لو كانت إقامة التراويح جماعة، سنّة مؤكدة، كان على النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ أن يوصي بإقامتها بعد رحيله، لارتفاع خوف الفرض على المسلمين برحيله. ومع ذلك لم ينبس ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ بذلك ببنت شفة، بل دخل بيته مغضباً، ولم يُقمها جماعة إلاّ مرّة أو مرّتين أو ثلاث، كلّها على مضاضة. وذلك يعرب أنّ الحكمة تكمن في إقامتها فرادى في البيوت لا في المساجد، وكان ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ أعرف بمصالح ذلك العمل، وأنّه يُعطي للبيوت حظاً من البركة.
لو كانت إقامة التراويح جماعة، سنّة مؤكدة، كان على النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ أن يوصي بإقامتها بعد رحيله، لارتفاع خوف الفرض على المسلمين برحيله. ومع ذلك لم ينبس ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ بذلك ببنت شفة، بل دخل بيته مغضباً، ولم يُقمها جماعة إلاّ مرّة أو مرّتين أو ثلاث، كلّها على مضاضة.
وذلك يعرب أنّ الحكمة تكمن في إقامتها فرادى في البيوت لا في المساجد، وكان ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ أعرف بمصالح ذلك العمل، وأنّه يُعطي للبيوت حظاً من البركة.
إنّ لتشريعات الإسلام وشعائره أسراراً وحكماً تدركها العقول تارة، و تخفى عليها تارة أُخرى، تغيب عن أذهان بعضهم آونة، وتنكشف لآخرين آونة أُخرى، تُجهل في مقطع زمني معيّن، وتُعلم في مقطع آخر.
وممّا لا شكّ فيه أنّ من وراء سنّة الرسول الأكرم ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ (الذي لا ينطق عن الهوى) في عدم إقامة صلاة التراويح جماعة، حكمةً سامية، قد تتجلى في الآثار الإيجابية التي ترتّب على إقامتها في البيوت فرادى، حيث يقف المصلّي بين يدي ربّه عزّ وجلّ خاشعاً خائفاً راجياً، يبثّه همومه وأحزانه، ويستمطر رحمته وعفوه وغفرانه، ينقطع إليه تعالى بكلّه لا يشغله عن ذلك شاغل، ولا تكدّر موقفه شائبة من شوائب العجب والتباهي والرياء.
ثمّ إنّ إقامتها في البيوت يشيع عليها جواً من الإيمان والطهر والبركة والصفاء، حيث لا يخلو البيت من ذكر وتسبيح وصلوات.
ولا ريب أنّ من يقطن في البيت (من زوجة وأولاد وغيرهم) سوف يعيش في رحاب هذه الأجواء، ويتنسَّم أريجها الفوّاح، وذلك لعمري من العوامل التربوية المهمة في الأخذ بأيديهم إلى حيث الهدى والصلاح والاستقامة والسلوك القويم.
يقول السيد شرف الدين: إنّ فائدة إقامتها في البيت فرادى، وهي إنّ المصلّي حين يؤديها ينفرد بربه عزّ وعلا يشكو إليه بثّه وحزنه ويناجيه بمهماته مهمة مهمة حتى يأتي على آخرها ملحّاً عليه، متوسّلاً بسعة رحمته إليه، راجياً لاجئاً، راهباً راغباً، منيباً تائباً، معترفاً لائذاً عائذاً، لا يجد ملجأً من اللّه تعالى إلاّ إليه، ولا منجي منه إلاّ به.
لهذا ترك اللّه السنن حرة من قيد الجماعة ليتزوّدوا فيها من الانفراد باللّه ما أقبلت قلوبهم عليه، ونشطت أعضاؤهم له، يستقلّ منهم من يستقل، ويستكثر من يستكثر، فإنّها خير موضوع، كما جاء في الأثر عن سيّد البشر.
إمّا ربطها بالجماعة فيحدّ من هذا النفع، ويقلّل من جدواه.
أضف إلى هذا أنّ إعفاء النافلة من الجماعة يمسك على البيوت حظّها من البركة والشرف بالصلاة فيها، ويمسك عليها حظّها من تربية الناشئة على حبّها والنشاط لها، ذلك لمكان القدوة في عمل الآباء والأُمهات والأجداد والجدّات، وتأثيره في شد الأبناء إليها شدّاً يرسخها في عقولهم وقلوبهم، وقد سأل عبد اللّه بن مسعود رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : أيّما أفضل، الصلاة في بيتي، أو الصلاة في المسجد؟ فقال ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ «ألا ترى إلى بيتي ما أقربه من المسجد، فلأن أُصلّـي في بيتي أحب إليّ من أن أُصلّـي في المسجد إلاّ أن تكون صلاة مكتوبة» رواه أحمد وابن ماجة وابن خزيمة في صحيحه كما في باب الترغيب في صلاة النافلة من كتاب الترغيب والترهيب للإمام زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري. وعن زيد بن ثابت أنّ النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ قال: «صلّوا أيّها الناس في بيوتكم فانّ أفضل صلاة المرء في بيته إلاّ الصلاة المكتوبة» رواه النسائي وابن خزيمة في صحيحه.(1)
وحصيلة الكلام: قد روي عن النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ انّه قال: «فصلّوا أيّها الناس في بيوتكم فانّ أفضل صلاة المرء في بيته إلاّ الصلاة المكتوبة».(2)
وأمر النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ بأداء النوافل في البيوت ابتعاداً عن الرياء والسمعة مطلقاً وليس مقيّداً بزمانه، وهذا يدلّ على مرجوحيّة أداء النوافل في المساجد.
فلو كانت الجماعة مشروعة في النوافل لكان الإتيان بها في المساجد جماعة أفضل من الإتيان بها في البيوت، إلاّ أنَّ تصريح النبي بأنّ الإتيان بها في البيوت أفضل كما في الحديث، فهذا ممّا يلوّح ـ على الأقلّ ـ بعدم مشروعيّة الجماعة فيها.
تقديم المصلحة على النصّ
إنّ عمل الخليفة لم يكن إلاّ من قبيل تقديم المصلحة ـ حسب تشخيصه ـ على النص وليس المورد وحيداً في حياته بل له نظائر في عهده نظير:1. تنفيذ الطلاق ثلاثاً بعد ما كان في عهد الرسول وبعده وسنين من عهده طلاقاً واحداً.
2. تحريم متعة الحجّ وقد تمتع الصحابة في عصر النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وسيوافيك تفصيله في المسألة القادمة.
3. تحريم متعة النساء، طالع الموضوع علی موقعنا .
يقول أحمد أمين المصري: ظهر لي أنّ عمر بن الخطاب كان يستعمل الرأي في أوسع من المعنى الذي ذكرناه، وذلك أنّ ما ذكرناه هو استعمال الرأي حيث لا نصّ من كتاب ولا سنّة، ولكنّا نرى الخليفة سار أبعد من ذلك، فكان يجتهد في تعرّف المصلحة التي لأجلها نزلت الآية أو ورد الحديث، ثمّ يسترشد بتلك المصلحة في أحكامه، وهو أقرب شيء إلى ما يعبّـر عنه الآن بالاسترشاد بروح القانون لا بحرفيّته.(3)
إنّ الاسترشاد بروح القانون الذي أشار إليه أحمد أمين أمر، ونبذ النص والعمل بالرأي أمر آخر، ولكن الطائفة الثانية كانوا ينبذون النص ويعملون بالرأي، وما روي عن الخليفة في هذه المسألة ونظائرها من هذا القبيل.
تقسيم البدعة إلى الحسنة والسيئة بدعة
قد سمعت من أنّ الخليفة سمّى عمله بدعة حسنة، أو سمّى اجتماع الناس على إمامة أُبيّ بن كعب، بدعة حسنة، فإذا كانت البدعة عبارة عن التدخل في أمر الشريعة، فليس له إلاّ قسم واحد لا يثنّى ولا يكرر.إنّ إقامة صلاة التراويح جماعة لا تخلو من صورتين:
الأُولى: إذا كان لها أصل في الكتاب والسنّة، فعندئد يكون عمل الخليفة إحياءً لسنّة متروكة، سواء أراد إقامتها جماعة أو جمعهم على قارئ واحد، فلا يصحّ قوله: «نعمت البدعة هذه» إذ ليس عمله تدخّلاً في الشريعة .الثانية: إذا لم يكن هناك أصل في المصدرين الرئيسين، لا لإقامتها جماعة أو لجمعهم على قارئ واحد، وإنّما كره الخليفة تفرّق الناس، ولأجل ذلك أمرهم بإقامتها جماعة، أو بقارئ واحد، وعندئذ تكون هذه بدعة قبيحة محرّمة.
بين السنة والبدعة
البدعة في الدين من كبائر المعاصي وعظائم المحرمات، لأنّ المبتدع ينازع سلطان اللّه تبارك و تعالى في مجالي العقيدة والشريعة ويتدخّل في دينه فيزيد فيه وينقص منه افتراء على اللّه سبحانه.فإذا دار أمر العبادة بين كونها سنّة أو بدعة فاللازم تركها، لأنّ روح العبادة هو قصد التقرّب بإتيانها ولا يتمشّى قصد القربة بصلاة يحتمل كونها بدعة.
نحن نفترض أنّ ما سردناه من الأدلّة على عدم مشروعية التراويح جماعة، لم يفد اليقين بأنّ صلاة التراويح بدعة لكنّها تورث الشك في مشروعيتها، ومجرّد الشكّ فيها كاف في إلزام العقل بتركها، إذ لا يجوز التعبّد بعمل مشكوك.
فاللازم على المسلم المحتاط إقامة نوافل شهر رمضان بين الأهل والعيال في البيوت فرادى عسى أن يقيض اللّه رجالاً متحررين عن قيد التقليد، يستنبطون الأحكام من الكتاب والسنّة من جديد، وذلك ببناء نهضة علمية وثّابة تعالج الخلافات الفقهية من جذورها، انّه خير مأمول وخير مجيب.
المصادر :
1- النص والاجتهاد:151ـ 152
2- سنن النسائي:3/161
3- فجر الإسلام : 238، نشر دار الكتاب
source : rasekhoon