عربي
Friday 8th of November 2024
0
نفر 0

الافتراق والتمزیق

لا یخفى على أحد بأنّ الافتراق یؤدّی إلى تمزیق الأمة وتفتیت أوصالها وإضعاف بنیتها والحاق الخسارات الهائلة بها، نتیجة ضیاع جهودها فی الصراع والمهاترات والشقاق. وقد ابتلی المجتمع الإسلامی ـ للأسف ـ بهذا الداء، بعد أن التحق رسول الله(صلى الله علیه وآله) بالرفیق الأعلى، ویشهد التاریخ بأنّ الأمة الاسلامیة ما إن رزئت بفقده
الافتراق والتمزیق


لا یخفى على أحد بأنّ الافتراق یؤدّی إلى تمزیق الأمة وتفتیت أوصالها وإضعاف بنیتها والحاق الخسارات الهائلة بها، نتیجة ضیاع جهودها فی الصراع والمهاترات والشقاق.
وقد ابتلی المجتمع الإسلامی ـ للأسف ـ بهذا الداء، بعد أن التحق رسول الله(صلى الله علیه وآله) بالرفیق الأعلى، ویشهد التاریخ بأنّ الأمة الاسلامیة ما إن رزئت بفقده إلاّ وتغلّبت علیها الأهواء واستیقظت فیها الفتن، حتى عادت الجاهلیة ونور الإسلام فی الآفاق.
ومن هذا المنطلق بدأت الفرق المتعددة والجماعات المتضادة والتکتلات المختلفة تنتشر فی الدائرة الاسلامیة، حتى مهّد هذا الأمر للسلطات الحاکمة أن تستغل الوضع لمآربها الخاصة ومصالحها الشخصیة.
وأوّل ما فعلت هذه السلطات أنّها استقطبت الفرق التی توفّر لها الدعم، ونبذت الاتجاهات التی لا تتماشى مع مصالحها.
ومن هنا احتضنت الحکومات مذهب أهل السنة، لأنها وجدته المذهب الوحید الذی یوفّر لها ما ترید، فتقبلته بکل ترحاب، ومهّدت له السبیل للبقاء، لتستمد من وجوده مشروعیة استیلائها على دفة الحکم، ولیکون هذا المذهب مبرراً لکل ما تقوم به من أفعال تخدم غایاتها السیاسیة.
کما أنّ هذه السلطات حاولت عبر وسائل إعلامها المکثفة أن تضفی على هذا المذهب هالة من القداسة، وأن تصوّره بأنّه مذهب الجماعة والمذهب الوحید المتّبع لسنة رسول الله(صلى الله علیه وآله).
وفی المقابل حاول أتباع المذهب السنی ـ تمشیة مع الأهداف السیاسیة الحاکمة ـ أن یبیّنوا ضعف الاتجاهات المخالفة لهم.
وکان من جملة أسالیبهم أن یصوّروا لعامة الناس بأنّ المذاهب المخالفة لهم مذاهب قائمة على الأهواء والبدع، وأنّها على الدوام فی حالة انشقاق وتمزّق وتشتت لعدم امتلاکها الأصول الثابتة.
ومن جهة أخرى حاولوا أن یبیّنوا بأنّ مذهب أهل السنة بقی مذهباً واحداً نتیجة استمداد وجوده من القرآن والسنة.
وکان مذهب أهل البیت(علیهم السلام) من أکثر المذاهب التی تعرّض لهذه الهجمات، وقد اتبع بعض المؤرخین فی تقسیمهم للفرق والمذاهب مقاییس ومعاییر یکون مؤدّاها بأن مذهب التشیع قد تفرّق إلى فرق عدیدة، وأن هذا المذهب کان دأبه الانشقاق والتفرقة نتیجة اضطرابه فی الأصول العقائدیة.
وفی الوقت نفسه تجنّب هؤلاء المؤرخین الحدیث عن فرق أهل السنة، رغم کونها تنطبق علیها نفس المقاییس والمعاییر التی قسّموا على ضوئها الفرق المخالفة لمذهبهم.
على مرّ تاریخ المسلمین، نشأت خلافات ونزاعات وتطاحنات أدت إلى نشوء فرق واتجاهات متعددة بدایة من وفاة الرسول (صلى الله علیه وآله)وحتى الیوم.
والذین رصدوا هذه الحالة فی الماضی من الفقهاء والمؤرخین خضعوا لعوامل سیاسیة ومذهبیة حالت بینهم وبین التشخیص الموضوعی لها.
رصدوا هذه الحالة من منظور أهل السنة ولم یرصدوها من منظور النصوص.
رصدوها من منظور الحکام لا من منظور الواقع.
أهل السنة الذین یعتقدون أنهم الطائفة الحقة المنصورة فی الدنیا والآخرة.
والحکام الذین اعتبروا أنفسهم أئمة المسلمین وحصلوا على مبارکة الفقهاء.
من هنا برزت النظرة الأحادیة المخاصمة للفرق المخالفة لأهل السنة والخط السائد.
ومن هنا أیضاً تم تجنّب المساس بأهل السنة وفرقهم.
وجاءت کتب الفرق التی کتبت بأقلام أهل السنة لتعلن الحرب على الفرق المخالفة وتتهمها بالزیغ والضلال.
إلاّ أنه لم یتجه أحد إلى إدخال أهل السنة فی دائرة المحاکمة کما أدخلوا هم الفرق الأخرى.
ولم یتجه أحد إلى الشک فی معتقداتهم وأفکارهم بفرقهم المختلفة التی تتساوى فی معتقداتها وأفکارها مع الفرق الأخرى بل أن هذه الفرق تمتاز علیها.
لقد دارت صراعات ونزاعات وتطاحنات بین فرق أهل السنة وصلت إلى حد التکفیر وإراقة الدماء،
وما نهدف إلیه من خلال هذا الرصد هو کشف الدور الذی لعبته السیاسة والمذهبیة فی التعتیم على حقیقة الدین وبث الفرقة بین المسلمین وفرض الروایات الزائفة التی وطنت العقائد والمفاهیم الفاسدة، وأضفت علیها القداسة بحیث طغت على العقائد الصحیحة والمفاهیم الفاعلة التی تسهم فی نهوض الأمة ودفعها إلى الأمام، کما وطنت الخلافات والصراعات وبررتها وأعطت السلاح لأهل الفرق لیستبیحوا به بعضهم البعض.
المصدر :
کتاب فرق اهل السنة / صالح الوردانی


source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

لكي نتخلّص مِن الكسل العبادي
في قول النبي لأهل بيته: (أنا حرب لمن حاربكم) ...
خير العمل
مشاركة الجن للانس في شريعة الاسلام
هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى
هل للدين نهاية؟
حديث المنزلة ق(8)
المشروع الفضائي الشيعي هل هو ضرورة ؟
تجرد الروح
صفات الله الثبوتيّة

 
user comment