عربي
Wednesday 17th of April 2024
0
نفر 0

الطائفة الجعفریة الإمامیة

الطائفة الجعفریة الإمامیة

الطائفة الجعفریة الإمامیة طائفة کبیرة من‌ المسلمین‌ فی العصر الحاضر ، ویقدّرُ عددُهم‌ بربع‌ِ عددِ المسلمین‌ تقریباً ، وتمتد جذورهم‌ التاریخیّة إلى صدر الإسلام‌ یوم‌ نزل‌ قول‌ُ الله تعالى‌ فی سورة البیّنة : ( إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِکَ هُمْ خَیْرُ الْبَرِیَّةِ )(1) فوضع‌ رسول‌ُ الله ( صلى الله علیه و آله ) یده‌ على‌ کتف‌ علی‌ّ بن‌أبی ‌طالب‌ ( علیه السَّلام ) ، والصحابة حاضرون‌ ، وقال‌ : ( یا علی‌ّ أنت‌َوشیعتُک هم‌ْ خیرُ البَریّة )(2)
ومن‌ هنا سُمّیت‌ هذه‌ الطائفة ـ التی تُنسب‌ إلى الإمام‌ جعفر الصادق‌ ( علیه السَّلام ) لکونها تتبع‌ فقهَه‌ ـ بالشیعة .
تسکن‌ هذه‌ الطائفة بکثافة فی إیران‌ والعِراق‌ وباکستان‌ وأفغانستان‌ والهند ، وینتشرون‌ بأعداد کبیرة فی بلاد القریبة منها وترکیا وسوریا ولبنان‌ وروسیا والجمهوریات‌ المنفصلة عنها ، وینتشرون‌ أیضاً فی البلاد الأوروبیة کانجلترا وألمانیا وفرنسا وأمریکا والقارة الافریقیّة ، وبلاد شرق‌ آسیا ، ولهم‌ فیها مساجدُ ومراکزُ علمیّة وثقافیّة واجتماعیّة .
وهم‌ یتکوّنون‌ من‌ مختلف‌ الجنسیّات‌ والأعراق‌ واللُغات‌ والألوان‌ ، ویعیشون‌ جنباً إلى جنب‌ مع‌ إخوانهم‌ المسلمین‌ من‌ الطوائف‌ والمذاهب‌ الأخرى‌ فی سلام‌ ووداد ، ویتعاوَنون‌ معهم‌ فی جمیع‌ المجالات‌ والأصعدة بصدق‌ وإخلاص‌ ، انطلاقاً من‌ قوله‌ تعالى‌ : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ …)(3) ، وقوله‌ تعالى‌ : ( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى ..)(4)وتمسکاً بقول‌ النّبی الکریم‌ ( صلى الله علیه و آله ) : ( المسلمون‌ یدٌ واحدةٌ على‌ مَن‌ سواهم )(5) وقوله ( صلى الله علیه و آله ) : ( المؤمنون‌ کالجسد الواحد )(6) .
وکانت‌ لهم‌ على‌ طول‌ التاریخ‌ الإسلامی‌ مواقف‌ُ مشرّفة ومُشرِقة فی الدفاع‌ عن‌ الإسلام‌ ، والاُمّة الإسلامیة الکریمة ، کما أنه‌ کانت‌ لهم‌ حکومات‌ ودول‌ خدمت‌ الحضارة الإسلامیة ، وعلماء ومفکّرون‌ أسهَموا فی إغناء التراث‌ الإسلامی بتألیف‌ مئات‌ الآلاف‌ من‌ المؤلفات‌ والکتب‌ِ الصَغیرة والکبیرة فی مجال‌ تفسیر القران‌ ، والحدیث‌ ، والعقیدة ، والفقه‌ والاُصول‌ ، والأخلاق‌ ، والدرایة والرِجال‌ ، والفلسَفة ، والموعظة ، والحکومة والاجتماع‌ ، واللغة والأدب‌ بل‌ والطب‌ّ والفیزیاء والکیمیاء والریاضیّات‌ والفلک وغیرها من‌ علوم‌ الحیاة ، وکان‌ لهم‌ دورُ البانی‌ والمؤسّس‌ للکثیر من‌ العلوم‌ (7).
وهم‌ یعتقدون‌ بالله الواحدِ الأحدِ الفرد الصّمد الذی‌ لم‌ یلدِ ولم‌ یُولد ، ولم‌ یکن‌ له‌ کفوءاً أحد ، وینفون‌ عنه‌ الجسمانیة والجهة والمکان‌ والزمان‌ ، والتغیّروالحرکة والصعود والنزول‌ وغیر ذلک مما لا یلیق‌ بجلال‌ الله وقدسه‌ وکماله‌ وجماله‌ .
و یعتقدون‌ بأنّه‌ هو المعبود لا سواه‌ ، وأن‌ّ الحُکم‌ والتشریع‌ له‌ وحده‌ دون‌ غیره‌ ، وأن‌ّ الشّرک بجمیع‌ أنواعِه‌ وألوانِه‌ ، خفیّه‌ وجلیّه‌ ، ظلم‌ عظیم‌ وذنب‌ لا یُغتَفَر . و یأخذون‌ کل‌ّ هَذا من‌ العقل‌ الحصیف‌ المعتضَد بالکتاب‌ العزیز ، والسنّة الشریفة الصحیحة مهما کان‌ مصدرُها . ولا یأخذون‌ فی مجال‌ العقائد بالأحادیث‌ الإسرائیلیة ( التوراتیة والانجیلیة ) والمجوسیة التی تصور الله تعالى‌ بصورة البشر ، وتشبهه‌ سبحانه‌ بالمخلوقین‌ .أو تنسب‌ إلیه‌ الجور والظلم‌ واللغو والعبث‌ تعالى‌ عن‌ ذلک علوّاً کبیراً .ولا تنسب‌ العظائم‌ والقبائح‌ إلى الأنبیاء المطهّرین‌ ، المعصومین‌ على‌ الإطلاق‌ .
ویعتقدون‌ بأن‌ّ الله تعالى‌ عادل‌ حکیم‌ ، خَلَق‌ بعدل‌ وحکمة ، ولم‌ یخلُق‌ شیئاً عبثاً ، جماداً کان‌ أو نباتاً ، حیواناً کان‌ أو انساناً ، سماءً کان‌ أو أرضاً ، لأن‌ّ العبثیّة تنافی‌ العدل‌ والحکمة ، وذلک ینافی الاُلوهیّة التی تستلزم‌ إثبات‌ کل‌ّ کمال‌ لله تعالى‌ ، ونفی کل‌ّ نقص‌ عنه‌ سبحانه‌ .
ویعتقِدون‌َ بأن‌ّ الله تعالى‌ أرسل‌ ـ بعدله‌ وحکمته‌ ـ إلى البشر ، منذ أن‌ بدأوا حیاتهم‌ على‌ الأرض‌ ، أنبیاءً ورسلاً ، اتّصفوا بالعِصمة ، وتحلّوا بالعلم‌ الواسع‌ ، الموهوب‌لهم‌ ـ عن‌طریق‌ الوحى‌ ـ من‌ قِبَل‌ الله ، وذلک لهدایة البشریة ، ومساعدتها على‌ الوصول‌ إلى کمالها المنشود ، وإرشادها إلى الطاعة التی تؤدّى‌ بهم‌ إلى الجنة ، وتؤهّلهم‌ لرحمة الله ورضوانه‌ ، وأبرز هؤلاء الأنبیاء والرسل‌ : ادم‌ ، ونوح‌ ، وإبراهیم‌ ، وعیسى‌ ، وموسى‌ وغیرهم‌ ممن‌ ذکرهم‌ القرآن‌ الکریم‌ أو جاءت‌ أسماؤهم‌ وأحوالهم‌ فی السنّة الشریفة .
ویَعتقِدون‌ بأن‌ّ من‌ أطاع‌ الله ، ونفّذ أوامرَه‌ وأجرى‌ قوانینَه‌ فی شتّى‌ مجالات‌ الحیاة نجى‌ وفاز ، واستحق‌ّ المدح‌ والثواب‌َ ، ولو کان‌ عبداً حبشیّاً ، وأن‌ّ من‌ عصى‌ الله تعالى‌ وتجاهل‌ أوامره‌ ، وطبّق‌ أحکاماً غیر أحکام‌ الله تعالى‌ ، خَسِر وهل واستحق‌ّ الذّم‌ّ والعقاب‌ ، ولو کان‌ سیداً قرشیّاً ، کما جاء فی الحدیث‌ النّبی‌ّ الشریف‌ .
وهم‌ یعتقدون‌ بأن‌ّ محل‌ّ الثواب‌ والعقاب‌ هو یوم‌ُ القیامة الذی‌ یکون‌ فیه‌ الحساب‌ُ والمیزان‌ُ والجنّةُ والنّار ، وذلک بعد المرور بعالم‌ القبر والبرزخ‌ . وأمّا ما یقول‌ به‌ منکرو المعاد فیرفضونه‌ لاستلزامه‌ تکذیب‌ القران‌ الکریم‌ والسنّة المطهّرة .
ویَعتقِدون‌َ بأن‌ّ اخِرَ الأنبیاء والرسل‌ وخاتِمَهم‌ وأفضَلَهم‌ هو رَسول‌ُ الله محمدُ بن‌ُ عبد الله بن‌عبد المطلب‌ ( صلى الله علیه و آله ) (8) الذی‌ صَانَه‌ُ الله من‌ الخطأ والزلل‌ ، وعصمَه‌ من‌ المعصیة الکبیرة والصغیرة ، قبل‌ النبوّة وبعدها ، فی أُمور التبلیغ‌ وغیرها ، وأنزل‌ علیه‌ القران‌ الکریم‌ ، لیکون‌ دستوراً للحیاة البشریة إلى الأبَد ، فبلّغ‌ صلى‌ الله علیه‌ واله‌ الرسالةَ ، وأدّى‌ الأمانةَ بصدق‌ وإخلاص‌ ، وبَذَل‌ فی هذا السبیل‌ الغالی‌ والرخیص‌ .
وللشیعة فی مجال‌ الکتابة عن‌ تاریخ‌ رسول‌ الله صلى‌ الله علیه‌ واله‌ وشخصیته‌ وأحواله‌ وخصوصیاته‌ ومعجزاته‌ عشرات‌ المؤلفات‌ والأبحاث‌ (9).
ویعتقدون‌ بأن‌ّ القران‌َ الکریم‌ ، الذی‌ اُنزِل‌َ على‌ رسول‌ الإسلام‌ محمّد صلّى‌ الله علیه‌ واله‌ بواسطة جبرئیل‌ الأمین‌ ، ودوّنَه‌ مجموعة من‌ الصحابة الکبار وفی‌ مقدمتهم‌ على‌ بن‌ أبى‌طالب‌ ( علیه السَّلام ) فی‌ عهد النبى‌ّ الکریم‌ محمد صلى‌ الله علیه‌ وآله‌ ، وتحت‌ اشرافِه‌ ورعایته‌ ، وبأمره‌ ، وارشاده‌ ، وحفظوه‌ عن‌ ظهر قلب‌ ، وأتقنوه‌ ، وأحصَوا حروفَه‌ وکلماتِه‌ ، وسورَه‌ وایاته‌ ، وتناقَلوه‌ جیلاً بعد جیل‌ ، هو الذی‌ یَتلُوه‌ المسلمون‌ الیوم‌ بجمیع‌ طوائفهم‌ ، آناء اللیل‌ وأطراف‌ النهار ، من‌ دون‌ زیادة أو نقصان‌ ، أو تحریف‌ ، أَو تغییر ، وللشیعة فی هذا المجال‌ مؤلفات‌ مختصَرة ومطولة کثیرة (10).
ویعتقدون‌ بأن‌ّ رسول‌ الله محمّداً ( صلى الله علیه و آله ) لما قَرُب‌ أجلُه‌ نَصَب‌َ علی‌ّ بن‌ أبی‌ طالب‌ خلیفةً له‌ وإماماً على‌ المسلمین‌ من‌ بعده‌ ، لیقودَهم‌ سیاسیّاً ، ویُرشدَهم‌ فکریّاً ، ویعالج‌ مشاکلهم‌ ، ویواصِل‌َ تربیتهم‌ وتزکیتهم‌ ، وذلک بأمر من‌ الله تعالى‌ فی مکان‌ یُدعى‌ ( غَدیر خُم‌ ) ، فی أخر سنة من‌ سِنی‌ّ حیاته‌ ، وآخر حجّة من‌ حججه‌ ، وفی جمع‌ هائل‌ من‌ المسلمین‌ الذین‌ حجوا معه‌ ، یزید عددُهم‌ ـ حسب‌ بعض‌ الروایات‌ ـ على‌ مائة ألف‌ شخص‌ . وقد نزلت‌ فی هذه‌ المناسبة آیات‌ عدیدة (11) .
کما وأن‌ّ النبی ( صلى الله علیه و آله ) طلب‌ من‌ الناس‌ مبایعة علی ( علیه السَّلام ) بالصفق‌ على‌ یده‌ ، فبایعوه‌ و فی مقدمتهم‌ کبار المهاجرین‌ والأنصار ومشاهیر الصحابة (12).
ویعتقدون‌ بأن‌ّ الإمام‌ ـ بعد رسول‌ الله محمّد ( صلى الله علیه و آله ) ـ لَمّا کان‌ یجب‌ علیه‌ أن‌ یقوم‌ بما کان‌ یقوم‌ُ به‌ النّبی ( صلى الله علیه و آله ) فی حیاته‌ من‌ القیادة والهدایة ، والتربیة والتعلیم‌ ، وبیان‌ الأحکام‌ ، وحل‌ّ المشاکل‌ الفکریة المستعصیة ، ومعالجة الشؤون‌ الاجتماعیة المهمّة ، کان‌ لابدّ له‌ ( أی‌ للإمام‌ والخلیفة من‌ بعده‌ ) من‌ أن‌ یکون‌ بحیث‌ یثق‌ به‌ الناس‌ُ ، وذلک لیقود الأُمّة إلى شاطی‌ء الأمان‌ ، فهو یشارک النبی‌ّ فی المؤهِلات‌ والصِفات‌ ، ( ومنها العصمة والعلم‌ الواسع‌ ) لأنه‌ یشارکه‌ فی الصلاحیات‌ والمسؤُولیات‌ باستثناء تلقّی‌ الوحی‌ ، ، والنبوّة ، لأن‌ّ النبوّة خُتِمَت‌ بمحمّد بن‌ عبد الله ( صلى الله علیه و آله وسلم) فهو خاتم‌ النبیین‌ ، والمرسلین‌ ، ودینه‌ خاتم‌ الأدیان‌ ، وشریعته‌ خاتمة الشرائع‌ ، وکتابه‌ آخر الکتب‌ ، ولا نبی‌ّ بعده‌ ، ولا دین‌ بعد دینه‌ ، ولا شریعة بعد شریعته‌ . ( وللشیعة فی هذا الصعید مؤلفات‌ عدیدة ومتنوعة حجماً وأسلوباً ) .
ویعتقدون‌ بأن‌ّ حاجة الأُمّة إلى القائدِ الرشیدِ ، والولی‌ّ المعصوم‌ِ اقتضت‌ أن‌ لا یُکتفی‌ بنصب‌ علی‌ ( علیه السَّلام ) وحده‌ للخلافة والإمامة بعد رسول‌ الله ( صلى الله علیه و آله وسلم) ، بل‌ لابدّ من‌ استمرار حلقات‌ القیادة هذه‌ إلى مدة زمنیة طویلة ، إلى أن‌ تترسخ‌ جذور الإسلام‌ وتُحفَظ‌ اُسس‌ُ الشریعة ، وتصان‌ قواعدُها من‌ الأخطار التی هَدّدت‌ وتهدّد کل‌ّ عقیدة إلهیة ، وکل‌ نظام‌ ربانی‌ّ ، ولتعطی‌َ مجموعةُ الأئمة ـ بما یقومون‌ به‌ من‌ أدوار و ممارسات‌ مختلفة فی ظروف‌ متنوعة ـ نماذج‌َ عملیّة وبرامج‌ مناسبة لجمیع‌ الحالات‌ التی قد تمرّ بها الأُمّة الإسلامیةُ فیما بعد .
ویَعتقدون‌َ بأن‌ّ النبی‌ّ محمّد بن‌ عبد الله ( صلى الله علیه و آله وسلم) لهذا السبب‌ ولحکمة علیا ، عَیّن‌َ بأمر الله تعالى‌ أحدَ عشر إماماً بعد على‌ّ ( علیه السَّلام ) وهم‌ ـ مع‌ على‌ّ ( علیه السَّلام ) ـ الأئمة الإثنا عشر ، الذین‌ وَرَدَت‌ الإشارةُ إلى عددهم‌ ، وقبیلتهم‌ ( قریش‌ ) ـ ولیس‌ إلى‌ أسمائهم‌ و خصوصیاتهم‌ ـ فی صحیح‌ البخاری‌ وصحیح‌ مسلم‌ بألفاظ‌ مختلفة ، حیث‌ رویا عن‌ رسول‌ الله ( صلى الله علیه و آله ) : أن‌ّ الدین‌ لا یزال‌ ماضیاً/ قائماً/ عزیزاً/ منیعاً ما کان‌ فیهم‌ اثنا عشر أمیراً ، أو خلیفة ، کلهم‌ من‌ قریش‌ ، ( أو بنی ‌هاشم‌ ، کما فی بعض‌ الکتب‌ ، وقد جاءت‌ أسماؤهم‌ فی غیر الصحاح‌ من‌ کتب‌ الفضائل‌ والمناقب‌ والشِعر والأدب‌ ) .
و أَن‌ّ هؤلاء هم‌ أهل‌ البیت‌ الذین‌ نَصَبهم‌ رسول‌ُ الله محمّد ( صلى الله علیه و آله وسلم) ـ وبأمر الله تعالى‌ ـ قادةً للأُمة الإسلامیة ، لعصمتهم‌ ، وطهارتهم‌ من‌ الخطأ والذنب‌ ، ولعلمِهم‌ُ الواسع‌ الذی‌ ورثوه‌ عن‌ جدّهم‌ ـ وأمر بمودّتهم‌ ومتابعتهم‌ ، إذ قال‌ تعالى‌ : ( قُل لَّا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَى )(13) ، وقال‌ تعالى‌ : ( یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَکُونُواْ مَعَ الصَّادِقِینَ )(14) .
ویَعتقِدُ الشیعةُ الجعفریّةُ بأن‌ّ هؤلاء الأئمة الأطهار الّذین‌ لم‌ یسجّل‌ِ التاریخ‌ُ علیهم‌ زلّة أو معصیة ، فی القول‌ والعمل‌ ، قد خدموا ـ بعلومهم‌ الجَمّة ـ الأُمّة الإسلامیة ، وأغنَوا ثقافتَها ، بالمعرفة العمیقة ، والرؤیة الصحیحة فی مجال‌ العقیدة ، والشریعة والأخلاق‌ والآداب‌ ، والتفسیر والتاریخ‌ ، وبصائر المستقبل‌ . کما رَبّوا ـ بالاُسلوب‌ القولی‌ّ والعملی ـ ثُلّةً من‌ الرّجال‌ والنِساء الأفذاذ الأخیار الأبرار الذین‌ اعترف‌ الجمیع‌ُ بِفضلهم‌ وعِلمهم‌ وحُسن‌ سیرتهم‌ .
و یرون‌َ بأنّهم‌ وان‌ اُبعِدوا ـ وللأسف‌ ـ عن‌ مَقام‌ القیادة السیاسیة ـ إلاّ أنّهم‌ أدّوا رِسالَتهم‌ الفکریّة والاجتماعیة خیرَ أداء ، إذ صانوا مبادِی‌ء العقیدة ، وقواعدَ الشریعة من‌ الأخطار .
و لو کانت‌ الأُمّة الاسلامیّةُ تفسح‌ لهم‌ المجال‌ بأن یمارسوا الدورَ السیاسى‌ّ الذی‌ أعطاهم‌ رسول‌ُ الله ( صلى الله علیه و آله ) بأمر الله سبحانه‌ ، لَحَصَلت‌ِ الأمّةُ الاسلامیةُ على‌ سعادتها وعزّتها ، وعظمتها کاملةً ، ولبقیت‌ْ متحدةً ،
متفقةً ، متوحدةً ، لاشِقاق‌ فیها ، ولا اختلاف‌ ولا نزاع‌ ، ولا صراع‌ ، ولا مذابح‌ ولا مجازر ، ولا ذلّة ولا صغار . (15)
ویَعتقدُون‌ بأنّه‌ ـ ولهذا السبب‌ ، ونظراً للأدلة النقلیّة والعقلیّة الکثیرة المذکورة فی کتب‌ العقیدة ـ یجب‌ اتّباع‌ ، أهل‌البیت‌ ، والتزام‌ طریقتهم‌ ، لأنها هی‌ الطریقة التی رَسَمها رسول‌ُ الله ( صلى الله علیه و آله ) للاُمّة ، واُوصى‌ بسلوکِها والالتزام‌ بها ، فی حدیث‌ الثقلین‌ المتواتر حیث‌ قال‌ : (انّی‌ تارکٌ فیکُم‌ُ الثَقَلین‌ِکتاب‌َ الله وعترتی‌ أهل‌ بیتی ما إن‌ تَمَسّکتم‌ بهما لَن‌ْ تضِلوا أبداً ) کما رواه‌ مسلم‌ فی صحیحه‌ وغیره‌ من‌ عشرات‌ المحدّثین‌ والعلماء فی جمیع‌ القرون‌ الإسلامیة (16).
و قد کان‌ مثل‌ هذا الاستخلاف‌ والوصیة أمراً رائجاً فی حیاة الأنبیاء السابقین‌ (17).
ویَعتقد الشیعةُ الجعفریة بأن‌ على‌ الأمّة الإسلامیة ـ أعزّها اللهُ ـ أن‌ تناقش‌َ وتدرس‌َ هذه‌ الأمور ، بعیداً عن‌ السَب‌ّ والشتم‌ ، والإیهام‌ والاتهام‌ ، والتهویل‌ والتهریج‌ ، وأن‌ّ على‌ العلماء والمفکرین‌ من‌ جمیع‌ الطوائف‌ والفرق‌ الإسلامیة أن‌ یجتمعوا فی مؤتمرات‌ علمیة ، ویدرُسوا بصفاء وإخلاص‌ ، وباُخوة وموضوعیّة ما یقوله‌ اخوانُهم‌ من‌ الشیعة الجعفریة ، وما یقیمونَه‌ من‌ أدلة على‌ نظریّتهم‌ ، فی ضوء کتاب‌ الله والصحیح‌ المتواتر من‌ سنّة رسول‌ الله ( صلى الله علیه و آله وسلم) ، والعقل‌ الحصیف‌ ، والمحاسَبة التاریخیة ، والتقییم‌ السیاسی‌ والاجتماعی‌ العام‌ فی عهدِ رسول‌الله ( صلى الله علیه و آله وسلم) وبعده‌ .
ویَعتقدُ الشیعةُ الجعفریّة بأن‌ّ الصحابةَ ، ومن‌ کان‌ حول‌ رسول‌ الله ( صلى الله علیه و آله وسلم) من‌ الرجال‌ والنساء ، خَدموا الإسلام‌ ، وبذلوا النَفْس‌َ والنفیس‌ فی سبیل‌ نشره‌ واقراره‌ ، وأن‌ّ على‌ المسلمین‌ أن‌ یحترموهم‌ ، ویثمنّوا خدماتهم‌ ، ویترضّوا علیهم‌ .
إلاّ أن‌ّ هذا لا یعنی أن‌ّ جمیعهم‌ عدول‌ بصورة مطلَقة ، وأنّهم‌ فوق‌ أن‌ تُعرض‌ بعض‌ُ مواقفهم‌ وأعمالهم‌ على‌ محّک النقد ، ذلک لأنّهم‌ بشر یخطى‌ء ویُصیب‌ ، وقد ذکر التاریخ‌ أن‌ّ بعضَهم‌ شذّ عن‌ الطریق‌ حتى‌ فی عهد رسول‌ِ الله ( صلى الله علیه و آله وسلم) ، بل‌ وصرّح‌ القران‌ الکریم‌ بذلک فی بعض‌ سوره‌ وآیاته‌ مثل‌ سورة المنافقین‌ والأحزاب‌ والحجرات‌ والتحریم‌ والفتح‌ ومحمّد والتوبة ) .
فلا یعنی النقدُ النزیه‌ُ لمواقف‌ بعضهم‌ کفراً ، لأن‌ّ ملاکَ الإیمان‌ والکفر واضح‌ ، ومحورَهما بیِّن‌ وهو إثبات‌ أو نفی التوحید والرسالة ، والضروری‌ِ والبدیهی‌ِ من‌ أمر الدین‌ ، کوجوب‌ الصلاة والصوم‌ والحج‌ وحرمة الخمر والمیسر وما شابه‌ ذلک .
نعم‌ ، یجب‌ صیانة اللسان‌ عن‌ السَب‌ّ والشتم‌ وحفظ‌ القلم‌ عن‌ الإسفاف‌ ، فلیس‌ ذلک من‌ شأن‌ المسلم‌ المهذّب‌ ، المتأسی‌ بسیرة خاتم‌ النبیین‌ محمّد ( صلى الله علیه و آله وسلم) ، ومع‌ ذلک فاِن‌ أکثر الصحابة صالِحُون‌ مُصْلِحُون‌ جَدِیرون‌ بالاحترام‌ ،
على‌ أن‌ إخضاعهم‌ لقواعد الجرح‌ والتعدیل‌ إنما هو للوقوف‌ على‌ السنّة النبوّیة الصحیحة الموثوق‌ بها مع‌ العلم‌ بتکاثر الکذب‌ والافتراء على‌ رسول‌ الله ( صلى الله علیه و آله وسلم) بعده‌ ـ کما یعلم‌ الجمیع‌ ، وقد أخبر النبی‌ّ ( صلى الله علیه و آله وسلم) نفسه‌ بوقوعه‌ ـ وهو ما حدى‌ بعلماء من‌ الفریقین‌ کالسیوطی‌ وابن‌ الجوزی‌ وغیرهما إلى تألیف‌ کتب‌ قیمة للفرز بین‌ الأحادیث‌ الصادرة حقّاً عن‌ النبی‌ّ الکریم‌ ( صلى الله علیه و آله وسلم) وبین‌ الموضوعات‌ والمفتراة علیه‌ .
والشِیعةُ الجعفریّةُ یعتقدون‌ بوجود الإمام‌ المهدی‌ّ المنتظر ، لروایات‌ کثیرة وَرَدت‌ عن‌ رسول‌ الله ( صلى الله علیه و آله ) بأنّه‌ من‌ وُلد فاطمة ، وأنه‌ تاسع‌ وُلد الحسین‌ ( علیه السَّلام ) ، وحیث‌ ان‌ّ الوَلَد الثامن‌َ للحسین‌ ( علیه السَّلام ) هو الإمام‌ُ الحسن‌ُ العسکری‌ وقد تُوفّی عام‌ ۲6۰ هجریة ، ولم‌ یکن‌ له‌ إلاّ وَلَدٌ واحد ، اسمُه‌ ( محمّد ) فهو الإمام‌ُ المهدی‌ُ المکنّى‌ بأبی‌ القاسم‌ (18) ، وقد راه‌ جمع‌ من‌ ثقات‌ المسلمین‌ وأخبروا بولادته‌ وخصوصیاته‌ ، وإمامته‌ والنص‌ علیه‌ من‌ جانب‌ والده‌ ، وقد غاب‌ عن‌ الأنظار بعد خمس‌ سنوات‌ من‌ ولادته‌ ، لأن‌ّ الأعداء أرادوا قتله‌ والقضاء علیه‌ ، و لأن‌ّ الله تعالى‌ ادّخره‌ لإقامة الحکومة الإسلامیة العادلة الشاملة فی آخر ، الزمان‌ ، وتطهیر الأرض‌ من‌ الظلم‌ والفَساد بعد أن‌ تُملأَ منهما .
و لا غرابة ، کما لا داعی‌ للعَجَب‌ِ ، لطُول‌ عمره‌ ، فقد ذکر القران‌ُ أن‌ّ المسیح‌ ( علیه السَّلام ) حی‌ إلى الآن‌ ، وأن‌ّ نوحاً ( علیه السَّلام ) عاش‌ بین‌ قومه‌ ألف‌ سنة إلاّ خمسین‌ عاماً یدعوهم‌ إلى الله ، وأن‌ّ الخضر ( علیه السَّلام ) لایزال‌ موجوداً .
فالله قادر على‌ کل‌ شی‌ء ، ومشیئته‌ ماضیة لا رادّ لها ولا دافع‌ ، ألم‌ یقل‌ فی شأن‌ النبى‌ّ یونس‌ علیه‌ وعلى‌ نبیّنا السلام‌ :
( فَلَوْلَا أَنَّهُ کَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِینَ * لَلَبِثَ فِی بَطْنِهِ إِلَى یَوْمِ یُبْعَثُونَ )(19) .
ولقد أقرّ جمع‌ کبیر من‌ علماء أهل‌ السنّة الأجلاء بولادة الإمام‌ المهدی‌ ( علیه السَّلام ) ووجوده‌ ، وذکروا اسم‌ والدیه‌ وأوصافه‌ مثل‌ :
أ ـ عبد المؤمن‌ الشبلنجی الشافعی‌ فی کتابه‌ : نور الأبصار فی مناقب‌ آل‌ بیت‌ النبی‌ّ المختار .
ب‌ ـ ابن‌ حجر الهیتمی‌ المکی الشافعی‌ فی کتابه‌ : الصواعق‌ المحرقة حیث‌ قال‌ عنه‌ : أبو القاسم‌ محمد الحجة وعمره‌ عند وفاة أبیه‌ خمس‌ سنین‌ ، لکن‌ آتاه‌ الله فیها الحکمة ویسمّى‌ القائم‌ المنتظر .
ج‌ ـ القندوزی‌ الحنفی‌ البلخی‌ فی کتابه‌ : ینابیع‌ المودة ، المطبوع‌ فی الآستانة بترکیّا أیام‌ الخلافة العثمانیة .
هـ السید محمد صدیق‌ حسن‌ القنوجی‌ البخاری‌ فی کتابه‌ : الإذاعة لما کان‌ وما یکون‌ بین‌ یدی‌ الساعة ، هذا من‌ المتقدّمین‌ .
ومن‌ المتأخّرین‌ الدکتور مصطفى‌ الرافعی فی کتابه‌ : إسلامنا ، حیث‌ تعرض‌ لمسألة الولادة بإسهاب‌ ، وردّ على‌ جمیع‌ الإشکالات‌ والاعتراضات‌ الواردة فی هذاالمجال‌ .
والشیعةُ الجعفریةُ یُصَلّون‌ ویَصُومون‌ ویزکون‌ ویُخمّسون‌ أموالَهم‌ ، ویحجون‌ إلى بیت‌ الله الحرام‌ بمکّة المکرّمة ، ویؤدون‌ مناسک العمرة والحج‌ فی العمر مرّةً وجوباً ، وأکثر من‌ ذلک ، استحباباً ، ویأمُرون‌ بالمعروف‌ ویَنهَون‌ عن‌ المنکر ، ویَتولّون‌َ أولیاء الله ، وأولیاء نبیّه‌ ، ویُعادُون‌ أعداء الله وأعداء نبیّه‌ ، ویجاهدُون‌ فی سبیل‌ الله کل‌ّ کافر أو مشرک یعلن‌ُ الحرب‌ على‌ الإسلام‌ ، وکل‌ّ متآمر على‌ الأمّة الإسلامیة ، ویُجرُون‌ نشاطاتِهم‌ الاقتصادیّة والاجتماعیّة والعائلیة کالتجارة والإجارة والنّکاح‌ِ والطلاق‌ والإرث‌ والتربیة والرضاع‌ والحجاب‌ وغیرها وفقاً لأحکام‌ الإسلام‌ الحنیف‌ ، آخِذین‌ هذه‌ الأحکام‌ ـ عن‌ طریق‌ الاجتهاد الذی‌ یقوم‌ به‌ فقهاؤُهم‌ الأتقیاء الورِعون‌ ـ من‌ الکتاب‌ والسنّة الصحیحة ، وأحادیث‌ أهل‌ البیت‌ الثابتة ، والعقل‌ وإجماع‌ العلماء .
ویرون‌ أن‌ّ لکل‌ فریضة من‌ الفرائض‌ الیومیّة وقتاً معیّناً ، وأن‌ّ أوقات‌ الصلوات‌ الیومیّة هی‌ خمسة : ( الفجر والظهر والعصر والمغرب‌ والعشاء ) وأن‌ّ الأفضل‌ هو الإتیان‌ُ بکل‌ّ صلاة فی وقتها الخاص‌ ، إلا أنّهم‌ یَجمعون‌ بین‌ صلاتی‌ الظهر و العصر ، وبین‌ صلاتی‌ المغرب‌ والعشاء ، لأن‌ّ رسول‌ الله ( صلى الله علیه و آله ) جَمع‌َ بینهما من‌ دون‌ عذرٍ ولا مرضٍ‌ ولا مطرٍ ولا سَفرٍ ـ کما فی صحیح‌ مسلم‌ وغیره‌ ـ تخفیفاً على‌ الأمّة ، وتسهیلاً علیها ، وهو أمر طبیعی‌ فی عصرنا الحاضر .
ویُؤذِّنون‌ کما یؤذّن‌ُ سائرُ المسلمین‌ إلاّ أنّهم‌ یأتون‌ ـ بعد : ( حی‌ّ على‌ الفلاح‌ ) ـ بجملة ( حی‌ّ على‌ خیرِ العَمَل‌ ) لأنّها کانت‌ فی زمن‌ رسول‌ الله ( صلى الله علیه و آله وسلم) ، وإنما حذفها ـ اجتهاداً ـ عمرُ بن‌ الخطاب‌ بحجة أنها تُصرِف‌ُ المسلمین‌ عن‌ الجهاد ، إذا عرفوا أن‌ّ الصلاة هی‌ خیر العمل‌ ( کما صرح‌ بذل العلامّة القوشجی‌ الأشعری‌ فی کتابه‌ شرح‌ تجرید الاعتقاد ، وجاء فی المصنّف‌ للکندى‌ وکنز العمّال‌ للمتقی‌ الهندی‌ وغیرهم‌ ) . بینما أضاف‌َ عمرُ بن‌ الخطاب‌ عبارة ( الصّلاةُ خیر من‌ النوم‌ ) ، والحال‌ أنها لم‌ تکن‌ فی زمن‌ النّبى‌ ( صلى الله علیه و آله ) . ( راجع‌ کتب‌ الحدیث‌ والتاریخ‌ ) .
و حیث‌ أن‌ّ العبادة ومقدّماتها فی الإسلام‌ موقوفة على‌ أمر ، الشرع‌ المقدس‌ واذنِه‌ ، بمعنى‌ أنه‌ یجب‌ أن‌ یستند کل‌ شی‌ء فیها إلى نص‌ خاص‌ أو عام‌ من‌ الکتاب‌ والسنّة ، والاّ کان‌ بدعة مرفوضة ومردودة على‌ صاحبها . . . لذلک لا یمکن‌ الزیادة والنقصان‌ فی العبادات‌ ، بل‌ فی کل‌ أمور الشرع‌ بالرأی‌ الشخصی‌ .
وأمّا ما یضیفُه‌ الشیعةُ الجعفریّةُ بعد ( أشهَد أن‌ّ محمّداً رسول‌ُ الله ) إذ یقولون‌ : ( أشهدُ أن‌ّ علیّاً ولیُ‌ الله ) ، فهو لِروایات‌ وَرَدت‌ عن‌ رسول‌ الله وأهل‌ البیت‌ صلوات‌ الله علیهم‌ ، تُصرِّح‌ بأنّه‌ ما ذکرت‌ جملة ( محمّد رسول‌ الله ) أو کُتِبت‌ على‌ باب‌ الجنة إلاّ وأردفت‌ بجملة : ( علی‌ّ ولی‌ّ الله ) ، وهی‌ جملة تنبی‌ء عن‌ أن‌ّ الشیعة لا یقولون‌ بنبوّة علی ( علیه السَّلام ) ، فضلاً عن‌ القول‌ باُلوهیته‌ وربوبیّته‌ والعیاذ بالله .
فلذلک جاز ذکرُها إلى جانب‌ الشهادتین‌ رجاء أن‌ تکون‌ مطلوبةً من‌ قِبل‌ الله تعالى‌ ، ولا یؤتى‌ بها بقصد الجزئیة أو الوجوب‌ وهذا هو ما علیه‌ الأغلبیة الساحقة من‌ فقهاء الشیعة الجعفریة .
و لهذا فان‌ّ هذه‌ الزیادة التی یُؤتى‌ بها لا بقصد الجزئیة کما قلنا ، لا تُعدّ من‌ قبیل‌ ما لا أصل‌ له‌ فی الشرع‌ فلا تکون‌ بدعةً .
ویَتوضّأ الشیعة الجعفریّة بغسل‌ أیدیهم‌ من‌ المرافق‌ إلى رؤُوس‌ الأصابع‌ لا العکس‌ ، لأنّهم‌ أخذوا کیفیة الوُضوء من‌ أئمة أهل‌ البیت‌ : وهم‌ أخذوه‌ عن‌ رسول‌ الله ( صلى الله علیه و آله ) وهم‌ أدرى‌ من‌ غیرهم‌ بما کان‌ یفعلُه‌ جَدهم‌ ، وقد کان‌ رسول‌ الله ( صلى الله علیه و آله وسلم) یفعل‌ هکذا ، وقد فسّروا ( إلى‌ ) فی آیة الوضوء ـ المائدة ، الآیة 6 ، بـ ( مع‌ ) ، کما فعل‌ ذلک الشافعی‌ الصغیر فی کتابه‌ : ( نهایة المحتاج‌ ) .
کما أنّهم‌ یمسَحون‌ أرجلَهم‌ ورؤوسَهم‌ ولا یغسلونها فی الوضوء لنفس‌ السبب‌ الذی‌ ذکرناه‌ ، ولأن‌ّ ابن‌ عباس‌ قال‌ : الوضوء غَسلتان‌ ومسحتان‌ ، أو مَغسولان‌ ومَمسوحان‌ ، ( راجع‌ السنن‌ والمسانید ، وراجع‌ تفسیر الفخر الرازی‌ عند تفسیر آیة الوضوء ) .
ویقولون‌ بجواز زواج‌ المتعة لنص‌ّ القران‌ الکریم‌ به‌ إذ قال‌ : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم‌ْ بِه‌ِ مِنْهُن‌ّ فَآتُوهُن‌ّ أجُورَهُن‌ّ )(20) ، ولأنه‌ فَعَلَه‌ المسلمون‌ فی عهد رسول‌ِ الله ( صلى الله علیه و آله ) وفعَله‌ صحابتُه‌ إلى منتصف‌ِ عهد خلافة عمر بن‌ الخطاب‌ ، و هو زواج‌ شرعی‌ یشارک الزواج‌َ الدائم‌ فی‌ :
أ ـ أن‌ تکون‌ المرأةُ غیرَ ذات‌ بعل‌ ، وفی‌ إجراء الصیغة المتکوّنة من‌ الإیجاب‌ من‌ جانب‌ المرأة والقبول‌ِ من‌ جانب‌ الرجل‌ .
ب‌ ـ وفی‌ وجوب‌ إعطاء مال‌ إلى المرأة یسمّى‌ فی الدائم‌ : المَهر ، وفی‌ المتعة : الأجر ، بنص‌ القرآن‌ کما مرّ أعلاه‌ .
د ـ وفی‌ وجوب‌ اتخاذ العدّة من‌ جانب‌ المرأة بعد حصول‌ انفصال‌ الزوج‌ عن‌ الزوجة .
ه ـ وفی‌ وجوب‌ العِدّة بعد المفارقة ، والتحاق‌ الوَلَد بالوالد ، ووجوب‌ أن‌ یکون‌ الزوج‌ واحداً لا أکثر .
و ـ وفی‌ التوارث‌ بین‌ الوَلَد والوالد ، والولد والوالدة وبالعکس‌ أیضاً .
و یفارق‌ الزواج‌َ الدائم‌َ فی تعیین‌ مدة فی الزواج‌ المؤقّت‌ وفی عدم‌ وجوب‌ النفقة و القسمة على‌ الزوج‌ للزوجة ، وعدم‌ التوارث‌ بین‌ الزوجین‌ ، وعدم‌ الحاجة إلى الطلاق‌ من‌ أجل‌ الانفصال‌ ، بل‌ یکفی‌ انقضاء المدّة المقررة أو التنازل‌ عن‌ بقیة المدة المذکورة فی نص‌ العقد لها .
و حکمة تشریع‌ هذا النمط‌ من‌ الزواج‌ هی‌ الاستجابة المشروعة والمشروطة لحاجة الرجال‌ والنساء الجنسیّة لمن‌ لا یستطیع‌ القیام‌ بکل‌ لوازم‌ الزواج‌ الدائم‌ ، أو حُرِم‌ من‌ الزوجة ، لوفاة أو سبب‌ آخر وبالعکس‌ ، مع‌ إرادة العیش‌ بکرامة وشرف‌ ، وبالتالی‌ فالمتعة فی الدرجة الأولى‌ حل‌ لمعضلة اجتماعیة خطیرة ، ولمنع‌ وقوع‌ المجتمع‌ الإسلامی‌ فی مستنقع‌ الفساد والإباحیة .
و قد یستفاد منها لأغراض‌ التعارف‌ المشروع‌ قبل‌ الزواج‌ ، وهو بالتالی‌ یمنع‌ من‌ اللقاء الحرام‌ ، والزنا ، والکبت‌ الجنسی‌ أو استخدام‌ الأمور الأخرى‌ المحرّمة کالاستمناء بالنسبة لمن‌ لا یُطیق‌ الصبرَ على‌ زوجة واحدة ، أو لا یمکنه‌ إدارة زوجة ـ أو أکثر من‌ زوجة ـ اقتصادیاً ومعیشیاً وفی نفس‌ الوقت‌ لا یرید الحرام‌ .
و على‌ کل‌ّ حال‌ ، فان‌ّ هذا الزواج‌ یستند إلى الکتاب‌ والسنّة ، وعمِل‌ الصحابةُ به‌ ردحاً من‌ الزمن‌ ، ولو کان‌ زنا لکان‌ معناه‌ أن‌ّ القرآن‌ والنبی‌ والصحابة قد أحلّوا الزِّنا وارتکب‌ فاعله‌ الزنا مدّة من‌ الزمن‌ ، والعیاذ بالله .
هذا مضافاً إلى أن‌ّ نَسخه‌ لا یستند إلى الکتاب‌ والسنّة ، ولم‌ یقم‌ْ علیه‌ دلیل‌ قاطع‌ وصریح‌ (21) .
على‌ أن‌ّ الشیعة الإمامیة وان‌ کانوا یبیحون‌ ویحلّون‌ هذا النوع‌ من‌ النکاح‌ المشرّع‌ والمشروع‌ بنص‌ الکتاب‌ والسنّة الاّ أنّهم‌ یرجّحون‌ النکاح‌ الدائم‌ وإقامة العائلة لکونها أساس‌ المجتمع‌ القوى‌ّ السّلیم‌ ، ولا یمیلون‌ إلى الزواج‌ المؤقت‌ المسمى‌ فی الشریعة بالمتعة مع‌ کونها ـ کما قلنا ـ حلالاً مشروعاً .
المصادر :
1- سورة البینة ( 98 ) ، الآیة : 7 .
2- راجع‌ للمثال‌ : تفسیر الطبری‌ ( جامع‌ البیان‌ ) والدرّ المنثور للعلامة السیوطی‌ الشافعی‌ ، وتفسیر روح‌ المعانى‌ للآلوسی البغدادی‌ الشافعی‌ عند تفسیر الآیة الحاضرة
3- سورة الحجرات ( 49 ) ، الآیة : 10 .
4- سورة المائدة ( 5 ) ، الآیة : 2 .
5- مسند أحمد : 1 / 215 .
6- البخاری ، کتاب الأدب : 27 .
7- کتاب‌ تأسیس‌ الشیعة لعلوم‌ الإسلام‌ ، للصدر ، والذریعة إلى تصانیف‌ الشیعة لآغا بزرک ( الذی‌ یقع‌ فی ۲۹ مجلداً ) وکشف‌ الظنون‌ للأفندی‌ ومعجم‌ المؤلفین‌ ، لکحالة ، وأعیان‌ الشیعة للسید محسن‌ الأمین‌ العاملی ، وغیرها
8- یتقید الشیعة الإمامیة بذکر آل‌ النّبی‌ إلى جانب‌ اسمه‌ عند الصلاة والتسلیم‌ علیه‌ ، لأمره‌ صلى‌الله علیه‌ واله‌ بذلک کما جاء فی ‌بعض‌الصحاح‌ الستة وغیرها .
9- راجع‌ : کتاب‌ الإرشاد للشیخ‌ المفید ، وإعلام‌ الورى‌ بأعلام‌ الهدى‌ للطبرسی‌ ، وموسوعة بحار الأنوار للمجلسی‌ ، وموسوعة الرسول‌ المصطفى‌ للسید محسن‌ الخاتمی‌ مؤخّراً
10- راجع‌ کتاب‌ تاریخ‌ القرآن‌ للزنجانی ، والتمهید فی علوم‌ القرآن‌ لمحمد هادى‌ معرفة ، وغیرهما
11- هذه‌ الآیات‌ هی‌ : قوله‌ تعالى‌ فی آیة التبلیغ‌ ( یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ یَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ یَهْدِی الْقَوْمَ الْکَافِرِینَ ) سورة المائدة /الآیة : 67 .
و قوله‌ تعالى‌ فی آیة الإکمال‌ : ( الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی وَرَضِیتُ لَکُمُ الإِسْلاَمَ دِینًا ) سورة المائدة / الآیة : 3 .
و قوله‌ تعالى‌ : ( الْیَوْمَ یَئِسَ الَّذِینَ کَفَرُواْ مِن دِینِکُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ) سورة المائدة / الآیة : 3 .
و قوله‌ تعالى‌ : ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِّلْکَافِرینَ لَیْسَ لَهُ دَافِعٌ ) سورة المعارج / الآیة : 1 و 2 .
12- راجع‌الغدیر للعلامة الأمِینی نقلاً عن‌ مصادر إسلامیة تفسیریة وتاریخیة عدیدة
13- سورة الشورى / الآیة : 23 .
14- سورة التوبة / الآیة : 119 .
15- راجع‌ فی هذا المجال‌ کتاب‌ : الإمام‌ الصادق‌ والمذاهب‌ الأربعة لأسد حیدر - والذی‌ یقع‌ فی ۳ مجلدات‌ - وغیره‌
16- راجع‌ رسالة حدیث‌ الثقلین‌ للوشنوی‌ التی صَدَّق‌ علیها الأزهر الشریف‌ قبل‌ حوالی‌ ثلاثة عقود
17- راجع‌ : إثبات‌ الوصیة للمسعودی‌ ، وکتب‌ الحدیث‌ والتفسیر والتاریخ‌ للفریقین‌ ) .
18- وفی‌ الصحاح‌ وغیرها من‌ مؤلفات‌ الفریقین‌ أن‌ّ النبی‌ّ صلّى‌ الله علیه‌ واله‌ قال‌ : ( سیظهَر فی آخرِ الزمان‌ رجل‌ من‌ ذریتی‌ اسمه‌ اسمی‌ وکنیته‌ُ کنیتی یملاء الأرض‌ عدلاً وقسطاً بَعد أن‌ مُلِئَت‌ ظلماً وجوراً ) .
19- سورة الصافات / الآیة : 143 و 144 .
20- سورة النساء /الآیة : 24 .
21- راجع‌ کل‌ّ أحادیث‌ المتعة فی الصحاح‌ والسنن‌ والمسانید المعتبرة عند المذاهب‌ الإسلامیة المختلفة .

source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الامام الرضا في سطور
الإمام الحسين في ظلال السنة(الطائفة الأولى)
دور الإستعارة الدلالي في نهج البلاغة
إخبار الله تعالى بقيام القائم عليه السّلام
من معاجز أمير المؤمنين عليه السّلام
ولادة الإمام الحسن العسكري عليه السلام
الأسرة وأهمية دورها التربوي في إعداد الأجيال
خطبة شعبان وفضائل شهر رمضان
إبراز الحب‏
قول أهل الذكر بخصوص أهل البيت

 
user comment