتمية) و (استقلال ...
اصل في معرفة ذوات المعصومين (ع ) وحياتهم بالاجمال ...
حقدت على الشيعة في البداية وكتب الشيخ المفيد سبب ...
حقيقة الشفاعة وأقسامها
في معالم الإيمان والكفر (2)
المُناظرة الثالثة والاربعون /مناظرة الطالب مع ...

 
user comment