عربي
Wednesday 24th of April 2024
0
نفر 0

الجنة و النار

الجنة و النار
 

يساق الناس بعد أهوال الحساب والصراط والميزان إلى المستقر الأبدي ، فإمّا إلى نعيم الجنة ، وإمّا إلى عذاب النار.
أوّلاً : صفة الجنة وأهلها ونعيمها صفة الجنة : وهي الدار التي أعدّها الله سبحانه لمن عرفه وعبده من المتقين والمؤمنين والصالحين ، ونعيمها دائم لا انقطاع له ، وهي دار البقاء ، ودار السلامة ، لا موت فيها ولا هرم ولا سقم ، ولا مرض ولا آفة ، ولا زوال ولا زمانة ، ولا غمّ ولا همّ ، ولا حاجة ولا فقر ، وهي دار الغنى والسعادة ، ودار المقامة والكرامة ، لا يمّس أهلها فيها نصب ، ولا يمسّهم فيها لغوب ، ولهم فيها ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين ، وهم فيها خالدون ، وهي دار أهلها جيران الله وأولياؤه وأحبّاؤه ، وأهل كرامته (1).

أهل الجنّة :

( أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ).
وصف القرآن الكريم الفائزين بالنعيم المقيم والملك العظيم ، بأنّهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، والذين اتقوا ربهم ، والذين آمنوا بالله ورسله ، وأطاعوا الله ورسوله ، والذين صبروا ابتغاء وجه الله ، وأقاموا الصلاة ، وانفقوا مما رزقهم الله سرّاً وعلانية ، والصديقون والشهداء ، والذين اتّبعوا هدى الله ، والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله ، والذين خافوا مقام ربهم ونهوا النفس عن الهوى ، والذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ، والذين هاجروا في سبيل الله ثم قُتِلوا أو ماتوا ، وعباد الله المخلصون ، والذين آمنوا بآيات الله وكانوا مسلمين ، ويتبعهم من صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم المؤمنين ، وكلّ أواب حفيظ ، من خشي الرحمن بالغيب ، وجاء بقلب سليم .
وجاء عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في وصف ما كان عليه أهل الجنة في الدنيا ، وذلك فيقوله تعالى : ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا )
قال عليه‌السلام : « قد اُمِن العذاب ، وانقطع العتاب ، وزُحزحوا عن النار ، واطمأنّت بهم الدار ، ورضوا المثوى والقرار ، الذين كانت أعمالهم في الدنيا زاكية ، وأعينهم باكية ، وكان ليلهم في دنياهم نهاراً ، تخشّعاً واستغفاراً ، وكان نهارهم ليلاً توحّشاً وانقطاعاً ، فجعل الله لهم الجنة مآباً ، والجزاء ثواباً ، وكانوا أحق بها وأهلها ، في ملك دائم ، ونعيم قائم » (2).
أقسام المقيمين فيها : ذكر الشيخ المفيد أن الساكنين في الجنة على ثلاثة أضراب ، وهم :
1 ـ من أخلص لله تعالى ، فذلك الذي يدخلها على أمانٍ من عذاب الله.
2 ـ من خلط عمله الصالح بأعماله السيئة ، وكان يسوّف منها التوبة ، فاخترمته المنية قبل ذلك ، فلحقه خوف من العقاب في عاجله وآجله ، أو في عاجله دون آجله ، ثم سكن الجنة بعد عفو الله أو عقابه.
3 ـ من يتفضّل عليه الله سبحانه بغير عملٍ سلف منه في الدنيا ، وهم الولدان المخلدون ، الذين جعل الله تعالى تصرّفهم لحوائج أهل الجنة ثواباً للعاملين ، وليس في تصرّفهم مشاقّ عليهم ولا كلفة ، لأنّهم مطبوعون إذ ذاك على المسارّ بتصرفهم في حوائج المؤمنين (3).
صفة نعيم الجنة : حُفّت الجنة بأنواع اللذات والنعم ، ولأهلها فيها نعيم مقيم
وسرور دائم ، ولهم فيها كلّ ما يشاءون وجميع ما يشتهون ، قال تعالى :
( فِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ) وقال سبحانه : ( لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ )
وفي الجنة ما لا تحيط بوصفه الكلمات وما لم يسمع به بشر مما أعدّه الله سبحانه لعباده المتقين ، قال تعالى : ( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )
وفي الحديث القدسي : « قال الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا اُذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر » (4).
اللذائذ الحسية : ثواب أهل الجنة الالتذاذ بالمآكل والمشارب ، والمناظر والمناكح ، وما تدركه حواسهم مما يُطبعون على الميل إليه ، ويدركون مرادهم بالظفر به (5).
وفيما يلي وصف لبعض تلك اللذائذ وفقاً لما جاء في الكتاب الكريم :
1 ـ المأكل والمشرب : يُرزَق أهل الجنة بغير حسابٍ رزقاً كريماً واُكلاً وافراً ، ليس له نفاد ، مما تشتهيه أنفسهم من أنواع الطعام والشراب ، ولهم فيها فاكهة كثيرة ممّا يتخيّرون ، لا مقطوعة ولا ممنوعة ، دانية عليهم ظلالها ، وذللت لهم قطوفها تذليلاً ولهم فيها شراب طهور ، ويسقون خمرةً مختومةً بالمسك ، لا تحدث صداعاً ، ولا تذهب عقلاً ، ولا لغو فيها ولا تأثيم ، ويطاف عليهم بكأسٍ منها بيضاء لذيذة ، ممزوجة بأنواع الطيب كالكافور والزنجبيل ، وفيها أنهار كثيرة وعيون ، منها أنهار من ماءٍ غير آسن ، وأنهار من لبن لم يتغيّر طعمه ، وأنهار من خمرٍ لذّة للشاربين ، وأنهار من عسل مصفّى ، ويشربون من أعذب العيون كالتسنيم والسلسبيل ، ويقال لهم : كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون .
2 ـ الملابس والحُليّ : وفي الجنة يرفل المؤمنون بثيابٍ خضرٍ من أرقّ أنواع الحرير والديباج ، كالسندس والاستبرق ، ويُحلّون فيها بأساور من ذهبٍ ولؤلؤ وفضّة .
3 ـ التمتّع بالمناظر : ويتمتّعون بالمناظر الخلّابة وهم متكئون على الأرائك المنصوبة على أطراف الأنهار المتصلة الجريان ، وتحت الظلال الوارفة الدائمة ، لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً ، ينظرون إلى المياه المسكوبة ، والعيون الجارية ، وحدائق النخل والأعناب والرمان الغنّاء ، وأفنانها المتهدّلة بمختلف الأثمار .
4 ـ التمتّع بالقصور وأثاثها : يدخل المؤمنون جناتٍ واسعة عرضها السماوات والأرض ، وأبوابها مشرعة لهم ، وتحرسها الملائكة المتأهّبة لاستقبالهم ، ولهم فيها درجات متفاضلات بعضها فوق بعض ، بحسب خيرية العمل ، في قصور الجنة وغرفها ، وفيها مساكن طيبة في جنات الخُلد العالية ، وغرف من فوقها غرف مبنية ، تجري من تحتها الأنهار ، وهم يفترشون بسطاً حساناً من العبقري ، بطائنها من استبرق ، ومتكئون على وسائد خضر مصفوفة مرفوعة ، حال كونهم متقابلين ، ويطاف عليهم بصحاف من ذهبٍ ، وآنية من فضة ، وأكواب وأباريق وكؤوس بما اشتهت أنفسهم .
5 ـ الولدان المخلّدون : ويتمتّع أهل الجنة بالخدمة المتصلة من الغلمان المخلدين الذين جعلهم الله سبحانه في منتهى الجمال والصفاء وحسن المنظر ، قال تعالى : ( وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا )
6 ـ الأزواج والحور العين : ولهم في الجنة أزواج مطهّرة من الحور العين مقصورات في الخيام ، قد جعلهنّ الله عُرباً ؛ متحببات إلى أزواجهنّ ، قاصرات الطرف عليهم دون غيرهم ، كواعبَ أتراباً في العمر ، أبكاراً لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ، ساحرات الجمال ، فكأنهنّ الياقوت والمرجان ، أو كأمثال اللؤلؤ أو البيض المكنون .
اللذائذ الروحية : وفوق ذلك يتمتع أهل الجنة بنعيم روحي أو عقلي ، يتمثّل برضوان الله تعالى ومغفرته ورحمته بهم ، وإحساسهم بالسرور لترحيب الملائكة بهم ، ولسعادتهم الدائمة ، والشعور بالأمن من خوف العذاب والحزن وكلّ مظاهر اللغو والكذب والتأثيم والتحاسد والتباغض .

صفة النار وأهلها وعذابها

صفة النار : النار هي دار الهوان ودار الانتقام من أهل الكفر والعصيان ، وقد وصفها القرآن الكريم بأنها كالسجن ، محيط بالكافرين ، حصير لهم ، ولها سرادق محيط بها ، وأنها مُؤصدة في عمدٍ ممدّدة ، وفيها ظلّ ذو ثلاث شعب ، لكنه غير ظليل ، ولا يقي من شدّة فورانها وتصاعد لظاها ، وأن وقودها الناس والحجارة ، وأوارها لا ينقطع ، فكلما خبت ازدادت سعيراً ، وتحرسها ملائكة غلاظ شداد موكّلون بالعذاب ، لا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون ، ولها سبعة أبواب ، لكلّ باب منهم جزء مقسوم .
وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « أن جهنّم لها سبعة أبواب أطباق بعضها فوق بعض ... فأسفلها جهنّم ، وفوقها لظى ، وفوقها الحطمة ، وفوقها سقر ، وفوقها الجحيم ، وفوقها السعير ، وفوقها الهاوية ».
وفي رواية : « أسفلها الهاوية ، وأعلاها جهنّم » (6)
وقال عليه‌السلام في وصفها : « فاحذروا ناراً قعرها بعيد ، وحرّها شديد ، وعذابها جديد ، دار ليس فيها رحمة ، ولا تُسمع فيها دعوة ، ولا تُفرّج فيها كُربه » (7).
أهل النار : ( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ )
جاء في الآيات الكريمة أنّ النار اُعدت للذين كفروا وصدّوا عن سبيل الله وماتوا وهم كفّار ، والمشركين الذين جعلوا مع الله إلهاً آخر ، والمنافقين ، والمتكبرين ، والظالمين ، والطاغين ، والمكذّبين الله سبحانه ورسله ، ومن يعصي الله ورسوله ، ويتولى عن طاعته ، ويتعدى حدوده ، ويستكبر عن عبادته ، ويصدّ عن سبيله ، ويعرض عن ذكره ، ولا يرجو لقاءه ، والمكذبين بيوم الدين ، والذين رضوا بالحياة الدنيا وزينتها واطمأنوا بها وآثروها على الآخرة ، ومن كسب سيئة وأحاطت به خطيئته ، ومن يرتدّ عن دينه ويموت كافراً ، والذين يأكلون أموال الناس بالباطل ، أو يأكلون أموال اليتامى ظلماً ، ومن يقتل مؤمناً متعمداً ، والذين يكنزون الذهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل الله ، وأئمة الجور والضلال ، وتاركي الصلاة .
قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « إني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : يُؤتى يوم القيامة بالامام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر ، فيُلقى في نار جهنم ، فيدور فيها كما تدور الرحى ، ثمّ يُربَط في قعرها » (8).
وعنه عليه‌السلام وهو يعظ أصحابه : « تعاهدوا أمر الصلاة ، وحافظوا عليها ، واستكثروا منها ، وتقرّبوا بها ، فانها كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً ، ألا تسمعون إلى جواب أهل النار حين سئلوا : ( مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ) (9) ؟! ».
الخالدون فيها : لايخلد في النار إلاّ أهل الكفر والشرك ، وأمّا المذنبون من أهل التوحيد ، فإنهم يخرجون منها بالرحمة التي تدركهم والشفاعة التي تنالهم (10).
قال الامام موسى بن جعفر الكاظم عليه‌السلام : « لا يخلد في النار إلّا أهل الكفر والجحود ، وأهل الضلال والشرك » (11).
عذاب النار : يتعرّض أهل النار لأصنافٍ من العذاب الحسي والروحي ، وقد وصف الله تعالى عذابها بالمهين والغليظ والأليم والعظيم والشديد ، فحينما يُساق المجرمون إلى جهنّم زمراً وجماعات ، تتلقّاهم ملائكة العذاب :
أدخلوا أبواب جهنم خالدين فيها ، فبئس مثوى المتكبرين ، هذا والنار تنتظرهم من مكانٍ بعيد ، فإذا رأتهم تغيّظت وزفرت وزأرت كالأسد إذا رأى فريسته على بُعد.
فتُفتح لهم الأبواب ، ويُدعّون فيها دعّاً مع الشياطين وما كانوا يعبدون من دون الله ، فيكونون حصب جنهم ووقود السعير ، وإذا اُلقوا فيها سمعوا لها شهيقاً وهي تفور ، فتكاد تميّز من الغيط ، وتتأجّج نارها ، ويتّقد أوارها ، ويتطاير شررها ، ويتعالى لهيبها ، وهم غرقى فيها ، طعامهم منها ، وشرابهم منها ، ولباسهم منها ، وهي مهادهم وسقفهم ، يلتحفون حممها ، ويفترشون لظاها ، ويتقلقلون بين أطباقها ، فيغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، في مقطّعات النيران وسرابيل القطران ، فتكوي جباههم ، وتلفح وجوههم وتتقلّب في النار ، فتسودّ وجوههم ، وينتزع الشَّوى من رؤوسهم.
وهم خالدون في عذابٍ مقيم ، ويأتيهم الموت من كل مكان وما هم بميتين ، فلا يُقضى عليهم فيموتوا ، ولا يخفّف عنهم من عذابها ، ولا هم يُنْظَرون ، وكلّما نضجت جلودهم بُدّلت باُخرى ليتجدّد عذابهم ، وكلّما أرادوا أن يخرجوا منها من غمّ اُعيدوا فيها ، وقيل لهم : ذوقوا عذاب الحريق.
هذا وهم مقرّنون بالأغلال والسلاسل في الأعناق ، مصفّدون في مكان ضيق ، ثم يُسحبون في الحميم على وجوههم ، ويُؤخَذون بالنواصي والأقدام ، ثمّ في النار يُسجرون ، وتهشّم جباههم بمقامع الحديد ، وينتظرهم عذاب السّموم وشجر الزقّوم والحميم الذي يُصبّ من فوق رؤوسهم ، فيصهر ما في بطونهم والجلود.
وإن استغاثوا من شدة العطش ، يُغاثوا بماءٍ صديدٍ يتجرعونه ولا يكادون يستسيغونه ، أو بماء الحميم فيقطّع أمعاءهم ، أو بماءٍ كالمهل يشوي الوجوه ويغلي في البطون كغلي الحميم ، فلا يذوقون برداً ولا شراباً إلّا حميماً وغسّاقاً ، وهم مع ذلك يشربون منهما شُرب الهيم. وإن استطعموا من شدّة الجوع ، اُطعموا غذاءً ذا غصّة من الغسلين والزّقوم ، وهي شجرة تخرج في أصل الجحيم ، طلعها كأنه رؤوس الشياطين ، وهم مع ذلك لآكلون منها ، فمالئون منها البطون ، فشاربون عليه من الحميم.
ولهم من هول العذاب اصطراخ بين أطباقها ، وهي تغلي بهم غلي المراجل ، فيتعالى زفيرهم وبكاؤهم وعويلهم وتخاصمهم ، وهتافهم بالويل والثبور ، ولكن لا يُسمعون .
وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام فيوصف عذابها : « أما أهل المعصية فأنزلهم شرّ دار ، وغلّ الأيدي إلى الأعناق ، وقرن النواصي بالأقدام ، وألبسهم سرابيل القطران ، ومقطّعات النيران ، في عذابٍ قد اشتدّ حرّه ، وبابٍ قد اُطبق على أهله ، في نارٍ لها كَلَبٌ ولَجَبٌ ، ولهبٌ ساطع ، وقصيف هائل ، لا يظعن مقيمها ، ولا يُفادى أسيرها ، ولا تُفصَم كبولها ، لا مُدّة للدار فتفنى ، ولا أجل للقوم فيُقضى »
عذابها الروحي : وله صور عديدة يعرضها القرآن الكريم ، منها الشعور بالخسران والندامة والخزي والخوف والرهبة ، فينادي الظالمون بالحسرة ، حسرة فوت الجنة ونعيمها ، وفوت لقاء الله ورضوانه ، وينتابهم اليأس من الرحمة والمغفرة ، ويصيبهم الذلّ والصغار حين يعرضون على النار خاشعين من الذلّ ينظرون من طرف خفيّ .
وحينما يُعرَضون على النار ويرون عذابها تتقطّع أنفسهم حسرات من شدة الندم ، فيظهرون البراءة من كبرائهم وساداتهم ، وتتوارد عليهم الأماني ، فيقولون : ( يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا ) ، وكلّ منهم يقول : ( يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ) و( يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ) وأنّى لهم الندم وهم في محضر اليوم العسير ؟!
ويضجّون حسرّة على ما فرّطوا في الدنيا ، فيطلبون العودة إليها ، ليعملوا صالحاً ويكونوا من المؤمنين ، ويتعالى هتافهم : ( فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ )ويصرخون : ( رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ).
وتلك الأماني لا تعدو كونها سراباً بقيعة ، لأنّهم في عالم الجزاء ، عالم لا تنفع فيه الطاعة والانابة وإظهار الندم ، ولو كانوا صادقين لأنابوا وتابوا وهم في دار التكليف والعمل ( وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ).
ومن هنا يأتيهم الجواب : ( فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ )
ويقال لهم : ( اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ) وهو مما يزيد من حسرة نفوسهم وشعورهم بالخذلان والخيبة واليأس من الرحمة والمغفرة ، فيُصلَون جهنم مذمومين مدحورين ملومين.
وممّا يحزّ في نفوسهم هو تبكيت الملائكة وتقريعهم لهم بمجرد أن يدخلوا النار ، قال تعالى : ( كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ) وهم يجيبون بالإقرار والاعتراف : ( بَلَىٰ قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ ) .
وحينما يستسلمون لليأس يقولون لخازن النار : ( يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ) فيقول لهم : ( إِنَّكُم مَّاكِثُونَ )
أعاذنا الله جميعاً من شرّ الجحيم ومن أهوال يوم القيامة ، ورزقنا رحمته التي وسعت كل شيء وشفاعة نبيه المصطفى وآله الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين.
المصادر :
1- الاعتقادات / الصدوق : 76 ، تصحيح الاعتقاد / المفيد : 116.
2- نهج البلاغة / صبحي الصالح : 282 ـ الخطبة (190).
3- تصحيح الاعتقاد / المفيد : 116 ـ 117.
4- كنز العمال / المتقي الهندي 15 : 778 / 43069 ، بحار الأنوار / المجلسي 8 : 191 / 168.
5- تصحيح الاعتقاد / المفيد : 117.
6- مجمع البيان / الطبرسي 6 : 519.
7- نهج البلاغة / صبحي الصالح : 384 ـ الكتاب (27).
8- نهج البلاغة / صبحي الصالح : 235 ـ الخطبة (164).
9- نهج البلاغة / صبحي الصالح : 316 ـ الخطبة (199) والآية من سورة المدّثر : 74 / 42.
10- الاعتقادات / الصدوق : 77.
11- التوحيد / الصدوق : 407 / 6. جماعة المدرسين ـ قم.

source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ادخال ما لیس من الدین فی الدین
مرقدها (زينب الکبري سلام الله عليها)
السعادة في النظام الاخلاقي الاسلامي
تنشيط نظام المناعة بالصيام
المقام العلمي للإمام الباقر عليه السلام
البرمجيات القرآنية المتعددة اللغات بإمكانها أن ...
طبیعة التشریع الإسلامی
الدلالات في القرآن، وفي العهد القديم (قصة يوسف)
ما تنبأ به الامام!
حج فی احادیث الامام الخمینی قدس سره (1)

 
user comment