عربي
Saturday 20th of April 2024
0
نفر 0

سنّة الوضوء

(وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) (1) إنّ لفيفاً من أعلام السّنة صرحوا بدلالة الآية على المسح قائلين بأنّ قوله (وأرجلكم) معطوف على الأقرب لا الأبعد، وانّ العامل فيه هو (فامسحوا) ، ونذكر بعض تلك الكلمات:
سنّة الوضوء

(وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) (1) إنّ لفيفاً من أعلام السّنة صرحوا بدلالة الآية على المسح قائلين بأنّ قوله (وأرجلكم) معطوف على الأقرب لا الأبعد، وانّ العامل فيه هو (فامسحوا) ، ونذكر بعض تلك الكلمات:
1. قال ابن حزم: وأمّا قولنا في الرجلين، فانّ القرآن نزل بالمسح ، قال تعالى: (وامسحوا برءُوسكم وأرجلكم)، وسواء قرئ بخفض اللام أو فتحها، فهي على كلّ حال عطف على الرؤوس امّا على اللفظ و إمّا على الموضع، ولا يجوزغير ذلك.(2)
وقال الرازي: أمّا القراءة بالجر فهي تقتضي كون الأرجل معطوفة على الرؤوس، فكما وجب المسح في الرأس فكذلك في الأرجل.
وأمّا القراءة بالنصب، فقالوا ـ أيضاً ـ انّها توجب المسح، وذلك لأنّ قوله (وامسحوا برءُوسكم) في محل النصب، ولكنّها مجرورة بالباء، فإذا عطف الأرجل على الرؤوس جاز في الأرجل النصب عطفاً على محل الرؤوس، والجر عطفاً على الظاهر، وهذا مذهب مشهور النحاة.(3)
2. وقال الشيخ السندي الحنفي ـ بعد ان جزم انّ ظاهر القرآن هو المسح ـ ما هذا لفظه: و إنّما كان المسح هو ظاهر القرآن، لأنّ قراءة الجر ظاهرة فيه، وقراءة النصب محمول على جعل العطف على المحل.(4)
ولعلّ هذا المقدار من النقول يكفي في تبيين انّ كلتا القراءتين تدعمان المسح فقط وتنطبقان عليه بلا إشكال.

القراءتان وغسل الأرجل

قد عرفت أنّ اختلاف القراءة في قوله: (وأرجلكم) لا يؤثر في القول بمسح الرجلين، سواء أقرأنا قوله:(وأرجلكم) بالنصب أم قرأناه بالجر، فكلتا القراءتين تدعمان المسح وبالتالي العامل في قوله: (أَرْجلكم)هو قوله: (فامسحوا) و لفظة (وأرجلكم) معطوفة على (برءُوسكم)إمّا لفظاً أو محلاً.
إنّما الكلام في إمكانية تطبيق القول بالغسل على القراءتين المعروفتين ومقدار انسجامه معهما والقواعد العربية. وسيتضح من خلاله انّ فرض الغسل على الآية خرق واضح للقواعد العربية، وإليك البيان:

الغَسْل وقراءة النصب

فلو قلنا بدلالة الآية على غسل الأرجل، فلا محيص من أن يكون العامل هو قوله في الجملة المتقدّمة (فاغسلوا) وأن يكون معطوفاً على قوله: (وجوهَكم) وهذا يستلزم الفصل بين المعطوف(وأرجلكم )و المعطوف عليه (وجوهكم) بجملة أجنبية وهي (وامسحوا برءُوسكم) مع أنّه لا يفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بمفرد فضلاً عن جملة أجنبية، ولم يُسمع في كلام العرب الفصيح قائل يقول:«ضربت زيداً» و «مررت ببكر وعمراً» بعطف «عمراً» على «زيداً».
1. قال ابن حزم: لا يجوز عطف أرجلكم على وجوهكم، لأنّه لا يجوز أن يحال بين المعطوف والمعطوف عليه بقضية مبتدئة.(5)
2. وقال أبو حيان: ومن ذهب إلى أنّ قراءة النصب في (وأرجلكم) عطف على قوله: (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم) وفصل بينهما بهذه الجملة التي هي قوله: (وامسحوا برءُوسكم) فهو بعيد، لأنّ فيه الفصل بين المتعاطفين بجملة إنشائية.(6)
3. وقال الشيخ الحلبي في تفسير الآية: نصب (وأرجلكم) على المحل وجرها على اللفظ، ولا يجوز أن يكون النصب للعطف على وجوهكم، لامتناع العطف على وجوهكم للفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بجملة أجنبية هي (وامسحوا برءُوسكم) والأصل أن لا يفصل بينهما بمفرد فضلاً عن الجملة، ولم يسمع في الفصيح نحو ضربت زيداً ومررت ببكر وعمراً بعطف عمراً على زيد.(7)
4. وقال الشيخ السندي: وحمل قراءة النصب بالعطف على المحل أقرب لاطّراد العطف على المحل، وأيضاً فيه خلوص عن الفصل بالأجنبي بين المعطوف والمعطوف عليه، فصار ظاهر القرآن هو المسح.(8)
إلى غير ذلك من الكلمات التي تصرح بأنّ قراءة النصب واستفادة الغسل يتوقّف على خرق قاعدة نحوية، وهي الفصل بين المعطوف و المعطوف عليه بجملة أجنبية.

الغسل وقراءة الجر

إنّ القائلين بغسل الأرجل برّروا قراءة النصب بوجه قد عرفت ضعفه وعدم انسجامه مع القواعد العربية، ولكنّهم لمّا وقفوا على قراءة الجرّ وانّها تدلّ على المسح دون الغَسْل حاروا في تبريرها وتوجيهها مع القول بالغسل، فانّ قراءة الجر صريحة في أنّ لفظة (وأرجلكم) معطوفة على (برءُوسكم) فيكون حكمها حكم الرؤوس، وعند ذلك مالوا يميناً ويساراً حتّى يجدوا لقراءة الخفض مع القول بالغَسل مبرّراً، وليس هو إلاّ القول بالجرّ بالجوار.
وحاصله: انّ قوله (وأرجلكم) محكوم حسب القواعد بالنصب لكونها معطوفة على قوله: (وجوهكم)، ولكنّه اكتسب اعراب الجرّ من قوله: (برءُوسكم) لأجل وقوعه في جنب لفظ مجرور وهذا ما يقال له: «الجرّ بالجوار» وهو ترك اللفظ اعرابه الطبيعي واكتساب اعراب اللفظ المجاور معه، وقد مثلوا له بقولهم «جحر ضبّ خرب» فانّ قوله «خرب» خبر لقوله: «جحر» ولكنّه قرأ بالجرّ لوقوعه في جنب كلمة ضبّ حيث إنّه مجرور باعتبار كونه مضاف إليه.
وبما انّ الجرّ بالجوار إمّا غير واقع في فصيح اللغة، وعلى فرض وقوعه فله شروط مفقودة في المقام، نعقد لبيان الموضوع الفصل التالي.

الجر بالجوار صحة وشرطاً

لما كان القائلون بغسل الأرجل يفسّرون قراءة الجرّ بالجوار، نذكر كلمات أعلام الأُدباء في المقام ليُعلم مدى صحّة الجرّ بالجوار، و على فرض صحّته ما هي شروطه؟
1.قال الزجاج: ربما يقال: (وأرجلكم) مجرور لأجل الجوار، أي لوقوعه في جنب الرؤوس المجرورة، نظير قول القائل: جُحر ضب خرب، فإن «خرب» خبر «لجحر» فيجب أن يكون مرفوعاً، لكنّه صار مجروراً لأجل الجوار.
هذا، ثمّ ردَّ عليـه بقوله: وهـو غير صحيح، لاتّفـاق أهل العربية عـلى أنّ الاعراب بالمجاورة شاذ نـادر، ومـا هـذا سبيله لا يجوز حمل القرآن عليه من غيـر ضرورة يُلجــأ إليهـا.(9)
2.قال علاء الدين البغدادي في تفسيره المسمى بالخازن: وأمّا من جعل كسر اللام في «الأرجل» على مجاورة اللفظ دون الحكم. واستدل بقولهم: «جحر ضب خرب» و قال: الخرب نعت للجحر لا الضب، وإنّما أخذ إعراب الضب للمجاورة فليس بجيّد لوجهين:
أ. لأنّ الكسر على المجاورة إنّما يحمل لأجل الضرورة في الشعر، أو يصار إليه حيث يحصل الأمن من الالتباس، لأنّ الخرب لا يكون نعتاً للضب بل للجحر.
ب. ولأنّ الكسر بالجوار إنّما يكون بدون واو العطف، امّا مع حرف العطف فلم تتكلم به العرب.(10)
3. أنكر السيرافي وابن جنّي الخفض على الجوار وتأوّلا قولهم «خرب» بالجر على أنّه صفة للضب، و من أراد التفصيل فليرجع إلى المغني.
4. قال ابن هشام: ولا يكون الجر بالجوار في النسق، لأنّ العاطف يمنع التجاور.(11)
ويتلخص من هذه الكلمات التي نقلناها بالإيجاز الأُمور التالية:
أوّلاً: انّ الخفض بالجوار لم يثبت في الكلام الفصيح.
ثانياً: انّ الخفض بالجوار على فرض ثبوته إمّا لضرورة الشعر أو لأجل استحسان الطبع المماثلةَ بين اللفظين المتجاورين، وكلّ من الوجهين منتفيان في المورد، فليس هنا ضرورة شعرية ولا استحسان الطبع في إخلاء لفظ (وأرجلكم) من إعرابه الواقعي واكتسابه إعراب جاره.
ثالثاً: انّ العطف بالجوار إنّما يجوز فيما إذا يؤمن عن الاشتباه كما في المثل المعروف فان «خرب» وصف للجحر لا للضبّ وان جرَّ ، بخلاف المقام فانّ قراءة الجرّ تورث الاشتباه، فلو كان الأرجل في الواقع محكومة بالغسل فالجرّ بالجوار يوهم كون الأرجل محكومة بالمسح وانّها معطوفة على الرؤوس من دون أن يلتفت المخاطبُ إلى أنّ الجرّ للجوار فلا داعي لارتكاب هذا النوع من الخفض الذي يضاد بظاهره مراد القائل.
ورابعاً: لم يثبت الجر بالجوار إلاّ في الوصف والبدل وأمثالهما لا في المعطوف كما في الآية .
وظهر من هذا البحث الضافي انّ القول بالمسح ينطبق على كلتا القراءتين بلا أدنى تأويل وحرج، وهذا بخلاف القول بالغسل فانّه لا ينسجم لا مع قراءة النصب ولا مع قراءة الجرّ.

الاجتهاد تجاه النص

إنّ آفة الفقه هو التمسك بالاعتباريات والوجوه الاستحسانيّة أمام النصّ، لأنّه يضاد مذهب التعبديّة، فالمسلم يتعبد بالنص ـ و إن بلغ ما بلغ ـ و لا يقدِّم رأيه على كتاب اللّه وسنّة رسوله الصحيحة، وهو آية الاستسلام أمام اللّه وأمام رسوله وكتابه وسننه، قال سبحانه: (يا أَيُّها الَّذينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَي اللّه وَرَسُوله وَاتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيم)(12).
أي لا تتقدّموا على اللّه ورسوله بافتراض رأيكم على الرسول والأُمّة المسلمة.
إنّ تقديم الوجوه الاستحسانية على النصّ تقدّمٌ على اللّه ورسوله، ونعم ما قال الإمام الشافعي: «من استحسن فقد شرّع».
وقد وقف غير واحد من أعلام السنّة على أنّ ظاهر الآية أو صريحها هو مسح الرجلين واعترفوا بذلك بوجدانهم أو بلسانهم وقلمهم، ولكن التعبد بمذهب الأئمّة الأربعة وغيرهم عاقهم عن الأخذ بمضمون الآية، فاتبعوا المذهبَ الموروث بدل الاتّباع للقرآن الكريم، ولولا انّهم نشأوا على هذه الفكرة منذ نعومـة أظفارهم، لما قدّمـوا اجتهاداتهم على كتاب اللّه العزيز الدالّ على المسح، وحرّروا
تفكّرهم عن قيد التقليد، وإليك شيئاً من هذه الاجتهـادات التـي لا يرتضيهـا العقل ولا الـوجدان الحرّ .

1. الغَسْل يشمل المسح

زعم الجصاص انّ آية الوضوء مجملة فلابدّ من العمل بالاحتياط، وهو الغَسْل المشتمل على المسح أيضاً، بخلاف المسح فانّه خال عن الغسل، ثمّ رفع ابهام الآية بادّعاء اتّفاق الجميع على أنّه لو غَسَل فقد أدّى الفرض.(13)
يلاحظ عليه: أوّلاً: بأنّه كيف يرمي الآية بالإجمال مع أنّها واضحة الدلالة، لأنّها بصدد بيان ما هو الواجب على عامة المصلّين عند القيام إلى الصلاة، ومثل هذا يجب أن يكون مبيّن المراد، غير محتمل إلاّ لمعنى واحد، وإنّما دعاه إلى القول بالإجمال الفرار عن ظاهر الآية الدالّ على أنّ فريضة الأرجل هو المسح لا الغسل.
وثانياً: أنّ ما يقوله إنّ الغسل يشمل المسح دون العكس فانّه خال من الغسل، غير صحيح، لأنّ المراد من الغسل في المقام هو إسالة الماء على العضو، كما أنّ المراد من المسح فيها هو إمرار اليد على العضو بالبلل المتبقّى في اليد، وعندئذ يُصبح الغَسْل والمسح فريضتين مختلفتين على نحو يغاير كلّ الآخر، فلا الغسل يشتمل على المسح ولا المسح على الغسل .
وثالثاً: أنّ ادّعاء رفع إبهام الآية بأنّه إذا غسل فقد أدّى فرضه باتّفاق الجميع مصادرة بالمطلوب، إذ كيف يدّعي الاتفاق عليه مع أنّ القائلين بالمسح بين الصحابة والتابعين كما سيوافيك أسماؤهم، ليسوا بأقلّ من القائلين بالغسل، كما أنّ الإمامية وهم ربع المسلمين يرون بطلان الغسل ولزوم المسح فأين اتّفاق الجميع على الغَسْل؟!

2. نسخ السنّة للكتاب

وهناك من يرى دلالة الآية على المسح بوضوح ويبطل القول بأنّ أرجلكم معطوف على قوله: «وجوهكم» ويقول: لا يجوز ألبتة أن يحال بين المعطوف والمعطوف عليه بخبر غير الخبر عن المعطوف، لأنّه إشكال وتلبيس وإضلال لا بيان. لا تقول: ضربت محمداً و زيداً و مررت بخالد وعمراً، وأنت تريد أنّك ضربت عمراً أصلاً، فلما جاءت السنّة بغسل الرجلين صحّ انّ المسح منسوخ عنهما.(14)
يلاحظ عليه أوّلاً: أنّه لا يصحّ نسخ الكتاب إلاّبالسنّة القطعية، لأنّ الكتاب دليل قطعي لا ينسخه إلاّ دليل قطعي مثله.
وأمّا المقام فالسنّة الدالة على الغسل متعارضة مع السنّة الدالة على المسح، فكيف يمكن أن نقدّم أحد المتعارضين على القرآن الكريم بغير مرجح؟ وستوافيك الروايات المتضافرة الدالة على أنّ النبي وأصحابه كانوا يمسحون الأرجل مكان الغسل.
وثانياً: اتّفقت الأُمّة على أنّ سورة المائدة آخر ما نزل على النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وانّها لم تنسخ آية منها، وقد مرّ من الروايات وأقوال الصحابة ما يدلّ على ذلك.
وثالثاً: كان اللازم على ابن حزم أن يجعل الآية دليلاً على منسوخية السنّة، ولو ثبت انّ النبي غسل رجليه في فترة من الزمن فالآية ناسخة لها لا أنّها ناسخة للقرآن.

3. التنبيه على وجوب الاقتصاد في صب الماء

وقد وقف الزمخشري على أنّ قراءة الجر تُلزم الإنسان بمسح الأرجل لا غسلهما، فصار بصدد منع الدلالة، وانّ الأرجل وإن كانت معطوفة على الرؤوس ومع ذلك يفقد العطفُ الدلالةَ على الغسل، قال:
قرأ جماعة(وأرجلكم) بالنصب فدلّ على أنّ الأرجل مغسولة.
فإن قلت: فما تصنع بقراءة الجر ودخولها في حكم المسح؟
قلت: الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة تُغسل بصب الماء عليها، فكان مظنة للإسراف المذموم المنهيّ عنه، فعطفت على الثالث الممسوح لا لتُمسح ولكن لينبّه على وجوب الاقتصاد في صبّ الماء عليها وقيل إلى الكعبين.
يلاحظ على أوّلاً: أنّ ما ذكره من الوجه إنّما يصحّ إذا كانت النكتة ممّا تعيه عامة المخاطبين من المؤمنين، وأين هؤلاء من هذه النكتة التي ابتدعها الزمخشري توجيهاً لمذهبه؟
وبعبارة أُخرى: انّما يصحّ ما ذكره من النكتة إذا أمن من الالتباس لا في مثل المقام الذي لا يؤمن منه، وبالتالي يحمل ظاهر اللفظ على وجوب المسح غفلة عن النكتة البديعة!! للشيخ الزمخشري.
وثانياً: أنّ الأيدي أيضاً مظنة للإسراف مثل الأرجل، فلماذا لم ينبّه على وجوب الاقتصاد في صب الماء فيها أيضاً؟!
كل ذلك يعرب عن أنّ هذا الوجه توجيه للمذهب الذي نشأ وترعرع صاحب الكشاف عليه ، ولولا ذلك لم يرد بخلده هذا الوجه.

4. سهولة غسل الرجلين دون الشعر

لما وقف ابن قدامة على أنّ مقتضى عطف الأرجل على الرؤوس هو المسح، سواء أقرئت بالنصب أو بالجر، أخذ يتفلسف ويجتهد أمام الدليل الصارم ويقول: إنّ هناك فرقاً بين الرأس والرجل، ولأجله لا يمكن أن يحكم عليهما بحكم واحد، وهذه الوجوه عبارة عن:
1. انّ الممسوح في الرأس شعر يشقّ غسله، والرجلان بخلاف ذلك فهما أشبه بالمغسولات.
2. انّهما محدودان بحد ينتهي إليه فأشبها باليدين.
3. انّهما معرّضتان للخبث لكونهما يُوطّأ بهما على الأرض بخلاف الرأس.(15)
يلاحظ عليه: أنّه اجتهاد مقابل النص وتفلسف في الأحكام.
فأمّا الأوّل: فأيّ مشقّة في غسل الشعر إذا كان المغسول جزءاً منه فإنّه الواجب في المسح، فليكن كذلك عند الغسل.
وأمّا الثاني: فلأنّ التمسك بالشَّبه ضعيف جداً، إذ كم من متشابهين يختلفان في الحكم.
وأفسد منه هو الوجه الثالث فإنّ كون الرِّجْلين معرّضتين للخبث لا يقتضي تعيّـن الغسل، فإنّ القائل بالمسح يقول بأنّه يجب أن تكون الرِّجل طاهرة من الخبث ثمّ تمسح.
ولعمري إنّ هذا الوجه وما تقدّمه للزمخشري تلاعب بالآية لغاية دعم المذهب، والجدير بالفقيه الواعي هو الأخذ بالآية، سواء أوافقت مذهب إمامه أم لا. ولصاحب المنار كلمة قيّمة في حقّ هؤلاء الذين يقدّمون فتاوى الأئمّة على
الكتاب العزيز والسنّة الصحيحة يقول: إنّ العمل عندهم على أقوال كتبهم دون كتاب اللّه وسنّة رسوله.(16)

5. اتّباع السلف في الغسل

لمّا وقف ابن تيمية على أنّ قراءة الخفض تستلزم العطف على الرؤوس فيلزم حينئذ مسح الرجلين لا غسلهما، التجأ إلى تأويل النص، وقال:«ومن قرأ بالخفض فليس معناه وامسحوا أرجلكم كما يظنه بعض الناس، لأوجه: أحدها: انّ الذين قرأوا ذلك من السلف، قالوا: عاد الأمر إلى الغسل».(17)
يلاحظ عليه: أنّه لو صحّ ما ذكره لزم القول بأنّ السلف تركوا القرآن وراء ظهورهم وأخذوا بما لا يوافق القرآن، ولو كان رجوعهم لأجل نسخ الكتاب فقد عرفت أنّ القرآن لا ينسخ بخبر الواحد. ولو سلّمنا جواز النسخ فسورة المائدة لم يُنسَخ منها شيء.
ومن العجب أنّ ابن تيميّة ناقض نفسه فقد ذكر في الوجه السابع ما هذا نصه:«إنّ التيمّم جُعل بدلاً عن الوضوء عند الحاجة فحذف شطر أعضاء الوضوء وخُفّ الشطر الثاني، وذلك فإنّه حذف ما كان ممسوحاً ومسح ما كان مغسولاً».(18)
فلو كان التيمّم على أساس حذف ما كان ممسوحاً فقد حذف حكم الأرجل في التيمّم، فلازم ذلك أن يكون حكمه هو المسح حتّى يصحّ حذفه، فلو كان حكمه هو الغسل لم يحذف، بل يبقى كالوجه واليد ويُمسح.

6. التحديد آية الغسل

إنّ المفسر المعروف بالشيخ إسماعيل حقي البروسوي أيّد القول بالغسل بأنّ المسح لم يعهد محدوداً وإنّما جاء التحديد في المغسولات.(19)
يريد بكلامه هذا انّ الأرجل حُدّدت بالكعبين فأشبه غَسْل الكعبين بغسل الأيدي المحدَّد بالمرافق، فيحكم عليها بالغسل بحكم الاشتراك في التحديد.
يلاحظ عليه: أنّ كلاً من المغسول والممسوح جاء في الآية محدّداً وغير محدّد، فالوجوه في الآية تغسل ولم تحدد، والأيدي تغسل وحُدّدت بقوله:«إلى المرافق»، فيعلم من ذلك انّ الغسل تارة يكون محدّداً وأُخرى غير محدد، فلا التحديد دليل على وجوب الغَسْل ولا عدم التحديد دليل على وجوب المسح، وهكذا الحال في الممسوح فالأرجل ـ على المختار ـ تُمسح ويكون محدداً إلى الكعبين والرأس تمسح وهو غير محدد، فجعل التحديد علامة للغسل أشبه بجعل الأعم دليلاً على الأخص، وما ذكره من أنّه لم يجئ في شيء من المسح تحديد، أوّل الكلام، وهو من قبيل أخذ المدّعى في الدليل.ولو قلنا بهذه الاستحسانات، فالذوق الأدبي يقتضي أن تكون الأرجل ممسوحة لا مغسولة.
قال المرتضى: إنّ الآية تضمّنت ذكر عضو مغسول غير محدود وهو الوجه وعطف عليه مغسول محدود وهما اليدان، ثمّ استؤنف ذكر عضو ممسوح غير محدود وهو الرأس فيجب أن تكون الأرجل ممسوحة وهي محدودة ومعطوفة عليه دون غيره، لتتقابل الجملتان في عطف مغسول محدود على مغسول غير محدود وفي عطف ممسوح محدود على ممسوح غير محدود.(20)

7. المرجع هو السنّة بعد تعارض القراءتين

ذهب الآلوسي إلى أنّ القراءتين المتواترتين المتعارضتين كأنّهما آيتان متعارضتان، والأصل في مثله هو السقوط والرجوع إلى السنّة؟
قال: إنّ القراءتين متواترتان بإجماع الفريقين، بل بإطباق أهل الإسلام كلّهم، ومن القواعد الأُصولية عند الطائفتين انّ القراءتين المتواترتين إذا تعارضتا في آية واحدة فلهما حكم آيتين، فلابدّ لنا أن نسعى ونجتهد في تطبيقهما أوّلاً، مهما أمكن، لأنّ الأصل في الدلائل الإعمال دون الإهمال كما تقرر عند أهل الأُصول، ثمّ نطلب بعد ذلك الترجيح بينهما، ثمّ إذا لم يتيسر لنا الترجيح فنتركهما ونتوجّه إلى الدلائل الأُخر من السنّة.(21)
يلاحظ عليه: أنّ من الغرائب أن نجعل القراءتين متعارضتين ثمّ نسعى في رفع التعارض بالوجوه التي ذكرها القائل، فانّ فرض التعارض بين القراءتين رهن فرض المذهب على القرآن وتطبيقه عليه وإلاّ فالقراءتان ليس فيهما أي تعارض وتهافت وكلتاهما تهدفان إلى أمر واحد وهو مسح الرجلين، لأنّ قوله :(وَأَرجلكم) على كلتا القراءتين معطوف على لفظ واحد وهو قوله: (رءُوسكم) ، لكن إمّا عطفاً على المحل فتُنصب أو عطفاً على الظاهر فتُجر.

8. الغسل إضافة من النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم

ذهب جمال الدين القاسمي إلى أنّ الآية صريحة في أنّ الفريضة هي المسح كما قاله ابن عباس وغيره، ولكن إيثار غسلهما في المأثور عنه إنّما هو للتزيّد في الفرض والتوسّع فيه حسب عادته، فانّه سنّ في كلّ فرض سنناً تدعمه وتقوّيه في الصلاة والزكاة والصوم والحجّ.
وممّا يدلّ على أنّ واجبهما المسح تشريع المسح على الخفّين والجوربين ولا سند له إلاّ هذه الآية ، فانّ كلّ سنّة أصلها في كتاب اللّه منطوقاً أو مفهوماً، فاعرف ذلك واحتفظ به واللّه الهادي.(22)
يلاحظ عليه: حاشا النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ أن يزيد أو ينقص في الفرائض، بل هو يتّبع الوحي، وكان شعاره ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : (قُل إِنّما أتّبع ما يوحى إِليَّ مِنْ رَبّي)(23) وقوله: (قُلْ ما يَكُونُ لي أَنْ أُبدّلَهُ مِنْ تِلْقاءِنَفسي إِنْ أَتِّبعُ إِلاّما يُوحى إِلَيَّ) (24) ولو زاد في الصلوات فإنّما بأمر من اللّه سبحانه.
ثمّ لو زاد ما زاد فإنّما يزيد فيما ثبت أصله بالسنّة، لا بالكتاب العزيز كإضافة ركعتين في الرباعية وركعة في الثلاثيّة.
أخرج مسلم عن ابن عباس قال: فرض اللّه الصلاة على لسان نبيّكم ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ في الحضر أربعاً وفي السفر ركعتين.(25)
فلو افترضنا أنّ الفريضة كانت هي المسح دون الغسل وانّ النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ زاد في الفرض بحكم الروايات الآمرة بالغسل، لكن ماذا نفعل عندئذ بالروايات الآمرة بالمسح، وهي روايات صحاح هائلة كما سيوافيك، فهل هنا ملجأ بعد التعارض إلاّ الذكر الحكيم؟!
وكلّ هذه الكلمات تعرب عن أنّ أصحابها اتّخذوا موقفاً مسبقاً حيال الآية الصريحة الواضحة الدلالة، وفرضوا مذهبهم عليها، الأمر الذي أوقعهم في حيص بيص ومأزق، وطرقوا كافة الأبواب للخروج منه وتشبّثوا بوجوه استحسانية لا تغني عن الحقّ شيئاً.

9. التمسّك بالمصالح

لما استشعر صاحب المنار، بأنّ الآية ظاهرة في مسح الرجلين باليد المبلّلة بالماء حاول صرف الآية عن ظاهرها بالتمسّك بالمصالح، وقال:لا يعقل لإيجاب مسح ظاهر القدم باليد المبلّلة بالماء حكمة، بل هو خلاف حكمة الوضوء، لأنّ طروء الرطوبة القليلة على العضو الذي عليه غبار أو وسخ يزيده وساخة، وينال اليد الماسحة حظ من هذه الوساخة.(26)
يـلاحظ عليـه: أنّ ما ذكره استحسان لا يُعرَّج عليه مع وجود النص، فلا شك أنّ الأحكام الشرعية تابعة للمصالح الواقعية ولا يجب علينا أن نقف عليها، فأي مصلحة في المسح على الرأس ولو بمقدار اصبع أو اصبعين حتى قال الشافعي: إذا مسح الرأس باصبع واحدة أو بعض اصبع أو باطن كفه، أو أمر مَن يمسح له أجزأه ذلك؟!
وهناك كلمة قيّمة للإمام شرف الدين الموسوي نأتي بنصها، قال ـرحمه اللّهـ: نحن نؤمن بأنّ الشارع المقدّس لاحظ عباده في كل ما كلّفهم به من أحكامه الشرعية، فلم يأمرهم إلاّ بما فيه مصلحتهم، ولم ينههم إلاّ عمّـا فيه مفسدة لهم، لكنّه مع ذلك لم يجعل شيئاً من مدارك تلك الأحكام منوطاً من حيث المصالح والمفاسد بآراء العباد، بل تعبّدهم بأدلّة قويّة عيّنها لهم، فلم يجعل لهم مندوحة عنها إلى ما سواها. وأوّل تلك الأدلّة الحكيمة كتاب اللّه عزّ وجلّ، وقد حكم بمسح الرؤوس والأرجل في الوضوء، فلا مندوحة عن البخوع لحكمه، أمّا نقاء الأرجل من الدنس فلابدّ من إحرازه قبل المسح عليها عملاً بأدلّة خاصّة دلّت على اشتراط الطهارة في أعضاء الوضوء قبل الشروع فيه(27)

10. اعتراض جملة:(فَامْسَحُوا...)

لبيان الترتب إنّ الفصل بين المتعاطفات بقول:(فامسحوا برءُوسكم) لبيان تقدّم المسح على غسل الأرجل.(28)
يلاحظ عليه: بأنّ في وسع المتكلم أن يجمع بين ذكر الترتيب ووضوح البيان بتكرار الفعل بأن يقول: «فامسحوا برءوسكم واغسلوا أرجلكم» فيكون كلامه مبيّناً لمقصده وفي الوقت نفسه نزيهاً عن اللُّبس.

المسح على الأرجل

في الأحاديث الصحيحة قد تعرّفت ـ من دلالة الآية ـ على أنّ الفرض في مورد الأرجل هو المسح، وبما انّ الآية نزلت في أُخريات حياة النبي ولم تنسخ بعد فهي بنفسها كافية في الدلالة على المقصود.
غير انّنا تعزيزاً للمطلب نذكر ما روي عن النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وأصحابه من لزوم المسح على الأرجل، ونقتصر في ذلك بالمتون مع تجريد الأسانيد، لأنّ الكتاب لا يسع لذكرها.
ما روي عن رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ حول مسح الأرجل

1. عن بسر بن سعيد قال: أتى عثمان المقاعد فدعا بوضوء فتمضمض واستنشق ثمّ غسل وجهه ثلاثاً ويديه ثلاثاً ثلاثاً ومسح برأسه ورجليه ثلاثاً ثلاثاً، ثمّ قال: رأيت رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ هكذا توضّأ، يا هؤلاء أكذلك؟ قالوا: نعم، لنفر من أصحاب رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ عنده.(29)
2. عن حمران قال: دعا عثمان بماء فتوضّأ ثمّ ضحك، ثمّ قال: ألا تسألوني ممّ أضحك؟ قالوا: يا أمير المؤمنين ما أضحكك؟ قال: رأيت رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ توضّأ كما توضّأت، فتمضمض واستنشق وغسل وجهه ثلاثاً ويديه ثلاثاً ومسح برأسه وظهر قدميه.(30)
3. وفي مسند عبداللّه بن زيد المازني انّ النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ توضّأ فغسل وجهه ثلاثاً ويديه مرتين ومسح رأسه ورجليـه مرتين.(31)
4. عن أبي مطر قال: بينما نحن جلوس مع علي في المسجد، جاء رجل إلى علي وقال: أرني وضوء رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فدعا قنبر، فقال: ائتني بكوز من ماء فغسل يديه ووجهه ثلاثاً، فأدخل بعض أصابعه في فيه واستنشق ثلاثاً، وغسل ذراعيه ثلاثاً ومسح رأسه واحدة ورجليه إلى الكعبين ولحيته تهطل على صدره ثمّ حسا حسوة بعد الوضوء ثمّ قال: أين السائل عن وضوء رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ، كذا كان وضوء رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ .(32)
5. عن عباد بن تميم، عن أبيه، قال: رأيت رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ توضّأ ومسح بالماء على لحيته ورجليه.(33)
6. عن علي بن أبي طالب ـ عليه السَّلام ـ قال: كنت أرى أنّ باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما حتى رأيت رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ يمسح ظاهرهما.(34)
7. عن رفاعة بن رافع انّه سمع رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ يقول: «إنّه لا يجوز صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره اللّه عزّوجلّ، ثمّ يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح رأسه ورجليه إلى الكعبين».(35)
8. ما روي عن عبد اللّه بن عمرو، قال: تخلّف عنّا رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ في سفرة سافرناها، فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضّأ فجعلنا نمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته:«ويل للأعقاب من النار» مرتين أو ثلاثاً.(36)
9. عن أبي مالك الأشعري انّه قال لقومه: اجتمعوا أُصلّي بكم صلاة رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ، فلمّا اجتمعوا قال: هل فيكم أحد غيركم؟ قالوا: لا، إلاّ ابن أُخت لنا، قال: ابن أُخت القوم منهم، فدعا بجفنة فيها ماء، فتوضّأ ومضمض واستنشق، وغسل وجهه ثلاثاً وذراعيه ثلاثاً، ومسح برأسه وظهر قدميه، ثمّ صلّـى بهم فكبر بهم اثنتين وعشرين تكبيرة.(37)
10. عن عباد بن تميم المازني، عن أبيه انّه قال: رأيت رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ يتوضّأ ويمسح الماء على رجليه.(38)
11. عن أوس بن أبي أوس الثقفي انّه رأى النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ أتى كظامة قوم بالطائف، فتوضّأ ومسح على قدميه.(39)
12. عن رفاعة بن رافع قال: كنت جالساً عند رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ إذ جاءه رجل فدخل المسجد، فصلّى فلمّـا قضى الصلاة جاء فسلم على رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وعلى القوم، فقال رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : «ارجع فصلّ فانّك لم تصل» وجعل الرجل يصلّي، وجعلنا نرمق صلاته لا ندري ما يعيب منها، فلمّـا جاء فسلم على النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وعلى القوم قال له النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : «وعليك ارجع فصلِّ فانّك لم تصل».
قال همام: فلا ندري أمره بذلك مرتين أو ثلاثاً، فقال له الرجل: ما أدري ماعبت من صلاتي؟
فقال رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : إنّه لا تتم صلاة أحدكم حتّى يسبغ الوضوء كما أمره اللّه، فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين، ثمّ يكبر اللّه تعالى ويثني عليه، ثمّ يقرأ أمّ القرآن وما أذن له فيه ويسر، ثمّ يكبر فيركع فيضع كفيه على ركبتيه حتّى تطمئن مفاصله، ويسترخي ثمّ يقول:سمع اللّه لمن حمده، ويستوي قائماً حتّى يقيم صلبه ويأخذ كلّ عظم مأخذه، ثمّ يكبر فيسجد فيمكن وجهه. قال همام: وربما قال جبهته من الأرض حتّى تطمئن مفاصله ويسترخي، ثمّ يكبر فيستوي قاعداً على مقعده ويقيم صلبه، فوصف الصلاة هكذا أربع ركعات حتّى فرغ، ثمّ قال: لا يتم صلاة أحدكم حتّى يفعل ذلك.(40)
13. عن ابن عباس انّه قال: ذكر المسح على القدمين عند عمر وسعد وعبد اللّه بن عمر فقال عمر بن الخطاب: سعد أفقه منك، فقال عمر: يا سعد انّا لا ننكر انّ رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ مسح ـ أي على القدمين ـ ولكن هل مسح منذ أنزلت سورة المائدة فانّها أحكمت كل شيء وكانت آخر سورة من القرآن إلا براءة.(41)
14. عن عروة بن الزبير انّ جبرئيل ـ عليه السَّلام ـ لمّا نزل على النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ في أوّل البعثة فتح بالإعجاز عيناً من ماء فتوضأ ومحمد ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ينظر إليه فغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ومسح برأسه ورجليه إلى الكعبين، ففعل النبي محمد ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ كما رأى جبرئيل يفعل.(42)
15. روى عبدالرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه انّ أبا جبير قدم على النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ مع ابنته التي تزوجها رسول اللّه، فدعا رسول اللّه بوضوء فغسل يديه فأنقاهما، ثمّ مضمض فاه واستنشق بماء، ثمّ غسل وجهه ويديه إلى المرفقين ثلاثاً، ثمّ مسح رأسه ورجليه.(43)
إلى هنا تمّ ما عثرنا عليه من الروايات عن النبي الأكرم ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ على وجه عابر، وهي تدلّ على أنّ قول النبي وفعله كان على المسح لا الغسل.ما حكي عن الصحابة والتابعين حول مسح الأرجل
16. حدث سفيان قال: رأيت علياً ـ عليه السَّلام ـ توضّأ فمسح ظهورهما.(44)
17. عن حمران انّه قال: رأيت عثمان دعا بماء غسل، فغسل كفيه ثلاثاً ومضمض واستنشق وغسل وجهه ثلاثاً وذراعيه ثلاثاً ومسح برأسه وظهر قدميه.(45)
18. عن عاصم الأحول، عن أنس قال: نزل القرآن بالمسح والسنّة بالغسل. وهذا اسناد صحيح.(46)
19. عن عكرمة، عن ابن عباس قال: الوضوء غسلتان ومسحتان.
20. عن عبد اللّه العتكي، عن عكرمة قال: ليس على الرجلين غسل انّما نزل فيهما المسح .
21. عن جابر، عن أبي جعفر الباقر ـ عليه السَّلام ـ قال: امسح على رأسك وقدميك.
22. عن ابن علية بن داود، عن عامر الشعبي انّه قال: إنّما هو المسح على الرجلين ألا ترى أنّ ما كان عليه الغسل جُعِلَ عليه المسح وما كان عليه المسح أُهمِل (في التيمّم).
23. عن عامر الشعبي، قال: أُمر أن يمسح في التيمّم ما أُمر أن يغسل في الوضوء، وأبطل ما أمر أن يُمسح في الوضوء: الرأس والرجلان.
24. عن عامر الشعبي قال: أُمر أن يُمْسح بالصعيد في التيمّم، ما أمر أن يُغسل بالماء، وأهمل ما أمر أن يمسح بالماء.
25. عن يونس قال: حدثني من صحب عكرمة إلى واسط قال: فما رأيته غسل رجليه، إنّما يمسح عليهما حتّى خرج منها.
26. عن قتادة في تفسير قوله سبحانه: (فاغْسِلُوا وُجوهكُمْ وَايديكُمْ إِلى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسكُمْ وَأَرجُلكُمْ إِلى الكَعْبَين) افترض اللّه غسلتين ومسحتين.
27. قال موسى بن أنس لأبي حمزة: إنّ الحجاج خطبنا بالأهواز ونحن معه، فذكر الطهور فقال: اغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم، وأنّه ليس شيء من ابن آدم أقرب من خبثه من قدميه، فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبهما، فقال أنس: صدق اللّه وكذب الحجاج، قال اللّه تعالى:(وَامسَحُوا بِرُءُوسكُمْ وَأَرجُلكُمْ).قال: وكان أنس إذا مسح قدميه بلّها.قال ابن كثير: اسناده صحيح إليه.(47)
28. عن الشعبي قال : نزل جبرئيل بالمسح، ثمّ قال الشعبي: ألا ترى أنّ التيمم أن يمسح ما كان غسل ويلغى ما كان مسحاً.(48)
29. عن إسماعيل قلت لعامر الشعبي: إنّ أُناساً يقولون إنّ جبرئيل نزل بغسل الرجلين؟ فقال: نزل جبرئيل بالمسح.(49)
30. عن النزال بن سبرة انّ علياً دعا بماء فتوضأ ثمّ مسح على نعليه وقدميه، ثمّ دخل المسجد فخلع نعليه ثمّ صلّى.(50)
31. عن أبي ظبيان قال: رأيت علياً وعليه إزار أصفر وخميصة وفي يده عنزة أتى حائط السجن، ثم تنحى فتوضأ ومسح على نعليه وقدميه ثمّ دخل المسجد، فخلع نعليه ثمّ صلّى.(51)

هذا غيض من فيض، وقليل من كثير، فمن تفحّص المسانيد والصحاح ومجامع الآثار يقف على أكثر ممّا وقفنا عليه على وجه عابر.
(أُولئِكَ الَّذِينَ هَدى اللّه فِبِهُداهُمُ اقْتَدِه).(52)
المصادر:

1- المائدة :6
2- المحلى:2/56.
3- التفسير الكبير:11/161.
4- شرح سنن ابن ماجة:1/88، قسم التعليقة.
5- المحلى:2/56.
6- تفسير النهر الماد:1/558.
7- غنية المتملي في شرح منية المصلي المعروف بالحلبي الكبير:16.
8- شرح سنن ابن ماجة:1/88.
9- معاني القرآن واعرابه:2/153.
10- تفسير الخازن:2/16.
11- مغني اللبيب، الباب الثامن، القاعدة الثانية،359.
12- الحجرات:1.
13- أحكام القرآن:2/346.
14- الإحكام في أُصول الأحكام:1/510.
15- المغني:1/124.
16- تفسير المنار:2/386.
17- التفسير الكبير:4/48.
18- المصدر نفسه:50.
19- روح البيان:2/351.
20- الانتصار:24.
21- روح المعاني:6/74.
22- التأويل:6/112.
23- الأعراف:203.
24- يونس:15.
25- صحيح مسلم:2/143، باب صلاة المسافرين.
26- تفسير المنار:6/234.
27- مسائل فقهية:82.
28- مجلة الفيصل العدد235 صفحة 48، مقالة أبي عبدالرحمن الظاهري.
29- مسند أحمد:1/109، الحديث489.
30- كنز العمال:9/436، الحديث 26863.
31- كنز العمال:9/451، الحديث26922.
32- كنز العمال:9/448 برقم 26908.
33- كنز العمال:9/429 برقم 26822.
34- مسند أحمد:1/153برقم 739و ص183برقم91.
35- سنن ابن ماجة:1/156، حديث 460; سنن النسائي:2/226.
36- صحيح البخاري:1/23، باب من رفع صوته بالعلم من كتاب العلم، الحديث1.
37- مسند أحمد:5/342.
38- سنن ابن ماجة:1، الحديث460.
39- تفسير الطبري:6/86; المعجم الكبير:1/221 برقم 603.
40- المستدرك للحاكم:1/241.
41- الدر المنثور:3/29.
42- الخصائص الكبرى:1/94.
43- أُسد الغابة:5/156.
44- مسند أحمد:1/200، الحديث 1018.
45- كنز العمال:5/106.
46- الأحاديث 18ـ 26 ، كلّها منقولة من تفسير الطبري:6/82.
47- جامع البيان:6/82; محاسن التأويل:6/111; تفسير القرآن العظيم:2/27.
48- تفسير القرآن العظيم:2/27.
49- تفسير القرآن العظيم:2/25.
50- كنز العمال:9/435برقم26856.
51- كنز العمال:5/126.
52- الأنعام:90.


source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ُ تَحْرِيمِ الْإِعْجَابِ بِالنَّفْسِ وَ ...
بَابُ كَرَاهَةِ الطَّهَارَةِ بِمَاءٍ أُسْخِنَ ...
بَابُ طَهَارَةِ سُؤْرِ السِّنَّوْرِ وَ عَدَمِ ...
مقدمات الإحرام
الصلاة عبادة وتربية
إتمَام الحجج في تفسير مَدلول ولا جدَال في الحَج
الوقف فـي نقاط
ما قيمة الحركات التي نؤديها أثناء الصلاة؟
سنّة الوضوء
بَابُ حُكْمِ الرِّيقِ

 
user comment