إن الثورة أمرا ضروریا یجب القیام به عندما تتوفر ظروفه وتلوح أمارات انتصاره، وقبل ذلک لا بد من وجود ثلة فی المجتمع تشکل محور حیاته، تسعى نحو بناء حضارة مثالیة خالیة من شوائب الظلم والاستکبار، تعزم على تغیر المستحیل وتحدی الصعوبات المفروضة على البشریة، وتتمتع بثقة عالیة تغلب عوامل التراجع والضعف، وهنا یبرز الفرق البیّن بین إنسان خاضع لظروف یعتبرها کتبت علیه فی اللوح المحفوظ لا یسعى الى تغیرها بل یوطن نفسه على التعایش معها مهما کانت قاصیة وصعبة ولا یغیر فیها شیء لا بیده ولا لسانه ولا حتى بقلبه، وبین إنسان یرفض الخضوع إلا لله تعالى ویسعى بکل قوة لمحاربة ظلم الظالمین ومقارعة تکبر المستکبرین.
فإن الثورة بحاجة الى توعیة الجماهیر ورفع مستواهم المعرفی بالظروف والمقتضیات وبالمستقبل وبحاجة أیضا الى أن یکون المجتمع واثقا بنفسه وبقدرته على التغییر، فإن الحالة النفسیة التی تعتری الجمهور هی التی تحدد بوصلة النتیجة.
فإن الشرائع السماویة التی بعث الله تعالى بها أنبیائه (ع) کانت تهدف الى خلق ثورة شاملة تسعى الى فتح عقول المجتمع قبل فتح الأفاق والأوطان لتفجر بعد ذلک ثورة على الأوضاع الفاسدة، ثورة على التخلف والفقر والضیاع والجهل والعادات الظالمة، وتهدف -الشرائع السماویة- أیضا الى تربیة أفراد تلقی على عاتقهم مسؤولیة حفظ هذه الثورة وتجدید أهدافها وغایاتها وقیادة مجتمعها، فإنه من الممکن أن لا تکون الظروف غیر سامح بقیام ثورة حال وجود النبی(ع) المبلغ للشریعة، ولکنه لما کان قد أهتم بثلة معینة وهیأها للتحمل المسؤولیة بوعی وإخلاص فإن هدفه لم یذهب سدا بل سیؤتی أکله بإذن الله تعالى عندما تتهیأ ظروف المجتمع، فإن الشرائع تکون بدورها قد حفظت هذا الهدف وترکته الى حین وجود شروطه، معتمدة على هذه الثلة التی تربت فی کنف الشریعة لتکون سیدة الفتح المستقبلی وقائدة المجتمع. فإن هذه الثلة تکون کالبذرة الطیبة التی تنتظر المطر لتخرج شجرة مبارکة فی المستقبل.
فإن الإنسان الثائر الذی تربى تربیة صالحة یبقى على أهبة الاستعداد منتظرا الفرصة حتى تسنح لیهب کالأسد الضاری فی وجه أعلام الظلم وقادة الفساد، ومن هنا نعلم أن تهیأت المجتمع للثورة یکون هو العنصر الأساسی لرفع أعمدتها خصوصا إذا کان المجتمع قد هیأ الأفراد الثائرة وعبأها لتشکل قادة لمسیرة أبنائه وحبرا لکتابة مستقبله.
وإن للإنسان الثائر صفات لابد أن یتحلى بها حتى یکون نبراس المستقبل وشعلة أمله:
* الصفة الأولى:
الاستقامة فإن الاستقامة على جادة الشریعة شرط أساسی لصب البرکة والتوفیق والمدد الغیبی من قبل الله تعالى، فلذا یخاطب المولى رسوله(ص) بقوله( فاستقم کما أمرت ومن تاب معک) فإن النبی(ص) کان یهیأ المجتمع لیکون خیر الأمم ولیکون قدوة فی المستقبل، فأمرهم الله تعالى بالاستقامة وعدم التحول عن الأهداف الرئیسیة للرسالة السماویة.
* الصفة الثانیة:
عدم الطغیان حال الانتصار وعدم الیأس حال الهزیمة ( ولا تطغوا إنه بما تعملون بصیر) فإن الله تعالى بصیر بالعباد وبما یعملون، ولابد الإنسان الثائر الذی یسعى الى تحدی المستحیلات وخلق ظروف أفضل للمجتمع من تجنب الطغیان والظلم، لأن الظلم والطغیان یمنعان من تحقیق الأهداف.
* الصفة الثالثة:
الاستقلال عن الطغاة والظالمین (ولا ترکنوا الى الذین ظلموا فتمسکم النار)، فإن الله تعالى یأمرنا بالاستقلال عن الذین ظلموا فی حال الانتصار والهزیمة لأن الظالمین لا یریدون الخیر للمجتمع أبدا وعلینا أن ننظر الى الله تعالى ونطلب منه التوفیق والنصر.
* الصفة الرابعة:
التحلی بالصبر والعزیمة مهما کانت الصعوبات کثیرة، لأن الصبر مفتاح الفرج وإن مع العسر یسر وبالإرادة الصلبة تدرک الآمال وتتحقق الأهداف، ولابد أیضا من الیقظة لأن الطریق صعب کثیر المنعطفات والفتن والشبهات، فلا بد من الیقظة لکل هذا حتى لا یقع المصلح فی الفساد فینقلب الأمر علیه وهو لا یدری.
فإن وجود فئة من الناس فی المجتمع تتمتع بهذه الصفات یهیأ الأرضیة المناسبة لقیام ثورة عملاقة قادرة على قلب مفاهیم المجتمع الى الأفضل، خصوصا إذا کانت تتخذ الإسلام شعارا تطبیقیا لحرکتها لأن الإسلام یقوم على بثّ روح الإیمان فی النفوس لیخلق حالة من الاستقلال والابتعاد عن الشهوات قادرة على تحدی الظروف وهدم أبنیة الفساد.
المصدر: موقع الموعود
source : rasekhoon